المحرر موضوع: في ظلال القرآن :: 2016 ::  (زيارة 28680 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6545
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
رد: في ظلال القرآن :: 2016 ::
« رد #80 في: 2018-01-13, 11:49:22 »
عندما قرأت سورة الجن، مرّ بخَلَدي الكثير من الصور، والكثير من التصورات التي شاعت وانتشرت، مرّت بخَلَدي الحكايات التي كنا نسمعها منذ صغرنا، وما انتشر عن الجنّ من صحيح وسقيم، من خرافة وحقيقة ... وليت الحقيقة كانت الغالبة ...

عندما قرأت سورة الجنّ قراءة المتدبر أحسست بالاطمئنان، على غير عادة ما تكون عليه الأحوال عند ذكر الجنّ ! أحسست بالراحة ... أحسست بالاختلاف ... تلمست الحقيقة بقوتها ...
كان كلما ذُكر الجن، خاف من خاف، وارتعب من ارتعب، وتحاشى من تحاشى السماع عنهم، أو الحديث عنهم ... ويالهول الحال إذا ما كان الحديث ليلا ... !

في سورة الجنّ، تعرفت إلى الجنّ ...
استمعت لقول النفر منهم، وتحسست رقيّ فِكرهم، وسلامة منطقهم، بل وعرفت أنّ لهم رشدا ... بل وفهمت كم كانوا يتحرون الرَّشَد والحكمة ...
فذكرت أمر التقوّل عليهم بأنهم أهل التلبّس والدخول في جسم الإنسان، وأنّ من كان متلبَّسا بهم عُدّ كالفاقد لعقله، المُتحكَّم به، المُتسلَّط عليه ...!

ذكرت هذا من حكايات كنا وما نزال نسمعها، مقابل ما عرفت وتلمست من حقيقة في سورة الجن ... فتمثلوا قُبالتي تمثل بريئ متّهَم مُرمَى بتخريفات من نسج أخيلة الإنس، بأكاذيب وأباطيل وأخيلة نفسية جعلوها الحقيقة غصبا ...
فإذا بالإنس المتقوّلون بهذا هم أهل الهذيان والتخريف، والسَّفه، وإذا الجنّ من جنس ذاك "النفر" هم أهل الحكمة والرشاد ... !
وياللمفارقات ... والذي تحرّى الرشد، وعرف مَعين الرُّشد فنهل منه، قد غدا من أوهام الناس وتخريفاتهم وتقوّلاتهم المجرم المتسلط، المتحكم الذي يأخذ من الإنسان كل مأخذ، فإذا هو كالرياح العاتية، وإذا الإنسان معها كالقشة في مهبّها ... !

تبدّت لي الحقيقة بإزاء الأوهام ... وتبدّت لي المسافة بين الحقيقة والخيال وهي القريبة غير البعيدة، وقد صيّرناها من اكتفائنا بالأقوال، والحكايات والمرويات والمنسوجات بعيدة بعيدة  ... بعيدة... على كتاب الله موقعها ... ولكنهم يحفظون الحروف من السورة ويتلونها ويعرضونها، ويحفّظونها وهم بالمقابل ممن يختلق حكايات التلبس ويتداولها، وينقلها ...

عندما قرأت قول النفر في سورة الجن  : " إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآناً عَجَباً " ... أصغيت أكثر فإذا بهم يصفونه بقولهم : "يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ " ... فإذا وصفهم أروع وصف، وأدق وصف ... فإذا هم النفر أهل للرشد ولتبيّن معينه ونبعه ...
فإذا بعقول تزن فتحسن الوزن، وألسنة تصف فتحسن الوصف ...
أصغيت أكثر أنشد الرشد مع  نفر الجنّ فإذا هم يقولون : " فَآمَنَّا بِهِ وَلَن نُّشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَداً" ...
يقرون بوحدانية الله تعالى، ويقرّون بالتوحيد، وألا يشركوا بالواحد أحدا ...
هم أولاء يقتطفون الثمرة الأكثر إيناعا ... الثمرة الأهم... 
هم أولاء من رشدهم يعلنون التوحيد الخالص ويقرّون البراءة من الشرك ...

فأيّ فرق هو وأّي بَون شاسع بين أن نتحاشى ذكر الجن، وأن نصدق تلبسهم بالإنس، وأن نرتعب من مجرد سماع اسمهم قبل وصفهم وكأنهم العُتاة المجرمون، والأشباح المروّعون... وبين أن نستمع للحكمة من أفواه النفر الراشد منهم ...  فنتعلم، ونرى أنفسنا المتعلمين بين أيديهم، نراهم أهل هدى وأصحاب رشاد وحكمة، وأهلا للاقتداء بهم...

أصغيت مرة أخرى للنفر الحكيم، فإذا هم يقولون : "وأنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلا وَلَداً"

تأملت ... فإذا هم قد أعلنوا التوحيد رأسا، وثنّوا بتبرُّئهم من الشرك وقرار مباعدته ... ولم يكتفوا بذلك بل زادوا إيمانهم قوة وجلاء وهم  يقدّرون الله حق قدره، فيفقهون أنّ من عُلوّ شأنه سبحانه عدم اتخاذه الصاحبة والولد .. فكان منهم التوحيد الخالص، والإيمان السليم بعظمته حدّ تنزيهه عما تقوّله الإنس عليه إدّا ...
كان منهم تاما كاملا كما ينبغي لعظيم سلطانه وجلال قدره ...

بل وأصغيت أكثر للنفر الرشيد ..  !
فوجدتهم  وقد اهتدوا يهتدون للسفيه فيهم وهو يقول على الله الشطط.. والكذب، ويالرشادهم وهم يَميزون السفيه من الرشيد ...!
فيا معشر الإنس ... أيّ الفريقين أحق بصفة الرشاد ... نفر الجنّ هذا  أم المتقوّل منا على جنسهم شططا وكذبا .. ؟!!
أي الفريقين أهدى، آإنسيّ يرى الجن شبحا غازيا مستعمرا ضارا عابثا عائثا في جسم الإنسان فسادا، أم جنيّ يسترشد ويستهدي، حتى يهتدي إلى الحق، فيعلن التوحيد والإيمان كأحسن ما يعلنه عبد موحد مؤمن . ؟!

ولا ينقضي العجب من نفر سمعوا قرآنا عجبا ... وأنت لا تفتأ تقرأ عن استرشادهم واهتدائهم للرشاد حتى تقرأ عن الرشد من جديد وهو نشدانهم ...
فأصغيت أيضا ... فإذا هم قائلون : " وإنَّا لا نَدْرِي أشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الأرْضِ أمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدا"

"رشدا" .... إيه ثم إيه للنفر الرشيد ... !
إيه لقوم وعباد هم للرحمن ظننّا بهم السّفه والشر المطلق حتى وإن قال مَن قال عابرا غير راكز : "إن منهم مسلمون ومنهم كافرون " ...
يقولونها عابرة ... ودَيْدَنُهم حكايات وروايات التلبس والمسّ وأكاذيبها ذات الألوان والألوان ... !!!
بينما هم أولاء صادقون، متواضعون، لا يدّعون علما بما لا علم لهم به، لسان حالهم التمييز بين السفه والرشاد ...
"وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَٰلِكَ ۖ كُنَّا طَرَائِقَ قِدَدًا "
ورغم إيمانهم واهتدائهم ونِشدانهم الرشاد في كل مرة، وتمييزهم بين حق وباطل، إلا أنهم من تواضعهم -والتواضع من سمات الراشدين- جمعوا أنفسهم مع مَن جمعوا ولم يكونوا حَكَما على قومهم من علُ .. !

ثم قريبا قريبا غير بعيد ... وقد أصغيت من جديد ... يزيدون فيعلنون إيمانهم تعزيزا وتوكيدا...فيصفون القرآن بوصفه الأدق
"وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدَى آمَنَّا بِهِ فَمَن يُؤْمِن بِرَبِّهِ فَلَا يَخَافُ بَخْساً وَلَا رَهَقاً"
وأصغيت وقد طاب لي الإصغاء للنفر الرشيد ... فإذا هم للرشاد ملازمون، ولأهله عارفون ... فكما صرّحوا أنّ منهم الصالحون ومنهم دون ذلك يصرحون هذه المرة أن منهم المسلمون ومنهم القاسطون :"فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُوْلَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَداً"
"تحروا رشدا" ... فأي جنس هو من خلق الله وعبيده يفكر ويتعقل، ويميز، فيهتدي، ويؤمن، ويفقه، بل ولا ينفك للرشد ناشدا رانيا...بينما يصِمُهُ الإنسيّ بالتلبس والإيذاء ولا يحسن  الحديث عنه بأكثر من ذلك .. فأي الفريقين للرشاد أقرب ؟!

وإنّ هذا النّفر من الجنّ لأهلٌ لتعليمنا الرشاد معشر الإنس...
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6545
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
رد: في ظلال القرآن :: 2016 ::
« رد #81 في: 2018-01-29, 09:52:38 »
وأنا أقرأ أعجبني نفسير ابن عاشور لهذه الآية، واستدلاله ببعض القرائن من الآيات لتقوية هذا المعنى فيها :


{ إِنَّ أَجَلَ الله إِذَا جَآءَ لاَ يُؤَخَّرُ لَوْ كُنتُمْ }.
يحتمل أن تكون هذه الجملة تعليلاً لقوله : { ويؤخرْكم إلى أجل مسمى ، } أي تعليلاً للربط الذي بين الأمر وجزائه من قوله : { أن اعبدوا الله } إلى قوله : { ويؤخِّركم } الخ لأن الربط بين الأمْر وجوابِه يعطي بمفهومه معنى : إِنْ لا تعبدوا الله ولا تتقوه ولا تطيعوني لا يغفر لكم ولا يؤخركم إلى أجل مسمى ، فعُلل هذا الربط والتلازم بين هذا الشرط المقدر وبين جزائه بجملة { إنّ أجل الله إذا جاء لا يؤخر } ، أي أن الوقت الذي عيّنه الله لحلول العذاب بكم إن لم تعبدوه ولم تطيعون إذا جاء إِبَّانه باستمراركم على الشرك لا ينفعكم الإِيمان ساعتئذٍ ، كما قال تعالى : { فلولا كانت قرية آمنت فنفعها إيمانها إلاّ قوم يونس لما ءامنوا كشفنا عنهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ومتعناهم إلى حين } [ يونس : 98 ] ، فيكون هذا حثاً على التعجيل بعبادة الله وتقواه.
فالأجَل الذي في قوله : { إن أجل الله إذا جاء لا يؤخر } غير الأجل الذي في قوله : { ويؤخركم إلى أجللٍ مسمى } ويُناسِب ذلك قولُه عقبه { لو كنتم تعلمون } المقتضي أنهم لا يعلمون هذه الحقيقة المتعلقة بآجال الأمم المعيَّنة لاستئصالهم ، وأما عدم تأخير آجال الأعمار عند حلولها فمعلوم للناس مشهور في كلام الأولين.
وفي إضافة { أجل } إلى اسم الجلالة في قوله : { إن أجل الله إذا جاء لا يؤخر } إيماء إلى أنه ليس الأجل المعتاد بل هو أجل عيّنه الله للقوم إنذاراً لهم ليؤمنوا بالله.
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6545
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
رد: في ظلال القرآن :: 2016 ::
« رد #82 في: 2018-02-07, 11:58:54 »
"ألر ۚ تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ (01)أكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَىٰ رَجُلٍ مِّنْهُمْ أَنْ أَنذِرِ النَّاسَ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِندَ رَبِّهِمْ ۗ قَالَ الْكَافِرُونَ إِنَّ هَٰذَا لَسَاحِرٌ مُّبِينٌ (02)" -يونس-

مدار السورة حول تعجبهم من بعث الله تعالى لرجل منهم، وإيحائه له...

فنجد أقسام السورة كلها تدور حول هذا المحور ... حول أن من حكمة الله تعالى أن بعث فيهم بشرا رسولا، رجلا منهم

فنجد المحاججة في أحقية الله تعالى بالعبادة، ثم في صدق القرآن وأنه من عند الله، ثم في صدق البعث والحشر ...

وهذا شيء مما كتبته في السورة على كراستي :  ::)smile:



« آخر تحرير: 2018-02-07, 12:19:23 بواسطة حازرلي أسماء »
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل ابنة جبل النار

  • شباب إيجابي
  • ***
  • مشاركة: 618
  • الجنس: أنثى
رد: في ظلال القرآن :: 2016 ::
« رد #83 في: 2018-02-07, 16:42:32 »
كراسة المعلمة ام التلميذة؟ :) جميل  :)
سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن ﻻ إله إﻻ أنت أستغفرك وأتوب إليك[/co

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6545
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
رد: في ظلال القرآن :: 2016 ::
« رد #84 في: 2018-02-07, 19:07:56 »
كراسة المعلمة ام التلميذة؟ :) جميل  :)

هكذا أسجل تدبراتي حول السور على كراسات  ::)smile:
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6545
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
رد: في ظلال القرآن :: 2016 ::
« رد #85 في: 2018-02-15, 09:27:17 »
في سورة يوسف، تمالأ الإخوة عليه، فكان أن اجتمعوا أولا ... وتحاوروا ...

إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَىٰ أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ (8) اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِن بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ (9) قَالَ قَائِلٌ مِّنْهُمْ لَا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ (10)

فإذا تأملنا وجدناهم يتمالؤون على شر، ولكنهم لن يواجهوا أنفسهم أنه الشر، بل سيزينه لهم السيطان، وسيزينونه لأنفسهم ... فلقد تمخض اجتماعهم عن قرار نتج عن التالي :

1- إذْ قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَىٰ أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ (8)
  --------------->    مَنطَقَة حجة ودافع لضمائرهم (حب أبينا له وضلاله وِفق ذلك)

2-  اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِن بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ (9)  --------------->   تزيينهم عاقبة الجريمة . (خلو وجه أبيهم، وأن يصبحوا صالحين بتوبتهم وبخلوّ أنفسهم من غمّة يوسف)

3-  قَالَ قَائِلٌ مِّنْهُمْ لَا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ (10)  ---------------> (القرار الأخير بإلقائه في الجب، وهو ذاتُه رحمة إلهية تجري على لسان أحدهم.)


« آخر تحرير: 2018-02-15, 21:10:46 بواسطة حازرلي أسماء »
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6545
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
رد: في ظلال القرآن :: 2016 ::
« رد #86 في: 2018-02-15, 10:31:30 »
فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَن يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ ۚ وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُم بِأَمْرِهِمْ هَٰذَا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (15)

في هذه الآية الكريمة ... يتراءى بوضوح:

1- بداية تنفيذهم الجريمة .
2- تيسّر الأمر الذي اجتمعوا عليه.
3-  تحقق مُرادهم بإرسال يوسف معهم .

ولكن .......


"وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُم بِأَمْرِهِمْ هَٰذَا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ "

هنا حقيقة الأمر ... حقيقة بداية تحقق مُراد الله تعالى وهي المخفية لا مُرادهم كما يظهر

فيوسف قد بدأت معه محنة الجب .... وهي على ظهورها محنة، إلا أن في قلبها تسري الرحمة الربانية بهذا الوحي إليه أنه سينبئهم ... فهو في الجب محمّل بــ :
1- الرؤيا المنبهة والمؤنسة له على علو شأنه .
2- بالوحي إليه إيذانا بأنه سينبؤ مستقبلا .

وهكذا لا يكون إلا ما يريد سبحانه  في صورة ما يريد البشر
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6545
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
رد: في ظلال القرآن :: 2016 ::
« رد #87 في: 2018-02-15, 14:17:15 »
وهذا يوسف عليه السلام يُساق إلى التمكين في الأرض في صور مِحن ...

محنة الـــــــــــــــــــــــجُبّ --------------->  "لتنبئنهم بأمرهم هذا وهم لا يشعرون"
محنة استرقاقه وبيعه عبدا --------------->  "وكذلك مكنا ليوسف في الأرض ولنعلمه من تأويل الأحاديث"

الجب بصورة محنة، والاسترقاق وبيعه بصورة محنة .... ولكنهما كانا طريقه إلى التمكين ....
**وإخوته قد ظنوا بأنفسهم فلاحا وأمرهم ماض وقد ألقوه...
**والسيارة قد ظنوا بأنفسهم فلاحا وهم يغضون الطرف عن البحث عن أهله ومساعدته، فيسرّونه بضاعة ليبيعوه ويأخذوا عنه مالا، ويمضي أمرهم ويتحقق لهم ما أرادوا

هذا أمر ظاهر للإنسان، ومن الإنسان ....... وأمر الله مخفي ولكنه هو الممضيّ والماضي .
« آخر تحرير: 2018-02-15, 14:18:57 بواسطة حازرلي أسماء »
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل ماما هادية

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 15899
  • الجنس: أنثى
  • احفظ الله يحفظك
رد: في ظلال القرآن :: 2016 ::
« رد #88 في: 2018-03-04, 10:31:46 »
عندما قرأت سورة الجن، مرّ بخَلَدي الكثير من الصور، والكثير من التصورات التي شاعت وانتشرت، مرّت بخَلَدي الحكايات التي كنا نسمعها منذ صغرنا، وما انتشر عن الجنّ من صحيح وسقيم، من خرافة وحقيقة ... وليت الحقيقة كانت الغالبة ...

عندما قرأت سورة الجنّ قراءة المتدبر أحسست بالاطمئنان، على غير عادة ما تكون عليه الأحوال عند ذكر الجنّ ! أحسست بالراحة ... أحسست بالاختلاف ... تلمست الحقيقة بقوتها ...
كان كلما ذُكر الجن، خاف من خاف، وارتعب من ارتعب، وتحاشى من تحاشى السماع عنهم، أو الحديث عنهم ... ويالهول الحال إذا ما كان الحديث ليلا ... !

في سورة الجنّ، تعرفت إلى الجنّ ...
استمعت لقول النفر منهم، وتحسست رقيّ فِكرهم، وسلامة منطقهم، بل وعرفت أنّ لهم رشدا ... بل وفهمت كم كانوا يتحرون الرَّشَد والحكمة ...
فذكرت أمر التقوّل عليهم بأنهم أهل التلبّس والدخول في جسم الإنسان، وأنّ من كان متلبَّسا بهم عُدّ كالفاقد لعقله، المُتحكَّم به، المُتسلَّط عليه ...!

ذكرت هذا من حكايات كنا وما نزال نسمعها، مقابل ما عرفت وتلمست من حقيقة في سورة الجن ... فتمثلوا قُبالتي تمثل بريئ متّهَم مُرمَى بتخريفات من نسج أخيلة الإنس، بأكاذيب وأباطيل وأخيلة نفسية جعلوها الحقيقة غصبا ...
فإذا بالإنس المتقوّلون بهذا هم أهل الهذيان والتخريف، والسَّفه، وإذا الجنّ من جنس ذاك "النفر" هم أهل الحكمة والرشاد ... !
وياللمفارقات ... والذي تحرّى الرشد، وعرف مَعين الرُّشد فنهل منه، قد غدا من أوهام الناس وتخريفاتهم وتقوّلاتهم المجرم المتسلط، المتحكم الذي يأخذ من الإنسان كل مأخذ، فإذا هو كالرياح العاتية، وإذا الإنسان معها كالقشة في مهبّها ... !

تبدّت لي الحقيقة بإزاء الأوهام ... وتبدّت لي المسافة بين الحقيقة والخيال وهي القريبة غير البعيدة، وقد صيّرناها من اكتفائنا بالأقوال، والحكايات والمرويات والمنسوجات بعيدة بعيدة  ... بعيدة... على كتاب الله موقعها ... ولكنهم يحفظون الحروف من السورة ويتلونها ويعرضونها، ويحفّظونها وهم بالمقابل ممن يختلق حكايات التلبس ويتداولها، وينقلها ...

عندما قرأت قول النفر في سورة الجن  : " إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآناً عَجَباً " ... أصغيت أكثر فإذا بهم يصفونه بقولهم : "يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ " ... فإذا وصفهم أروع وصف، وأدق وصف ... فإذا هم النفر أهل للرشد ولتبيّن معينه ونبعه ...
فإذا بعقول تزن فتحسن الوزن، وألسنة تصف فتحسن الوصف ...
أصغيت أكثر أنشد الرشد مع  نفر الجنّ فإذا هم يقولون : " فَآمَنَّا بِهِ وَلَن نُّشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَداً" ...
يقرون بوحدانية الله تعالى، ويقرّون بالتوحيد، وألا يشركوا بالواحد أحدا ...
هم أولاء يقتطفون الثمرة الأكثر إيناعا ... الثمرة الأهم... 
هم أولاء من رشدهم يعلنون التوحيد الخالص ويقرّون البراءة من الشرك ...

فأيّ فرق هو وأّي بَون شاسع بين أن نتحاشى ذكر الجن، وأن نصدق تلبسهم بالإنس، وأن نرتعب من مجرد سماع اسمهم قبل وصفهم وكأنهم العُتاة المجرمون، والأشباح المروّعون... وبين أن نستمع للحكمة من أفواه النفر الراشد منهم ...  فنتعلم، ونرى أنفسنا المتعلمين بين أيديهم، نراهم أهل هدى وأصحاب رشاد وحكمة، وأهلا للاقتداء بهم...

أصغيت مرة أخرى للنفر الحكيم، فإذا هم يقولون : "وأنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلا وَلَداً"

تأملت ... فإذا هم قد أعلنوا التوحيد رأسا، وثنّوا بتبرُّئهم من الشرك وقرار مباعدته ... ولم يكتفوا بذلك بل زادوا إيمانهم قوة وجلاء وهم  يقدّرون الله حق قدره، فيفقهون أنّ من عُلوّ شأنه سبحانه عدم اتخاذه الصاحبة والولد .. فكان منهم التوحيد الخالص، والإيمان السليم بعظمته حدّ تنزيهه عما تقوّله الإنس عليه إدّا ...
كان منهم تاما كاملا كما ينبغي لعظيم سلطانه وجلال قدره ...

بل وأصغيت أكثر للنفر الرشيد ..  !
فوجدتهم  وقد اهتدوا يهتدون للسفيه فيهم وهو يقول على الله الشطط.. والكذب، ويالرشادهم وهم يَميزون السفيه من الرشيد ...!
فيا معشر الإنس ... أيّ الفريقين أحق بصفة الرشاد ... نفر الجنّ هذا  أم المتقوّل منا على جنسهم شططا وكذبا .. ؟!!
أي الفريقين أهدى، آإنسيّ يرى الجن شبحا غازيا مستعمرا ضارا عابثا عائثا في جسم الإنسان فسادا، أم جنيّ يسترشد ويستهدي، حتى يهتدي إلى الحق، فيعلن التوحيد والإيمان كأحسن ما يعلنه عبد موحد مؤمن . ؟!

ولا ينقضي العجب من نفر سمعوا قرآنا عجبا ... وأنت لا تفتأ تقرأ عن استرشادهم واهتدائهم للرشاد حتى تقرأ عن الرشد من جديد وهو نشدانهم ...
فأصغيت أيضا ... فإذا هم قائلون : " وإنَّا لا نَدْرِي أشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الأرْضِ أمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدا"

"رشدا" .... إيه ثم إيه للنفر الرشيد ... !
إيه لقوم وعباد هم للرحمن ظننّا بهم السّفه والشر المطلق حتى وإن قال مَن قال عابرا غير راكز : "إن منهم مسلمون ومنهم كافرون " ...
يقولونها عابرة ... ودَيْدَنُهم حكايات وروايات التلبس والمسّ وأكاذيبها ذات الألوان والألوان ... !!!
بينما هم أولاء صادقون، متواضعون، لا يدّعون علما بما لا علم لهم به، لسان حالهم التمييز بين السفه والرشاد ...
"وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَٰلِكَ ۖ كُنَّا طَرَائِقَ قِدَدًا "
ورغم إيمانهم واهتدائهم ونِشدانهم الرشاد في كل مرة، وتمييزهم بين حق وباطل، إلا أنهم من تواضعهم -والتواضع من سمات الراشدين- جمعوا أنفسهم مع مَن جمعوا ولم يكونوا حَكَما على قومهم من علُ .. !

ثم قريبا قريبا غير بعيد ... وقد أصغيت من جديد ... يزيدون فيعلنون إيمانهم تعزيزا وتوكيدا...فيصفون القرآن بوصفه الأدق
"وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدَى آمَنَّا بِهِ فَمَن يُؤْمِن بِرَبِّهِ فَلَا يَخَافُ بَخْساً وَلَا رَهَقاً"
وأصغيت وقد طاب لي الإصغاء للنفر الرشيد ... فإذا هم للرشاد ملازمون، ولأهله عارفون ... فكما صرّحوا أنّ منهم الصالحون ومنهم دون ذلك يصرحون هذه المرة أن منهم المسلمون ومنهم القاسطون :"فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُوْلَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَداً"
"تحروا رشدا" ... فأي جنس هو من خلق الله وعبيده يفكر ويتعقل، ويميز، فيهتدي، ويؤمن، ويفقه، بل ولا ينفك للرشد ناشدا رانيا...بينما يصِمُهُ الإنسيّ بالتلبس والإيذاء ولا يحسن  الحديث عنه بأكثر من ذلك .. فأي الفريقين للرشاد أقرب ؟!

وإنّ هذا النّفر من الجنّ لأهلٌ لتعليمنا الرشاد معشر الإنس...


جميل جدا هذا التأمل والتدبر
بارك الله بك يا أسماء ونفع بك وأعلى قدرك

*رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ*

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6545
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
رد: في ظلال القرآن :: 2016 ::
« رد #89 في: 2018-03-05, 07:37:26 »
اللهم آمين يا رب.ولك بالمثل يا هادية  emo (30):

رزقنا الله الإخلاص والصدق .
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6545
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
رد: في ظلال القرآن :: 2016 ::
« رد #90 في: 2018-03-08, 09:28:05 »
سورة الرعد ... سورة عظيمة ...تتراءى العظمة في كل سور القرآن الكريم ... ولكنها تزداد وتتجلّى حينما نتسوّر السُّوَر ... حينما لا نكتفي بالتفرج من خارج السُّور...

ثلاث سور سبقت الرعد هي على التوالي : يونس وهود ويوسف، وكلها كانت بداياتها "ألر"

** فأما في يونس فكانت : "الر ۚ تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ" -يونس:1-
**وأما في هود فكانت: "الر ۚ كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ" -هود:1-
**وأما في يوسف فجاءت : "الر ۚ تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ" -يوسف:1-


وكلها عن الآيات وعن الكتاب، ولو أنّ الاهتمام بواحدة عن الأخرى حسب التقديم والتأخير لظاهر، بل وأشد ظهورا إذا بحثت في ورود "آية" و "آيات" في سورة يونس مثلا، وقد تقدمت على "الكتاب" للاهتمام بها خاصة ... لوقعتَ على ستّة عشر موقعا في السورة كلها عن الآيات وعن الآية ... وتجد الآيات بأنواعها بين قرآنية وكونية ومعجزة وحجة وبرهان وعلامة للعبرة والإسقاط ...

بينما لو بحثت في سورة هود، ونحن نعرف تقديم الكتاب على الآية، كما هو ظاهر من الآية الأولى، لعرفنا ورود الكتاب وما له علاقة بالوحي في آياتها يظهر ما يقرب عشرة مرات ... أما عن الآيات وورودها فلا تجد غير آيتين اثنتين ...

بينما تختص سورة يوسف سبحان الله بورود "آيات"  مرة واحدة وهي التي للسائلين من عبر ودروس وتربيات ... ولا وجود لغيرها إلا من ورود "الآيات" التي تعني الأدلة على براءة يوسف والتي بموجبها سُجِن عليه السلام ... وكأنما جاءت آيات السورة منتظمة لتُبينَ وتفصّل عن مجهول من القصص لم يكن الناس على علم به من قبل ... وتلك قصة يوسف عليه السلام بتفاصيلها ... فجاءت توافق بدء السورة بـ : "تلك آيات الكتاب المبين" ... آيات حوت آيات

إذن فقد اعتنت هذه السور الثلاث بالآيات وبالكتاب ... فجاءت الآيات بأنواعها، وعرفنا أنها المفصلة والمحكمة، كما عرفنا عن الكتاب أنه الحكيم، وأنه المبين ...

فتأتي الرعد بعدها لتقرّر جديدا ... وصفا جديدا شاملا للكتاب وللآيات سواء بسواء ...

فنقرأ بدايتها : "المر ۚ تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ ۗ وَالَّذِي أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ الْحَقُّ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ" -الرعد:1-

إنها الآيات وإنه الذي أنزل إليك من ربك ... مجتمعَيْن ... وإنهما مجتمعين الأجزاء المكوِّنة من ناحية(الآيات) والكلٌّ المتكوّن(الكتاب)... إنها الحق ...
« آخر تحرير: 2018-03-08, 11:11:15 بواسطة حازرلي أسماء »
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6545
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
رد: في ظلال القرآن :: 2016 ::
« رد #91 في: 2018-03-12, 11:06:17 »
في قوله تعالى من سورة القلم : "إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَمَا تَخَيَّرُونَ" -38-

بدا لي أمر في "إنّ" إذ أن الأليق هنا "أنّ" ... حتى وجدت القرطبي يقول فيها ما يشفي :

إن لكم فيه لما تخيرون تختارون وتشتهون . والمعنى أن لكم ( بالفتح ) ولكنه كسر لدخول اللام ; تقول : علمت أنك عاقل ( بالفتح ) ، وعلمت إنك لعاقل ( بالكسر ) . فالعامل في إن لكم فيه لما تخيرون تدرسون في المعنى . ومنعت اللام من فتح إن .
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل ابنة جبل النار

  • شباب إيجابي
  • ***
  • مشاركة: 618
  • الجنس: أنثى
رد: في ظلال القرآن :: 2016 ::
« رد #92 في: 2018-03-13, 11:18:51 »
في قوله تعالى من سورة القلم : "إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَمَا تَخَيَّرُونَ" -38-

بدا لي أمر في "إنّ" إذ أن الأليق هنا "أنّ" ... حتى وجدت القرطبي يقول فيها ما يشفي :

إن لكم فيه لما تخيرون تختارون وتشتهون . والمعنى أن لكم ( بالفتح ) ولكنه كسر لدخول اللام ; تقول : علمت أنك عاقل ( بالفتح ) ، وعلمت إنك لعاقل ( بالكسر ) . فالعامل في إن لكم فيه لما تخيرون تدرسون في المعنى . ومنعت اللام من فتح إن .
معلومة جديدة...جزاك الله خيرا
سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن ﻻ إله إﻻ أنت أستغفرك وأتوب إليك[/co

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6545
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
رد: في ظلال القرآن :: 2016 ::
« رد #93 في: 2018-03-14, 08:37:16 »
في قوله تعالى من سورة القلم : "إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَمَا تَخَيَّرُونَ" -38-

بدا لي أمر في "إنّ" إذ أن الأليق هنا "أنّ" ... حتى وجدت القرطبي يقول فيها ما يشفي :

إن لكم فيه لما تخيرون تختارون وتشتهون . والمعنى أن لكم ( بالفتح ) ولكنه كسر لدخول اللام ; تقول : علمت أنك عاقل ( بالفتح ) ، وعلمت إنك لعاقل ( بالكسر ) . فالعامل في إن لكم فيه لما تخيرون تدرسون في المعنى . ومنعت اللام من فتح إن .
معلومة جديدة...جزاك الله خيرا

وإياك  emo (30):
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6545
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
رد: في ظلال القرآن :: 2016 ::
« رد #94 في: 2018-03-14, 09:54:41 »
قال سبحانه في سورة الرعد :

"أنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَّابِيًا ۚ وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِّثْلُهُ ۚ كَذَٰلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ ۚ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً ۖ وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ ۚ كَذَٰلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ"

وأي مثال هو !!

سبحان الله ... ! أقف أمام الآية من آيات القرآن العظيم فلا يسعني إلا أن أقول كما قال سبحانه في هذه السورة العظيمة، "سورة الرعد" ... هذه السورة القوية قوة الحق ... هذه السورة التي لم تجئ تسميتها "الرعد" هكذا ... بل كان للرعد إسقاطه على معانيها ... صوته القويّ قوة الحق الذي تتمحور حوله السورة برمتها ...

** "المر ۚ تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ ۗ وَالَّذِي أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ الْحَقُّ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ"

** "لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ ۖ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ لَا يَسْتَجِيبُونَ لَهُم بِشَيْءٍ إِلَّا كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ ۚ وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ".

** أفَمَن يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَىٰ ۚ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ.

الرعد بصوته الهادر... وبقوّته ... فهو حمّال أمرَيْن فإما أن يعقبه غيث نافع، وإما أن تعقبه صاعقة حارقة مهلكة ... وهكذا القرآن .. فيه البشارة والنذارة، وهو للمؤمنين شفاء وهدى ورحمة، وهو على الكافرين عمى ...

ونعود لمثالنا الرائع .... كذلك يضرب الله الأمثال ... كذلك يضرب الحق والباطل في سورة محورها الحق ومدارها الحق ...

فهذه الأودية التي امتلأت مما أنزل الله من السماء، بقدر ... وكذلك القلوب التي تقبل الحق المنزل من رب العالمين، كل قلب وما يسع ... بقدر...  وهذه الأرض وهي تحمل هذا الحق النازل من رب العزة، وهو ذا السيل الذي تسيل به الأودية، هذا القرآن الذي تفيض به قلوب المؤمنين في الأرض يحتمل الزبد الرابي .... يطفو على السطح، ويبدو ظاهرا ويبدو للعيان طاغيا وما هو في حقيقته إلا الزبد، إلا الباطل الذي يحارب الحق ويكرهه ويخشاه ... والحق بقوته وبصفائه، ممثلا في قوة الماء يحتمله ليصير جفاء مُلقى به مُرمى ... يغلبه الحق لا محالة ...

هذا الماء وقد احتمل الزبد وطرحه وألقى به ... هذا الحق المنزل من رب العالمين بصفائه ونقائه وقوة الحق فيه يطرح الباطل ويغلبه ويرمي به ...

أما المثل الثاني فما يطرح الزبد والخبث إنما هو النار ... فنحن أمام نقيضَين وكلاهما يعمل العمل ذاته ... الماء والنار ... النار تطرح زبدا مثل الأول ...

فما سرّ ضرب المَثَلَيْن ؟؟ وما سر استخدام الوسيلتَيْن المتناقضتين، وهما فعلا وحقا تفعلان ذلك ؟

إننا إذا تأملنا القرآن .. عرفنا أن فيه ما يكون غذاء للروح والعقل، فتُطرح بذلك الغذاء الروحي والعقلي كل خرافة وكل اعتقاد فاسد، وكل خبط وخلط ... فهي الأدلة الكونية تمتثل بين أيدينا آيات على خلقه سبحانه وإبداعه وتدبيره في كونه وهو العليم بدقائقها، الحفيظ المقدّر ... وهذه الأمثلة والقياسات العقلية التي تخاطب العقل البشري فتشبعه وتعطيه حاجته للعمل ولإعماله في التفكر والنظر ... وهذه البشارات تُساق للمؤمنين بما ينتظرهم من جزاء ونعيم، وهذا التحليل والتجاوز والمغفرة والرحمة تُهدى من الآيات القرآنية للمؤمنين ليستبشروا وليزداد اليقين وليزداد القرب والمعرفة الحقّة برب العالمين ... فهو ذا فعل الماء الطاهر النقي في الزبد ...

ومن ناحية أخرى ... نعرف في القرآن الإنذار والترهيب، والدعوة إلى كبح جماح الشهوات المنطلقة، والتحذبر من تعدي الحدود وقربها، ونعرف التحذير من الشبهات المتلبسة بالشهوات، ونعرف الدعوة إلى الصبر والمصابرة على ما يلحق المؤمن من ابتلاءات ومصائب ومحن، كما نعرف فيه الفصل والحسم وعدم المداهنة في الحق... وكلها تصهر نفسه فتفعل فيها فعل الكير في الحديد، تطرح الخبث وترمي به وتترك ما ينفع في النفس ... وهكذا فعل النار فيما نريد الانتفاع به واتخاذه حلية أو متاعا ...

وهكذا نرى عن كثب كيف يفعل كلّ من الماء والنار الفعل ذاته ... كما نعرف في القرآن التربية بالإقناع والتغذية الروحية والعقلية وبالتبشير، كما نعرف فيه التربية بالصقل والصهر والتنقية بالمجاهدة وهكذا الحق رعد يحمل البشارة كما يحمل النذارة، يحمل القوة بطرفَيْها ... فيقبله البصير المتبصر بطرفَيْه، ويُعرض عنه الأعمى بطرفَيْه...


« آخر تحرير: 2018-03-14, 10:59:54 بواسطة حازرلي أسماء »
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6545
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
رد: في ظلال القرآن :: 2016 ::
« رد #95 في: 2018-03-18, 11:33:50 »
الأنبياء أهل المعجزات أم نحن ؟؟ الأنبياء أكثر الناس معرفة بالله وبتقديره حق قدره أم نحن؟؟

قد يبدو سؤالا عجيبا غريبا ... !! ولكنّ المشاهَد منّا وما نتلمّسه من فكر يَشي بهذا وبما يقاربه ...

الأنبياء نعم هم أهل المعجزات، وهم أكثر الناس معرفة بالله، وبتقديره حق قدره، وهم أكثر الناس معرفة بقدرته على كل شيء ....

ولكنهم هم مَن علمنا الأخذ بالأسباب ... وأنّ الصبر لا يساوي القعود، وأنّ الثقة بالله وبقدرته لا تساوي انتظار المعجزة منه تحدث، وأنّ اليقين من أنه على كل شيء قدير لا تساوي أن أقعد مترقبا قدرته على فعل أي شيء دون أدنى حركة مني، أو اتخاذ للأسباب ...

لما دعا زكريا ربه أن يهبه ذرية، فاستجاب له، لم يصمت زكريا صمت من يُخيّل إلينا أن ثقته بقدرة الله على كل شيء، ستجعله بهيئة الهادئ الذي لن يزيد عن أن يقول : "الله على كل شيء قدير" ... بل إنه الذي سيسأل : "أنّى يكون لي غلام وقد بلغني الكبر وامرأتي عاقر ؟"
وما هذا إلا سؤال من يعلمنا أن اليقين من قدرة الله على كل شيء لا ينفي التعجب من خرق الأسباب...

ولما أن جاءت مريمَ البشرى بعيسى، لم يكن يقين مريم بقدرة الله على كل شيء حائلا دون أن تسأل وتتعجب، وتخاف، وترهب.... لم يكن ردّ فعلها كما قد يُخيّل لمن يعرف أنها أهل اليقين والإيمان العظيم، هدوءا وردّا لا يزيد عن أن يكون : "إن الله على كل شيء قدير" ...
بل قد سألت : "ربّ أنى يكون لي ولد ولم يمسسني بشر" .... ذكرت الأسباب... وتعجّبت من خرقها لعلمها بدورها ...

وهاجر وقد تركها زوجها صلى الله عليه وسلم في واد غير ذي زرع، وغير ذي ماء مع وليدها الجائع العطشان .... ويقينها الذي كان برهانُه استفهامها من زوجها إن كان همّه بتركهما عن أمر من الله : "آالله أمرك بهذا ؟"   فلما استوثقت ... رضيت بذهابه ... وقد يُخيّل لمن يرى منها هذا اليقين أن يجازيها الله عنه بتفجير الماء لها من فور رضاها بالبقاء ووليدها وحيدَيْن ... ولكنه سبحانه ما فجّر لها الماء إلا بعد سعيها الحثيث بين الصفا والمروة...

فهي ذي ترضى وتصبر... ولكنّ صبرها صبر عمل، وتحدّ وأمل في الله، وأخذ بالأسباب ....  فأعطاها الله جزاء فهمها هذا لا جزاء يقينها المجرّد عن العمل ...!

وهذا يعقوب عليه السلام ... وهو يستعين بالله على ما يصفون، ويصبر الصبر الجميل، لا يقعد كما تصوّرنا طويلا من فهم سطحي لسورة يوسف عليه السلام، لا يقعد للحزن والبكاء وحده ...

لم نجنِ من ذلك الفهم إلا أنّه قد ابيضت عيناه من الحزن ... بينما لم نسبر غور الآيات، ولم نغص بها بالقدر الذي يعطينا الصورة كاملة غير منقوصة .... فنرى يعقوب وهو يستعين بالله لا على مصيبته في يوسف وحده، بل على مصيبته في أولاده العشرة أيضا ...

فلا ييأس من عودتهم، ومن انصلاح حالهم، ويعلم أنهم قد مكروا وقد كادوا، وقد سولت لهم أنفسهم، ولكنه لا يهجرهم، ولا يطردهم، ولا يقرر البعد عنهم .... بل يعيش معهم كل تلك السنوات التي عرفنا فيها تقلب يوسف عليه السلام من حال إلى حال نتتبع الصورة من زاويته وحدها .... ونغفل عن زاوية العشرة ... فنغفل عن دور يعقوب معهم ...
عن أمل يعقوب الدائم في عودتهم وتوبتهم ... حتى يصل بعد أخذه بأسباب التربية والتوجيه والصبر عليهم إلى قوله : "يا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْأَسُوا مِن رَّوْحِ اللَّهِ ۖ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ"...

نعم... حتى بلغ معهم مبلغ التوجيه إلى قمة التوبة وسنامها بأن يصلحوا ما أفسدوه ...

بل حتى بلغ أن جاءه البشير بحياة يوسف  الذي كان بالأمس متآمرا مع المتآمرين على قتل يوسف ...!!

وهكذا يكون الصبر ...بلا قعود ... وهكذا يكون بالأخذ بالأسباب ... وهكذا هم الأنبياء أهل المعجزات، وأقرب من تُجاب لهم دعوة .... يقرّون بالأسباب ويعلموننا دوام الأخذ بها ... بل إن الأخذ بها عقيدة، ذلك أنها من الله، وأنّ الله ما جعلها إلا ليأخذ بها الناس لتحقق أمره سبحانه وحكمه ...

أما من أغرق في إغفال الأخذ بالأسباب وركن للمعجزة يريدها ويقرنها بيقينه من قدرة الله على كل شيء .... فما أسرع ما يصدّق بالخارقة المختَلَقة .... وما أقرب الخرافة من تصديقه، وما أحبّ ما تتحقق له مُراداته وأمانيه بالقعود مغلّفا بالدعاء ... !!

وما ذاك إلا من فهم زُجّ به ليُنسب للإسلام وللقرآن ... والقرآن منه براء براء...
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل ابنة جبل النار

  • شباب إيجابي
  • ***
  • مشاركة: 618
  • الجنس: أنثى
رد: في ظلال القرآن :: 2016 ::
« رد #96 في: 2018-03-19, 11:59:24 »
الأنبياء أهل المعجزات أم نحن ؟؟ الأنبياء أكثر الناس معرفة بالله وبتقديره حق قدره أم نحن؟؟

قد يبدو سؤالا عجيبا غريبا ... !! ولكنّ المشاهَد منّا وما نتلمّسه من فكر يَشي بهذا وبما يقاربه ...

الأنبياء نعم هم أهل المعجزات، وهم أكثر الناس معرفة بالله، وبتقديره حق قدره، وهم أكثر الناس معرفة بقدرته على كل شيء ....

ولكنهم هم مَن علمنا الأخذ بالأسباب ... وأنّ الصبر لا يساوي القعود، وأنّ الثقة بالله وبقدرته لا تساوي انتظار المعجزة منه تحدث، وأنّ اليقين من أنه على كل شيء قدير لا تساوي أن أقعد مترقبا قدرته على فعل أي شيء دون أدنى حركة مني، أو اتخاذ للأسباب ...

لما دعا زكريا ربه أن يهبه ذرية، فاستجاب له، لم يصمت زكريا صمت من يُخيّل إلينا أن ثقته بقدرة الله على كل شيء، ستجعله بهيئة الهادئ الذي لن يزيد عن أن يقول : "الله على كل شيء قدير" ... بل إنه الذي سيسأل : "أنّى يكون لي غلام وقد بلغني الكبر وامرأتي عاقر ؟"
وما هذا إلا سؤال من يعلمنا أن اليقين من قدرة الله على كل شيء لا ينفي التعجب من خرق الأسباب...

ولما أن جاءت مريمَ البشرى بعيسى، لم يكن يقين مريم بقدرة الله على كل شيء حائلا دون أن تسأل وتتعجب، وتخاف، وترهب.... لم يكن ردّ فعلها كما قد يُخيّل لمن يعرف أنها أهل اليقين والإيمان العظيم، هدوءا وردّا لا يزيد عن أن يكون : "إن الله على كل شيء قدير" ...
بل قد سألت : "ربّ أنى يكون لي ولد ولم يمسسني بشر" .... ذكرت الأسباب... وتعجّبت من خرقها لعلمها بدورها ...

وهاجر وقد تركها زوجها صلى الله عليه وسلم في واد غير ذي زرع، وغير ذي ماء مع وليدها الجائع العطشان .... ويقينها الذي كان برهانُه استفهامها من زوجها إن كان همّه بتركهما عن أمر من الله : "آالله أمرك بهذا ؟"   فلما استوثقت ... رضيت بذهابه ... وقد يُخيّل لمن يرى منها هذا اليقين أن يجازيها الله عنه بتفجير الماء لها من فور رضاها بالبقاء ووليدها وحيدَيْن ... ولكنه سبحانه ما فجّر لها الماء إلا بعد سعيها الحثيث بين الصفا والمروة...

فهي ذي ترضى وتصبر... ولكنّ صبرها صبر عمل، وتحدّ وأمل في الله، وأخذ بالأسباب ....  فأعطاها الله جزاء فهمها هذا لا جزاء يقينها المجرّد عن العمل ...!

وهذا يعقوب عليه السلام ... وهو يستعين بالله على ما يصفون، ويصبر الصبر الجميل، لا يقعد كما تصوّرنا طويلا من فهم سطحي لسورة يوسف عليه السلام، لا يقعد للحزن والبكاء وحده ...

لم نجنِ من ذلك الفهم إلا أنّه قد ابيضت عيناه من الحزن ... بينما لم نسبر غور الآيات، ولم نغص بها بالقدر الذي يعطينا الصورة كاملة غير منقوصة .... فنرى يعقوب وهو يستعين بالله لا على مصيبته في يوسف وحده، بل على مصيبته في أولاده العشرة أيضا ...

فلا ييأس من عودتهم، ومن انصلاح حالهم، ويعلم أنهم قد مكروا وقد كادوا، وقد سولت لهم أنفسهم، ولكنه لا يهجرهم، ولا يطردهم، ولا يقرر البعد عنهم .... بل يعيش معهم كل تلك السنوات التي عرفنا فيها تقلب يوسف عليه السلام من حال إلى حال نتتبع الصورة من زاويته وحدها .... ونغفل عن زاوية العشرة ... فنغفل عن دور يعقوب معهم ...
عن أمل يعقوب الدائم في عودتهم وتوبتهم ... حتى يصل بعد أخذه بأسباب التربية والتوجيه والصبر عليهم إلى قوله : "يا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْأَسُوا مِن رَّوْحِ اللَّهِ ۖ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ"...

نعم... حتى بلغ معهم مبلغ التوجيه إلى قمة التوبة وسنامها بأن يصلحوا ما أفسدوه ...

بل حتى بلغ أن جاءه البشير بحياة يوسف  الذي كان بالأمس متآمرا مع المتآمرين على قتل يوسف ...!!

وهكذا يكون الصبر ...بلا قعود ... وهكذا يكون بالأخذ بالأسباب ... وهكذا هم الأنبياء أهل المعجزات، وأقرب من تُجاب لهم دعوة .... يقرّون بالأسباب ويعلموننا دوام الأخذ بها ... بل إن الأخذ بها عقيدة، ذلك أنها من الله، وأنّ الله ما جعلها إلا ليأخذ بها الناس لتحقق أمره سبحانه وحكمه ...

أما من أغرق في إغفال الأخذ بالأسباب وركن للمعجزة يريدها ويقرنها بيقينه من قدرة الله على كل شيء .... فما أسرع ما يصدّق بالخارقة المختَلَقة .... وما أقرب الخرافة من تصديقه، وما أحبّ ما تتحقق له مُراداته وأمانيه بالقعود مغلّفا بالدعاء ... !!

وما ذاك إلا من فهم زُجّ به ليُنسب للإسلام وللقرآن ... والقرآن منه براء براء...
رأئع !
سورة الرعد لم أقرأها بعد..
سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن ﻻ إله إﻻ أنت أستغفرك وأتوب إليك[/co

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6545
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
رد: في ظلال القرآن :: 2016 ::
« رد #97 في: 2018-03-20, 13:11:07 »
أهلا بك بهي.

تقصدين أن ما وضعتُ عن سورة الرعد لم يصلك بالشكل اللازم لأنك لم تقرئيها قراءة متأملة ؟
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6545
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
رد: في ظلال القرآن :: 2016 ::
« رد #98 في: 2018-03-20, 13:36:53 »
في خضمّ هذا المدّ الهائل حول العالم الملحد الذي مات ستيفن هوكنج ... وزخم الترحمات عليه والاستغفار، وأخفّ الأضرار كان من معلني الصمت والتوقف في أمره !! ويكأنّ الرجل قد غدا خيرا من أبي طالب الذي عاش ظهيرا لسيد الخلق أجمعين صلى الله عليه وسلم، ولم يُخالط حاله في الدين ريبة أو شك أو حيرة من تقرير مآله ... فقال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم : " هو في ضَحْضاحٍ مِن نارٍ، ولولا أنا لكان في الدَّرَكِ الأسفَلِ مِن النارِ " -صحيح البخاري-

في خضمّ هذه التخبطات والتأويلات والقفزات والخلطات المختلفة التي جُلّها صبّ في تمجيد الرجل خارج مجال دار أمجاده (الدنيا) في مجال لم يكن يؤمن به أصلا ... هذه آية من آيات الكتاب العزيز من سورة إبراهيم تعترضني فأذكر أمره : "مَّثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ ۖ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ ۖ لَّا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلَىٰ شَيْءٍ ۚ ذَٰلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ" -إبراهيم:18-

الذين كفروا أعمالهم كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف ... الرماد بلا ريح لا قوة فيه، فكيف بالريح تشتد به في يوم عاصف، في يوم تلك صفتُه أنه "عاصف" أي شديد الريح، وقد أصبحت تلك الشدة في الريح صفة لليوم من فرط بيان دوامها اليوم كله ...  فمن ذا يقدر على لملمة شيء من ذلك الرماد الذي ذرتْه الريح فلم تُبقِ منه شيئا ؟!! 

لن يقدر صاحب ذلك الرماد على شيء من رماده ... !! يوم يجده وقد ذهب وكأنّ شيئا منه لم يكن.... وياللهول ونحن نتأمل .... أوَلَيس الرماد ما يتخلف من الاحتراق ؟؟ فلكأني بالأعمال قبل أن تشتدّ بها الريح قد احترقت فهي رماد لا أثر لرسم فيه ولا لمعنى ... وهذا حالها في أصلها، فكيف بها عند اشتداد الريح بها ؟!!

أهذا الذي يترحم المسلمون عليه بدعوى ما خلّف من أعمال دنيوية ورأس الأمر عنده كان الكفر بربّ الدنيا والآخرة، وهو هو ربّ العالمين وهو هو  ملك يوم الدين ...!!
 





« آخر تحرير: 2018-03-20, 13:42:17 بواسطة حازرلي أسماء »
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل ابنة جبل النار

  • شباب إيجابي
  • ***
  • مشاركة: 618
  • الجنس: أنثى
رد: في ظلال القرآن :: 2016 ::
« رد #99 في: 2018-03-23, 12:17:50 »
قصدت انني علقت على المنشور الاخير فقط لأنني لم اقرأ المنشور الذي يتحدث عن سورة الرعد..
قرأته الآن...
(وهكذا نرى عن كثب كيف يفعل كلّ من الماء والنار الفعل ذاته ... كما نعرف في القرآن التربية بالإقناع والتغذية الروحية والعقلية وبالتبشير، كما نعرف فيه التربية بالصقل والصهر والتنقية بالمجاهدة وهكذا الحق رعد يحمل البشارة كما يحمل النذارة، يحمل القوة بطرفَيْها ... فيقبله البصير المتبصر بطرفَيْه، ويُعرض عنه الأعمى )
جميل جدا..بارك الله فيك  :)
سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن ﻻ إله إﻻ أنت أستغفرك وأتوب إليك[/co