أيامنا الحلوة

الساحة العامة => :: بيت العيلة :: => الموضوع حرر بواسطة: حازرلي أسماء في 2016-04-14, 19:18:49

العنوان: في ظلال القرآن :: 2016 ::
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2016-04-14, 19:18:49
بسم الله الرحمن الرحيم

هنا نستأنف موضوع "في ظلال القرآن"

بسم الله الرحمن الرحيم


هنا إخوتي سأحاول ما استطعت وضع ما يقع عليه قلبي أو عقلي من تدبر في آيات الله العظيمة الكريمة، أو ما تقع عليه قراءتي من كلمات العلماء المفسرين المتدبرين، وكنت قد بدأت ذلك في موضوع آخر كان لي في رمضان، وسأكمل ها هنا ليكون ما نستطيعه خلال العام إن أبقانا الله من أهل الحياة . أنار الله قلوبنا ودروبنا وبصائرنا بنور قرآنه العظيم، وجعله حجة لنا يوم القيامة لا حجة علينا .


 لقراءة ما فاتكم اضغطوا هنا: الموضوع الأصلي (http://www.ayamnal7lwa.net/forum/index.php?topic=5765.0)


والآن  :rose:::  مع جديد الموضوع   ::ok::


~~~~~~~~~~

عندما يناطح هوى البشر إرادة الله وحكمته.. !
عندما يحكّم الإنسان في نفسه هواها...

عندها طالب مَن طالب رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن يأتي بقرآن غير هذا القرآن أو أن يبدله..

عندها تجرؤوا فاستعجلوا العذاب والشر استعجالهم بالخير...

عندها طالبوه أن يأتيهم بآية خارقة...

عندما تناطح أهواء البشر حكمة الله تعالى، عندها يقولون ما يشاؤون ويتشدقون بما يشاؤون... ويهرفون بما لا يعرفون...

ولكن الجمال ... كل الجمال والجلال كل الجلال... ألا يجيبهم الحكيم العليم إلى ما يريدون  بل يقضي بأمره وتدبيره ... وإن قالوا عن نبيه إنما أنت متقوّل، فأين إجابة ربك لما طلبنا ؟

الجلال كل الجلال في بقاء الأمر كما قضى الله وكما شاء، وكما قدر، حتى وإن زادهم إمضاء الله لما يريد لا لما يريدون طغيانا وعمى على العمى ....

" وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُم بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ ۖ فَنَذَرُ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ" -يونس : 11-
العنوان: رد: في ظلال القرآن :: 2016 ::
أرسل بواسطة: سيفتاب في 2016-04-16, 23:24:11
ونعم بالله يا أسماء بارك الله لك
العنوان: رد: في ظلال القرآن :: 2016 ::
أرسل بواسطة: ابنة جبل النار في 2016-04-17, 14:59:13
جزيت خيرا  أسماء. .متابعة  إن شاء الله
العنوان: رد: في ظلال القرآن :: 2016 ::
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2016-04-17, 21:01:35
أهلا وسهلا ومرحبا بكما أختيّ الغاليتين سيفتاب وابنة جبل النار  emo (30):
العنوان: رد: في ظلال القرآن :: 2016 ::
أرسل بواسطة: Asma في 2016-04-20, 15:59:13
سلام عليكم
متابعة أستاذي اسماء ::ok:: ::ok:: ::ok::
العنوان: رد: في ظلال القرآن :: 2016 ::
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2016-05-03, 08:26:23
أهلا وسهلا بك يا أسماء  emo (30):
العنوان: رد: في ظلال القرآن :: 2016 ::
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2016-05-03, 08:42:07
"يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ(57)" -يونس-

خطاب لجميع الناس، أن قد جاءتهم موعظة من ربّهم، والموعظة هي النصح بما ينفع، والتحذير مما يضر...
وإذا تأملنا فإن خصائص الدواء كذلك، إذ فيه النفع وإبعاد الضرر، وكذلك حال القرآن، وهو الطبيب يصف للمرضى الدواء، وكل الناس مرضى صدور إلا أن يهديهم الله بهداه، كما تمرض أجسام كل الناس ولا ينجو أحدهم من علّة قد تصيبه...

وما دور الدواء النافع إلا أن يشفي العليل ويكون فيه الشفاء، فكذلك القرآن دواء شاف، ولكن شفاءه لما في الصدور، وليس شفاء علل الأبدان، وما في الصدور هي علل النفس التي يتكالب عليها الهوى مع الشهوة مع الضعف البشري، مع الزلل البشري، مع ما يوسوس به الشيطان ليوغر به صدر الإنسان على ربه ...

أما "الهدى والرحمة"  فإنما هما للمؤمنين خاصة، الذين مالت أنفسهم للدواء، واطمأنّت له، فاستعملته، فكان الشفاء والبُرء...
فإذا حصل الشفاء  كان "هُدى التوفيق" الذي هو حظ المؤمنين خاصة، "هدى للمتقين"... هو الهدى الذي يأخذ بيد المؤمن في درب الحياة من توفيق إلى توفيق ومن تزكية إلى تزكية، ومن مرتقى إلى مرتقى حتى تحصل له بذلك الرحمة، الرحمة التي تصاحبه في الدنيا والآخرة، رحمة بالقرآن ترفق به في كل أحواله، وتصاحبه في كل خطواته، حتى تصبح المُلازم الذي لا يغادره وإن غادرت الروح الجسد، بل تتبعه في الآخرة ليصير رحمة أخروية وقد كان الرحمة الدنيوية...

وعلى هذا فإن :

** الدواء متاح لكل مريض(موعظة القرآن)-----> مجيئ القرآن موعظة للناس كافة.
** والشفاء حاصل لكل من استعمله----> بداية الاهتداء.
** أما الهدى والتوفيق إلى الصحة الكاملة----> فذلك إلى أهله من المستمسكين بالدواء الواثقين بفاعليته، العائدين إليه عند كل مُصاب، وهم المؤمنون الثابتون المستنيرون بهدي القرآن.

** والرحمة تمام الحماية والعناية والرعاية الحاصلة لصاحبها المستمسك بذلك الدواء الشافي----> التفضل من الله تعالى برحمة القرآن على عباده المؤمنين في الدنيا والآخرة.
العنوان: رد: في ظلال القرآن :: 2016 ::
أرسل بواسطة: Asma في 2016-05-04, 14:36:25
سلام عليكم
القرآن كله شفاء لما في الصدور جزاك الله كل خير
العنوان: رد: في ظلال القرآن :: 2016 ::
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2016-05-08, 12:51:46
وإياك يا أسماء  emo (30):

العنوان: رد: في ظلال القرآن :: 2016 ::
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2016-05-08, 12:54:51
لننظر إلى قرآننا وهو يخاطب العقل، يحاجج بالعقل، يبيّن بالعقل، ويدحض بالعقل...
في سورة يونس من الآية 38 إلى الآية 44 قطاع من الآيات فيه يحاجج الله في صدق القرآن، ويعلّم نبيه صلى الله عليه وسلم كيف يحاجج الكافرين المكذبين فيه ...
"أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّثْلِهِ وَادْعُواْ مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ(38)"
لقد قال المشركون أن محمدا صلى الله عليه وسلم قد افترى القرآن من عنده، أي اختلقه، من أخيلته، ومن تأليفه ...
فها هي المجاراة ...
إذن فإن كان افتراه، فلتفعلوا ما يعزّز قولكم، ويوثّقه، ويزيده قوة، هيا فإن هذا الذي قلتم عنه مفترٍ تعلمون علم اليقين من لبثه فيكم عمرا أنه الأمي الذي لا يقرأ ولا يكتب، فلتحاولوا أنتم أن تفتروا كما افترى، هاتوا افتراءكم مع من أردتم أن يكون لكم في ذلك ظهيرا من أهل القراءة والكتابة والفصاحة والشعر والبيان، هيا يا أهل اللغة!

افتروا، فإن كان الأمي قد افترى، أفلا تقوَون مع كل من يقرأ ويكتب ويتفصّح أن تفتروا؟! لا شيء أسهل من ذلك عندكم يا أهل الكلام والبيان، إن كان ادعاؤكم افتراؤه -وهو الأميّ- حقيقة ...
أي أن الله تعالى علم نبيه صلى الله عليه وسلم أن يطالبهم بالبرهان "هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين"، فليس أسهل على أهل الكتابة والقراءة أن يفتروا إذا كان عندهم من لم يقرأ ولم يكتب قد افترى ...

إنها المطالبة بالبرهان بأقوى طريقة، طريقة المتيقن من حق عنده لا يُقارَع، ولكنه لا يمنع من يستطيع المقارعة أن يفعل، يفتح له الباب على مصراعيه، دون شروط، يترك له الحريّة، يُفسح له فلا يقيّده بشروط، بل يطالبه بأن يأتي ببرهانه مع المظاهرين الذين يختار ويحب....
ها هي الفسحة لعقولكم، فهاتوا التعقل من عقولكم ...

1- هذا أمي لا يقرأ ولا يكتب قد افترى.
2- وهو وحده بلا ظهير قد افترى.
3- وأنتم يا من تتقنون القراءة والكتابة والبيان والفصاحة افتروا ما افتراه.
4- أنتم مجتمعون والجماعة أقوى على الإتيان بما يأتيه الواحد، فهاتوا ما عندكم.

ثم في الآية الموالية:
"بَلْ كَذَّبُواْ بِمَا لَمْ يُحِيطُواْ بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ(39) وَمِنهُم مَّن يُؤْمِنُ بِهِ وَمِنْهُم مَّن لاَّ يُؤْمِنُ بِهِ وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِالْمُفْسِدِينَ(40)"
إذن فحقيقتهم، أنهم لم يكذّبوا بشيء عرفوا ما فيه، وأحاطوا بعلمه، فقاسوا، وفكّروا، واستدلّوا، وأسقطوا فعرفوا أنه الباطل فرفضوه، بل إنهم أصلا لم يعلموا عنه شيئا...بل إنهم فوق عدم علمهم، لم يصبروا على فهم وبيان ما استعصى عليهم فيه، بيانه من رسول الله صلى الله صلى الله عليه وسلم.

1- لم يعلموا.
2- لما يأتهم تأويله : لم يصبروا حتى يأتيهم بيانه وتفسيره.

العلم + الفهم = الحكم الصحيح
العلم + عدم الفهم = الحكم الخاطئ
عدم العلم + عدم الفهم = الحكم الخاطئ

أن تعلم ما فيه دون أن تفهمه نقص، ومدعاة لحكم خاطئ، فوجب العلم مع الفهم لإصدار الحكم السليم من العقل السليم.
فلننظر إلى المحاججة بالعقل !
سبحان الله ....
كثيرا ما نتأمل في آيات القرآن الألفاظ المشتقة من "عقل" لنعرف مخاطبة القرآن للعقل، ولا نبحث كثيرا في سائر سياقات وتعبيرات القرآن العظيم ... وهي وإن لم تحوِ من تلك المشتقات كانت خطابا للعقل، وخطابا بالعقل ...

ثم :
"وَإِن كَذَّبُوكَ فَقُل لِّي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَاْ بَرِيءٌ مِّمَّا تَعْمَلُونَ(41) "
وإن بقي حالهم هو التكذيب من بعد :

1- طلب البرهان + 2- الدعوة إلى العلم + 3- الدعوة إلى الفهم

فما عليك أنت يا "محمد" إلا أن تتبرأ وتعلم أنهم مع ما طولبوا به وهُم على حالهم لم يعد ينفع معهم، إن عقولهم قد سُكّرت عن التعقّل ...
أما الآيتان المواليتان :
وَمِنْهُم مَّن يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ أَفَأَنتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَلَوْ كَانُواْ لاَ يَعْقِلُونَ(42) وَمِنهُم مَّن يَنظُرُ إِلَيْكَ أَفَأَنتَ تَهْدِي الْعُمْيَ وَلَوْ كَانُواْ لاَ يُبْصِرُونَ(43)
الأصم العاقل بإمكانه معرفة الحق، والأعمى ذو البصيرة بإمكانه أن يعرف الحق،
أما أصم بلا عقل وأعمى بلا بصيرة .... أنّى له أن يعقل ؟!!

فلنتأمل قرآننا، ولنبحث في كل خطاباته، وإن لم يكن فيها من مشتقات "العقل"، أو "الفكر" أو "التدبر"، نجد مجالات شاسعة تخاطب العقل، وتبيّن بالعقل، وتدحض بالعقل ....
العنوان: رد: في ظلال القرآن :: 2016 ::
أرسل بواسطة: ابنة جبل النار في 2016-05-08, 13:20:24
جزاك الله خيرا  أسماء على هذا التدبر الجميل  و التأمل للآيات....

كما أعجبني تفسير الآيات :
(وَمِنْهُم مَّن يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ أَفَأَنتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَلَوْ كَانُواْ لاَ يَعْقِلُونَ(42) وَمِنهُم مَّن يَنظُرُ إِلَيْكَ أَفَأَنتَ تَهْدِي الْعُمْيَ وَلَوْ كَانُواْ لا يبصرون)   

( ومنهم من يستمعون إليك ) بأسماعهم الظاهرة فلا ينفعهم ، ( أفأنت تسمع الصم ) يريد : سمع القلب ، ( ولو كانوا لا يعقلون ) .

( ومنهم من ينظر إليك ) بأبصارهم الظاهرة ، ( أفأنت تهدي العمي ) يريد عمى القلب ، ( ولو كانوا لا يبصرون ) وهذا تسلية من الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم يقول : إنك لا تقدر أن تسمع من سلبته السمع ، ولا أن تهدي من سلبته البصر ، ولا أن توفق للإيمان من حكمت عليه أن لا يؤمن .
العنوان: رد: في ظلال القرآن :: 2016 ::
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2016-05-08, 13:30:42
وإياك يا بهي  emo (30):
نعم، هم بأبصارهم الظاهرة ولكن قلوبهم عمهتْ، وهم بأسماعهم الظاهرة ولكن عقولهم سكّرت...

سبحان الله يا بهي، هو الحق سبحانه خلق الإنسان، وميّزه بعقله، ثم لم يخاطبه إلا بأدوات عقله، ليؤمن، وليصدّق، وليتعقّل وليفهم ...
 

العنوان: رد: في ظلال القرآن :: 2016 ::
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2016-05-15, 17:31:43
كثيرا ما يُخطئ مَنْ لا دراية له بمدى اتساع وامتداد اللغة العربية ورحابتها، وتنوّع استخدامات أدواتها، ودلالة الكلمة الواحدة فيها على أكثر من معنى، فيحسب أنه القادر على تفسير القرآن حسب ما يفهم...

بعيدا عن حقّه في التدبّر، بل واجبه في التدبّر، والذي لا يكون على أساس متين إلا إذا أحاط بالمعنى السليم للكلمات، فإنّ محاولة التفسير الذاتيّ للقرآن من غير ما إحاطة بمعاني الكلمات ودور الأدوات قد تأتي مشوّهة، مفتَعَلة، متكلّفة لا تحمل روح المعنى الصحيح، ولا تؤدي المُراد من الآيات، بل إنّ هناك من يطوّع القرآن لمقصد يريد هو الوصول إليه بليّه لعنق اللغة قبل عنق الآية...

وسأضرب مثالا واحدا، أراه يدلّل كبير دلالة على وجوب التحرّس قبل الاعتداد بالفهم الذاتيّ دون تأسيس على فهم صحيح لمعاني الكلمات، ولمواقع الأدوات وأدوارها...
"قالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا ۗ سُبْحَانَهُ ۖ هُوَ الْغَنِيُّ ۖ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ۚ إِنْ عِندَكُم مِّن سُلْطَانٍ بِهَٰذَا ۚ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ(68)" -يونس-

قوله سبحانه "إِنْ عِندَكُم مِّن سُلْطَانٍ بِهَٰذَا ۚ " لو أُرخِي العنان للفهم الشائع لدور "إنْ" لقصرها مَن قصرها على أنها أداة شرط، بينما "إِنْ" في اللغة العربية ذات أدوار لا دور واحد ...

وها هنا هي نافية، وليست شرطية ...
"إن عندكم من سلطان بهذا" معناها: ليس عندكم من سلطان بهذا الذي تقولون، ما عندكم من سلطان بهذا الذي تقولون، أي لا دليل عندكم على تقوّلكم وافترائكم ...

((إنْ النافية : حرف نفيٍ بمعنى ( ما ) مبنيٌّ على السكون لا محل له من الإعراب ، تدخل على الجملة الفعلية والجملة الإسمية ولا تؤثر فيهما في الإعراب.))

دخولها على الجملة الفعلية من مثل قوله تعالى : "إن أردنا إلا الحسنى" أي ما أردنا إلا الحسنى
ودخولها على الجملة الاسمية من مثل آية سورة يونس أعلاه ...
أما أدوار "إِنْ" الأخرى:
** فهي "الشرطية" من مثل قوله تعالى "وإن عدتم عدنا"
** وهي "الزائدة للتوكيد" وتأتي لتأكيد التعبير وتقويته، في مثل قولنا: "ما إنْ أنهيتُ دروسي حتى اطمأننتُ "
** وهي "المخفَّفة من إنّ" وغالبا لا تعمل عملها فيما بعدها، بمعنى أنها لا تنصب الاسم الذي بعدها كفعل "إنّ" في اسمها... واللام التي تأتي بعدها تسمى "لام الفارقة" دورها التفريق بين "إنْ" المخفّفة و"إنْ" النافية، وذلك في مثل قوله تعالى : "إنْ هذانِ لَساحران".
العنوان: رد: في ظلال القرآن :: 2016 ::
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2016-05-19, 09:19:09
في قوله تعالى :{ثُمَّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِم مُّوسَىٰ وَهَارُونَ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ بِآيَاتِنَا فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُّجْرِمِينَ (75) فَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِندِنَا قَالُوا إِنَّ هَٰذَا لَسِحْرٌ مُّبِينٌ (76)} [يونس : 75-76]

لقد استكبروا أولا...

فرعون وهو ملك مصر، وملؤه وهم حاشيته المقرّبة من ذوي الجاه والمكانة...
فرعون هو الذي استخفّ قومه، واسترهب فكرهم حتى كان يحثهم على الاستدلال على ملكه بالأنهار تجري من تحته، وهو يستنكر عليهم بقوله : "أفلا تبصرون" ...!

استكبر لما جاءه موسى وهارون بآيات الله حتى ادّعى الربوبية بقوله: "أنا ربكم الأعلى"...
واستكبر حتى ادّعى الألوهية فقال : " ما علمت لكم من إله غيري"...

أما عندما جاءهم الحق من عند الله، بالبينات الساطعة المفحمة، وعندما عرفوا أنه الحق، ولم يبقَ لأهل اللجاج وقد أفحمهم الحجاج، وزهق الباطل اللجْلج بالحق الأبلج...
لم يجد أهل الاستكبار إلا أن يقولوا : "إن هذا لسحر مبين"...
والسحر أخيلة تصوّر الباطل حقا...

هكذا ألقوا بصفة السحر على الحق ينفذ للعقول من منافذها، ويملك القلوب من عروشها...
وهكذا حال من استرهب العقول والأفهام، واستبدّ بمفاتيحها وبمغاليقها، يفتح منها لنفسه ويغلق منها لما عداه ... فيقلب في تصوّرهم الحق باطلا، فيرونه كذلك... ويقلب الباطل حقا، فيرونه كذلك... إي وربي، فإن المفاتيح والمغاليق بيد السجّان لا بيد السجين...!!

عندما تُغتصب العقول، فتفقد حريتها، تصبح كالعبد بيد سيّده لا حركة إلا لما يحب، ولا سكنة إلا لما يبغض...
يصبح كاللعبة بيد صاحبها، مِطواعة ليده، إن شاء التهى بها، وإن شاء خبأها، وإن شاء أظهرها، وإن شاء مزّقها إربا إذا تملكته السآمة منها والملالة...

والمستكبر إذا أُفحِم باطله بحق... صار دَيْدَنه -كما وصف ابن عاشور- التدرج من مجرّد الإباء المنبعث عن الاستكبار إلى البهتان المنبعث عن الشعور بالمغلوبيّة...

فهو شنشنة المغلوب عديم الحجة الذي قهرته الحجة وبهره سلطان الحق...

نعم من استكبار ، إلى بهتان مبعثه الشعور بالمغلوبية... هكذا هو ديدن المستكبرين، المستعبدين للعقول...
وإن لزماننا هذا لفراعنَتَه المتعالمين أو الآسرين بالعبارات الرنانة الذين يقلبون الحق باطلا والباطل حقا لكل مَن أسلمهم عقله..

فليت شعري... لا حق ليد أن تمسك بمفاتيح عقلك ومغاليقه إلا يدك... فافتح للحق ينفذ... وأغلق دون الباطل يُمسك... ولا إله عليه إلا الله، ولا رب له إلا ربنا...الله...
العنوان: رد: في ظلال القرآن :: 2016 ::
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2016-05-19, 11:29:52
"قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَاءُ فِي الْأَرْضِ وَمَا نَحْنُ لَكُمَا بِمُؤْمِنِينَ(77)" -يونس-

وأخيرا... هذه هي حقيقتهم، إنه خوفهم وفزعهم وهلعهم من هذا الذي جاء ليبيّن تهافت ما كانوا يتّبعون من خرافات ومن أهواء، ومن سفاهات....

إنه خوف المتسلط، خوف صاحب الجاه، خوف السلطان على سلطانه ....
فيصوّر أن موروث الآباء قداسة لا تُمسّ ولا يُؤتى عليها، وليت ذلك الموروث هو الحق موروثا، بل هو الباطل، والخرافة والكذب والافتراء من وحي الهوى...وإنه التعلّل بقداسة ما لا قداسة له والحقيقة أنّه مُرادهم من الاستئثار بالسلطان ...

ولكأنّي بهم وهم يعلّلون بـ "وتكون لكما الكبرياء في الأرض" يعلمون أنّ لهذا الحق قوة تجعل من أتباعه أصحاب سلطان في الأرض...

إذن فإنهم قد انتقلوا من 1- "استكبروا" إلى 2- بهتان الذي غُلب بالحق "إنّ هذا لسحر مبين" إلى 3- نطقهم بحقيقة حالهم "وتكون لكما الكبرياء في الأرض" ....

"ثُمَّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِم مُّوسَى وَهَارُونَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ بِآيَاتِنَا فَاسْتَكْبَرُواْ وَكَانُواْ قَوْماً مُّجْرِمِينَ(75) فَلَمَّا جَاءهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِندِنَا قَالُواْ إِنَّ هَـذَا لَسِحْرٌ مُّبِينٌ(76) قَالَ مُوسَى أَتقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءكُمْ أَسِحْرٌ هَـذَا وَلاَ يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ(77) قَالُواْ أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَاء فِي الأَرْضِ وَمَا نَحْنُ لَكُمَا بِمُؤْمِنِينَ(78)" -يونس-

وإنّ لهذا الخوف القديم الجديد سببه الواحد... الخوف على سلطان الباطل والجَور في الأرض من سلطان الحق والعدل فيها ...
العنوان: رد: في ظلال القرآن :: 2016 ::
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2016-05-22, 15:35:05
في قوله تعالى : "وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْياً وَعَدْواً حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لا إِلِـهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَاْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ(90) " -يونس-

قصة عظيمة هي قصة موسى عليه السلام عند خروجه بقومه...!!

وإنك إذا لملمتَ أجزاء القصة المنتشرة في آيِ القرآن الكريم من سور مختلفة، لغدتْ أمام عينيك وكأنها المتمثّلة بشخوصها، وأدواتها، وحركاتها... وبتفاصيلها...
فتجدكَ في قلب المغامرة، في قلب الحدث، وكأنما انتقلتَ إلى زمانهم، وإلى مكانهم، فالبحر من أمامك، والعدوّ من ورائك ....

وإنّ قلبك ليرجف وليهتزّ هلعا، وخوفا على مصير موسى وقومه، في لحظات حاسمة، خطيرة، مصيريّة ....لحظة لا يتبيّن فيها المصير أإلى خير ونجاة، أم إلى هلكة وفوات ...!
تجدُك مع الآيات تُسلط الضوء حينا على موسى، وعلى أتباعه حينا آخر، ولا تنفكّ مراقبا لفرعون وجنده، ويدك على قلبك المنخلع خوفا من مصير خطير مُحدق....!

إن الآية التي بين أيدينا من سورة يونس، تبيّن في إيجاز مُنجز مُعجز، كيف أن الله تعالى جاوز ببني إسرائيل البحر، وكيف أتبعهم فرعون وجنوده، وكيف أدرك الغرقُ فرعونَ ....
إنها لكلمات معدودات تصف الحدث، لتنتهي إلى مصير فرعون، وحاله وهو يغرق...
ولكنّ الجوامع التي بين يديّ تشوّقني للتفاصيل؟ فهل لي أن أعرفها ؟!

لسائل يقع على هذه الآية، ولم يقع على غيرها أن يسأل: تبدو قصة فريدة، فهل من تفاصيل؟
ولمن يبحث، ويجول بين حنايا القرآن أن يأتي بها شافية وافية كافية ....  emo (30):

لقد خرج موسى بقومه خفية عن فرعون وشيعته، ليلا على حين غفلة منهم : "فأَسْرِ بِعِبَادِي لَيْلاً إِنَّكُم مُّتَّبَعُونَ(23)" -الدخان-
فلنتأمل...
إنّ موسى عليه السلام لما خرج ليلا بقومه، ممتثلا لأمر ربه، لم ينجُ من اتباع فرعون له، ولكنّه بالمقابل قد نجا نسبيا، نجا بأن قطع بقومه طريقا بلّغهم شاطئ البحر، نجا بالقدر الذي جعل بينهم وبين فرعون وجنوده مسافة لها دورها وإن لحقوا بهم... وإن اتبعوهم...
والقرآن يومِض في عقل السائل والمتتبّع للتفاصيل، بمفتاح جديد ... emo (13):

وذلك في قوله تعالى : "فَأَتْبَعُوهُم مُّشْرِقِينَ(60)".... لقد أتبعوهم مشرقين... وبين الليل والإشراق مسافة، لا بدّ أن لها دورا ...لا بدّ... وإن اتبعوهم ...

إنه الإشراق... إنها الشمس تُسفر بجدائلها عن انقضاء الليل، وابتداء يوم جديد...
أتراه سيكون جديدا مشرقا في حياة بني إسرائيل، أم تُراه سيزيد إلى ظلمتها ظُلمة ؟؟!!
أين سيذهب موسى بقومه؟ أين يفرّ بهم والبحر من أمامه والعدوّ من ورائه ؟!

أمِن أمل في لجّ الخطر المُحدق؟!
إنني لأراني أعود القهقرى... قليلا إلى الوراء... إنها عودتي وحدي إلى الوراء، ذلك الوراء الذي فيه كل الوبال على بني إسرائيل، وإن هلاكهم لفي خطوة واحدة إليه ....!!

أما أنا فعودتي إليه لنتأمل...  emo (30):
لنتأمل دقة الكلمات القرآنية، ودقّة مواضعها ...
لنعرف تصديق القرآن بعضه بعضا..."فأَسْرِ بِعِبَادِي لَيْلاً إِنَّكُم مُّتَّبَعُونَ" ...

"إنكم متبعون" مؤذنة باتباع فرعون لهم، إنه سبحانه قد أعلم موسى مع أمره بالخروج ليلا، أعلمه أنهم متّبعون... ولا بدّ أن من شأن هذا أن يحثّ في نفس موسى عليه السلام الأخذ الأقصى بالأسباب، فلا يُستبعد أنه قد كان القائد المسرِّع لقومه، يوازن بين التخفّي والإغفال من جهة، وبين تسريعه قومه من جهة أخرى...
وإن لنا أن نتخيل خطورة هذه المغامرة على موسى وهو قائد لكل قومه، فإما بهم إلى نجاة ومَنعة، وإما بهم إلى هلاك ولوعة...!! هلاك لو خُيّروا وهم يُحدَّثونه لاختاروا بقاءهم على ذلّهم وعبوديتهم...!
ولكن... ماذا سبق كل هذا ؟؟

** لقد سبقه توكّل بني إسرائيل على الله ... "فَقَالُواْ عَلَى اللّهِ تَوَكَّلْنَا"
** لقد سبقه دعاؤهم الله ألا يجعلهم فتنة للظالمين وأن ينجّيهم "رَبَّنَا لاَ تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ* وَنَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ"

** لقد سبقته قيادة موسى قومه أولا إلى الصلة بالله قبل أن يقودهم إلى النجاة "وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَن تَبَوَّءَا لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتاً وَاجْعَلُواْ بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ "

** لقد سبقه دعاء موسى عليه السلام على فرعون وملئه "رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُواْ حَتَّى يَرَوُاْ الْعَذَابَ الأَلِيمَ"

** ولقد سبقه أيضا إعلام الله نبيَّيْه أنه قد أجاب دعوتهما "قالَ قَدْ أُجِيبَت دَّعْوَتُكُمَا "

** ولقد سبقه امتثال موسى وهاورن عليهما السلام لأمر الله تعالى بالثبات والاستقامة "فَاسْتَقِيمَا وَلاَ تَتَّبِعَآنِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ"

لقد كان كل هذا من قبل، لنكون اليوم قُبالة هذه المشاهد الحيّة، في غِمار هذا الحدث العظيم، هذه القيادة الرائدة لموسى، والبحر من أمامه والعدو من ورائه ...!!

إننا لا ننفكّ نلتفت إلى الوراء، حيث فرعون وجنوده...
لا ننفكّ نرقب تحركات ذلك الظالم المتجبرّ المتكبرّ المتألّه، وهو وجنوده يلحقون بموسى عليه السلام وأتباعه ....
إن الضوء مُسلط الآن عليه ...
تُرى ألَحِقَ بالقوم ليناديهم ويُسمعهم صوتا حمائميا مسالما، وليبثّ عهود الأمن والأمان، وليوادعهم ويحفظ لمملكته قوما لطالما سخّرهم لخدمته، ولخدمة ملكه ... ولطالما كانوا عبيده وطوع إشارة من بَنانه وأمر من لسانه ...؟!!

ها هو القرآن، يفصّل، ويُبين، فلا يترك لقائل أن يتقوّل بغير حقيقة الحال، من الآية ذاتها التي بين أيدينا "فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْياً وَعَدْواً"...

ظلما وجورا، وغاية في الاعتداء، وتماديا في الجبروت، وإسرافا في التألّه ...!!

فأيّ جرم اقترفه من غادر أرضه ووطنه، مفرّطا بحقّ من أعظم حقوقه، منقلعا من جذوره، لائذا بالفِرار...؟!
أي جرم اقترفوه وهم إذ يفرّون، يهيمون في الأرض على وجوههم، لا يدرون أيّها مأواهم، وأيها ملاذهم ...؟!
لقد حكمهم بغيا وعدوا، واتبعهم وهم فارّون بغيا وعدوا ....

ماذا تُراه سيفعل موسى؟؟
إنه الإشراق، إنه الصبح، إنه العدوّ يتبع، وإنه على آثاره وآثار قومه، لا يغادر...لا يرجع.. لا يَني ....
وها هو القرآن مرة أخرى يومِض، ويضيئ حجرات مظلمة في العقل السائل ...
ها هو الضوء من هناك يأتي بمفتاح جديد... بحبكة من حبكات هذه القصة، لتتلاحم كلها، فتنتج مشهدا متكاملا، متناسقا...

لقد أوحى إلى موسى ربُّه، لقد علّمه ما يفعل ..."وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً فِي الْبَحْرِ يَبَساً لَّا تَخَافُ دَرَكاً وَلَا تَخْشَى(77)" -طه-
فموسى عليه السلام يعلم أنّ عليه ضرب طريق يبس في البحر ... ذلك كان عنوانا... ولكن! كيف سيضرب لهم هذا الطريق؟؟!

لقد بلغت قلوب بني إسرائيل الحناجر، حتى قالوا وأعينهم ترقب العدوّ من خلفهم يلاحقهم، "إِنَّا لَمُدْرَكُونَ "....
عندها ردّ عليهم موسى بيقين العبد المتوكّل على ربه، الواثق به عظيم الثقة، وبهدايته إياه ....
"قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ(62)"-الشعراء-

يوقن أن ربه سيهديه، سيعلّمه الطريقة، سيُجليها له .... تيقّن أن معه ربه... "سيهدين"
ليأتي بعد يقينه، وبعد كلماته الموغلة في الإيمان بمعيّة الله، بفاء العطف التي تفيد السرعة في الإجابة والهداية.... "فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ(63)"

فضرب البحر... فانفلق... فكان كل فرق كالطود العظيم...
فاءات ثلاث متعاقبات دلّت كلها على سرعة في التعليم والهداية، وسرعة في العون والكفاية ....

فيجاوز الله ببني إسرائيل البحر، (في آيتنا هذه) .... ويتبعهم فرعون وجنوده، ولكنّ هذا الاتباع، هو اتباع على الطريق اليبس الذي مُدّ في البحر، اتباع على ذات الطريق الذي لم يكن لعقل أن يتخيّله في البحر مُمَهّدا للخطوات ...! اتباع على الطريق الذي ما فتئ بنو إسرائيل يفرحون به خلاصا حتى فوجئوا بالعدوّ عليه يقتفي الخطوات ...!

إن الخطورة ما تزال مُحدقة .... كيف لموسى أن يدفع هذا الخطر المُلازم ؟؟!
إن الأمر سيّان ففرعون وجنوده يستطيعون إدراكهم واللحوق بهم، بل إنهم على خطاهم على يبس البحر ...!! أيضرب موسى في البحر مرة أخرى بعصاه ليعود بحرا بلا يبس؟؟

إن الحلّ هنا... غير بعيد .... إنه مع أمره موسى أن يسري بالقوم ليلا، قد علّمه ما يصنع بالبحر !!
"فَأَسْرِ بِعِبَادِي لَيْلاً إِنَّكُم مُّتَّبَعُونَ(23) وَاتْرُكْ الْبَحْرَ رَهْواً إِنَّهُمْ جُندٌ مُّغْرَقُونَ(24)" -الدخان-
على نسق أمره سبحانه له باتخاذ السبب، مع بيان اتباعهم له رغم اتخاذه السبب، يُعطَف قوله تعالى : "وَاتْرُكْ الْبَحْرَ رَهْواً إِنَّهُمْ جُندٌ مُّغْرَقُونَ"
إنه الأمر مع النّذارة، يليه الأمر مع البشارة ...

لا تفكر في حلّ جديد لينقطع الطريق على فرعون وجنوده، اترك البحر على حاله، جبالا مائية يتخللها اليبس ... اتركه رهوا، إنهم جند مُغرقون ...

سيتكفل الله بإرجاع البحر لسُيُولته ...أجل لقد تكفّل سبحانه بذلك ....بإرجاع البحر لأصل حاله، مع نجاة كل قومك، وإغراق فرعون وكل جنده ...
لقد أطبق الله جبال الماء عليهم فأغرقتهم .....
وتلكُم كانت نهاية هذه القصة العظيمة ....  emo (30): بمشاهد متحركة حيّة ... بأضواء مُسلطة على كل موقع... بحبكات منتظمات انتظام الخرز في سلسلة متّسقة منسجمة لا يفرّقها فلل، ولا يشوبها ثَلم...
وهذا هو القرآن يفرّق الأخبار بين ثنايا السّور لتجتمع في مشهد حيّ متحرّك محتبك متكامل لا تُداني جماله أروع وأحدث ما تصوّره تقنيات وصناعات البشر...
العنوان: رد: في ظلال القرآن :: 2016 ::
أرسل بواسطة: ابنة جبل النار في 2016-05-22, 16:04:07
جزاك الله خيرا... و الآن جاء دورك أسماء لنسألك   :) ألا تفكرين  بطباعة هذه الظلال وتحويلها إلى كتاب   ؟ ☺
العنوان: رد: في ظلال القرآن :: 2016 ::
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2016-05-23, 09:08:53
جزاك الله خيرا... و الآن جاء دورك أسماء لنسألك   :) ألا تفكرين  بطباعة هذه الظلال وتحويلها إلى كتاب   ؟ ☺

وإياك يا بهي  emo (30):

صراحة أتمنى ذلك، ولكن أرى أنني أملك عددا من الخواطر حول السور التي أطلت معها المكوث بصفة خاصة، لكن إما أنني لم أكتبها أصلا، وإما أنها عندي على ورق، ولم أنقلها بعد على حاسوب، وأنا أكتب بالموازاة مع عيشي مع السورة، وهذا يستغرق زمنا طويلا  emo (30):

إضافة إلى أن طباعة كتاب تحتاج عزما للبدئ بسلوك الطريق لتخريج الكتاب، وهذا ما لم أفعله بعد، لانشغالي كل مرة بما يأخذني عنه. أسأل الله تعالى أن ييسّر لي ذلك، وبكل الأحوال إن قبض الله الروح ولم يتحقق ذلك، فأنا أحاول نشرها عساها تفيد من يقع عليها .
العنوان: رد: في ظلال القرآن :: 2016 ::
أرسل بواسطة: ابنة جبل النار في 2016-05-23, 15:33:35
بارك الله لك في عمرك و يسّر  أمرك   :)
العنوان: رد: في ظلال القرآن :: 2016 ::
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2016-05-24, 08:18:00
بارك الله لك في عمرك و يسّر  أمرك   :)

يسّر لنا وإياكم ما يرضيه عنا  emo (30):
العنوان: رد: في ظلال القرآن :: 2016 ::
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2016-07-07, 16:40:17
لمن جعل رمضان مسابقة في عدد الختمات... أقول تمهّل.. !
تمهّل وألهمني سرّك ! ألكَ طاقة لقراءة المصحف كاملا، ثم بدئه من جديد، ثم إنهائه، ثم بدئه من جديد، وهكذا في دائرةٍ السبق فيها هو للراكض بين السور ...؟!

ترى ماذا جنيت ؟ أجنيت فهما، أم جنيتَ عيشا، أم جنيتَ حلاوة، أم تُراك جنيتَ العمل مع الركض بين الآيات والسور؟!
أعشتَ مع سورة الفاتحة ؟ أتساءلتَ عن وجودها بأول المصحف؟ أما خطر ببالك أن تكون الأولى وأنت تتصفح كتابك، وأولى السور نزولا تجدها بين أواخر السور ترتيبا ؟ أما تساءلتَ عن سرّ اسمها؟ أما تساءلتَ عن سرّ الدعاء فيها ؟

أما بحثتَ عن إجابة الدعاء في آخرها ؟ "اهدِنا الصراط المستقيم" ؟
أاكتفيتَ بقولك بعده "آمين" ؟
أحسبتَ قولة "آمين" بمجزئة وكافية ليأتيك الهُدى على طبق من خيال الزمان وأوهام المكان؟
وانطلقتَ بعدها تقلّب الصفحة، تُتبعها الصفحة، تُتبعها الصفحة، وأنت تلهث خلف الصفحات متى تُراها تتراكم ليبقى القليل الذي ستُلحقه قريبا بالمتراكمات...

وإذا سعادتك بالصفحات المتراكمات أكبر من فرحتك بملامسة القرآن لشغاف القلب ليسكن، ولأصول العقل ليتحرك...
أما عرفتَ أنّك على بُعد نظرة منك تقلبها من صفحة "الفاتحة" إلى صفحة "البقرة" المجاورة تقع على إجابة دعائك : "اهدنا الصراط المستقيم" ؟

أما علمتَ أن الأمر بك لن يطول لتجد الله هاديك، ومرشدك ودالّك إلى حيث الهدى، هنا من قريب، قريب ... قريب ... "ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين"

إنك أيها "الحامد" "العابد" "المستعين" "المستهدي الصراط المستقيم" تقف على الطريق...
تستهدي، وإنه "الرحمن الرحيم" سرعان ما يجيبك ....
وإنه لفي هذا الكتاب هُداك .... فهلمَّ واخطُ خطواتك على طريقٍ الكتاب فيه هاديك ....
هلمَّ ... تقدّم... اسأل، تساءل ... تأمّل ... تدبّر... وقف عند الآية تملَّ بجمالها، وبكمالها، وبرباطها بأخواتها ما سبق منها وما لحق...

كُنْ كسائح في جِنان الأرض، تتملّى بالحسن والجمال، و تُشبع ناظِرَيْك وأنت ما تكاد تشبع...
ارجع البصر، ثم ارجع البصر كرّتين ينقلب إليك البصر، وهو الذي غدا لا يريد انقلابا إليك...
كن كسائح غمر نفسَه شذى الرياحين، وأسر لُبَّهُ بياضُ النَّوَر...
كن كسائح يشتمّ العبير، ويقتبس من نفحات الأزاهير لروحه رَوحا وريحانا... ولعقله زادا وريّانا ...
امضِ قُدُما... سرْ نهارا، أو اسرِ ليلا ففي كلّ سياحة وتجوال، وعَيش في رحاب الكمال، وإنّ ناشئة الليل لأشد وطئا وأقوم قيلا ...

امضِ مع "البقرة"، واسأل، وابحثْ، وتفكّر، فإن فيها لحياةً كاملة بكل ما في الحياة من حركة، ومن دبيب، ومن أصوات، ومن دلالات...
فيها تعرف نفسك، تعرف أصلك، تعرف دورك، تعرف الغاية من وجودك...
تعرف مقدار ما كُرّمت، وأنّ العقل فيك معجزة وميزة وعنوان، وأنه مناط تكليفك...
لتمضي مع القرآن، وأنت تعقل...

تعقل آياته، تعقل كلماته، تعقل هداياته... تعقل حتى تصل بعقلك لربك، حتى تقدّر بعقلك ربّك حق قدره ...حتى تُدرك أنك المكرّم به...
مع "البقرة" ستطيل المكوث، سيعرّفك ربك بما سيعترضك على دربك أيها الخليفة المستخلَف، سيعرّفك أن الابتلاء سنّة فيك، وأنّ صبرك عليه باب للترقية الربانية، ولإعلاء درجاتك، صبر مع عمل كصبر التي سلّمت بالبقاء مع رضيعها في قلب الصحراء المقفرة، لا ماء ولا غذاء، ولم تقعد، بل سعت بين الصفا والمروة، وليت شيئا لاح في الأفق أن السعي ذو جدوى !!

ولكنها سعت ... حتى بُشِّرت ... "وبشر الصابرين"
يعدّك للابتلاء حتى لا يكون إيمانك على حرف، تسعد بالسراء إذا حلّت بساحتك، وتستنكر الضراء إذا ما بك ألمّت...
ستطيل المكوث مع "البقرة" ستتعرف إلى منزل المنهج : "وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم" ، وأنه الواحد الذي يأمر، والواحد الذي يشرّع...

ثم ستتعرف إلى المنهج ...
منهج للحياة... حيّ، مُحيٍ ... منهج للحياة بإيمان القلوب، منهج للحياة، فلا ينكر على الإنسان أن يحياها: "ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار"
منهج يحفظ النفس والعقل، والنفس فيه أكرم على الله من حرمة بيته، ومن حرمة الأشهر الحُرُم...أكرم على الله من حرمة المكان وحرمة الزمان ... وفتنة المؤمن عن دينه أكبر عند الله من حرمة شهره، بل أكبر هي من القتل...
منهج يعتني بالبذرة الأولى في نفسك، ثم بالخطوة الأولى منك ومن شريكك على درب الحياة، ثم بالخطوات الأخريات لأسرتك، لحياتها، لعلاقاتها، لوصالها، ولفراقها، ولحاجة كل طرف، ولحاجة القفز على "الأنا" مع أول إطلالة لثمرة اللقاء بينك وبين شريكك ... مع الولد ...

ستطيل مع "البقرة" المكوث، وأنت تخطو خطواتك الأولى... خطوة خطوة، ومع كل خطوة تتعلم، وتتهيأ لهذا الدرب الذي أنت عليه... "درب الحياة"... والقرآن فيه "مِشكاة"....
فامضِ ... امضِ ولا تستشقل مشيتك البطيئة، ولا تسارع لتقفز على المعاني، وعلى التربية الربانية الجليلة، وعلى التعقّل...
وعلى التعرّف إلى نفسك، ولدورك، ولعلاقتك بالكون وبالوجود، وبالحياة ...
كُن سائحا في ربوع الكمالات، وبين حنايا الهدايات، ولا تكن مُراكما للصفحات، عادّا للختمات، راكضا، لاهثا كأنما الحكمة في السبق وفي العدد ...!!
العنوان: رد: في ظلال القرآن :: 2016 ::
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2016-07-07, 16:42:02
إن قضية الإحياء والحياة لمَدارٌ من أهم مدارات سورة البقرة ..
سورة البقرة هي سورة المنهج... المنهج الذي أنزله الله لعباده ليحيوا به...
منهج حيّ مُحْيٍ، منهج جاء للحياة...

 emo (13): فهذا فيها أول التشريعات سَوقا، تشريع القصاص "ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب لعلكم تتقون" والحفاظ على النفس أول مقاصد الشريعة.

 emo (13): وهذا ثاني التشريعات سَوقا تشريع الحفاظ على المال، "يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم إذا حضر أحدَكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف حقا على المتقين" وهو ثاني مقصد من مقاصد الشريعة.

 emo (13): وهذا تشريع الحفاظ على العقل بورود أول تحريم للخمر "يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما"

والتشريعات... ثلاثتها تؤكد مقاصد حفظ النفس والمال والعقل، وكلها أدوات للحياة...
للحياة بمنهج الله تعالى...
إنها سورة تبين أن الإنسان خُلق للحياة، لإعمار الدنيا، لتحقيق الاستخلاف فيها، الاستخلاف بتطبيق أمر الله في الأرض، بتطبيق منهجه المُحيي...
حياة القلوب بالإيمان، وحياة العقول بالحركة والعمل...

وإنّ من يزرع مفهوم مجافاة الدنيا بزعم الزهد فيها إلى الحد الذي تنصّل فيه المسلمون من مسؤولية الاستخلاف والإعمار لهو واحد من أهم الجُناة على روح الأمة، وعلى حركتها وعلى عقول أبنائها وهم قد غدوا يرون النظرة إلى الآخرة نظرة تُحيّد الدنيا من قاموس مفاهيمهم...
حتى تركوا الاختراعات لأهل الدنيا !!
وتركوا العلم لأهل الدنيا بزعمهم !!
وتركوا الخوض في مجالات الحياة لأهل الدنيا !!
أما المسلمون فهم أهل الآخرة وما لهم في الدنيا وحركتها من خَلاق !!
مفهومٌ نكص بالإنسان المسلم على عقبيه، فغدا يستروح بابتغاء الآخرة من حَرّ هجره لحركة العقل وعمل العقل عنده...

وأصبح يستأنس بالخرافة والكذبة ويستسهلها زيادة في الاسترواح والراحة... !!!
أجل فنحن أهل الآخرة..... !! فأميتوا العقل يا أهل الآخرة، فإنما هو نافلة الوجود ...!!
أما سورة البقرة فهي سورة المنهج الذي جُعل للحياة... وهي من هذا الرمي الذي رُمي به الإسلام وتشريعه براء براء...

فيها يدعو الله إلى ذكر الدنيا لا إلى نكرانها : " ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار"
سورة تبين أن حرمة النفس عند الله أشد من حرمة بيته، وأشهره الحُرُم ...
سورة تستحث العقل، وتحترم العقل، وتخاطب العقل...
سورة أتت أول ما أتت على قصة الاستخلاف، وأن العقل في الإنسان معجزة جعلت آدم يتعلم الأسماء كلها... بل وينبئ بها من لا يعلمون...
ولنأخذ عيّنة من عينات مخاطبة العقل في هذه السورة، وإن كانت بهذه العيّنات لعامرة ...
تلك القَصَص الثلاث المتواليات فيها ..

قصة إبراهيم عليه السلام مع النمرود، ثم قصة الذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها، ثم قصة سؤال إبراهيم عليه السلام ربّه أن يريه كيف يحيي الموتى..
جاءت ثلاثتها مشتركة في قضية الإحياء والإماتة والتي هي بيد الله تعالى لا بيد غيره، هي خصيصة الله سبحانه...
فهي لا تأتي نشازا عن سياق الآيات السابقات من السورة، بل تأتي تأكيدا لأهمية قضيّتي الإحياء والإماتة...
الإحياء اتساقا مع إحياء القلوب بنهج الله، وإحياء العقول باستحثاثها على العمل ..
فأما إبراهيم عليه السلام مع النمرود...
فإنه لما عرف فيه طغيانا جعله يتأله ويدّعي ما ليس له: "أنا أحيي وأميت"، لم يتمادَ إبراهيم عليه السلام معه في موضوع الإحياء والإماتة، لم يبرّر له، لم يشرح له اختلاف ما يعتقده إحياء من نفسه عن إحياء الله، ولا اختلاف ما يعتقده إماتة من نفسه عن إماتة الله، لم يسترسل معه في هذا الموضوع، بل لقد غيّر وجهته، لقد وجّهه إلى موضوع سواه... إلى قضية أهون من قضية الإحياء والإماتة ...
لقد عرف ما يفعل بمَن كان تفكيره بهذا التحجّر، علم أنّ الأخذ والرد معه حول الموضوع ذاته مضيعة للوقت بلا جدوى... فخاطبه بما ناسب تفكيره، أفحمه، سأله، طلب منه ...

إن كنت ترى أن قضية الإحياء والإماتة بيدك، فهاكَ ما هو دونها، فلتأتِه ... "إن الله يأتي بالشمس من المشرق، فائتِ بها من المغرب" يا من تدعي أنك تحيي وتميت، إن هذا لأهون عليك ... فائتِه !!
فبُهِت الذي كفر ........... !! لقد أفحِم ... أفحِم بسؤال أن يأتي ما دون ما ادّعى فعله وإتيانه ...
دروس في مخاطبة العُتاة ... دروس في إفحامهم بالحجة العقلية، بالذكاء المُفحِم، بطريق هو الأقصر للغاية المرجوة ...
وأما الذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها، فلنتأمل، فإذا الله تعالى يحترم العقل، يسدّ الثغرة على التساؤلات، وعلى التشكيكات...

يميته مائة عام، ثم يحييه، ثم يسأله عن ملبثه، ليكتشف الذي ظنّ أنما لبث يوما أو بعض يوم، أنه قد لبث مائة عام ...!
ولكن سيقفز سؤال من يسأل ... ! أنّى للرجل أن يستيقن أنه لبث مائة عام ؟؟ أنّى له ذلك وطعامه وشرابه لم يتسنّه ... أليس له أن يستريب في ذلك ؟
إن الله تعالى قد ترك فسحة للعقل السائل، للعقل الذي لا يرى الحقيقة حقيقة إلا بالدليل...
فكان دليله حماره ...!
أراه الله قبالة عينيه كيف ينشر عظام حماره عظما تلو عظم، ثم كيف يكسو العظام المجمّعة لحما، لقد زوّده بالدليل الذي عقِلَه ... الذي طمأنه، الذي أعطاه اليقين ...
إنه سبحانه يعلّمنا احترام العقل، وهوسبحانه يحترمه، ويزوّده بما يُشبعه وبما يجعله يوقن بالحقيقة، ويسلّم بها...

وأما في قصة إبراهيم الأخيرة وهو يسأل ربه أن يريه كيف يحيي الموتى ...
فقد لقي طلبه القبول من عند الله، ولم يلقَ الصدود، ولم نعرف طعنا من الله في إيمان إبراهيم عليه السلام، وهو يسأل ...
وهو سبحانه إذ سأله: "أو لم تؤمن" نعلم نحن علم اليقين أن الله يعلم ما بقلبه، يعلم إن كان مؤمنا أو غير مؤمن، ولكنه يسأله ليبلغنا نحن جواب إبراهيم عليه السلام :"بلى ولكن ليطمئن قلبي"... ولنتعلم أن السؤال الذي النية من ورائه الاطمئنان مُباح، وغير مُنتَهَر صاحبه .... بل الإجابة هي حلّه ...
وأجابه ربّه ... وأمره أن يأخذ أربعة من الطير، ثم يصرهنّ إليه، ثم أن يجعل على كل جبل منهنّ جزء ....
لقد تساءلتُ ... لماذا لم يجعل الله سبحانه بيده تلك الطيور على الجبال على عين إبراهيم ؟؟ لماذا لم يفرّقها سبحانه عليها بيده، لماذا ترك ذلك لإبراهيم ؟؟

إنه ليترك لعقل إبراهيم أن يعقل، وأن يذكر ما فعل بيده، وليشهد على فعله، وليطمئنّ عقله لفعل نفسه، وإنه سبحانه العظيم العزيز الذي لا يُغلَب ولا يُقهَر .... فلتفرّق يا إبراهيم أطراف الطيور كما شئت أن تفرّق، كما شئت أن تفعل، كما شئت أن تصعّب لتطمئن، فاجعل رأس هذا شرقا واجعل أطرافه غربا، وباعد بين أطراف الطير الواحد كما حلا لك أن تباعد ... ولتعقل، ولتذكر ما فعلتْ يداك، وليكن عقلك عليك شاهدا،.... فإنّك وإن فرّقتَ أكبر تفريق، فإن الله تارك لك، ليدك أن تفعل ... لأنه العزيز الذي لا يغلبه شيء....
ثم ليكن منك الدعاء، لا شيء غير الدعاء .... فإذا كل طير بين يديك ساعٍ ... كما سيعقل عقلك، وأنت الذي فرّقتَ وأنت الذي تعلم جيدا كيف باعدتَ، وإلى أي مدى قد باعدت بين الأطراف الت غدت ساعية بين يديك....

إنها تلك الفسحة التي يتركها الله للعقل ليعمل، ليتيقن... ليطمئن باليقين ... يقين يأتي من عمل العقل الحر...
نعم إنها عيّنة من عيّنات مخاطبة العقول، واحترام العقول، وتعليم العقول أن تعمل، وأن تسأل، وأن كيف يقع من عملها اليقين ....
يعجّ القرآن كلّه بهذه المخاطبات، وبهذا الاحترام الفريد للعقل، وبهذا اليقين الذي هو جَنى عمل العقول....
فأنّى لأهل القرآن أن يزعموا أنهم أهل الآخرة وحدها، وأن الدنيا وإعمارها وعلومها لأهل الدنيا، وإنما نحن أحياء على شفير الموت، بل موتى على شفير الموت....!!!

إن القرآن براء من زعم كل زاعم، ونعق كل ناعق بهذه الدعاوى الكاذبة ...
بل إنّ كل ما فيه صون للعقل، واستحثاث له على العمل، ودفع له ليُحيي الأرض قاطبة بنهج محفوف بتمام حاجة الإنسان الروحية والعقلية على السواء، وفي هذا قد بخس كل من أعطى فلم يحط بالحاجَتَيْن حينما نأى أهل عطاء الحاجتَيْن عن دورهم !
نهج لن يعرف الإنسان حاجته إلا فيه، ولن يستوفيها إلا منه ...
العنوان: رد: في ظلال القرآن :: 2016 ::
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2017-04-09, 09:41:00
04/06/2016

اختُبِر المؤمنون بموت رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل موته...
كان ذلك يوم "أُحُد" حينما أشيع قتله...
وقد كانت لله حكمة عظيمة في ذلك، وإنه صلى الله عليه وسلم يوم مات، كان أبو بكر الصديق رضي الله عنه مثبّت الأمة، فكان اول من تذكر تلك الآية بالذات التي نزلت عقب "أُحُد"....فتلاها على المسلمين وأحب الناس إلى قلبه مسجّى...
تذكر ذلك الامتحان من الله للمؤمنين : " {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ ۚ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ ۚ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا ۗ وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ} [آل عمران : 144] -آل عمران-
أفتنقلبون على أعقابكم إذا مات ؟
والصديق رضي الله عنه نفسه هو الذي أقام حروب الردة على من انقلب بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم....
لقد فقه الامتحان بموته، وامتدّ فقهه وفهمه له فعلا على الأرض، فثبّت الأمة ساعة مات حقا، وثبتها وأنقذ الإسلام ساعة انقلبوا على أعقابهم بعد موته...
العنوان: رد: في ظلال القرآن :: 2016 ::
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2017-04-09, 09:42:00
13/06/2016

لمن جعل رمضان مسابقة في عدد الختمات... أقول تمهّل.. !
تمهّل وألهمني سرّك !  ألكَ طاقة لقراءة المصحف كاملا، ثم بدئه من جديد، ثم إنهائه، ثم بدئه من جديد، وهكذا في دائرةٍ السبق فيها هو للراكض بين السور ...؟!
ترى ماذا جنيت ؟ أجنيت فهما، أم جنيتَ عيشا، أم جنيتَ حلاوة، أم تُراك جنيتَ العمل مع الركض بين الآيات والسور؟!

أعشتَ مع سورة الفاتحة ؟ أتساءلتَ عن وجودها بأول المصحف؟ أما خطر ببالك أن تكون الأولى وأنت تتصفح كتابك، وأولى السور نزولا تجدها بين أواخر السور ترتيبا ؟  أما تساءلتَ عن سرّ اسمها؟ أما تساءلتَ عن سرّ الدعاء فيها ؟

أما بحثتَ عن إجابة الدعاء في آخرها ؟ "اهدِنا الصراط المستقيم" ؟
أاكتفيتَ بقولك بعده "آمين" ؟
أحسبتَ قولة "آمين" بمجزئة وكافية ليأتيك الهُدى على طبق من خيال الزمان وأوهام المكان؟
وانطلقتَ بعدها تقلّب الصفحة، تُتبعها الصفحة، تُتبعها الصفحة، وأنت تلهث خلف الصفحات متى تُراها تتراكم ليبقى القليل الذي ستُلحقه قريبا بالمتراكمات...
وإذا سعادتك بالصفحات المتراكمات أكبر من فرحتك بملامسة القرآن لشغاف القلب ليسكن، ولأصول العقل ليتحرك...

أما عرفتَ أنّك على بُعد نظرة منك تقلبها من صفحة "الفاتحة" إلى صفحة "البقرة" المجاورة تقع على إجابة دعائك : "اهدنا الصراط المستقيم" ؟ 
أما علمتَ أن الأمر بك لن يطول لتجد الله هاديك، ومرشدك ودالّك إلى حيث الهدى، هنا من قريب، قريب ... قريب ... "ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين"

إنك أيها "الحامد" "العابد" "المستعين" "المستهدي الصراط المستقيم"  تقف على الطريق...
تستهدي، وإنه "الرحمن الرحيم" سرعان ما يجيبك ....
وإنه لفي هذا الكتاب هُداك .... فهلمَّ واخطُ خطواتك على طريقٍ الكتاب فيه هاديك ....

هلمَّ ... تقدّم... اسأل، تساءل ... تأمّل ... تدبّر... وقف عند الآية تملَّ بجمالها، وبكمالها، وبرباطها  بأخواتها ما سبق منها وما لحق...

كُنْ كسائح في جِنان الأرض، تتملّى بالحسن والجمال، و تُشبع ناظِرَيْك وأنت ما تكاد تشبع...
ارجع البصر، ثم ارجع البصر كرّتين ينقلب إليك البصر، وهو الذي غدا لا يريد انقلابا إليك...

كن كسائح غمر نفسَه شذى الرياحين، وأسر لُبَّهُ بياضُ النَّوَر...
كن كسائح يشتمّ العبير، ويقتبس من نفحات الأزاهير لروحه رَوحا وريحانا... ولعقله زادا وريّانا ...

امضِ قُدُما... سرْ نهارا، أو اسرِ ليلا ففي كلّ سياحة وتجوال، وعَيش في رحاب الكمال، وإنّ ناشئة الليل لأشد وطئا وأقوم قيلا ...

امضِ مع "البقرة"، واسأل، وابحثْ، وتفكّر، فإن فيها لحياةً كاملة بكل ما في الحياة من حركة، ومن دبيب، ومن أصوات، ومن دلالات...
 فيها تعرف نفسك، تعرف أصلك، تعرف دورك، تعرف الغاية من وجودك...
تعرف مقدار ما كُرّمت، وأنّ العقل فيك معجزة وميزة وعنوان، وأنه مناط تكليفك...

لتمضي مع القرآن، وأنت تعقل...
تعقل آياته، تعقل كلماته، تعقل هداياته... تعقل حتى تصل بعقلك لربك، حتى تقدّر بعقلك ربّك حق قدره ...حتى تُدرك أنك المكرّم به...

مع "البقرة" ستطيل المكوث، سيعرّفك ربك بما سيعترضك على دربك أيها الخليفة المستخلَف، سيعرّفك أن الابتلاء سنّة فيك، وأنّ صبرك عليه باب للترقية الربانية، ولإعلاء درجاتك، صبر مع عمل كصبر التي سلّمت بالبقاء مع رضيعها في قلب الصحراء المقفرة، لا ماء ولا غذاء، ولم تقعد، بل سعت بين الصفا والمروة، وليت شيئا لاح في الأفق أن السعي ذو جدوى !!

ولكنها سعت ... حتى بُشِّرت ... "وبشر الصابرين"

يعدّك للابتلاء حتى لا يكون إيمانك على حرف، تسعد بالسراء إذا حلّت بساحتك، وتستنكر الضراء إذا ما بك ألمّت...
ستطيل المكوث مع "البقرة" ستتعرف إلى منزل المنهج : "وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم" ، وأنه الواحد الذي يأمر، والواحد الذي يشرّع...
ثم ستتعرف إلى المنهج ...

منهج للحياة... حيّ، مُحيٍ ... منهج للحياة بإيمان القلوب،  منهج للحياة، فلا ينكر على الإنسان أن يحياها:  "ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار"

منهج يحفظ النفس والعقل، والنفس فيه أكرم على الله من حرمة بيته، ومن حرمة الأشهر الحُرُم...أكرم على الله من حرمة المكان وحرمة الزمان ... وفتنة المؤمن عن دينه أكبر عند الله من حرمة شهره، بل أكبر هي من القتل...
منهج يعتني بالبذرة الأولى في نفسك، ثم بالخطوة الأولى منك ومن شريكك على درب الحياة، ثم بالخطوات الأخريات لأسرتك، لحياتها، لعلاقاتها، لوصالها، ولفراقها، ولحاجة كل طرف، ولحاجة القفز على "الأنا" مع أول إطلالة لثمرة اللقاء بينك وبين شريكك ... مع الولد ...

ستطيل مع "البقرة" المكوث، وأنت تخطو خطواتك الأولى... خطوة خطوة، ومع كل خطوة تتعلم، وتتهيأ لهذا الدرب الذي أنت عليه... "درب الحياة"... والقرآن فيه "مِشكاة"....

فامضِ ... امضِ ولا تستشقل مشيتك البطيئة، ولا تسارع لتقفز على المعاني، وعلى التربية الربانية الجليلة، وعلى التعقّل...
وعلى التعرّف إلى نفسك، ولدورك، ولعلاقتك بالكون وبالوجود، وبالحياة ...
كُن سائحا في ربوع الكمالات، وبين حنايا الهدايات، ولا تكن مُراكما للصفحات، عادّا للختمات، راكضا، لاهثا كأنما الحكمة في السبق وفي العدد ...!!
العنوان: رد: في ظلال القرآن :: 2016 ::
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2017-04-09, 09:43:26
2016/06/15

إن قضية الإحياء والحياة لمَدارٌ من أهم مدارات سورة البقرة ..

سورة البقرة هي سورة المنهج... المنهج الذي أنزله الله لعباده ليحيوا به...
منهج حيّ مُحْيٍ، منهج جاء للحياة...

** فهذا فيها أول التشريعات سَوقا، تشريع القصاص "ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب لعلكم تتقون" والحفاظ على النفس أول مقاصد الشريعة.

** وهذا ثاني التشريعات سَوقا تشريع الحفاظ على المال، "يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم إذا حضر أحدَكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف حقا على المتقين"  وهو ثاني مقصد من مقاصد الشريعة.

**وهذا تشريع الحفاظ على العقل بورود أول تحريم للخمر "يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما"

والتشريعات... ثلاثتها تؤكد مقاصد حفظ النفس والمال والعقل، وكلها أدوات للحياة...
للحياة بمنهج الله تعالى...

إنها سورة تبين أن الإنسان خُلق للحياة، لإعمار الدنيا، لتحقيق الاستخلاف فيها، الاستخلاف بتطبيق أمر الله في الأرض، بتطبيق منهجه المُحيي...

حياة القلوب بالإيمان، وحياة العقول بالحركة والعمل...

وإنّ من يزرع مفهوم مجافاة الدنيا بزعم الزهد فيها إلى الحد الذي تنصّل فيه المسلمون من مسؤولية الاستخلاف والإعمار لهو واحد من أهم الجُناة على روح الأمة، وعلى حركتها وعلى عقول أبنائها وهم قد غدوا يرون النظرة إلى الآخرة نظرة تُحيّد الدنيا من قاموس مفاهيمهم...

حتى تركوا الاختراعات لأهل الدنيا !!
وتركوا العلم لأهل الدنيا بزعمهم !!

وتركوا الخوض في مجالات الحياة لأهل الدنيا !!

أما المسلمون فهم أهل الآخرة وما لهم في الدنيا وحركتها من خَلاق !!

مفهومٌ نكص بالإنسان المسلم على عقبيه، فغدا يستروح بابتغاء الآخرة من حَرّ هجره لحركة العقل وعمل العقل عنده...
وأصبح يستأنس بالخرافة والكذبة ويستسهلها زيادة في الاسترواح والراحة... !!!

أجل فنحن أهل الآخرة..... !! فأميتوا العقل يا أهل الآخرة، فإنما هو نافلة الوجود ...!!

أما سورة البقرة فهي سورة المنهج الذي جُعل للحياة... وهي من هذا الرمي الذي رُمي به الإسلام وتشريعه براء براء...
فيها يدعو الله إلى ذكر الدنيا لا إلى نكرانها : " ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار"

سورة تبين أن حرمة النفس عند الله أشد من حرمة بيته، وأشهره الحُرُم ...
سورة تستحث العقل، وتحترم العقل، وتخاطب العقل...
سورة أتت أول ما أتت على قصة الاستخلاف، وأن العقل في الإنسان معجزة جعلت آدم يتعلم الأسماء كلها... بل وينبئ بها من لا يعلمون...

ولنأخذ عيّنة من عينات مخاطبة العقل في هذه السورة، وإن كانت بهذه العيّنات لعامرة ...

تلك القَصَص الثلاث المتواليات فيها ..
قصة إبراهيم عليه السلام مع النمرود، ثم قصة الذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها، ثم قصة سؤال إبراهيم عليه السلام ربّه أن يريه كيف يحيي الموتى..
جاءت ثلاثتها مشتركة في قضية الإحياء والإماتة والتي هي بيد الله تعالى لا بيد غيره، هي خصيصة الله سبحانه...
فهي لا تأتي نشازا عن سياق الآيات السابقات من السورة، بل تأتي تأكيدا لأهمية قضيّتي الإحياء والإماتة...
الإحياء اتساقا مع إحياء القلوب بنهج الله، وإحياء العقول باستحثاثها على العمل ..

فأما إبراهيم عليه السلام مع النمرود...
فإنه لما عرف فيه طغيانا جعله يتأله ويدّعي ما ليس له: "أنا أحيي وأميت"، لم يتمادَ إبراهيم عليه السلام معه في موضوع الإحياء والإماتة، لم يبرّر له، لم يشرح له اختلاف ما يعتقده إحياء من نفسه عن إحياء الله، ولا اختلاف ما يعتقده إماتة من نفسه عن إماتة الله، لم يسترسل معه في هذا الموضوع، بل لقد غيّر وجهته، لقد وجّهه إلى موضوع سواه... إلى قضية أهون من قضية الإحياء والإماتة ...

لقد عرف ما يفعل بمَن كان تفكيره بهذا التحجّر، علم أنّ الأخذ والرد معه حول الموضوع ذاته مضيعة للوقت بلا جدوى... فخاطبه بما ناسب تفكيره، أفحمه، سأله، طلب منه ...
إن كنت ترى أن قضية الإحياء والإماتة بيدك، فهاكَ ما هو دونها، فلتأتِه ... "إن الله يأتي بالشمس من المشرق، فائتِ بها من المغرب"  يا من تدعي أنك تحيي وتميت، إن هذا لأهون عليك ... فائتِه !!

فبُهِت الذي كفر ........... !! لقد أفحِم ... أفحِم بسؤال أن يأتي ما دون ما ادّعى فعله وإتيانه ...

دروس في مخاطبة العُتاة ... دروس في إفحامهم بالحجة العقلية، بالذكاء المُفحِم، بطريق هو الأقصر للغاية المرجوة ...

وأما الذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها، فلنتأمل، فإذا الله تعالى يحترم العقل، يسدّ الثغرة على التساؤلات، وعلى التشكيكات...

يميته مائة عام، ثم يحييه، ثم يسأله عن ملبثه، ليكتشف الذي ظنّ أنما لبث يوما أو بعض يوم، أنه قد لبث مائة عام ...!
ولكن سيقفز سؤال من يسأل ... !  أنّى للرجل أن يستيقن أنه لبث مائة عام ؟؟ أنّى له ذلك وطعامه وشرابه لم يتسنّه ... أليس له أن يستريب في ذلك ؟
إن الله تعالى قد ترك فسحة للعقل السائل، للعقل الذي لا يرى الحقيقة حقيقة إلا بالدليل...
فكان دليله حماره ...!
أراه الله قبالة عينيه كيف ينشر عظام حماره عظما تلو عظم، ثم كيف يكسو العظام المجمّعة لحما، لقد زوّده بالدليل الذي عقِلَه ... الذي طمأنه، الذي أعطاه اليقين ...
إنه سبحانه يعلّمنا احترام العقل، وهوسبحانه يحترمه، ويزوّده بما يُشبعه وبما يجعله يوقن بالحقيقة، ويسلّم بها...

وأما في قصة إبراهيم الأخيرة وهو يسأل ربه أن يريه كيف يحيي الموتى ...
فقد لقي طلبه القبول من عند الله، ولم يلقَ الصدود، ولم نعرف طعنا من الله في إيمان إبراهيم عليه السلام، وهو يسأل ...
وهو سبحانه إذ سأله: "أو لم تؤمن"  نعلم نحن علم اليقين أن الله يعلم ما بقلبه، يعلم إن كان مؤمنا أو غير مؤمن، ولكنه يسأله ليبلغنا نحن جواب إبراهيم عليه السلام :"بلى ولكن ليطمئن قلبي"... ولنتعلم أن السؤال الذي النية من ورائه الاطمئنان مُباح، وغير مُنتَهَر صاحبه .... بل الإجابة هي حلّه ...

وأجابه ربّه ... وأمره أن يأخذ أربعة من الطير، ثم يصرهنّ إليه، ثم أن يجعل على كل جبل منهنّ جزء ....
لقد تساءلتُ ... لماذا لم يجعل الله سبحانه بيده تلك الطيور على الجبال على عين إبراهيم ؟؟ لماذا لم يفرّقها سبحانه عليها بيده، لماذا ترك ذلك لإبراهيم ؟؟

إنه ليترك لعقل إبراهيم أن يعقل، وأن يذكر ما فعل بيده، وليشهد على فعله، وليطمئنّ عقله لفعل نفسه، وإنه سبحانه العظيم  العزيز الذي لا يُغلَب ولا يُقهَر .... فلتفرّق يا إبراهيم أطراف الطيور كما شئت أن تفرّق، كما شئت أن تفعل، كما شئت أن تصعّب لتطمئن، فاجعل رأس هذا شرقا واجعل أطرافه غربا، وباعد بين أطراف الطير الواحد كما حلا لك أن تباعد ... ولتعقل، ولتذكر ما فعلتْ يداك، وليكن عقلك عليك شاهدا،.... فإنّك وإن فرّقتَ أكبر تفريق، فإن الله تارك لك، ليدك أن تفعل ... لأنه العزيز الذي لا يغلبه شيء....

ثم ليكن منك الدعاء، لا شيء غير الدعاء .... فإذا كل طير بين يديك ساعٍ ... كما سيعقل عقلك، وأنت الذي فرّقتَ وأنت الذي تعلم جيدا كيف باعدتَ، وإلى أي مدى قد باعدت بين الأطراف الت غدت ساعية بين يديك....
إنها تلك الفسحة التي يتركها الله للعقل ليعمل، ليتيقن... ليطمئن باليقين ... يقين يأتي من عمل العقل الحر...

نعم إنها عيّنة من عيّنات مخاطبة العقول، واحترام العقول، وتعليم العقول أن تعمل، وأن تسأل، وأن كيف  يقع من عملها اليقين .... 

يعجّ القرآن كلّه بهذه المخاطبات، وبهذا الاحترام الفريد للعقل، وبهذا اليقين الذي هو جَنى عمل العقول....

فأنّى لأهل القرآن أن يزعموا أنهم أهل الآخرة وحدها، وأن الدنيا وإعمارها وعلومها لأهل الدنيا، وإنما نحن أحياء على شفير الموت، بل موتى على شفير الموت....!!!

إن القرآن براء من زعم كل زاعم، ونعق كل ناعق بهذه الدعاوى الكاذبة ...
بل إنّ كل ما فيه صون للعقل، واستحثاث له على العمل، ودفع له ليُحيي الأرض قاطبة بنهج محفوف بتمام حاجة الإنسان الروحية والعقلية على السواء، وفي هذا قد بخس كل من أعطى فلم يحط بالحاجَتَيْن حينما نأى أهل عطاء الحاجتَيْن عن دورهم !
نهج لن يعرف الإنسان حاجته إلا فيه، ولن يستوفيها إلا منه ...
العنوان: رد: في ظلال القرآن :: 2016 ::
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2017-04-09, 09:44:15
2016/06/28

كدأب السور في القرآن الكريم، سورة تقدم لسورة، تجد سورة البقرة تبين نموذجَي الاستخلاف، النموذج الفاشل ممثلا في بني إسرائيل والنموذج الناجح ممثلا في أمة محمد صلى الله عليه وسلم ذات الجذور الإبراهيمية الحنيفية الممتدة عبر الزمان...

ثم تأتي سورة آل عمران لتثبت على المنهج الذي بُسط في سورة البقرة، ومع التثبيت تبين أن الرسالة اليوم على عاتق أمة محمد صلى الله عليه وسلم، داعية إلى تكوين هذه الأمة بخصائصها المميزة: "ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون"

ثم تأتي سورة النساء تفصّل طريقة تكوين هذه الأمة التي دُعي لتكوينها في آل عمران، بدءا من النواة الأولى "الأسرة" خروجا إلى المجتمع، بلوغا إلى الحاكم والحكم ومقتضياته وشروطه في إطار من العدل الملازم مقوما أساسيا لصلاح هذه الأمة...

لتأتي سورة المائدة مفصلة وباسطة في شأن "الرسالة" التي أصبحت على عاتق المؤمنين مشارا إليها في آل عمران، وفي شأن استخلاف النموذج الناجح المذكور في البقرة، مفصلة في شأن إصلاح هذه الأمة في الأرض، إصلاحها ودفع الفساد عنها بأمر الله وكتابه المهيمن الذي جاءت أحكامه للإصلاح ودفع الفساد ...

فجاءت بستة عشر نداء للمؤمنين "يا أيها الذين آمنوا" بأكبر عدد من النداءات الإيمانية في القرآن...

جاءت قوية، حاسمة، تدعو للتوفية بالعقود مع الله،  ... لإقامة الحضارة الإسلامية القويمة بالعدل وبالإصلاح في الأرض قاطبة... لتسع النداءات الإيمانية فيها: "يا أيها الذين آمنوا" نداءات مسؤولية على الأرض ملقاة على عاتق المؤمنين ...تقرع الآذان والأنفس بقوة حاسمة ونبرة حازمة، تستنهض الهمم، وتميط عنها أتربة الغفلة، وتبعث الحركة في أوصال الضمائر الهامدة، وتلفت العقول لروح الفكرة التي لأجلها كرّم الإنسان بعقله وهُدي سبيل الرشاد...
العنوان: رد: في ظلال القرآن :: 2016 ::
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2017-04-09, 09:45:04
2016/07/14

كان هناك سؤال أخ كريم حول التركيب اللغوي المشتمل عليه قوله تعالى : "قُلۡ مَن يَرۡزُقُكُم مِّنَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۖ قُلِ ٱللَّهُۖ وَإِنَّآ أَوۡ إِيَّاكُمۡ لَعَلَىٰ هُدًى أَوۡ فِي ضَلَٰلٖ مُّبِينٖ " -سبأ:24-

وقد كان القول في فهم للآية أنّ المقصود بها التنزّل للخصم في الحوار، وهذا ما لا يليق بمقام الحوار في مجال عقيدة الحق مقابل عقائد الباطل، وإليكم هذا البسط :

هذه التركيبة اللغوية  تسمى "تركيبة اللفّ والنشر"، يعني من الكلمتين أولا نبرز المعنى، فأنت تلفّ أي تجمع، ثم تنشر، أي تفصّل

وهذا في اللغة يعني  ذكر عدة أشياء على سبيل الإيجاز، ثم ذكرها على سبيل التفصيل...
مثلا قوله تعالى : "وَمِن رَّحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ"
لننظر هنا كيف جاء اللف بذكر الليل والنهار، ثم النشر بذكر السكون ثم ابتغاء الفضل، فأنت لمَ تُرجع كل وصف هنا وهو لم يكن قرينا للموصوف بل جاء بعد ذكر الموصوفات مجتمعة؟
النشر يقتضي أن يُرجع الوصف الأول للمذكور في اللف أولا، ثم الوصف الثاني للمذكور في اللف ثانيا، يعني على الترتيب ..

أما في هذه الآية المذكورة أعلاه "قُلۡ مَن يَرۡزُقُكُم مِّنَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۖ قُلِ ٱللَّهُۖ وَإِنَّآ أَوۡ إِيَّاكُمۡ لَعَلَىٰ هُدًى أَوۡ فِي ضَلَٰلٖ مُّبِينٖ ﴿24﴾" -سبأ-

فحالها وهي من جوامع الكلم، من بديع كلام الله تعالى في الإجمال واحتواء أصناف البديع :

أولها: انظر لتسبقة التلقين من الله تعالى لرسوله الكريم ب"قل"، ثم "قل" في السؤال والجواب، كلاهما لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن يسأل ثم يجيب أن الله الرزاق. وهذا مما يعضّد معنى اليقين بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم سيخاطبهم وهو يذكرهم بأن ما هو عليه هو الحق .

ثانيها: لغويا : "وإنا أو إياكم" هنا لفّ، ثم يأتي النشر لإعطاء الصفة لموصوفها المناسب فتكون "لعلى هدى" لـ : "إنا"
وتكون "في ضلال مبين" لـ: "إياكم" وجيء بحرف أو المفيد للترديد المنتزع من الشك.

ثالثها: لنتأمل قوله تعالى "لعلى هدى" إذ جيئ بلام التأكيد هنا، ومن غيرها المعنى مؤدّى، ولكن جاءت اللام لبيان التأكيد على هدى المنشور الأول "إنّا"، كما جاءت "إنّا"  المؤكدة هي الأخرى، وقابلتها "إياكم" ضمير المخاطب المنفصل، تظهر قوة ما عليه الفئة الأولى، وضحالة ما عليه الثانية. كما جيئ للاولى يحرف الاستعلاء "على" للدلالة الزائدة على الهدى، وللثانية ب "في" للإيغال في ظرفية الضلال.

 رابعها: رسول الله صلى الله عليه وسلم هو من هو في يقينه وحجّته، فهل كل المؤمنين على يقينه وعلى حجته، ولو يعتمد كل مؤمن مع تفاوت اليقين فيه والحجة هذه الطريقة؟؟ فماذا إذا كان الخصم هو صاحب الحجة واللسان الفصيح، ولم يكن للمؤمن قوة حجة ولا لسان يفصح به عن حقه؟ ألن يكون ذلك بفهم التنزّل دافعا لأن ينتصر صاحب الباطل على صاحب الحق، وصاحب الحق هنا هو المسلم الذي لا خلاف في الحق في دينه.. وعندها سيختلط حابل بنابل، وسيتساوى الباطل والحق...

خامسها: رسول الله صلى الله عليه وسلم بما عنده من يقين وحجة هو هنا يتحدّى ولا يتنزّل .
واحترام الرأي الآخر أيضا له حدود، وإلا لاختلط الحابل بالنابل، احترام الرأي الآخر لا يعني مساواة الحق للباطل، ولا يعني أن يتنزّل صاحب الحق لصاحب الباطل كأنهما ندّان، ففي هذا خطورة كبيرة، وخلط كبير ، ولذهب يقين صاحب الدين الصحيح والحق أنه الدين الحق، بأساساته البيّنة، ولتساوت كل الأديان وكل الآراء، ولهان تبديل الأساسات، بدعوى التفتح على الحوار كأننا لم نعلَّم أن الحق واحد، والدين الصحيح واحد.

وهذا شيء مما قاله ابن عاشور اللغوي البارع في هذه الآية في كتابه "التحرير والتنوير"
"ومن لطائفه هنا أن اشتمل على إيماء إلى ترجيح أحد الجانبين في أحد الاحتمالين بطريق مقابلة الجانبين في ترتيب الحالتين باللف والنشر المرتّب وهو أصل اللفّ. فإنه ذكر ضمير جانب المتكلم وجماعته وجانب المخاطبين ، ثم ذكر حال الهدى وحال الضلال على ترتيب ذكر الجانبين ، فأومأ إلى أن الأولِين موجَّهون إلى الهدى والآخِرين موجهُون إلى الضلال المبين ، لا سيما بعد قرينة الاستفهام ، وهذا أيضاً من التعريض وهو أوقع من التصريح لا سيما في استنزال طائر الخصم.
وفيه أيضاً تجاهل العارف فقد التأمَ في هذه الجملة ثلاثة محسنات من البديع ونكتة من البيان فاشتملت على أربع خصوصيات.
وجيء في جانب أصحاب الهدى بحرف الاستعلاء المستعار للتمكن تمثيلاً لحال المهتدي بحال متصرّف في فرسه يركضه حيث شاء فهو متمكّن من شيء يبلغ به مقصده.
وهي حالة مُماثلة لحال المهتدي على بصيرة فهو يسترجع مناهج الحق في كل صوب ، متَسعَ النظر ، منشرحَ الصدر : ففيه تمثيلية مكنية وتبعية.
وجيء في جانب الضالّين بحرف الظرفية المستعار لشدة التلبس بالوصف تمثيلاً لحالهم في إحاطة الضلال بهم بحال الشيء في ظرف محيط به لا يتركه يُفارقه ولا يتطلع منه على خلاف ما هو فيه من ضيق يلازمه."
العنوان: رد: في ظلال القرآن :: 2016 ::
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2017-04-09, 09:48:28
2016/09/17


في عَرَض سورة المائدة، وتحديدا في قوله تعالى :

"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ " -المائدة: 90-

تذكّرتُ قول أحدهم وهو الكاتب والسياسي، والمثقّف المسلم، مع قول غيره أيضا من أمثاله، أنّه ما من تحريم للخمر في القرآن، بدعوى أنّ لفظ التحريم لم يرِد بشأنها فيه...!

ولا يغيب عنا أنّ هؤلاء من مُنكري السنّة، ولَيْتَهُم إذ أنكروها لم يُؤوّلوا القرآن بأهوائهم ومُشتهياتهم وأباطيلهم، وهو وحده كافٍ في بيان تحريم الخمر ..

وإنّ الذي لا يوغل مع القرآن ومع لغته، ولا يكون له منها زادٌ لَيَنظُر إلى كلام هؤلاء وإن استشْنَعَهُ واستفظعه، فلا يجد بما يردّ، وكأنّ القائل بهذا جاء بالمُفحِم، وهي عادة هؤلاء المتأولين، الذين يَلوُون المعاني، ويتحذلقون، ويقصدون إلى تحميل كلامهم المنطق والعقل وهو أبعد ما يكون عنهما ...

وكنت قد كتبت من قبلُ شيئا عن بيان هُرائه، وكما عادة القرآن وأنت تقرأه في كل مرة ولّادُ معانٍ، أحاول بعون الله أن أضع جديدا حول هذا الموضوع، أرقُمُه على التوالي:

🔶🔷1🔶🔷 "إنما " أداة تفيد الحصر والقصر، بمعنى أن الموصوف بعدها يقتصر على تلك الصفة لا غيرها، وقد كانت صفة الخمر مع المذكورات الثلاثة معها "الرجس". والرجس هو الخبث والمستقذر .

فهل جاء القرآن ليبيح الخبيث، ويزيّنه أم ليحرّمه ؟
وهو سبحانه القائل: "الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ..." - الأعراف: من 157-

 🔶🔷2🔶🔷التفاتة دقيقة جدا ومميزة لابن عاشور كعادته في تفسيره، أحب أن أذكرها، يبين فيها انحصار الخمر على "الإثم" من بعد ما كان في سورة البقرة من ذكر الإثم الكبير فيها مع المنفعة، يقول، وأرجو التدقيق في قوله فهو فائق الأهمية والدقة:

((ألا ترى أنّ الله قال في سورة [ البقرة : 219 ] في الخمر والميسر { قل فيهما إثم كبير ومَنَافع للناس } ، فأثبت لهما الإثم ، وهو صفة تساوي الرجس في نظر الشريعة ، لأنّ الإثم يقتضي التباعد عن التلبّس بهما مثل الرجس . وأثبت لهما المنفعة ، وهي صفة تساوي نقيض الرجس ، في نظر الشريعة ، لأنّ المنفعة تستلزم حرصَ الناس على تعاطيهما ، فصحّ أنّ للخمر والميسر صفتين . وقد قُصر في آية المائدة على ما يساوي إحدى تَيْنِكَ الصفتين أعني الرجس ، فما هو إلاّ قَصْر ادّعائي يشير إلى ما في سورة [ البقرة : 219 ] من قوله : { وإثمُهما أكبر من نفعهما } ، فإنّه لمّا نبّهنا إلى ترجيح ما فيهما من الإثم على ما فيهما من المنفعة فقد نبّهنا إلى دحض ما فيهما من المنفعة قُبالة ما فيهما من الإثم حتّى كأنّهما تمحّضا للاتّصاف بـ: { فيهما إثم } [ البقرة : 219 ] ، فصحّ في سورة المائدة أن يقال في حقّهما ما يفيد انحصارهما في أنّهما فيهما إثم ، أي انحصارهما في صفة الكون في هذه الظرفية كالانحصار الذي في قوله : { إنْ حسابُهم إلاّ على رَبِّي } [ الشعراء : 113 ] ، أي حسابهم مقصور على الاتّصاف بكونه على ربّي ، أي انحصر حسابهم في معنى هذا الحرف . وذلك هو ما عبّر عنه بعبارة الرجس .)) انتهى قوله.

🔶🔷3🔶🔷أضيفَ إلى صفة "الرجس": "من عمل الشيطان" ، وهو هنا تلبّس، إذ أنّ الشيطان من عمله تزيين الخمر للناس لتعاطيها، فيكون عمل متعاطيها من عمل الشيطان .
فهل يُعقل أن تصنّف الخمر هنا بالمباحة على المسلم وهي رجس ومن عمل الشيطان ؟!

والله القائل سبحانه:"إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا ۚ إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ"-فاطر:6-

🔶🔷4🔶🔷 قُرِنت الخمر بثلاثة أمور كلها من جاهلية سدَرت في الظلام حتى جاء نور القرآن، وهي الميسر والأنصاب والأزلام، وخاصة منها الأنصاب، وهي النُّصُب التي كانت تُذبح عليها قربات الجاهليين للآلهة، فتساوت بهذا الخمر مع الأنصاب، ومن قال بعدم حرمة الخمر، كمَن قال بعدم حُرمة الأنصاب والآلهة !

 وقد قال تعالى في النُّصب:"وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَن تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ ۚ ذَٰلِكُمْ فِسْقٌ"-المائدة:4-

وقد فهم هذا المعنى الصحابة رضي الله عنهم فور نزوله، قال ابن عباس : لما حُرِّمت الخمر مشى رجال من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بعضهم إلى بعض، وقالوا: حُرِّمت الخمر، وجُعِلت عِدْلاً للشرك: (أي معادِلةً ومساوية للشرك). رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح..

وجاء في الحديث الذي رواه الإمام أحمد في مسنده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أنَّ مُدمِنَ الخمرِ إذا مات لَقي اللهَ كعابدِ وثَنٍ" -المحدث : الهيتمي المكي ، المصدر : الزواجر،الصفحة أو الرقم: 2/136 ،خلاصة حكم المحدث : صحيح-

🔶🔷5🔶🔷 "فاجتنبوها"  مع هذا الفعل (الأمر بالاجتناب)، يتسلّل المتسلّلون أصحاب الأهواء والضلالات يظنون أنهم يجدون شيئا، وإنما هم  كمَن يُلقي بنفسه لحَتْفه .. :)

لفظ التحريم في القرآن لم يقتصر على : "حرّم"، بل جاء التحريم صريحا بألفاظ أخرى كثيرة: كلعن فاعله، أو الوعيد على فعله بالنار، أو ذكر أنه من الكبائر، أو الإخبار بأنه رجس… إلخ.

 وقد جاء التحريم ب"الاجتناب" في مواقع من القرآن، كقوله تعالى :
"ذَٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ ۗ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعَامُ إِلَّا مَا يُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ ۖ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ"-الحج:30-

"وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ..." -النحل: من الآية 36-

كما استخدم لفظ الاجتناب في ترك كبائر الذنوب والآثام، قال تعالى: "إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم. "-النساء:31-

وقال تعالى: "الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللّمم"-النجم:32-

فليقل هذا القائل إذن وأمثاله الذين تكاثروا كتكاثر الطفيليات السامّة  أنّ الطاغوت غير محرم، وأن الأوثان غير محرّمة !!

🔶🔷6🔶🔷ومازلتُ مع الآية ذاتها لا أخرج منها إلى تاليتها، وفيها وحدها الخير الكثير : "لعلكم تفلحون" تعلّق الفلاح باجتناب هذه المنهيّات، ومن لم يأخذ بتحريمها فإلى خسار وبَوار ..

وإنّ في هذا لكفاية ليتبيّن صريح تحريم الخمر من القرآن وحده فماذا إذا زدنا ما في صحيح السنّة، ولكنني قبل صحيح السنة،  أعدو إلى الآية الموالية وهي قوله تعالى :

"إنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ ۖ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ"-المائدة: 91-

🔶🔷7🔶🔷 "إنّما" أداة القصر والحصر مرة أخرى، وهذه المرة لوصف ما يريده الشيطان من تزيينه الخمر للإنسان، كما زيّنه لهذا المتقوّل وأمثاله ..
إنه يريد أن :

🔹 يوقع بين المؤمنين العداوة والبغضاء .
🔹يصدّ عن ذكر الله .
🔹يصدّ عن الصلاة .

وبالقصر والحصر، فهذا ما يريده من شرب الإنسان للخمر لا غير.
فهل في هذا أدنى لمحة تشير إلى أنّ الخمر مُباح وغير محرّم في القرآن ؟!!

🔶🔷8🔶🔷 "هل أنتم منتهون"
وهنا أقف وقفة، لأنه لا يُستبعد أبدا أن يطلع علينا من يطلع ليقول أنّ الله تعالى بعد كل ذلك البيان إنما يسأل سؤالا، ومن يجيب له أن يجيب بالإيجاب أو بالسلب، بمعنى أنّ لمجيبٍ أن يجيب عن سؤال الله تعالى بـ : "لا" ...

وهذه واحدة من التأويلات الهوائية التي لا أحب تفويتها، فلنبسط في معنى قوله تعالى عزّ من قائل:  "فهل أنتم منتهون" .

في الحقيقة قد قالها قبل متقوّلي عصرنا، متقوّلون في عصور قديمة، وهذا لنفهم كم أنّ هذه الدعاوى وهذه الخلطات الهوائية إنما لها دائما أصول وجذور لمن يبحث ...

قالها عمرو بن معد يكرب فيما روي عنه أنه ردّ بـ : "لا" وبقي على شرب الخمر بعد تحريمها النهائي في هذه الآية ..

يقول الطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير :
((فهي لاستفهامٍ مضمَّن تحقيقَ الإسناد المستفهَم عنه وهو { أنتم منتهون } ، دون الهمزة إذ لم يقل : أتنتهون ، بخلاف مقام قوله { وجَعَلنا بعضَكم لبعض فتنة أتصبرون } [ الفرقان : 20 ] . وجعلت الجملة بعد { هل } اسمية لدلالتها على ثبات الخبر زيادة في تحقيق حصول المستفهم عنه ، فالاستفهام هنا مستعمل في حقيقته ، وأريد معها معناه الكنائي ، وهو التحذير من انتفاء وقوع المستفهم عنه))انتهى قوله.

والفرق شاسع بين الجملة الاسمية والفعلية، إذ الاسمية تفيد ثبات الخبر وتأكيده أكثر من الفعلية، هذا من جهة، ومن جهة أخرى، ولننتبه لقوله : "المعنى الكنائيّ" وهو الذي يحمل التحذير، التحذير من انتفاء الانتهاء عن الخمر مع السؤال .

كقولك لمدخّن مثلا: إن للتدخين مضارا بيّنها العلم، وبسطها للناس، وإنّ مضار النيكوتين كيْت وكيْت، وإنه يؤدي للإصابة بالعديد من الأمراض والأزمات الصحية كالسكتة القلبية والجلطة الدماغية وأمراض الجهاز التنفسي وسرطان الرئة، بالإضافة إلى مشاكل صحية أخرى وبالتالي الوفاة المبكرة، وإن  العلم بيّن وفصّل وقال، وإنّ الشواهد من مآلات المدخنين كذا وكذا، وانظر إليها بعينيك ...ووو...

ثم تُردف كل بيانك بقولك له : "فهل أنت منتهٍ ؟" 

فهل أردتَ بعد كل ما بينت، السؤال وحسب؟ أم أنك أردت به التحذير من كل ما ذكرت له من مضار ؟
هذا هو المعنى الكنائيّ للسؤال، حتى لا يتأول متأوّل، ويتقوّل متقوّل ...

🔶🔷9🔶🔷 ثم إن القرآن، -لو دققنا- قد نصّ على تحريم الخمر بلفظ التحريم، قال تعالى: "قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ.." -الأعراف:من33-

فالإثم حرام، والله تعالى يقول عن الخمر: "يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير.." -البقرة:من219-

فإذا كان الإثم حراماً، وكان في الخمر إثم كبير، كانت النتيجة أن الخمر حرام، وهذا واضح، كما هو مصرح به في الآيتين.

🔶🔷10🔶🔷 دائما في إطار أنّ هذه الأقوال الصارخة التي نحسبها جديدة تنزل علينا منزل الصواعق، إنما هي أقوال قديمة تتجدد ..

قيل : إنّ قُدامَة بن مظْعون ، مِمَّن شهد بدراً ، ولاّه عُمر على البحرين ، فشهد عليه مَن شهد بشرب الخمر. فلمّا أراد عمر إقامة الحدّ عليه قال قدامة : لو شربتُها كما يقولون ما كان لك أن تجلدني . قال عُمر : لِمَ؟ ، قال : لأنّ الله يقول : "ليس على الذين آمنوا وعَملوا الصالحات جُناح فيما طعموا إذا ما اتّقوا وآمنوا وعملوا الصالحات" - المائدة : 93 -
فقال عمر : أخطأت التأويل إنّك إذا اتّقيت الله اجتنبت ما حَرّم عليك»

وبهذا نرى كيف أنّه أوَّلَ الآية التالية للآيتَين أعلاه، على أنه لا إثم على من طعم وشرب، إن كان من المتقين، ولكن عمر رضي الله عنه مع عقله المتزن، ومنطقه القويم عرف كيف يُفحِمه ... إذ كيف يكون متقيا من لا يجتنب ما حرّم الله تعالى، والخمر مما حرمه .
⏩⏪⏩⏪⏩⏪⏩⏪⏩⏪⏩⏪⏩⏪⏩⏪⏩

🔶🔷11🔶🔷 مما أحب أن أطرحه أيضا مع هذه الآيات البيّنات، البيّنات بمعنى أنها واضحة، لا يُضيرها تأويل المتأوّلين لتبدو وكأنها الغامضة، وإنما سَعْيُهم هو المدحوض المردود بالمنطق والبيان. 

قوله تعالى مباشرة بعد آيتَيْ تحريم الخمر في المائدة : "وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا ۚ فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَىٰ رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ "-المائدة:92-

عندما تتأمل هذه الآية، وأنت قد عرفت مُراد الله بعظيم بيانه لحرمة الخمر...
أنها الرجس من عمل الشيطان، وأنها المقرونة بالأنصاب في الحرمة، وأنها التي يتخذها الشيطان مرتعا له في سعيه لزرع البغضاء، والإبعاد عن ذكر الله، وعن الصلاة... بعد كل هذا البيان من الله تعالى ... يأتي أمره بطاعة الله، وبطاعة "الرسول"...

وكأنّ الله تعالى يُرشد المؤمنين إلى اتباع سنّته، إلى اتباع طريقه الذي سلكه صلى الله عليه وسلم، اتباع ما قال هو في الخمر بعد أمر الله، واتباع ما فعل بعد أمر الله فيها، واتباع أحواله مع الصحابة بعد أمر الله فيها .... اتباع سنّته ...

لا يكفيكم أن تتبعوا القرآن، وإنما تتبعون السنة معه، وهي المفصّلة للقرآن، الشارحة له، المطبّقة لتعاليمه...

ويأتي من يأتي ليقول أنّ صيغة "التحريم" لم تكن في القرآن، ومع تهافُتِ دعواه هذه، إلا أنّ الله يدعو إلى اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم وما قال في الخمر، وتجد في هذا الأحاديث الصحيحة على أشكالها، تبيّن تحريم الخمر، بالتفاصيل، إذ:

📌📌لقائل أن يقول مثلا أنه ما دام من يشرب قليلا لا ينقلب حاله إلى مبغض، وناسٍ للصلاة، أو مُخلِطٍ فيها، فليشرب... هنا تأتي السنة لتبين فيما لا يدع مجالا لتأويل أنّ "ما أسكَرَ كثيرُه فقليلُه حَرَامٌ"

📌📌وقد يقول متأول من عصرنا مثلا، إن الذي حُرّم في القرآن هو الخمر لا المخدّر ، فتأتي السنة لتصف وتشفي بعبارة في صحيح مسلم : "كل مسكر خمر، وكل مسكر حرام"

📌📌وقد يتقوّل متقوّل، وإن أقرّ بتحريم الخمر في القرآن، وهو يُنكر السنة وحجيّتها أنّ الأمر يخصّ شاربها، أما بائعها وعاصرها فأين الدليل على حرمة فعله؟ !

ولذلك تجد التفصيل في السنة لا في القرآن..

"عن جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الْفَتْحِ وَهُوَ بِمَكَّةَ: “إِنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ حَرَّمَ بَيْعَ الْخَمْرِ” رواه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وأبو داود في السنن.

"عن ابن عمر قال: قال رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلم: “لَعَن الله الخمرَ وشاربَها وساقيَها، وبائعَها ومبتاعَها، وعاصِرها ومعتصِرها، وحامِلَها والمحمولَةَ إليه" رواه الترمذي وأبو داود في سننهما وابن حبان في صحيحه وأحمد في مسنده عن ابن عباس.

وفي السنة تجد هذه التفاصيل التي تُحيط بالحالات، حتى يكفّ المتقوّلون، وإلا فما حال من ينكر السنة مع هذه الأسئلة التي لن تجد لها في القرآن جوابا؟!

تأملت موقع هذه الآية الداعية إلى طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم مع طاعة الله، مباشرة بعد آيَتَيْ تحريم الخمر،  فوجدتُ ورودها إعجازا في الإعجاز ...
تكون في هذا المقام تحديدا، لتحيل المؤمن إلى أحضان السنة النبوية فتفصّل له، وتمدّه بالأجوبة مع ما كان من حال الصحابة والقرآن يتنزّل فيهم ليكونوا المثال الحيّ المتحرك لتطبيقات القرآن الكريم وهُم البشر الذين جرتْ عليهم حالات البشر، فكانوا يسألون، ويوغلون في الأسئلة، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجيب بالتربية المحمدية المستمدّة من النور القرآني ...

فهل جاء ليربيهم وحدَهُم، أم جاء لتنتقل تربيته للنموذج البشري الأول مع الرسالة المحمدية، إلى باقي الأجيال إلى قيام الساعة ؟

وهذه كانت تأملات في آيات تحريم الخمر، من القرآن يكفي بيان تحريمها، أما من السنة، فتفصيلات تضع حدا للتأويلات والتقوّلات، ببيان تحريم مفصّل لها مع كل حالة ...

واللهَ نسأل الثبات على الحق، وأن ينفعنا.
العنوان: رد: في ظلال القرآن :: 2016 ::
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2017-04-09, 09:51:17
2016/09/19
حينما نستدلّ بشاهد لقضية ما، فإن استدلالنا يكون صحيحا إذا انطبق ذلك الشاهد على حالة القضية

فما بالك إذا كان هذا الاستدلال بشاهد من أعظم مصدر وأدق مصدر وأصدق مصدر، من القرآن الكريم ..

فإذا كان الاستدلال بشاهد من القرآن لقضية لا توافق ذلك الاستدلال، بل في الأمر اجتزاء يوافق ما يُراد الوصولُ إليه، لا ما يُراد من حق..فذلك خطأ ..

انتشر فيما نقرأ، على صفحات التواصل الاجتماعي، وعلى الكتب، وفي كتابات الكثيرين الاستشهاد بقوله تعالى : " بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا" أو " حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا ۚ "

وكل هؤلاء يستدلّون بهذه المقاطع من الآيات المتواجدة بالقرآن الكريم لنشر ما يريدون نشره عمّن يحترمون علم علماء الأمة القُدامى، وعقولهم، وما  صنفوا ونظموا في علوم القرآن والحديث والفقه...

يتهمون من يعرف لهم قدرهم بالانحباس في بوتقة القُدامى، وبتقديسهم، وأنّ الحال يستدعي الانعتاق من الموروث، والتبرؤ منه ..

هنا نقف وقفة عقلانية، منطقية... وإنني كثيرا ما تأملت بُعد الاستدلال بذلك المقطع عن الحقيقة ..

"آباؤنا" الذين يتهمون كل من احترم علمهم ونهل منه، وانتفع به بالتقديس والتيبّس والتحجّر، والجمود ..كيف كانوا ؟!

** أكانوا "لا يهتدون" ؟
**أكانوا "لا يعقلون" ؟
**أكانوا "يعبدون غير الله" ؟

علماء الأمة القُدامى كانت هذه صفاتهم ؟ !

ذلك أنك إذا بحثت في عَرَض القرآن الكريم وجدت كل ما ورد بصيغة "آباءَنا" أو "آباؤُهم" هي هذه صفاتهم : كفارا، عُبّاد أصنام وأوثان، يدعوهم الشيطان إلى عذاب السعير..

فما موطن الشبه بين أولئك الآباء الضالين وبين آبائنا ؟!!
ما وجه الاستدلال بالحديث عن آباء لا يعقلون، ضالين مضلين من غير علم ولا هدى ولا كتاب منير،  على مؤمنين، علماء هُداة، مهديّين، عقلاء ؟!!

هل هذا من الحق ؟ وهل هذا من الإنصاف ؟

على اختلاف مستويات الداعين للتجديد، بين أدعياء، أو دعاة تغريب، أو محاربين للتراث..
أليس من التدقيق، والعدل والقول السليم أن نتأمل أن الله تعالى في عرض الحديث عن تمسك الأبناء بدعوة الآباء إنما عنى الضالين يتمسكون بدعوة الضالين ؟!

وتأمل من قوله تعالى كأمثلة ما أميّزه بنقاط  :

** {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا ۗ أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُون شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُون َ [البقرة : 170

** {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَىٰ مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُوا حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا ۚ أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُم لَا يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُون} [المائدة : 104]

** {قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءَنَا لَهَا عَابِدِين} [الأنبياء : 53]

**{قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَٰلِكَ يَفْعَلُونَ} [الشعراء : 74]

فلنتأمل أحوال هؤلاء الآباء، فإذا هم:
**لا يعقلون شيئا
**لا يعلمون شيئا
**لا يهتدون
**عابدون للتماثيل وهو ما جاء في سؤال إبراهيم عليه السلام لقومه.
**يفعلون ما فعل آباؤهم من عبادة لما لا يسمع ولا يبصر كما جاء في سؤال إبراهيم عليه السلام لقومه ...
" أولو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون" هذا الاستفهام الاستنكاري ألا يبين أن اتباع من كان يعقل ويهتدي ليس كاتباع من لا يعقل ولا يهتدي.. ؟!

فبالله عليكم، هل هذه استدلالات سليمة لمن يريد الحديث حتى عن الاجتهاد والتجديد المقبولَين والمستساغَين، فيلوم من يُعرض عنهما مثلا ؟!

ويشاء الله تعالى أن أقع اليوم على شيء وأنا أقرأ وجدتُه يعضّد ما ذهبتُ إليه أعلاه من تأمل لازَمَني منذ زمن كلما قرأت هذا الاستدلال من أحدهم، وذلك في عرض قوله تعالى :

" {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَىٰ مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُوا حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا ۚ أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ} [المائدة : 104]

يقول ابن عاشور في التحرير والتنوير عن الآية، وعن الاجتهاد والتقليد :

" لأنّ هذه الآية في تنازعٍ بين أهل ما أنزل الله وأهل الافتراء على الله ، فأمّا الاجتهاد والتقليد في فروع الإسلام فذلك كلّه من اتّباع ما أنزل الله . فتحميل الآية هذه المسألة إكراه للآية على هذا المعنى" .انتهى قوله.

فكل من الاجتهاد والتقليد في الإسلام اتباع لما أنزل الله ..

فلننتبه أن أولئك "آباء" من أهل الافتراء على الله، وهؤلاء "آباء" على هدى من الله، وفرق بين اتباع ضال، وبين اتباع مهتد ... ورغم ذلك كله لا يخلو الأمر من أخذ ورد، ونحن نعلم أن كلا -ما عدا رسول الله صلى الله عليه وسلم- يؤخذ منه ويُرد، فلا يكون الاتباع مثلا لآباء من أهل البدعة فهؤلاء يدخلون في معنى "لا يهتدون" في الآية.. أو لأهل السفسطة مثلا، وهؤلاء يدخلون في معنى "لا يعقلون"

وكثير ممن صار ذلك استدلاله  إنما غالبا نقل عمّن قرأ له هذا الاستدلال دونما تدقيق وتمحيص في الفرق الشاسع بين أولئك وهؤلاء... ! وشتان ... شتان بين آباء وآباء !!
العنوان: رد: في ظلال القرآن :: 2016 ::
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2017-04-09, 09:51:54
2016/10/01
في كتابه "التصوير الفني في القرآن" شدّني جدا، وصف سيد قطب للفرق بين القرآن وقد كان يتملاه صغيرا صورا، وبين القرآن وقد قرأ تفاسيره، فضَلَّتْ عنه تلك الصور البديعة التي كانت ملء خياله ... ولكن ما فتئ أن أعادها له تأمله للقرآن من القرآن ...

يقول :

((ودخلت المعاهد العلمية؛ فقرأت تفسير القرآن في كتب التفسير، وسمعت تفسيره من الأساتذة. ولكنني لم أجد فيما أقرأ أو أسمع ذلك القرآن اللذيذ الجميل، الذي كنت أجده في الطفولة والصبا.
وا أسفاه! لقد طمست كل معالم الجمال فيه؛ وخلا من اللذة والتشويق.
ترى هما قرآنان؟ قرآن الطفولة العذب الميسر المشوق؛ وقرآن للشباب العسر المعقد الممزق؟ أم إنها جناية الطريقة المتبعة في التفسير؟
وعدت إلى القرآن أقرؤه في المصحف لا في كتب التفسير. وعدت أجد قرآني الجميل الحبيب؛ وأجد صوري المشوقة اللذيذة. إنها ليست في سذاجتها التي كانت هناك. لقد تغير فهمي لها، فعدت الآن أجد مراميها وأغراضها، وأعرف أنها مثل يضرب، لا حادث يقع.
ولكن سحرها ما يزال. وجاذبيتها ما تزال.
الحمد لله. لقد وجدت القرآن. ))
العنوان: رد: في ظلال القرآن :: 2016 ::
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2017-04-09, 09:52:41
2016/12/29

في سورة "المطففين" ..

يقول تعالى عن المكذبين بيوم الدين :

 {كَلَّا ۖ بَلْ ۜ رَانَ عَلَىٰ قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ (14) كَلَّا إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ (15)} [المطففين ]

الرانُ هو الصدأ الذي يعلو القلب المكذّب، العاصي، المظلم بالبعد عن الله.. يبتعد ويبتعد ويبتعد حتى يبوء بالصدأ على قلبه يمنع من مرور هواء الإيمان النقي يُحييه، بل يُميته والنبض فيه.. !

صدأ يعلو القلبَ، فلا يعود ينكر صاحبه معصية، ولا جرأة على الله ولا جرأة على كتابه أو سنة نبيه صلى الله عليه وسلم ..
ولا تعود نفسه تنكر سبّ الصحابة والحطّ من قدرهم، ولا الطعن في السنة والأحاديث ولا أكثر من ذلك ولا أقل.. بل تمشي به حالُه خطوة إثر خطوة حتى يستسهل التكذيب بيوم الدين، وبما أنزل ربّ العالمين.. !! (عياذا بالله)

لا تعود نفسٌ هذا قلبها تُنكِر شيئا من هذا .. !!
إنه الصدأ(الران) يعلوه فيحجبه عن هواء الإيمان...

يحجبه عن ربه ... !!

وإن هذا الذي حجبتْهُ كثرة معاصيه وإيغاله فيها عن ربه، حجبته عنه حتى باء بالصدأ غلافا له حاجبا..

هذا هو ذاته الذي سيُحجب عن ربه يوم القيامة، يوم الحساب ... "كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون"

حجبه الرانُ عنه في الدنيا بما عصى وبما استسهل المعصية، أو بما استسهل الجرأة على الله وعلى كتابه وسنة نبيه.. حتى ها هو "يومئذ". يوم الحساب محجوب عن ربه .. عياذا بالله !!

حجبَهُ الرانُ عن طاعة ربه في الدنيا، فها هو يومئذ محجوب عن ربه ...
من جنس ما يصنع الإنسان بنفسه في الدنيا يلقى يوم القيامة ...

فنسأل الله تقديرا لجلاله وعظيم سلطانه يمنع قلوبَنا من الران، فيمنعنا من حجبٍ عن وجهه سبحانه يوم لقائه..
العنوان: رد: في ظلال القرآن :: 2016 ::
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2017-04-09, 09:53:14
2017/01/09

في سورة "عبس" لنتأمل البداية، وهو سبحانه يخبر عن الأعمى الذي جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكيف عبس رسول الله لمجيئه، وتولى عنه ..

تأتي الآيتان الأوليان بصيغة الماضي حديثا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم غيبة يبلغنا خبرا :

" {عَبَسَ وَتَوَلَّىٰ (1) أَن جَاءَهُ الْأَعْمَىٰ (2)}

ولكن لم يستمرّ الأسلوب بصيغة الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم غيبا، بل ينتقل إلى خطابه بقوله تعالى:

{وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّىٰ (3) أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنفَعَهُ الذِّكْرَىٰ (4) أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَىٰ (5) فَأَنتَ لَهُ تَصَدَّىٰ (6) وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّىٰ (7) وَأَمَّا مَن جَاءَكَ يَسْعَىٰ (8) وَهُوَ يَخْشَىٰ (9) فَأَنتَ عَنْهُ تَلَهَّىٰ (10) كَلَّا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ (11)} [عبس]

تُرى لِمَ لمْ يستمر الأسلوب ذاته ؟
لماذا عندما بدأ العتاب الرباني لصفيّه صلى الله عليه وسلم تبدل الأسلوب إلى مخاطبته، ولم يبقَ حديثا عنه غيبا يبلغنا من ربّ العزة ؟
وأسلوب الإخبار عنه في اللغة يسمى أسلوب "الغيبة" والانتقال من الغيبة إلى الخطاب في اللغة يسمى "الالتفات"..

فلماذا في هذا الموضع كان الالتفات من الغيبة إلى الخطاب ؟

إننا إذا تأملنا، عرفنا أنه سبحانه يعاتب حبيبه صلى الله عليه وسلم، مخاطبا إياه، ولا يعاتبه وهو يخبرنا عنه، غيبا..
فلسنا نحن بأعلى منه ولا أسنى خُلقا ليخاطبنا نحن معاتبا عن عبوسه وتوليه .
ليس أحد من خلقه أهلا لأن يكون النبي صلى الله عليه وسلم المعاتَب بين يديه..

بل هو المعاتَب وهو المخاطَب بالعتاب.. هو خير الخلق كلهم، وهو أحسنهم خُلُقا، وهو الاهل لان يُربّى بتربية الله تعالى تربية مباشرة تخاطب محمدا صلى الله عليه وسلم وهو يمثل الكمال البشري.. فلا يُعاتَب الكامل بين يدي ناقص ..

إنه سبحانه اكتفى بمخاطبتنا بخبر الأعمى ومجيئه وعبوس النبي صلى الله عليه وسلم وتوليه عنه، ثم رأسا يبدأ بعتابه مخاطبا إياه لا مُكملا العتاب خبرا يبلّغنا إياه ... فإنه لا يستقيم أن يعاتَب بين أيدينا ...

صلى الله عليه وسلم حبيب الله وصفيّه، والذي كرّمه حتى وهو يعاتبه...
العنوان: رد: في ظلال القرآن :: 2016 ::
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2017-04-09, 09:53:40
2017/01/19

في سورة النازعات..

كلمات قليلة...سطران ...
ما هي إلا ثلاثة أسطر فإذا أنت قد عرفتَ الأمر من الله تعالى لنبيه موسى عليه السلام، وسبب الأمر، ثم تنفيذ الأمر من موسى، يدعو فرعون ويدعم دعوته بالآية يريه إياها.. ثم ردّة فعل فرعون، وثورته...ثم مآله ... !

كله بجوامع الكلِم، سريعا يصلنا...
بليغا، قويا، معبرا، بل ومصوّرا للأحداث أبدع تصوير، وكأنها للعَيان ماثلة ...

{اذْهَبْ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَىٰ (17) فَقُلْ هَل لَّكَ إِلَىٰ أَن تَزَكَّىٰ (18) وَأَهْدِيَكَ إِلَىٰ رَبِّكَ فَتَخْشَىٰ (19) فَأَرَاهُ الْآيَةَ الْكُبْرَىٰ (20) فَكَذَّبَ وَعَصَىٰ (21) ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعَىٰ (22) فَحَشَرَ فَنَادَىٰ (23) فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَىٰ (24) فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولَىٰ (25)} [النازعات : 17-25]

تأمل الحق وموسى عليه السلام يَأمره ربُّهُ بتبليغه فرعون... فقل : "هل لك إلى أن تزكى وأهديك إلى ربك فتخشى"

كلمات قليلة ... هل لك في طهارة تُذهب رجس نفسك، وأدلك على ربك فتخشاه...

موسى ذلك الطريد الفارّ من مصر إلى مَدْين، وفرعون يأتمر به ليقتله...
موسى الذي مكث بمدين عشر سنوات...
وفور عودته ها هو ربه يأمره أن يذهب داعيا لمَن كان سبب فِراره وهجرانه أرضه ...

فيأتمر موسى بأمر ربه، ويذهب إلى فرعون، ويدعوه...

بكلمات قليلة...ولكنها ظاهرة الحق، قوية...
 إذ الحق من ذاته قوي، أبلج، ساطع... له أثر...

فكيف كان ردّ فعل فرعون ؟!!

كذّب، وعصى....

أدبر يسعى......

إنني لأراه مُهتاجا، ثائرا، خائفا... متزعزعا... دمغ الحقّ باطلَه، فأفزعه، وروّعه... بكلمات معدودات...

أفقده الجلد ...!!

ثم أدبر يسعى...

فحشر فنادى .... !!

جمع الناس، وكان الأمر بينه وبين موسى عليه السلام، ولم يكن على مرأى من الناس..
أُمِر موسى به وحده، ولكن الكلمات القليلة أفزعته.. فحشر الناس، ونادى فيهم فزِعا:"أنا ربكم الاعلى" ..

لقد خاف من موسى ودعوته...
خاف، وقد عرف في كلمات الحق قوة خشيها على ملكه، فهرع يحشر وينادي...
يثبّت دعائم ملكه بكذبه وادعائه، وهو خائف، مهزوم... !!

فلننظر إلى الحق وهو لا يحتاج إلى صياح ولا إلى هياج، بل قوته منه...في ذاته..
بينما الباطل يستقوي بالصياح والهيجان...
يستقوي بالصوت، بالترهيب والترعيب..

الحق بكلمات قليلة فيه البيان..
ويكفيه أن يعلن عنه صاحبه بهدوء .. كما تُسفر الأرض عن خضارها ونمائها في صمت، بينما ينفجر بركان الحِمم المُهلك مزمجرا غضبانا مهتاجا .. !!

يااااه... !!
أيها الطاغية المتألّه فرعون... كم يكشف القرآن ضعفك وخوفك... كم يُبدع تصويره... حتى لكأني بك المعتوه، الهالك من ساعتك... !!

وكذلك أهل الباطل ضعفاء ، بيّنٌ ضعفهم وإن تترسوا بالدبابات والمزنجرات ... !!
بل إن دباباتهم وطائراتهم وأسلحتهم الفتاكة لصَوت باطلهم الراجف، وصولات فزعهم واهتزازات روعهم، ودقات قلوبهم الواجفة... !!
العنوان: رد: في ظلال القرآن :: 2016 ::
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2017-04-09, 09:54:11
2017/01/26

سورة النبأ ...

عمّ يتساءل هؤلاء المكذبون ؟ عن القرآن وما حوى، وما جاء به من أنباء البعث ويوم الحساب، يوم يقوم الناس لربهم سبحانه مجازيا ومعاقبا إياهم  ...

لنتأمل ... !

كلا سيعلمون، ثم كلا سيعلمون ...

لنتأمل ... !

إنك بعد هذا التأكيد على أن المكذبين سيعلمون، ثم سيعلمون... لَتنتظر أن يجيبك سبحانه بتفاصيل ما سيعلمونه... ما الذي سيعلمونه ؟ ما الذي من المؤكد أنهم سيعلمونه؟!!

ولكن الإجابة ليست عما سيعلمون ... !
إنك تترقب تفاصيل "سيعلمون" ... تترقب بشغف كبير تفاصيل ما سيعلمون ..

ولكنه سبحانه لا يأتي بتلك التفاصيل أولا...
لا يأتيك بالغيب حتى يأخذ بيد عقلك إلى ما يجعلك تصدّقه... لا تستبعده...
يأخذ بيد عقلك لتتمثل الغيب، لتتمثل اليوم الذي سيعلمون فيه... لتعقل أن هذا اليوم وما فيه ليس ببعيد عن قدرة الله... بل إنه الحق لا محالة ...

لنتأمل... !!

فإذا الله سبحانه يأخذنا إلى حيث يعمل العقل، ويستنتج، ويعقل، ويفهم...
يأخذك سبحانه إلى ما حولك ... إلى ما يحيط بك... إلى مجال عمل عقلك..
انظر ... انظر حولك... إلى الأرض التي مُهِّدت لك...
إلى الجبال وهي أوتاد تضرب في أعماقها لتمسكها أن تميد بك...

انظر أليس يعقل هذا عقلك ؟

انظر حولك...
ألم يخلق الإنسان بزوجه ؟ وجعل له النوم، والليل لسكونه وراحته، والنهار لحركته ومعاشه، وبنى فوقه سبع سماوات...
وبالسماء شمس مضيئة... وسحب تُنزل بامر ربها ماء ...

 ثم في عودة جديدة إلى الأرض ..

هكذا في رحلة سريعة من الأرض بمُسخّراتها للإنسان إلى السماء بمُسخّراتها للإنسان... ثم في عودة جديدة للأرض ومُسخّراتها للإنسان ...

هكذا أيها الإنسان رحلة سريعة، ولكنها براحلة ثقيلة... تأخذ المخلوق المُكرَّم وما خُلق له سُخرة بين السماء والأرض...

فيا أيها العاقل...... ها أنت تعقل كل هذا ...
وتصدّق... وتقرّ أنه حق.. وأنك تعيشه وتحياه...
أرض وجبال وسماء وشمس وسحب وماء يسقي الأرض ويُخرج النبات ...

فمن خلق هذا كله من عدم، وخلقك من عدم، وأنت تعقل كل ما حولك ... أفيصعب ويشقّ عليه سبحانه أن يبعثك من مرقدك... وقد كنتَ من قبل بعثك ؟ بينما لم تكُ من قبل إيجادك شيئا مذكورا ...

أفخلقك وخلق الكون من عدم أعياه سبحانه ليُعييه خلقك الثاني وقد كنت من قبلُ حيا ؟! ...

تأمل كيف يأخذ عقلك أولا ليستدلّ على قدرته سبحانه على بعث جديد من قبل أن يقرر أمر البعث عندك ...
إنه لا يأخذك إلى أنباء البعث حتى يحرك عقلك، وكأنه يقول لك لن أفجأك بالغيب حتى تجد بعقلك ما يقرّبه لك، ما يجعلك تصدّق وقوعه...

عقلك لم يُخلَق ليعقل الدنيا وحدها، بل ليقرّب لك صورة الآخرة...

تصل لربك بعقلك... بما يحيط بك من خلقه وأمره، وتؤمن بالغيب بعقل عرف ربه وقدرته، فلم يجد عجبا من الذي خلق فسوى، وقدر فهدى  أن يبعث منَ خلق في خلق جديد ...

إنه لن يخبرك: " إن يوم الفصل كان ميقاتا" حتى يحرك عقلك لتصل به للإيمان بيوم الفصل، كما وصلتَ به لربك...ملك يوم الفصل...
العنوان: رد: في ظلال القرآن :: 2016 ::
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2017-05-06, 10:01:37
2017/02/01
في سورة النبأ...

"جزاء من ربك عطاء حسابا"
سبحانه الذي يجازى المتقين عطاء من عنده وتفضلا وزيادة و "حسابا"...  ومن معاني "الحساب"  العطاء الكافي حتى يقول المُعْطَى "حسبي" أي اكتفيت...

هو رب السماوات والأرض وما بينهما ...
هو "الرحمن" ...

أيُّ اسم لله تعالى جاء مع هذا اليوم العظيم ؟!

إنه : "الرحمن" ... لم يأتِ "الملك" لم يأتِ "المنتقم" ...
لم يأتِ "الحسيب" ...

إنه "الرحمن" ... 
ولكنه الرحمن الذي لا يملك أحدٌ أن يخاطبه، من هيبته وعظمته، وجلاله، من تمام عدله... وطلاقة قدرته، وانتهاء الأمر له وحده...

"الرحمن" صفته اللازمة... صفته التي كانت لهذا اليوم العظيم، ذي الأهوال والأهوال والأهوال... !

الرحمن في يوم يقوم الروح والملائكة صفا لا يتكلمون...
لا يستطيعون كلاما من الخشوع، والخضوع، والطاعة الكاملة... والتقدير العظيم لرب ذلك اليوم العظيم ... لمليكه...
للذي يقضي بقضائه وحكمه، للذي تُطوى السماء بأمره، وتُسيّر الجبال بأمره..  وتُسعَّر الجحيم بأمره... وتُزلَف الجنة بأمره ...

لليوم العظيم الذي تجلّى عن النبأ العظيم الذي كانوا فيه يختلفون !

ولكنه "الرحمن" .... !
الذي لا يملك أحد أن يخاطبه ... ولكنه "الرحمن" .... !

الروح والملائكة لا يتكلمون إلا من أذن له "الرحمن" ...
لا ينبسون بكلمة بغير إذنه ... ولكنه "الرحمن" ...

وفي طه : وخشعت الأصوات "للرحمن" فلا تسمع إلا همسا .

رحمنٌ في يوم الأهوال...

فسبحان رحمنِ يوم الأهوال ... !
سبحان مَن لا يملك أحدٌ منه خطابا وهو الرحمن...!
وسبحان من لا يتكلم أحدٌ إلا بإذنه وهو الرحمن...!
وسبحان من تخشع له الأصوات وهو الرحمن... !
العنوان: رد: في ظلال القرآن :: 2016 ::
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2017-05-06, 10:04:58
2017/03/20
في السورة من القرآن... عندما تكون مع قطاع من الآيات يعالج موضوعا ما... ثم تجد نفسك فجأة مع آيات موالية للتي كنتَ معها، فإذا موضوعها آخر، مخالف، مغاير ...

وقد تتساءل... ما وجه العلاقة بين ما كنتُ فيه، وبين هذا الموالي له  ؟!

مثلا كيف نكون مع أحداث غزوة، حتى نجد أنفسنا مع آيات في التزكية ؟!  (سورة آل عمران).

كيف نكون مع الحديث عن تكذيب المكذبين بالبعث، حتى نجدَنا مع قصة موسى وفرعون ؟!(سورة النازعات)

ربما للوهلة الأولى ... تظنّ هذا البعد، وهذا الاختلاف، ولكنك إذا ما أطلتَ المكوث، وأحسنتَ النظر، وتأملت عرفت أن هذا لا يختلف عن هذا...لا يبتعد عنه، لا يغايره... بل إنّهما لمرتبطان أوثق الارتباط ... وأجمل الارتباط ... !

تأملوا سورة النازعات ... والله سبحانه يُقسم بالملائكة على اختلاف مهامها وأدوارها، نازعات، وناشطات وسابحات وسابقات ومدبرات... على أن وعد الله بالبعث حق ... : " فإنما هي زجرة واحدة فإذا هم بالساهرة"

ثم تأتي قصة موسى عليه السلام مع فرعون ... !

ولكننا كنا مع البعث، ومع المكذبين بالبعث : " يقولون أئنا لمردودون في الحافرة * إذا كنا عظاما نخرة "

فكيف نُحال على قصة ؟!

📌 أولا : لنتأمل كيف أجمِلت القصة كلها في آيات متتابعة قليلة: ناداه ربه، ثم أمره أن يذهب للطاغية، وأن يسأله إن كان له أن يتزكى، وأن يهديه إلى ربه...

فنجدنا مع موسى عليه السلام يريه الآية، فإذا فرعون مكذب... ! مهتاج...! مضطرب يسعى، يقرع الحق وجدانه قرعا مؤلما، يجعله متخبطا، فيجمع الناس من حوله، يقول أنه الرب الأعلى ... !!

📌 ثانيا : ما علاقة فرعون وحاله إزاء دعوة الحق، بحديث سبقه عن البعث وأنه الحق ؟!

أيها المكذبون بيوم البعث، وبقدرة الله على البعث، أيها المستهزؤون المتعجبون من أن تبعث العظام النخرة بشرا كما كانت حية من جديد ...

هذا فرعون وقد طغى، وكذب بالله وبالبعث، وملك وأمر، وكانت جنوده أوتادا تضرب في الأرض ...

لا بل أكثر من ذلك .... لقد ادعى الربوبية فنادى في قومه : "أنا ربكم الأعلى" ....

أين منتهاه ؟ أين ربوبيته وأين ألوهيته ؟ وأين قوته ؟ ها نحن أولاء نشهد هلاكه نكال الآخرة والأولى...
فأين ستذهبون بتكذيبكم ؟ وأيَّ مأرب أنتم به قاضون ؟!!

أي مبلغ في الطغيان أعلى من أن يدعي الإنسان الألوهية والربوبية، ؟!! لا .... والأدهى أن يجد من يؤلهه، ويسمع كلامه ويطيع على أنه الرب الأعلى ... فيزداد طغيانا وتجبرا وتغطرسا ... وهكذا كان فرعون ... فهل أنجاه هواه وقد كذب بالخالق الباعث ؟ وبالبعث والحساب ؟!

فلننظر... أي افتراق هو بين الآيات والآيات التي تلتها ؟!! بل إنه للرباط الوثيق ...

ثم لنمضِ قُدُما ... إنها آيات أخرى موالية لقصة موسى مع فرعون، والتي انتهت ببيان هلاك فرعون، وكيف جعله الله عبرة لمن يخشى ...

إنها آيات عن الخلق ....
وإننا من البعث، إلى القَصص، إلى الخلق .... لتنتهي السورة بالبعث من جديد  :)

"أأنتم أشد خلقا أم السماء.. بناها رفع سمكها فسواها وأغطش ليلها وأخرج ضحاها " ....

يا كل من تتجبر، وتتكبر، وتُكذّب، وتتأله كما كان فرعون ... تأمل... أأنت أشد خلقا أم السماء؟
أم الأرض ؟ أم الجبال ؟

إنك لأهون على الله منها كلها ... فأين يمضي بك غرورك ؟! وأين يمضي بك طغيانك ؟!!

وبعد كل هذا الخلق الذي يحيط بك... بعث ولقاء ويوم هو الطامة الكبرى .... يوم تتذكر سعيك... فأما من طغى فالجحيم مأواه، واما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى الذي أوقع فرعون فيما أوقعه فيه، وأوقع كل مكذب فيما أوقعه فالجنة مأواه...

فلنتأمل أي افتراق هو بين الآيات والآيات ؟ وأي اختلاف واي بعد هو لمعنى هذه ومرماها عن معنى الأخرى ومرماها.. ؟!!

بل إنه الترابط الوثيق... الوثيق الذي لا يُرى من "قراءة" بل يُرى من "مكوث" و"تأمل" وتملٍّ في هذه الصور المتناسقة والمعاني المتساوقة المتسقة، بديعة التصوير ...

وهذا عن ترابط قطاعات الآيات ومواضيعها في السورة الواحدة وكيف يبدو الاختلاف والافتراق من حيث هو الارتباط والالتصاق...

وأود أن أشير بعيدا عن هذا إلى شيء من جماليات "النازعات"  :)  :
 الرب الأعلى سبحانه وكيف ينطق عنه بديع صنعه في الدنيا، وينطق عنه تحقق وعده في الآخرة أنه الرب الأعلى :"فإنما هي زجرة واحدة فإذا هم بالساهرة"  بينما ينطق المتربّب والمتأّله بلسانه المضطرب وقلبه الخائف وكيانه المهزوز : "أنا ربكم الأعلى" ...

وشتان شتان بين "الأعلى" بحق وبين المستعلي بباطل... !
العنوان: رد: في ظلال القرآن :: 2016 ::
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2017-05-06, 10:06:45
2017/04/03

عندما كنت أقرأ القرآن، كنت أمر بآيات الوحدانية والخلق والإبداع وأنا أرى الأمر واضحا متجليا لا مراء فيه، وعلى قدر ما كان تأمّلها يترك بالنفس تعظيما وتبجيلا وإجلالا لله جلّ في عُلاه على قدر ما كنت أتساءل عن سرّ كثرتها، وتواجدها بكل مكان من القرآن...

كانت آيات تخاطب كفار قريش أو تصف تعنّتهم...
وكان أكثرها بالسور المكيّة، والتي هي أكبر عددا من السور المدنية...

كان نزولها في مرحلة تأسيس العقيدة ...

في أيامنا هذه، تبدّلت نظرتي لتلك الآيات...!

مع هذه الموجة الصارخة من التشكيك الذي طال الكثيرين من شباب الأمة، بل وطال مَن طال منهم الإلحاد والانسلاخ من الدين كليّا، حتى غدا الإلحاد حديثا من شائع الحديث...حتى طفِق مَن طفِق يبحث عن طرق نقاش الملحدين، وإقناع الملحدين، ومحاولة تنوير الملحدين والمشككين وانتشالهم من براثن الضلال والهوى ...

حتى افتتح هذا مشروعا لتكوين الشباب في مجال محاربة الشبهات، وتفرّغ ذاك لمناقشات عبر وسائل التواصل (التشات)... وألّف آخر عن شبهات حول "السنة" وآخر عن شبهات حول القرآن ...

ومَن افتتح صفحات لدحض الداروينيّة، ومن سجّل مرئيات موضوعها مناظرات بين أنصار الدين وأنصار اللادين ...

وهكذا... بين سعي وسعي...
موازية هي المساعي لكل الطلعات والخرجات المستحدثة من موجة التشكيك الجارفة، وموجة الإلحاد المائجة ...

ومع كل هذا ... عدتُ...فحطّتْ بي راحلتي عند تلك الآيات ذاتِها....
آيات تحكي عن هؤلاء...عنهم في كل زمان، وفي كل مكان ...
ليسوا بِدعا من الناس، ولا قولهم بِدع من الأقوال ... بل هُم هُم أصحاب التكذيب، والكفر والشك، والاهتزاز ....

هم الذين خاطبهم، ويخاطبهم، وحدّث عنهم، ويحدث عنهم رب العزّة سبحانه ...

حطّت بي راحلتي عند هاتيك الآيات، فلم أعد أرى كثرتها في القرآن سِمة من السِّمات وانتهى الأمر...

بل هي التي دورها لكل زمان هو الدور الأول، ووزنها هو الوزن الأثقل ...

التوحيد، العقيدة، النبوات، اليوم الآخر...

مواضيع هي القاعدة التي كانت تُستهدف أول الأمر كلما تطاول على الناس العهد، ليعودوا القهقرى في كل مرة..فتنتكس البشرية وترتكس، وتنكص على عقبيها، وتتمسّح بمسوح الوثنية والخرافة واللادين، فتنكر كلّ ما دعاها إليه نبي بين الأنبياء، ليُبعث نبي بعده، وينزل كتاب بعد كتاب ليجدد الدعوة للدين الواحد، ولعبادة الرب الواحد ...

كانت البشرية تحتاج في كل مرة ل"نبي" لا لمصلح عادي ...

ولكن بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم لن يكون من بعث جديد، فلا نبي ولا رسول بعده...

ولن تحتاج البشرية مع انتكاسة وارتكاسة تتهددها من كل جانب إلى نبي جديد... بل إلى مصلحين من أمة النبي الخاتم والكتاب المهيمن يبعثون الدين من جديد ...

إنني اليوم حينما تقابلني آيات من مثل قوله تعالى :"فمالهم عن التذكرة معرضين * كأنهم حُمُر مستنفرة *فرت من قسورة * بل يريد كل امرئ منهم أن يؤتى صحفا منشّرة..."

لم أعد أتمثل كفار قريش فيها كما صرت أتمثّل شبابا من المسلمين سرعان ما جعلت أرضهم الهشّة التي يقفون عليها تهزّهم...
فإذا الكثير منهم كالحُمُر المستنفرة الهائجة الثائرة الفارة من أسد يلاحقها ... !
شباب يفر من التذكرة الربانية فرار مَن يخشاها خشيته من أن يُفتَرَس ... !!!

كثير منهم صار يتألى، ويتمطى وكأنما لن يكفيه إلا أن يُؤتَى من عند الله صحيفة يُعلمه فيها باسمه ورسمه أن :  آمِنْ ... ليؤمن.. !!

اليوم صرت أرى الأمة أحوج أن تقف عند الآيات التي تخاطب العقل ل"يصل" ...

التي تحاجج بالعقل، التي يستنكر فيها العلي القدير على العقلاء ألا يعقلوا. وعلى أولي الألباب ألا يعوا ويتفكّروا...

وما كان ما كان إلا من معرفة بالقرآن لم تكن إلا القراءة للحروف، أو الحفظ لها في أحسن الأحوال.. وما كان ما كان إلا من معرفة بالإسلام لم تتعدَّ "السطح" ...

فربما...
ربما يكون مع هذه الموجات البئيسة التي تجرف من شباب الأمة مَن تجرف، قنوات ينفد منها  مَن يسأل إذ يسأل صادقا مع نفسه، ويبحث إذ يبحث عن الحق والحقيقة، فتعود موجاتٌ كريمة لتكتسح الموجات الخبيثة، موجات من العقول الواعية، والقلوب الصادقة لتبث "الرسوخ" من وحي "الوحي" ...

من تأمله والغوص في مراميه ومعانيه... ولتلوح تباشير نهاية عهدٍ الدينُ فيه شعائر بلا روح ولا حركة، ويبدأ عهد هو "العودة" لما كان أول ما كان ...

"فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا "
العنوان: رد: في ظلال القرآن :: 2016 ::
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2017-05-06, 10:07:37
2017/04/09

عندما يناطح هوى البشر إرادةَ الله وحكمتَه.. !
عندما يحكّم الإنسان في نفسه هواها...

عندها طالب مَن طالب رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن يأتي بقرآن غير هذا القرآن أو أن يبدله..

عندها تجرؤوا فاستعجلوا العذاب والشر استعجالهم بالخير...

عندها طالبوه أن يأتيهم بآية خارقة...

عندما تناطح أهواء البشر حكمة الله تعالى، عندها يقولون ما يشاؤون ويتشدقون بما يشاؤون... ويهرفون بما لا يعرفون...

ولكن الجمال ... كل الجمال والجلال كل الجلال... ألا يجيبهم الحكيم العليم إلى ما يريدون  بل يقضي بأمره وتدبيره ... وإن قالوا عن نبيه إنما أنت متقوّل، فأين إجابة ربك لما طلبنا ؟

الجلال كل الجلال في بقاء الأمر كما قضى الله وكما شاء، وكما قدر، حتى وإن زادهم إمضاء الله لما يريد لا لما يريدون طغيانا وعمى على العمى ....

" وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُم بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ ۖ فَنَذَرُ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ" -يونس : 11-
العنوان: رد: في ظلال القرآن :: 2016 ::
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2017-05-06, 10:08:22
017/04/16
"وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً"

هجرا جميلا... اصبر على أذاهم من ألسنتهم، واهجرهم هجرا دون أن تؤذيهم ..

وقبل أن يُؤمر صلى الله عليه وسلم بالصبر والهجر، ربّ العزة يأمره بقيام الليل، فالقول الذي سيُلقى عليه ثقيل ثقيل يستدعي أن تكون له من القوة اللازمة لتحمّل ثقله ...

هذه القوة سيستمدها من الاختلاء بربه ليلا ... إذ إن طاعة الليل أشد وطئا وأقوم قيلا ..

من قيام الليل، ما تيسّر له منه سيتزوّد لتحمّل ثقل ذلك القول الذي سيُلقى عليه، تحمّل ثقل الرسالة، ثقل الأمانة ... ثقل القرآن...

"وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا (8) رَّبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا (9)"

 1-  من  قيام الليل، 2- من ذكر الله  3- من اتخاذه وكيلا

من هذا كله سيتزود للصبر على ما يقولون، وليكون هجره لهم هجرا جميلا ... هجرا بلا أذى ..

قيام الليل زاد للنهار ...
وهذا سبحانه يأمر المزمل صلى الله عليه وسلم بقوله : قم الليل ...
وهذا سبحانه يأمر المدثر صلى الله عليه وسلم بقوله :   قم فأنذر...

فهو صلى الله عليه وسلم قائم بالنهار نذيرا، وقائم بالليل، للصلاة مقيما، ذاكرا، داعيا...
هو بين قيام وقيام ... فقيام يتزود منه لقيام... !
العنوان: رد: في ظلال القرآن :: 2016 ::
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2017-05-06, 10:09:54
2017/04/30


الشيخ الغزالي رحمه الله يصف القرآن الكريم :

إنني واحد من الألوف التي قرأت هذا القرآن، ومررت بمعانيه وغاياته مرور العابر حينًا، ومرور المتفرس المتأمل حينًا آخر.
والقرآن ليس الكتاب الوحيد الذي طالعته.. فقد طالعت مئات الكتب الأخرى على اختلاف موضوعاتها، واقتربت من نفوس أصحابها ومن ألبابهم، وأذنت لهذه الكتب أن تترك آثارها في فكري؛ لأقلبها على مكث، وأنتفع بما أراه نافعًا ولفظ ما أراه باطلاً ...
ومن اليسير علي وعلى أي قارئ مثلي أن يكون حكمًا معينًا على الكتاب الذي تناوله؛ فقد أخلص من قراءة كتاب ما، ثم أقول: هذا المؤلف واسع الاطلاع ... أو أقول: إن ثقافته غزيرة في الآداب الأجنبية، أو إنه طائل الثروة في الأدب العربي القديم، أو إنه ملم بآخر ما وصلت إليه الكشوف العلمية، أو إنه قصير الباع في إعطاء المعنى حقه، أو إنه مصطبغ بلون يساري، أو إنه من المعجبين بالفيلسوف الفولاني، أو أن في نفسه عقدة تميل بأسلوبه إلى الحدة في ناحية كذا، أو إنه مرن الفهم والأداء... الخ.
وقد أعجز عن استبانة الخصائص الإنسانية المتباينة في تكيف الرجال الذين طالعت نتاجهم الذهني، أو آثارهم الروحية. وكثيرون غيري يجدون في أنفسهم هذه المقدرة. وقد تلوت القرآن مرارًا، ورجعت بصري في آياته وسوره، وحاولت أن أجد شبهًا بين الأثر النفسي والذهني لما يكتب العلماء والأدباء، وبين الأثر النفسي والذهني لهذا القرآن، فلم أقع على شيء البتة... وقد أحكم بأن كتابًا ما صدر عن مؤلف في عصر كذا، وأن جنسية هذا المؤلف ومزاجه وأهدافه هي كيت وكيت.
أما بعد قراءة القرآن، فأجزم بأن قائل هذا الكلام محيط بالسموات والأرض، مشرف على الأولين والآخرين، خبير بأغوار الضمائر وأسرار النفوس، يتحدث إلى الناس تحدث السيد الحقيقي إلى عباده الذين خلقهم بقدرته، ورباهم بنعمته، ويتناول الأمم والقرون في هالة من الجبروت والتعالي، يستحيل أن تلمح فيها شارة لتكلف أو ادعاء.
ومع رفعة المصدر الذي تحس أن القرآن جاء منه، وإحساسك بأن هذا الشيء أتى من بعيد، فإنك ما تلبث أن تشعر بأن الكلام نفسه قريب من طبيعتك، متجاوب مع فطرتك، صريح في مكاشفتك بما لك وما عليك، متلطف في إقناعك فما تجد بدًّا من انقيادك لأدلته، وانفساح صدرك لتقبله...
ولا تحسبن هذا الوصف متأثرًا بمواريث التدين التي انتقلت إلينا من الأولين، فإن الكفار أنفسهم أدركوا أن القرآن مباين بأسلوبه الخاص لجنس ما ألفوا من كلام، وملكتهم الدهشة لدى سماعه.
محمد الغزالي
العنوان: رد: في ظلال القرآن :: 2016 ::
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2017-05-06, 10:10:39
2017/04/30

"أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا أَنْ أَوْحَيْنَآ إِلَىٰ رَجُلٍۢ مِّنْهُمْ أَنْ أَنذِرِ ٱلنَّاسَ وَبَشِّرِ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِندَ رَبِّهِمْ" -يونس-

"إلى رجل منهم" ....

إلى رجل منهم ------->  يعرفونه
إلى رجل منهم -------> لبث فيهم عمرا من قبله
إلى رجل منهم -------> يعرفون صدقه وأمانته
إلى رجل منهم ------->يأتيهم بالآيات البينات

من أين لرجل منهم يعلمون عنه كل هذا أن يكون له كل هذا العلم وكل هذا البرهان، وكل هذا البيان، وكل هذه الحجة ؟؟ ! .
علمه ربه كل هذه الطرق في المحاججة بالعقل، بالسؤال تارة للتحفيز على التفكّر، بالتوجيه للنظر، للاستدلال ...
عَبْر "بشر" يحثّ العقل، فيعلّم البشر إعمال العقل ..وهذا أدعى أن يتفكروا فيما جاء به،  ليوقنوا أنه ليس بقول بشر ....
العنوان: رد: في ظلال القرآن :: 2016 ::
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2017-05-06, 10:11:16
2017/05/01

" يَا قَوْمِ إِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُم مَّقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآيَاتِ اللَّهِ فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلا تُنْظِرُون" -يونس-

1- أجمعوا أمركم (اعقدوا عزمكم على إهلاكي الذي تريدون) + 2- مع شركائكم + 3- لا يكن أمركم عليكم غمة (لا تترددوا في إمضائه) + 4- اقضوا إلي (أنفذوه فيّ) + 5- لا تنظرون(لا تمهلوني)

غاية الشجاعة والتوكل على الله والثبات في نوح عليه السلام، وهو قد لبث فيهم قرونا داعيا مُكَذَّبا... !!!
أي شجاعة وثبات في سيدنا نوح عليه السلام وهو الذي يلتفت فيجد ابنَه كافرا، ويلتفت فيجد زوجته كافرة ... ! ويلتفت فلا يجد غير المكذِّبين .... !!

كم يشبه حاله حال سيدنا إبراهيم عليه السلام، فكان أباه الذي حُرِمَه مؤمنا، كما كان إبراهيم ابنَ نوح الذي حُرِمَه مؤمنا ... وأي أبوة وأي بنوّة !!!
العنوان: رد: في ظلال القرآن :: 2016 ::
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2017-05-06, 10:12:26
2017/05/03

كنت قد كتبتها منذ عام :
**********
في قوله تعالى :{ثُمَّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِم مُّوسَىٰ وَهَارُونَ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ بِآيَاتِنَا فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُّجْرِمِينَ (75) فَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِندِنَا قَالُوا إِنَّ هَٰذَا لَسِحْرٌ مُّبِينٌ (76)} [يونس : 75-76]

لقد استكبروا أولا...

فرعون وهو ملك مصر، ومَلَؤُه وهم حاشيته المقرّبة من ذوي الجَاهِ والمكانة...
فرعون هو الذي استخفّ قومه، واسترهب فكرهم حتى كان يحثهم على الاستدلال على ملكه بالأنهار تجري من تحته، وهو يستنكر عليهم بقوله : "أفلا تبصرون" ...!

استكبر لما جاءه موسى وهارون بآيات الله حتى ادّعى الربوبية بقوله: "أنا ربكم الأعلى"...
واستكبر حتى ادّعى الألوهية فقال : " ما علمت لكم من إله غيري"...

أما عندما جاءهم الحق من عند الله، بالبينات الساطعة المفحمة، وعندما عرفوا أنه الحق، ولم يبقَ لأهل اللجاج وقد أفحمهم الحجاج، وزهق الباطل اللجْلج بالحق الأبلج...
لم يجد أهل الاستكبار إلا أن يقولوا : "إن هذا لسحر مبين"...
والسحر أخيلة تصوّر الباطل حقا...

هكذا ألقوا بصفة السحر على الحق ينفذ للعقول من منافذها، ويملك القلوب من عروشها...
وهكذا حال من استرهب العقول والأفهام، واستبدّ بمفاتيحها وبمغاليقها، يفتح منها لنفسه ويغلق منها لما عداه ... فيقلب في تصوّرهم الحق باطلا، فيرونه كذلك... ويقلب الباطل حقا، فيرونه كذلك... إي وربي، فإن المفاتيح والمغاليق بيد السجّان لا بيد السجين...!!

عندما تُغتصب العقول، فتفقد حريتها، تصبح كالعبد بيد سيّده لا حركة إلا لما يحب، ولا سكنة إلا لما يبغض...
يصبح كاللعبة بيد صاحبها، مِطواعة ليده، إن شاء التهى بها، وإن شاء خبأها، وإن شاء أظهرها، وإن شاء مزّقها إربا إذا تملكته السآمة منها والملالة...

والمستكبر إذا أُفحِم باطله بحق... صار دَيْدَنه -كما وصف ابن عاشور- التدرج من مجرّد الإباء المنبعث عن الاستكبار إلى البهتان المنبعث عن الشعور بالمغلوبيّة...

فهو شنشنة المغلوب عديم الحجة الذي قهرته الحجة وبهره سلطان الحق...

نعم من استكبار ، إلى بهتان مبعثه الشعور بالمغلوبية... هكذا هو ديدن المستكبرين، المستعبدين للعقول...
وإن لزماننا هذا لفراعنَتَه المتعالمين أو الآسرين بالعبارات الرنانة الذين يقلبون الحق باطلا والباطل حقا لكل مَن أسلمهم عقله..

فليت شعري... لا حق ليد أن تمسك بمفاتيح عقلك ومغاليقه إلا يدك... فافتح للحق ينفذ... وأغلق دون الباطل يُمسك... ولا إله عليه إلا الله، ولا رب له إلا ربنا...الله... !
العنوان: رد: في ظلال القرآن :: 2016 ::
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2017-05-06, 10:13:38
2017/05/05

آية استوقفتني من سورة هود، وحيّرتني، ولم أجد فيما قرأت من تفاسير ما يُجلّي جانبا فيها هو الذي حيّرني :

{أَلَا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ ۚ أَلَا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ ۚ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} [هود : 5]

إنهم يطوون صدورهم، وينحنون استخفاء من الله، يظنون بفعلهم ذلك أنهم يخفون عنه سبحانه دواخل صدورهم !!

ثم يستغشون ثيابهم، يتدثرون بها، يبالغون في التستّر بها مَن يغطي شيئا، ثم يغطيه بغطاء فوق الغطاء !!

ما حيّرني واستوقفني، أنني أراهم بفعلهم هذا ضمنيا يعلمون وجوده سبحانه....
أنت إذا أردت إخفاء أمر عن أحدهم، ما حاجتك لأن تتكلف الإخفاء والتستر وهو لا يراك ؟! أما إن كنت تعلم أنه يراك فإنك تتكلف إخفاء ما تريد إخفاءه عنه...

إنهم ضمنيا يعلمون رؤية الله لهم وإن كانوا لا يرونه ... وإلا أين هو من أبصارهم ليُخفوا عنه بهذه الطريقة ...

أرى أن علّتهم ومشكلتهم أنهم لا يقدرونه حق قدره، لا يعلمون إحاطته بما يسرون وما يعلنون... لا يعلمون أنه العليم بذات الصدور المحيط بها خُبرا ...

أهي الفطرة فيهم تعمل شيئا من عملها ثم يأتي عليها جهلهم بقدر الله تعالى ليطمسها ... ! وليُغمّي عليها ؟!!
العنوان: رد: في ظلال القرآن :: 2016 ::
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2017-05-06, 10:20:32
في قوله تعالى : "وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا" -هود-
عندما نتأمل: "ليبلوكم" ... وهي اختبار الله تعالى لعباده، وأنه خلق السماوات والأرض وكان عرشه على الماء ...
لم يكن من شيء ... لم تكن السماوات والأرض، لم يكن الإنسان شيئا مذكورا .... وكان عرش الله تعالى ... وكان الله تعالى .....

ثم خلق السماوات والأرض -----> ليبلوكم، ليختبر الإنسان.

يحضرني هنا قوله تعالى : "وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون "
كما يحضرني أيضا قوله تعالى : "وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ"

سبحانه :
1- خلق الإنسان ليعبده
2- خلقه ليبتليه .
3- خلق السماوات والأرض ليبتلي الإنسان .

وفي الابتلاء بخيره وشرّه ، والصبر عليه أو شكره تظهر العبادة، تتجسد العبادة .... كيف ذلك ؟؟
إننا إذا تأملنا ما يأتي من آيات موالية لآيتنا أعلاه من سورة هود ....

1- "وَلَئِن قُلْتَ إِنَّكُم مَّبْعُوثُونَ مِن بَعْدِ الْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِنْ هَـذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ"
2- "وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِلَى أُمَّةٍ مَّعْدُودَةٍ لَّيَقُولُنَّ مَا يَحْبِسُهُ" .
3- وَلَئِنْ أَذَقْنَا الإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَؤُوسٌ كَفُورٌ
4- وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاء بَعْدَ ضَرَّاء مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ


لنتأمل .....

1- خلق السماوات والأرض وكان عرشه على الماء... أهذا أهون عليه أم بعث الإنسان من بعد الموت ؟!!! فلننظر للإنسان وهو يكفر بالبعث، وقد عرف السماوات تظلّله والأرض تحمله وكلها لم تكن شيئا، ولم يكن الإنسان شيئا ... وما كانت إلا وعرشه سبحانه على ماء، فأيها أهون عليه ؟؟
لنتأمل الجحود، وغياب العقل، والقياس، والاستدلال ....

ثم :
2- سبحانه برحمته يؤخر العذاب، ويُمهِل فيرى الإنسان هذا عجزا، فيتجرأ ويطلب العذاب ويسأله، ويتساءل ما يحبسه، وما حبسه إلا رحمة الله وإمهاله ....
لنتأمل عدم تقديره لله حق قدره، وكيف يتجرأ، وكيف يظن أن الله سبحانه نازل عند هواه، وعند ما يُملي وما يريد تشدّقا بالكلام .... !! وهو الذي كان عرشه على الماء، ولم تكن السماوات والأرض ولم يكن هو شيئا مذكورا .... !

ثم :
3- إنه إذا ما نزع الله منه رحمة ليبتليه أيصبر أم يجزع فهو يؤوس كَفور ....! وهو الذي ما خلق السماوات والأرض إلا ليبتليه ... ليختبره، فلا تدوم النعمة عنده على حالها، فإذا نُزِعت إذا هو يؤوس، كَفور .... هذا الابتلاء، فأين الصبر منه ... ؟

ثم :
4- وهذه النعماء يذيقه الله إياها بعد ضراء، فإذا هو متبطّر، فرِح، فخور، متكبر .... يغرق بالنعمة، وينسى المُنعم ....
فلننظر، ولنتذكر قوله تعالى: "نبلوكم بالشر والخير فتنة" ....
فالخير منه ابتلاء وامتحان، أيعمل الإنسان صالحا، ولا ينسى أنّ ما فيه من نعمة هي من المنعم سبحانه، أينسى إخوانَه المحاويج من حوله ؟ أيُبطِره ماله والنعماء التي يغرق فيها، أم تُذكره بالله وهو في رخاء فيشكر ...
والشر الذي يصيب الإنسانَ ابتلاء منه سبحانه ... أيصبر أم يجزع ؟؟
فلننظر ولنتأمل، فإذا الإنسان :

1- لم يكن شيئا مذكورا، ولم تكن السماوات والأرض، وقبلها كان عرشه سبحانه على الماء، ورغم ذلك هو ذا يكذب ببعث الإنسان بعد الموت وقد كان شيئا الأهون عليه سبحانه من خلق السماوات والأرض وما فيها، وخلق الإنسان من عد ولم يكن شيئا ...

2- متجرئ يسأل العذاب، ويظن الله نازل عند هواه وإملائه .
3- يتجرأ، ولكن ما أن تُنزع منه رحمة كانت عنده إلا وييأس ويكفر.
4- ما أن تصبه نعماء حتى يتبطر ويتكبر وينسى المنعِم .
فما حاله مع الابتلاء الذي ما خلق سبحانه السماوات والأرض إلا ليُلازم الإنسان .... إنه التقلب، إنه الجحود....

فمَن ذا ينجو وينجح ؟؟

الجواب في الآية الموالية :
"إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ أُوْلَـئِكَ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ(11)"

1- صبروا + 2- عملوا الصالحات .


1- صــــــــــــــبروا --------> ليبلوكم .
2- عملوا الصالحات---------> أيكم أحسن عملا.

فليس صبرا مع قعود، بل مع عمل ... ورأس العمل أن يتذكر الإنسان وهو يُبتَلى بالخير أو بالشر أنّ الله يبتليه، فيشكر عند النعماء، ولا يتبطر، ولا يستكبر، ويذكر من هم أقل حالا منه، ويُغدِق عليهم، ويستنهض همّة مكلوم مجروح، ويعطي مِن علم تعلمه، ويخلص في عمل وُضِع فيه ووووو

ويصبر عند الضراء، ويعمل ولا يركن للهمّ والحزن، بل يرجو الخير من الله دوما، ويوقن أنه امتحان، فيعمل ويتأمل، ولا تذهب نفسه حسرات، ولا ييأس ولا يقنط من رحمة الله ...

وهكذا ............ سبحانه ما خلق السماوات والأرض إلا ليبلو الإنسان بالخير والشر ...
ولن يفلح ولن ينجح إلا من صبر وعمل الصالحات ....

فكيف لا يكون "للمؤمن" الذي عرف الابتلاء بخيره وبشره، فصبر عند الشر، وشكر عند الخير حياة غير حياة غيره ؟!

كيف لا يكون عنده فهم للحياة على حقيقتها وهو يحسن قراءة الرسائل فيها...

كيف لا يكون هناك تأثير من هذا الفهم وهذا التصور في نفسه وفي حياته ؟! كيف لا يكون للإيمان من أثر على الحياة يجعلهاعند صاحبها من جنس ما وعد به الله عباده المؤمنين :

"وأن استغفروا ربكم وتوبوا إليه يمتعكم متاعا حسنا إلى أجل مسمى"
"من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينّه حياة طيبة"

هكذا "طيبة" و"بمتاع حسن" وهي ابتلاء بالخير وبالش، بكليهما...
وسبحان مَن قرآنُه بهذا التناسق والاتّساق والتسلسل، والجمال والكمال ..... :)
فانتبهوا، ولتعرفوا أنّ الآية تسوق للآية، وأن ما يبدو لكم بعدا في المعنى بين آية وآية إنما هو قِصر في نظرنا.... فإذا ما أمعنّا النظر وتأملنا عرفنا العلاقة ونعِمْنا بالاتّساق يقودنا من أمر إلى أمر حتى نصل .... :)

فاللهمّ فهِّمنا وأبلِغنا وأوصِلنا واعفُ عنا واغفر لنا تقصيرنا ...
العنوان: رد: في ظلال القرآن :: 2016 ::
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2017-05-08, 09:57:32
الحق على عِظمه ونصاعته وبيانه وقوته وحسن حاله ومآله لا يقتضي أبدا أن يتبعه الأكثرون... !

"فلا تكُ في مرية منه إنه الحق من ربك ولكن أكثر الناس لا يؤمنون " -هود-
فلا يفجعنّنا كثرة المتراجعين، أو المشككين، أو الملحدين، أو المكذبين ...
العنوان: رد: في ظلال القرآن :: 2016 ::
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2017-05-08, 09:58:11

قوم نوح لما دعاهم نوح أجابوه أنّهم ما يرون أتباعه إلا الأراذل منهم بادِيَ الرأي...
" فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلَّا بَشَرًا مِّثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَىٰ لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ -هود-

أي أنهم يرونهم اتبعوه دون بحث ولا تعقل، ولا تمحيص، هكذا بالأخذ بالظاهر  emo (30): !!

عجبا !!!  : emo (30):

عجبا لأهل الباطل وأهل الخرافة والكفر والمظاهر والسطحيّات وهم يَصِمون أهل الحق والنظر والتعقل بهذا !!
ولا أدَلَّ على سطحيتهم من تكبّرهم على أتباع نوح لأنهم "الأراذل" وارتباط الحق عندهم ب"الأكابر" ... !

ولكن لا تعجب بعد معرفتك لقولهم ممّن يقوم اليوم فيقدح في أهل الحق والبحث والتعقل فيصفهم بالمتبعين "بادي الرأي" يصِمهم بقلة النظر والبحث والتعقل... !
فمن قلة التعقل وقلة النظر يُرى "العمق" سطحا .. !
العنوان: رد: في ظلال القرآن :: 2016 ::
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2017-05-10, 09:00:26
أي جدال هو جدال نوح عليه السلام لقومه !!

وهو كما في الآيات من 28 إلى 31
{قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَآتَانِي رَحْمَةً مِّنْ عِندِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنتُمْ لَهَا كَارِهُونَ (28) وَيَا قَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالًا ۖ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ ۚ وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا ۚ إِنَّهُم مُّلَاقُو رَبِّهِمْ وَلَٰكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ (29) وَيَا قَوْمِ مَن يَنصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إِن طَرَدتُّهُمْ ۚ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (30) وَلَا أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ وَلَا أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ لَن يُؤْتِيَهُمُ اللَّهُ خَيْرًا ۖ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا فِي أَنفُسِهِمْ ۖ إِنِّي إِذًا لَّمِنَ الظَّالِمِينَ (31)} [هود : 28-31]

يقول بالآتي :

** أنه على بينة من ربه.
** آتاه رحمة من عنده ببعثه نذيرا لهم لينقذهم من العذاب.
** فإن عميت عليهم الرحمة ... واللفظ لو نتأمله مقابل لتكرارهم : "ما نراك"

"عميَتْ" توحي بأنهم لم يروا شيئا من الحق الذي أريد لهم أن يروه... لقد حالت أهواؤهم وحال كِبرهم دون أن يروا الحق، إذ عميت عليهم الرحمة ...
وفي قول نوح عليه السلام ما فيه من التلويح لهم أن يزيحوا أهواءهم الحاجبة، وكِبرهم الحائل دون الرؤية، وقد استعمل لذلك قوله : " أرأيتم" ... رغم أن الرحمة عميت عليهم، وما عميت إلا من الحواجب...

ثم هذا نوح عليه السلام يعلم نزوع قومه إلى الماديات حتى حقّروا أتباعه، فهو :
** يبين غِناه عن مالهم.
** لن يطرد أتباعه ويحقرهم نزولا عند رغبتهم، واتباعا لنظرتهم المادية السطحية.
** مواجهتهم بوصفه لهم بالجهل وهم هذه نظرتهم وهذه سطحيتهم .
** يبين لهم أن الله يغضب لأوليائه المتقين الصالحين وأنه لن ينصره منه سبحانه أحد وهو يسايرهم فيما يريدون ...

تأملوا قوته وثباته على ما عنده، وعدم تزعزعه وهم يسألونه غير ما أرسِل به...
مازال نوح يجادلهم ... مازال يستبق ما يريدون سؤاله إياه ...

تريدون الخوارق لتؤمنوا ؟
تريدون الكنوز ؟
تدّعون انكم لن تؤمنوا لبشر، ولو أنه كان ملكا لآمنتم ؟
تريدون أن يُزدرَى الفقراء، وتكون لكم الأولوية في الظهور ؟

فهذا نوح عليه السلام يستبق كل هذا منهم :

** لا أقول لكم عندي خزائن الله.
** لا أعلم الغيب.
** لا أقول إني ملك.
** لن أزدري الضعفاء وأقلل من قيمتهم.

تأملوا قوته وثباته وصبره...

تأملوا ثقته بما عنده، لا يضيق صدره بما أرسل به وليس فيه مطالبهم، ولا يلبيها ...

سيثبت عليه لقرون، وهم يخرصون، ويسألون، ويتمطّون، ويكذبون... سيثبت على ما جاء به كما أراده الله لا كما يريدونه لقرون.. !!!

هكذا هو الوحي، شئتم أم أبيتم، قولوا أنه العجز عن الإتيان بمسائلكم... تراجعوا ومطالبكم لا تُلَبّى ولا تأتيكم المعجزات لتؤمنوا، ولتزدادوا تعنتا وعتيا وأنتم تحكمون على الوحي بالنقص والعجز وهو لا يأتيكم بمرادكم ولا يحقق مطالبكم...

ليكن ما يكُن منكم، لن يرضيكم النبي على حساب الوحي...
وعلى هذا يعود بنا الحال إلى آية سابقة لكل هذه الآيات... وفيها تثبيت الله لنبيه صلى الله عليه وسلم :
" فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَىٰ إِلَيْكَ وَضَائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَن يَقُولُوا لَوْلَا أُنزِلَ عَلَيْهِ كَنزٌ أَوْ جَاءَ مَعَهُ مَلَكٌ ۚ إِنَّمَا أَنتَ نَذِيرٌ ۚ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ -هود : 12-

هكذا كان نوح عليه السلام في جداله لقومه مدرسة لرسول الله صلى الله عليه وسلم يتعلم منها لقومه ...
وهي المدرسة لكل صاحب دعوة حق إزاء دعاوى الباطل.. لا يُبدَّل القول لإرضاء المدعوّين، ولا تُختلق الخوارق ولا يُزَجّ بها زجا بدعوى التقوية والتأييد لاسترضاء أصحاب الأهواء على اختلاف صيحاتهم.. ففي دعوة الحق ما يكفيها من ظهورها بذاتها

فأي قوة وأي ثبات وأي ثقة وأي جدال بالحكمة والحق هو لسيدنا نوح عليه السلام .. !!
العنوان: رد: في ظلال القرآن :: 2016 ::
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2017-05-14, 09:38:20
2017/05/10

سيدنا لوط عليه السلام، كلما قرأت آياتِ قصته مع قومه، استشعرت ثقل ما كان يحمل من ألم وشدة وضيق وقومُه أخبث أهل الأرض، بل ما سبقهم بفاحشتهم أحد من العالمين ... !!

ويبلغ السيلُ الزُّبَى ونحن نعرف أنهم يهرعون إلى لوط عليه السلام ذاته وعنده ضيوفه من الملائكة... !!

وهو إذ يعلم خسّتَهم يضيق ذرعا بضيوفه ويقول :
"هذا يوم عصيب" ...لم يكن يدري أنه يوم "الفرج".. !

يهرعون إلى مَنْ دَيْدنه بينهم نَهْيُهم عما يفعلون... !!
يهرعون إليه بقولهم : " وإنك لتعلم ما نريد " ... !

بكل وقاحة وخسة وخبث وعمى ... !!

حتى قال سيّدنا لوط : " لو أنّ لي بِكُم قوة أو آوي إلى ركن شديد " .

قالها قبل أن يسمع من ضيوفه أنهم رسل الله إليه بموعد العذاب...

فلكأني بالله عزّ وجلّ بعث إليه بالملائكة "رجالا" حتى يعايِن مدى ما يستحق قومُه العذاب ! وحتى لا يبقى في نفسه من مجال لتمنّي الرحمة بهم...

في اليوم ذاته التقت أمنيته بأمر الله... 
فهو يوم أمر الله، وهو يوم تمنّيه أن تكون له قوة أو ركن شديد.. لم يكن يدري أن القوة بين يديه قد غدت، وأنه قريبا آوٍ إلى الركن الأشد...

ليست إلا ساعات فارقات ستجعله على موعد مع الصبح ... أليس الصبح بقريب ؟
العنوان: رد: في ظلال القرآن :: 2016 ::
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2017-05-14, 09:38:58
2017/05/11


أما قوم صالح عليه السلام فقد قالوا لصالح :

" يَا صَالِحُ قَدْ كُنتَ فِينَا مَرْجُوًّا قَبْلَ هَٰذَا ۖ أَتَنْهَانَا أَن نَّعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا وَإِنَّنَا لَفِي شَكٍّ مِّمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ" -هود : 62-

كنتَ فينا مرجوّا، ذا رأي وحكمة وتدبير.. نقصدك عند الملمّات. ونستشيرك ... كل هذا كان فيك قبل أن تدعونا لترك آلهتنا ولأن نعبد إلهك الواحد .. !

يالِلأسف ويالِلحسرة على "صالح" قبل "هذا"... ويالخسار " صالح"   بعد "هذا" .... !!

هكذا هم الناس ما أن تحدثهم بما يخالف أهواءهم حتى يستجمعوا دموعهم وحسىراتِهم وأسفهم عليكَ ليبادروك بأنك قد تبدّلتَ من حسن إلى سيئ ... ويا حسرَتَى عليك ويا أسَفَى ..!!

أما صالح. فقد عرف ذلك فيهم، ولم يغرّه مدحهم لصالح قبل "هذا" .. فهو لا يبحث عن استرضائهم والرضوخ لأهوائهم ...

فقال : "فمن ينصرني من الله إن عصيته فما تزيدونني غير تخسير"...
العنوان: رد: في ظلال القرآن :: 2016 ::
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2017-05-14, 09:39:50
2017/05/13
سيدنا لوط عليه السلام، كلما قرأت آياتِ قصته مع قومه، استشعرت ثقل ما كان يحمل من ألم وشدة وضيق وقومُه أخبث أهل الأرض، بل ما سبقهم بفاحشتهم أحد من العالمين ... !!

ويبلغ السيلُ الزُّبَى ونحن نعرف أنهم يهرعون إلى لوط عليه السلام ذاته وعنده ضيوفه من الملائكة... !!

وهو إذ يعلم خسّتَهم يضيق ذرعا بضيوفه ويقول :
"هذا يوم عصيب" ...

لم يكن يدري أنه يوم "الفرج".. !

يهرعون إلى مَنْ دَيْدنه بينهم نَهْيُهم عما يفعلون... !!
يهرعون إليه بقولهم : " وإنك لتعلم ما نريد " ... !

بكل وقاحة وخسة وخبث وعمى ... !!

حتى قال سيّدنا لوط : " لو أنّ لي بِكُم قوة أو آوي إلى ركن شديد " .

قالها قبل أن يسمع من ضيوفه أنهم رسل الله إليه بموعد العذاب...

فلكأني بالله عزّ وجلّ بعث إليه بالملائكة "رجالا" يريد بهم قومُه الفاحشة عنده وهو النبي الذي ما ينفكّ ناهيا منذرا حتى يعايِن مدى ما يستحق قومُه العذاب ! وحتى لا يبقى في نفسه من مجال لتمنّي الرحمة بهم...

في اليوم ذاته التقت أمنيته بأمر الله... 
فهو يوم أمر الله، وهو يوم تمنّيه أن تكون له قوة أو أن يأوي إلى  ركن شديد.. لم يكن يدري أن القوة بين يديه قد غدت، وأنه قريبا آوٍ إلى الركن الأشد...

ليست إلا ساعات فارقات ستجعله على موعد مع الصبح ... أليس الصبح بقريب ؟
العنوان: رد: في ظلال القرآن :: 2016 ::
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2017-05-16, 17:08:09
شعيب عليه السلام دعا قومه لعبادة الله وحده، وألا ينقصوا المكيال والميزان، وأن يوفوهما ولا يبخسوا الناس أشياءهم وألا يعثوا في الأرض مفسدين ...

فماذا كان رد قومه عليه ؟

لقد قالوا :

 "يَا شُعَيْبُ أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَن نَّتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَن نَّفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ ۖ إِنَّكَ لَأَنتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ" -هود-

تأملوا ....

"أصلاتك تأمرك" ...

نعم ... ولكأن الذين لا يفقهون يفقهون... !

صلاته تأمره... تأمره تماما كما هي الناهية : "إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر"

صلاته تأمره أن يدعوهم لترك ما كان يعبد آباؤهم، ولترك نقصهم المكيال والميزان...

وهكذا هي الصلاة عماد الدين مع كل الرسل، ففقهوا -وإن كانوا لا يفقهون- أن صلاته قد أمرته بما دعاهم إليه من معروف وبرّ وخير تماما كما هي تنهى عن الفحشاء والمنكر.

وهكذا هو حال مَن "لا يؤمن" بالأمر أو الحكم وهو الحق، يواجه به خصيمه، ويقوله له متهكّما ساخرا مستهزئا ... ويوغلون مستهزئين مُردفين بقولهم : "إنك لأنت الحليم الرشيد"

ومِن هذا النسق في القول بالحق على سبيل التهكُّم قول الله جلّ في عُلاه مستهزئا بأهل النار : " وإن يستغيثوا يُغاثوا بماء كالمُهل " .

وقوله تعالى : " بشر المنافقين بأن لهم عذابا أليما".
العنوان: رد: في ظلال القرآن :: 2016 ::
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2017-05-17, 09:56:59
أدهشتني كلمات شعيب عليه السلام القليلة ...
حتى مكثت مع آية واحدة ما شاء الله لي أن أمكث !! :)

ولا أدري إن كنت استوفيتُ حاجتي أم لم أستوفِ ... !!

لقد دعاهم إلى :

1- إفراد الله بالعبادة .
2- عدم الإنقاص في المكيال والميزان .
3- إلى أن يوفوا الكيل والميزان.
4- ألا يبخسوا الناس أشياءهم .
5- ألا يعثوا في الأرض مفسدين .

فكان جواب قومه استهزاؤهم بصلاته، وكيف انها تأمره أن يدعوهم  لترك ما يعبد آباؤهم أو أن يفعلوا بأموالهم ما هم فاعلون...

فكان ردّ شعيب عليه السلام الذي استوقفني في هذه الآية طويلا .... !

" قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا ۚ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَىٰ مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ ۚ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ ۚ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ ۚ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ" -هود : 88-

لنتأمل :

&&   لقد عرفوا منه فعلا "مُخالفا"  لأفعالهم وهو صلاته.
&&   هذا الفعل "المُخالف" منه نتج عنه دعوتهم لما يخالف ما تعوّدوه (أن يعبدوا الله الواحد بدل أصنامهم )
&&  هذا الفعل "المخالف" منه نتج عنه دعوتهم لما يخالف ما تعودوه (أن يوفوا الكيل والميزان ولا ينقصوهما).

إذن فشعيب عليه السلام "يخالفهم" ...

فلنتأمل جوابه لهم :
"قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا ۚ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَىٰ مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ ۚ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ ۚ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ ۚ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ" -هود : 88-

إن مُنطلَقَه عليه السلام لم يكن أنه "مخالفٌ" لهم من وجه ما يفعلون، وإنما كان جوابه أنه لا يريد أن يخالفهم إلى ما ينهاهم عنه ... :)

ولكأني به يريد بهذا أن يؤكد على أن ما جاء به هو الأصل وهو الحق الذي ينطلق منه ليقارن أو ليضعهم في الصورة من حاله إزاء هذا الحق، وحالهم إزاءه أيضا ...

 && لا أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه = لا أريد أن أكون على ما أنتم عليه .
&&  لا أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه = أريد أن "أخالفكم" فيما أنتم عليه .

&&  لا أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه = لا أريد أن أنهاكم عن شيء وأفعله أنا.

وعلى هذا :

1- إني أولكم اهتداء وعبادة لله ---> بقرينة :"على بينة من ربي".

2- إني أولكم استمساكا بالرزق الحسن وبعدا عن إخباثه ----> بقرينة : "ورزقني منه رزقا حسنا"

** وعلى ضوء هذه البينة الربانية فهذا ليس رأيا أراه ولا هوى يلفّ جوانبَ نفسي، ولكنه الحق بُعِثت به...

** ومادام الحق والأصل فهو الذي أريد أن تعودوا إليه.

** ولم أجئ لأدعوكم للأصل وأخالفكم بعدُ فيه.

** بل لقد جئتُ على هدى من ربي جعلني "صالحا"

** ولا أريد أن أستأثر بالصلاح لنفسي، بل لأعدّيه، فأصلح .. أريد "الإصلاح".

وهكذا لم يعلن مخالفته لهم وهو المخالف لما هم عليه، بل أعلن عدم مخالفته لهم في الحق الذي يريد أن يعودوا ويثوبوا إليه. في إعلاء منه للحق وللرسالة التي جاء بها وجعلها الحالة الجامعة بينه وبينهم قبل التطرق إلى ما يفرق بينه وبينهم، وفي بيان لباطل ما هم عليه بإعلانه دور الإصلاح فيهم ...

فهو الخطاب الإصلاحي المقرّب بين الداعي والمدعوين حتى بالألفاظ، المُظهر للحق، المبطل للباطل ... المرجع للفضل لله ابتداء بالبينة، وتوسطا بالعمل مع التوكل وتوفيق الله، وانتهاء بالإنابة له سبحانه.

فلله درّ شعيب عليه السلام ... لله درّه ... !!!
العنوان: رد: في ظلال القرآن :: 2016 ::
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2018-01-13, 10:47:54
كتبتها العام الماضي :
*"*"*"*"*"*"*"*"*"*"*"*"*"*"*"*

في قوله تعالى :{ثُمَّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِم مُّوسَىٰ وَهَارُونَ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ بِآيَاتِنَا فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُّجْرِمِينَ (75) فَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِندِنَا قَالُوا إِنَّ هَٰذَا لَسِحْرٌ مُّبِينٌ (76)} [يونس : 75-76]

لقد استكبروا أولا...
فرعون وهو ملك مصر، وملؤه وهم حاشيته المقرّبة من ذوي الجاه والمكانة...
فرعون هو الذي استخفّ قومه، واسترهب فكرهم حتى كان يحثهم على الاستدلال على ملكه بالأنهار تجري من تحته، وهو يستنكر عليهم بقوله : "أفلا تبصرون" ...!

استكبر لما جاءه موسى وهارون بآيات الله حتى ادّعى الربوبية بقوله: "أنا ربكم الأعلى"...

واستكبر حتى ادّعى الألوهية فقال : " ما علمت لكم من إله غيري"...

أما عندما جاءهم الحق من عند الله، بالبينات الساطعة المفحمة، وعندما عرفوا أنه الحق، ولم يبقَ لأهل اللجاج وقد أفحمهم الحجاج، وزهق الباطل اللجْلج بالحق الأبلج...

لم يجد أهل الاستكبار إلا أن يقولوا : "إن هذا لسحر مبين"...

والسحر أخيلة تصوّر الباطل حقا...
هكذا ألقوا بصفة السحر على الحق ينفذ للعقول من منافذها، ويملك القلوب من عروشها...

وهكذا حال من استرهب العقول والأفهام، واستبدّ بمفاتيحها وبمغاليقها، يفتح منها لنفسه ويغلق منها لما عداه ... فيقلب في تصوّرهم الحق باطلا، فيرونه كذلك... ويقلب الباطل حقا، فيرونه كذلك... إي وربي، فإن المفاتيح والمغاليق بيد السجّان لا بيد السجين...!!

عندما تُغتصب العقول، فتفقد حريتها، تصبح كالعبد بيد سيّده لا حركة إلا لما يحب، ولا سكنة إلا لما يبغض...

يصبح كاللعبة بيد صاحبها، مِطواعة ليده، إن شاء التهى بها، وإن شاء خبأها، وإن شاء أظهرها، وإن شاء مزّقها إربا إذا تملكته السآمة منها والملالة...

والمستكبر إذا أُفحِم باطله بحق... صار دَيْدَنه -كما وصف ابن عاشور- التدرج من مجرّد الإباء المنبعث عن الاستكبار إلى البهتان المنبعث عن الشعور بالمغلوبيّة...

فهو شنشنة المغلوب عديم الحجة الذي قهرته الحجة وبهره سلطان الحق...

نعم من استكبار ، إلى بهتان مبعثه الشعور بالمغلوبية... هكذا هو ديدن المستكبرين، المستعبدين للعقول...

وإن لزماننا هذا لفراعنَتَه المتعالمين أو الآسرين بالعبارات الرنانة الذين يقلبون الحق باطلا والباطل حقا لكل مَن أسلمهم عقله..

فليت شعري... لا حق ليد أن تمسك بمفاتيح عقلك ومغاليقه إلا يدك... فافتح للحق ينفذ... وأغلق دون الباطل يُمسك... ولا إله عليه إلا الله، ولا رب له إلا ربنا...الله...
العنوان: رد: في ظلال القرآن :: 2016 ::
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2018-01-13, 10:49:24
فليتخبطوا، فليتحذلقوا بطلبهم المعجزات العينية والحسيّة ليؤمنوا ... فليجعلوا عدم وجود ذلك حائلا دون إيمانهم ...
وإن الحركة البشرية على الأرض على اختلاف أحوالها لتعيد نفسَها... فهاهُم كفار اليوم "الملحدون" يعيدون سيرة الغابرين ...

يقول تعالى :

"وَإِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَن تَبْتَغِيَ نَفَقًا فِي الْأَرْضِ أَوْ سُلَّمًا فِي السَّمَاءِ فَتَأْتِيَهُم بِآيَةٍ ۚ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَىٰ ۚ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ (35) ۞ إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ ۘ وَالْمَوْتَىٰ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ (36) وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ ۚ قُلْ إِنَّ اللَّهَ قَادِرٌ عَلَىٰ أَن يُنَزِّلَ آيَةً وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (37)" -الأنعام -

*** لو شاء سبحانه لجمعهم على الهدى، فما بَخْعك نفسك وقتلها غمّا بجامعهم على الهدى إلا أن يشاء الله.

*** كما أن بعث الموتى بيده وحده سبحانه، كذلك الهدى بيده وحده سبحانه..

*** ها هم يسألون الآية تلو الآية، يريدون ما تتملّاه العين، وتتحسسه الجوارح ... فليسألوا، لن يسترضيهم الله بتلبية ما يطلبون وما يُملون وما يهوون وهو القادر سبحانه على إنزال الآيات، ولكنهم يجهلون حكمته من عدم نزوله عند مطالبهم ....

ولو أعملوا عقولهم لعرفوا الحكمة ... لعرفوا أن الحكمة من هذه الرسالة الخاتمة "أن يعقلوا" ...

كما أن من لن يهتدي لن تنفعه الخوارق ليهتدي، وكل ما يحيط به آية، فالأدلة لا تنقصهم...

كما أنه يعلم أنه قد أنزل آيات وما آمن بها مَن قبلهم، فليست الآيات بدافعتهم للإيمان وهو سبحانه القائل : "وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون"

كما أنه سبحانه لم يرد أن يكون مصيرهم كمصير مَن قبلهم، نزل بهم العذاب إذ لم يؤمنوا بالآيات، وقد وعد صفيّه صلى الله عليه وسلم بقوله :"وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم"

فكانت معجزة القرآن أداة محركة للعقل في الإنسان ... ليعقل فتكون رأس ثمرات تعقله معرفته ربه، وصوله لربه ... لم يرد الله بهذه المرحلة في الإنسانية معجزات يُعاينها جزء من البشر ولا يعاينها آخرون، بل جعل القرآن المعجزة الخالدة بين يدي "عقول" البشر على مدى الأزمنة منذ نزوله إلى آخر الزمان...

وتلك ميزة الرسالة الخاتمة والمعجزة الخاتمة الحجة العقلية .... فمن شاء استخدم عقله فوصل، ومن أبى لم يصل ... وإن ادعى أصحاب كثير من عقول اليوم -كما ادعى من سبقهم- أنهم باستخدامهم العقل عرفوا أن "لا إله" .. !

وأسباب تخرّصاتهم عديدة، وجلّها إعادة لسيرة الغابرين ...

فإما تنصّل من تبعات عبادة إله محاسبٍ للانغماس في الأهواء والشهوات دونما تحسّب لحسيب أو رقيب...

وإما هوى حاكم يُلبَس لباس العقل فتُسخّر له الالتواءات...

وإما عبادة للسبب تُلغي النظر في المسبب ..
وإما خبط وخلط باتباع أعمى...

وإما انبهار بأهل الشَّأوِ والشوكة الحضارية تُدخل صاحبها دائرة الانسلاخ من كل "تعقل" إلا من قولهم وفعلهم حقا كان أو باطلا فلا يعود يرى إلا ما يرون ...

وغيرها ....

وسورة الأنعام وما أدراك ما سورة الأنعام !
سورة الحجة بالعقل مع تنوع أساليب الحجة فيها ...

هدانا الله للحق وثبتنا عليه.
العنوان: رد: في ظلال القرآن :: 2016 ::
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2018-01-13, 10:49:55
في سورة الأعراف إذا تأملنا قول ملأ فرعون عن الأرض، مع ردّ فرعون :

"أَتَذَرُ مُوسَىٰ وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ ۚ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ "

وقول موسى لقومه عن الأرض :

"اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا ۖ إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ ۖ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ "

وذلك الفرق بين تفكير من يفقه أنه المستخلَف من ربه في ملكه وتفكير من يتأله فيرى الأرض ملكَه ...
العنوان: رد: في ظلال القرآن :: 2016 ::
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2018-01-13, 10:50:56
{ وَإِذِ ابْتَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ ۖ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا ۖ قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي ۖ قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ} [البقرة : 124]

رغب بالإمامة لذريته، فأجابه العليم الخبير أن الظالمين منهم لن ينالوها، تنبيها إلى أن كونَهم ذريته ليس بالدافع الأول..

وهذا إبراهيم عليه السلام، سريعا ما يتعلم من ربه، فيدعو هنا دون أن يخصّص ذريته بالعهد والرسالة:

{رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ ۚ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [البقرة : 129]

فإذا الرسول نعم منهم....وأيضا من ذريته... !
إذ أنّ كَونهم ذريّته ليس بالحائل أصلا ...
العنوان: رد: في ظلال القرآن :: 2016 ::
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2018-01-13, 10:51:46
وأنت تقرأ "آل عمران" هل تراءتْ لك ملامح "التثبيت" ؟

هل تُراك تأملتَ أولها إذ يحذرنا الله تعالى من الشهوة التي تأخذ للشبهة ؟

تلك الشهوة التي إذا فاقت حدود الطبيعي انقلبت "انبهارا" بما عند الآخر، بتَرَف الآخر، برغد عيش الآخر، وما بلغه من أسباب العلوّ في الأرض، حتى يغزو الانبهار النفس، فيأخذ صاحبه للشبهة التي تؤدي في حالات كثيرة إلى التشكيك في دينه وهو يرى الأمة لا تعرف ذلك الرّفاه والترف بل تعيش مرحلة من الضعف شديدة ... !

تأمل كيف تحذّر آل عمران من هذا السبيل...

تأمل كيف نزل فيها "العلم" بالحقائق التي علم الخبير العليم سبحانه أن أصحابها الذين حوّروها وحرفوها سيأخذون بها المؤمنين، فزوّد المؤمنين بها في آل عمران...

حقيقة عيسى عليه السلام، حقيقة مريم، حقيقة إبراهيم عليه السلام...

حقيقة دعوة الأنبياء، ووحدتها... بيان باطل ما عند أهل الكتاب، وأن الحق في كتاب المؤمنين...

بيان أن الرسالة أصبحت على عاتق أمة محمد صلى الله عليه وسلم وهو سبحانه يذل من يشاء ويعز من يشاء... في إشارة إلى أن رسالة الإصلاح في الأرض قد غدت على عاتق أمة محمد، من بعد ما فشل أهل الكتاب في أدائها ...من بعد ما حرفوا الحق الذي أنزل على أنبيائهم، وعصوا، واعتدوا، وعتوا...

"العلم" الذي يجب أن يتزود به المؤمن حتى لا يزيغ، وحتى لا يتلاعب به أهل الكتاب بأكاذيبهم وتحريفاتهم...ليثبت...

ملامح التثبيت في "آل عمران" بدتْ لي واضحة جليّة ... حتى سمّيتُها "سورة التثبيت" ...

ومدرسة أُحُد، وهي تشغل قسما كبيرا من السورة ...
هل تساءلتَ عن علاقة ورودها بتفاصيلها، من بعد بيان حقائق عيسى وإبراهيم عليهما السلام، وبيان باطل مساعي أهل الكتاب، وطرقهم لتحقيق هدفهم من ردّ المؤمنين عن دينهم ... ؟

هل تساءلتَ ؟

ثم هل تساءلتَ عن الرابط بين الغزوة مع بداياتها يتخللها النهي عن الربا، وأكله، والحث على كظم الغيظ والعفو، والإنفاق، في فاصل يبدو لمن لا يتساءل عن الروابط فاصلا  emo (30): ثم تعود بعدها تفاصيل الغزوة...

هل تساءلتَ عن الرابط بينها، وبين هدف السورة "التثبيت" ؟ ...  emo (30):

وهذا غيض من فيض ...

على هذه الشاكلة فلتكن قراءتنا للقرآن ...

وإنه لعظيم عظيم عظيم ... لو أننا نحسن القراءة ...
العنوان: رد: في ظلال القرآن :: 2016 ::
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2018-01-13, 10:53:46
من تدبراتي العام الماضي، يوافق بلوغي اليوم سورة النساء (رمضان 2017) :

*"*"*"*"*"*"*"*"*"*"*"*"*"*"*"*"*"*"*"*"*"*""*"*"*

إنك إذا قرأت سورة النساء وأنت تلمس ترابط آياتها لا تكاد تتذكر أنك انتقلت من الحديث عن النساء واليتامى إلى الحديث عن أحكام القتال !!

بل إنك لتراها تلك اللحمة الواحدة، بل إنك لترى ضرورة أن تصير إلى ما يصير إليه موضوع الآيات بعد عدد من الصفحات ولا ترى انقطاعا أو انفصالا أو افتراقا واختلافا... لن تشعر بانفصال المعاني كما كنت تشعر في قراءاتك السابقة لها....

نعم هي سورة النساء لا بد أن يكون فيها الحديث عن الجهاد في سبيل الله وعن المنافقين وعن دورهم في تثبيط المؤمنين !! بل ونعم في سورة النساء بالذات يجب أن تعرف عن مقومات الحكم الإسلامي وعن صفات الحاكم المسلم... نعم في سورة النساء بالذات...!!!

في سورة النساء بالذات تستشعر الضعف البشري ورحمة الله بالضعف البشري، وإرادته سبحانه التخفيف على البشر... فيها بالذات...

نعم في سورة النساء بالذات تعرف ما يصنع الترابط المجتمعي، وتعرف ما يصنع الحاكم العادل...! في سورة النساء وانطلاقا من النساء وبدءا منهن يشاع العدل في أرجاء الأمة ...

دقق .... تأمل... تدبر، ستجدها تعلم الرجل كيف يعطي حق المرأة، ثم ستجدها تتوجه لها لتوفي زوجها حقه، ثم ستتوجه له من جديد ليوقرها ويعرف قدرها، ثم ستتوجه لها لتعرفها عظيم حاجة المجتمع والأمة لعفتها، ثم سيتعلم الرجل في مدرسة "النساء" دستورا كاملا لمعاملة المرأة وللحفاظ على كيان الأسرة بقوامة مستحقة من بعد ما أقر كل جنس بخصوصياته، والتزم كل جنس بدوره الذي خلق له ولم يرَ في التعدي إلى تمني خصوصيات الجنس الآخر حرية...

ثم سينتقل الحديث إلى المجتمع من خلال صلة أفراده بالله، يستمدون منها ما يشيعون من خير في مجتمعهم، يستمدون من العدل الإلهي الذي لا يظلم مثقال ذرة العدل على الأرض... ثم سينتقل بك الحديث إلى الحاكم المسلم، والحكم الإسلامي العادل.... لتجد نفسك أمام فريضة الجهاد، وأحكام القتال...

تلك شذرات من خيرات سورة النساء العظيمة...فهلا جربت قراءتها قراءة اللحمة الواحدة ؟ !!
العنوان: رد: في ظلال القرآن :: 2016 ::
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2018-01-13, 11:19:06
اليوم مع سورة المائدة ...
في قوله تعالى : " {لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ ۖ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ (28) إِنِّي أُرِيدُ أَن تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ ۚ وَذَٰلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ (29)}

ربما من الوهلة الأولى يبدو موقف هابيل غريبا ونحن لا نراه يقابل دناءة أخيه بما يوافقها من دفع حتى وإن أودى على يديه، فإنما هابيل في موقف المدافع عن نفسه وقد أريد به غاية السوء، ولم يكن الأظلم إذ لم يكن البادئ...

اليوم تأملتها كما لم أتأملها من قبل - وإن كان هذا ديدن القرآن يغدق بالجديد في كل مرة  emo (30): -

"إني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك فتكون من أصحاب النار"

من ناحية كان انتقامه من أخيه المقبل عليه قاتلا، أكبر وهو يكِلُهُ ليوم الفصل والحساب، يوم العذاب المقيم ...

ولكن الجديد هو استحضاري لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الصحيح الذي جاء فيه أن المسلمَيْن إذا التقيا بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار، ذلك أن المقتول أيضا كان حريصا على قتل صاحبه...

وإننا نرى هابيل يفقه هذا، ويجسده في قوله : " ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك" ... وهو يريد أن يبوء أخوه بالإثمَيْن ... فينجو هو من النار ويقع أخوه فيها بالإثمَيْن لا بالإثم الواحد ...

لكأني بالحديث يستقرئ حادثة الأخوين الأولين على الأرض، والمسلمان المتقاتلان إنما هما الأخوان المتقاتلان ...

أو لكأني بهابيل يفقه الحديث لولا أنه الأسبق زمانا ..
العنوان: رد: في ظلال القرآن :: 2016 ::
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2018-01-13, 11:19:39
أواخر آيات سورة المائدة، ذلك المشهد من يوم القيامة الذي يضعنا الله في قلبه، مُتمَثّلا...

ذلك الحوار بينه سبحانه وبين عيسى عليه السلام ... يضعه الله بين أيدينا، نسمع حديث ذلك المشهد، ونعلم من أخباره...
وإنا له لمجموعون... وإنا فيه لحاضرون... وإنّا لحديثه لسامعون...

"إذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَىٰ وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدتُّكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا ۖ وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنجِيلَ ۖ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي ۖ وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي ۖ وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَىٰ بِإِذْنِي ۖ وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنكَ إِذْ جِئْتَهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هَٰذَا إِلَّا سِحْرٌ مُّبِينٌ" [المائدة : 110]

وكأنما الحدث قد كان وانتهى، بصيغة الماضي تأكيدا لحصوله ...

مع سؤاله تعالى عيسى عليه السلام:

{يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَٰهَيْنِ مِن دُونِ اللَّهِ ۖ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ ۚ إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ ۚ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ ۚ إِنَّكَ أَنتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (116) مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ ۚ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَّا دُمْتُ فِيهِمْ ۖ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ ۚ وَأَنتَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (117) إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ ۖ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (118)} [المائدة : 116-118]

إنها الآيات التي كلما قرأتها وكأنها الجديدة...

لا تبلى عندي، ولا يبهت لونها، ولا ينقضي سحرها، ولا ينقص جمالها...
آيات خاصة جدا... لن أخوض في جمالها، فذلك حديث آخر بلون آخر...

ولكنني تمثلتُ سيدنا عيسى عليه السلام ورب العزة يذكّره بنعمه عليه على الملأ في ذلك اليوم العظيم...

على مرأى ومسمع من كل مفترٍ، كذاب تأول في عيسى عليه السلام فدعاه لله ولدا...

على مرأى ومسمع من كل من ألّهه، وألّه أمه، وافترى عليه كذبا، أنه الذي دعاهم لاتخاذه إله ... يذكّره بنعمه عليه على الملأ...

تخلق "بإذني"، تنفخ فتكون طيرا "بإذني"، تبرئ الأكمه والأبرص " بإذني"، تخرج الموتى "بإذني" ...

كل هذا، وعيسى عليه السلام يسمع، والناس قائمون لرب العالمين، بين يديه يسمعون ...

وتلك الطائفة العظيمة من الناس عبر الأجيال والعصور، وكلها قد تنادت بألوهية عيسى، وبأن الله ثالث ثلاثة وبأن عيسى وأمه إلهان ...

أتمثل ذلك المشهد العظيم ...!!

ويُسأل عيسى من رب العزة، فيجيب...
إجابة عظيمة، دقيقة، مؤدبة في حضرة العلي العظيم...
صادقة ليس عند صاحبها ذرة توجس وريبة، وهو البريئ من كل ادعاءات المفترين ...

رُفع عيسى عليه السلام، ولم يدرِ ما سيفعل مَن بعده من تحريف وتأويل وتأليه وغلو في الدين...
وتعج الأرض بهم وبدعوتهم وبنسبهم كل تلك الافتراءات لعيسى عليه السلام وأنه الذي دعاهم أن يتخذوه إله ...

ويُبرّؤ عيسى على الأشهاد ... !

فأتذكر ....

أتذكر حَدَّيْن من حياته عليه السلام...
عيسى في المهد، وعيسى المبعوث يوم القيامة والمسؤول على الأشهاد ...

وفي كليهما عيسى يُبرّأ من افتراءاتهم، عيسى في المهد وقد أنطقه الله تعالى بالحق :

"قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا (30) وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا (31) وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا (32) وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا (33) "

وعيسى يوم البعث وقد استنطقه الله تعالى ليعيد الحق ذاته :

"مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ " .

وهذا عيسى عليه السلام ... والسلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يُبعث حيا ...

وكيف لا، ورب العزة يجيبه وقد سأله فأجابه مبعوثا : "هَٰذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ ۚ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ۚ رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ۚ ذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ"

وتلك عاقبة كل من اتخذه إلها، وافترى عليه أنه الذي دعاهم لاتخاذه إلها.... مجموعون ليوم عظيم، ولمشهد عظيم تشخص فيه أبصارهم، وتُشنّف فيه آذانهم لسماعه وربه يحاوره... وقد كانوا يدينون بالباطل دينا ...

فعليك السلام يامن أُنطِق بالحق وليدا، واستُنطِق بالحق مبعوثا ... يا مَن السلام عليك يوم ولدتَ ويوم تموت ويوم تُبعث حيا...
العنوان: رد: في ظلال القرآن :: 2016 ::
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2018-01-13, 11:20:33
سورة الأنعام وما أدراك ما سورة الأنعام ... !

** هل تأملتها والله سبحانه فيها يُمضي أمره بأنه القادر على أن يبعث الآيات، ولكنه لن يبعث الآيات بعد القرآن... !

فليطلبوا المَلَك المصاحب... !
فليسألوا الآيات الخارقات ... !
فليعدّوا الله وهو لا يستجيب لطلباتهم غير قادر ...!

لن ينزل سبحانه آية ... !!

لقد مضى عصر المعجزات العينية، إنهم لو أُنزل عليهم كتاب في قرطاس، بل ولو لمسوه بأيديهم ما آمنوا ....
إنّه يؤكد لرسوله أنّ الآيات لن تنفعهم وكل ما حولهم آية لو أنهم "يعقلونها" ...

لن ينزل الله آية ..... !

** هل تأملتَ الأنعام والله فيها يقرّ أنه لن يرسل عذابه المهلك كما أرسله في الأمم السابقة ...

** هل تساءلت ماذا تريد الأنعام من المؤمن؟
من الإنسان ؟

إنها تريد أن توصله بعقله ...

تلكم هي المعجزة الكائنة في الإنسان...
تلكم هي المعجزة التي تحركها معجزة ...

"العقل" يحركه "القرآن"...

يستحثه، يجعله يعمل ليصل ... ليصل إلى بارئه...

** هل تُراك تأملتها وهي تحض على السير، والنظر ...

"قل سيروا في الأرض ثم انظروا كيف كان عاقبة المكذبين "

** ثم تأمل الحث على النظر بالعقل حتى في الغيب !

أجل في الغيب :)

في يوم البعث، وفي مشاهده، وفي حال الكافرين متمثلين أمامنا وهم يخرصون بالسفه كما كانوا يخرصون سفها في الدنيا ...

هلا عقلت... هلا عقلت قبل أن يأتي يوم تتحسر على ما فرطتَ ؟

** تأمل كيف نُدعى للنظر بعقولنا في "البعث"..

كثير وكثير جدا في سورة الأنعام ...

كله حركة للعقل، وتحريك للعقل، وإعمال له للوصول به إلى خالقه ...

غيض هو من فيض... من فيض روعة وتفرّد سورة الأنعام ... !!

** رحلة للعقل في أطراف الحاضر والغيب، في ربوع العقيدة وأركانها وأساساتها ... بالعقل لا بغيره ..

رحلة للعقل وبالعقل تعرفك بربك وبطلاقة قدرته، وبالرسالة وبالرسول وبدوره وحدوده مقابل تلك الطلاقة ...

حتى "الموت" و"البعث" تعرّفك الأنعام أن ،"تعقلهما" في كل مرة تنام فيها ثم تستيقظ ...

إنك تشهد الموت والبعث وتجربهما وأنت حيّ في الدنيا... فاعقل ...!

تأمل ... فكلّ الأنعام دعوة للتأمل ولأن نعقل...

إنها الأنعام وما أدراك ما الأنعام ثم ما أدراك ما الأنعام ... !!

إنما ألقي شذرات... شذرات...

تلقَّفْها وامضِ في رحلة "الأنعام"... فإنها رحلة لعقلك، هو فيها الراحلة التي بها الوصول .... !!
العنوان: رد: في ظلال القرآن :: 2016 ::
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2018-01-13, 11:22:01
ومن "عقلانيات" الأنعام، ذلك الحوار الإبراهيمي الرائع  emo (30): تلك الحجة العقلية الإبراهيمية الرائدة :)

"وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَاماً آلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ(74) وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ(75) فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَباً قَالَ هَـذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لا أُحِبُّ الآفِلِينَ(76) فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغاً قَالَ هَـذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي لأكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ(77) فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَـذَا رَبِّي هَـذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ(78) "-الأنعام-

كيف كان تفاعل سيدنا إبراهيم عليه السلام في كل مرة؟

إنه تفاعل تدريجي، فهو يجاري قومَه ليخاطبهم بما يفهمون، وليجعلهم أكثر تقبلا لما سيقرّره أخيرا. ..

إنه المهتدي الذي أراه ربُّه ملكوتَ السماوات والأرض، فكان من الموقنين.

1- المرة الأولى عن الكوكب قال: "لا أُحِبُّ الآفِلِين"َ ....

2-في المرة الثانية عن القمر قال: "لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي لأكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّين"َ...

وهو هنا يعرّض بهم ولا يواجههم بقوله مثلا: "لأكوننّ منكم"، كما أنه ينفي أنه منهم، لأنّ الآصرة عنده هي آصرة العقيدة لا آصرة الدم، فماداموا ضالين فهو ليس منهم .كما أنه المهتدي بهدى الله، ولكنه الذي لا يستغني عن هدى على الهدى، "وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى"

3- في المرة الثالثة عن الشمس قال: "يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ"...

** "لا أحب الآفلين"======> إنه هنا وكأنه يتّبع هوى نفسه، وإن كان هواها مع الحق، هم هنا لن يفزعوا من قولته هذه، ولن يرفضوها، فهو يصرّح عن نفسه وما تحبّ وما تكره، أضف إلى ذلك أنّ عدم حبّه للآفلين، سيُلفت نظرهم إلى أنّ هذا الذي يتخذونه إلها لا يليق أن يكون إله وهو مِن "جمع" الآفلين.

** "لئن لم يهدِني ربي لأكوننّ من القوم الضالين " =====> إنه من بعد تصريحه بما تكره نفسه، بدأ الآن بذكر الهدى، ومصدر هذا الهدى الذي يرتجي...

إن مصدره ربّه، فقد انتقل من مرحلة اتباع نفسه إلى مرحلة وَكْل أمرها وهداها لربّه، فكُرهُه للآفلين وإن كان سليما، وطريقا صحيحا، إلا أنه يبرأ هنا من نفسه ومن حوْلها ومن هواها، وإن كان هواها مع الحق....

إنه يبيّن أول الطريق ... أنّ المنهج الذي يهدينا هو الذي يبينه لنا ربنا وليس الذي تبينه لنا أنفسنا .

** "يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ"=====> أما هذه المرة فهو يعلن براءته مما يشركون، من كل ما يشركون، من بعد ما أعلن براءته من نفسه،يعلن لهم صراحة أنّ هذه المعبودات إنما شركاء...

ليسوا بالقوة التي تقهر، والتي لا تغيب، ولا تأفل، ولا تظهر عليها قوة...

وفي هذا تمهيد لإعلانه التوحيد ..

** براءته من الشرك هي طريقه للتوحيد ...
والذي سيعلن عنه أخيرا إعلانا قويا ظاهرا لا يخالطه لُبس، وذلك في قوله :"إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفاً وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ(79)"

** إنه يوحّد ربّه، ويوجّه له وحده وجهه، ويقرّ بعظيم قدرته، وأنه الذي فطر السماوات والأرض، فطر السماء التي يعبد منها قومه نجوما وكواكب، وشمسا وقمرا، وفطر الأرض التي يتخذون من حجرها ومن خشبها أصناما يعبدونها...

أما هو فيعبد ربّ هذا كله، رب السماوات والأرض وما بينهما، وقد أُرِيَ ملكوت السماوات والأرض وكان من الموقنين . "حَنِيفاً وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ"

ما أروع "حنيفا" هنا...!

وهو الذي أعلن مَيْله عن الشرك، مَيْله عن أهواء قومه وخرافاتهم، ميله عما ساد الأرض من شرك وكفر، ميله إلى الحق... !

وإن كان وحده بينهم فقد مال عنهم، عن باطلهم إلى الحق ..... "وما أنا من المشركين" إنه سأل ربه أن يهديه فوق هُداه، ولم يستغنِ عن هدى فوق الهدى، فزاده الله هدى...

زاده الهدى الذي واجه به كل قومه غير آبه بما يصنعون به، ولا بما ينعتونه به، واجه أباه ،وواجه مَلِكهم، وواجه به تكذيبهم، وصبر على تعذيبهم، حتى أمر الله النار فتغيّر فعلها فيه ...!

عرّض لهم بدايةً أنّه لئن لم يهده ربّه ليكوننّ من القوم الضالين، غير معيِّنهم، فلما زاده الله هدى على هداه، أعلن بين جمعهم "وما أنا من المشركين".... لقد عيّنهم، ووصفهم بوصفهم. ...

وهكذا :

**هواي وإن كان حقا لا أعوّل عليه====> بل أبرأ من نفسي وأتوكل على الله ربي وأسأله الهدى على الهدى=====>عندها لن يكلني ربي لنفسي ولضعفها وسأفصل بالتوحيد وتوجيه وجهي لله مائلا عن كل باطل إلى الحق وإن عجّ به كل ما حولي...**
العنوان: رد: في ظلال القرآن :: 2016 ::
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2018-01-13, 11:22:30
اليوم وأنا أتأمل سورة الأعراف، وأمشي بين آياتها الهُوَيْنى...

فأجد عقلي يلقف من هذه الكلمة سرا، ومن ذلك التعبير سرا آخر... ومن ترابط الآية بالآية سرا، ومن تفصيل آية لأخرى سرا...

وجدتُ لذة وطعما، وحلاوة تعقد لساني، وتستوقف كل ذرة في نفسي، وتُبهتني، وتُذهلني عن الدنيا وما فيها، فلا أرى شيئا في الدنيا بأكملها يساوي تلك اللحظات... !

لحظات "أقرأ" فيها القرآن حق القراءة ...

لحظات أرى فيها القرآن يُقرأ آية فآية...
كما يخبئ معنى في الرابط بين الآية والآية، ويخبئ آخر في الآيات تقدّم لمعنى الآيات اللاحقات، وفي الآيات تفصّل لمعنى الآيات السابقات ...

في ظاهر الآيات معنى، وبين ثناياها وطواياها معانٍ ومعان ... لن يقرأها من يقرأ الحروف ... !

عندها تذكرت المتسابقين على الختمات، المعتدّين بالعدد والعدّادات... !

فصدعت مستنكرة منتفضة مع ما يعتري نفسي من تلك الحالة التي أجدني معها في كل مرة مجددة العهد بالإيمان واليقين، أنّما هذا قول إله حكيم عليم، وما هو بقول البشر ... !

في كل مرة ينكشف لي سرّ من أسرار الكتاب، وتبرز لي ميزة من ميزاته التي تجعله الفريد المتفرّد، وتجعلني في كل مرة بين يديه أجدد الإيمان بأنه المعجزة وبأنه كلام الله لا كلام سواه...

صدعتُ ...
أي شيء هو حاصل من قراءة الحروف، واللهث خلف الحروف، وتقليب صفحات الكتاب سِراعا، وطيّ الكتاب دفّةً تنطبق على دفة ليُفتح مع مرور جديد سريع غايته الوصول لطيّ الدّفتَين من جديد... ؟!

وهكذا ... !

تلك هي البطولة ... !!

صدعتُ، وانتفضتُ مستنكرة...
ما حصّل صاحب الختمات ؟ صاحب الطيّات تتلوها الطيّات ؟!!

ما تُراه يرى نفسه قد جنى ؟!
سألت وتساءلتُ، وكنت السائلة والمجيبة في آن...

سيقول أنه قد حصد الحسنات، وذاك الجنى من جنّة القرآن دان... !

الحرف بحسنة، والحسنة بعشر أمثالها ...
وعدد حروف القرآن يا صاح بالآلاف مع المئات مع العشرات، وضربها بعشرة الحسنة الواحدة عددٌ مضاعف الآلاف والمئات والعشرات، بعشرة أضعاف يا صاح ... !!!

وما هذا بقليل... !!!

ونستكمل عمل العدّ والعدادات ...
ويغدو كل من سلك هذا السبيل رياضيا حاسبا، محاسبا ...

وبعد ُ .... !!

وماذا بعد ؟!

أتُراك تدري ميزانك وما بكفَّتَيْه فعملك ودأبك الحرص على كفة الحسنات ؟!!

في سباق أنت لترجّح كفة على كفة ...
كم تراه سيدوم هذا السباق ؟ سباق على مجهول ؟ على سراب ؟

أتُراك تيقنت من قبول عملك بَلَه من عَدِّه حسنة مسجلة ؟!

كم سيدوم سباقك ؟! العمر كله ؟!

ونفسك ؟! ما أخبار نفسك ؟ ما أخبار حالها ؟!
هل فكرتَ فيها قليلا وأنت تعدّ وتحسب ؟

ستقول إنما تفكيري بها، لا بغيرها، وأنا لها أعد وأحسب لا لغيرها ...

ألهذا جُعل القرآن ؟ أللعدادات يسرّعها ؟!
أم للنفس أرضا يحرثها ويقلّبها ليخلّصها من الآفات والطفيليات والمفسدات، وليزرع وليسقي وليُنبت وليحيي ما فيها من موات ؟!

أحساب للحسنات أوقع وآكد وأقرب وأحق أم محاسبة للنفس وتغيير لما بها، وعزم على الفهم، وعلى العقل، وعلى الوعي مع كل "أفلا تعقلون ؟". ومع كل " أفلا تتقون" ومع كل "أفلا تتذكرون" ومع كل "أفلا يتدبرون" ...

اسمع واعقل.... وإني معك أسمع وأعقل ...

أفحبة دواء تُذهب الحُمّى تأخذها لحُمّى تصيبك خيرٌ وداؤك من أعراضه الحمى، لا الحمّى ذاتها ... أم دواء يُذهب داءَك لا "موْهومَ" دائك ... ؟!

ستأخذ تلك الحبة ... وستخفّ عنك الحمى إلى حين ... لتعاودك بعد ساعة حمى أشد وطأ وأكثر إيهانا ...

لأنك حاربت الحمى لساعة، ولكنك أبقيت على أصل الداء ينخر جسمك ... وتحسب أنك الطبيب المداوي وما أنت إلا المسكّن لألم ساعة يعاود أضعافا بعد ساعة ...

فدع عنك الحبة تحارب الحمى، وابحث عن دواء يُذهب أصل الداء في جسمك ...

عِش معه حياة وحركة وروحا تنفخ فيك الحياة وستكون نفسا تتحرك على الأرض بالحسنات، لا عدّادا يعدّ الحسنات... !
العنوان: رد: في ظلال القرآن :: 2016 ::
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2018-01-13, 11:23:04
{قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِن قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صَالِحًا مُّرْسَلٌ مِّن رَّبِّهِ ۚ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ} [الأعراف : 75]

ذهب الملأ يسألون المستضعفين الذي آمنوا...
يسألونهم إن كانوا يشهدون على أن صالحا مرسَل حقا...

فأجابهم المستضعفون بقولهم : " إنا بما أرسل به مؤمنون"

تأملوا كيف كان جوابهم...
لقد سألهوم عن صالح، فكان حريا بهم أن يجيبوهم عنه أيضا، إذ من جنس السؤال يكون الجواب ...

كأن يقولوا مثلا : "نعم نعلم أنه مرسَل "

ولكنهم أجابوهم عن الذي جاء به ... وأنهم قد آمنوا بما جاء به ...

إنهم المستضعفون، ولكنهم أصحاب العقول السليمة التي أُعمِلتْ فيما جاء به الرسول، فتعرفوا إلى رسالته، وفحصوها، وقبلتها عقولهم ولم تُحجَب دونها، واعتنقوا ما جاء به بعد بحث واقتناع، ولم يكن شخص صالح دافعهم للإيمان، بقدر ما كانت قناعتهم بما جاء به ...

أما الملأ فكان همّهم "صالح" وإبطال دعواه، وتكذيبه من غير بحث فيما جاء به ولا فحص ...
حتى أنهم لما سألوا المستضعفين سألوا عنه ولم يسألوهم عن "الرسالة"...

فانظر إن أنا سألت إحداهنّ إن كانت فلانة حقا خياطة فأجابتني بقولها : نعم هي كذلك.

وإن سألت الأخرى السؤال ذاته فأجابتني : ياااه لو ترين فستاني الذي خاطته لي، كم أتقنته، وكم هو على المقاس والطراز ... ! :)

لأيقنتُ أن الثانية أكثر معرفة بها وهي التي خبِرت صنعتها ، وتملك الدليل عليها، ولاطمأننتُ أنا أكثر إن كان سؤالي عنها غرضه معرفة مدى حذاقتها لا السؤال عن شخصها...

فلنتأمل الفرق بين من يبحث بعقله فيما يعرضه فلان من الناس ليحكم على ما جاء به، وبين من يبحث في شخصه ليحكم على ما جاء به بالنظر إلى شخصه دون النظر فيما جاء به...

من أجل ذلك أجاب الملأ بَالِغين الغاية في التعنت والتصلّب وتغييب العقل بالهوى والاستكبار : " قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا بِالَّذِي آمَنتُم بِهِ كَافِرُونَ "

وهكذا ديدنهم، النظر إلى الشخوص لا إلى المعروض..
مادمتم "أنتم" "المستضعفون" قد آمنتم به، فدون نظر فيه نعلن كفرنا به....
بالنظر إليكم كان حكمنا عليه ...

فأي عقل ونظر هو في هؤلاء "المستضعفين" وأي هوى وسفه هو في "المستكبرين"... !!
العنوان: رد: في ظلال القرآن :: 2016 ::
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2018-01-13, 11:24:14
في قوله تعالى : " قُل لَّا أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ ۖ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَىٰ إِلَيَّ ۚ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَىٰ وَالْبَصِيرُ ۚ أَفَلَا تَتَفَكَّرُونَ" -الأنعام : 50-

هكذا لقّن المولى عز وجل صفيّه صلى الله عليه وسلم أن يقول، ويعلن عن حدوده، حدود قدرته ..

** لا يدعي أن خزائن الله عنده..
** لا يدعي علما بالغيب..
** لا يدعي أنه ملك ..
** لا يتبع إلا ما يوحى إليه..

سبحان الله ... !!

عند العاقل هذا هو الذي يُصدَّق، وهو لا يدعي ما ليس له ...
وهو ينفي عن نفسه ما يسارع الكذابون على الناس من مشعوذين ودجالين لنسبه لأنفسهم ...

وهو يعلن حدود قدرته بإزاء طلاقة قدرة الله عز وجل التي تأتي بعد آيات قليلة ...

** فله سبحانه "مفاتح الغيب" لا الغيب وحده ..
** وهو القادر على أن يرسل عذابا كيفما شاء..
** وهو سبحانه القاهر فوق عباده ...

ولو كان كذابا لسارع لادّعاء كل هذا لنفسه..

فها هم الدجالون يقرؤون "فنجانا" ببقايا قهوته، يقلبونه لترسم القهوة هالاتها على أطرافه، فإذا الفنجان دنيا، وإذا هالات القهوة ملامح مستقبلك يا مترقبا "أقدار" فنجان !!! 😏

وها هو المشعوذ الآخر يدّعي حازما أنه الذي "زوّج" عوانسا وصيّر الزوج المتمرد طوع يمين زوجته بخلطة بين الخلطات أو بورقة تُكتب لتُغسَل فيُغتَسَل بمائها !!

وهذا آخر قد مكّن التاجر من ربح مضاعف، وفاق الطبيب الحاذق إذ صيّر العاقر ولودا !!

وإن هذا الصدق البالغ أعلى المبالغ لأدعى أن يُصدَّق صاحبُه عند العقلاء ... وهو ينفي عن نفسه ما ليس لها ولا يدعيه ...

وإن المؤمن لو "تعقل" لما كان للدجال من سلطان عليه، فهذا النبي لا يدّعي كل هذا، فكيف لغيره أن يدّعيه ؟!
العنوان: رد: في ظلال القرآن :: 2016 ::
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2018-01-13, 11:24:44
{خَلَقَ الْإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُّبِينٌ} [النحل : 4]

خصيم مبين ...
من نطفة من منيّ تُمنى هو هذا الخصيم المبين ... !!
من ماء مهين هو هذا الخصيم المبين .. !
من ماء مهين كان إنسانا عاقلا مكرّما.. !

أو ليس ألدّ الخصام مَن أُوجِد بعد إذ لم يكن شيئا مذكورا لينكر وجود مَن أوجده !

وموجة الإلحاد هي ذي تمتدّ خصاما مبينا.. !!!

فاللهم ثبتنا ..
العنوان: رد: في ظلال القرآن :: 2016 ::
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2018-01-13, 11:25:23
هل تساءلت يوما عن سر ترتيب المصحف على ما هو عليه ؟

هل تساءلت عن سر ترتيب السور فيه على غير ترتيب النزول ؟

هل علمت أن ترتيب المصحف توقيفيّ من عند الله تعالى..؟ أي بأمر منه سبحانه ..

فهل تساءلتَ عن الحكمة من ترتيبه على هذا النحو ؟

هل تمثلتَ نفسك... بل غيرك ممن لا يعرف عن ترتيب النزول... بل ممن عهده بالإسلام قريب، فهو ينتقل بين السور، يتصفح المصحف، ويقرأ، فيعرف ما يجب أن يكون أولا في هذه السورة، ليعرف بعدها ما يجب أن يكون تاليا في السورة الموالية...

وهكذا انتقالا ...
خطوة فخطوة ... كالسبيل يُقطَع بالخطوات، فتكون عليه قُدُما خطوة تليها خطوة ...

من الفاتحة ---- إلى البقرة ----- إلى آل عمران ---- إلى النساء ---- إلى المائدة ---- إلى الأنعام ---- إلى الأعراف---- إلى الأنفال...

فهل تحسّستَ الرابط بين السورة والتي تليها من موضوع الأولى إلى موضوع التالية ؟

هل لمستَ معنى الخطوة تقود إلى الخطوة ؟
العنوان: رد: في ظلال القرآن :: 2016 ::
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2018-01-13, 11:26:05
الآن فهمت لماذا كان عمر رضي الله عنه يخاف على الأمة كلما غنموا غنما، أو جاء بيتَ المال فيءٌ أو قسم من خيرات البلاد التي فُتحت في عهده،وقد تفتحت عليهم خيرات الأرض...حتى جعل يبكي عندما وصل المدينةَ من خيرات بلاد فارس... !

الآن فهمت مدى خوفه من العيش الرغيد و حراسته وُلاة بلاد الإسلام وتتبّعه لأحوال معيشتهم، وغضبه من الفاتحين إذا استقبلوه بلباس خاصة وهيلمان خاص...

إنه عمر... !

عمر الذي فهم القرآن، بل تربى بالقرآن وبتوجيهاته... لا شك أن عمر وهو يقرأ سورة الأنفال فهم أن التساهل مع الأمر الذي يبدو صغيرا يؤدي إلى الأكبر فالأكبر فالأكبر...

لذلك لم يكن يستسهل التسويغ ... بل ظل عمر وثبت على عمريته...

عرف من سورة الأنفال أن الله تعالى حذر المؤمنين من التمادي ... وأن الاختلاف في غنائم غزوة بدر كان يستدعي كل تلك التربيات الربانية في سورة الأنفال، وكل ذلك التأكيد على دوام الطاعة الكلية لله وللرسول، والاستجابة لله وللرسول، وعدم خيانة الله والرسول، والتخويف من التنازع، والدعوة لإصلاح ذات البين، وأن من صفات المؤمنين إيمانا حقا الإنفاق حتى لا يقع المؤمن عبدا للمال... !

نعم هو نزاع بسيط بعد نصر مؤزر من الله... ولكن لو ترك دون توجيه وتخويف وتنويه بما هو أولى وأدعى للتسابق عليه لهلكت الأمة ولذهبت ريحها ودولتها...

نعم إن الأمة التي تبحث عن تمكين وقوة وبقاء ودوام هي التي لا تستسهل أمر النزاع البسيط المنجرّ عن الشهوة، وأمر الاختلاف الطفيف...

نعم لا أشك أن ابن الخطاب قد تربّى من "الأنفال" فكان الخليفة العظيم الذي عرفت الدولة الاسلامية في عهده فتوحات وتفتُّحَ خيرات عظيمة، وعرف حق المعرفة كيف يَسُوس الناس في أعوام رخاء ونعماء...

عرف كيف يدفع المؤمنين للشكر والذكر لا للبطر والغفلة...

عرف كيف يجعلهم ذاكرين أن الأمر كله بيد الله وأنه كما نصرهم وهم مؤمنون يخذلهم وهم لاهون، عابدون للمادة، مضيّعون للأواصر والروابط الأخوية من انبهار بها يؤدي إلى نزاع عليها....

لقد قرأ عمر الأنفال...
لقد تشربها... لقد كانت دماً يسري في عروقه....أمدَّ به شرايين الأرض في عهده الفريد... !
العنوان: رد: في ظلال القرآن :: 2016 ::
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2018-01-13, 11:27:43
عن يوم من أيام رمضان (2017/06/15)
-------------------------------

اليوم أحسست بسعادة غامرة، وفرحة خاصة جدا ...

اليوم أُثلِجَ صدري..   emo (30):

كنا نتفكر في آيات من سورة يونس...

سعدت وقد تعوّدْن التفكر، والتدبر...
فرحت وأنا أسمع منهن ما يُنبي عن فهم، عن تعقّل، عن تفكر ....

لم يَعُدْن يمرُرْن بالآيات مرور الكريم المسلّم، بل مرور الماكث، المتسائل، المقلّب لوجوه المعاني ... !

مرور الذي يريد أن يقطف ثمرة، لا مرور الذي يريد أن يؤدي دوره بقراءة كيفما اتفق، وكيفما كان ...

"قُلْ هَلْ مِن شُرَكَائِكُم مَّن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ ۚ قُلِ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ ۗ أَفَمَن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لَّا يَهِدِّي إِلَّا أَن يُهْدَىٰ ۖ فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ" -يونس : 35-

"أمّن لا يهِدّي إلا أن يُهدَى "...أمّن لا يَهتَدِي إلا أن يُهدى،
من الأحق بالاتباع ؟

الذي من خصائصه الهداية، أم الذي ليس من دوره لذاته، لنفسه أن يهتدي إلا أن يهديه الهادي، فكيف أن يكون هاديا ؟!

من الأحق بالاتباع، الهادي أم الذي لا يهتدي إلا أن يُهدى ؟!

ومشينا بين أفياء الآيات المواليات، وشيء في نفسي يحدّثني أن صمتَها مع استغراقنا في الآيات ليس بالذي تعودتُه منها، ليس بالذي هو من عادتها...  emo (30):

لقد كنت أستأنس بتعقيب منها، بملاحظة، بتفكر تُدلي به وهي تعيش الآيات وبُعدها وعمقها وتصويرها، تتتبّعها وتحلّق في سمائها...

حتى بلغنا قوله تعالى :
"وَمِنْهُم مَّن يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ ۚ أَفَأَنتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَلَوْ كَانُوا لَا يَعْقِلُونَ (42) وَمِنْهُم مَّن يَنظُرُ إِلَيْكَ ۚ أَفَأَنتَ تَهْدِي الْعُمْيَ وَلَوْ كَانُوا لَا يُبْصِرُونَ (43)" -يونس-

عندها نطقت ْ ...  emo (30):

كنت أعلم أن صمتهايخبئ شيئا ...

قالت لي : منذ قرأتِ الآية وفيها مَن الأحق بالاتباع الهادي أم الذي لا يملك حتى أن يهدي ذاته ... وأنا أسقط على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنا أراه الذي لا يملك أن يهدي، وأنه الذي لا يهتدي إلا أن يُهدى، وأنا أتساءل، فكيف يكون منا اتباع لرسول الله صلى الله عليه وسلم وصفاته هي تلك ؟!

كانت تقولها وهي التي لا تجرؤ على الصدع بها، تومئ لي بها إيماء، كبرتْ عندها كلمة، حتى جعلت أدفعها لقولها دفعا، وأشجعها عليه ...

تهللتْ أساريرها، وهي تقول لي : لقد وجمتُ أتساءل عن هذا، حتى أجابني الله تعالى ...  emo (30): الآن في هذه الآيات المواليات وجدت شفائي ...

قالت : "أفأنت تسمع الصم ولو كانوا لا يعقلون ؟ "

ها هم كانوا يسمعونه، ولكنهم لم يكونوا يسمعون الحق... كانوا بين يديه، وكانوا يسمعونه، ويبصرونه، ولم يكونوا يهتدون ... !

إذ لم يكونوا يعقلون ...

الآن فهمت ... هذا رسول الله وهذا الحق الذي جاء به بين أيدينا، فمن شاء "عقله" فسمع الحق، وأبصر الحق، ومن شاء سمعه وكأنه لا يسمعه، وأبصره وكأنه لا يبصره ...

نعم إنه الذي لا يهدي، والهادي هو الله سبحانه، واتباعه إنما هو اتباع "تعقل" لا اتباع عن عمى ... الاتباع عن عمى لا يعطي ثمرة الهداية الحقة، هو الإسلام بالوراثة...

أما الذي أراده الله فهو الذي يعقله المؤمن، يتعقل ليدركه، ليبصره وليسمعه ، فيتمكن من النفس تمكنا، ولا يكون الورقة في مهب الريح ...

هل أغنى عنهم أن سمعوه، فما سمعوه بعقولهم، وأن أبصروه فما أبصروه بقلوبهم ؟!
وهل يغني عنا اليوم اتباع بلا تعقل ؟! هل يكون الهدى الراسخ الذي لا يتزعزع ؟!

فرحتْ ... وهي التي وجدت الله يجيب تساؤلها من آية إلى آية ...

وفرحتُ أنا أيما فرح ... وهي تعقل القرآن... وهي تنشغل بآية فتستوقفها، وتتساءل فلا تهنأ حتى تجد جوابها... تجد شفاء غليلها ...  emo (30):

أجل لقد عمل "المخّ" مع جارحة السمع فسمعوا، ولكن لم يعمل "العقل" مع السمع، فلم يسمعوا الحق ...
ولقد عمل "المخ" مع جارحة البصر فأبصروا، ولكن لم يعمل "العقل" مع البصر فلم يبصروا الحق ...

فرحت بها اليوم... ولم تكن غاية العطاء والفضل من الله الكريم ... :)

بل تأملنا الآيات حتى ذُكر بالسِيّ السيُّ ...

فجئت على أمر الإلحاد والملحدين، والموجة التي تجتاح بلاد الإسلام وشبابه... فقلت لهنّ أنني أرى هذا من المحن التي تحمل منحا كبيرة ...

إذ لا محالة هناك من يهلك ويضيع دينه، ولكن هناك من الشباب من سيسأل، ويبحث حتى يصل، وإنما هو الوصول الذي نريد في شباب ترسخ العقيدة في نفوسهم فلا تتزعزع ... إذ لن يكون إسلامهم إسلام الوراثة بل إسلام "التعقل" ...

عندها نطقتْ أخرى وقالت : فليسألوا، فليبحثوا، القرآن، الدين من القوة والكمال بحيث لا يخاف سؤال السائلين ... بل سيجدون الإجابات التي يريدون ...

لن يخشى الدين سؤالهم... بل سيحتويهم وسيشفيهم ...

عندها هلّلت، وانبلجتْ أسارير نفسي قبل أسارير وجهي ....
وأنا اليوم أنعم بالتفكر، والحكمة والتعقل يلقين بها كلها ...

ولم يكن هذا غاية الفضل منه سبحانه...  emo (30):

بل لقد ثنّت الأخرى فقالت : إني أراني أعرف نفسي بعقل خُلقتُ... ولكنني لم أكن أستخدم عقلي قبل الآن... كيف كنا نقرأه ؟!! أين كانت عقولنا ؟ ... كيف شُلّت عن الحركة ؟!
وأردفْن يؤيّدنها ... :) أن نعم لم نكن نعقل قرآننا ... ويالخسار ما كنا عليه !

حتى قالت الأخرى : لقد ظلمونا، كانوا يحثوننا إذا حثونا على حفظ آياته، ولم يكونوا يحثوننا على تدبره بعقولنا ... !

ثم قالت أخرى : يالهذه الحركة !! يالهذه الحياة تدبّ في جنبات هذا الكتاب ... فنرانا فيه، فنتمثلنا في الدنيا، كما نتمثلنا في الآخرة وكأننا في يومها ... !!

أجل اليوم سعدتُ، وأثلجن صدري...  emo (30):
وأحسست بالحياة تدب في النفوس، وبالحركة تدب في العقول ... وباستشعارهنّ للحال التي يجب أن تكون مع القرآن ....  emo (30):

لقد تعوَّدْن .... تعوّدن على العيش مع الآيات والكلمات والمرامي... تعوّدن على التساؤل، وعلى التفكر، وعلى الانشغال حتى انبلاج نور الجواب الشافي ... تعوّدن على معايشة القرآن ...

فلله الحمد والشكر والمنة ....
العنوان: رد: في ظلال القرآن :: 2016 ::
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2018-01-13, 11:28:27
وأنا أراجع شيئا كتبته في مجمل قوله تعالى :

{ثُمَّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِم مُّوسَىٰ وَهَارُونَ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ بِآيَاتِنَا فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُّجْرِمِينَ (75) فَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِندِنَا قَالُوا إِنَّ هَٰذَا لَسِحْرٌ مُّبِينٌ (76) قَالَ مُوسَىٰ أَتَقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَكُمْ ۖ أَسِحْرٌ هَٰذَا وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ (77) قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَاءُ فِي الْأَرْضِ وَمَا نَحْنُ لَكُمَا بِمُؤْمِنِينَ (78)} [يونس : 75-78]

وجدتُني كتبت :

إن في الدين حريّةً تُسترجع للعقل...للإنسان...
إن فيه تخليصا من العبودية للعباد، وذلك ما يخشاه المتجبرون في الدين ... !
العنوان: رد: في ظلال القرآن :: 2016 ::
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2018-01-13, 11:28:56
في قوله تعالى : {قَالَ قَدْ أُجِيبَت دَّعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا وَلَا تَتَّبِعَانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} -يونس:80-

لنتأمل دعوة الله لنبيَّيْه عليهما السلام بالاستقامة وبألا يتبعا سبيل الذين لا يعلمون...

ألا يبدو غريبا أن يُدعى النبي للاستقامة وهو من هو ؟!

وأن يُدعى إلى عدم اتباع سبيل الذين لا يعلمون ؟!

لنتأمل "الذكرى" و "التذكير" ...

ولنذكر بالمقابل دعوة إبراهيم عليه السلام وهو يرفع القواعد من البيت هو وابنه، فيقول : "ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم"...

وهو النبي الأمة القانت لله رجاؤه الأوحد أن يتقبل الله منه ... بينما لا ينشغل العاديون من البشر بقضية القبول ... !!

ولنتذكره وهو يثني على ربه سبحانه فيما يثني، فينسب إليه سبحانه الأمر كله، حتى إذا بلغ نفسه وصفها بالذنب بإزاء نعم الله عليها : " وهو الذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين"

ولنتذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يجيب عائشة وقد أنكرت عليه أن يشقّ على نفسه بالقيام مصليا وهو الذي غفر له ربه ما تقدم من ذنبه وما تأخر، قائلا : " أفلا أكون عبدا شكورا"

عندما نسمع من الأنبياء هذا التواضع لله، نتعلم ما يجب أن يكون عليه حالنا نحن مع الله تعالى..

وعندما نسمع توجيه الله لأنبيائه وتذكيرهم بالاستقامة والثبات ...

كل هذا منطقيا وعقليا من دواعي التأسي بالأنبياء، لا من دواعي القول : "ولكنهم الأنبياء أين نحن منهم ؟! "

كل هذا يؤكد بشرية الرسل، وأن هذه البشرية فيهم عليهم الصلاة والسلام هي ذاتها البشرية فينا، وعلى هذا لم تحُل بشريتهم دون كونهم رسلا كما كان المشركون يحاججون تخرّصا، ويعجبون أن يكون البشر رسولا ...

بل إن بشريّتهم هي الدافع الأكبر لتأسّينا بهم ...

فنبيٌّ يقر بالذنب، ويقر بطمعه في مغفرة الله له، ونبي لا يرى نفسه أجزى ربه شكرا، ونبي يدعو الله وغاية رجائه أن يتقبل الله منه...بل وتذكير من الله لنبيه أن يستقيم وألا يتبع سبيل الضالين !!

ولأن سورة يونس مدارها حول حكمة الله تعالى من جعل البشر رسولا مقابل تعجب الكافرين من أن يكون البشر رسولا، فلنتأمل كيف جاء فيها التوجيه الرباني لرسله : "استقيما" "لا تتبعانّ سبيل الذين لا يعلمون"
العنوان: رد: في ظلال القرآن :: 2016 ::
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2018-01-13, 11:29:19
{مَّا خَلْقُكُمْ وَلَا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ ۗ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ} [لقمان : 28]

ما خلق الناس جميعا عنده سبحانه إلا كخلق نفس واحدة !

وما بعث الناس جميعا إلا كبعث نفس واحدة ... !

سبحانك ... وعزّتك وجلالك وعظمتك ما قدرناك حقّ قدرك ..... !!!
العنوان: رد: في ظلال القرآن :: 2016 ::
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2018-01-13, 11:29:52
نوح عليه السلام نطقت فيه الأبوة مرّتَين...

مرة حينما دعا ابنه : " يَا بُنَيَّ ارْكَب مَّعَنَا وَلَا تَكُن مَّعَ الْكَافِرِينَ" .

ومرة بعدما رست السفينة وقد حال الموج بينهما فدعا ربه بشأنه :
"رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ" .

وكأنما أبوّته حالت دون أن ينتبه لقوله تعالى له :

"احْمِلْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَن سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ ۚ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ"

"إلا من سبق عليه القول" لقد استثنى الله من أهله مَن سبق عليه القول ...

إلا أن "الأبوة" في نوح غفلت عن هذا الاستثناء، فجعل يبحث لابنه عن مخرج ... !

وضمنيا في دعائه هو منصاع لأمر الله، وذلك وهو يختمه بقوله :"وأنت أحكم الحاكمين"

وسرعان ما آب... سرعان ما استغفر ...

"مشاعر الأبوة " حتى في النبي برزت وعلتْ... !

فسبحان من زرع بقلوب الآباء والأمهات هذه المشاعر الجياشة ... !! هذه الرحمة الإلهية المتجسدة فيهما ...!!

ربّ ارحمهما كما ربياني صغيرة ...
العنوان: رد: في ظلال القرآن :: 2016 ::
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2018-01-13, 11:30:16
القرآن الكريم يعجّ بالصور، بالحركة، بالحياة ...

من لم يقرأ القرآن بهذه الحياة، فاته من روح القرآن الكثير الكثير ... إن لم تكن قد فاتته كل روحه ... !

فإذا الأمواج كالجبال والسفينة في عرضها بسم الله مجراها كما أن بسم الله مرساها ... !

والأب ينادي ابنه، ولا عاصم من الماء إلا رحمة الله، فإذا الموج وهو كالجبل بينهما حائل ... وهو الذي حسب أن الجبل عاصمه من جبال الماء !!

وإذا لوط وضيوفه، وقد سيئ بهم ...
ولكأني بلوط عليه السلام وقد ساءه وفود رجال على بيته وهو يحسبهم لا يعلمون بسيئات قومه وسوئهم، وبفسادهم ...

ومنها إلى ضيقه بهم ذرعا ..

ولكأني به يضرب كفا بكف، ويغمّه التفكير وما من تدبير ... !!

وإذا الأمر به يشتد ويشتد حتى يبلغ السيل الزُّبى، فينطق بقولته : "هذا يوم عصيب" ... !!

ولكأني بقومه الخبثاء وهم يتدافعون على بابه ... يقتحمون عليه بيته، وبكل صفاقة ووقاحة وعمى يذكرون حاجتهم الخبيثة ومرادهم المقلوب للنبي الذي دعوته فيهم ليل نهار أن يتركوا الفاحشة ويثوبوا إلى رشدهم ... !

عنده ... يفعلون ما يفعلون .... ! ولا يبالون !!
أي همّ هو همك يا سيدنا لوط ... ؟!!

وخطوات قليلة إلى داخل بيته حيث ضيوفه، سيجد لوط قوّته التي تمنى لو كانت له بهم، وسيجد الركن الشديد الذي إليه يأوي ... !

لكأن المشهد أمامي مااااثل ....

وهم يسألونه أن يسري بأهله بقطع من الليل وألا "يلتفت" والصبح من قطع الليل قرييييب ....

وأراه يسري... فقط يسري كما أُمِر ... ولا يلتفت ...

فإذا عاليها أسفلها، وإذا أسفلها عاليها.. تماما كما قلبوا، قُلِبت عليهم ...

وإذا المطر وعادته وصفته ماء، يغدو نارا مسومة تصيب القوم بأسمائهم ... !!

كأني أراها وقد قُلبت، وقد أحرق أهلها بمطر النار !!!

والصبح قرييييب .... !! قريب من لوط وممّن معه ..

وما أُهلك قوم لوط، إلا وقد بُشِّر إبراهيم بإسحاق ويعقوب ...

فهنا هلاك، وهناك بشرى...

وهنا "قوم" مُهلَكون معذَّبون... وهناك غلام عليم مُبشَّر به ...

فالقوم بعددهم كلا شيء .... والغلام وحده أمة قادمة للإيمان الذي لا يموت ولا ينتهي على الأرض وجوده ... بل يولد مع كل حامل للوائه ..

صور... صور... حركة، حياة ... حياة تنبض هي صفحات القرآن ... !!
العنوان: رد: في ظلال القرآن :: 2016 ::
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2018-01-13, 11:35:15
سيدنا زكريا عليه السلام كان كلما دخل على مريم المحراب وجد عندها رزقا ..

"قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ" ...

** تحيّر سيدنا زكريا، ودُهش من رزق وجده عندها ليس لها ولا لغيرها يد فيه ... فسألها : أنّى لك هذا ؟... أي كيف لك بهذا ؟..

وهو النبي المصطفى الموقن، الذي يعرف طلاقة قدرة ربه حقّ المعرفة، ويعلم علم اليقين أن ربه على كل شيء قدير...

هو النبي المحدّث من السماء... سأل وقد تحيّر من خرق "الأسباب" ... وتجاوزها بمشيئة مسبب الأسباب..
تساءل وقد رأى تجاوزا لما تعوّد من قانون الأسباب...

حتى أجابته مريم ... وهي الأخرى صاحبة اليقين .. أجابته أن الله يرزق من يشاء بغير حساب ...

هنالك ... !! عندها ...!!
عندما رأى ما رأى وسمع من مريم ما سمع ... وهو النبي المحدث من السماء يتعلم من مريم الصديقة فيهرع يدعو ربه ...

"فَنَادَتْهُ الْمَلائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِّنَ الصَّالِحِينَ "

استجاب له ربه فور دعائه .. بشّره من فوره ...

ولكن .... !!

** هذا سيدنا زكريا عليه السلام للمرة الثانية يسأل...
يسأل بالصيغة ذاتها : "أنى يكون لي غلام ...؟

ولم يكتفِ بهذه الكلمات، بل لقد فصّل ...
فصّل حاله من الكبر وحال زوجه العاقر..
هذا الوضع ... فكيف يُتجاوز ويُسمح بحدوث ما لا تتيحه الأسباب ؟!
وهو النبي الذي يعلم علم اليقين طلاقة قدرة ربه، وهو قبل قليل قد تزوّد مع زاده من مريم ... يتحيّر فيسأل ... يسأل بموجب ما عرف وتعود من الأسباب ... وهو يرى ما يتعداها ويتجاوزها...

** ثم هذه مريم التي أعلمها ربها أنه قد اصطفاها وطهرها واصطفاها على نساء العالمين ... الراكعة الساجدة القانتة لربها، الموقنة بقدرته...تلك التي أماطت عن زكريا حجاب الحيرة من رزقٍ أتاها بلا سبب ...

هي ذي ...يبشرها ربها بكلمة منه، عيسى بن مريم وجيها ومقربا ويكلم الناس في المهد وكهلا ومن الصالحين ...

ولكن ... !

هي ذي تسأل ... !!
تسأل بالصيغة ذاتها التي سأل بها زكريا : "رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ ...
ولم تكتفِ بها كلمات، بل قد فصّلت بذكر السبب الغائب ... : " ولم يمسسني بشر "..

ذكرت الأسباب... أبدت حيرتها من خرق قانون الأسباب... وهي مَن هي في القرب والاصطفاء ... !!

ورب العزة في عُلاه لم ينكر على أحدهم سؤاله، بل أجابهم ...

هم أولاء صفوة من عباد الله المقربين الأخيار ... يعترفون بالأسباب، وبسريانها، وبكونها القانون الساري والعادة الجارية التي تُعرف بها مسالك الحياة ...

هم أولاء لا يخفون حيرتهم، ويتساءلون، ويسألون وهم يخاطبون ربا يوقنون بقدرته على كل شيء، وهم أهل المعجزات، وهم المحدثون من السماء ...

وهم الذين كُشفت عنهم حُجُب وحُجُب .. !!

بينما سرعان ما يصدق البشر العاديون(المسلمون) بالخوارق في عصر تجاوزته المعجزات ... وسرعان ما يلغون دور الأسباب ... أهل هذا الكتاب العظيم الذي احترم العقل، فخاطبه وأقنعه بالحجة ...

وليتهم... ياليتهم تساءلوا كما تساءل الأنبياء... وكما تساءلت الصديقة أم النبي وهم الأولى بألا يسألوا، ونحن الأولى بأن نسأل ... !!
العنوان: رد: في ظلال القرآن :: 2016 ::
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2018-01-13, 11:36:01
سيدنا إبراهيم عليه السلام لما أخبره ربه أنه جاعلُه للناس إماما .. من فوره فكر بذريته ... قال : ومن ذريتي..

من فرط ما أحب أن تكون الإمامة إلى الخير، إلى الإسلام في ذريته من بعده...
من فرط حرصه على بقاء الدعوة إلى الله من بعده ...
من فرط استحقاقه لتلك الإمامة التي تُعلي أمر الله وكلمته في الأرض كان تمنّيه بقاءها بعد موته ...

ولكن ردّ الله تعالى كان : لا ينال عهدي الظالمين ..

كان تعليما لإبراهيم عليه السلام أنّ الإمامة ليست تشريفا فينالها ابن الإمام وإن كان ظالما ...
كانت ضمنيّةَ أن من ذريته من سيكون ظالما .. فليس انتسابه لأب إمام يخوّل نيله لعهد الله تعالى ... !

ولكن ... ! بالمقابل لا يصل الأمر أن يُحرَم العهدَ من ذريته من يكون له أهلا ..

نمشي الهُوَيْنى مع الآيات ...

"وَعَهِدْنَا إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ "

فها هو إسماعيل عليه السلام ينال العهد ... !

ثم ها هو مع أبيه النبي عليهما السلام يرفعان القواعد من البيت، ويدعوان بأن يتقبل الله منهما... ثم :

"رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا ۖ إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ128 رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ ۚ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ 129"

إنهما يدعوان الله تعالى أن يجعلهما مسلمَين له ومن ذريتهما أمة مسلمة ... وأن يبعث فيهم رسولا منهم ...

وقد كان ... !
كان أيضا من ذريته من استحق نيل العهد...
إذ لم يكن من الظالمين .. وكانت له الإمامة المستحقة ..

لنتأمل كيف دعوا سويا أن يجعلهما الله "مسلمَين" ومن ذريتهما أمة "مسلمة" .. وأن يبعث فيهم رسولا يدعو للإسلام ...

وهذا هو النسب الحق وهذه هي الرحم... "الإسلام".. وله تكون الإمامة ...وهؤلاء هم من استحقوا العهد ...هؤلاء الذين لم يظلموا ...

أما من قال منهم ظالما كاتما شهادة الحق أن إبراهيم كان يهوديا أو نصرانيا وأن إسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط كانو هودا أو نصارى ... وأنْ كونوا هودا أو نصارى تهتدوا ... وأنه لن يدخل الجنةَ إلا من كان هودا أو نصارى ...
فأولئك الذين لم يستحقوا العهد ...

أولئك الذين ظلموا فاختلقوا غير " الإسلام" ... وافتروا على إبراهيم غير الإسلام ... بل افتروا على الله كذبا أن دعا أنبياؤه إلى غيره...

حتى برّأ الله نبيه من افتراءات "الظالمين" الذين لم يكونوا أهلا لعهد الله : " مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَٰكِن كَانَ حَنِيفًا مُّسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ "

وقال سبحانه: " وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَىٰ تَهْتَدُوا ۗ قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا ۖ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ "

وقال سبحانه : " وَقَالُوا لَن يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَن كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَىٰ ۗ تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ ۗ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِين * بَلَىٰ مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِندَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ "

وقال سبحانه :"أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطَ كَانُوا هُودًا أَوْ نَصَارَىٰ ۗ قُلْ أَأَنتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ ۗ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَتَمَ شَهَادَةً عِندَهُ مِنَ اللَّهِ ۗ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ "

"من أظلم" منهم أولئك الذين علّم الله إبراهيم عنهم وهم من ذريته، أنهم من ظلمهم لن ينالوا عهد الله ... ! وقد كانوا... وكان ظلمهم بادعائهم على أنبياء الله غير الإسلام وغير الدعوة إليه...كما كان من استحق العهد والإمامة صلى الله عليه وسلم مع من استحق.. فكان إمام المرسلين...!
العنوان: رد: في ظلال القرآن :: 2016 ::
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2018-01-13, 11:36:43
{ وَقَالَ الْمَلَأُ مِن قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَىٰ وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ ۚ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ }

إننا إذا تأملنا وعيد فرعون : "سنقتّل أبناءهم ونستحيي نساءهم" ...
ذلك هو فعلك يا فرعون في قوم موسى من قبل ... ألم تقتّل أبناءهم خوفا ممن سيهدد ملكك ؟!  emo (30):

وها أنت ذا تعيد وعيدك أمام من سلم ونجا وهو ذا يهدد ملكك...!  emo (30):

على الأقل قد فعلتَها قبلا توجسا من منامك... سلاحا أشهرتَه بوجه القدر ...لئلا يكبر ذاك الولد .. فما أفلحتَ وما أغنى حَذَرك ...وها هو الولد ذا ماثل بين يديك وما تقدر يا فرعون عليه ..!!

أما اليوم فستقتّل أبناءهم من جديد خوفا ممّن ؟!
أمِن ولد جديد يكبر ؟!!

ما حزرتَ يا فرعون ... ! وأنت من هول ما أصابك وما تحقق وكنت تحسب نفسك قد حلتَ دون تحقّقه.. تعيد طريقك البائس...  emo (30):

لقد كبر الولد يا فرعون ... !! ولقد أُيِّد بقوة خير الماكرين...

ولقد غدا القائدَ والمستنهِض.. ولم يعد لك من سانحة لتحقق وعيدا لم تحققه من قبل وقد كانت الطريق أمامك ممهّدة ... !

إنهم من هول خسارتهم يعيدون طريقهم الخاسر يحسبونه المنجاة .. !
وسيكبر الولد يا كلّ فرعون !! سيكبر الولد ... وستتهدّد وستتوعّد ... ستسلك طريقك البائس ذاتَه... ولن تفلح يومها يا كلّ فرعون............. إذ سيكبر الولد......... !
العنوان: رد: في ظلال القرآن :: 2016 ::
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2018-01-13, 11:39:24
اجتمعنا... فجمعَنا حديث حول "السؤال" والحق في السؤال، وواجب السؤال، حتى لا يكون العقل نَهبا لمن يريد له نهبا، وحتى لا يكون لقمة سائغة لكل من يريد افتراسه ... !

فذكرتُ شيئا من سؤال الأنبياء والمصطفين، أصحاب المعجزات والآيات الخارقة للأسباب، وللطبيعة ولنواميس الكون... وأنّ ذلك لم يكن حائلا دون سؤالهم وفقا لقانون الأسباب ...

زكريا عليه السلام وقد أجاب ربُّه دعاءه بأن يهبَه ذرية طيبة، سأل كيف يكون له ذلك وقد بلغه الكبر وامرأته عاقر ؟!
وقد سأل من قبلُ مريم عن رزق رُزِقتْه أن كيف يكون لها من غير سعي منها ؟!

ومريم الصديقة إذ سألت ربها وهي المصطفاة على نساء العالمين كيف يكون لها ولد ولم يمسسها بشر ؟!

وإبراهيم عليه السلام لما سأل ربه أن يريه كيف يحيي الموتى.. وموسى عليه السلام أن يريه ينظر إليه...

وكل هذا في حوارات "حرة" مكفول فيها حق العقل في السؤال، بينهم وبين الله جلّ في علاه، فلم يكن سبحانه يعاقبهم على سؤالهم، بل كان يجيبهم ...

وهكذا كان أصحاب المعجزات يسألون من منطلق احترامهم للأسباب، وأنْ كيف تُخرَق ... بينما يستسيغ المسلمون اليوم "الخرافة" ويستسهلون تصديقها دون أدنى سؤال، ولا تمرير للأمر عبر مِصفاة العقل والتعقل بدعوى أن الله على كل شيء قدير، وهم الأولى بالسؤال ممّن اصطفاهم الله وخرق لهم الأسباب، وهم على أتم اليقين بقدرته على كل شيء... والبشر العاديون أولى بسؤال بشر مثلهم يمرّر ما يشاء من معلومات مختلَقة وملفّقة... !!

وكعادتها صديقتي التي أحب حبّها للأغوار، هاتفتْني بعد اجتماعنا  emo (30):
تُفرغ من لَهْف نفسها، وتَحرّقها على دين لم يُفهم كما ينبغي له أن يُفهَم... بل شبّ المسلمون على مفاهيم مغلوطة توارثوها جيلا بعد جيل...

فقالت لي بهدوئها المعتاد...ولكنه الهدوء الذي ينقل "الغَلْي" نقلا منقوطا مَشكولا واضحا غير مُبهم ولا مُغمّى بغلاف الثورة والهيجان، فلا يتيهُ عندها المعنى في المنعرجات والمنزلقات  emo (30):

نقل من يتروّى وهو ينقل "الغضب" فينقله بعبارات دقيقة منتقاة معبِّرة ...

قالت : أتعلمين لقد صوروا لنا الإسلام كذلك الرّجل الذي يمسك بقفا من يدفعه دفعا عنيفا فيجعله بدفعه إياه مطأطَأَ الرأس مخفوض الهامة، منكّس القامة ... يدفعه من قفاه وهو يردد في لازمةٍ تؤكد له نهجَه الذي يوجب الانصياع والتسليم، حتى يستيقن دوام انصياعه ولا يتوهم الخلاص في يوم من الأيام: هُسْسْسْسْسْ .... ممنوع أن تنبِس ببنت شفة ... هُسْسْسْسْ .... !!

هكذا صوّروه لنا ... فلا تسأل، ولا تبحث، ولا تنبس... فقط خذ استجب، وصدّق... ولا تناقش... فالسؤال ممنوع والنقاش محرّم... !!

ألا إن المحرّم والممنوع هو إهدار العقول، وشلُّها، واغتصابها، واستباحتها باسم "الإسلام"... ! حاشاه ثم حاشاه ثم حاشاه ... !!!
العنوان: رد: في ظلال القرآن :: 2016 ::
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2018-01-13, 11:41:24
كلما جاءت قصة تبشير الملائكة المرسلين لإبراهيم عليه السلام بالغُلام العليم .. والتعريج منه على لوط عليه السلام ...

شعرت بانتعاشة في روحي .. وأنا أتأمل الجمع بين ميلاد "غلام" عليم وبين إهلاك "قوم" عاصين عادين ...

في سورة الحِجر ... يأتي ذكر توعّد الشيطان بغواية الناس أجمعين إلا عباد الله المخلَصين... ويردّ الله سبحانه بوعيده الحق للغاوين ليملأنّ جهنم منهم أجمعين ...

تليها مباشرة قصة البشرى "بالمولود" العليم، وإهلاك "القوم" الفاسدين ....
لا يؤُدُه سبحانه ... لا يؤده أن يُهلك أقواما بقضّهم وقضيضهم ويُحيي غلاما عليما... وإنها للبشرى بالواحد بإزاء الإهلاك للكثيرين ...

الحق ليس العدد... الحق ليس الكثرة ... !
وذاك الواحد العليم ذاتُه في موقع آخر من القرآن الكريم : "وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِن وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ" -هود : 71 -

فهو العليم مِن ورائه العليم ...

لن يضر أمرَه سبحانه هلاكُ العدد... أمرُهُ حيٌّ لا يموت ... بل يحيا مع الواحد يحقّق موعوده بإتمام نوره ... وحتى مَن يُصنعون على عين ذلك الواحد العليم ليس العددُ منهم مقياسا وأساسا لإتمامه ... !
العنوان: رد: في ظلال القرآن :: 2016 ::
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2018-01-13, 11:49:22
عندما قرأت سورة الجن، مرّ بخَلَدي الكثير من الصور، والكثير من التصورات التي شاعت وانتشرت، مرّت بخَلَدي الحكايات التي كنا نسمعها منذ صغرنا، وما انتشر عن الجنّ من صحيح وسقيم، من خرافة وحقيقة ... وليت الحقيقة كانت الغالبة ...

عندما قرأت سورة الجنّ قراءة المتدبر أحسست بالاطمئنان، على غير عادة ما تكون عليه الأحوال عند ذكر الجنّ ! أحسست بالراحة ... أحسست بالاختلاف ... تلمست الحقيقة بقوتها ...
كان كلما ذُكر الجن، خاف من خاف، وارتعب من ارتعب، وتحاشى من تحاشى السماع عنهم، أو الحديث عنهم ... ويالهول الحال إذا ما كان الحديث ليلا ... !

في سورة الجنّ، تعرفت إلى الجنّ ...
استمعت لقول النفر منهم، وتحسست رقيّ فِكرهم، وسلامة منطقهم، بل وعرفت أنّ لهم رشدا ... بل وفهمت كم كانوا يتحرون الرَّشَد والحكمة ...
فذكرت أمر التقوّل عليهم بأنهم أهل التلبّس والدخول في جسم الإنسان، وأنّ من كان متلبَّسا بهم عُدّ كالفاقد لعقله، المُتحكَّم به، المُتسلَّط عليه ...!

ذكرت هذا من حكايات كنا وما نزال نسمعها، مقابل ما عرفت وتلمست من حقيقة في سورة الجن ... فتمثلوا قُبالتي تمثل بريئ متّهَم مُرمَى بتخريفات من نسج أخيلة الإنس، بأكاذيب وأباطيل وأخيلة نفسية جعلوها الحقيقة غصبا ...
فإذا بالإنس المتقوّلون بهذا هم أهل الهذيان والتخريف، والسَّفه، وإذا الجنّ من جنس ذاك "النفر" هم أهل الحكمة والرشاد ... !
وياللمفارقات ... والذي تحرّى الرشد، وعرف مَعين الرُّشد فنهل منه، قد غدا من أوهام الناس وتخريفاتهم وتقوّلاتهم المجرم المتسلط، المتحكم الذي يأخذ من الإنسان كل مأخذ، فإذا هو كالرياح العاتية، وإذا الإنسان معها كالقشة في مهبّها ... !

تبدّت لي الحقيقة بإزاء الأوهام ... وتبدّت لي المسافة بين الحقيقة والخيال وهي القريبة غير البعيدة، وقد صيّرناها من اكتفائنا بالأقوال، والحكايات والمرويات والمنسوجات بعيدة بعيدة  ... بعيدة... على كتاب الله موقعها ... ولكنهم يحفظون الحروف من السورة ويتلونها ويعرضونها، ويحفّظونها وهم بالمقابل ممن يختلق حكايات التلبس ويتداولها، وينقلها ...

عندما قرأت قول النفر في سورة الجن  : " إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآناً عَجَباً " ... أصغيت أكثر فإذا بهم يصفونه بقولهم : "يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ " ... فإذا وصفهم أروع وصف، وأدق وصف ... فإذا هم النفر أهل للرشد ولتبيّن معينه ونبعه ...
فإذا بعقول تزن فتحسن الوزن، وألسنة تصف فتحسن الوصف ...
أصغيت أكثر أنشد الرشد مع  نفر الجنّ فإذا هم يقولون : " فَآمَنَّا بِهِ وَلَن نُّشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَداً" ...
يقرون بوحدانية الله تعالى، ويقرّون بالتوحيد، وألا يشركوا بالواحد أحدا ...
هم أولاء يقتطفون الثمرة الأكثر إيناعا ... الثمرة الأهم... 
هم أولاء من رشدهم يعلنون التوحيد الخالص ويقرّون البراءة من الشرك ...

فأيّ فرق هو وأّي بَون شاسع بين أن نتحاشى ذكر الجن، وأن نصدق تلبسهم بالإنس، وأن نرتعب من مجرد سماع اسمهم قبل وصفهم وكأنهم العُتاة المجرمون، والأشباح المروّعون... وبين أن نستمع للحكمة من أفواه النفر الراشد منهم ...  فنتعلم، ونرى أنفسنا المتعلمين بين أيديهم، نراهم أهل هدى وأصحاب رشاد وحكمة، وأهلا للاقتداء بهم...

أصغيت مرة أخرى للنفر الحكيم، فإذا هم يقولون : "وأنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلا وَلَداً"

تأملت ... فإذا هم قد أعلنوا التوحيد رأسا، وثنّوا بتبرُّئهم من الشرك وقرار مباعدته ... ولم يكتفوا بذلك بل زادوا إيمانهم قوة وجلاء وهم  يقدّرون الله حق قدره، فيفقهون أنّ من عُلوّ شأنه سبحانه عدم اتخاذه الصاحبة والولد .. فكان منهم التوحيد الخالص، والإيمان السليم بعظمته حدّ تنزيهه عما تقوّله الإنس عليه إدّا ...
كان منهم تاما كاملا كما ينبغي لعظيم سلطانه وجلال قدره ...

بل وأصغيت أكثر للنفر الرشيد ..  !
فوجدتهم  وقد اهتدوا يهتدون للسفيه فيهم وهو يقول على الله الشطط.. والكذب، ويالرشادهم وهم يَميزون السفيه من الرشيد ...!
فيا معشر الإنس ... أيّ الفريقين أحق بصفة الرشاد ... نفر الجنّ هذا  أم المتقوّل منا على جنسهم شططا وكذبا .. ؟!!
أي الفريقين أهدى، آإنسيّ يرى الجن شبحا غازيا مستعمرا ضارا عابثا عائثا في جسم الإنسان فسادا، أم جنيّ يسترشد ويستهدي، حتى يهتدي إلى الحق، فيعلن التوحيد والإيمان كأحسن ما يعلنه عبد موحد مؤمن . ؟!

ولا ينقضي العجب من نفر سمعوا قرآنا عجبا ... وأنت لا تفتأ تقرأ عن استرشادهم واهتدائهم للرشاد حتى تقرأ عن الرشد من جديد وهو نشدانهم ...
فأصغيت أيضا ... فإذا هم قائلون : " وإنَّا لا نَدْرِي أشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الأرْضِ أمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدا"

"رشدا" .... إيه ثم إيه للنفر الرشيد ... !
إيه لقوم وعباد هم للرحمن ظننّا بهم السّفه والشر المطلق حتى وإن قال مَن قال عابرا غير راكز : "إن منهم مسلمون ومنهم كافرون " ...
يقولونها عابرة ... ودَيْدَنُهم حكايات وروايات التلبس والمسّ وأكاذيبها ذات الألوان والألوان ... !!!
بينما هم أولاء صادقون، متواضعون، لا يدّعون علما بما لا علم لهم به، لسان حالهم التمييز بين السفه والرشاد ...
"وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَٰلِكَ ۖ كُنَّا طَرَائِقَ قِدَدًا "
ورغم إيمانهم واهتدائهم ونِشدانهم الرشاد في كل مرة، وتمييزهم بين حق وباطل، إلا أنهم من تواضعهم -والتواضع من سمات الراشدين- جمعوا أنفسهم مع مَن جمعوا ولم يكونوا حَكَما على قومهم من علُ .. !

ثم قريبا قريبا غير بعيد ... وقد أصغيت من جديد ... يزيدون فيعلنون إيمانهم تعزيزا وتوكيدا...فيصفون القرآن بوصفه الأدق
"وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدَى آمَنَّا بِهِ فَمَن يُؤْمِن بِرَبِّهِ فَلَا يَخَافُ بَخْساً وَلَا رَهَقاً"
وأصغيت وقد طاب لي الإصغاء للنفر الرشيد ... فإذا هم للرشاد ملازمون، ولأهله عارفون ... فكما صرّحوا أنّ منهم الصالحون ومنهم دون ذلك يصرحون هذه المرة أن منهم المسلمون ومنهم القاسطون :"فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُوْلَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَداً"
"تحروا رشدا" ... فأي جنس هو من خلق الله وعبيده يفكر ويتعقل، ويميز، فيهتدي، ويؤمن، ويفقه، بل ولا ينفك للرشد ناشدا رانيا...بينما يصِمُهُ الإنسيّ بالتلبس والإيذاء ولا يحسن  الحديث عنه بأكثر من ذلك .. فأي الفريقين للرشاد أقرب ؟!

وإنّ هذا النّفر من الجنّ لأهلٌ لتعليمنا الرشاد معشر الإنس...
العنوان: رد: في ظلال القرآن :: 2016 ::
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2018-01-29, 09:52:38
وأنا أقرأ أعجبني نفسير ابن عاشور لهذه الآية، واستدلاله ببعض القرائن من الآيات لتقوية هذا المعنى فيها :


{ إِنَّ أَجَلَ الله إِذَا جَآءَ لاَ يُؤَخَّرُ لَوْ كُنتُمْ }.
يحتمل أن تكون هذه الجملة تعليلاً لقوله : { ويؤخرْكم إلى أجل مسمى ، } أي تعليلاً للربط الذي بين الأمر وجزائه من قوله : { أن اعبدوا الله } إلى قوله : { ويؤخِّركم } الخ لأن الربط بين الأمْر وجوابِه يعطي بمفهومه معنى : إِنْ لا تعبدوا الله ولا تتقوه ولا تطيعوني لا يغفر لكم ولا يؤخركم إلى أجل مسمى ، فعُلل هذا الربط والتلازم بين هذا الشرط المقدر وبين جزائه بجملة { إنّ أجل الله إذا جاء لا يؤخر } ، أي أن الوقت الذي عيّنه الله لحلول العذاب بكم إن لم تعبدوه ولم تطيعون إذا جاء إِبَّانه باستمراركم على الشرك لا ينفعكم الإِيمان ساعتئذٍ ، كما قال تعالى : { فلولا كانت قرية آمنت فنفعها إيمانها إلاّ قوم يونس لما ءامنوا كشفنا عنهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ومتعناهم إلى حين } [ يونس : 98 ] ، فيكون هذا حثاً على التعجيل بعبادة الله وتقواه.
فالأجَل الذي في قوله : { إن أجل الله إذا جاء لا يؤخر } غير الأجل الذي في قوله : { ويؤخركم إلى أجللٍ مسمى } ويُناسِب ذلك قولُه عقبه { لو كنتم تعلمون } المقتضي أنهم لا يعلمون هذه الحقيقة المتعلقة بآجال الأمم المعيَّنة لاستئصالهم ، وأما عدم تأخير آجال الأعمار عند حلولها فمعلوم للناس مشهور في كلام الأولين.
وفي إضافة { أجل } إلى اسم الجلالة في قوله : { إن أجل الله إذا جاء لا يؤخر } إيماء إلى أنه ليس الأجل المعتاد بل هو أجل عيّنه الله للقوم إنذاراً لهم ليؤمنوا بالله.
العنوان: رد: في ظلال القرآن :: 2016 ::
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2018-02-07, 11:58:54
"ألر ۚ تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ (01)أكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَىٰ رَجُلٍ مِّنْهُمْ أَنْ أَنذِرِ النَّاسَ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِندَ رَبِّهِمْ ۗ قَالَ الْكَافِرُونَ إِنَّ هَٰذَا لَسَاحِرٌ مُّبِينٌ (02)" -يونس-

مدار السورة حول تعجبهم من بعث الله تعالى لرجل منهم، وإيحائه له...

فنجد أقسام السورة كلها تدور حول هذا المحور ... حول أن من حكمة الله تعالى أن بعث فيهم بشرا رسولا، رجلا منهم

فنجد المحاججة في أحقية الله تعالى بالعبادة، ثم في صدق القرآن وأنه من عند الله، ثم في صدق البعث والحشر ...

وهذا شيء مما كتبته في السورة على كراستي :  ::)smile:

(http://www.ayamnal7lwa.net/forum/index.php?action=dlattach;topic=6374.0;attach=12369;image)


العنوان: رد: في ظلال القرآن :: 2016 ::
أرسل بواسطة: ابنة جبل النار في 2018-02-07, 16:42:32
كراسة المعلمة ام التلميذة؟ :) جميل  :)
العنوان: رد: في ظلال القرآن :: 2016 ::
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2018-02-07, 19:07:56
كراسة المعلمة ام التلميذة؟ :) جميل  :)

هكذا أسجل تدبراتي حول السور على كراسات  ::)smile:
العنوان: رد: في ظلال القرآن :: 2016 ::
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2018-02-15, 09:27:17
في سورة يوسف، تمالأ الإخوة عليه، فكان أن اجتمعوا أولا ... وتحاوروا ...

إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَىٰ أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ (8) اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِن بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ (9) قَالَ قَائِلٌ مِّنْهُمْ لَا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ (10)

فإذا تأملنا وجدناهم يتمالؤون على شر، ولكنهم لن يواجهوا أنفسهم أنه الشر، بل سيزينه لهم السيطان، وسيزينونه لأنفسهم ... فلقد تمخض اجتماعهم عن قرار نتج عن التالي :

1- إذْ قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَىٰ أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ (8)
  --------------->    مَنطَقَة حجة ودافع لضمائرهم (حب أبينا له وضلاله وِفق ذلك)

2-  اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِن بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ (9)  --------------->   تزيينهم عاقبة الجريمة . (خلو وجه أبيهم، وأن يصبحوا صالحين بتوبتهم وبخلوّ أنفسهم من غمّة يوسف)

3-  قَالَ قَائِلٌ مِّنْهُمْ لَا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ (10)  ---------------> (القرار الأخير بإلقائه في الجب، وهو ذاتُه رحمة إلهية تجري على لسان أحدهم.)


العنوان: رد: في ظلال القرآن :: 2016 ::
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2018-02-15, 10:31:30
فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَن يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ ۚ وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُم بِأَمْرِهِمْ هَٰذَا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (15)

في هذه الآية الكريمة ... يتراءى بوضوح:

1- بداية تنفيذهم الجريمة .
2- تيسّر الأمر الذي اجتمعوا عليه.
3-  تحقق مُرادهم بإرسال يوسف معهم .

ولكن .......


"وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُم بِأَمْرِهِمْ هَٰذَا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ "

هنا حقيقة الأمر ... حقيقة بداية تحقق مُراد الله تعالى وهي المخفية لا مُرادهم كما يظهر

فيوسف قد بدأت معه محنة الجب .... وهي على ظهورها محنة، إلا أن في قلبها تسري الرحمة الربانية بهذا الوحي إليه أنه سينبئهم ... فهو في الجب محمّل بــ :
1- الرؤيا المنبهة والمؤنسة له على علو شأنه .
2- بالوحي إليه إيذانا بأنه سينبؤ مستقبلا .

وهكذا لا يكون إلا ما يريد سبحانه  في صورة ما يريد البشر
العنوان: رد: في ظلال القرآن :: 2016 ::
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2018-02-15, 14:17:15
وهذا يوسف عليه السلام يُساق إلى التمكين في الأرض في صور مِحن ...

محنة الـــــــــــــــــــــــجُبّ --------------->  "لتنبئنهم بأمرهم هذا وهم لا يشعرون"
محنة استرقاقه وبيعه عبدا --------------->  "وكذلك مكنا ليوسف في الأرض ولنعلمه من تأويل الأحاديث"

الجب بصورة محنة، والاسترقاق وبيعه بصورة محنة .... ولكنهما كانا طريقه إلى التمكين ....
**وإخوته قد ظنوا بأنفسهم فلاحا وأمرهم ماض وقد ألقوه...
**والسيارة قد ظنوا بأنفسهم فلاحا وهم يغضون الطرف عن البحث عن أهله ومساعدته، فيسرّونه بضاعة ليبيعوه ويأخذوا عنه مالا، ويمضي أمرهم ويتحقق لهم ما أرادوا

هذا أمر ظاهر للإنسان، ومن الإنسان ....... وأمر الله مخفي ولكنه هو الممضيّ والماضي .
العنوان: رد: في ظلال القرآن :: 2016 ::
أرسل بواسطة: ماما هادية في 2018-03-04, 10:31:46
عندما قرأت سورة الجن، مرّ بخَلَدي الكثير من الصور، والكثير من التصورات التي شاعت وانتشرت، مرّت بخَلَدي الحكايات التي كنا نسمعها منذ صغرنا، وما انتشر عن الجنّ من صحيح وسقيم، من خرافة وحقيقة ... وليت الحقيقة كانت الغالبة ...

عندما قرأت سورة الجنّ قراءة المتدبر أحسست بالاطمئنان، على غير عادة ما تكون عليه الأحوال عند ذكر الجنّ ! أحسست بالراحة ... أحسست بالاختلاف ... تلمست الحقيقة بقوتها ...
كان كلما ذُكر الجن، خاف من خاف، وارتعب من ارتعب، وتحاشى من تحاشى السماع عنهم، أو الحديث عنهم ... ويالهول الحال إذا ما كان الحديث ليلا ... !

في سورة الجنّ، تعرفت إلى الجنّ ...
استمعت لقول النفر منهم، وتحسست رقيّ فِكرهم، وسلامة منطقهم، بل وعرفت أنّ لهم رشدا ... بل وفهمت كم كانوا يتحرون الرَّشَد والحكمة ...
فذكرت أمر التقوّل عليهم بأنهم أهل التلبّس والدخول في جسم الإنسان، وأنّ من كان متلبَّسا بهم عُدّ كالفاقد لعقله، المُتحكَّم به، المُتسلَّط عليه ...!

ذكرت هذا من حكايات كنا وما نزال نسمعها، مقابل ما عرفت وتلمست من حقيقة في سورة الجن ... فتمثلوا قُبالتي تمثل بريئ متّهَم مُرمَى بتخريفات من نسج أخيلة الإنس، بأكاذيب وأباطيل وأخيلة نفسية جعلوها الحقيقة غصبا ...
فإذا بالإنس المتقوّلون بهذا هم أهل الهذيان والتخريف، والسَّفه، وإذا الجنّ من جنس ذاك "النفر" هم أهل الحكمة والرشاد ... !
وياللمفارقات ... والذي تحرّى الرشد، وعرف مَعين الرُّشد فنهل منه، قد غدا من أوهام الناس وتخريفاتهم وتقوّلاتهم المجرم المتسلط، المتحكم الذي يأخذ من الإنسان كل مأخذ، فإذا هو كالرياح العاتية، وإذا الإنسان معها كالقشة في مهبّها ... !

تبدّت لي الحقيقة بإزاء الأوهام ... وتبدّت لي المسافة بين الحقيقة والخيال وهي القريبة غير البعيدة، وقد صيّرناها من اكتفائنا بالأقوال، والحكايات والمرويات والمنسوجات بعيدة بعيدة  ... بعيدة... على كتاب الله موقعها ... ولكنهم يحفظون الحروف من السورة ويتلونها ويعرضونها، ويحفّظونها وهم بالمقابل ممن يختلق حكايات التلبس ويتداولها، وينقلها ...

عندما قرأت قول النفر في سورة الجن  : " إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآناً عَجَباً " ... أصغيت أكثر فإذا بهم يصفونه بقولهم : "يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ " ... فإذا وصفهم أروع وصف، وأدق وصف ... فإذا هم النفر أهل للرشد ولتبيّن معينه ونبعه ...
فإذا بعقول تزن فتحسن الوزن، وألسنة تصف فتحسن الوصف ...
أصغيت أكثر أنشد الرشد مع  نفر الجنّ فإذا هم يقولون : " فَآمَنَّا بِهِ وَلَن نُّشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَداً" ...
يقرون بوحدانية الله تعالى، ويقرّون بالتوحيد، وألا يشركوا بالواحد أحدا ...
هم أولاء يقتطفون الثمرة الأكثر إيناعا ... الثمرة الأهم... 
هم أولاء من رشدهم يعلنون التوحيد الخالص ويقرّون البراءة من الشرك ...

فأيّ فرق هو وأّي بَون شاسع بين أن نتحاشى ذكر الجن، وأن نصدق تلبسهم بالإنس، وأن نرتعب من مجرد سماع اسمهم قبل وصفهم وكأنهم العُتاة المجرمون، والأشباح المروّعون... وبين أن نستمع للحكمة من أفواه النفر الراشد منهم ...  فنتعلم، ونرى أنفسنا المتعلمين بين أيديهم، نراهم أهل هدى وأصحاب رشاد وحكمة، وأهلا للاقتداء بهم...

أصغيت مرة أخرى للنفر الحكيم، فإذا هم يقولون : "وأنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلا وَلَداً"

تأملت ... فإذا هم قد أعلنوا التوحيد رأسا، وثنّوا بتبرُّئهم من الشرك وقرار مباعدته ... ولم يكتفوا بذلك بل زادوا إيمانهم قوة وجلاء وهم  يقدّرون الله حق قدره، فيفقهون أنّ من عُلوّ شأنه سبحانه عدم اتخاذه الصاحبة والولد .. فكان منهم التوحيد الخالص، والإيمان السليم بعظمته حدّ تنزيهه عما تقوّله الإنس عليه إدّا ...
كان منهم تاما كاملا كما ينبغي لعظيم سلطانه وجلال قدره ...

بل وأصغيت أكثر للنفر الرشيد ..  !
فوجدتهم  وقد اهتدوا يهتدون للسفيه فيهم وهو يقول على الله الشطط.. والكذب، ويالرشادهم وهم يَميزون السفيه من الرشيد ...!
فيا معشر الإنس ... أيّ الفريقين أحق بصفة الرشاد ... نفر الجنّ هذا  أم المتقوّل منا على جنسهم شططا وكذبا .. ؟!!
أي الفريقين أهدى، آإنسيّ يرى الجن شبحا غازيا مستعمرا ضارا عابثا عائثا في جسم الإنسان فسادا، أم جنيّ يسترشد ويستهدي، حتى يهتدي إلى الحق، فيعلن التوحيد والإيمان كأحسن ما يعلنه عبد موحد مؤمن . ؟!

ولا ينقضي العجب من نفر سمعوا قرآنا عجبا ... وأنت لا تفتأ تقرأ عن استرشادهم واهتدائهم للرشاد حتى تقرأ عن الرشد من جديد وهو نشدانهم ...
فأصغيت أيضا ... فإذا هم قائلون : " وإنَّا لا نَدْرِي أشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الأرْضِ أمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدا"

"رشدا" .... إيه ثم إيه للنفر الرشيد ... !
إيه لقوم وعباد هم للرحمن ظننّا بهم السّفه والشر المطلق حتى وإن قال مَن قال عابرا غير راكز : "إن منهم مسلمون ومنهم كافرون " ...
يقولونها عابرة ... ودَيْدَنُهم حكايات وروايات التلبس والمسّ وأكاذيبها ذات الألوان والألوان ... !!!
بينما هم أولاء صادقون، متواضعون، لا يدّعون علما بما لا علم لهم به، لسان حالهم التمييز بين السفه والرشاد ...
"وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَٰلِكَ ۖ كُنَّا طَرَائِقَ قِدَدًا "
ورغم إيمانهم واهتدائهم ونِشدانهم الرشاد في كل مرة، وتمييزهم بين حق وباطل، إلا أنهم من تواضعهم -والتواضع من سمات الراشدين- جمعوا أنفسهم مع مَن جمعوا ولم يكونوا حَكَما على قومهم من علُ .. !

ثم قريبا قريبا غير بعيد ... وقد أصغيت من جديد ... يزيدون فيعلنون إيمانهم تعزيزا وتوكيدا...فيصفون القرآن بوصفه الأدق
"وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدَى آمَنَّا بِهِ فَمَن يُؤْمِن بِرَبِّهِ فَلَا يَخَافُ بَخْساً وَلَا رَهَقاً"
وأصغيت وقد طاب لي الإصغاء للنفر الرشيد ... فإذا هم للرشاد ملازمون، ولأهله عارفون ... فكما صرّحوا أنّ منهم الصالحون ومنهم دون ذلك يصرحون هذه المرة أن منهم المسلمون ومنهم القاسطون :"فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُوْلَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَداً"
"تحروا رشدا" ... فأي جنس هو من خلق الله وعبيده يفكر ويتعقل، ويميز، فيهتدي، ويؤمن، ويفقه، بل ولا ينفك للرشد ناشدا رانيا...بينما يصِمُهُ الإنسيّ بالتلبس والإيذاء ولا يحسن  الحديث عنه بأكثر من ذلك .. فأي الفريقين للرشاد أقرب ؟!

وإنّ هذا النّفر من الجنّ لأهلٌ لتعليمنا الرشاد معشر الإنس...


جميل جدا هذا التأمل والتدبر
بارك الله بك يا أسماء ونفع بك وأعلى قدرك
العنوان: رد: في ظلال القرآن :: 2016 ::
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2018-03-05, 07:37:26
اللهم آمين يا رب.ولك بالمثل يا هادية  emo (30):

رزقنا الله الإخلاص والصدق .
العنوان: رد: في ظلال القرآن :: 2016 ::
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2018-03-08, 09:28:05
سورة الرعد ... سورة عظيمة ...تتراءى العظمة في كل سور القرآن الكريم ... ولكنها تزداد وتتجلّى حينما نتسوّر السُّوَر ... حينما لا نكتفي بالتفرج من خارج السُّور...

ثلاث سور سبقت الرعد هي على التوالي : يونس وهود ويوسف، وكلها كانت بداياتها "ألر"

** فأما في يونس فكانت : "الر ۚ تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ" -يونس:1-
**وأما في هود فكانت: "الر ۚ كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ" -هود:1-
**وأما في يوسف فجاءت : "الر ۚ تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ" -يوسف:1-


وكلها عن الآيات وعن الكتاب، ولو أنّ الاهتمام بواحدة عن الأخرى حسب التقديم والتأخير لظاهر، بل وأشد ظهورا إذا بحثت في ورود "آية" و "آيات" في سورة يونس مثلا، وقد تقدمت على "الكتاب" للاهتمام بها خاصة ... لوقعتَ على ستّة عشر موقعا في السورة كلها عن الآيات وعن الآية ... وتجد الآيات بأنواعها بين قرآنية وكونية ومعجزة وحجة وبرهان وعلامة للعبرة والإسقاط ...

بينما لو بحثت في سورة هود، ونحن نعرف تقديم الكتاب على الآية، كما هو ظاهر من الآية الأولى، لعرفنا ورود الكتاب وما له علاقة بالوحي في آياتها يظهر ما يقرب عشرة مرات ... أما عن الآيات وورودها فلا تجد غير آيتين اثنتين ...

بينما تختص سورة يوسف سبحان الله بورود "آيات"  مرة واحدة وهي التي للسائلين من عبر ودروس وتربيات ... ولا وجود لغيرها إلا من ورود "الآيات" التي تعني الأدلة على براءة يوسف والتي بموجبها سُجِن عليه السلام ... وكأنما جاءت آيات السورة منتظمة لتُبينَ وتفصّل عن مجهول من القصص لم يكن الناس على علم به من قبل ... وتلك قصة يوسف عليه السلام بتفاصيلها ... فجاءت توافق بدء السورة بـ : "تلك آيات الكتاب المبين" ... آيات حوت آيات

إذن فقد اعتنت هذه السور الثلاث بالآيات وبالكتاب ... فجاءت الآيات بأنواعها، وعرفنا أنها المفصلة والمحكمة، كما عرفنا عن الكتاب أنه الحكيم، وأنه المبين ...

فتأتي الرعد بعدها لتقرّر جديدا ... وصفا جديدا شاملا للكتاب وللآيات سواء بسواء ...

فنقرأ بدايتها : "المر ۚ تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ ۗ وَالَّذِي أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ الْحَقُّ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ" -الرعد:1-

إنها الآيات وإنه الذي أنزل إليك من ربك ... مجتمعَيْن ... وإنهما مجتمعين الأجزاء المكوِّنة من ناحية(الآيات) والكلٌّ المتكوّن(الكتاب)... إنها الحق ...
العنوان: رد: في ظلال القرآن :: 2016 ::
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2018-03-12, 11:06:17
في قوله تعالى من سورة القلم : "إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَمَا تَخَيَّرُونَ" -38-

بدا لي أمر في "إنّ" إذ أن الأليق هنا "أنّ" ... حتى وجدت القرطبي يقول فيها ما يشفي :

إن لكم فيه لما تخيرون تختارون وتشتهون . والمعنى أن لكم ( بالفتح ) ولكنه كسر لدخول اللام ; تقول : علمت أنك عاقل ( بالفتح ) ، وعلمت إنك لعاقل ( بالكسر ) . فالعامل في إن لكم فيه لما تخيرون تدرسون في المعنى . ومنعت اللام من فتح إن .
العنوان: رد: في ظلال القرآن :: 2016 ::
أرسل بواسطة: ابنة جبل النار في 2018-03-13, 11:18:51
في قوله تعالى من سورة القلم : "إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَمَا تَخَيَّرُونَ" -38-

بدا لي أمر في "إنّ" إذ أن الأليق هنا "أنّ" ... حتى وجدت القرطبي يقول فيها ما يشفي :

إن لكم فيه لما تخيرون تختارون وتشتهون . والمعنى أن لكم ( بالفتح ) ولكنه كسر لدخول اللام ; تقول : علمت أنك عاقل ( بالفتح ) ، وعلمت إنك لعاقل ( بالكسر ) . فالعامل في إن لكم فيه لما تخيرون تدرسون في المعنى . ومنعت اللام من فتح إن .
معلومة جديدة...جزاك الله خيرا
العنوان: رد: في ظلال القرآن :: 2016 ::
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2018-03-14, 08:37:16
في قوله تعالى من سورة القلم : "إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَمَا تَخَيَّرُونَ" -38-

بدا لي أمر في "إنّ" إذ أن الأليق هنا "أنّ" ... حتى وجدت القرطبي يقول فيها ما يشفي :

إن لكم فيه لما تخيرون تختارون وتشتهون . والمعنى أن لكم ( بالفتح ) ولكنه كسر لدخول اللام ; تقول : علمت أنك عاقل ( بالفتح ) ، وعلمت إنك لعاقل ( بالكسر ) . فالعامل في إن لكم فيه لما تخيرون تدرسون في المعنى . ومنعت اللام من فتح إن .
معلومة جديدة...جزاك الله خيرا

وإياك  emo (30):
العنوان: رد: في ظلال القرآن :: 2016 ::
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2018-03-14, 09:54:41
قال سبحانه في سورة الرعد :

"أنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَّابِيًا ۚ وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِّثْلُهُ ۚ كَذَٰلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ ۚ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً ۖ وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ ۚ كَذَٰلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ"

وأي مثال هو !!

سبحان الله ... ! أقف أمام الآية من آيات القرآن العظيم فلا يسعني إلا أن أقول كما قال سبحانه في هذه السورة العظيمة، "سورة الرعد" ... هذه السورة القوية قوة الحق ... هذه السورة التي لم تجئ تسميتها "الرعد" هكذا ... بل كان للرعد إسقاطه على معانيها ... صوته القويّ قوة الحق الذي تتمحور حوله السورة برمتها ...

** "المر ۚ تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ ۗ وَالَّذِي أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ الْحَقُّ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ"

** "لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ ۖ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ لَا يَسْتَجِيبُونَ لَهُم بِشَيْءٍ إِلَّا كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ ۚ وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ".

** أفَمَن يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَىٰ ۚ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ.

الرعد بصوته الهادر... وبقوّته ... فهو حمّال أمرَيْن فإما أن يعقبه غيث نافع، وإما أن تعقبه صاعقة حارقة مهلكة ... وهكذا القرآن .. فيه البشارة والنذارة، وهو للمؤمنين شفاء وهدى ورحمة، وهو على الكافرين عمى ...

ونعود لمثالنا الرائع .... كذلك يضرب الله الأمثال ... كذلك يضرب الحق والباطل في سورة محورها الحق ومدارها الحق ...

فهذه الأودية التي امتلأت مما أنزل الله من السماء، بقدر ... وكذلك القلوب التي تقبل الحق المنزل من رب العالمين، كل قلب وما يسع ... بقدر...  وهذه الأرض وهي تحمل هذا الحق النازل من رب العزة، وهو ذا السيل الذي تسيل به الأودية، هذا القرآن الذي تفيض به قلوب المؤمنين في الأرض يحتمل الزبد الرابي .... يطفو على السطح، ويبدو ظاهرا ويبدو للعيان طاغيا وما هو في حقيقته إلا الزبد، إلا الباطل الذي يحارب الحق ويكرهه ويخشاه ... والحق بقوته وبصفائه، ممثلا في قوة الماء يحتمله ليصير جفاء مُلقى به مُرمى ... يغلبه الحق لا محالة ...

هذا الماء وقد احتمل الزبد وطرحه وألقى به ... هذا الحق المنزل من رب العالمين بصفائه ونقائه وقوة الحق فيه يطرح الباطل ويغلبه ويرمي به ...

أما المثل الثاني فما يطرح الزبد والخبث إنما هو النار ... فنحن أمام نقيضَين وكلاهما يعمل العمل ذاته ... الماء والنار ... النار تطرح زبدا مثل الأول ...

فما سرّ ضرب المَثَلَيْن ؟؟ وما سر استخدام الوسيلتَيْن المتناقضتين، وهما فعلا وحقا تفعلان ذلك ؟

إننا إذا تأملنا القرآن .. عرفنا أن فيه ما يكون غذاء للروح والعقل، فتُطرح بذلك الغذاء الروحي والعقلي كل خرافة وكل اعتقاد فاسد، وكل خبط وخلط ... فهي الأدلة الكونية تمتثل بين أيدينا آيات على خلقه سبحانه وإبداعه وتدبيره في كونه وهو العليم بدقائقها، الحفيظ المقدّر ... وهذه الأمثلة والقياسات العقلية التي تخاطب العقل البشري فتشبعه وتعطيه حاجته للعمل ولإعماله في التفكر والنظر ... وهذه البشارات تُساق للمؤمنين بما ينتظرهم من جزاء ونعيم، وهذا التحليل والتجاوز والمغفرة والرحمة تُهدى من الآيات القرآنية للمؤمنين ليستبشروا وليزداد اليقين وليزداد القرب والمعرفة الحقّة برب العالمين ... فهو ذا فعل الماء الطاهر النقي في الزبد ...

ومن ناحية أخرى ... نعرف في القرآن الإنذار والترهيب، والدعوة إلى كبح جماح الشهوات المنطلقة، والتحذبر من تعدي الحدود وقربها، ونعرف التحذير من الشبهات المتلبسة بالشهوات، ونعرف الدعوة إلى الصبر والمصابرة على ما يلحق المؤمن من ابتلاءات ومصائب ومحن، كما نعرف فيه الفصل والحسم وعدم المداهنة في الحق... وكلها تصهر نفسه فتفعل فيها فعل الكير في الحديد، تطرح الخبث وترمي به وتترك ما ينفع في النفس ... وهكذا فعل النار فيما نريد الانتفاع به واتخاذه حلية أو متاعا ...

وهكذا نرى عن كثب كيف يفعل كلّ من الماء والنار الفعل ذاته ... كما نعرف في القرآن التربية بالإقناع والتغذية الروحية والعقلية وبالتبشير، كما نعرف فيه التربية بالصقل والصهر والتنقية بالمجاهدة وهكذا الحق رعد يحمل البشارة كما يحمل النذارة، يحمل القوة بطرفَيْها ... فيقبله البصير المتبصر بطرفَيْه، ويُعرض عنه الأعمى بطرفَيْه...


العنوان: رد: في ظلال القرآن :: 2016 ::
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2018-03-18, 11:33:50
الأنبياء أهل المعجزات أم نحن ؟؟ الأنبياء أكثر الناس معرفة بالله وبتقديره حق قدره أم نحن؟؟

قد يبدو سؤالا عجيبا غريبا ... !! ولكنّ المشاهَد منّا وما نتلمّسه من فكر يَشي بهذا وبما يقاربه ...

الأنبياء نعم هم أهل المعجزات، وهم أكثر الناس معرفة بالله، وبتقديره حق قدره، وهم أكثر الناس معرفة بقدرته على كل شيء ....

ولكنهم هم مَن علمنا الأخذ بالأسباب ... وأنّ الصبر لا يساوي القعود، وأنّ الثقة بالله وبقدرته لا تساوي انتظار المعجزة منه تحدث، وأنّ اليقين من أنه على كل شيء قدير لا تساوي أن أقعد مترقبا قدرته على فعل أي شيء دون أدنى حركة مني، أو اتخاذ للأسباب ...

لما دعا زكريا ربه أن يهبه ذرية، فاستجاب له، لم يصمت زكريا صمت من يُخيّل إلينا أن ثقته بقدرة الله على كل شيء، ستجعله بهيئة الهادئ الذي لن يزيد عن أن يقول : "الله على كل شيء قدير" ... بل إنه الذي سيسأل : "أنّى يكون لي غلام وقد بلغني الكبر وامرأتي عاقر ؟"
وما هذا إلا سؤال من يعلمنا أن اليقين من قدرة الله على كل شيء لا ينفي التعجب من خرق الأسباب...

ولما أن جاءت مريمَ البشرى بعيسى، لم يكن يقين مريم بقدرة الله على كل شيء حائلا دون أن تسأل وتتعجب، وتخاف، وترهب.... لم يكن ردّ فعلها كما قد يُخيّل لمن يعرف أنها أهل اليقين والإيمان العظيم، هدوءا وردّا لا يزيد عن أن يكون : "إن الله على كل شيء قدير" ...
بل قد سألت : "ربّ أنى يكون لي ولد ولم يمسسني بشر" .... ذكرت الأسباب... وتعجّبت من خرقها لعلمها بدورها ...

وهاجر وقد تركها زوجها صلى الله عليه وسلم في واد غير ذي زرع، وغير ذي ماء مع وليدها الجائع العطشان .... ويقينها الذي كان برهانُه استفهامها من زوجها إن كان همّه بتركهما عن أمر من الله : "آالله أمرك بهذا ؟"   فلما استوثقت ... رضيت بذهابه ... وقد يُخيّل لمن يرى منها هذا اليقين أن يجازيها الله عنه بتفجير الماء لها من فور رضاها بالبقاء ووليدها وحيدَيْن ... ولكنه سبحانه ما فجّر لها الماء إلا بعد سعيها الحثيث بين الصفا والمروة...

فهي ذي ترضى وتصبر... ولكنّ صبرها صبر عمل، وتحدّ وأمل في الله، وأخذ بالأسباب ....  فأعطاها الله جزاء فهمها هذا لا جزاء يقينها المجرّد عن العمل ...!

وهذا يعقوب عليه السلام ... وهو يستعين بالله على ما يصفون، ويصبر الصبر الجميل، لا يقعد كما تصوّرنا طويلا من فهم سطحي لسورة يوسف عليه السلام، لا يقعد للحزن والبكاء وحده ...

لم نجنِ من ذلك الفهم إلا أنّه قد ابيضت عيناه من الحزن ... بينما لم نسبر غور الآيات، ولم نغص بها بالقدر الذي يعطينا الصورة كاملة غير منقوصة .... فنرى يعقوب وهو يستعين بالله لا على مصيبته في يوسف وحده، بل على مصيبته في أولاده العشرة أيضا ...

فلا ييأس من عودتهم، ومن انصلاح حالهم، ويعلم أنهم قد مكروا وقد كادوا، وقد سولت لهم أنفسهم، ولكنه لا يهجرهم، ولا يطردهم، ولا يقرر البعد عنهم .... بل يعيش معهم كل تلك السنوات التي عرفنا فيها تقلب يوسف عليه السلام من حال إلى حال نتتبع الصورة من زاويته وحدها .... ونغفل عن زاوية العشرة ... فنغفل عن دور يعقوب معهم ...
عن أمل يعقوب الدائم في عودتهم وتوبتهم ... حتى يصل بعد أخذه بأسباب التربية والتوجيه والصبر عليهم إلى قوله : "يا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْأَسُوا مِن رَّوْحِ اللَّهِ ۖ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ"...

نعم... حتى بلغ معهم مبلغ التوجيه إلى قمة التوبة وسنامها بأن يصلحوا ما أفسدوه ...

بل حتى بلغ أن جاءه البشير بحياة يوسف  الذي كان بالأمس متآمرا مع المتآمرين على قتل يوسف ...!!

وهكذا يكون الصبر ...بلا قعود ... وهكذا يكون بالأخذ بالأسباب ... وهكذا هم الأنبياء أهل المعجزات، وأقرب من تُجاب لهم دعوة .... يقرّون بالأسباب ويعلموننا دوام الأخذ بها ... بل إن الأخذ بها عقيدة، ذلك أنها من الله، وأنّ الله ما جعلها إلا ليأخذ بها الناس لتحقق أمره سبحانه وحكمه ...

أما من أغرق في إغفال الأخذ بالأسباب وركن للمعجزة يريدها ويقرنها بيقينه من قدرة الله على كل شيء .... فما أسرع ما يصدّق بالخارقة المختَلَقة .... وما أقرب الخرافة من تصديقه، وما أحبّ ما تتحقق له مُراداته وأمانيه بالقعود مغلّفا بالدعاء ... !!

وما ذاك إلا من فهم زُجّ به ليُنسب للإسلام وللقرآن ... والقرآن منه براء براء...
العنوان: رد: في ظلال القرآن :: 2016 ::
أرسل بواسطة: ابنة جبل النار في 2018-03-19, 11:59:24
الأنبياء أهل المعجزات أم نحن ؟؟ الأنبياء أكثر الناس معرفة بالله وبتقديره حق قدره أم نحن؟؟

قد يبدو سؤالا عجيبا غريبا ... !! ولكنّ المشاهَد منّا وما نتلمّسه من فكر يَشي بهذا وبما يقاربه ...

الأنبياء نعم هم أهل المعجزات، وهم أكثر الناس معرفة بالله، وبتقديره حق قدره، وهم أكثر الناس معرفة بقدرته على كل شيء ....

ولكنهم هم مَن علمنا الأخذ بالأسباب ... وأنّ الصبر لا يساوي القعود، وأنّ الثقة بالله وبقدرته لا تساوي انتظار المعجزة منه تحدث، وأنّ اليقين من أنه على كل شيء قدير لا تساوي أن أقعد مترقبا قدرته على فعل أي شيء دون أدنى حركة مني، أو اتخاذ للأسباب ...

لما دعا زكريا ربه أن يهبه ذرية، فاستجاب له، لم يصمت زكريا صمت من يُخيّل إلينا أن ثقته بقدرة الله على كل شيء، ستجعله بهيئة الهادئ الذي لن يزيد عن أن يقول : "الله على كل شيء قدير" ... بل إنه الذي سيسأل : "أنّى يكون لي غلام وقد بلغني الكبر وامرأتي عاقر ؟"
وما هذا إلا سؤال من يعلمنا أن اليقين من قدرة الله على كل شيء لا ينفي التعجب من خرق الأسباب...

ولما أن جاءت مريمَ البشرى بعيسى، لم يكن يقين مريم بقدرة الله على كل شيء حائلا دون أن تسأل وتتعجب، وتخاف، وترهب.... لم يكن ردّ فعلها كما قد يُخيّل لمن يعرف أنها أهل اليقين والإيمان العظيم، هدوءا وردّا لا يزيد عن أن يكون : "إن الله على كل شيء قدير" ...
بل قد سألت : "ربّ أنى يكون لي ولد ولم يمسسني بشر" .... ذكرت الأسباب... وتعجّبت من خرقها لعلمها بدورها ...

وهاجر وقد تركها زوجها صلى الله عليه وسلم في واد غير ذي زرع، وغير ذي ماء مع وليدها الجائع العطشان .... ويقينها الذي كان برهانُه استفهامها من زوجها إن كان همّه بتركهما عن أمر من الله : "آالله أمرك بهذا ؟"   فلما استوثقت ... رضيت بذهابه ... وقد يُخيّل لمن يرى منها هذا اليقين أن يجازيها الله عنه بتفجير الماء لها من فور رضاها بالبقاء ووليدها وحيدَيْن ... ولكنه سبحانه ما فجّر لها الماء إلا بعد سعيها الحثيث بين الصفا والمروة...

فهي ذي ترضى وتصبر... ولكنّ صبرها صبر عمل، وتحدّ وأمل في الله، وأخذ بالأسباب ....  فأعطاها الله جزاء فهمها هذا لا جزاء يقينها المجرّد عن العمل ...!

وهذا يعقوب عليه السلام ... وهو يستعين بالله على ما يصفون، ويصبر الصبر الجميل، لا يقعد كما تصوّرنا طويلا من فهم سطحي لسورة يوسف عليه السلام، لا يقعد للحزن والبكاء وحده ...

لم نجنِ من ذلك الفهم إلا أنّه قد ابيضت عيناه من الحزن ... بينما لم نسبر غور الآيات، ولم نغص بها بالقدر الذي يعطينا الصورة كاملة غير منقوصة .... فنرى يعقوب وهو يستعين بالله لا على مصيبته في يوسف وحده، بل على مصيبته في أولاده العشرة أيضا ...

فلا ييأس من عودتهم، ومن انصلاح حالهم، ويعلم أنهم قد مكروا وقد كادوا، وقد سولت لهم أنفسهم، ولكنه لا يهجرهم، ولا يطردهم، ولا يقرر البعد عنهم .... بل يعيش معهم كل تلك السنوات التي عرفنا فيها تقلب يوسف عليه السلام من حال إلى حال نتتبع الصورة من زاويته وحدها .... ونغفل عن زاوية العشرة ... فنغفل عن دور يعقوب معهم ...
عن أمل يعقوب الدائم في عودتهم وتوبتهم ... حتى يصل بعد أخذه بأسباب التربية والتوجيه والصبر عليهم إلى قوله : "يا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْأَسُوا مِن رَّوْحِ اللَّهِ ۖ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ"...

نعم... حتى بلغ معهم مبلغ التوجيه إلى قمة التوبة وسنامها بأن يصلحوا ما أفسدوه ...

بل حتى بلغ أن جاءه البشير بحياة يوسف  الذي كان بالأمس متآمرا مع المتآمرين على قتل يوسف ...!!

وهكذا يكون الصبر ...بلا قعود ... وهكذا يكون بالأخذ بالأسباب ... وهكذا هم الأنبياء أهل المعجزات، وأقرب من تُجاب لهم دعوة .... يقرّون بالأسباب ويعلموننا دوام الأخذ بها ... بل إن الأخذ بها عقيدة، ذلك أنها من الله، وأنّ الله ما جعلها إلا ليأخذ بها الناس لتحقق أمره سبحانه وحكمه ...

أما من أغرق في إغفال الأخذ بالأسباب وركن للمعجزة يريدها ويقرنها بيقينه من قدرة الله على كل شيء .... فما أسرع ما يصدّق بالخارقة المختَلَقة .... وما أقرب الخرافة من تصديقه، وما أحبّ ما تتحقق له مُراداته وأمانيه بالقعود مغلّفا بالدعاء ... !!

وما ذاك إلا من فهم زُجّ به ليُنسب للإسلام وللقرآن ... والقرآن منه براء براء...
رأئع !
سورة الرعد لم أقرأها بعد..
العنوان: رد: في ظلال القرآن :: 2016 ::
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2018-03-20, 13:11:07
أهلا بك بهي.

تقصدين أن ما وضعتُ عن سورة الرعد لم يصلك بالشكل اللازم لأنك لم تقرئيها قراءة متأملة ؟
العنوان: رد: في ظلال القرآن :: 2016 ::
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2018-03-20, 13:36:53
في خضمّ هذا المدّ الهائل حول العالم الملحد الذي مات ستيفن هوكنج ... وزخم الترحمات عليه والاستغفار، وأخفّ الأضرار كان من معلني الصمت والتوقف في أمره !! ويكأنّ الرجل قد غدا خيرا من أبي طالب الذي عاش ظهيرا لسيد الخلق أجمعين صلى الله عليه وسلم، ولم يُخالط حاله في الدين ريبة أو شك أو حيرة من تقرير مآله ... فقال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم : " هو في ضَحْضاحٍ مِن نارٍ، ولولا أنا لكان في الدَّرَكِ الأسفَلِ مِن النارِ " -صحيح البخاري-

في خضمّ هذه التخبطات والتأويلات والقفزات والخلطات المختلفة التي جُلّها صبّ في تمجيد الرجل خارج مجال دار أمجاده (الدنيا) في مجال لم يكن يؤمن به أصلا ... هذه آية من آيات الكتاب العزيز من سورة إبراهيم تعترضني فأذكر أمره : "مَّثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ ۖ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ ۖ لَّا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلَىٰ شَيْءٍ ۚ ذَٰلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ" -إبراهيم:18-

الذين كفروا أعمالهم كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف ... الرماد بلا ريح لا قوة فيه، فكيف بالريح تشتد به في يوم عاصف، في يوم تلك صفتُه أنه "عاصف" أي شديد الريح، وقد أصبحت تلك الشدة في الريح صفة لليوم من فرط بيان دوامها اليوم كله ...  فمن ذا يقدر على لملمة شيء من ذلك الرماد الذي ذرتْه الريح فلم تُبقِ منه شيئا ؟!! 

لن يقدر صاحب ذلك الرماد على شيء من رماده ... !! يوم يجده وقد ذهب وكأنّ شيئا منه لم يكن.... وياللهول ونحن نتأمل .... أوَلَيس الرماد ما يتخلف من الاحتراق ؟؟ فلكأني بالأعمال قبل أن تشتدّ بها الريح قد احترقت فهي رماد لا أثر لرسم فيه ولا لمعنى ... وهذا حالها في أصلها، فكيف بها عند اشتداد الريح بها ؟!!

أهذا الذي يترحم المسلمون عليه بدعوى ما خلّف من أعمال دنيوية ورأس الأمر عنده كان الكفر بربّ الدنيا والآخرة، وهو هو ربّ العالمين وهو هو  ملك يوم الدين ...!!
 





العنوان: رد: في ظلال القرآن :: 2016 ::
أرسل بواسطة: ابنة جبل النار في 2018-03-23, 12:17:50
قصدت انني علقت على المنشور الاخير فقط لأنني لم اقرأ المنشور الذي يتحدث عن سورة الرعد..
قرأته الآن...
(وهكذا نرى عن كثب كيف يفعل كلّ من الماء والنار الفعل ذاته ... كما نعرف في القرآن التربية بالإقناع والتغذية الروحية والعقلية وبالتبشير، كما نعرف فيه التربية بالصقل والصهر والتنقية بالمجاهدة وهكذا الحق رعد يحمل البشارة كما يحمل النذارة، يحمل القوة بطرفَيْها ... فيقبله البصير المتبصر بطرفَيْه، ويُعرض عنه الأعمى )
جميل جدا..بارك الله فيك  :)
العنوان: رد: في ظلال القرآن :: 2016 ::
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2018-03-28, 12:14:34
وفيك بارك الله بهي .
العنوان: رد: في ظلال القرآن :: 2016 ::
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2018-03-28, 13:38:54
تأملت سورة إبراهيم ... لمَ سميت بسورة إبراهيم ... ألأجل تلك الدعوات الخاتمات ؟ أم لأجل المعاني فيها مجتمعة ؟

تأملتها، وكانت لي معها جلسات ... فإذا السورة مبتدؤُها : "الر ۚ كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَىٰ صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ" .

وهذا مدار السورة كلها، أنّ دور الرسول صلى الله عليه وسلم إخراج الناس من الظلمات إلى النور بهذا القرآن بإذن الله تعالى، بإذن الهادي الذي لا يهدي غيرُه سبحانه ... الرسول وسيلة للبيان وللتبليغ والهداية، والهادي هو الله تعالى ... يهدي من يشاء ويضل من يشاء، مشيئة عدل تام، وحكمة تامة، وعلم محيط بدقائق الأمور كلها، سرها وعلانيتها وبدقائق ما يعتمل في النفوس  :" وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ ۖ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ ۚ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ " -إبراهيم:04-

--ثم يأتي الله تعالى في معرض الآيات بموسى عليه السلام مثالا لإخراج الناس من الظلمات إلى النور، وفي أمره له أن يذكّر قومه بأيام الله، بنعمه ونقمه، بنعمة نصره لعباده المؤمنين، وإهلاكه للكافرين، وفي ذلك التذكير  آيات وعِبر يعتبر بها "الصبّار الشكور" ...
والصبر في سبيل الله، وعلى الإيذاء في سبيله، والشكر على النعمة مناط الحفاظ عليها واستسقاء المزيد منها ...

وهذا هو رأس النور الذي يُخرَج إليه الناس من الظلمات ... نور شكر المنعم على نعمه، بعكس حال الجاحدين الذين يكفرون نعمه سبحانه، ويؤثرون تلك الظلمات على نوره ..."وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ۖ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ" -إبراهيم :07-

الشكر قَيد الموجود وصيد المفقود ... وليست دعوة الله عباده للشكر، وأنّ زيادة النعمة بعد وللزيادة من نعمه بعدعه سبحانه الغني، الغنيّ عمن كفر والغنيّ عمن شكرسبحانه  سواء بسواء .. "وَقَالَ مُوسَىٰ إِن تَكْفُرُوا أَنتُمْ وَمَن فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ" -إبراهيم:08-

--ثم يُردف الله سبحانه بذكر أحوال الرسل مع أقوامهم، في حوار نموذجي هو من جنس ما كان بين كل نبي وقومه من قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم، حوار عرفنا فيه أنّ الأنبياء قد عزموا على الصبر على إيذاء أقوامهم فوق ما آذوهم، وعلى التوكل على الله : "وَمَا لَنَا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا ۚ وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَىٰ مَا آذَيْتُمُونَا ۚ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ" -إبراهيم :12-   وهم ما جاؤوهم إلا ليخرجوهم من الظلمات إلى النور، ولكنهم أبوا وأعرضوا ...

فلما أن عرف الله تعالى من أنبيائه وأتباعهم الصبر والمجالدة والتوكل عليه، تأذن سبحانه بأمره الذي أمضاه، وهو إهلاك الظالمين وإسكان المؤمنين الأرض بعدهم ... وما هذا إلا نصر من الله لعباده الصابرين، وإهلاك منه للظالمين ...

--ثم ينتقل بنا المولى عز وجل إلى مشهد من أعظم مشاهد يوم القيامة ... يومَ يُقضى أمره، فالمؤمنون مخلدون في الجنة والكافرون مخلدون في النار ...
يوم يتبرأ كل المُتَّبَعين من غير سلطان من الله من أتباعهم ... يتبرؤون ويتنصلون منهم، ولا يغنون عنهم من عذاب الله من شيء ... بل ويتبرأ الشيطان من أتباعه، ويدعوهم إلى لوم أنفسهم وألا يلوموه وما كان له عليهم من سلطان إلا أن دعاهم فاستجابوا ... وهو وأمثاله من شياطين الإنس دعاة من زيّن للناس الظلمات، فاختاروا المكوث بها بإرادتهم، فما أغنى عنهم يوم انقضاء الأمر، وقضاء الأمر أحدهم من الله من شيء ...

--ثم نشهد ضرب الله مثلا للكلمة الطيبة وهي كلمة التوحيد، وللكلمة الخبيثة وهي كلمة الشرك والكفر بالشجرة الطيبة وبالشجرة الخبيثة ... فأما الأولى فتنفع أهلها في الدنيا والآخرة، إذ يثبت الله بها عباده، بينما تُردي الثانية أهلها فهم من أهل الضلال والخسار ..."يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ ۖ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ ۚ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ(27)"


ومعها يدعو الله عباده للتقديم من أنفسهم بالاستجابة له ليفوزوا بذلك التثبيت  : "قل لِّعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُنفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لَّا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خِلَالٌ" -إبراهيم:31-   

وإنما هذه الاستجابة رأس شكر المنعم على نعمة إخراجهم من الظلمات إلى النور وعلى كل نعمه ...

والآن ....

--هو ذا سيدنا إبراهيم مع ختام السورة ... يتمثل داعيا ربه سبحانه ... وإذا تأملنا دعاءه عرفنا فيه مما كان في سياق آيات السورة من دور الرسل في إخراج الناس من الظلمات إلى النور، ومن فرق بين كلمة الكفر وكلمة الإيمان، ومصير أهل كل كلمة ... وكيف أن الصبر والشكر والتوكل على الله أدوات حفظ نعمة المنعم سبحانه ...

"وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَٰذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الْأَصْنَامَ(35)"

** فهي منه دعوة لعدم نسيان المنعم سبحانه في غمرة النعمة ... فقد دعا بالأمن، ثم دعا بعدها بالثبات على مجانبة الشرك، على الحنيفية ....

"رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ ۖ فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي ۖ وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ(36)"

**وهذا صلى الله عليه وسلم من ثقته بربه وبأنه المثبّت على الحق، يلجأ إليه ليَثبت، ولا يعوّل على نفسه، ولا يرى نفسه خيرا من الناس وإن كان أمة ... !!

ويبيّن أن من تبعه فهو منه... في بيان ضرورة أن يُتَّبَع الرسل الدعاة إلى نور الله ...

"ربَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ(37)"

**وهي سنام الغايات ورأسها .... "إقامة الصلاة" في الأرض ... تحقيق عبادة الله في الأرض... إعمار الأرض بتعبيدها لله تعالى ... هي رأس الغايات كلها ... "ليقيموا الصلاة"   بهذا الوادي الأجرد القاحل الذي لا يُنبت شيئا .. وليس فيه قطرة ماء ...ولكأنها الوسيلة ليُعمَر والغاية في آن ...!

من هذه الأرض ستكون الانطلاقة ... انطلاقة النور المخلّص للأرض من ظلمتها ... الذي سيخرجها من قحلها وجدبها إلى نمائها وعمارها ...

وها هو ذا صلى الله عليه وسلم يدعو لأجل هذه الغاية ...أن يجعل الله أفئدة من الناس تهوي إليهم لإيناسهم، وليجتمعوا حول دعوة التوحيد، حول إقامة الصلاة في الأرض، إقامة الصلة بالله في الأرض ...

دعوة لسبب من أسباب الحياة لتُسخّر لغاية إقامة الدين في الأرض ... دعوة لتكثير الناس وبالتالي تكثير أسباب الحياة بهم ودواعي تيسيرها...

وها هو ذا صلى الله عليه وسلم يدعو بأن يرزقهم الله من الثمرات ... دعوة أخرى من أسباب الحياة وتيسيرها ... وكلها في خدمة وتيسير تحقيق عبادة الله وإقامة دينه في الأرض ...

وقد دعا من قبل أن يجعل البلد آمنا، ثم ثنّى بأن يجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم، ثم دعا بأن يرزقهم من الثمرات ...  وما هي إلا الدعوة بالأمن من خوف، والإطعام من جوع لتحقيق إقامة الصلاة، إقامة عبادة الله في الأرض ... وهي التي استجاب لها الله تعالى ...

حتى جاء يوم جحدت قريش تلك النعمة ... وكفر فيهم مَن كفر، فجاءت دعوتهم أن يعبدوا الذي أمنهم من خوف، وأطعمهم من جوع، دعوة لتذكّر نعمِه سبحانه عليهم برأس الشكر... العبادة ... "فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَٰذَا الْبَيْتِ* الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ "

إذن فإننا نجد سيدنا إبراهيم عليه السلام يعلمنا بدعواته أن : إعمار الأرض يكون بإقامة العبادة فيها لله غاية أولى دون أن يكون ذلك نافيا للأخذ بأسباب الحياة الميسّرة لتحقيق هذه الغاية لا غيرها

ولذلك ... كانت سورة "إبراهيم" ... حقيقة بأن تكون السورة التي فيها بيان إخراج الناس من الظلمات إلى النور... تخليص الأرض من ظلمات الكفر والجهالة بإعمارها بنور الإيمان وبتعبيدها لله تعالى غاية كبرى وأولى تُسخّر لأجل تيسير تحقيقها الوسائل المادية خادما للإعمار الأعلى الغاية الأولى من الوجود ...
العنوان: رد: في ظلال القرآن :: 2016 ::
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2018-04-04, 12:55:15
هل كان إبليس من الملائكة ؟ وإن لم يكن فما معنى الاستثناء "إلا أبليس أبى" ؟ .. يجيب عن ذلك الدكتور فاضل السامرائي :

https://youtu.be/Gkss4S7Mees
العنوان: رد: في ظلال القرآن :: 2016 ::
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2018-04-05, 08:21:48
في سورة الحجر، في حوار الله سبحانه وتعالى مع الشيطان لعائن الله عليه، جاء :

"قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (39)"

ومعنى أغوى: أضلّ وأغرى بالفساد .

وهذا منه تجرؤ ثانِ على مقام الله عزّ وجلّ بعد عصيانه أمره له بالسجود لآدم .
فحاشاه سبحانه أن يضلّ إلا بعدل وعلم ... يضلّ من يستحقّ الإضلال، وهذا عصيان إبليس عليه لعائن الله لأمره سبحانه له بالسجود بيّن واضح كل الوضوح...

وكذلك هذا مما نلمحه إذا تأملنا جيدا في سياق الآيات نفسها، في تتمة كلام إبليس عليه لعائن الله وهو يتوعد قائلا :
"قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (39) إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (40)"

إنه من الشيطان إقرار أن عباد الله المخلصين لا سلطان له عليهم ... لنتأمل... إن وصفهم أصلا : "المخلصين" ...فقد قدموا الإخلاص حتى استحقوا حفظ الله تعالى لهم من تسلط الشيطان، استحقوا الهدى على الهدى ...

وفي ردّ الله تعالى :"قَالَ هَٰذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ (41) إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ(42)"

وهذا قول الله تعالى : "إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ"  ... أي من الضالين ...
فهم أولاء أصحاب استعداد مسبَق لأن يكون للشيطان عليهم سلطان بخلاف حال المخلصين الذين قدّموا الإخلاص لله تعالى فاستحقوا حفظ الله لهم من تسلط الشيطان...

فحتى تسلط الشيطان على الناس ليس من سلطان له نافذ خارق، بل من استعداد فيهم مسبَق يقبل هذا السلطان عليهم ... وها هو المولى عز وجل يصفهم بــ : "الغاوين" الضالين ... الذين ضلالهم من جنس ضلال الشيطان إذ عصى أمر ربه، فأضله ربه ... كذلك قدموا من أنفسهم الضلال فأضلهم الله ولم يحفظهم من تسلط الشيطان عليهم ...

من هنا يتبين لنا جليا "حرية الاختيار" في الإنسان ...وأن الله لا يظلم مثقال ذرة، فمن قدم من نفسه اختيار الهدى هُدِي، ومن قدم اختيار الضلال والغواية استحق الإضلال ...

نسأل الله السلامة والهدى والثبات ...
العنوان: رد: في ظلال القرآن :: 2016 ::
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2018-04-10, 09:55:10
ما يُعرف عن سورة النحل أنها سورة النّعم، ونعم يبدو تعداد أصناف من نعم الله فيها جليا، بل أجلى من ذكرها في غيرها من السور ... ولكن لسورة النحل ميزة أخرى  لم أتكلّف الوصول إليها ... بل جعلت تقابلني في مقامات منها تترا بشكل منفرد فيها مُلفِت دون كل السور الأخرى ...!

لآية لقوم يتفكرون ...
لآيات لقوم يعقلون ...
لآية لقوم يذكّرون ...

حتى الآن تبدو الآيات معروفة، ومنها كثير يُذكر في غيرها من السور ... ولكن يتاعد النسق ... لنجد عن "العلم"...
والتفكر والتعقل والتذكر من خصائص آلة الترجيح التي كرّم الله بها الإنسان (العقل)... وكلها للوصول إلى العلم ...

ورأس العلوم المُبتغى من السورة هو العلم بالله تعالى ... الذي من غيره لا قيمة لعلوم تفنى عند صاحبها بفنائه، وتفنى عند الكل بفناء الدنيا ... العلم بالله تعالى ...

تلك هي الصورة التي ما تفتأ تقفز لي أجزاء منها في كل مرة أتقدم مع تدبر الآيات في هذه السورة الرائعة ...

ما أزال بعد مع ثلاثينيات آياتها (بلغت منها الآية 38)

وسأحاول وضع ما لفت نظري حول هذا المعنى ....

1- ويخلق ما لا تعلمون ------ (آية08)
2- والله يعلم ما تسرّون وما تعلنون (آية19)
3- ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم (آية25)
4- قال الذين أوتوا العلم إن الخزي اليوم والسوء على الكافرين (آية27)
5- إن الله عليم يما كنتم تعملون (آية28)
6- ولكن أكثر الناس لا يعلمون (آية38)

ومن جملة هذه الآيات مع سياقاتها (رجو مطالعة سياقاتها) نرى أن :

1- العلم الشامل والكامل والدقيق والمحيط لله تعالى .
2- يؤتي الله العلم (رأس العلوم، علم الوحي، العلم الحقّ بالله) من يشاء ويصطفي من عباده، وهم الأنبياء والرسل عليهم صلوات الله وسلامه.
3- أكثر الناس ليس لهم علم بالله صحيح، إلا من هدى الله وعلّمه، فقبِل هُداه وعلمَه .

وعلى هذا... فإنّ :

الهدى الراسخ يحتاج علما صحيحا بالله... أي وحسب السورة وسياقاتها :

**  بالغاية من إيجاد الإنسان ومن تسخير الكون له(انظر آيات النعم الكونية )
**  بالعلاقة بين الإنسان وبين الكون تعقلا وتفكرا وتعلما لمزيد معرفة بعظمة الله وقدرته ولتحقيق عبادته في الأرض(انظر آيات النعم الكونية المذيّلة بالدعوة إلى التعقل والتفكر)
** بالغاية من بعث الرسل : "يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَىٰ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنذِرُوا أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ(02)"
** بأنه سبحانه يزيد المقبلين على هُداه هدى، ويعطي المعرضين عنه ما استحبوا من "عمى"
** أنه سبحانه أوجد في الإنسان مَلَكة الاختيار، ولم يجبره على طاعة ولا على معصية (انظر الآية 35 ولجاج المشركين الفاسد بأن الله هو الذي شاء لهم الكفر)
** بما ينتظر الإنسان بعد حياته من جزاء أو عقاب بعد انتهاء مرحلة الاختبار.

------------------------

ومازلت مع باقي آيات السورة، ولعلّ في أمر العلم فيها توسعة ...  emo (30):

أما عن الآية 35، وما فيها من قول المشركين أن كفرهم بمشيئة الله، وهو ذلك اللجاج القديم الحديث، الذي يجعل من الاختيار معدوما في الإنسان، ويتحجج به صاحب الهوى والمعصية والكفر على حاله، فقد نظرت فيه بإسهاب... وفي القرآن حوله العلم الصحيح والجواب المفحم ... وإن يسر الله تعالى أنقل هنا ما كتبتُ حول الآية ...
العنوان: رد: في ظلال القرآن :: 2016 ::
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2018-04-12, 11:01:57
يالِسورة النحل !! ويالعظمة سورة النحل ! ويالِلْعلم الذي في سورة النحل... !!
يالِبيان دور العلم الصحيح بالله في هذه السورة العظيمة ... ! ويالِبيان خطورة الجهل به سبحانه وبأمره... ! فيها الشبهات، وفيها دفع هذه الشبهات بالحق المبين من رب العالمين ...

الآية 35 منها، والتي فيها تقوّل المشركين على الله تعالى أنه قد رضي لهم الشرك، وأنه قضاؤه فيهم، ولا يد لهم فيه ولا اختيار... ولو شاء ما أشركوا ...

"وَقَالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا عَبَدْنَا مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ نَّحْنُ وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ ۚ كَذَٰلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ۚ فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ"

في السورة ذاتها يأتي الردّ من الله تعالى في سياق الآيات المتصلة، هذا زيادة على ما يتضمنه معنى تذييل الآية ذاتها بقوله تعالى : "فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ"  ... أي أنّ دور الرسل لا يتعدى إلى الهداية، إنِ الهداية إلا لله وحده، وهؤلاء بتقوّلهم هذا قد بلغوا مبلغا من فساد الاعتقاد والإصرار على الكفر واللّجاج بما لا يُرجى معه انصلاح، ذلك الانصلاح الذي يتوق إليه الرسول صلى الله عليه وسلم ويحرص عليه أيما حرص، ويؤكد معنى آخر هذه الآية،  ما يأتي في آية بعدها : "إِن تَحْرِصْ عَلَىٰ هُدَاهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَن يُضِلُّ ۖ وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ" -37-

وفي الآيات التالية من السورة بعد مضيّ قطاعات منها ... أقع على ما يكون ردّا على هذه التقولات وهذه الشبهة التي ألقى بها الكفار قديما، ويلقي بها كفار اليوم، ويلقي بها حتى الكثير من عصاة المسلمين بقولهم أن الله قد كتب عليهم المعصية... بمنطق الجبرية ...

يقول سبحانه وتعالى :" وَقَالَ اللَّهُ لَا تَتَّخِذُوا إِلَٰهَيْنِ اثْنَيْنِ ۖ إِنَّمَا هُوَ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ ۖ فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ"

وهذا هو البلاغ المبين الذي في هذا الكتاب المبين، والذي هو دور الرسول المبين ... أنه سبحانه قد أمر ألا يُتخذ معبودا إلهان اثنان، فكيف بالأكثر ...؟!!  ولمنع الالتباس والتقوّل الذي يتصيّد لأجله المتقوّلون الكلمات ... يأتي بعدها في تفصيل وبيان  القسر عليه وحده سبحانه إله معبودا: "إنما هو إله واحد"، وحتى لا يلبس المُلبسون المعاني، وذلك دَيدنهم وشأنهم ... يأتي التوضيح الأكبر في نهاية الآية أن هذا الإله ليس إلا الله سبحانه بقوله : "فإياي فارهبون" ... فكيف يتسق هذا مع ادعائهم أن الله تعالى يرضى أن يُتخذ له شريك في العبادة ؟!! وأنما قضاؤه هو علمه بما سيكون دون  جبر منه لعباده  لما يكون منهم...هذا الجبر الذي يلغي الاختيار، ويلغي العدل بالثواب على الحسن والعقاب على السيء ... بل يلغي دور الدنيا بأكملها وهي دار اختبار وابتلاء... فيكون فسادا في ميزان قائله ذاته، لا في الوزن بين الأوزان ... ! أي في عقيدته كلها ...


وليس هذا فحسب .... بل إنني وأنا أتقدم بين ربوع السورة العظيمة ... أقع على بيان آخر وردّ آخر من الله تعالى على هذا الاعتقاد الفاسد، الذي فيه ما فيه من الجهل بالله تعالى وبأمره في الغاية من إيجاده لعباده وتزويدهم بملكة الاختيار ... إذ  يخبرنا رب العزة عن أفواههم وما تقول يوم الحاقة، يوم يريهم الله شركاءهم ليقولوا بأفواههم ذاتها التي تقوّلت على الله وافترت أنه لا خيار لهم في أمر اتخاذهم الشركاء :

"وَإِذَا رَأَى الَّذِينَ أَشْرَكُوا شُرَكَاءَهُمْ قَالُوا رَبَّنَا هَٰؤُلَاءِ شُرَكَاؤُنَا الَّذِينَ كُنَّا نَدْعُو مِن دُونِكَ ۖ فَأَلْقَوْا إِلَيْهِمُ الْقَوْلَ إِنَّكُمْ لَكَاذِبُونَ " -86-

يبعث الله شركاءهم يوم القيامة من أصنام وغيرها من معبودات اتخذوها من دون الله، فيقولون يومها : "ربنا هؤلاء شركاؤنا الذين كنا ندعو من دونك"

وأي إقرار هذا ....؟!!! وهذا هو المقام الأحرى بأن يزعموا زعما لعله بما يحسبون سيخلّصهم ...
لماذا لم يقولوا : هؤلاء شركاؤنا الذين كتبت علينا أن نعبدهم من دونك ؟! لماذا لم يقولوا قولهم الذي كانوا يتفوهون به في الدنيا ؟!! أوَقَد علموا أخيرا ؟؟؟!!! ولكن... بَوْن شااااسع بين علم وعلم ...!!

إنه علم بعد فوات الأوان .... إنه علم النادم الذي لا مناص من مصيره الذي صار إليه ... إنه العلم الذي لا ينفع صاحبه ...  نعم هو العلم الذي يصفه سبحانه في هذه السورة ذاتها، هذه السورة التي تعلمنا أيّ علم نافع هو الذي يجب علينا أن نستبق لنحصّله، في هذه الدنيا، قبل فنائها، قبل فنائنا، قبل فوات الأوان ... يصفه الله تعالى بقوله : "الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَٰهًا آخَرَ ۚ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ"

ويأتي ردّ شركائهم عليهم إذ أنطقهم الله به ليكون لهم فضحا وخزيا :  "إِنَّكُمْ لَكَاذِبُونَ" .
إنكم لكاذبون .... سبحان الله ! أليس حقا وصدقا هذا الذي قالوه ؟؟ أنهم الشركاء الذين اتخذوهم من دون الله ؟!!   ........ بلى ... ولكنّ الشركاء قد أنطقهم الله بالحق، إذ هم ليسوا بشركاء أصلا، ولا يصحّ هذا الوصف فيهم أصلا.... وكيف يكونون كذلك ولا شريك لله ؟!! فهم قد نفوا أن يكونوا شركاء أصلا ... وهذا النفي منهم أدعى لأن ينفي كل ادعاء كان من المشركين في الدنيا حتى وهم يقولون بحقيقة اتخاذهم شركاء .... فهم بهذا يتبرؤون منهم كل التبرؤ .... تماما كما يتبرؤ الشيطان يوم القيامة ممن اتبعه ....

وتكتمل الصورة ماثلة لنا في هذا الموقف المصوّر في القرآن الكريم كعادته في التصوير بكلماته العظيمة : "وَأَلْقَوْا إِلَى اللَّهِ يَوْمَئِذٍ السَّلَمَ ۖ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ" -87-

ألقوا السلم .... استسلموا، ولم يجدوا بعد هذا ما يقولون، ولا ما يفعلون ... إلا أن يستسلموا لله تعالى ... ولكن بعد ماذا ؟؟؟!! بعد فوات كل أوان ..... !! وضل عنهم ما كانوا يفترون، من أن أولئك الذين اتخذوهم من دون الله شفعاؤهم عند الله، أو من أنّ إشراكهم هو قضاء الله فيهم، وليس لهم يد فيه ولا في اختيار غيره ... ضلت عنهم افتراءاتهم كلها ...... 

فأي علم .... أي علم ... أي علم هو في هذه السورة ؟؟!! أي دحض للشبهات بالحق المبين ؟ يزهق الباطل، فإذا هو زهوق .... أي علم صحيح بالله يُراد للإنسان لينجو قبل فوات الأوان ...

علمنا الله تعالى ما ينفعنا ...
العنوان: رد: في ظلال القرآن :: 2016 ::
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2018-04-22, 08:45:22
أحتاج إلى مراجعة ما أكتب من تدبرات، فكلما عدتُ بدتْ لي جديدة، وهذا ملخص تدبرات كانت لي عن سورة التوبة :


(http://www.ayamnal7lwa.net/forum/index.php?action=dlattach;topic=6374.0;attach=12514;image)

(http://www.ayamnal7lwa.net/forum/index.php?action=dlattach;topic=6374.0;attach=12516;image)

(http://www.ayamnal7lwa.net/forum/index.php?action=dlattach;topic=6374.0;attach=12518;image)
العنوان: رد: في ظلال القرآن :: 2016 ::
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2019-02-26, 09:12:11
عن سيدنا يعقوب عليه السلام وعدم يأسه من انصلاح حال أبنائه :

(http://www.ayamnal7lwa.net/forum/index.php?action=dlattach;topic=6374.0;attach=12723;image)
العنوان: رد: في ظلال القرآن :: 2016 ::
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2019-06-23, 17:34:50
( وأنتَ حلٌّ بِهَذا البلد) ...أنت يا محمد الرحمة للعالمين.

كيف لا تكون مرحمة وتراحم في بلد فيه محمد ؟!

وكيف لا يكون كل هذا في كل بلد في كل زمان أهله أتباع لمحمد ؟!

تأملوا سورة البلد  وما فيها من ذمّ للمستكبر ب"إهلاكه"مالا لبدا ... "أهلكت" التي تشي بذهاب المال فيما لا يُثمر ولا ينفع، في شهواته ونزواته ... في أنانية مُغرِقة، فلا يرى غير نفسه أهلا لماله ...

 وجاءت الدعوة لاقتحام العقبة ... وما العقبة إلا إنفاق للمال في سبل التحرير: ( فك رقبة) ...ومحرّر الرقاب بماله هو ذاتُه محرّر نفسه من ربقة المال، من عبادته للمال...
أو إطعام في يوم مجاعة يشحّ فيه العطاء بالطعام ...

سورة البلد ... "ثم كان من الذين آمنوا وتواصوا بالصبر وتواصوا بالمرحمة"...

محمد الرحمة للعالمين ... لا يكون في بلد حيث اجتماع الناس، ولا تكون الرحمة ... ولا تكون المرحمة ...

البلد ... نعم هذا هو البلد الذي يحبه الله ... هذا هو المجتمع الذي يريده الله... المجتمع المتراحم ... وحيثما حلّ محمد صلى الله عليه وسلم بجسده حيا أو بالقرآن الذي بلغه وبسنته ميتا كان " هذا البلد "...

ثم يا سبحان الله !! يحضرني يوم فتح مكة... يوم فتح ذلك البلد ... وقد قال له مَن قال من أصحابه رضي الله عنهم: اليوم يوم الملحمة ... فيرد الرحيم صلى الله عليه وسلم بقوله : بل اليوم يوم المرحمة.

هذا هو البلد .... !! بلد الرحمة والتراحم والمرحمة ... ! في كل زمان فيه محمد بالقرآن الذي بلّغه وبسنته ...
العنوان: رد: في ظلال القرآن :: 2016 ::
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2019-07-09, 10:56:46
الجزء الأخير من القرآن الكريم، جزء النبأ ... كله عن يوم القيامة، عن مآل الإنسان، ومآل هذا الكون وهذه الحياة الدنيا ...
كله عن الوعد الحق ... عن النبأ العظيم، عن الحاقة، عن القارعة، عن زلزلة ذلك اليوم، كله عن الوعد والوعيد ...
عن تحقق أمر الله تعالى بانتهاء الحياة الدنيا، الحياة الأولى، وتحقق الحياة الآخرة، وعن أفضليتها وخيريتها لمن آمن وعمل صالحا ...

سورة العاديات واحدة من هذه السور التي على قصرها إلا أنها ذات معانٍ جليلة ومدلولات عميقة وعظيمة ... على قصرها هي حمّالة لموعود النبأ الحق، النبأ العظيم ...

سورة العاديات ... وقد درجْنا ونحن نتعلم أكثر ما نتعلم عنها، وعن معناها أن القسم فيها بالعاديات، أي بالخيل الغازية، المغيرة في سبيل الله ... فنفهم معاني بعض المستكشل من ألفاظها ولا نبحث كثيرا في الرابط والعلاقة بين مطلعها وصدرها وعجُزها، فيكون أكبر همّنا في القسم بالعاديات، ثم نقرأ ما يلي القسم دون بحث في الاتساق والارتباط ...

لقد أقسم سبحانه بالعاديات وهي تضبح أي وهي يُسمع لها صوت من سرعة عدوها، فنلمح القوة والسرعة والرقيّ في هذا الحيوان الذي هو خلق من خلق الله تعالى عظيم، وهو سبحانه ما يُقسم إلا بعظيم ... وسمات القرآن الكريم وهو يصوّر لنا المشاهد فتتراءى للمتامل المتدبّر المتروّي على صفحاته صورا تتحرك ...

فلنتأمل ... لا بدّ أن بين المقسَم به والمقسَم عليه من رابط ....

إنها تلك الخيل التي حباها الله تعالى بجمال في الهيأة، وبرِفعة ورقيّ يرتسمان في هيكلها يَنُمّان عن سرّ فيها عظيم، حباها بالقوة وبالسرعة إذا ما عَدتْ ... هي ذي تصوّرها الآيات تعدو وهي من سرعة عَدْوِها تُحدث ذلك الصوت الذي يتردد بجوفها، وكأنه صوت أعضائها الباطنة (والعاديات ضبحا) ...

وإنها هي هي تلك التي من سرعة عَدْوِها تقدح نارا من قوة ضرب حوافرها للحجر، وهي بتلك القوة المصوّرة إنما هي المغيرة على العدوّ صباحا في قوة وإقدام ...
وإننا لنتمثّل عددها الكبير وهي بتلك القوة تحمل جُند الله المُقدمين غير هيّابين في سبيل الله وفي سبيل إعلاء كلمة الله ... فتثير النقع، تثير الأرض من تحتها فإذا الحرب وأُوارُها، إذا الحرب وهَوْلُها وشدّتها واستعارُها، وكل عناصر الطبيعة المحيطة بخائضيها تلتحم وتتحد لتعطيك صورة للحرب وحدها لا لغيرها ... !

وها نحن نشهد ذروة مراحل الإقدام والشجاعة والقوة ... وخيل الله تتوسط جموع العدوّ ... تتوسّطها من قوة فيها تُرهب عدوّ الله ... وتقتحم عليه عُقر داره ... "فوسَطْنَ بِهِ جَمْعا"

ومن هذا المشهد لحالة الحرب التي تمثّلت لنا شديدة مهيبة من خيل الله وبعضٍ من صفاتها وأحوالها وهي مقبِلة غير مدبرة، تنطلق قوية تهزّ ما حولها عادية ضابحة وكأنما تقدّم بضبحها لما سيكون منها من إصرار وإقدام لا رجعة لها عنه ولا نكوص حتى تبلغ هدفها ...

من هذا المشهد ينتقل بنا السياق إلى الإنسان ... ! نجدُنا قُبالة الإنسان ... معه ومع صفة محددة من صفاته وحقيقة من حقائقه : "إنَّ الإنْسَان لربّهِ لَكَنُود"
وقد عرفنا أن الكُنود منه هو الجحود، جحوده بربه وبآلاء ربه عليه...

فأي علاقة هي بين هذه الصفة فيه وبين ما سبق من القسم بالعاديات وأحوالها وهي تغير على العدوّ حتى إذا هي متوسطة جمعه ؟

لنتأمل ...

أليست تلك خاصية حبى الله بها الخيل، أن جعلها ذات قوة وسرعة، حتى يجعلها الإنسان عُدّته لأشد مواجهاته في الحياة صعوبة، للحروب ؟
بلى.... وإن الخيل مقابل ذلك تَصْرِف هذه النعمة التي خصّها بها خالقها في وجهها، وتبذل كل جهدها، ولا تبخس فارسها وسائسها حقّه، وهو الذي درّبها وعلّمها لتكون مِطواعة بين يديه، تنقاد بقِياده ...تعطيه مما لأجله رعاها وساسها ودرّبها ...

بينما الإنسان وقد كرّمه الله بالعقل، وفضله على كل من خلق تفضيلا، وأنشأ في كينونته الفطرة السليمة التي يعرف بها ربّه، وبعث له الرسل الهُداة، وأنزل له الكتب الهادية، ولم يتركه لأمواج الضلال تتلاطم عليه فتغمره، ولا لريح التّيه تطوّح به ذات اليمين وذات الشمال، وأنعم عليه من بادئ أمره إلى منتهاه، فجعله ذلك المخلوق المكرّم ولم يكن شيئا مذكورا، وعلمه ما لم يكن يعلم، وأسبغ عليه نعمه ظاهرة وباطنة ...

وهو مع هذا كلّه يجحد بنعم ربه، وأكبر جحوده نُكرانه لربه، وإعراضه عن الانصياع لأمره، ومن ثمّ غرقُه في النعمة ونسيانه المنعم ... وهو مع هذا الجحود والنكران شديد الحبّ للخير من مال وعيال وترف وشهوات ذوات ألوان وألوان .... وكلها نِعَم المنعم الذي له قد جحد ...!

أين هو وهو المكرّم كل ذلك التكريم، المهديّ، المُعرّف بربه ... يعرفه في نفسه وفي كل ما حوله ... أين هو من ذلك الحيوان الذي صرف قوته في ما يُرضي صاحبه، فإذا هو الذي يصفه الله تعالى بـ : "المغيرات" وصف العاقل، وكأن الخيل هي التي تحمل عِبْء الجهاد في سبيل الله، حتى إنك لتغفل عن الفارس الذي يركبها وأنت تقرأ أن الوصف لها وكأنها العاقلة ... وتبصر شجاعتها وإقدامها، وقوتها، وإصرارها على بلوغ الهدف ...!

أين هو ذلك الإنسان الكنود من هذا الحيوان الذي يؤدّي ما عليه على أكمل صورة وأتمّها ...فإذا هو فاعل وصاحب دور كبير في أكبر وأهم فريضة، فريضة الجهاد في سبيل إعلاء كلمة الله تعالى ...

وإننا ... ونحن نمضي مع تلك السياقات من أحوال الخيل، ونقابلها بأحوال الإنسان في هذه الدنيا ... نجدها تلخّص حركة الإنسان وصولته وجولته التي من أجلها خُلق...

ألم يجعل الله تعالى هذه الدنيا بزينتها ليبلو الإنسان، ولتكون له دار امتحان ؟ ألم يخلقه ليبتليه ؟ "وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا..." -هود: من الآية7- "إنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَّهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا" -الكهف:7-

ألم يعرّفه بأنه خالقه، وأنّ الشيطان له عدوّ، وأنّ عليه أن يتخده عدوّا ؟ "إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا..." -فاطر: من الآية6-

فما حركته في هذه الحياة الدنيا التي خلقه الله لأجلها، وليبتليه أيقوم بها أم يقعد عنها، ما حركته إن لم تكن جهاده للشيطان ولنفسه المتكالِبَيْن عليه إن هو لم يفطن لدوره في تأدية ما عليه، وللحركة المناسبة اللازمة ...
إنه جهاد الشيطان الذي يأمر بالسوء والفحشاء، والذي لا يحب للإنسان إلا أن يتردّى من الشواهق الروحانية الإيمانية التي يُريد الله أن يبلغه إياها إلى دركات الهوى والمعصية والبعد عن مراده سبحانه ورضاه ...

هنا .... هنا تتمثل حركة "العاديات" مقابلة للحركة اللازمة من "الإنسان" الذي ما خلقه الله إلا ليعبده، إلا ليطيعه، إلا ليعرف عدوّه الذي عرّفه ربّه، فيترصّد له ويعدّ له عدّته .... فإن لم يفعل كان ذلك "الكنود" الذي تُغرِقُه النعمة وهو الذي يحبّها حبا جما، فينسى في لُجّها خالقه الذي أحاطه بكل نعمة، وينسى ما لأجله قد خُلِق ... عندما لا يكون زادُه معرفته بربه، ستصبح لازمته كنودَه لربه ...!

أجل... إن العاديات وهي في تلك الصورة القائمة بين أيدينا من حالة القوة والإقدام والإصرار، والإقبال على العدوّ حتى تبلغ عقر داره وتقتحم عليه جموعه ... إنما هي الصورة التي حقيقٌ بالإنسان أن يتمثلها في الدنيا، وعدوّه من الشياطين ومن نفسه له بالمرصاد ...
"والعَادِيَاتِ ضَبْحا"...عَدْوٌ يمثل المسارعة التي أمِر الإنسان بها وهو في الدنيا مؤقت الوجود، محدود الوجود بزمن لا يعرف له طولا من قصر، لا يعرف له مدّة، فهو المأمور بأن يسارع حتى لا تأخذه الموت بغتة وهو الغافل المتكاسل القاعد ... "سَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ" -آل عرمان:133-

"ضبحا"...ضبح هو دخيلته... هو خامّة الإصرار فيه على مجاهدة العدوّ والتصدي له بكل قوة ...

وقوة عزمه وإصراره على تفويت الفرصة على الشيطان وعلى النفس من جنس فعل حوافر الخيل إذ تصطكّ بالحجر فتوري نارا ...
وهكذا هو في تقدّم وإقدام، لا يَني ولا يتراجع، ولا ينكص على عقبيه... مقبل غير مدبر ... حتى يحوز صفة "المُغير" المغير على العدوّ ... يريد بحصونه دكّا، مستعينا بربه الذي يعرفه ويقرّ بعبوديته له، سائلا له سبحانه ألا يكله لنفسه طرفة عين، فهو منها في تحفّز وتأهّب ... مغيرٌ عليها أبدا، لا يأمن جانبَها، ولا يركن إليها ...

فأي قوة ستبقى للشيطان مع هذا الإنسان العارف بربه، الذي أوّلُ سلاحه إيمانه، والذي عرف فيما عرف أن كيده كان ضعيفا ما بقي هو ذاك المتحفّز العادي نحو رضى ربّه المغير على عدوّه...

وهكذا ... نبلغ من السورة عجُزَها : "أَفَلَا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ(9)وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ(10)إِنَّ رَبَّهُم بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّخَبِيرٌ(11)"

نبلغ هذا المقطع منها... لنبلغ فيه مقابلة لما عرفنا عن العاديات ... "فأَثَرْنَ بِهِ نَقْعا(4) فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعَا(5)"

فهذه القبور وهي تُبعثر بعد نهاية رحلة الإنسان في هذه الحياة الدنيا، بعد نهاية جهاده، بعد انتهائه من أداء دوره ... بعد انتهاء فترة الامتحان والابتلاء ... وبداية فترة الحياة الأخرى ... هي ذي تلك البعثرة تقابل ذلك النقع المُثار من حوافر العاديات، في مقابلة الصورة للصورة ... وإذا تحصيل ما في الصدور يقابل توسّطها جمع العدو ... انتهى ما عليه، وقد كان إما مغيرا على عدوّه في الدنيا أو مُغارا عليه، إما مغيرا أو كنودا، وحُصّل ما كان خبيئ صدره، فإما هو ضبح على العدوّ جعله وقود حربه عليه، وإما هو كنود وجحود اتخذ به العدوّ وليا، والوليّ عدوا .... يومها يحقّ قوله سبحانه : "إنَّ رَبَّهُم بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّخَبِيرٌ" ... فإما فوز بالجنان والرضوان، وإما بَوْء بالسخط والخسران ...

وتلكم هي سورة العاديات .... تلكم هي العلاقة التي أراها بين القسم بها، وبأحوالها ... وبين الإنسان الكنود .... تلكم هي رحلة الحياة، فإما إقرار بالعبودية وإيمان، وإما كنود ونُكران .... ! إما جزاء بإحسان على الإحسان، وإما مجازاة بالعذاب على الجحود والنكران ... رحلة هي الحياة، وأي رحلة ...! سريعة سريعة كما صورتها الآيات في سرعة العاديات التي لم تكن لتبلغ الهدف لو لم تكن على تلك السرعة والقوة والإقدام ... كريمة وكريم صاحبها ما كانت بصورة فعل العاديات وفعل راكبها .... لئيمة ولئيم صاحبها ما كانت بغير فعلها ويغير استعدادها، ما كانت لجَحود كَنود ...!!

ولا يفوتني أن أستحضر قيمة الفارس الممتطي صهوات العاديات والذي لولاه ما كان لها من دور ولا قياد ... وإن الإشادة بها لهي الانعكاس للإشادة بصاحبها المؤمن الذي سِمتُه الجهاد في سبيل إعلاء كلمة الله ... وأنه هو المثال لذلك الإنسان المُراد على الأرض، سِمتُه الجهاد في كل حال، فإن لم يكن في ساح الوغى ومقابلة الرجال للرجال، ففي ساح النفس لا تنقطع الحرب ولا تهدأ... والذي يقابله ويعاكسه ذلك الإنسان الكنود الجحود الذي تُركِنه النعمة للنعمة ... !
العنوان: رد: في ظلال القرآن :: 2016 ::
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2019-08-22, 03:49:07
في مطلع سورة التكوير اثنتا عشرة جملة شرطية كلها عن أهوال يوم القيامة ... جاء بعدها جواب الشرط بتحقق   علم كل نفس بما أحضرت  :" عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا أَحْضَرَتْ" .

أما في سورة الانفطار فقد عقب أربع جمل شرطية جواب شرط فيه تحقُّقُ علم كل نفس بما قدمت وأخرت :" عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ وأَخَّرَتْ" .

تُرى ما يميز الأولى عن الثانية ؟ وما يفرّق بينهما وكلتاهما عن أهوال ذلك اليوم التي يتحقق بحدوثها علم النفس بأعمالها ... ؟

تأملتُ أولا قوله تعالى :"عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ وأَخَّرَتْ"
فوجدت فيها أقوالا للمفسرين لا قولا واحدا، منها أنها ما قدم الإنسان من عمل خير في الدنيا وما ترك، و منها أنها عما عمل في الدنيا وكان له عنه ثوابه، وما بقي مُجرِيا لثوابه وأجره حتى بعد مماته ...

فرأيت أن الأَوْلى بتأويلها النظر في مقام من القرآن حيث ورد جزء منها، فيكون نظرا في معاني القرآن بالقرآن ..
وذلك في قوله تعالى يصف الإنسان الآسِفَ على ما فاته من عمل في الدنيا  : "يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي "-الفجر -

فهو يومها يعلم علم اليقين أنها تلك هي الحياة، تلك هي الباقية التي تستحق أن يُقدّم لها في الفانية ...
إنها المقدمة منه في الدنيا بأعمال الخير المُنجِية له في الآخرة ...

وعلى هذا يكون معنى " عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ وأَخَّرَتْ"   ما قدّمت من عمل خير، وما أخّرت من عمل خير، أي ما تركت منه. ولو أنها كانت عملتْه ... !

وعلى هذا فإن الفرق بين ما تعلمه النفس في سورة التكوير وما تعلمه في سورة الانفطار، أنها أولا تعلم ما أحضرت، كعلم المسافر بأنّ تلك الحقيبة بعينها هي حقيبته وليست غيرها ...

ثم يفتح الحقيبة ليعلم على وجه التفصيل ما أحضر، فإذا هذا الذي سينفعه فيها، وإذا ذاك الذي كان سينفعه ليس فيها، ولو أنه كان فيها لكان له خيرا على خير ... !

ويْكأنّها بمثل حال الإنسان، ولَهْثُه في الدنيا خلف المزيد من مظاهر الدنيا وملذّات الدنيا هي حالُه يوم القيامة... !

يوم البعث حين ينقلب ذلك اللّهث منه على المال ومظاهر الدنيا إلى لهث على أعمال الخير، وَدَّ لو أنها كانت في صحيفته أكثر وأكثر ... ولو أنه ما فوّت، ولا سوّف، ولا أخّر حتى عطّل، ولا استكثر ... !

ألم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم :"لَوْ أنَّ لِابْنِ آدَمَ وادِيًا مِن ذَهَبٍ أحَبَّ أنْ يَكونَ له وادِيانِ"

فبقَدر حبّه للمال في الدنيا ولمظاهر الترف والعيش الرغيد، هو حبّه يومها للأعمال وقد "عَلِمَ"  يقينا أنها الباقيات الصالحات، أنها المُنجيات، أنها ما يستحقّ أن يسابق الإنسان لتصبح حظّه من صحيفته ... ! صحيفته حسابُه البنكيّ الأخرويّ ... !!

إنها الحلبة التي فيها مَن عمل خيرا أكثر، لا مَن حاز مالا أكثر... إنها يومها العُملة النافذة والسلعة الرائجة، يوم لن يبقى ضحِك حاذق لبيب يرى أنّ المعنى مالٌ ومظاهرُ رفاه مِن ساذج يرى أن العمل الصالح خيرٌ وأبقى ... !

وشتان بين ميزان الدنيا وميزان الآخرة ... ! وشتان بين وازن في الدنيا قدّم لميزان آخرته من سلعة الآخرة  وبين وازن فيها جزم أنّ الميزان فيها دنيويّ محض، ولا مجال فيها لموازين تهيّئ للغيب ... ! لليوم الفصل ... ! شتان شتان... !
العنوان: رد: في ظلال القرآن :: 2016 ::
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2019-09-02, 14:30:01
في كتاب "مشكلة الشر ووجود الله" أشار الكاتب سامي العامري إلى تصوّر الملاحدة للخلق، والقائم على أن الله يخلق فقط لأنه يجب أن يخلق... يجب أن يخلق عالما كاملا بلا نقص، ولا ألم ولا شرّ حتى يحقق للإنسان أقصى مستويات السعادة.

وأنا أرى أن سرّ هذا التصوّر عندهم إنما مردّه الرئيس عدم إيمانهم بالآخرة. والقرآن الكريم هو الذي نبّأنا من أخبارهم، فبيّن سرّ عدم اهتداء من لم يهتدِ بالقرآن الكريم رغم أنه الموصوف من ربّ العزة بقوله : "إِنَّ هَٰذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ ..." –الإسراء: من الآية9-

ذلك أنهم افتقدوا أساسا للحسّ الإيمانيّ باليوم الآخر، فيقول سبحانه في السورة ذاتها : "وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجَابًا مَّسْتُورًا"-الإسراء: 45- ويقول سبحانه أيضا : "انظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثَالَ فَضَلُّوا فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا(48) وَقَالُوا أَإِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا(49) -الإسراء-
ويقول أيضا جلّ وعلا : "وَهَٰذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُّصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَىٰ وَمَنْ حَوْلَهَا ۚ وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَهُمْ عَلَىٰ صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ"-الأنعام :92-

فهذا التصوّر للخلق عندهم نابع من أنه لا مكان للآخرة، ولساعة البعث بعد الموت فيما يعتقدون من عبثيّة الخلق، وعشوائيته والصدفة التي أوجدته، وأنّ الإنسان كما جاء صدفة وبلا تقدير، فهو ذاهب من الدنيا، وما هي إلا الحياة الدنيا، وما يهلكهم إلا الدهر...

وعلى هذا فلا تصوّر عندهم لعالم فيه تمام السعادة، والحياة التي لا ألم فيها ولا شرّ ولا عناء ولا مكابدة، بل حتى التكليف بالعبادة فيها يسقط عن المؤمنين ... حياة هي النعيم المقيم الخالد الباقي الذي لا يفنى، بينما الدنيا بآلامها وعذاباتها وتقلّباتها، وبما يكابده الإنسان فيها هي المعنى الحقيقي لوجودها ولوجود الإنسان فيها، وهي الدليل على أنّه سبحانه إنما خلقها ليبتلي الإنسان فيها، ولتكون دار الامتحان التي تنقل إلى مرحلة، هي المرحلة الحاسمة التي يكون فيها الجزاء ...

إلى دار فيها لأصحاب الهدى والتقى والإيمان به سبحانه في الدنيا السعادة التامة والهناءة المُتمّة التي لا كَدر معها ولا نقص ...

سبحان الله ! سقوط الإيمان بالآخرة حتى عند أهل الإيمان بالله يأخذ صاحبَه إلى تصوّر أهل الإلحاد ... ولهذا غالبا ما يُقرن في القرآن بين الإيمان بالله والإيمان باليوم الآخر: "الذين يؤمنون بالله واليوم الآخر"
العنوان: رد: في ظلال القرآن :: 2016 ::
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2019-09-25, 09:15:24
سورة "المطففين" ...

جاءت بعد "النبأ" و"النازعات" و"عبس" و"التكوير" و"الانفطار"...

وإننا إذا تأملنا تسلسل هذه السور في هذا الجزء الأخير لوجدنا الواحدة منها تسوق للأخرى الهُوَيْنى ... أيام الدنيا إزاء ذلك اليوم العظيم ...

**فجاءت "النبأ" لتنبئ أن يوم الفصل كان ميقاتا ... وأنه اليوم الحقّ ... كما كان خلقه في سمائه وأرضه حقا مُشاهدا يُعرَف بنواميسه وقوانينه في يوم الدنيا ...

**ثم تُردَف ب"النازعات" لتفصّل شيئا ما عن ذلك اليوم، فتخبرنا عن هَوْله، وأنما هي زجرة واحدة فإذا الناس قيام ليأخذ كل ذي حق حقه وافيا كما وعده ربه ..
وفيها ذكر من استعلى وتجبّر وطغى في أيام الدنيا وحسب أن أمره وقد طمّ وعمّ لن يأتي عليه ما يدانيه...حتى إذا جاءت "الطامة الكبرى" طمّت على طمّه وعمّت، وتذكّر الإنسان سعيه، فإذا هو سائقه إمّا إلى جنة أو إلى جحيم... فكان البيان لعِظم ذلك اليوم الذي لا يبقى فيه لطاغيةٍ متكبرٍ من دبيب ... !

**ثم تأتي "عبس" لتصوّر في يوم من أيام الدنيا ذلك الأعمى الذي جاء وحده يسعى وهو يخشى قُبالة من استغنى عن ربه بجاهه وسلطانه وناديه، فإذا هو ميزان وإذا هما كفّتان...!

كفّة الواحد الفرد الصادق وهي ترجح على كفّة حملت ناديا من الكبراء أعيان الملأ المستغنين المستكبرين...
فجاء وصف اليوم ب"الصاخة" التي يعلو صوتها على كل الأصوات المتعالية بالقبليّة، المستعلية بناديها ...

يومها يفرّ كل قريب من قريبه وكل حبيب من حبيبه، فإما وجْهٌ مسفر ضاحك مستبشر صاحب قلب أبصر في أيام الدنيا وإن عمي بصره ... وإما وجه مغبرّ مقتر، صاحب قلب عمي في الدنيا قلبُه وإن أبصرت عينُه ... !

فصوّرت عبس حال الإنسان يومها بتفصيل أكبر ...

**ثم جاءت "التكوير" ... تهزّ النفوس وهي تشقّ عصا طاعتها لما ألفت في أيام الدنيا من اطّراد الناموس ... فإذا السماء غير السماء وإذا الأرض غير الأرض ... وإذا الإنسان يومها عالِمٌ بما أحضر ...

جاءت التكوير بالقسم على نصاعة المنهج وربانيّة مصدره، المنهج المنزّل عبر الرسول الطاهر الكريم من ملائكة رب العزة على الرسول الطاهر الكريم المصطفى من عباده سبحانه ... وأنه الحق والبيان والطُّهر الذي جاء ليغسل الإنسان من أدرانه حتى يُحضِر بين يدي ربّه ما يرقّيه للفوز بجِنانه ... جاءت التكوير لتؤكّد أنه الوحي من رب السماء هو وحده المُنجي يوم تُكشَط السماء عن عالم الحياة الآخرة ...

**ثمّ تأتي "الانفطار" لتزيد في تفصيل ما يُحضر الإنسان في ذلك اليوم العظيم، فإذا عِلمُه بما أحضر هو علمُه بما قدّم من خير مُنْجٍ وما أخّر من خير هو البضاعة الرائجة التي فاز أكثر من حاز منه أكثر ...
وأنّ من نسي في أيام الدنيا فضلَ ربّه عليه خلقا من بعد خلق، فسدر في غيّ وضلال إنما مردّ غروره وغفلته تكذيبه بيوم يلقى فيه أعماله من دأب حافظين كرام كاتبين وكّلهم الله بعبده برهانا على خلقه لجزاء من ربه يعقب عملا منه، لخلقه لهدف لا لعبث... فإذا نِتاج الكاتبين الحافظين قسمان ... أبرار في نعيم وفجّار في جحيم...

**وها هي "المطففين" بين أيدينا ... بعد سور زاوجت كلها بين أحوال لأيام الدنيا مقابل أحوال لليوم الآخر ... أحوال تطال الكون المسخَّر، والإنسان المسخَّر له ...

جاءت لتأخذ هي الأخرى نصيبا من تسلسل في المعاني وتصاعد في التفصيل والبيان...
وإننا نجد الانفطار وقد حدّثت عن الحافظين الكاتبين، وأنهم ليسوا إلا الملائكة الموكّلين من رب العالمين بالحفظ والكتابة، والذين اختصّهم سبحانه بعلم ما يفعل الإنسان: "يَعْلَمُونَ مَا يَفْعَلُونَ" ...

نجد المطففين بالمقابل تزيد في تفصيل الأمر وهي تحدّث عن المكتوب لهم ...
تفصّل في شأن الأبرار والفجّار المُشار إليهم بالاسم وبالمآل في الانفطار : "إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ ** وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ" ...

جاءت تفصّل في شأن كتب كلّ من الفئتَيْن بعدما أشارت الانفطار إلى كتبة هذه الكُتب ...

فتقشعرّ أبداننا وترتعد فرائصُنا من خَبث وقذارة وانحطاط كتاب الفجّار المرقوم فسادا وشرا وسوءا وسَوْءة، ومن سجّين هو الضيق والسّفل والويل والثبور...!

وتستبشر قلوبنا بنورانية كتاب الأبرار المرقوم خيرا وبِشرا ...

في المطففين جاء ذكر "حافظين" ولكن في مقام النفي على خلاف مجيئه في الانفطار في مقام التأكيد ....
جاءت "المطففين" تنفي أن يكون المجرمون الضاحكون من المؤمنين أيامَ الدنيا حافظين عليهم وهم يصفونهم بقولهم الدنيويّ المستعلي :"إِنَّهُمْ لَضَالُّون"...

لقد بينت لنا التكوير مع رديفتها الانفطار أنّ الله تعالى وكّل بأمر وَحْيِه الرسول الكريم من ملائكته، كما وكّل بأمر الرسالة وأدائها والدعوة والقيام بها الرسول الكريم من عباده ... كما وكّل بأمر حفظ أعمال عباده الكِرام الكاتبين من ملائكته .... فما من حفظ بعدها لأحد على أحد ...

هذا من وجه ارتباط المطففين بما قبلها، وتحقيقها للتسلسل والتفصيل المتصاعد ...

أما من وَجْه موضوعها الذي افتُتحت به وعالجتْه، فقد جاءت عن سلوك وخُلُق اجتماعيّ، عن حركة في الأرض وتعامل، على غير عادة القرآن المكّي الذي جاء للعقيدة ولترسيخها ولتفصيل مقتضياتها ... بينما عُني المدنيّ بالتنظيم الاجتماعي والسلوك والتشريع ...

جاءت "المطففين" النازلة بمكة على غير عادة ما نزل بها وسط قوم كان أول وأساس ما دُعُوا إليه توحيد الله ونبذ الإشراك به، كان التمكين للعقيدة الصافية السليمة في قلوبهم، ولكنها نزلت بمكة، على القوم المشكرين، والدولة الإسلامية لم تقم بعدُ، وأرض مكة مصرّة على نبذ الدعوة والداعي ...

وعلى غير نبض سُوَر هذا الجزء الأخير التي حدّثت عن اليوم الآخر من ناحية العقيدة وثمرتها إجمالا، جاءت تحذّر من سلوك اجتماعيّ ذميم ...
عن التطفيف ... عن إخسار الموازين ...
فهل انفصلت بذلك حلَقَتها عن أخيّاتها فانفرط التسلسل، أم أنّها زادت قوّة في الاتصال وأحكمت بتواجدها تماسك باقي الحلقات ؟!

لقد جاءت حلقة واصلة من وجه التفصيل في موضوع اليوم الآخر، ومن وجه بيان حقيقة المنهج الذي جاء في التكوير ربانيّة مصدره ونصاعته...
جاءت "المطففين" تبيّن أنه الواقع والحركة في الحياة، وأنه لتحقيق العدل ولحفظ حقوق الناس، ولإذهاب الأنانية والشراهة في الإنسان، فيُنكَر عليه حبّه الاستيفاء لنفسه فيما يُبخِس غيرَه حقه، ويُنقصه ...!

جاءت لتؤكّد أن هذا المنهج الربانيّ الناصع لم ينزل ليكون عقيدة مجرّدة عن الحياة وحركتها، بل جاء ليُذهب الظلم والاعتداء على حقوق الآخرين، وليحقق العدل وليكرّس لإسداء الحقوق لأهلها... جاء ليصنّف البَرّ بَرّا والفاجر فاجرا لا من مجرّد الاعتقاد أو عدم الاعتقاد بل من العمل بذلك الاعتقاد وتحقيقه على الأرض سلوكا قويما وعدلا مقيما ...

جاءت "المطففين" لتبيّن أنّ الطُّفافة الضئيلة الحقيرة التي هي أقلّ القليل إذا كانت للغير فهي من حقّه، وأخذُها اعتداءٌ وإثم مبين... يستحقّ أن يُتوعَّد آخذها بالويل، وأن يُخوَّفَ من مغبّتها بذكر الفجّار وما ينتظهرهم، أولئك الذين فجروا إذ أنكروا البعث وكذّبوا بيوم الدين، فلا يدفع عن المسلم أن يكون مسلما وهو يطفّف، بل إنه وهو يفعل ويغترّ بالكثير الذي يُجمع له من الطُّفافة المغتصَبة على الطُّفافة، والرّان على قلبه في كل مرة تتسع رقعتُه حتى يعمّ القلب ويطمّ على منافذ الهدى فيه لمعدودٌ حاله كحال المكذب بيوم الدين ... !

لقد جاءت "المطففين" تومئ إلى أن هذا المنهج القويم الذي يشدّد على أن القليل المغتصَب جريمة، الكثير منه والكبير مشمول بها معنيّ بها وقد شملتْه وعنتْه...

إنها الحلقة الرابطة الأقوى في سلسلة العقيدة والاعتقاد وهي تؤكّد أن الاعتقاد لا يتجرد عن العمل والسلوك... بل إنه الذي يحققه ويوجد حياته ... !
العنوان: رد: في ظلال القرآن :: 2016 ::
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2019-09-25, 09:16:54
سورة الانشقاق ...
عرفنا مع السور التي سبقتها أحاديث عن الانقلابات التي تلحق بالكون يوم القيامة ...حتى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في التكوير : "من أحب أن ينظر إلى يوم القيامة فليقرأ إذا الشمس كوّرت"...

عرفنا في مجموع سور هذا الجزء الأخير حال الإنسان يومها...
فإذا هو متذكّر لما سعى، وإذا هو فارّ من أخيه وأمه وأبيه، وإذا هو عالم بما أحضر، وعالم بما قدّم وأخّر، وإذا هو قائم لرب العالمين في يوم عظيم ...

وعرفنا أنّ الناس فئتان، طاغون تترصد لهم جهنّم، ومتّقون فائزون بالنِّعم...مؤثرون للحياة الدنيا، وخائفون مقامَ ربهم فناهون النفس عن الهوى...
أصحاب وجوه مسفرة، وأصحاب وجوه مغبرّة ...
أبرار في نعيم وفجار في جحيم ...

ثم عرفنا في سورة "المطففين" أكثر ما عرفنا عن كتاب كل فئة، فكتاب في سجين، وكتاب في عليين ...
لتأتي "الانشقاق" ... وهي تحمل في مطلعها كسابقاتها عن تلك الانقلابات الحاصلة في الكون ... مع ما يميّزها عن سابقاتها، كحال كل سورة من سور القرآن وهي تَشي بسَمْتِها الخاص، وتلقي بظلّها الخاص ...

تأتي الانشقاق وهي تحدّث عن بعض تلك الأهوال التي تغشى السماء والأرض، ولكن بخصوصية... خصوصية الانقياد التام والطاعة الكليّة لأمر الله تعالى من مخلوقات له غير عاقلة، فعن السماء: " وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ "، وعن الأرض سواء بسواء : "وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ"
إنهما تسمعان وتطيعان، وحقيقٌ بالإنسان ذي العقل والبيان، وأولى أن يسمع هو ويطيع أمر مَن خلقه فسوّاه فعدّله ...

ونَمضي مع سَمْتها بإقرار طاعة المخلوقات لخالقها وانقيادها لأمره ... لنلامس ميزة لها أخرى هي فارق آخر بينها وبين غيرها من سُوَر هذا الجزء الأخير ...
إنها تحدّث عن إيتاء الكتاب...
وقد حدّثت "الانفطار" من قبل عن أبرار وفجار، وأسهبت بعدها "المطفّفين" عن كتاب الفجّار وكتاب الأبرار، ليأتي هنا دور الحديث عن حال الإنسان وهو يُؤتى كتابَه ... !

إنها نهاية المطاف، وثمرة اللقاء المحتوم :"يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَىٰ رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ "
إنه الحال عند معرفة المآل ... فمُؤتًى كتابه بيمينه، محاسباً حساباً يسيراً، منقلبا إلى أهله مسرورا ... ومُؤتًى كتابَهُ وراء ظهره، داعيا ثبورا، مصلًّى سعيرا ... ذاك الذي كان قريبا في أهله مسرورا ...

وأيّ بَون شاسع هو بين مَن سُرّ في الدنيا وهو لاهٍ عن ربه، مكذّب ببعثه بين يديه، وبين ذاكر ربّه، موقن برجعه، فسُرّ يوم يدوم السرور ولا ينقطع ...وَيْكَأنّ السرور الحقّ هو سرور الفوز عند اللقاء الحقّ...

ثم نمضي مع آياتها ليقابلنا القَسَم، القسم بأحوالٍ في السماء كانت في الدنيا، من بعد ما عرفنا أحوالها في مستهلّ السورة بعد انتهاء الدنيا...
الشّفق، واللّيل وما وسق، والقمر المتّسق ... وهكذا دأب القرآن ...
نجدنا في قلب يوم القيامة وأهواله، وأحواله، ثم نعود إلى الدنيا على مسافة آيات ... ولَكَأنّنا نستشعر قُرْب يوم الدنيا من يوم انتهائها، نستشعر قِصرها ونحن ننتقل بين اليومين انتقالا يُشعرنا أننا نراه بعيدا، وهو عند الله قريب قريب ...... قريب متحقق ...
وأنّه مهما بدا مُكُوثُنا في الدنيا لأعْيُننا طويلا فإننا مُلاقوه : " يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَىٰ رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ "...

مهما بدا لنا طويلا فإننا منقلبون من حال إلى حال، من صغر إلى شباب، من شباب إلى كهولة، من كهولة إلى شيخوخة، من يسر إلى عسر، من عسر إلى يسر، من نجاح إلى فشل، ومن فشل إلى نجاح ... وكلها لا تُنال إلا بالجدّ والتعب، والانقلاب بين أطوار وأحوال .لا يركن غنيّ لراحة وهو يلهث خلف ثروة يجمعها إلى ثروة... وهو يخشى القهقرى، كما لا يركن فقير إلى راحة وهو يسعى سعيَه ليسدّ حاجة له ... كما لا يرتاح ناجح، ولا يرتاح فاشل ... !
وكلها الكدح ... الكدح والتقلّب بين الأحوال طبقا عن طبق ...

إننا لَنَلمح العَوْد على البدء، وهو سبحانه يُقسم بأحوال السماء في الدنيا أن الإنسان لا محالة متقلب بين الأحوال والأطوار ... من بعد ما عرفنا ذلك في بدايات السورة وهو سبحانه يُتبع انقلاب أحوال السماء والأرض بالتأكيد على أن الإنسان كادح كل كدحه في الدنيا وهو لا مناص ملاقٍ ربه في مطافه الأخير : " يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَىٰ رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ "
إذن... فإنّ من أهمّ سمات السورة بيانها أنّ الإنسان بكلّ حال هو عليه، ومع كل طور هو فيه، ومع أي اعتقاد هو متبنّيه، وبكل عمل هو عامله، إنما هو كادح وكادح فمُلاقٍ ربه لا ريب ... سواء في ذلك من آمن وأطاع وعمل صالحا، أو من كفر وعصى وعمل سيئا ...
شاء أو أبى، رضي أو سخط، آمن أو كفر ... هو ملاقٍ ربّه ملاقيه ...
فما أشدّ غباءه وما أشدّ إهلاكه نفسه وهو لا يؤمن، ويختار أن يكفر ويسدر في غيّه الذي لن يغنيه من لقاء ربّه شيئا ...

فيا أيها الكادح كدحَك... يا أيها الراكب طبقا عن طبقا ... إنك ملاقٍ ربك ملاقيه ...!

ويحضرني الملاحدة المتكؤون على الأرائك، المتنادون بألّا إله ... وبأنّ الإيمان غباء وجهالة وسفاهة ... وبحثّهم الخُطى من خلفها الخطى لنشر الإلحاد وإبعاد الناس عن الإيمان بربهم ... إنه كدحكم ... وإنكم تالله ملاقوهُ ملاقوه ... : " فَمَا لَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ(20) وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لَا يَسْجُدُونَ(21) بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُكَذِّبُونَ (22)وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُوعُونَ(23) فبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (24) "
العنوان: رد: في ظلال القرآن :: 2016 ::
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2019-09-25, 09:18:56
سورة الطارق ... قليل في حقّها كلّ مدح ... مقصّر بحقّ جمالها وجلالها وعظمتها كلّ وصف ....
انسجام غريب عجيب بين ألفاظها على اختلاف السياق المنتَقَل إليه من السّياق، وانسجام غريب بين إيحاءاتها من بدايتها إلى نهايتها ...

إنها لتُحقّق بجدارة معنى جوامع الكلم، كما تجسّد تكامل أطراف الصورة، حتى لكأنها القطعة تركّب إلى القطعة لترسم المنظر الكليّ المتناسق كل التناسق، المتّسق كل الاتساق...

فلنتأمل ...

يُقسم سبحانه بالسماء العظيمة الرّحيبة ...مقرونة بـ : "الطارق"، ويعقب القسمَ سؤالُ إكبار وإعظام لهذا المسمّى بـ: "الطارق": " وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ" . ليأتي الجواب كعادة هذا السؤال في مواقع من القرآن، يتلوه التعريف بما أُكبِر مَقامُه، وأُعلِي شأنُه حتى كان مُقسَما به : " النَّجْمُ الثَّاقِبُ"

إنه النجم الذي يخترق بضوئه ظلمة الليل، ويطرق هَدْأته، فُيبرز في غمرة العتمة والسواد الغاشي... حتى كان وصفه بالثاقب...
فكأنما قد ثقب بالضوء السوادَ، كشأن الشيء المخترِق صلابة أو سماكة، لتستشعر فيه القوة، والقدرة على النفاذ...
أقسَمَ سبحانه بالطارق الثاقب أنّ كل نفس مخلوقة عليها حافظ يحفظ أعمالها ...

وهنا يجدر بنا التأمل ...
فأما المُقسَم به فهو الطارق الثاقب ظلمة الليل بضوئه، وأما المقسَم عليه فالحافظ لعمل كل نفس ... وما يحفظ وما يعدّد وما يسجّل إلا وقد خصّه الله تعالى بالعلم... العلم بكل ما يعمل الإنسان، بما يُسرّ، وبما يُعلن، بما يُكنّ وبما يُظهِر ...

أليست هي عتمة النفس، وأغوارها السميكة، ودخائلها البهيمة، ونواياها... وحقائقها...وما يخفى منها، ولا يعلمه غير الله الذي وكل بها حَفَظَة يعدّدون عليها عملها ...؟!

أليس هو ذلك الاختراق، والنفاذ إلى الأعماق العصيّة على البشر... ؟!

أليس هو الحافظ الذي يُخالط الأنفاس، والفِكرة والخَطْرة، والحركة والسكنة والنّأمة، فيخترق الطبقة من النّفس من ورائها الطّبَقة ... وهو ينفذ وينفذ، فيبلغ الأعماق السحيقة، وهو يكتب ويسجّل ويحفظ ...

سبحان الله ... !

إنّ المُقسَم به والمُقسَم عليه لا تبعد صفة الواحد منهما عن صفة الآخر، وإن كان الأول زائر السماء العليّة، والثاني مُخالط أغوار النفس البشريّة، الموغِل بعلمه في أعماقها، كما أوغل النجم بضوئه في عتمة السماء...! فطارق في السماء ثاقب، وطارق في ظلمات النفس ثاقب، يخترق خفيّها المعتم بضوء من علم خصّه الله به، ومن عمل أوكَلَهُ له...
بل إنّ عقلي ليلمح الثَّقب، ولَيسمع الطرق في هذه السورة لا على مستوى معانيها وسياقها وحسب، بل على مستوى اللفظ وموحياته ...

تأمل ... تأمل قوله سبحانه :"والسماء والطارق" ...

وصفحة السماء يتداول عليها الضوء والظلام ... يتعاقبان، فساعات هي الصفحة المضيئة إيذانا بالنهار، وساعات هي الصفحة المعتمة إيذانا بالليل ..
فما أروع قرن السماء باسم "الطارق" ...

هذا اللفظ الذي يفعل هو ذاتُه -كلفظ بين الألفاظ- فِعْل الطارق الثاقب ... وهو يطرق مجال التصور العقلي لينفذ إلى العقل فيضيئ أنه أوان الليل لا من لفظ "الليل" بل من لفظ السماء المقرون بالطارق... ! عندها يستقرّ فهمنا على الليل دونما شكّ أو ريب.

وتالله مازالت سياحتي في عالم سورة الطارق مستمرة...!
في جمالاتها ...في رونق إيحاءاتها، وتناسب وتناسق سياقاتها المتلاحمة باللفظ كما بالمعنى ...

لأرقب السماء البعيدة عن ملمسي والنفس التي هي بين جنبيّ ...
أرقب فعل الطارق في البعيدة وفعل الحافظ في القريبة ...
وأتأمل غياب لفظ "الليل" عن سياقٍ حاملٍ لمعنى الليل وما يدور فيه ... لأكتشف بعد نظر أن مجيئ "السماء" أشمل وأعمّ وأليق بكثير بما يُراد من معنى ..

وأنت إذا قابلتَ النفس التي يعمل معها الحافظ عمله، وجدتَها كالسماء... منها الظاهر المضيئ المؤذن بنهارها، وهو ما بدا للناس منها فعلموه، ومنها المُعتِم الذي خفي منها عنهم فجهلوه ... فكان للحافظ عمله بحفظ الأعمال ما بدا منها وما خفي، كما يليق بلفظ "السماء" وهي توحي بالحالين الضوء والعتمة... النهار والليل ...

وَيْكأنّ نفسي المنطوية على سرّها ليلٌ خِلْتُه البهيم حتى طرق الطارق سكونه، وثقب عتمتَه...!

وَيْكأنّني وأنا أرقب السماء أرقب صفحة نفسي، وكأنني وأنا أرقب نفسي أرقب صفحة السماء...!!

ويُشدَهُ عقلي حيال هذا الحُسن وهذا البهاء..! حيال هذه الروعة في تركيب اللفظ للفظ، ومقابلة اللفظ للفظ في تقلب بين معنى ومعنى، ومُراد ومُراد غيره... ولكنّ الاتساق والتناسق لا ينفكان قائميْن ...

ولكأنّ كل خيط فيها يُشدّ إلى الخيط، لا تتقطّع بالخيط منها سبيل ... بل كلّ فيها ميسّر لما جُعِل ...منظم مرتّب... مهتد غير ضال ولا مُضلّ... !!!

ونمضي ... فإذا قوله تعالى : " فلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ مِمَّ خُلِقَ"...
ويسبقني النظر في موقع هذا الأمر بالنظر..

يسبق نظري في نفسي مِمَّ خُلِقَتْ نظري في موقع الآية من السورة، موقعها من حديث الحافظ وما يحفظ من عمل ... ما العلاقة ؟؟ ما وجه الارتباط ؟ لمَ الأمر بالنظر والتوجيه إلى النظر تِلْوَ حديث الحافظ ؟
لأجد عقلي يستدلّ ليجيب ... ويالروعة هذا الحثّ والدفع لآلة العقل أن تعمل ... ! وهذا دَيْدنٌ في القرآن لا يُستهجَن فيه ولا يُستغرَب ...

أوَليس الحافظ هو الذي يسجّل على النفس أعمالها كلها ؟
وَلِمَ هذا التسجيل ؟ أليس ليكون مادة العرض يوم العرض بين يدي ربّ العالمين ؟ أليس هو مادة الكتاب الذي ستقرأه كلّ نفس، لتعلم ما أحضرت، لتعلم ما قدّمت وأخّرت ؟! أليس هو محور الحساب يوم البعث ؟
بلى ... بلى ... وما حِفْظُ الحافظ لعمل النفس إلا لهذا ...

وهكذا يستدلّ العقل باللفظ الواحد: "حافظ" على يوم البعث ...

أليس هذا ثقبا جديدا في عالم العقل واستدلالاته وتصوّراته، وما يُراد له أن يبلغه من معنى ؟ أليس اللفظ البعيد المغاير قد طرق وثقب طبقات العقل، وغُرَفَ الذّهن ليَعِي المطروقُ عقلُه أنّ "الحافظ" نجمٌ طارق في عتمة العقل يضيء بمعنى البعث ؟
ولا تنفكّ سورة الطارق طارقة ثاقبة...! في صفحة الكون تارة، وفي صفحة النفوس تارة أخرى، في أُولانا تارة، وفي أُخْرانا تارة أخرى ...

ولأنه الإيحاء بالبعث، ولأن المكذّبين بالبعث في كل زمان... فهذا توجيه الله الإنسان لينظر... لينظر ممَّ خُلِق... وأنّ الذي خلقه على ذلك النحو، وبتلك العظمة والقدرة والتقدير أقدر على بعثه : "خُلِقَ مِن مَّاءٍ دَافِقٍ(6)يَخْرُجُ مِن بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ(7)"

وإنني أسترسل مع السورة لا كشأن الذي يسترسل مع الآيات مفسّرا، بل لأنّ الطارق بشكل خاص تنبض بنبض واحد، وتتوحد أطرافها تحت سَمْتٍ واحد، وتتشارك أجزاؤها الصورة الواحدة... الصورة الواحدة التي تتقلب بين المعاني المختلفة لتبقى بميزتها ذاتها ..."الطارق" "الثاقب"

خَلْقُ الإنسان من أخلاط ماء الرجل والمرأة(الأمشاج)، ذلك الماء الذي صِفَتُه الدّفق، وفي الدفق قوة، وفي الدفق قدرة على النفاذ، وعلى الاختراق، ويزيد تأكيد هذا قوله سبحانه : " يَخْرُجُ مِن بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ "...

و"الصُّلْب" وحدها تشي بالصلابة والقوة، وهو في الإنسان ذلك العمود الذي تتوضع عليه الفقرات الواحدة فوق الأخرى، و"الترائب" هي مجموع عظام الصدر التي تلتقي لتشكل القفص عظمةً بمقابل عظمة، تُماثِل الواحدة منها نظيرتها كل المماثلة، حتى سميت ترائب، جمع "تريبة"...

وإني لست ممن يتكلفون الإعجاز العلمي في القرآن حتى يبدو إسقاط نصّه على الحقيقة العلمية افتعالا، ولكن بالمقابل لا ننكر ما كان من الحقائق العلمية صادعا بمعنى النص القرآني .... إذ إنّ الدعوة للفصل الكليّ لنصوص من القرآن تحدّث عن الكون أو عن الإنسان وخلقه عمّا يقرره العلم دعوة مُجحفة تقارب القول بأن القرآن لا شأن له بوصف المخلوقات سواء منها الكون أو الإنسان.

إن علم الأجنة Embryology الذي هو علم دراسة تنامي الجنين، وآليات تشكّل أعضائه وتطوّرها من طور له إلى طور، يؤكّد أن الجهاز التناسلي عند الجنين لا يأخذ مكانه المعروف إلا بعد أشهر من الحمل تقارب الأربعة أشهر، إذ إنّ لهذا الجهاز على وجه الخصوص منشأ، موقعه بين العمود الفقري والترائب الأخيرة من القفص الصدري، يكون فيه الجهاز في طوره الأول، ثم ينحدر وينزل منه إلى مستقرّه الأخير، ففي الذَّكَر كيس الصّفن حيث تتموضع الخصيتان، وفي الأنثى المِبْيضان...

وعلى هذا فإنّ أول منشأ الجهاز التناسلي هو هذا الموقع الذي هو بين الصلب والترائب ... فكان الوصف القرآني بأن الماء يخرج "من بين" وليس "من" ...
ذلك هو المنشأ الذي يخرج منه الجهاز، ليُزوَّدَ في آخر مرحلة من تموقعه النهائي في مكانه المعهود المناسب بشريان مغذٍّ يغذي الخصية وهي مصنع الماء في الرجل، ويغذّي المبيض سواء بسواء ...

فكان الوصف بـ: "يخرج" وصفا للخروج الأول، أي وصفا لمنشأ الجهاز ومصدر غذاء الماء المكوَّن فيه...
وهذه لمحةٌ علمية لم أجد بُدّا من ذكرها، حتى لا يبقى العقل متعلقا بتلك الالتباسات والأقاويل التي تجعل من هذه الآية دليلا عند المتقوّلين على مخالفة القرآن لصريح العلم ...
ثم أمضي من بعدها ... لأرى أنّ الطرق والثقب ممتثل من جديد، كما عرفناه في المعاني السابقة، مرة في صفحة السماء المعتمة، ومرة في صفحة النفس المعتمة ...

إنه ماء دافق ... يخترق الحُجُب ... يخترق الصلب، والصعب، من بين العظام القاسية الصلبة يسافر لينفجر ماء .... ولكأني به الماء المنفجر من الحجارة الصلبة الصلدة : " وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ "

إنها الحياة تتفجر من الصلابة ... الماء ... الحياة ..

الضوء يطرق ويبرز ويلمع في عتمة الليل، والحافظ يعلم في عتمة السرّ والطيّ والكتمان ... والماء يتدفق من بين الصلب والصلد وتنبثق الحياة من ظلمة الرَّحِم ...
سبحانه الذي قدّر أن تخرج الحياة من هذا العالم المظلم ... وهو سبحانه الذي وصفه بالظلمات في قوله :"... يخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِّن بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ ..." –الزمر:من الآية06-
سبحانه الذي هذا تقديره لخلقه الإنسان هو على رجعه أقدر : " إِنَّهُ عَلَىٰ رَجْعِهِ لَقَادِرٌ (8)يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ(9) فَمَا لَهُ مِن قُوَّةٍ وَلَا نَاصِرٍ "

ونمضي قُدُما مع هذه السورة العظيمة ... ومرة أخرى لست أسترسل لأعيد فيها ما قال به المفسرون ... بل إنني لأجدُني معها من كمال إلى كمال ... من معنى إلى معنى آخر ولكن تحت لواء واحد ... أسمع النبض ذاتَه، أتبيّن الأوصاف ذاتها ...
فلنتأمّل مجدّدا : "وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ(11) وَالْأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ(12)"

وآية قبلها جاء فيها : " إِنَّهُ عَلَىٰ رَجْعِهِ لَقَادِرٌ " ...
فانظر .... انظر إلى الاتساق، والموافقة، والمناسبة ... انظر إلى اللفظ وهو يعقبه ما هو من جنسه : "رجعِهِ" و "الرّجع"...
السماء ذات الرجع .... والرجع عند العرب "المطر" ...

وهذا قَسَمٌ ثانٍ في السورة بالسماء أيضا، ولكن هذه المرة برجعِها ... وقد جاء المطر هنا بهذا الاسم تحديدا، مناسبة لما قبله من حديث عن الرجع والبعث وقدرة الله عليه من بعد ما بيّن كمال قدرته في خلقه الأول...

وما المطر في أصله ؟ أليس ماء الأرض المتبخّر الصاعد إلى السماء، المتكثف ليعود فيتشكل مرة أخرى ماء ينزل من السماء ؟
أليس رجعا ؟؟ أليس بعثا جديدا لذلك الماء المتبخر من الأرض،ليعود للأرض ... ؟!
أليس هو البعث في صورة حسية ؟!

ثم الأرض ... وصفتها "الصدع"
والصدع هو الشقّ ، وهو مصدر بمعنى المفعول ، أي المصدوع عنه ، وهو النبات الذي يخرج من شقوق الأرض ...
ولنتأمل هذه الصورة مع الصورة السابقة، مع الماء الدافق، والحياة المنبثقة من بين الصلب، وفي عتمة الظُّلَم ...

الإنسان وهو يخرج للدنيا، وأصله ماء، ماء أنتج نبتة حية، ماء سقى أرضا، وما تلك الأرض إلا المرأة الحامل ...

أوَلَمْ يصف الله سبحانه الزوجة بالحرث حين قال: " نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّىٰ شِئْتُمْ ..." –البقرة: من الآية223-
فهي الحرث، وماء الرجل السُّقيَا، ذلك الماء الدافق...والمولود هو ذاك النبات المصدوعة عنه تلك الأرض المحروثة ... !

بل وأكثر .... بل وآكَد، بل وأعظم دلالة وأسطع بيانا وهو سبحانه القائل : " وَاللَّهُ أَنبَتَكُم مِّنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا " –نوح:17-
نعم يا رب... من الأرض... !
فأُمُّه التي تحمله بين أحشائها وضلوعها، ليس أصلها إلا ترابا، وأبوه الذي سقى الزرع بمائه، ليس إلا ترابا ... يُحرث الحرث، ويُسقى التّراب ليُنبت ... !!

هذا القسم العظيم على : " إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ " ... القول في البعث، في الرجع، كرجع السماء للماء ... بعث الماء المتبخّر من الأرض ماء يرجع إليها من جديد حياة جديدة ...
كخروج تلك الحياة من تلك الظلمات بتدفق الماء من بين صلب أجزائها...

كاختراق الحافظ لحُجُب النفس وهو يسجّل أعمالها لتُعرض من جديد في يوم فيه الحياة منبعثة بعد الموت ...
كاختراق ذلك الطارق لأستار الليل البهيم بنور لا يلبث إلا يسيرا لينبعث ضوء النهار من جديد ... حياة وحركة من بعد سكون وهمود....

يا ما أروع الطارق الثاقب في قلب الظلمات ليؤذن ويُعدّ لانبعاث الحياة من جديد ... في السماء، وفي النفوس، وفي ظلمات الرَّحِم...

ويا ما أروع البعث والرجع بين يدي ربّ العالمين، والحياةُ بأطرافها وحركتها تحاكيه في كل حين ... من بعد مرحلة الإيذان بالطارق ...

ولادة جديدة في كل لحظة، من قلب الظلمات ... نهار منبعث منفلق من قلب الظلام وأوج اسوداده... ماء منبعث من السماء من بعد ذهابه من الأرض ...
إنها سورة "الطارق".....
تلك التي لا يسع المؤمنَ بعد تأمّل آياتها، وسياقاتها، واتساقاتها، إلا أن يوقن بأنّ كيد كل كائد لهذا الدين، إنما هو الهَمَل والهباء، والجُفاء والغُثاء... !!
كيف لا ؟... والقادر سبحانه، والباعث سبحانه يُمهله ويمهِّلُه ... وليس بمُهمِله وهو يحصي عليه كيده حبة بحبة وقطرة بقطرة ... ليلقاه يوم البعث، يوم يُرجع إلى ربه ... يوم يرى البعث الذي كذّب به بأمّ عينه ...!! " فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا " ...
العنوان: رد: في ظلال القرآن :: 2016 ::
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2019-09-30, 09:18:57
سورة الملك ...

تُفتتح هذه السورة العظيمة بقوله سبحانه يصف ذاته العليّة : "تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ "
لا تشبيه ولا تمثيل، سبحانه، المُلك كله قبضة يده... كناية عن القدرة الكاملة، والعظمة المتناهية. حتى أن الكون بما فيه عنده قبضة: "وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ" –الزمر:67-

... فنقرأ أول ما نقرأ بعدها ما يزيد في بيان طلاقة هذه القدرة :" وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ " .
قدرته التي نمّت عنها تلك القبضة الإلهية العظيمة، ليست قدرة محدودة، بل هي قدرة طليقة لا تحدّها حدود، وليس شيء من الأشياء بمعجِزه سبحانه ...

إنه الملك سبحانه، والملوك مِلْء الأرض زمانا ومكانا، ولا يُعرف عن أحدهم أنه الذي قدر على كل شيء ... بل إن ملكه مهما بلغ لن يتعدى حدود مكان هو حاكمه، بل إنّ ما هو تحت حكمه وأمره، لا ينفي أن يكون فيه لرعيّته ما يملكون وليس له أن يملكه ...
سبحانه الملِك القدير ... الذي لا تحدّ قدرتَه حدودٌ ...

وإنّ أبرز وأهمّ ما يختصّ به المَلِكُ سبحانه ...الخَلْق...

وليس يخلق غيرُه ...وإنّ أول ما يتبادر إلى الذهن مع قضية الخلق، خلق الإنسان، وخلق الكون بما فيه بسماواته وأرضه، وأفلاكه، وكواكبه ومجرّاته، وبجباله وبحاره، وبكل ما فيه ... ولكن لن يتبادر إلى الذهن ما ذكره الله سبحانه في هذه السورة من خلقه... بل إنه الجمع الوحيد في القرآن كلّه بين هذين المخلوقين اللذَين لا يخطران على بال الإنسان أول ذكره لقضية الخلق ...

"الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ"
لم يأتِ هنا ذكرخلقه للإنسان ولا للكون، بل جاء خلقُه لعوارض تعرض لمخلوقاته...الموت والحياة ...

فلنتأمل ...
إننا عندما نتحدث عن قضية الخلق، لا نفكر معها إلا بما يوجده الله سبحانه لأحد أمرَيْن، إما لتُبثّ فيه الحياة فيحيا، أو ليكون سُخرةً للحيّ والحياة ... خَلْقُهُ الإنسانَ والنباتَ والحيوانَ، مخلوقات تُبث فيها الحياة لتحيا.

أو خلقه للجبال والبحار والشمس والقمر والنجوم وغيرها من كلّ مسخّر لحياة الإنسان ...
ولكن في هذه السورة تحديدا وحصرا يذكر الله تعالى خلقه للموت والحياة، وخلقه للموت بوجه خاص هو الذي يلقي على النفس ظلالا من الرهبة والهيبة، والإكبار لهذا المعنى العظيم، ظلالا من التساؤل عن خلق الموت... وأيّ سِمة في الموت تجعلها تدخل تحت أحد الأمرَيْن السابقَيْن ؟!
أهي المخلوق الذي ستبثّ فيه الحياة ليحيا، أم أنّه الذي سيسخّر للحياة ؟!
كلاهما لا تدخل الموت في دائرته ... إنها الموت ! خلق الموت ...بل وإن ذكر خلقها لسابق حتى لذكر خلق الحياة ... !

تأمل معي ... أليس سبحانه قد خلق الموت هي الأخرى للحياة، وقد خلق الحياة للموت ...؟!

بلى... بلى... قد خلق الموت لتكون نهاية الحياة...
لم يخلق الحياة وحدها، بل خلقها وخلق معها الموت، لتكون الحال الذي يعرض للحياة فيُعدِمها، كما خلق الحياة أيضا للموت، لتؤول أخيرا إلى الموت ...

ولولا الموت، لما تحقّق للدنيا أن تكون دار ابتلاء : " الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا " .
إنه ذلك الفاصل بين الدارَيْن، دار العمل، ودار الجزاء ... دار عمل لم تكن ولم يُخلق فيها الإنسان إلا ليُبتلى، ودار جزاء على ما كان من ابتلاء، فكان الموت بمثابة القطار الذي ينقل من دار إلى دار ...!

ومَن ذا يقدر على الإحياء والإماتة غير الله...الملك سبحانه .... ؟!

فذاك النمرود حينما تبجّح وتشدّق ردّا على إبراهيم عليه السلام : " إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ "... لم يسعه وإبراهيم عليه السلام يسأله أن يأتي بالشمس من المغرب إلا أن يُبهَت ...!

فإن الملك بين الملوك وإن كان أقدرَهُم وأوسعهم ملكا، وأبسطهم علما وجسما، لن يقدر على إحياء أو إماتة ...
وحده سبحانه الملك الذي هو على كل شيء قدير، ومَن ذا سِواه يقدر على الإحياء والإماتة ... ؟!

وكأنما سبحانه قد قرن الخلق بهذين العارِضَيْن المخلوقَين لتستبين طلاقةُ قدرته على كل شيء بهذا الذي لا يُعجِزُه، بينما يُعجِز أقدر الملوك وأوسعهم ملكا وسلطانا في كل زمان وفي كل مكان ...

بل إنهما وهما مقترنتان، مع بيان الغاية من خلقِهما والغاية من خلق الإنسان: " لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا " قد جمعتا في سِعة تعبير عجيبة فريدة بأقل الألفاظ إيجادَه سبحانه للدنيا بالإحياء (الحياة)، وإعدامه لها بالموت، وإيجاده للآخرة بعد الموت... إنه بيان أنه ملك الدارَيْن سبحانه...

وسيأتي في لاحق من الآيات تفصيل من سورة الملك ذاتها لمعنى: "أحسن عملا" ...

والجَمالات والكَمالات ودقة استخدام اللفظ... تترا كلها في هذه السورة التي تستوقفني في محطات منها كثيرة ...

فأجدني أتساءل، ما سرّ الإتيان بـ: "الْعَزِيزُ الْغَفُورُ" تحديدا دون غيرها من أسماء الله سبحانه ؟ لا بدّ أنّ لموقعهما مجتمِعَين مناسبة ...

أما "الْعَزِيزُ" فهو الذي لا يُغلَب ولا يُقهَر سبحانه، ولا يكون إلا أمره ...وهذا مناسب أيّما مناسبة للملك ...
إنه تأكيد على أنه الملك الذي لا يُقهَر، الملك الذي لا يُغلب وكل الملوك تُقهر وتُغلَب إن لم يكن بهزيمة حرب، فبالموت الذي يتساوى فيه ملك ومملوك .
كما أنه الذي لا يَغلِبُ أمرَه وإرادتَه شيءٌ من فعل عباده في الأرض...

فمهما بلغ ظلم ظالم منهم وتسلط متسلط و تجبّر متجبّر، فإنّ ذلك كلّه لن يغلبَ أمره وفعله وإرادته، وإن بدا أنّ الإنسان عائث في الأرض فسادا وإفسادا، وإن تنادى أهل الإلحاد والكفر بوجود إله بأنّ الشرّ الذي في الأرض لا يناسب وجود إله عليم رحيم ...

إنه سبحانه الذي جعل الدنيا، وخلق الإنسان فيها ليُبتَلى ...ولا يكون الابتلاء إلا بأن يتحرك الإنسان وِفق ما يختار من طاعة أو عصيان، لا يكون الابتلاء إلا والإنسان يعرِض للشرّ كما يعرِض للخير...
وأما "الغَفُور" فهي التي تناسب كل المناسبة :" أحسن عملا"...
لأنه ما من إنسان وإن بلغ من الطاعة والإذعان والإيمان ما بلغ، إلا وله أخطاء وذنوب لا يغفرها له إلا الغفور الرحيم سبحانه ... كما أن المسيئ التائب أيضا معنيّ بهذه المغفرة، بل وداخل في دائرة "أحسنُ عملا" ... أليس هو القائل سبحانه : "وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ" –آل عمران:133-

ثم نمضي مع "الملك" ... فإذا وصف جديد من الله لذاته العليّة، وما نزال في دائرة الخلق : "الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا مَّا تَرَىٰ فِي خَلْقِ الرَّحْمَٰنِ مِن تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَىٰ مِن فُطُورٍ(3) ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ(4)"

خالق السماوات السبع طباقا، مماثِلةً الواحدة منها للأخرى، منطبقة عليها وصفا وخلقا، وكائنة بعضها فوق بعض طبقة فوق طبقة ...لا يلحظ الرائي وهو يصعّد النظر فيها ما يشي بتفاوت في الطبقات، أو شقّ فيها يشي بنقص في تركيبها، أو بنائها طبقة فوق طبقة ...
لم تُثقل السماوات الستّ على سمائنا الدنيا حتى نرى فيها شقا يؤذن باحتمال تساقطها من ثقل ما تحمل ...
وإنه يحضرني ما قال المشركون بلسان التحدّي لرسول الله صلى الله عليه وسلم : " أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا " ...
ولكأنّي بهم والأعين منهم ترى السماء المتماسكة، التي لا يعرفون فيها شقا ولا فطورا، مِن يقينهم بتماسكها وقوتها، ليس في علمهم بحالها ما يدعوهم لاحتمال سقوطها كسفا وهي المتماسكة المتلاحمة ... !
لكأنّي بهم وهم يعلنون اللجاج والعناد والتكذيب والتحدّي لا ينتبهون ليقين عندهم بقوة هذا المخلوق، الدال على عظمة الخالق ... !!

" ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ"
يالهذا الوصف، وهذا التعبير، وهذا التصوير البديع الدقيق... ! يالِوقوفي مشدوهة، منبهرة، مأخوذة بسحر هذا الوصف، ودقّة هذا التصوير، وأنا أراني وبصري شيئَيْن لا شيئا واحدا ...! ذاتَيْن لا ذاتا واحدة !
إنه البصر منّي ... ولكأنّه ذاك المنفصل عنّي ...

لكأنّي به ذاك الرّسول، وأنا المُرسِل ... لكأنه الكائن المتحرّك المنفصل عن ذاتي ... أُرسِلُه لينظر ... ثم من جديد لينظر.. ومن جديد ... ومن جديد ... عساه يأتيني بنبأ يقين عن فُطور من هنا، أو فطور من هناك ...
ولكنه يعود ... وليت شعري كيف يعود ... !

يعود خاسئا، خائبا، تعِبا كليلا من فرط ما أرسلته ... لكأنّي به يعود خاشعا ذليلا ... لا يملك بما أودِع فيه أن يعود بخبر عن خلل في السماء ...
إنه رسولي إليها ... وهو الجزء منّي، كأنه المنفصل عنّي ... هكذا يوحي وصفُه، وهكذا هي حقيقته ...

إنه المخلوق في الإنسان، كأنّه يذكّر الإنسان ، ويعود له حاملا فطرة فُطر عليها، حاملا إقرارا بإتقان الصانع، إقرارا بعظمة الخالق الذي خلقه ...لكأنه الجزء منه المقرّ بخالقه وإن جحد الإنسان وأنكر، وإن كذّب وكفر...

سبحان الله ... وكأنّه شكل من أشكال تبرئ جوارح الإنسان من الإنسان في الدنيا ... وهي التي تتبرأ منه يوم القيامة إن باء بالخسار والبوار -عياذا بالله- . أليس سبحانه القائل : " حَتَّىٰ إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ " –فصلت:20-

يتبع مع تأملات لي في سورة الملك بإذن الله ...
العنوان: رد: في ظلال القرآن :: 2016 ::
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2019-10-01, 07:59:27
ومع سورة الملك... نمضي الهُوَينى ..
إنه المَلِكُ سبحانه، الذي هو على كل شيء قدير، الذي خلق الإنسان وجعل له الحياة للابتلاء، وجعل له الموت لينقله إلى الحياة الأخرى حيث يُجازى على ما كان من ابتلاء... وقد فاز من أحسن عملا ، والملك سبحانه العزيز الذي لا يُغلَب، الغفور لعباده على ما فوّتوا وما قصّروا ...

إنّ رحمة الملك العظيم سبحانه لتُلوِّح، وإنّ فجرَها النديّ ليَلُوحُ على صفحة القلب ونحن في حضرة المُلك والقدرة ...
رحمته في إنعامه بالخَلْق المُتقَن البديع : "الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا مَّا تَرَىٰ فِي خَلْقِ الرَّحْمَٰنِ مِن تَفَاوُتٍ "... وفي مغفرته لعباده ...

وسنبصر هذه السورة، وسنُرجع البصر فيها، فإن الرحمة لا تغادرها ...
ومازال حديث المَلِك سبحانه عن السماء، وهذه المرة يخصّص عن السماء الدنيا، لتستبين من بين السّبع الطِّباق : "وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِّلشَّيَاطِينِ وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السَّعِيرِ"

ويستوقفني ما في هذه الآية من زينة...!

إنّ الزينة التي توشّح السماء جمالا ونورا يخترق العتمة وكأنها حبات لؤلؤ قد برزت من صدفاتها ...تلك الزينة التي تأخذ الألباب هي ذاتها السلاح المُشهَر في وجه الشياطين المترصّدة لأخبار السماء.. وسبحانه القائل في ذلك: " وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ(16) وَحَفِظْنَاهَا مِن كُلِّ شَيْطَانٍ رَّجِيمٍ(17) إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُّبِينٌ(18)" -الحِجر-

إنها الزينة، وإنها هي هي السلاح ... !

تلك النجوم الحسناء البهية، شأنها كشأن القمر...
قد عرف الإنسان على مدى الأعصار أنّها آيات من آيات الجمال، حتى إذا وَصَف جمال أحدهم قال عنه : كأنه القمر ليلة اكتماله، أو قال عن المرأة المضيئة: كأنها النجمة ...
وليس بعيدا عن العقل الذي يقيس ويشبّه أنّ المشبَّه به أعلى قيمة من المشبَّه ... فالقمر والنجوم مضرب المثل في الحسن والجمال ...

وإنها المرأة الحسناء، وإنها النجمة الحسناء، بل الأكثر حُسنا ...
ولكنّ الأولى تُغَرّ بلا ثناء بَلَه إذا أثنِي عليها ! بينما الثانية على حسنها مسبّحة مع كل ما يسبّح بحمده سبحانه، وذلك أكبر شُغلها، أن تؤدّي ما لأجله خُلِقت، وأن تسبّح بحمد ربها. فهي الزينة، وهي الهادية لمن استهدى في طريق، وهي السلاح المُشهَر في وجه الشياطين حفظا للسماء ...

لنتأمل ...
أليست تلك نهاية الشياطين إذا ترصدت لخبر السماء ؟! أليس قد حال هذا الرجم بالنجمات المزيّنات دون استراقهم لخبر الملأ الأعلى ؟

إنه بهذا يحقّ لنا أن نفهم على وجه الجزم واليقين كيف أنّ الأمر في السماء محسوم لا ريب ولا مِراء، لا مكان للشياطين فيها ... مذ أخرِج الشيطان من الجنّة، مذ أهبِط الأرض مع المُهبَطَيْن آدم وحواء، والأرض مستقرّ الابتلاء ، ولا يُحسم الأمر فيها إلا بعد زوال الدنيا ... أليس سبحانه القائل : "قَالَ رَبِّ فَأَنظِرْنِي إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ(36)قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنظَرِينَ(37)"-الحجر-...

بل إنّ مبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم كان موعد الإبعاد الكليّ للشياطين من ذلك الفضاء، فلم يعد لهم من مكان حتى لاستراق السمع ، وقد نقل لنا الملك سبحانه ما قالته ألسنة النفر الذين آمنوا من الجنّ : "وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا(8) وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَن يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَّصَدًا(9)" -الجِن-

لكأنّ البَدْءَ بذكر حال السماء مع الشياطين في هذه السورة الجليلة بعد بيان أن الغاية من خلق الإنسان إنما هي الابتلاء، قد جاء ليبيّن بترتيب واتّساق وتنظيم أنّ الابتلاء مضماره أهل الأرض لا أهل السماء...

ولنتأمل ... فإذا الآية الموالية تؤكّد ما كان، وهذا التمييز بين المُبتَلين من خلق الله (البشر)، وبين المسيَّرين من خلقه (الملائكة) ...

وإنّ كون الإنسان مخيّرا لا مُسيّرا لَمِن تكريم الله له... إذ لا يُخيّر ولا يكلّف إلا من عُرف أنه أهل للاختيار ولأداء الأمانة.
فلقد تبيّن لنا من رجم النجوم للشياطين أنّ الأمر في السماء محسوم، وقد طُرِدوا منها، وأُبعِدوا عنها في الدنيا، مع ما ينتظرهم من عذاب في الآخرة : "وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السَّعِيرِ" ...

أما أهل الأرض، أتباع الشياطين منهم وأولياؤهم، فإن أمرهم في الدنيا ليس بالمحسوم، لأن الأرض هي مضمار عمل الشيطان من جهة، ولأنّه الطرف الأبرز في معادلة الابتلاء من جهة أخرى... في معادلة امتحان الإنسان أيعصي ربّه سبحانه ويتّبع الشيطان وغوايته، أم يطيع ربّه ويرجم الشيطان وقد برزت في نفسه لآلئ النجوم الهادية المخترقة لعتمات الأرض تعمّ وتطمّ كلّما أوغل الناس في اتباع الشيطان، الرُسُل والأنبياء الهُداة ...

لنُرجع البصر في سورتنا العظيمة، في آياتها المتتابعات المتسلسلات، التي تفصّل التالياتُ منها السابقات ... هل نرى من فطور ؟!

إن العقل ليوقن في كل مرة، آية بعد آية أنه كلام الملك العظيم ... ولا يكون كلام كهذا إلا من ربّ السماوات والأرض، ربّ الجمال والبيان...
"وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ"
ها نحن مع هذه الآية ننزل إلى الأرض ... ننزل إلى حيث الابتلاء ... وإلى حيث الموت والحياة، لا الحياة وحدها كحال أهل السماء ...
إلى دار الابتلاء ... إلى حيث لم يُحسَم الأمر... وكيف يُحسَم وقد تقرر أنها للابتلاء والامتحان ... ؟! كيف يُحسم وقد تقرر أنّ الشيطان مُنظَرٌ إلى يوم يبعثون ؟!
إلى أتباع الشياطين وأوليائهم ... إلى من كفر بربّه ...

إنه عذاب جهنّم، عذاب الدار الآخرة، وأما عذاب الدنيا للكفرة فليس بكائن، والأمر في الأرض يُحسَم يوم الحسم العظيم، يوم يُبعثون ..

ثم يأتي تفصيل في شأن جهنّم وحال أهلها فيها بتصوير ليست دقّته إلا للقرآن العظيم وحده : "إِذَا أُلْقُوا فِيهَا سَمِعُوا لَهَا شَهِيقًا وَهِيَ تَفُورُ (7) تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ (8) قَالُوا بَلَىٰ قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِن شَيْءٍ إِنْ أَنتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ كَبِيرٍ (9) وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ (10) فَاعْتَرَفُوا بِذَنبِهِمْ فَسُحْقًا لِّأَصْحَابِ السَّعِيرِ (11) "

ومرّة أخرى، يضفي سبحانه على ما لا يعقل صورة الذي يعقل، فإذا جهنّم –أجارنا الله منها – نعرف فيها صفات الغاضب الذي يكاد يُفتّته الغضب...
"إِذَا أُلْقُوا فِيهَا سَمِعُوا لَهَا شَهِيقًا وَهِيَ تَفُورُ (7) تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ ..."

يتبع مع تأملات لي في سورة الملك بإذن الله.
العنوان: رد: في ظلال القرآن :: 2016 ::
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2020-11-14, 10:17:09
تأمّلوا أمنيات سيدنا إبراهيم عليه السلام ... تأمّلوا شغله الشاغل، الذي ملأ عليه عقله وقلبه ما حيِي ... فلازمَه التفكير فيما يكون بعد ذهابه ... !
تأملوا "التفكير الإبراهيميّ البعديّ" الفريد ...!

لقد تمنّى الإمامة في ذريّته، كما جُعل هو للناس إماما ... لتستمرّ الإمامة للخير من بعده، وليطمئنّ على دوام التوحيد والدعوة إلى الله :
"وَإِذِ ابْتَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ ۖ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا ۖ قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي ۖ ..."
ولكنّه سبحانه بيّن له أنّه ليس شرطا أن تكون الإمامة في كل ذريّته، بل إنّ منهم ظالمين ليسوا لها أهلا :
"قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ"

وما يزال الخليل يلحّ على ربّه، وما تزال أمنيّته، وما يزال عليها مقيما، بل إنها لأوسَع وأشمَل... :
"رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ ..."

يا ربّ... أمّة كاملة مسلمة لك ... !
هكذا فلتكن الأمنيات، هكذا فليتطلع المؤمن إلى عطاءات ربّه العظيم الواسع الكريم الذي لا ينقص من ملكه مقدار ذرّة وهو يعطي كل مَن سأل ...  هكذا فلتكن غاية أمانينا أن يدوم التوحيد في الأرض، وألا تنْبَتَّ صلة العبد بربّه الواحد الأحد.... هكذا فلنُجمِل في الطّلب.. ولتكن أمنياتنا للأمّة ... وللأرض قاطبة بالأمة المسلمة...
لقد دعا بالأمّة المسلمة ....  ولقد استجيب دعاؤه... ولقد كانت !!

ثم قال بعدها :
"رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ ۚ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ "

ابعث يا ربّ من أهل هذه الأرض -حيث نرفع قواعد بيتك- رسولا ... ابعثه فيهم... ! لم يقل من ذريّتي، فلقد فقِه عن ربّه أنّ من ذريّته ظالمين، وأنّ عهد الله لا ينال الظالمين ... فدعا على الإطلاق والتعميم، لا على التخصيص،  برسول يُبعَث فيهم... فإن ما يهمّه وما يتمنّاه أن يُبعث رسول بالتوحيد والهُدى، لا أن يُختَصّ بذلك ذريّتُه دون غيرِهم...
فاستجيب دعاء الخليل وتحقّقت أمنيته العُظمى....

حقّق الله دعاءه بالأمّة، بل وجعل الرسول من ذريّته ... جعله إماما من ذريّته، وجعل الأمّة من ذريّته ...
فتأمّلوا صدق الداعي، وتأمّلوا كيف صدقه ربُّه لما صدق ... !
العنوان: رد: في ظلال القرآن :: 2016 ::
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2020-11-19, 10:12:24
"إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا ۖ وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ  حليم"  _آل عمران:155_

هذه الآية قوية...  وتضرب في أعماق النفس...  كل نفس!

ما الذي جعلهم يتولون؟! 
إنها ذنوبهم...!  إن الشيطان قد وجد إليهم سبيلا سهلا ببعض ما كسبوا،  ببعض ذنوب كانت منهم...  !
يجد منفذا سهلا فيمن كانت له ذنوب لم يتبرأ منها،  لم يتب منها... 

تخلص من ذنبك،  أقلع عنه...  تب توبة نصوحا...  فكلما تبت كلما صعب عليه الوصول إليك...!
لذلك كان الله توابا...  كثير التوبة على عباده...  ولذلك يوصى بكثرة التوبة،  وبسؤال التوبة من الله مرارا ومرارا  وبالاستغفار...!

حتى تُغلق دونه المنافذ،  وهو لا ينفك محاولا النفاذ إليك...  !

فلنتب ثم لنتب ثم لنتب...!
لذلك كان صلى الله عليه وسلم يستغفر الله في المجلس الواحد ويتوب إليه سبعين مرة...!
إنها تمحو..  !  إنها تسدّ المنافذ...! 

إنها تصعّب عليه الوصول...! 

ولذلك تلقى آدم من ربه كلمات...  فقالهنّ،  فتاب عليه...! تاب عليه قبل أن يُهبَط...!

ليُعلَّمَ أن التوبة سلاحه الماضي ضد عدوه الذي أهبط معه إلى الأرض...  ساحة الوغى...  ساحة حرب آدم لعدوّه...!
فلنعتدّ بالسلاح... فإنه لن يجد منفذا...!!