أيامنا الحلوة

الساحة الثقافية => :: مما قرأت :: => الموضوع حرر بواسطة: حازرلي أسماء في 2018-01-23, 12:50:02

العنوان: عن كتاب "دستور الأخلاق في القرآن" -محمد عبد الله دراز-
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2018-01-23, 12:50:02
بسم الله الرحمن الرحيم

وهكذا.....  emo (30): سأحاول هنا ... سأحاول أن أتتبع ما أقرأه من كتاب "دستور الأخلاق في القرآن" لصاحبه الدكتور محمد عبد الله دراز ... أقول سأحاول لأنني فعليا منشغلة بعدد من الأمور التي تأخذني عن إيجاد وقت للكتابة حول ما أقرأ ... ولكن الموضوع يبدو لي جوهريا وبالغ الأهمية ...

هناك زاويتان منهما أقبلت على قراءة هذا الكتاب ...

إحداهما معرفتي بتميز صاحب الكتاب من خلال قراءتي لكتابه الرائع "النبأ العظيم" ... فكان من أجمل وأهم وأنفع ما قرأت ... وفيه عرفت تميّز الكاتب وعلوّ كعبه في مجال الإفادة في دنيا القرآن بصفة خاصة .

وثانيتهما علمي بحيازته لمعرفة زاوجت بين الدراية بالشؤون الغربية والدراية بالشؤون الشرقية ... فقد درس بفرنسا، وكتب باللغة الفرنسية، وقد ألهمه الله رشده فلم تؤثر عليه الدراسة بالغرب لتحوّل فكره وتشوه عقيدته، بل كان من المتصدين لتخليطات المستشرقين، كما كان من الذين نفعوا غير المسلمين بمعرفته الواسعة باللغة الفرنسية وكتابته بها ... وهذا مما فعله في هذا الكتاب الذي -كما يذكر هو فيه- كان هدفه منه أن يضع للغرب عن شمولية وأهمية نظرية الأخلاق القرآنية، من بعد ما كان من عمل المستشرقين على أمرَين إما تعمد القفز على المرحلة الإسلامية من التاريخ وهم يتعرضون لقضية الأخلاق وعلم الأخلاق، وإما بوضع ما حمل أحيانا خِلاف مُراد القرآن الكريم في زعم منهم لوضع لمحات عن الأخلاق في القرآن ...

كتابنا هذا من تعريب الدكتور عبد الصبور شاهين .

إذن سأحاول بإذن الله التتبع ما استطعت   emo (30):
العنوان: رد: عن كتاب "دستور الأخلاق في القرآن" -محمد عبد الله دراز-
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2018-01-23, 12:56:24
من هو محمد عبد الله دراز ؟

(http://www.ayamnal7lwa.net/forum/index.php?action=dlattach;topic=6871.0;attach=12262;image)
ولد العلامة محمد عبد الله دراز بقرية محلة دياي إحدى قرى دلتا مصر بمحافظة كفر الشيخ حاليا في الثامن من نوفمبر 1894م لأسرة علمية عريقة؛ فوالده الشيخ عبد الله دراز الفقيه اللغوي المعروف الذي قدم شروحا لكتاب الموافقات للشاطبي، والذي عهد إليه الإمام محمد عبده بمهمة الإشراف على المعهد الأزهري الجديد بالإسكندرية اطمئنانا إلى علمه وكفاءته.

المسيرة العلمية


درس دراز بالأزهر وحصل على الشهادة العالمية عام 1916 وعيّن مدرسا عام 1928 ثم أستاذا للتفسير بكلية أصول الدين، في عام 1936 سافر إلى الحج وفي العام ذاته حصل على منحة دراسية للدراسة بجامعة السوربون الفرنسية فأقام في فرنسا اثنتي عشرة سنة مضت كلها جدا وانكبابا على استيعاب الثقافة الغربية من منابعها الأصلية، وتأملا مقارِنا لتلك الحصيلة بمبادئ علم الأخلاق في القرآن الكريم. وهناك درس على يد كبار المستشرقين مثل: ليفي بروفنسال، لويس ماسينيون، لوسن، حتى نال درجة الدكتوراه في فلسفة الأديان بمرتبة الشرف الأولى عام 1947.

تألفت رسالته من دراستين: الأولى مدخل إلى القرآن الكريم وهي دراسة تمهيدية موجزة حول تاريخ القرآن، والثانية دستور الأخلاق في القرآن الكريم وتقع في حوالي ثمانمائة صفحة، قدم خلالها رؤية متكاملة للنظرية الأخلاقية القرآنية في شقيها النظري والعملي. وإنجاز الرسالة الأساسي أنها استخلصت -للمرة الأولى- الشريعة الأخلاقية من القرآن في مجموعها، وقدمت مبادئها وقواعدها في صورة بناء نظري متماسك مستقل عن كل ما يربطه بالمجالات القريبة منه، وهو ما أحدث انتقالا بها من دائرة التعاليم الوعظية التي تستهدف تقويم السلوكيات إلى الدائرة المعرفية.

لم تنل الدراسة في السوربون والاحتكاك بالمستشرقين من أزهرية الرجل العتيقة واعتزازه بثقافته وتراثه؛ فقد كان مؤمنا بأن مهمة الباحث المسلم تتجاوز إحياء التراث ووصل ما انقطع منه إلى تحديثه والإضافة إليه، ولذلك شرع قبيل وفاته في كتابة مؤلفه الميزان بين السنة والبدعة وأراد به أن يُحدث كتاب الإمام الشاطبي (الاعتصام) إلا أن أجله المحتوم لم يمهله أن ينجز مهمته الجليلة.

خلف دراز تراثا فكريا راقيا لم يتجاوز أربعة عشر مؤلفا تراوحت بين الكتب والبحوث، وأهم كتبه: النبأ العظيم، الدين: بحوث ممهدة لتاريخ الأديان. أما بحوثه فأبرزها: الربا في نظر القانون الإسلامي، مبادئ القانون الدولي العام في الإسلام، حول المؤتمرات العالمية للأديان. وعلى ندرتها فقد شكلت إضافات معرفية سدت فراغا في حقول الفلسفة الإسلامية وعلم الكلام وتاريخ الأديان.

نفس أبيَّة

كان دراز يحمل بين جنبيه نفسا أبيَّة، وكان يتصف بشمائل نادرة، أجملها شيخ أهل قَطَر عبد الله الأنصاري، فعدَّ منها: "الفطنة، والذكاء، والحِلْم، والأناة، والتواضع، والوداعة، والوفاء، والجرأة، والإقدام، والشهامة، والصلابة في الحق، ولباقة الحديث، ولين العريكة، والحدب على المرافقين". كان يدرك قيمة الرسالة القرآنية التي يحملها، كما كان يحمل همَّ الأمة أينما حل وارتحل، حتى كتب عنه تلميذه العلامة يوسف القرضاوي: "ما حدثنا وجلسنا إليه إلا وجدناه مشغولا بأمر الإسلام وهموم المسلمين." ومن مظاهر عزة نفسه دعمه العلني –وهو مقيم بفرنسا- لحركات التحرر في المغرب العربي الذي كانت فرنسا تحتله آنذاك. وحينما عرض عليه رجال الثورة المصرية أن يكون شيخا للأزهر اشترط أن يتمتع الأزهر باستقلالية أكاديمية عن السلطة. ولما رفض رجال الثورة ذلك اعتذر دراز عن قبول المنصب، وأصرَّ على رفضه له رغم المحاولات والعروض المتكررة.

فكر تركيبي

كان دراز "ابن الأزهر، وابن السوربون" كما وسمه القرضاوي. وقد أتاحت له الدراسة المعمَّقة لكلٍّ من الثقافة الإسلامية والثقافة الغربية من منابعهما الأصلية بناء رؤية تركيبية تحليلية فريدة، بعيدا عن السطحية التبسيطية، وعن "سوء الهضم العقلي" الذي أصاب الكثيرين ممن وقفوا عند حدود الثقافة الموروثة الراكدة أو الغريبة الوافدة. كان متعمقا في روحانيات الغزالي والحكيم الترمذي وأبي طالب المكي، متضلعا بفلسفة "ديكارت" و"كانت" و"برجسون". وقد امتاز دراز بفضل هذا الفكر التركيبي برحابة الأفق، وعمق التحليل، ودقة الاستدلال، مع حجاج مقنع، وبلاغة ساحرة استمدَّها من بلاغة القرآن الكريم.

عاشق القرآن

كانت أهم سمة من سمات شخصية دراز، والمنبع الذي فاضت منه كل مآثره العلمية والعملية هي الوَلَه بالقرآن الكريم. كان رجل القرآن بحق، فقد ملكت عليه محبة القرآن لبه، وشغفت قلبه، فكان شغله الشاغل، لا يكاد يُرى إلا وهو منكب على قراءته وتدبُّره، أو قائم يصلي به. وقد انصب اهتمامه العلمي على القرآن حصرًا، فلا يكاد يوجد له عمل علمي إلا والقرآن محوره ولبابه. ولا يستطيع دراز كفكفة عشقه لكتاب الله وتعلقه القلبي به، فهو يتتبَّع ألفاظ القرآن تتبع الوالِهِ، ويصفها بحق بأنها "حبات درية".

ثابر دراز على قراءة ستة أجزاء من القرآن كل يوم دون كلل أو ملل. وكان معظِّمًا للقرآن، يسجد سجود التلاوة أثناء محاضراته في التفسير، ويطلب من طلابه التوضأ قبل بداية المحاضرة استعدادًا لذلك. وقد كتب عنه رفيق رحلته إلى المؤتمر الإسلامي بلاهور، الشيخ محمد أبو زهرة: "كان يؤمُّنا في صلاة العشاء، ثم يأوي كل منا إلى فراشه، ويأوي هو إلى صلاته وقرآنه. وكنت لا تراه إلا قارئا للقرآن أو مصليا."

منهج وسطي

كان الشيخ دراز إماما من أئمة الوسطية الإسلامية السمحة. وقد تجلت وسطيته في تناوله لعدد من الثنائيات الكبرى التي حيرت الفكر الإسلامي واستنزفته. وهي: العقل والنقل، السنة والبدعة، الجبر والاختيار، السلم والحرب، العلم والدين، الخلق والقانون...الخ. ولا يسمح المقام بأي بسط هنا، وإنما أنوه الآن ببعض إشاراته في مسألة العقل والنقل. فهو يرى أن "التمييز بين الخير والشر... إلهام داخلي مركوز في النفس الإنسانية قبل أن يكون شِرْعة سماوية". بيد أن الشرع الإلهي "يكمل الشرع الأخلاقي الفطري"، وهي تكلمة ضرورية للفطرة الإنسانية التي تشوبها شوائبُ صادَّةٌ عن الحق والخير، أو ظلمات قائدة إلى الحيرة والاضطراب.

وبدون نور الوحي، فإن البشر يظلون في صراع دائب حول تعريف الخير والشر "ولسوف تُقاوَم عقول بعقول، كما تُقاوَم عواطف بعواطف". وقد أفادنا تاريخ البشرية بضروب من هذا التخبط لا حدود لها، من تقشف (النرفانا) البوذية، إلى إباحية الرواقية اليونانية. وهي كلها شهود على أن نور الوحي ونور الفطرة يجب أن يظلا فرسيْ رهان، كما أراد لهما خالق الشريعة الفطرية، منزل الشريعة السماوية.

ريادة وتجديد

لا يكاد عمل من أعمال دراز الفكرية يخلو من نظرات تجديدية ثاقبة. لكن تجديده تجلَّى أكثر ما تجلى في الدراسات القرآنية. ففي هذا المضمار يمكن القول دون مجازفة إن دراز أسس علمين جديدين، هما علم "أخلاق القرآن" وعلم "مصدر القرآن". ففي الأول كتب كتابه دستور الأخلاق في القرآن وفي الثاني ألف كتابيه: النبأ العظيم ومدخل إلى القرآن الكريم. أدرك دراز أنه يسلك دروبا غير مطروقة، وأن عليه أن يبدأ عملا تأسيسيا في هاذين العلمين. ومن هنا كانت إضافته في هذا المضمار ثمينة حقا، وهي حصيلة جهد ومعاناة فكرية عميقة لا يقدرها إلا من تمرَّس بكتبه واكتشف ما فيها من أصالة وعمق وصدق.

ويتجلى تجديد دراز في علوم القرآن من خلال المنهج الذي اتبعه. فقد اعتاد علماء الإسلام أن يبرهنوا على أصالة القرآن الكريم من خلال المدخل اللغوي البياني بالأساس. أما دراز فانطلق من الدراسة التحليلية للرسالة القرآنية منطقيا وتاريخيا. وهذه منهجية تجديدية مفارِقة للمنهج المتوارث. ومن ثمراتها نقل القرآن من السياق الثقافي العربي، ووضعه في سياق العالمية.

في ظلال الحركة الوطنية

لم يكن دراز من أولئك النفر من العلماء القابعين داخل أقبية الفكر محتجبين عن الواقع وتياراته وإنما هو من المنشغلين بقضايا وطنه وأمته، وللرجل مواقف مشهودة فقد طاف على السفارات الأجنبية بمصر إبان ثورة 1919 محاضرا باللغة الفرنسية التي أصر على تعلمها آنذاك ليشرح قضية بلاده أمام ممثلي الدول الغربية.

عرف عنه تأييده لإلغاء المعاهدة المصرية الإنجليزية عام 1951 وكان ممن أسهموا في إعداد كتيبة طلبة الأزهر التي انخرطت في مقاومة القوات البريطانية بمنطقة قناة السويس، وفي أعقاب الثورة عرض عليه الضباط الأحرار منصب شيخ الأزهر إلا أنه لم يهرول لقبول المنصب الجليل واشترط الاستقلالية الكافية وأن تطلق يده لإجراء إصلاحات جوهرية بالأزهر، وعندما لم يجب إليهما رفض قبول المنصب.

ومن الاهتمام بقضايا الوطن إلى مناصرة قضايا الأمة؛ فعندما كان بفرنسا جهر بتأييده لحركات التحرر العربية: الفلسطينية والمغربية والجزائرية، وقد توطدت صلاته بوجه خاص مع جمعية العلماء الجزائريين حين شارك في الأنشطة الثقافية والدعوية التي قامت بها في باريس ومن خلالها تعرف على مالك بن نبي الذي طلب منه أن يقدم لبعض كتاباته. كما تواصل دراز مع الإمام عبد الحميد بن باديس في الجزائر حين تدخل لدى الأزهر لقبول الطلبة الجزائريين بالجامعة العريقة.

مؤلفاته

النبأ العظيم, نظرات جديدة في القرآن وتكمن أهمية الكتاب في أن مؤلفه استطاع أن يثبت بالأدلة العقلية والتاريخية والحالية بأن القرآن كلام الله, وأنه يستحيل أن يكون مكذوبا أو مختلقا أو محرفا, ويشعر القارئ لهذا الكتاب بأنه أمام مشروع عقلي ضخم لا يجد أمامه إلا التسليم بقوة أدلته وصرامة منهجيته, وهو بحق من أبدع ما كتبه المعاصرون، ومن أقوى ما يؤسس القناعة بصدق القرآن ومن أشد ما يبدد الشكوك حول مصدره وصدقه.

الدين, بحوث ممهدة لدراسة تاريخ الأديان يعد هذا الكتاب أحد الكتب المركزية التي أثرت تأثيرا بالغا في الدراسات العربية عن حقيقة الدين وتاريخه, وهو بحث من أبدع ما كتب حول مسائل فلسفة الدين, حتى على المستوى الغربي، ومن الصعب جدا التمييز بين فصول الكتاب، فكل فصل له أهمية خاصة, وسيجد القارئ فيه متعة عقلية بالغة, ومادة علمية ثرية.

دستور الأخلاق في القرآن (بالفرنسية- مترجم إلى العربية) وهذا الكتاب هو رسالة الدكتوراه التي تقدم بها المصنف للسوربون باللغة الفرنسية، وقد طبعت النسخة الفرنسية عام 1950م على حساب مشيخة الأزهر الشريف. قام بالتعريب والتحقيق والتعليق: د. عبد الصبور شاهين, مراجعة: د. محمد السيد بدوي, مجلد واحد في أكثر من 800 صفحة

مدخل إلى القرآن الكريم عرض تاريخي وتحليل مقارن (بالفرنسية- مترجم إلى العربية) أصل هذا الكتاب رسالة دكتوراه

من خلق القرآن، المختار من كنوز السنة النبوية: شرح أربعين حديثا في أصول الدين ، نظرات في الإسلام ، أصل الِإسلام
العبادات: الصلاة - الزكاة - الصوم - الحج، الصوم تربية وجهاد
زاد المسلم للدين والحياة


وله رسائل عميقة في موضوعات كتبها للمشاركة في مؤتمرات علمية، مثل رسالته عن (الربا) التي قدمها لمؤتمر الحقوق الدولي في باريس سنة 1951م، ورسالته عن (الإسلام والعلاقات الدولية) ورسالته عن (موقف الإسلام من الأديان الأخرى)، وله كتب شرع فيها، وظهر منها بعض الملازم ولم يكملها، مثل كتاب: (الميزان بين السنة والبدعة).

ومن أعماله أيضا: المختار, ورأي الإسلام في القتال, وبين المثالية والواقعية, والأزهر الجامعة القديمة الحديثة, ومجموعة أحاديث إذاعية في الدين والأخلاق, ومجموعة من المحاضرات والمقالات النافعة.

معالم كتابات دراز

في مفتتح رسالته "دستور الأخلاق في القرآن" كتب دراز: "فإذا لم يأت عملنا هذا بشيء جديد في عالم الشرق والغرب فلن يكون سوى مضيعة وزحمة وإثقالا" بهذه العبارة قيد الشيخ عملية الكتابة بقيد الإتيان بالجديد والإعراض عن اجترار القديم، وأشار إلى أهم ملمح يميز كتاباته على الإطلاق، أما باقي الملامح فيمكن إيجازها على النحو التالي:

أولا: المدقق فيما كتبه دراز يجده لم يكتب جملاً متراصة بعضها فوق بعض لا تؤدي وظيفة، إلا الوظيفة البلاغية، وإنما هو كمن شيد بناءً لا تستطيع أن تصعد إلى طابقه الأعلى دون المرور على الطابق الأسفل، ولذلك يتعذر الاستغناء عن فقرة واحدة من كتاباته، أو أن نقدم بعضها أو نؤخره كما نفعل مع البعض، ذلك أن فقراته نظمت بإحكام في أنساق مترابطة؛ كل فقرة تبرهن على ما سبقها وتمهد لما بعدها.

ثانيا: غلبة الطابع التجريدي، والتجريد في أصله عملية معرفية قوامها الفصل بين ما هو جوهري وما هو ثانوي وغايتها إقصاء الهامشي الذي لا يحمل دلالة بغرض الوقوف على لب الشيء وجوهره، وبفضل عمليات تجريدية متوالية توصل دراز أن القرآن يعالج موضوعين اثنين: الحق الأسمى والفضيلة، وكل ما تبقى من محتوياته ونصوصه ليست سوى وسائل لتعزيز رسالة القرآن وإعطائها وزنا أكبر.

ثالثا: في كتاباته لا يقفز دراز إلى استنتاجات أو أحكام معينة دون أن يدلل عليها ويسوغها منطقيا، والأدلة لديه بناء محكم يشد بعضه بعضا، وهي على درجات ثلاث: أدلة شرعية، وأدلة تاريخية، وأدلة منطقية عقلية. وتكاثر الأدلة وتدرجها يعني أنه لم يكن يكتفي بسوق الأدلة القرآنية دون أن يعضدها ببراهين منطقية عقلية، فكثيرا ما أرجأ الدليل القرآني إلى ما بعد الدليل المنطقي ليحمل على الاستنتاج بأن المنطق والعقل سيقودان حتما إلى التصديق بالقرآن.

المصدر : ويكيبيديا
العنوان: رد: عن كتاب "دستور الأخلاق في القرآن" -محمد عبد الله دراز-
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2018-01-23, 12:59:07
هذا رابط للكتاب :

https://ia802708.us.archive.org/0/items/FPdstoorak/dstoorak.pdf

وهذا فيديو أحببت في بداياته التعريف بمحمد عبد الله دراز وجهوده، ولم أكمل جزء الحديث عن كتابه هذا لأنني أحببت قراءته أولا ..

https://www.youtube.com/watch?v=64kYjSUUoeA&list=PLmGTYKuhKtk-i7eFL8Wb0I6qg9wqG2w2D&index=30
العنوان: رد: عن كتاب "دستور الأخلاق في القرآن" -محمد عبد الله دراز-
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2018-01-23, 13:01:36
وهذا ما ابتدأ به دراز كتابه ... وهي مقدمة مهمة جدا لكل مَن يكتب حتى لا يكتب فقط ليكتب  emo (30):

(http://www.ayamnal7lwa.net/forum/index.php?action=dlattach;topic=6871.0;attach=12260;image)
العنوان: رد: عن كتاب "دستور الأخلاق في القرآن" -محمد عبد الله دراز-
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2018-01-23, 13:35:25
يرى دراز أن المكتبة الإسلامية لم تحوِ كتابات تهتم بشكل مركز ومنهجي باستخلاص ما عبر عنه ب: "الشريعة الأخلاقية "من القرآن بمجمله، وإنما كان الأمر في الكتب بمختلف طبوعها الأصولية والفقهية والصوفية بثا لفكر صاحبها بما يؤثر عليه مذهبه ومن ثم استشهاد بالنصوص القرآنية ... فتكون تابعا لا متبوعا ..

يقول أنه انتدب في كتابه هذا  للوفاء بمهمة وضع مبادئ الشريعة الأخلاقية في القرآن وقواعدها في صورة بناء متماسك مستقل عن كل ما يربطه بالمجالات القريبة منه.
العنوان: رد: عن كتاب "دستور الأخلاق في القرآن" -محمد عبد الله دراز-
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2018-01-23, 14:33:33
قطعة رائعة :

(https://www.ayamnal7lwa.net/forum/index.php?action=dlattach;topic=6871.0;attach=12264;image)
العنوان: رد: عن كتاب "دستور الأخلاق في القرآن" -محمد عبد الله دراز-
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2018-01-23, 15:05:15
في مقدمة الكتاب يذكر دراز كيف عمل باقتراحَيْن من أستاذين فرنسيين أحدهما أستاذ بمعهد الدراسات العليا بفرنسا، والآخر أستاذ آداب بجامعة باريس...
الأول اقترح عليه أن يضمن كتابه نظريات المدارس الإسلامية المشهورة.. والثاني اقترح عليه المقارنة بين النظرية الأخلاقية القرآنية والنظريات الأخلاقية الغربية ...

فقال معقبا :

"ترى هل يكون هذا التقارب بين مختلف الثقافات استهلالا في المجال العملي، يَعقبه فهم أرحب مجالا ، ونزوعٌ إلى الإنسانية أكثر امتدادا، حيث تتجمع القلوب من هنا وهناك وتتشابك الأيدي لخير بني الإنسان ؟!! "

**********

هنا أعجبتني رؤيته الشمولية التي انطلاقا منها، ومن فهمه لرسالة القرآن حق الفهم أن خير "بني الإنسان" هو المرتجى... فلا يُكبر أن يحترم اجتهاد الغرب في مجال النظرية الأخلاقية،ولا يُكبر أن يعقد مقارنة غير متعلل بكون القرآن هو الكامل وهو السليم وهو المنبع فلا مجال لمقارنة الأصل والسليم بالوضعي السقيم...

وإن في هذه النظرة ما فيها من سمات الداعية الشمولي الذي يعمل على جلب غير المسلمين مبديا احترامه لإنسانيتهم ولمجهودهم العقلي ...
العنوان: رد: عن كتاب "دستور الأخلاق في القرآن" -محمد عبد الله دراز-
أرسل بواسطة: سيفتاب في 2018-01-24, 08:59:31



بارك الله لك يا أسماء
.
.استمتعت جدا بهذا التقديم والتلخيص الرائع عن الكاتب والكتاب وشوقتني للمزيد .
العنوان: رد: عن كتاب "دستور الأخلاق في القرآن" -محمد عبد الله دراز-
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2018-01-24, 09:06:59



بارك الله لك يا أسماء
.
.استمتعت جدا بهذا التقديم والتلخيص الرائع عن الكاتب والكتاب وشوقتني للمزيد .

أهلا وسهلا بك يا سيفتاب . تسعدني متابعتك emo (30): وبإذن الله سأواصل مع الكتاب وأضع منه ومن تأملاتي فيه .
العنوان: رد: عن كتاب "دستور الأخلاق في القرآن" -محمد عبد الله دراز-
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2018-01-24, 16:16:31
يخصص دراز فصلا بعنوان :
النظرية الأخلاقية كما يمكن استخلاصها من القرآن مقارنة بالنظريات الأخرى، قديمها وحديثها

(http://www.ayamnal7lwa.net/forum/index.php?action=dlattach;topic=6871.0;attach=12413;image)

يعرض دراز للقائلين بنظريات أخلاقية بلا إلزام ولا جزاء. بينما القرآن يلزم بمسميات "الأمر" و "الكتابة" و "الفريضة"

فيحلّل مبدأ الإلزام على ضوء بعض النظريات الغربية، ومن بينها ما قاله الفيلسوف الفرنسي "برجسون" الذي توصل إلى تحديد مصدريْن للإلزام الأخلاقي، وهما :

1- ما يفرضه المجتمع ويسميه "قوة الضغط الاجتماعي" بحيث يحدد للفرد دورا وواجبا أخلاقيا يلزمه إياه المجتمع، يحدث وِفقَه انقياد له.

2- ما يسميه "قوة الجذب ذي الرحابة الإنسانية المستمدة من العون الإلهي"، وهي في تعريفها المبسط صفة الممتازين من الأفراد الذين يطمحون لبلوغ مثل أعلى لهم، ويتميزون بقيادتهم للمجتمع بدل انقيادهم .

يقول دراز أن نظرية برجسون من حيث التجربة والواقع ليست بالسيئة، ولكن إذا قيل أنها نظرية في الإلزام الأخلاقي فهو هنا قد أغفل عنصرا جوهريا ...

نعم لقد أخضع إرادة الفرد لتأثيرَين هما المجتمع والطموح الذاتي للمثل الأعلى...
يقول أن كليهما لم يخرجا عن حدود إما الغريزة المتولدة من البيئة أوالعاطفة .

أما العامل المؤثر الثالث فيراه دراز أكثر عمقا في النفس وأصالة في الفطرة، فالفرد لا يكتفي بالانتماء، بل يبحث عن روح الاستقلالية في نفسه، يرى أنه حسب نظرية برجسون الإنسان خاضع مقود ...

طيب كيف يفسر القرآن هذا ؟؟؟ وهنا تأملوا معي  ...

يرى أن القرآن يحارب كلا المؤثرَين، وهما "الهوى" دون تفكير ممثلا في المثل الأعلى و"الانقياد الأعمى" ممثلا عند برجسون في المجتمع وما يفرض.
"ولا تتبع الهوى فيضلك"... "قالوا إنا وجدنا آباءنا على أمة، وإنا على آثارهم مقتدون".

بينما يرى أن الفيلسوف كانت أقربهم فهما لفعل "العقل" في النفس البشرية، ذلك في قوله عن هذا المؤثر للإلزام الأخلاقي: (أيها الواجب، أيها الاسم الأسمى العظيم، أي مصدر جدير بك؟ وأين نجد جذر ساقك النبيلة؟ لعله لا يكون على الأقل سوى ذلك الذي يرفع الإنسان فوق ذاته، والذي يشده إلى نظام للأشياء لا يمكن لقوة أن تتصوره سوى قوة الإدراك).

يرى دراز بعد تنقية كلام كانت من نزعة التسامي ومن مظاهر الدقة الشكلية فهو يتفق مع النظرية المستخلصة من القرآن .

كيف ذلك ؟؟

تأملوا معي :


أكمل في المداخلة المقبلة بإذن الله  emo (30):  فالرجل قد أخذني فعا إلى عالم فكري جميل وساحر  emo (30):




العنوان: رد: عن كتاب "دستور الأخلاق في القرآن" -محمد عبد الله دراز-
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2018-01-25, 10:07:06
من بين نقاط النظرية الأخلاقية المستخلصة من القرآن :



** لقد أودع الله في هذه النفس التفريق بين الخير والشر: "ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها".
**زوده ببصيرة أخلاقية كما زوده بملكة اللغة: " بل الانسان على نفسه بصيرة ولو ألقى معاذيره".
**هُدي طريقي الفضيلة والرذيلة "وهديناه النجدين".

والنفس نعم أمارة بالسوء، ولكنها أودعت القدرة على ردع أهوائها :" وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى".

إذن هي قوة باطنة في الإنسان توجهه أن يفعل وألا يفعل. وهي ليست إلا العقل صاحب هذه السلطة الشرعية على النفس..هذه هي القوة المؤثرة على إرادة الفرد،  والتي أغفلها برجسون.. وهي التي تتميز بها النظرية الأخلاقية القرآنية.

**القرآن لا ينظر للطبيعة الإنسانية أنها شريرة في الأصل :"لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم" وينجو من الهلاك المؤمنون العاملون للصالحات.
ولا يهلك إلا مَن :" لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أضل " ..

فالأمر إذن اختيار حر ... هو طريقة استخدام الملكات، فإما أن يكون استخداما سيئا فيدسّ النفس، وإما أن يكون حسنا فيزكيها ..

** يتوجه القرآن دائما إلى مَلكتنا القادرة على الفهم لتميز بين ما يضر وما ينفع.

** لقد حرك القرآن فينا المشاعر السامية، وأهمها الأخوة الإنسانية : "يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا".

ثم يخلص دراز إلى أنّ  : الإنسان قد أودِع الوسائل العقلية والعاطفية الكافية لللتمييز بين ما يفعل وما لا يفعل .

فيسأل :

هل بذلك يكون الإنسان من ذاته المشرّع للخير والشر ؟ ولكن يبقى : هل كل ما تراه العقول حسنا أو قبيحا هو بالضرورة كذلك ؟ ويسأل : هل نحن مدينون على ذلك أمام الله حتى قبل أن نتلقى أوامر بوساطة رسله ؟

العنوان: رد: عن كتاب "دستور الأخلاق في القرآن" -محمد عبد الله دراز-
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2018-01-25, 15:32:59
إذن قلنا أن دراز طفق يسأل :



هل بذلك يكون الإنسان من ذاته المشرّع للخير والشر ؟ ولكن يبقى : هل كل ما تراه العقول حسنا أو قبيحا هو بالضرورة كذلك ؟ ويسأل : هل نحن مدينون على ذلك أمام الله حتى قبل أن نتلقى أوامر بوساطة رسله ؟


تضاربت حتى آراء أهل الكلام المسلمين، فمنهم العقليون المُحَّض من أمثال الشيعة والمعتزلة الذين لم يجدوا حرجا في القول بأن للعقل اليد الطولى، ومنهم المنكرون ذلك على الإطلاق مثل الأشاعرة، وبينهما يأتي الماتريدية ...

وإذا ضربنا مثالا عن العبادات وأدائها، لوجدنا أحد أمرين إما أن يتحير صاحبه فلا يفعل شيئا وإما أن يُؤتى بكل ضروب الاحتمالات .. والعقول مختلفة ومتفاوتة الإدراك في أمور شتى من أمور الحياة... فليس لعقل مهما بلغ أن يسنّ قانونا يفرض على كل الضمائر..

وكما يعبر دراز :

(http://www.ayamnal7lwa.net/forum/index.php?action=dlattach;topic=6871.0;attach=12270;image)

** الإنسان إذن محتاج إلى سلطة أعلى، إلى قاعدة تصلح للتطبيق على فطرته وهو يجدها بشكل ما مسجلة في ضميره...

فأين يقع ذلك المخلّص من الشكوك ومن الظلمات ومن التباينات والاختلافات ؟؟
إنه ذلك الضمير الأخلاقي المطلق، إنه ذلك "العقل العلوي" لا "العقل المحض"

(http://www.ayamnal7lwa.net/forum/index.php?action=dlattach;topic=6871.0;attach=12272;image)

** العقل والنقل يسيران معا .. ويفسر دراز ذلك بقوله تعالى : "لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير".

** يقول دراز : (وفي قلب المؤمن يستقر نوران، على حين لا يجد الملحد سوى نور واحد، وهذا هو معنى رمز النور المزدوج في قوله تعالى "نور على نور")

ولقد أعجبني طرح من دراز حتى جعلتُه على شكل صورة صممتها  emo (30):  :

(http://www.ayamnal7lwa.net/forum/index.php?action=dlattach;topic=6871.0;attach=12274;image)





العنوان: رد: عن كتاب "دستور الأخلاق في القرآن" -محمد عبد الله دراز-
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2018-01-26, 14:14:40
هناك حقيقة أخلاقية مطبوعة في أعماقنا هي التي تكون لها قيمة إذا عبر عنها الضمير، بحيث لا تكون تلك  الحقيقة النسبية المتعلقة بالمشاعر..

**العقل يشرع، فهل هو يبدع القانون أم أنه مُعَد فيه مسبقا من صانع العقل ؟

إذا كان العقل مبدعَ القانون فستكون له السلطة المطلقة فيبقيه أو يبطله كما يشاء، بينما سيبقى ثابتا إذا كان مطبوعا في العقل فطرة .

وعلى هذا .. فإن النورَيْن الفطري والموحى من عند الله   فالله هو الآمر والناهي.


إذن ما دام المرشد والمشرّع هو الله تعالى إذ أنه سبحانه مصدر النورَين الفطري والموحَى، فإن هذه صورة قانون الإلزام الأخلاقي في الإسلام.


فهل للشريعة الإسلامية مصدر واحد ؟
يجمع العلماء على أن مصادرها أربعة: القرآن، السنة، الإجماع، القياس.
ولكن حسب التحليل يجب أن يكون المصدر واحدا: "إن الحكم إلا لله"، "ألا له الحكم" فماذا عن المبدأ الرباعي؟

1- القرآن :  هو كلمة الله، وبالتالي فهو يستوفي شروط مصدريته.

2- السنة: "فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما" "فمن يطع الرسول فقد أطاع الله"

يقول دراز: ( جميع الأوامر النبوية لا تفرض تكليفا نهائيا  شرعيا أو دينيا إلا بقدر وبشرط أن ترتدي الفكرة الت يشتمل عليها صفة الوحي صراحة أو ضمنا)

وقد قال صلى الله عليه وسلم : إذا أمرتكم بشيء فإنما أنا بشر، ولكن إذا حدثتكم عن الله شيئا فخذوا به، فإني لن أكذب على الله"
وبعد بحث.. الحديث الذي في مسلم على النحو التالي:

((مررتُ مع رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بقومٍ على رؤوسِ النخلِ . فقال " ما يصنعُ هؤلاءِ ؟ " فقالوا : يُلقِّحونه . يجعلون الذكرَ في الأُنثى فيتلقَّحُ . فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ " ما أظنُّ يغني ذلك شيئًا " قال فأخبروا بذلك فتركوه . فأخبر رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بذلك فقال " إن كان ينفعهم ذلك فلْيصنَعوه . فإني إنما ظننتُ ظنًّا . فلا تؤاخذوني بالظنِّ . ولكن إذا حدَّثتُكم عن اللهِ شيئًا فخُذوا به . فإني لن أكذبَ على اللهِ عزَّ وجلَّ " .))
وهنا نستنتج أن لرسول الله صلى الله عليه وسلم آراء حول أمور الدنيا ليست بمعصومة ولا هي من الوحي، وقد قال صلى الله عليه وسلم : "أنتم أعلم بأمر دنياكم"

يقول دراز أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكتفِ ببيان إمكانية خطئه في أمور خارج الرسالة الإلهية، بل في أمور الرسالة لِما لم يكن مؤيدا بالوحي، ومن ذلك :

1- أخذه بالأسر بعد بدر لا بالإثخان : "ما كان للنبي أن يكون له أسرى حتى يُثخن في الأرض"
2- إذنه للمنافقين: "عفا الله عنك لمَ أذنت لهم"
3- "ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين".
4- كاد يُخدع في حكم ابن أبيرق : "ولا تكن للخائنين خصيما"
5- نسيانه أحيانا وهو يؤم صلاة الجماعة، وترقيعه بسجدتَي السهو، وقوله لهم أنه بشر مثلهم ينسى كما ينسون.

ومن رسول الله بيان أنه بشر يخطئ ويصيب فيما ليس من أمر تبليغ الرسالة، مثلا في قضية المتخاصِمَيْن إذ استمع إليهما فقال: ((إنما أنا بشر، وإنكم تختصمون إلي، ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض، فأقضي نحو ما أسمع، فمن قضيت له بحق أخيه شيئا فلا يأخذه، فإنما أقطع له قطعة من النار))


يقول دراز : ((( فالنبي صلى الله عليه وسلم يعلن في موقف معين أنه معصوم، حين يكون مبلّغا -كما رأينا-، بوصفه رسول الله، فإذا ما بلّغ رسالته وبينها للناس، واستودعها ذاكرة الجماعة، فإن النقص الفطري الذي لا يفتأ يصيب انتباه الإنسان مهما يكن عقله قويا ذكيا قد يجوز أن يظهر أحيانا عنده، ولكن مع فارق هام هو أن النبي لا يمكن أن يستمر مطلقا على رأي خاطئ، وإذا لم يعد إلى الصواب بالطريق المعتادة، فإن الوحي يتدخل حتما لتصحيح خطئه، وإقامته على الصراط المستقيم، وإلا وقعت الجماعة كلها في الخطأ، والتزمت باتباعه في طريق الضلال، والله سبحانه يقول: "وما كان الله ليضل قوما بعد إذ هداهم حتى يبين لهم ما يتقون".
فلولا هذا التقويم المستمر لنَجَم عن تخلفه أن تصبح كل أوامر النبي وأحكامه التي لم يقومها الوحي موافَقا عليها ضمنا، ولتلقاها الناس ومعهم الحجة البالغة على أنها أحكام إلهية وقس على ذلك سائر أحواله حين يعمل، فهي معدودة من حيث المبدأ أمثلة يُقتدى بها، وينظم المسلمون على أساسها سلوكَهم ما لم يصدر عنه ما ينقضها
)))
العنوان: رد: عن كتاب "دستور الأخلاق في القرآن" -محمد عبد الله دراز-
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2018-01-26, 14:42:15
قمت بتصميم مفهوم ما يصدر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم :

(http://www.ayamnal7lwa.net/forum/index.php?action=dlattach;topic=6871.0;attach=12280;image)
العنوان: رد: عن كتاب "دستور الأخلاق في القرآن" -محمد عبد الله دراز-
أرسل بواسطة: ابنة جبل النار في 2018-01-26, 22:44:57
جزاك الله خيرا أسماء... وصلت إلى رابط الكتاب..والقيديو لا يظهر..
ان شاء الله سأكمل قراءة واتابع ..
لكن هناك ملاحظة على استخدام كلمة عاشق للقرآن !!
هل يجوز استخدامها؟
العنوان: رد: عن كتاب "دستور الأخلاق في القرآن" -محمد عبد الله دراز-
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2018-01-27, 08:40:48
جزاك الله خيرا أسماء... وصلت إلى رابط الكتاب..والقيديو لا يظهر..
ان شاء الله سأكمل قراءة واتابع ..
لكن هناك ملاحظة على استخدام كلمة عاشق للقرآن !!
هل يجوز استخدامها؟

أهلا وسهلا بك يا بهي   emo (30):

قرأت يا بهي في قول من يستخدم "عشق" مع لفظ الجلالة "الله"، وغالبا لم يجيزوها .. أما القرآن والسنة مثلا وغيره ... فقد بحثت أيضا عن المعنى اللغوي، فوجدت أنها تستخدم للحب المفرط بين الأشخاص، وكذا نحو الأشياء من مثل:
عشِق الشَّيءَ : هوِيه وتعلّق قلبُه به وأحبَّه حبًّا شديدًا
و عَشِقَهُ بالشيءِ : لَصِق به ولَزِمَه .

ولذلك وحسب المعنى الذي يفيد التعلق الكبير بالشي والولَه به، فهنا نفهم أنه لا يخص فيما بين الأشخاص وحسب . والله تعالى أعلم .
العنوان: رد: عن كتاب "دستور الأخلاق في القرآن" -محمد عبد الله دراز-
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2018-01-27, 12:09:33
الآن مع المصدر الثالث :

الإجمـــــــــــاع

مع هذا العنصر قمت بتصميم هذه الصورة مُجملة فيها خصائصه :


(http://www.ayamnal7lwa.net/forum/index.php?action=dlattach;topic=6871.0;attach=12284;image)
العنوان: رد: عن كتاب "دستور الأخلاق في القرآن" -محمد عبد الله دراز-
أرسل بواسطة: ابنة جبل النار في 2018-01-27, 20:14:50
تمام..شكرا لك أسماء  :)
العنوان: رد: عن كتاب "دستور الأخلاق في القرآن" -محمد عبد الله دراز-
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2018-01-27, 20:35:44
تمام..شكرا لك أسماء  :)

عفوا ..  emo (30):
العنوان: رد: عن كتاب "دستور الأخلاق في القرآن" -محمد عبد الله دراز-
أرسل بواسطة: ابنة جبل النار في 2018-01-28, 07:33:25

بدأنا بالفلسفة  :)
من فضلك أسماء ان تصححي الخطأ المطبعي في الآية : وجدنا آباءنا على أمة..
وبالنسبة ل (ولا يُكبر أن يعقد مقارنة غير متعلل بكون القرآن هو الكامل وهو السليم وهو المنبع فلا مجال لمقارنة الأصل والسليم بالوضعي السقيم )
حسب المقارنة  :) هناك فعلا مقارنات لا تصلح بين الاصل والسليم والوضعي السقيم  :) شعرت أنه بالمقارنة هنا يعمل عمل أصحاب الإعجاز العلمي وذلك بإسقاط العلم على الآيات لإثبات أن تلك الاكتشافات العلمية موجودة في القرآن ..ودراز هنا يريد أن يثبت أن نظريات الاخلاق الوضعية تتفق مع نظرية  الاخلاق في القرآن  وان مصدر الوحي يتفق مع عقل الإنسان الفطري الذي تجرد من الدين !!!! ما رأيك؟؟
أما بالنسبة ل ( **القرآن لا ينظر للطبيعة الإنسانية أنها شريرة في الأصل :"لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم" وينجو من الهلاك المؤمنون العاملون للصالحات)
هل كان معنى أحسن تقويم للشكل والجسد فقط ام للنفس و الاخلاق أيضا؟؟
العنوان: رد: عن كتاب "دستور الأخلاق في القرآن" -محمد عبد الله دراز-
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2018-01-28, 10:32:06
تم التصحيح بهي. شكرا لك .

اقتباس
شعرت أنه بالمقارنة هنا يعمل عمل أصحاب الإعجاز العلمي وذلك بإسقاط العلم على الآيات لإثبات أن تلك الاكتشافات العلمية موجودة في القرآن ..ودراز هنا يريد أن يثبت أن نظريات الاخلاق الوضعية تتفق مع نظرية  الاخلاق في القرآن  وان مصدر الوحي يتفق مع عقل الإنسان الفطري الذي تجرد من الدين !!!! ما رأيك؟؟

طيب   emo (30):

هنا دراز لا يعتسف الأمر فيسقط النظرية الغربية على القرآن ليجد التوافق، بل بالعكس تماما، هو ينتقد جعل القرآن محكوما بالنظريات، وهدف كتابه كله جعل القرآن حاكما ليُخرج النظرية منه لا محكوما.
ما فعله هنا أنه وقف موقف الذي يفتح عقله لغير المسلمين، فيناقشهم من منطلق إنساني، وهو يوضح جيدا كيف أنّ التفريق بين الخير والشر أصلا مركوز في الإنسان في جزئه الفطري قبل حتى أن ينزّل التشريع، وجزؤه الفطري هذا هو ما عبر عنه بالنور الفطري الذي هو "العقل"، كما بيّن أن العقل مع تباين التصورات وطرق التفكير والحكم من عقل لعقل لن يستطيع وحده فرض القانون الأخلاقي القويم، وهو بهذا مستوى من مستويات "الإلزام الأخلاقي" مصدره الله سبحانه، وهو المستوى المسيَّر من المستوى الأعلى وهو الوحي المشرّع الحقيقي للقوانين والواجبات الأخلاقية ... يعني هنا ليست قضية مساواة بل أن العقل خُلق وقد أودِع نورا هاديا ما لم يغلّفه الهوى.
دراز يبحث في قضية الإلزام الأخلاقي، وهو يبين بأريحية وبتقبل وعدم رفض معتسف لغير المسلمين علو وسموّ النظرية الأخلاقية القرآنية وتميزها عن التي عندهم بتحليل منطقي دقيق يجعلهم يذعنون لذلك التحليل ... تأملي ما قاله الفيلسوف "كانت"  وما قابله دراز بالنقد رغم سلامة منطقه، يعني يحتاج الأمر قراءة مفصلة ... والكتاب دسم جدا جدا، ويحتاج حتى عند قراءته إلى تأمل وتدقيق وفكر مركز جدا ... لذلك أمشي معه الهُوينى، وأعيد تصميم وتلخيص ما قرأت لاستيعاب أفضل .

أيضا يجب أن تمشي مع كتابه نقطة بنقطة، لأنني أرى أن أسلوبه هو طرح الأمر كسؤال مجرد هكذا، ثم يبدأ نقطة إثر نقطة بتحليله والتساؤل حوله ليخلص إلى التعريف الأسلم والتحديد، تأملي مثلا هذا الذي كتبته :

اقتباس
ثم يخلص دراز إلى أنّ  : الإنسان قد أودِع الوسائل العقلية والعاطفية الكافية لللتمييز بين ما يفعل وما لا يفعل .
فيسأل :

هل بذلك يكون الإنسان من ذاته المشرّع للخير والشر ؟ ولكن يبقى : هل كل ما تراه العقول حسنا أو قبيحا هو بالضرورة كذلك ؟ ويسأل : هل نحن مدينون على ذلك أمام الله حتى قبل أن نتلقى أوامر بوساطة رسله ؟

وبعد هذا التساؤل يوضح الحاجة إلى تشريع أعلى .. هكذا بالتدريج بطريقة أراها رائعة جدا جدا تأخذك عقليا إلى حدّ من الاقتناع بالتحليل والتفسير المنطقي..

تأملي مثلا هذه الفقرة لتفهمي أيّ فرق يراه :

(http://www.ayamnal7lwa.net/forum/index.php?action=dlattach;topic=6871.0;attach=12289;image)

واقرئي هاتين :

(http://www.ayamnal7lwa.net/forum/index.php?action=dlattach;topic=6871.0;attach=12291;image)

(http://www.ayamnal7lwa.net/forum/index.php?action=dlattach;topic=6871.0;attach=12293;image)

حتى يخلص إلى ضرورة تشريع أعلى إلزامي أخلاقي ..


اقتباس
**القرآن لا ينظر للطبيعة الإنسانية أنها شريرة في الأصل :"لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم" وينجو من الهلاك المؤمنون العاملون للصالحات)
هل كان معنى أحسن تقويم للشكل والجسد فقط ام للنفس و الاخلاق أيضا؟؟

الأمر يحتمل الاثنين، ولا غبار على فهمه هذا ..

بالمناسبة بهي، الكتاب في أكثر من 800 صفحة :emoti_351: وهو ما يزال بعد يحدّد المعالم الأولى :emoti_64: فأنا معه ما أزال في مرحلة تحديد مصادر التشريع ومناقشة حجيتها كما ترين، وقد أعجبني أن أقرأ عن هذه المصادر معه وهو يَعرِض لشبهات من يقول بالطعن في حجية الإجماع مثلا أو القياس، فيفصّل في تحديد معانيها وخصائصها، وكل هذا لنصل إلى قضية الإلزام الأخلاقي، ومصادر الإلزام الأخلاقي في الإسلام .
العنوان: رد: عن كتاب "دستور الأخلاق في القرآن" -محمد عبد الله دراز-
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2018-01-28, 12:27:37
القيــــــــــــــــــــاس


ماذا عن القياس ؟
هل تنزع نظريته إلى صفة الاستقلال العقلي الذي رُفض في قضية الإجماع ، بل ولم يكن حتى في النبوة ؟

إن تسمية القياس أصلا تعني الاستناد إلى حالة سبق وأن كانت لتُقاس عليها الحالة الجديدة، بمعنى أنها كانت إما في القرآن أو السنة، أو الإجماع.

** علة التشريع هي السبب الذي من أجله طُبّق على الحالة الجديدة حل الحالة القديمة.
**بعض الفقهاء المغالين في العقلية أساؤوا استخدام القياس في حالة صعوبة وجود العلة المشتركة، باستخراجها بطرق معقدة من البرهنة والتدقيق إذ لم توجد صريحة في النص.

وما جهود الفقهاء والعلماء برهنة وتقصيا وقياسا إلا الاستقاء من المنبع الوحيد وهو حكم الله تعالى.

يقول دراز: ((وإذا لم يرد الحكم في نص الكتاب أو السنة فإن القياس يحاول أن يكشف عنه في روحهما وفي مفهومهما العميق، ويأتي أخيرا دور الإجماع محاولا إدراك هذا الحكم في فحوى مجموعهما ))

وبعد المصادر الأربعة للتشريع والتي تعرض لها الكاتب بشيء من التعريف والتفريق ليُرفع اللبس عن قضية "أحادية المصدر مع ذكر أربعة" :


(http://www.ayamnal7lwa.net/forum/index.php?action=dlattach;topic=6871.0;attach=12299;image)
العنوان: رد: عن كتاب "دستور الأخلاق في القرآن" -محمد عبد الله دراز-
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2018-01-30, 10:58:21
إذن حتى الآن فقد فصّل دراز في مصادر الشريعة لرفع اللبس عن قضية أحادية المصدر من جهة ووجود أربعة مصادر من جهة أخرى ... فعرفنا أن المصادر الأربعة : قرآن، سنة، إجماع، قياس كلها إنما تصدر من مشكاة واحدة من أمر الله تعالى وتشريعه وحكمه لا من اجتهادات عقول محضة هكذا دون استنباط أو برهنة من وحي النصوص.

كل هذا إنما هو مدخل لنتعرّف قضية "الإلزام الأخلاقي" التي منبعها القرآن... وكما عرفنا متجسدة في "أمر" و"فرض" و "مكتوب"

عرفنا أنّ التمييز بين الخير والشر أصل مركوز في النفس البشرية، في نور فطريّ مودَع فيها على هيئة "العقل" المزوّد بهذا التمييز، ولكنّ العقل لن يكون مشرّع القوانين لأنّ حلوله ستكون على ضروب، فأنت بحثا عن حلّ مشكل بعينه ستجد أقوالا مختلفة وآراء متباينة وكلّ يرى نفسه على حق، ولو وُكِل للإنسان أن يجعل لشعائر العبادة شكلا فإما أن يتوقف بالكلية وفا يفعل شيئا، وإما أن يجعل عددا لا حدّ له من الأشكال ... وغيرها...

وبالتالي فالحاجة إلى تشريع وتقنين وإلزام أعلى ضرورية لأنه سيتسم بالشمول والحسية والكمال ...
وعلى هذا فالعقل نور فطري مودَع فيه قانون من صانعه يمكّنه من التبصّر بالحق والفضيلة ولكن بشكل نسبي، يحتاج إلى فصل وكمال يكمّله النور الإلهي أو ما عبر عنه ب"العقل الإلهي"...
نور العقل مع نور الوحي مستويان من مصدر واحد ... ولا يتعارض عقل مع نقل في حال إبعاد الهوى ...

وكما أشرنا.. دراز يَعرض لدراسة مقارنة بين النظرية القرآنية والنظريات الإنسانية الأخلاقية بموجب التفريق بين عقل -وهو النور الفطري الذي وصفنا بعض خصائصه في التمييز بين الخير والشر والحق والباطل- وبين عقل وهو النور الفطري مزوّد بالنور الإلهي هاديا ومرشدا ومقننا ومشرعا ...

والآآآآن ....

نتعرف إلى بعض خصائص التشريع الإلهي، والإلزام الأخلاقي في القرآن :

 emo (13): المبدأ الأساسي الذي صدرت عنه الشريعة الإلهية "إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ"  "إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ"

emo (13):  القرآن لا يكتفي بتصدير شكل الأمر وجعله سلطة مطلقة هي الأساس لسلطان الواجب على الإنسان، بل يتبعه بما يسوّغه، ويربطه بالقيمة الخلقية التي تُبنى عليه .

كيف ذلك ؟؟
emo (16):  "وَالصُّلْحُ خَيْرٌ"  من بعد الأمر بالصلح تسويغا للأمر وإنزالا له منزل القبول بتبيين الحكمة من ورائه .
emo (16):  عندما يأمر بغض البصر وهو سبحانه يعلم جنوح النفس لشهوتها "ذَٰلِكَ أَزْكَىٰ لَهُمْ" .
emo (16): الأمر بالتبين من النبأ، يوضح سبحانه الحكمة من وراء التبين لتسويغه : "أن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ".
emo (16): الأمر بالإشهاد عند التداين : "ذلِكُمْ أَقْسَطُ عِندَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَىٰ أَلَّا تَرْتَابُوا"

وبالتالي فالأمر الإلهي يحيلنا إلى الجوهر ... يعبر دراز بهذا اللفظ "جوهر الواجب"، والذي لا أراه إلا الحكمة التي قد تظهر نسبيا للعقل وقد تبقى خفية على الإنسان .

جوهر الواجب
  لا نستطيع تمييزه كله، بل فقط نلمح ملمحا منه عن طريق النور الفطري المركوز والمتمثل في العقل، ولكن النور غير المحدود والذي يُجلي لنا حقيقة الجوهر كلها هو نور الوحي ...

يقول دراز : (ففي فكرة القيمة يكمن المنبع الحق للإلزام، فهي عقل العقل وهي المرجع الأخير للحاسة الخُلُقية.)

---------------------------

خصائص التكليف الأخلاقي

1- الشمــــــــــــــــــــــولية :


 emo (16):  أمر القرآن  للإنسانية جمعاء لا ريب، وذلك من نصوصه الصريحة : " يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا" . "تبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَىٰ عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا"

 emo (16):  الكلّ يؤمَر بالأمر -فضيلة كان أو قاعدة عدل مثلا- على نسق واحد، بمعنى أوضح :
 على نفسه : "أتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ ۚ أَفَلَا تَعْقِلُونَ"
 emo (16): على الناس: "ويْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ *الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ"
 emo (16): على الأغنياء والفقراء والأقرباء والبعداء سواء : "يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ ۚ إِن يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَىٰ بِهِمَا ۖ فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَىٰ أَن تَعْدِلُوا ۚ"
 emo (16): خارج الجماعة وداخلها : " ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ* بلَىٰ مَنْ أَوْفَىٰ بِعَهْدِهِ وَاتَّقَىٰ فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ"
 emo (16):  على الأعداء : "لَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُوا ۚ اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ".

emo (13):  من جهة أخرى أيضا الشمول يتمثل حتى في الأمر الذي نزل في فرد بعينه، يطبّق على الحالات المماثلة
emo (13):  الشمولية أيضا تكون بتطبيق الأمر في مختلف الظروف، وهو ما يشبه مصطلح "الضرورة المطلقة" necessite absolue ولكن بفرق جوهري يكمن في أن الأمر القرآني يُطبّق في حال يكون ممكنا تطبيقه، وهذا بدوره لا يعني التعلّل كيفما كان وكيفما اتفق للتهرب من التطبيق، بل هو ملزِم ولكن لا ينحني أمام حالاتنا الذاتية ولا أمام مصالحنا الشخصية

أراها رائعة هذه الدقة في تأمل دراز في القانون الأخلاقي في القرآن الكريم emo (30): فهو يجمع من هنا وهناك مدار الحكمة في الأمر الإلهي، ومعنى إحاطة نور الوحي بجوهر الواجب من كل جهاته ...

طيب قد يسأل سائل ليستوضح، ما معنى الحالات الذاتية والمصالح الشخصية التي ينأى بموجبها إنسان ما عن تطبيق الأمر الإلهي ؟؟

مثال :   



 emo (16): الارتياب  emo (16): مرض القلوب :  "وإذا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُم مُّعْرِضُونَ *وَإِن يَكُن لَّهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ*أَفِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَن يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ ۚ بَلْ أُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ*إنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ "

طيب... على عكس هذه النفس المتململة والمضطربة -ونعلم أنها نفس منافق- هناك النفس "المحسنة" وهي التي تبلغ المدى في الامتثال، والقرآن يمتدحها : "الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ ۗ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ" 
وحتى إذا تأملنا الآية الموالية لهذه الآية، نلاحظ أنها الأنفس المحسنة وهي المرتّبة أولا ...

 emo (16): ومثل هذا أيضا في امتداحه سبحانه لمن يتحدون بالشجاعة الجوع والعطش في سبيل الله :"ذلِكَ بِأَنَّهُمْ لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلَا نَصَبٌ وَلَا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَّيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُم بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ ۚ إِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ"

وأواصل لاحقا بإذن الله تعالى، وإني لأعيد قراءة الصفحات من الكتاب من فرط دسامتها من جهة وأنها النسخة المعربة لا الأصلية، ولأنّ تحليلاته عقلية منطقية تستدعي انتباه العقل بشدة  emo (30):
العنوان: رد: عن كتاب "دستور الأخلاق في القرآن" -محمد عبد الله دراز-
أرسل بواسطة: ابنة جبل النار في 2018-01-30, 16:06:30
شكرا أسماء..جميل ما وضحت.. متابعة ان شاء الله   :)
العنوان: رد: عن كتاب "دستور الأخلاق في القرآن" -محمد عبد الله دراز-
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2018-01-31, 10:07:34
شكرا أسماء..جميل ما وضحت.. متابعة ان شاء الله   :)

أهلا بك دائما بهي  :emoti_317:
العنوان: رد: عن كتاب "دستور الأخلاق في القرآن" -محمد عبد الله دراز-
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2018-01-31, 12:10:21
نواصل مع خصائص التكليف الأخلاقي  emo (30):

وقد عرفنا سمات من مثل الشمولية التي تمثل شمول المخاطَبين وشمول الظروف .

من خصائصه أيضا :

 emo (13): عندما يتكلم القرآن لا كلام لأحد : "ومَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ۗ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا "

وبالتالي فالأمر ضرورة أخلاقية، ولكنها ليست كالضرورة المادية القاهرة ولا كالضرورة المنطقية التي إن رآها العقل فلا يمكن رؤية غيرها .
فالضرورة المادية هي التي تقهر أجسادنا مثلا فلا نجد من قهرها فكاكا، وكذلك الضرورة المنطقية تحكم على تصوراتنا العقلية .

أما الضرورة الأخلاقية فسمتها الاختيار ذلك بالقبول أو بالرفض، بالطاعة أو بالعصيان، بالامتثال أو بالتمرد. وهي في القرآن القاعدة الأساسية لكل من الإيمان والواجب  : "مَّن يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ ۖ وَمَن تَوَلَّىٰ فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا" . "لا إِكْرَاهَ فِي الدِّين"
"وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَن فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا ۚ أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّىٰ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ"

ولكن هذا الاختيار حسب الواقع لا حسب الشرع، وبالتالي :
 emo (13):فالضرورة الأخلاقية ضرورة مثالية لا ضرورة وجودية

أي أنها تتحقق ممن يؤمن ويعتقد بها ويقبلها ويلتزم بإلزامها، ولا تتحقق ممن لا يقبل ولا يلتزم

المنطق مثلا يفرض نفسه على العقل، بينما الملزِم أخلاقيا يفرض نفسه على الإرادة، على أنه لم يكن ويجب أن يكون. أي أن الملزم الأخلاقي ينتج من حكم على قيمة لا من حكم على واقع.

على ذكر هذه النقطة تحديدا  يلوح لي مبدأ أن القرآن يظل حاكما على الواقع، لا محكوما به، لذلك فقِيمه تُراد لذاتها وإن قضى الواقع بقلة انتشارها بين الناس أو بندرة وجودها ...

الإلزام الأخلاقي، والضرورة الأخلاقية لا تقهر الجوارح ولا تُكره المدارك بل قضيتها قضية اختيار، وهذا ما يُفرض على الضمير .

العنوان: رد: عن كتاب "دستور الأخلاق في القرآن" -محمد عبد الله دراز-
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2018-01-31, 13:10:22
القيمة الأخلاقية لذاتها وسمة تطبيقها عمليا

يستمر دراز في عرض بعض النظريات الغربية، إحداها للفيلسوف "كانت" يقرر فيها ما مفاده أنّ المبدأ الخاطئ لا يكون قانونا يعمّم إلا وظهر التناقض عند استخدامه .وأن اللاأخلاقي عنده يساوي اللاعقلي واللامنطقي.

يحلّل دراز -وكما أوضحنا بتفريقه بين الضرورة الأخلاقية والضرورة المادية والضرورة المنطقية- أنّ وديعة ما وقد استودِعت عند أحدهم يصرّح بداية أنه سيؤديها إلى صاحبها، ثم يعود ليتملكها، وأن هذا التبديل في الموقف لا يُعد حتما دليلا على الخطأ الأخلاقي، فأن يتنازل المالك الأصلي للمستأمَن عن تلك الوديعة عندها يُخوّل له تملكها دون أن يُلام ولا أن يُعدّ متمردا أو متناقضا...

بينما لو افترضنا أن مبدأ لا أخلاقيا يُراد له أن يكون قانونا شاملا من مثل "الوعد الكاذب" والذي يُستخدم بحجة حاجة صاحبه للكذب، فمن يشرّع هذا لن يحبّ أن يُخدع مَن لا يريد له أن يُخدع بهذا القانون، وبالتالي فالتعارض قد حلّ بالصعيد التشريعي ذاته.

ورغم ذلك ففكرة الوعد لا تُعد بهذا متناقضة ، وإنما التناقض يطرأ على اليقين بنهايتها بمعنى تتحقّق أو لا تتحقّق، وبالتالي فهي ليست ضرورة منطقية، كما يرى "كانت" مثلا.

المنطق يمثل حقيقة تحليلية ساكنة بينما الأخلاق ذات طابع متحرك، يحققها من يحققها ويدع تحقيقها مَن يدع، وهذا سعي الفكرة الأخلاقية نحو كينونتها الإيجابية أو السلبية، بمعنى نحو نهايتها، ولن تتحقق بذاتها، بل بفاعل مريد حر، وتكون حافزة لإرادته على تحقيقها.

يصفها دراز بقوله : (هي الإلحاح على مثال أعلى عملي يطلب حقه في الوجود الفعلي.)

والحياة تقتضي الفعل والحركة لهدف محبب للإنسان يسعى لتحقيقه، بمعنى عن طريق وسائل لتحقيق غايات، بينما القانون الأخلاقي وحده هو الذي يفرض نشاطه لأجل القيمة ذاتها لا لأجل مآلاتها. لذلك أمر الواجب يسمى حقا إلزاما . بينما الأوامر الأخرى تنفيذها يؤدي لغايات محببة.

القانون الأخلاقي يكتفي بأن العمل به إلزامي وحسن في ذاته دون أي علاقة بالنتيجة التي يوصل إليها حسنة كانت أو سيئة .


هنا أستحضر قول الكثيرين جدا من المسلمين بطريقة يحسبونها زيادة في الإسلام وفي بيان حقه وعلوّ شأنه، أنّ تطبيق الأمر القرآني ينتج عنه لا محالة حياة طيبة، أو رزق وفير، أو عاقبة حسنة في الدنيا، بينما النظر في الواقع يعطينا حالات معيشة صعبة يكابدها مسلمون ملتزمون، من فقر أو مرض أو تعرض لظلم، بل وحتى ما يتعرض له بعضهم من التزامهم بقول كلمة الحق مثلا، أو شهادة حق، أو رفض أن يشهد زورا، وغيرها ... وعلى هذا فلنلاحظ دقة دراز هنا، وهو يحلل ويمشي نقطة نقطة وبمقارنة بين القانون الأخلاقي وباقي القوانين، ليصل إلى أن الإلزام الأخلاقي سِمَتُه أن قيمة الملزِم أخلاقيا في ذاته، ويطبّق لذاته بغض النظر عن النتائج المترتبة عن تطبيقه...

-----------------------------------
والقرآن في تعليمه الأخلاقي قد سار بتدرج يقضي بالتعويد على أن تكون القيمة الأخلاقية مستهدفة التطبيق لذاتها ولجوهرها  لا لأغراض تحصل من ورائها .

 emo (13):كما أن من سمات القانون الأخلاقي أن يكون تطبيق القيمة الأخلاقية بالنظر إلى الإلزام ذاته لا تطبيقا مجردا من النظر إلى الناحية الإلزامية، وإلا أصبحت أعمالا تطبق آليا بلا روح .

إذن فقانون الواجب الأخلاقي يتميز بـأنه : 

 emo (13):قانون حرية
 emo (13):قانون عقل
 emo (13):قيمته ذاتية
 emo (13):نشاطه ذو طابع روحي.

نواصل لاحقا بإذن الله ... ولله دَرّ الدراز !!  فقد جعلني أتحدى لأقتطف من بساتين كتابه ::)smile:

العنوان: رد: عن كتاب "دستور الأخلاق في القرآن" -محمد عبد الله دراز-
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2018-02-06, 11:55:22
إذن قد عرفنا أن القانون الأخلاقي في القرآن إلزامي، وضروري وشامل... وما يميزه أن القيمة الأخلاقية في ذاتها لا من نتائجها ... وتحركها إرادة حرة ...

هل القانون الأخلاقي مشروط أم غير مشروط ؟

هذا القانون مشروط، ومن أهم شروطه :

أولا: إمكان العمل :


 emo (16): من حيث الطبيعة الإنسانية
 emo (16): من حيث الواقع المادي
 emo (16): من حيث تدرج الأعمال

جاء قوله تعالى : "لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا" "لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا ۚ"

وقد نزل قوله تعالى: "وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله" ففزع الصحابة من ثقلها عليهم، فأرشدهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أن يسمعوا ويطيعوا، فأنزل الله على إثر ذلك قوله : "لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا" ليُعلم منها أن ما لم يخضع للإرادة في النفس لم يكن ضمن دائرة التكليف

تحدث دراز بحديث أعجبني عن الحالات اللاإرادية التي تكون عليها النفس، مثل العواطف، وضرب مثلا العاطفة السلبية "الغضب" وأن الأوامر المرتبطة بهذه الحالات جاءت لا لتحكمها في ذاتها بل لتحكم أثرها ... يحلل مثلا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا تغضب" بأنه جاء ليحكم ما يترتب عن الغضب وأن يتحكم الإنسان بفعله بعده لا بألا يكون أصلا، لأنه عاطفة لا إرداية تحدث للبشر ...
يقول بعبارته أن أمره وكأنه يعني : (لا تخلّوا بين أنفسكم وبين الانزلاق في نتائج الغضب الطائشة، وقاوموا الحركات التي تسير في اتجاه فاسد بتوجيهها وجهة أخرى)

إذن فهي الطبيعة البشرية، ويقتضي الأمر عدم وجود تكليف فيما هو خارج الإرادة بل في الإرادي، وفيما ينتج عن اللاإرادي لا في اللاإرادي ذاته

ذهبت فِرق إلى أن الله تعالى يكلف بالمحال، أي بما هو فوق وسع النفس ...

طيب هنا تعرض دراز للاختلاف بين المعتزلة والأشاعرة، المعتزلة حملة لواء النظام العقلي الخالص، والأشاعرة الذين تصدوا لهم ...

المعتزلة التزموا المعنى الحرفي لـ : "لا يكلف الله نفسا إلا وسعها" بينما الأشاعرة تخبطوا ...

المعتزلة شطوا وشطحوا حتى رأوا أن النظام العقلي وحده قادر على التوصل لذات الله، وللشرائع الأخلاقية، وإلى ما يُفرض علينا، وأن الكتب والرسل لم يكن لها إلا أن أثبتت الآراء العقلية . وأن الله لا يتدخل في أعمالنا الإرادية. وأن الواجبات الأخلاقية صادرة أساسا من معرفة فطرية تفرق بين الخير والشر.
أصل الخلاف القائم بين المعتزلة والأشاعرة، أن المعتزلة لما أغرقوا وغالوا في إطلاق العنان لدور العقل، الأشاعرة تصدوا لطرحهم، ورفضوا الاعتماد على العقل في هذه المشكلات الوجودية  حتى شطوا هم أيضا وتطرفوا ...

المعتزلة لم يؤكدوا على القدرة الكاملة، بينما أكدوا الحكمة من وراء أوامر الله .
الأشاعرة   أكدوا القدرة الكاملة وألغوا الحكمة تقريبا. جعلوها إرادية غير متعلقة بغاية.

والأشاعرة هنا قالوا بأنه من إرادة الله وقدرته المطلقة يكلف بالمحال ...

ما معتمَدهم في ذلك ؟؟

** أبو لهب، والوليد كل منهما بين الله مصيره .... "سيصلى نارا ذات لهب" و "سأصليه سقر"

إذن فقد كُلّفا بالمستحيل يعني أن يؤمنا بينما :

1- سابق علم الله أنهما لن يؤمنا، ويكلّفان بالإيمان .----->  كيف يمكن أن يوجد ما يعلم الله أنه لن يوجد .
2- تكليف بالإيمان بما تقرر فيه أنهما لن يؤمنا .----> تناقض أن يحدث تكليف بإيمان بعدم الإيمان .

الرد على ذلك .... أنها استدلالات فاسدة ...
ذلك أن العلم بعدم الوجود لا يستلزم عدم إمكانية الوجود، فهذا خلط بين الممكن والواقع، وبين الجوهر والوجود. من ناحية، ومن ناحية أخرى إيمانه بأنه لن يؤمن يحسه من نفسه ويعرفه بالتجربة الشخصية، ولا يُجبره عليه ما جاء عنه من عدم إيمانه .

** بل يغالي الأشاعرة أكثر فيقولون أن القدرة تصاحب العمل، بمعنى أنه لا يفعل إلا والقدرة مصاحبة لأحد أمرين إما لطاعته أو لمعصيته، فإن كان على طاعة فالقدرة هنا، فقد استطاع، فإن عصا، فالقدرة مع المعصية ولم تكن له مع الطاعة، فهو مع الطاعة غير مستطيع ...!!!  :emoti_209: فالعاصي وهو يعصي غير قادر على الطاعة، بينما وهو يعصي يؤمر بالطاعة، وبالتالي فهنا تكليف بالمستحيل، يعني يفسرونها بانه غير قادر على الطاعة وهو منشغل بالمعصية، اي بالضد، فهنا يكون تكليفا بالمستحيل بما لا يُطاق !!! وهذا من البدع والغرائب والعجائب إذ لا توعز معصيته لعدم القدرة ولعدم الطاقة ...وهذا خلاف الكتاب والسنة، وخلاف ما عليه عامة العقلاء ...
وهنا الأشاعرة بهذا لم يجعلوا التكليف بالمستحيل في حالات خاصة، بل لقد زادوا فعمموه، بينما المعتزلة يقدمون الحرية على العمل .

والحل الوسط، من روح القرآن ذاته ..... حل قرآني


** يقول  تعالى: "إن الله يحكم ما يريد" هي ليست تسلطا  بل تبين معناها   --قوله تعالى--  : "والله يقضي بالحق" .
** قوله تعالى: "عذابي أصيب به من أشاء" -- يقابله تتمة الآية-- "ورحمتي وسعت كل شيء" .

وإلى ملتقى قريب بإذن الله مع هذا الكتاب الذي على دسامته أجده ساحرا  emo (6):
العنوان: رد: عن كتاب "دستور الأخلاق في القرآن" -محمد عبد الله دراز-
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2018-02-07, 21:28:16
أين كنت مختبئا عني أيها الكتاب الرائع ؟!  ::ok:: أقضي معه وقتا ولا أروع   :emoti_277:
العنوان: رد: عن كتاب "دستور الأخلاق في القرآن" -محمد عبد الله دراز-
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2018-02-08, 09:35:34
قد عرفنا أن القانون القرآني، وهو إلزام ولكنه مشروط، وعرفنا من شروطه "إمكان العمل" .. أي أن يخرج من دائرة التكليف حالات النفس اللاإرادية، وهو لا يكتفي بهذا ... بل إنه فوقه ينفي المشقة وإن كانت في حدود الطاقة ... إذن سنتعرف على "تيسير العمل"

ثانيا : تيسيـــــر العـــــمل:


يقول سبحانه : "يرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ".
ويقول سبحانه : "مَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ۚ".
ويقول أيضا : "وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ".

يؤكد دراز أن هذه مزيّة الرسالة المحمدية دون الشرائع السابقة، ولا يذهب في التاريخ البشري أبعد من تاريخ بني بني إسرائيل مع أنبيائهم، ليؤكد أن عصرهم هو عصر التعسير..

طيب كيف ذلك ؟

ذلك من أوجه :

**يقول سبحانه : " رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا" ...
إذن هناك إصر ... فما هو، وفي أي شريعة كان ؟

**حوار الله تعالى مع موسى حينما أخِذ السبعون بالرجفة عند جبل الطور، جاء فيه قوله تعالى : "وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ۚ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ(156)الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ ۚ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ ۙ أُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ(157)" -الأعراف-

** دين إبراهيم عليه السلام اتسم بالرحمة أيضا : "وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ۚ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ ۚ".

** السبت وتحريم الطيبات خُصّ بها بنو إسرائيل : "نَّمَا جُعِلَ السَّبْتُ عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ" و "فَبِظُلْمٍ مِّنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَن سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا".

** خلق الله الإنسان ضعيفا، "خُلِقَ الْإِنسَانُ ضَعِيفًا"، وما كان وقد كتب على نفسه الرحمة أن يبتدئه بنظام ضاغط شديد.

بعض مظاهر التيسير

 emo (16):يضرب دراز مثلا قيام الليل، وكيف خُفف على المؤمنين فلم يصبح فرضا بعد إذ كان كذلك، إذ أن العمل العبادي لا ينبغي أن يتحول إلى عمل آلي لا يعلم معه الإانسان ما يقول أو مايفعل من شدته عليه. يقول صلى الله عليه وسلم :"إذا نعَس أحدُكم في الصلاة ، فلْيَرْقُدْ حتى يذهبَ عنه النومُ . فإنَّ أحدَكم إذا صلَّى وهو ناعسٌ ، لعلَّه يذهبُ يستغفرُ فيسُبُّ نفسَه" -صحيح مسلم-  كما قال صلى الله عليه وسلم : " لِيُصَلِّ أحدكم نشاطَهُ ، فإذا فَتَرَ فليَقْعُدْ ." -صحيح البخاري-

أعجبتني هذه الفقرة عند دراز : (فالقيام بأي نشاط تعبدي ينبغي إذن أن يستغرق الزمن الذي يحتفظ فيه القلب بنشاطه وسروره فحسب، إذ من الواجب علينا ألا نحول عبادة الله إلى عمل بغيض إلى قلوبنا)

كما يقول أيضا في ملاحظة دقيقة رائعة :
(http://www.ayamnal7lwa.net/forum/index.php?action=dlattach;topic=6871.0;attach=12371;image)
emo (16): كما أن الطابع الرحيم للشريعة يظهر عند تبدّي ظروف يشق فيها العمل المتعوّد عليه، فيتم تعديل الواجب " وِفق الواقع" "وِفق الظروف الجديدة" إما بتغيير، أو بتخفيف، أو بتأجيل، أو بإلغاء .

مثال:
في الإسلام تقرر أن الكم العددي للجنود الذين يقابلون العدو 10 مقابل 100 : "إن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ ۚ وَإِن يَكُن مِّنكُم مِّائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَفْقَهُونَ" 

ثم خُفّف: "الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا ۚ فَإِن يَكُن مِّنكُم مِّائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ ۚ وَإِن يَكُن مِّنكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ" ... هنا نلاحظ أن التخفيف جاء عقِب الأمر، بينما الغالب والعادة أن يأتي في الوقت ذاته مع الأمر، إذ نقرأ الأمر ونلمح الاستثناء خلال التشريع.
فيكون إما بإعفاء كامل أو جزئي أو بتغيير .من مثل :

** "ليْسَ عَلَى الْأَعْمَىٰ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ "---->  إعفاء كامل.
** "فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِّإِثْمٍ ۙ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ" الاضطرار حفظا للنفس---> إعفاء كامل
** التقصير في الصلاة عند السفر ----> إعفاء جزئي.
** قضاء الصوم على المريض أو الكبير العاجز أو المسافر ---> إرجاء.
** التيمم عند غياب الماء أو المرض المانع ---> استبدال.

ملاحظة مهمة :

على ألا تكون العقبة المانعة مصطنعة من الإنسان، بل طبيعية... وهناك عقبات صنعها الإنسان واستفحلت فيه وتمكنت منه مع تطاول الزمن وإِلفها ومنها الخمر مثلا. فما الحل من الشريعة، القبول بها على فسادها ؟؟

الحل معها هو التدرج ...
يقول دراز :

(http://www.ayamnal7lwa.net/forum/index.php?action=dlattach;topic=6871.0;attach=12373;image)

العنوان: رد: عن كتاب "دستور الأخلاق في القرآن" -محمد عبد الله دراز-
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2018-02-08, 09:48:40
وبمناسبة التدرج في القرآن تحت عنوان "تيسير العمل"، كان لي تأمل حول تحريم الخمر، والتدرج البديع في ذلك منذ أكثر من عام كتبتُه، هو التالي:

-------------------------------
اليوم في لقائنا الأسبوعي مع سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، بلغنا مرحلة تحريم الخمر... العام الرابع للهجرة

تأملنا المراحل الثلاث لتحريمها، فإذا أول مرحلة فيها كانت بعد خمسة عشر عاما من البعثة... وآخر مرحلة كانت بعد سبعة عشر عاما من البعثة...!!!

سبعة عشر عاما والخمر غير محرمة، وشاربها لا يؤثم...
سبعة عشر عاما، تأسست فيها عقيدة المؤمنين في مكة، وبدأت فيها معالم الدولة الإسلامية في المدينة، وأصبح للمسلمين قوة مُهابة، ونُصروا على المشركين نصرا مؤزرا في معركة الفرقان، وأصبحت لهم هيبة، وعرفت لهم شوكة... وعرفوا الهزيمة في أُحد، واعتبروا بدروسها العظيمة... وأرغموا أنوف اليهود المخادعين...

والمؤمنون ما يزالون يشربون الخمر....
وأول مرحلة من مراحل التحريم كانت عبر السؤال:
"يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما"
لقد تركهم الله تعالى عليها حتى سألوا عنها بأنفسهم...

لقد آمنوا وهم يشربونها، وتأسست عقيدتهم وهم يشربونها، وخُلّيت أنفسهم من موروثات الجاهلية وهم يشربونها، وحُلّيت بالإيمان وبالهدى وهم يشربونها...

وتزكوا، وعملوا الصالحات، وتنافسوا على الخيرات، وتدارسوا القرآن وعملوا به وهم يشربونها...
وجاهدوا وهم يشربونها، واستشهدوا وفي بطونهم منها... !!!

ثم سألوا عنها بعد كل هذا، بعدما عاينوا حياتهم الجديدة والخمر ملازمة لهم، بعدما أُخرجوا من غيابات الجاهلية إلى نور الحق وهي ما تزال ملازمة لهم...

إنهم لم يفكروا يوما بشأنها من قبل إسلامهم، لقد كانوا يشربونها ويعشقونها ويتغنون بها في أشعارهم، حتى استغنى كثير منهم عن الماء بها... فكانت سقياهم...
أما اليوم، فقد سألوا عنها...
لقد تركهم الله حتى سألوا عنها...
لقد جعلهم الإسلام يفكرون... يتساءلون، يستخدمون العقل لغاياته التي لأجلها خُلق...

لقد عرفوا أنه دين لا يستقيم معه تغييب العقل، لقد عرفوا بما عاينوا أنه دين العقل، دين الصحوة، واليقظة والفكر والتفكير لا دين الخرافة والخيال والتغييب واللاعقل...
لقد دلهم على التفكير ...على إعمال العقل، وعلى تقديره، وعلى صونه، وعلى الحفاظ على الكيان المسلم بالحفاظ على عقل سليم، صاح، مفكر، واع...
لقد عاينوا بأنفسهم الفرق بين ما يكونون عليه ويكون عليه إيمانهم وهم بعقل حاضر، وما يكونون عليه وهم بعقل مغيّب...

لقد عرفوا بما عاينوا أن أحسن حالاتهم مع عقل صاحٍ وأن أسوأها مع عقل مخمور مغيّب

لقد سألوا هم أنفسهم عن شيء كانوا يرونه حياة من الحياة... هواء مع الهواء، ماء فوق الماء...
هكذا كان فعل الثورة العقلية في الإسلام، هكذا هو عهد الصحوة والرقي بالعقل إلى مرتقاه الذي لأجله خُلق...

ها هم اليوم يسألون..... ليفتح السؤال أول باب التحريم... وقد تهيأت العقول السائلة والنفوس الراقية لقبول الجواب، للأمر في شأن الخمر...

فكانت البداية ببيان إثم فيها هو أكبر من نفع، لتتهيأ النفوس للتوجس مما كان ملازما وقطعة من الحياة...

وهكذا تبيّن لهم بعدها كيف يسوق إثمها إلى الخلط في الصلاة... في لقاء الله، في الصلة بالخالق...

فيأتي أمر صارم بئلا يقرب الصلاةَ سكران: "يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سُكارى حتى تعلموا ما تقولون" ليزداد التوجس، ويقوى الاحتراس، وتتسع دائرة التضييق...

إلى أن يصل الأمر إلى التحريم النهائي وقد قرنت بالأنصاب فكانت عِدلا للشرك، ووصفت بالرجس، وأنها من عمل الشيطان، وتقرر الأمر باجتنابها لتحصيل الفلاح :" إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه"

نعم لقد كانت البداية من سؤالهم... من سؤال العقل الذي عرف أن هذا الدين لا يستقيم مع عقل مُغيّب، بل هو دين العقل... العقل الحاضر الواعي، الصاحي...

فترك أصحابه ليسألوا، وكان السؤال أول باب التحريم، ...تحريم تغييب العقل بسؤال العقل في ساعة عقل...


العنوان: رد: عن كتاب "دستور الأخلاق في القرآن" -محمد عبد الله دراز-
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2018-02-08, 12:58:55
إذن قد عرفنا التدرج مندرجا تحت التيسير، وأنه كان يُعالَج به التعود على فساد لتخليص الإنسان منه شيئا فشيئا، فكان مثال تحريم الخمر ... فكان على مراحل أربع.
* أولاها :إشارته تعالى مجرد إشارة بقوله : "ومِن ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا ۗ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ". فحدث توجس وتحرج من هذه الصفة التي يعرفونها .
* نزلت : "يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ ۖ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا ۗ" وها هم أولاء قد سألوا بعدما تحرجوا من الوصف الأول. فجاء الجواب مقرّبا المعنى أكثر لعقول كثيرة ستستوعبه.
* بقي الغالبية على شربه، فوجبت كلمات أكثر وضوحا لتقتنع كل العقول فنزلت : "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنتُمْ سُكَارَىٰ حَتَّىٰ تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ". فكانت "لا تقربوا" منهجا علميا لتوسيع فترات الانقطاع، وحتى لتقليل تداولها من السوق بالتدريج .
* جاء الأمر النهائي بالتحريم : "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ".

وهكذا التدرّج نجده سِمة الأخلاق القرآنية كلها ... كيف ذلك ؟؟

 emo (16):  القرآن لم ينزل جملة واحدة، بل نزل منجّما، وكانت المرحلة المكية والمرحلة المدنية، فأما المكية فنزلت فيها آيات تدعيم الإيمان وتثبيت المبادئ والقواعد العامة للسلوك، وأما المدنية فنزلت فيها القواعد العملية لحل المشاكل الخاصة أخلاقية كانت أو شرعية.

 emo (16): كل أمر جديد كان يُحدث تقدما بالنسبة إلى الحالة السابقة، كما كان هو انطلاقة نحو حالة لاحقة.

 emo (16): التباعد الذي كان بين نزول الأوامر، مثل منهجا تربويا خاصا، إذ لو نزل جملة واحدة ليُفرض على النفس مرة واحدة لما كان له من محلّ، ولذلك تقبلته الأنفس بارتياح، وهي تتربى الهُوينى، وتألفه شيئا فشيئا، كما كانت تلاحظ أثر كل تربية منه وامتثال لأمر منه عن كثب، فكانت تستعد في كل مرة لتلقي المزيد.

وها هنا تحديدا عند هذه النقطة أستحضر ما فهمته مرة من آية في سورة المائدة في قوله تعالى : "لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوا وَّآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَوا وَّآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوا وَّأَحْسَنُوا ۗ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ" وهي قد نزلت فيمَن مات في غزوة أحد قبل تحريم الخمر، مات شهيدا منهم مَن مات وفي بطنه من الخمر ... فجاء فيها أن الله تعالى لا يؤاخذهم بذلك وتحريم الخمر جاء تاليا لموتهم، فهم قد اتقوا وآمنوا وعملوا الصالحات .... ثم من جاءه أمر تال مخالف لما كان عليه، -وهنا هو التحريم قبل النهائي- وامتثل له فهذا ضمن : "ثم اتقوا وآمنوا"  ولم يرفضوا أو يتمردوا، ثم من عاش إلى أن نزل أمر التحريم النهائي فامتثل وحرم على نفسه ما حرمه الله، هذا ضمن : "ثم اتقوا وأحسنوا"

وهكذا نلاحظ كما قال دراز أن النفوس تتلقى تباعا الأوامر وتمتثل للأمر تلو الأمر ... حتى يحصل الترقي شيئا فشيئا ... إلى أن يبلغ درجة الإحسان .

يقول دراز أن الكفار لم يفهموا الحكمة من هذا التنجيم، فطفقوا يتبجحون قائلين : "وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً ۚ " ... والعلة والحكمة نجدها فيما بقي من الآية : "كَذَٰلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ ۖ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا" كما يقول سبحانه في محل آخر: "وقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَىٰ مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلًا".

أما عائشة رضي الله عنها ففهمت الحكمة، حتى قالت : "حتى إذا ثابَ الناسُ إلى الإسلامِ نزَلَ الحلالُ والحرامُ ، ولو نزَلَ أولُّ شيءٍ : لا تشربوا الخمرَ لَقالوا : لا نَدَعُ الخمرَ أبدًا ، ولو نزَل : لا تَزْنُوا ، لقالوا : لا نَدَعُ الزنا أبدًا " -من حديث في صحيح البخاري-

وهكذا نرى جليّا كيف أن الأوامر القرآنية، والأخلاق القرآنية عموما اتسمت بالتدريج في ولوجها على النفوس.
العنوان: رد: عن كتاب "دستور الأخلاق في القرآن" -محمد عبد الله دراز-
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2018-02-10, 09:31:53
إذن حتى الآن عرفنا أن القانون الأخلاقي القرآني قانون مشروط، تحدّه "الطبيعة الإنسانية" و "الواقع" و "ن تدرج الأعمال" ... فعرفنا أنه يجب أن يكون :

1- يسيرا على الطبيعة (ممكن)
2- يسير واقعيا، بحسب مقتضيات الواقع (عملي)

الآن سنخوض عنصرا أخيرا هو ضمن الشروط .

ثالثا : تحديد الواجبات وتدرجها :

يتساءل دراز هل "الخير"  و "الواجب"  وجهان لعملة واحدة ؟
هل هناك حد يُكتفى به، ودرجات عليا يمكن تجاوزها في الواجب؟

الإجابة نجدها مختلفة، متفاوتة من واحد إلى آخر:
**فأصحاب العزائم يرون أن الخير مساو للواجب، بحيث أن الواجبات عندهم يجب تأديتها على أكمل وجه، بدرجات كمال ..

** العامة يرون أن الواجب هو الحد الأدنى من الإنسانية .

أصحاب العزائم نسألهم، بهذا هل كل مجالات الخير يجب أن تكون بدرجات عليا، وكلها ملزمة ؟ أم أن يكون الملزم والمُؤدى بدرجات كمال مجال خير دون آخر ؟

الإجابة المنطقية ستكون أن الحالة الأولى عصيّة على الطاقة البشرية، والحالة الثانية لا تشبع الحاجة الأخلاقية.

يقول دراز أن الإنسان تركيب من العلاقات، مع نفسه، مع الأسرة، مع المجتمع، مع ربه ...
ويجب أن يتحقق تناسب بينها كلها.
الحاسة الخلقيــــــــــــــــــة -----> ازدهار مجموع علاقات الإنسان .
المفهوم الإسلامي للواجب -----> ان تتربى النفس على تنمية كل تلك العلاقات، قال سلمان الفارسي لأبي الدرداء: "إن لربِّكَ عليك حقًّا، ولنفسِك عليك حقًّا، ولأهلِك عليك حقًّا، فأَعْطِ كلَّ ذِي حقٍّ حقَّه"، ولما أُخبِر رسول الله صلى الله عليه بقوله له، صدّق عليه بقوله : "صدق سلمان" -صحيح البخاري-

وبالتالي فالواجب فرع من فروع الخير الذي في الحياة، ولا يشغله كله.

والحد الأعلى من الواجب يحدده كلٌّ حسب ضميره، فالتقصير مثلا في أداء واجب يستتبع عند أحدهم تأنيبا قاسيا، وعند آخر عتبا رقيقا، وعند ثالث لا يثير أدنى رد فعل في ضميره.

ومن هذا نستنتج أن الإنسان قد أدرك أن فكرة "الخير" تتضمن حدا أدنى إلزاميا وإضافات ذات إغراء بثواب أكبر.

وهنا  التفاوت الإنساني في تقدير حد الواجب طبيعي، بينما يخطئ إذ يقول أنه الحد الأدنى .

وعلى هذا التفاوت، مَن له تحديد الحد الأدنى الضروري ؟ ووِفق أي مقياس ؟

 emo (16):الأخلاق الإسلامية تحدد درجتين للعمل :
1- الخير الإلزامي الذي ما دونه يكون إخلالا بالواجب .
2- الخير المرغوب فيه .


 emo (16): القرآن يحضّ دائما على الرقيّ وعدم الركون إلى المرحلة المشتركة، إلى المستوى المشترك بين الجميع (الحد الأدنى، الخير الإلزامي)

أمثلة:

* يقول تعالى : "فمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ ۚ وَأَن تَصُومُوا خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ"
* يقول تعالى : "وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا"
* يقول تعالى : "وَأَن تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ ۚ وَلَا تَنسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ ۚ"
*  إمهال المَدين واجب إن كان عاجزا عن الدفع، ولكن إعفاءه خير يقول تعالى : "وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَىٰ مَيْسَرَةٍ ۚوَأَن تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ".
* أداء الفرائض واجب، ولكن الزيادة خير : "وَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ".
-----------------------------
وهكذا ونحن ننتقل مع دراز ألاحظ أنه يصل بنا إلى الحقيقة القرآنية والإسلامية بطريقة عقلية، بتحليلات عقلية، شيئا فشيا، نجد أنفسنا أمام حقائق وأنظمة نعرفها من القرآن، نعرفها من ديننا، ولكن تعريفه لها يليق جدا بمَن يخاطب عقلانيين، بمَن يخاطب غير المسلمين، فضلا عن تعريف المسلمين بما يعرفون وهو يمشي الهُوينى، وينتقل بالمدارك من شيء إلى شيء، لنكتشف مدى دقة التشريع القرآني ... ومدى مواءمته للحق، وللأنفس البشرية، ومدى ما كان له عظيم الدور في تفادي التخبطات والاختلافات العقلية والتفاوتات في ميدان العقل والضمير ... لقد بلغءنا معه الآن إلى :

لكل عمل درجات إيجابية ودرجات سلبية وبينهما أمور، وعلى هذه الصورة قمت بتصميم مُجمل ما وضعه من التحديد القرآني للواجب ودرجاته :

(http://www.ayamnal7lwa.net/forum/index.php?action=dlattach;topic=6871.0;attach=12375;image)

وبالتالي هنا لم يكن الغرض من لطف الشريعة إلغاء الجهد والخضوع للموقف هكذا سريعا، بل قُصِد منه إرساء الجهد على أساس عقلي، أي عقلنته
العنوان: رد: عن كتاب "دستور الأخلاق في القرآن" -محمد عبد الله دراز-
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2018-02-10, 09:51:48
تناقضات الإلــــــــــــزام

يتطرق دراز الآن لتناقضات الإلزام .... بمعنى أن الإلزام على أرض الواقع يَعرض له مجموعة من التناقضات التي لا يجب إغفالها، ونريد أن نفهم كيف يتمكن القانون الأخلاقي من تحقيق الموازنة فيها ...

يبدأ بـــ :

1- الوحدة والتنوع  :

نقاط دقيقة جدا جدا، ورائعة يَعرض لها دراز ... وأهم ما في الأمر بيان الصراع بين "المثالية" و "الواقع"، وبيان واقعية هذا التشريع، وهذا القانون الأخلاقي القرآني .... بلغ إعجابي مداه لتركيز دراز على هذه النقطة بالغة الأهمية، مع ما نعرف من خبط وخلط سببه الخلط بين ما يفرضه الكثيرون جدا من الدعاة المتشددين والوعاظ الذين لا يرون في الدين إلا قالبا يُصب، مُغفلا أن الدين راعى الواقع، وراعى الطبيعة البشرية وطاقتها، فجعل هذا التحديد للواجب ودرجاته ...

** هذا القانون الأخلاقي القرآني ، يجب أن تكون له فاعلية عند تطبيقه في الواقع، فيستدعي مرونة مناسبة .
** إذا كانت الأخلاق علما، فيجب أن يُبنى على أساسا من قوانين شاملة وضرورية
** موضوعها تنظيم النشاط الإنساني، وبالتالي لا يمكن أن تكون مجموعة نُظُم لا تطبق إلا على أفراد قليلين، هنا الشمولية تُكسر. ويجب أن يكون تطبيقها ضروريا .
** الحياة متنوعة ومتبدلة، فهل يكون نموذج السلوك الأخلاقي الذي يطرحه هذا القانون ثابتا وعاما، أم قابلا للتنويع والتبديل بحسب طبيعة حركة الحياة وتبدلها ؟

أن يكون ثابتا وعاما، هنا يُلغي حركة الحياة، وتبدلها، ويُختصر الزمان في برهة، والمكان في نقطة،(وسوف تُمحى الحياة ذاتها، لتحل محلها فكرة مجردة لا توجد إلا في تخيّل عالِم الأخلاق le moraliste )

أنقل هنا كلمات دراز، لدقتها وأهميتها :
(http://www.ayamnal7lwa.net/forum/index.php?action=dlattach;topic=6871.0;attach=12377;image)
العنوان: رد: عن كتاب "دستور الأخلاق في القرآن" -محمد عبد الله دراز-
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2018-02-11, 09:25:31
عرفنا ضمن "تناقضات الإلزام" عنصر الوحدة والتنوع.. هل يكون نموذجا واحدا ثابتا غير قابل للتغيير، أم ينزل إلى ساحة الحياة التي تتسم بالحركة والتبدّل والجدة ؟

والآن يعرض دراز إلى عنصر ثان هو من تناقضات الإلزام :

2- سلطة وحريــــــــة  :

الإلزام يجمع طرفين بإرادتني مختلفتين :
** المشرّع الحريص على أمره وسلطته.
** الفرد الذي يعمل وهو يدافع عن حريته .

emo (16): القوانين التي يسنّها المشرّع تحافظ على بقائها ما احتفظت بمعناها كاملا، دون أن تخضع لوطأة الظروف. وبالتالي يصبح القانون مسيطرا يسلب حريّة المطبَّق عليه، ويكون منه الخضوع التام . فأي جدوى لضمير كهذا ؟

emo (16): من ناحية أخرى إن مُتّع الفرد بالحرية الكاملة، فسيصبح الأمر الملزم مجرد نصيحة، يأخذ بها من يأخذ، ويُعرض عنها مَن يُعرض.

فما الحل ؟؟ الانحياز لطرف دون آخر ؟ أم التوفيق ؟؟ وإن كان الجواب "التوفيق" فكيف يتحقق؟؟

الحل القرآني قد حقق التوفيق بخلاف النظريات الوضعية التي انحازت لطرف دون آخر ...
--------------------

أحب هنا أن أشير إلى أهمية المقارنة التي يُجريها دراز بين النظرية الأخلاقية القرآنية والنظريات الوضعية، إذ هو هنا عقليا ومنطقيا وبرهانيا يوضح الفرق بين هذه وتلك، هو هنا يحلل النظريات الوضعية، فيُنصف ويبين الحسن فيها، ثم يحلل فيبيّن العَوار فيها والنقص والسلبيات، وعدم صلاحيتها للتطبيق العام من منطلق منطقي.. يناقشها في ذاتها، وينقدها من ذاتها، ثم يَعرض بالمقابل للنظرية القرآنية، وكيف حققت سد الثغرات التي لم تتمكن النظريات الوضعية من سدّها ....  والقارئ بإزاء هذا العرض لا يُقهَر بالعاطفة الدينية مثلا ليُصدر حكما، بل هذا العرض مُقنع حتى لصاحب الدين الآخر، أو لصاحب اللادين بالكلية ...

هنا دراز سيعرض نظريتين مختلفتين، إحداهما للفيلسوف "كانت" والأخرى للفيلسوف "روه"، وهما على طرفي نقيض في عملية الانحياز للطرف المشرّع أو للفرد المتلقي للتشريع ...

وقد مشيتُ معه الهُوينى مع عرضه لنظرية كانت حول الواجب الأخلاقي وكيف يعرّفه، وكيف يصيغ تعريفه. الأمر فلسفة، ولكن لنحاول مع دراز الوصول إلى ما وصل إليه كانت ... لنتعرف إلى جهد العقل البشري المحض، وأين يصل به ...  emo (30):

--------------------------------

نظرية كانت(بين سلطة المشرع أو حرية الفرد؟)

يعرف كانت الواجب بالطريقة التالية : (الواجب قانون شامل لجميع الإرادات، هو كل سلوك يمكن أن يُصاغ في قاعدة عامة دون أن يكون عرضة لنقد العقل أو تسخيفه .)

** يقيّم كانت العمل بأنه أخلاقي أو غير أخلاقي بمقياس عمومية تطبيقه، بمعنى أنه إن كان يصلح للتطبيق العام فهو أخلاقي، ولا يقيمه بمقياس النتيجة حسنة كانت أم سيئة .
** يتلخص فِكره في نظرية الواجب في ثلاث مراحل :
1- إثبات حدث أولي بالنظر في السلوك الذي يصدر من الإنسان .
2- تحليل السلوك للارتقاء به إلى العمومية.
3- هبوط لوضع القواعد الأساسية للأخلاق.

طيب كيف يعمم كانت السلوك كقاعدة وقانون عام... نمشي معه مرحلة بمرحلة ؟؟

1- إثبات حدث أولي بالنظر في السلوك الذي يصدر من الإنسان .

يقول بأنه قبل أن نكيّف قاعدة السلوك وأحوالنا الشخصية نقيسها على ما نتطلبه من الآخرين ..
وفي الحقيقة هذه الإدانة للأنانية هي التي استخرج بها الضمير الإنساني مبدأ شمولية الواجب وتبادليته . وهذا حسن، والقرآن ينصّ عليه مثلا في قوله تعالى : "لَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ وَلَسْتُم بِآخِذِيهِ إِلَّا أَن تُغْمِضُوا فِيهِ ۚ ".  وبينها صلى الله عليه وسلم بيانا دقيقا في قوله : "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه"

كانت انطلق من الإدراك العادي في تعريف الواجب، وتعميمه ... يقول مثلا : "سلْ نفسك إذا هممت بعمل هل يمكن أن يحدث  في قانون الطبيعة التي تعيش فيها ؟"
مثلا إن كنت تسمح لنفسك بالخداع، فهذا ليس حتما أن يقع من غيرك، إن كنت  لا تبالي ببؤس الناس، فليس حتما ألا يبالي غيرك ...

2- تحليل السلوك للارتقاء به إلى العمومية.

طيب ... من أين يأتي هذا العمل المثالي الذي لا يوجد في التجارب ؟؟

** يجعله كانت مستقلا عن القانون التجريبي . يستمده من عالم ذهني صرف.
** لا يجعله مستقلا عن قانون الطبيعة وحسب بل يجعل الإرادة مستقلة عن أي مؤثر لتضع هي قانونها.
** يجعله قانون عقل محض.
** يجعلها عمومية مطلقة.
** يجعله حكما جازما ضروريا وقبليا .

(http://www.ayamnal7lwa.net/forum/index.php?action=dlattach;topic=6871.0;attach=12379;image)
وهذا منه قمة قمة التجريـــــــــــــــــــــد


ثم يبدأ دراز بنقد النظرية مرورا بمراحلها الثلاث...

السؤال : هل فعلا التعميم، أن يصبح قانونا عاما يستلزم أنه أخلاقي ؟؟؟
السؤال : هل ما أرى أنني لا أحب أن يُفعل بي يرتقي إلى قانون عام ؟؟

مثال :

من يُجاري أهواءه البريئة التي لا حرج في إرضائها، ماذا سيصنّف ؟؟ سيعمّم حسب كانت، وهنا :
1- سيتساوى الحَسَن أخلاقيا بالمُحايد أخلاقيا .
2- سينحصر الواجب بهذا في حدود "المُباح" والذي عرفناه في تقسيماتنا الإسلامية .
3- هنا يحدث خلط بين : هذا يمكن أن يكون عاما و هذا يجب أن يكون عاما .

وليس هذا وحده الالتباس الحاصل، بل يحصل ما هو أخطر حسب قاعدة كانت، سيُطلق وصف الخير الأخلاقي على كل سلوك يرتقي ليصبح قانونا عاما وإن كان أكثر الأعمال تهمة .
كيف ذلك ؟؟

** الطبيب الذي يخدع مريضه ليشفيه .
** الإنسان المرهَف الذي يؤثر الانتحار على تحمل العار .

هنا هل يُعمّم على كل من وُضع بظرفه ؟؟؟

** التبتل أي الإعراض عن الزواج وهذا لو عُمّم فإن النتيجة البدهية أن ينقرض جيل بأكمله !! ولا نستطيع تجريم عمل من يتبتل .. فهل يُعمّم ؟؟ !
** وأبعد من كل هذا ... من ينادي بأن الفسق، والدعارة والعُري أخلاق، وينادي بالعتراف بها، وتُقنّن كما نعرف اليوم، فهل هذا قانون يعمّم ؟؟ وأخلاقي ؟؟؟ !!

وبهذا تبطل المقابلة بين الأخلاقي والعام

أيــــــضا :

** كانت يجعل من القانون الأخلاقي شاملا بشكل بالغ التجريد، ذلك بالنظر إلى القيمة الأخلاقية التي لا تكمن في النتيجة ولا في التوافق مع ميولنا، يقول أنه يبتعد عن المذهب الأمبيريقي الذي يحصر الخير في النتائج، ويبتعد عن النزعة الصوفية التي تتوه في العالم العلوي، فيرى المنهج العقلي الأنسب للقانون الأخلاقي.
ويضيف : (تجريده يعتمد على استقلالية الإرادة عن كل الدوافع الحسية، وأن عمومية القانون هي محرك الإرادة)

** من ناحية كيف له أن يصل إلى شكل محض وهو لم يستنفذ كل الحلول باستبعاده لكل الدوافع الحسية، أي الظروف .
** ما يراه كانت أن كل عام واجب، والصحيح أن كل واجب عام، ولكن ليس كل عام واجب.
** ليست كل القيم بإمكانها أن تُعمّم كالتي لا تكون يسيرة على الكل، ولا ممكنة من مثل التبتل، فإن عُمّم ما لا يستطيع أن يتحقق من الكل، كيف له أن يكون واجبا وإن كان عاما .

** العمومية في القانون لا تعفي من النظر في شرعيته، إذ أن القانون العام لا يستلزم أن يكون شرعيا، وكانت يقضي بأن الشكل والتعميم كاف، وهنا يصعب تمييز الفضيلة من الرذيلة .

إذن فالتناقض الأكبر في نظريته يكمن في أنه يرى القانون الشكلي أساسا للخير ولا يرى الخير أساسا للقانون الشكلي .

يرى أن الخير بالضرورة ناتج عن قانون يسبقه، ولا يرى أن القانون ينتج عن خير ...
مثلا أن يُنشد السلام أليس نابعا من حب تنمية الحياة الإنسانية ؟
ماذا لو عُمّم وفُرض مثلا القضاء على الضعفاء لإتاحة الحياة والنماء للأقوى ؟  أي خير سينتجه هذا القانون ؟

نظرية كانت تغير حتى مفهوم الإرادة الإلهية ... إذ أن أمر الله على هذا هو حق لأن الله أمر به وحسب، ، وليس لانه حق في ذاته .
رجال اللاهوت يقولون : "هذا أمر علوي من الله" وكانت يقول: "هذا أمر حتمي من العقل المحض"
رجال اللاهوت أمر الله ضمان لهم ضد الباطل والظلم، ولكن كانت أي ضمان لديه من حتمية أمر عقل بشري ؟ أي ضمان لديه فيه ضد الظلم والباطل ؟؟ إلا إذا ساوينا بين العقل الإلهي والعقل البشري !!!

إذن فأي تحليل مما رأينا يؤدي إلى ترقية القانون الذي يُستنبط من العقل المحض بهذا التجريد وبهذه الشكلية إلى قانون عام ؟؟ هذا القانون لأنه عام فهو واجب كيفما كان حكمه، كيفما كان مضمونه... وكما رأينا أن تُعمم المطالبة بالعُري والفسق ... !!




العنوان: رد: عن كتاب "دستور الأخلاق في القرآن" -محمد عبد الله دراز-
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2018-02-18, 08:49:46
فيما رأينا عرفنا بعض تناقضات قضية "الإلزام"... عرفنا 1- الوحدة والتنوع كما عرفنا 2- السلطة والحرية  بمعنى التناقض الذي يُحدثه هذا المفهوم بين أن يكون واحدا ثابتا لا يتغير متماثلا عبر الأزمنة، أو أن يكون منوعا متبدلا بتبدل حركة الحياة وطبيعتها، وأن تكون فيه السلطة مطلقة صارمة واحدة شاملة لا حِياد عنها لاستثناءات، وبين أن تسيطر الحرية الفردية ...
وفي نقطة "السلطة والحرية"  تطرق دراز كما رأينا إلى عرض نظريات غربية، ماذا يعني القانون الأخلاقي، أن يكون ذا سلطة صارمة شاملة أو أن يكون بمحض إرادة خاصة لكل فرد ...

فعرض نظرية "كانْت" الذي يرى أن القانون الأخلاقي هو المسيطر على كل الإرادات بشكل تجريدي مُغرق في التجريد، بحيث لا يتأثر بأي محسوس، وبأي ظرف وبأي تجربة في الواقع، ولا يراعي من الواقع تبدلا، وحتى وصل أنّ مجرد تعميمه يحكم بنفاذه على الكل، ويحكم بخيريته، إذ هو لأنه عام فهو خير، وليس لأنه خير فيُعمّم ....

**وهنا تعرض دراز لنقد نظريته، فوصل إلى إمكانية الإصغاء للمنادين بالعُري والفسق أخلاقا، وبتقنين ما يريدون، يصبح القانون عاما وملزما وأخلاقيا ... ! وإن كان ظالما أيضا ... !

** كما يعرض في نقده له إلى قضية صراع الواجبات، إذ هي كثيرة ومتنوعة، ولا يجوز امتداد أحدها على الآخر، فمثلا الواجب نحو الوالدين، هو غير الواجب نحو الزوجة، غير الواجب نحو الجار، غير الواجب نحو رئيس العمل، بل إن تعدي واجب على حدود واجب قد ينقلب جريمة، ولذك عرف الإسلام تحديد الواجبات وترتيب درجاتها (فرض، مباح، مكروه، محرم).

بعض الواجبات لا تتصارع...

مثلا :
*لا أكذب ولا أقتل، عادي وجودهما سويا، ولكن أواجه بالحقيقة من لا يحبها لمرارتها وأكون مؤدبا، ذلك هو الصراع...
* أصدق في قول يعرّض أحدهم للخطر أو أكذب لإنقاذ حياته.
*  أعود في وعد وعدته لأنني اكتشفت أنني أشارك به في ظلم أحدهم، أم أوفي بوعدي .

ومن ثمّ كانت الضرورة لتضييق مجال عمل أحد الواجبات على حساب الآخر....

ولنتأمل ....
وهذا ما يهدم نظرية كانت الذي جرّد وجرّد حتى عزل القانون الأخلاقي عن الواقع وملابسات الواقع، وعن المحسوس، وعن الاستثناءات، فجعل الإرادة محكومة بالقانون الجامد . بمعنى مثلا : أصدق وإن تعرض أخي للموت . أوفّي بوعدي وإن اكتشفت أنه في سبيل شرّ ...

يقول دراز :

(http://www.ayamnal7lwa.net/forum/index.php?action=dlattach;topic=6871.0;attach=12397;image)


انطلاقا من هذا تُنقض نظرية كانت التجريدية عن القانون الأخلاقي، والتي تفرض سيطرة كليّة للإلزام وللمشرّع بسلطة مُطلقة لا تُراعي الواقع، وكون القانون معمم فيكفي لا نقاش، وكونه معمم لا استثناء ...
من هنا  ينتقل دراز إلى نظرية مخالفة كل المخالفة وهي للفيلسوف "رُوهْ"

نضع عن نظرية روه في المداخلة الموالية  emo (30):

العنوان: رد: عن كتاب "دستور الأخلاق في القرآن" -محمد عبد الله دراز-
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2018-02-18, 10:40:07
نظرية رُوه (بين سلطة الإلزام أو الحرية الفردية ؟)

روه على النقيض من كانْت يدافع عن الحرية الفردية الكاملة ...

** الأخلاق عنده = الشعور بالجمال أو الشعور بإرادة الحياة .

** يرى أن القيمة الأخلاقية من صنع الإنسان، وما عداه يراه التلبس بفوق الإنسان surhomme .
**  يُلقي بالإلزام بل بالأخلاق عرض الحائط .
**  ولقد كان محقا حينما خالف كانْت وأعلن  عجز القواعد المجردة عن حكم الواقع المادي، ورأى أن رجل الأخلاق لا يجب أن يغفل عامل المكان والزمان (الظروف)
** كما كان محقا في أن السلوك واقعي، ولا يكفي أن يكون منطقيا، بل يجب أن يكون قابلا للتحقق عمليا .

** الواقع + العوامل النفسانية في تحديد رود الأفعال + أن التاريخ لا تتماثل فيه لحظتان عبر امتداد الزمن = الصفة النسبية للحياة الأخلاقية .

وبالتالي فإن روه يركز على عامل الزمن، فيتخلى عن المبادئ والمُثل، ويرى وجوب إخضاعها للظروف لا أن نخضع لها ... يرى أن الفرد يضع مبادئه ويهدمها متى شاء حسب التجرية التي يحياها ...

وعلى هذا فإن رُوه على عكس كانْت يرى أن الواقع هو السيد على كل شيء، ولقد نجح في تفادي التجريد الكانْتي وإعطاءَه السلطة الكاملة للعقل المحض، ولكنه سقط في فخّ عدم التماثل بين لحظتين في التاريخ، ذلك أنه أبعد  إمكانية التشابه بين لحظَتَيْن ...
روه هنا يرى أن العنصر الفردي ينفي تأثير العنصر الجنسي عبر الزمن ... 

طيب أنا هنا سأوضح ... emo (30):

بمعنى أن ما مرّ به الأسبقون نعم لن يتماثل تماثلا كاملا مع ما يمر به اللاحقون عبر الزمن، ولكن لماذا يُستبعَد التشابه ؟؟ وهنا ما دور التاريخ ؟؟؟ إن لكم يكن من تأثير للأعمال الماضية  يدعو إلى الاعتبار والتعلم والتقليد والتمثّل ... ؟! نعم التماثل لا يكون، ولكن التشابه كائن ...

وفي رؤيته لسيادة عنصر الزمن اللحظي على السلوك، بمعنى الظرف وأنه الذي يحكم السلوك بشكل كلي، ينقد دراز بقوله أن الحكم القِيَميّ لا يُبنى على الواقع وحده، إذ أن الحدث(وهو المرتبط بالزمن، وهو التجربة) مناسَبة لوقوع العمل، وليس في حد ذاته سيئا أو حسنا، والقيمة مطلقة وغير مرتبطة بالزمن.

إن مجرد الاختيار بين ممكنات كثيرة بتفضيلنا بينها اتجاها على آخر ينبع من وجود "المثل الأعلى" لا من الواقع وحده .
وحسب روه ستحدث إشكالية أن المثل الأعلى وهو يربطه بالزمن  فذلك إما أنه يولد مع العمل ويموت بعده، أو أن الإرادة تحتاج مبدأ ثابتا يحكمها بصفاته العليا وهو بذلك ليس إلا القانون الأخلاقي ...
(http://www.ayamnal7lwa.net/forum/index.php?action=dlattach;topic=6871.0;attach=12401;image)
إذن فقد عرض لنظريتين مختلفتين تماما، وكل منهما تنحاز لجهة دون أخرى، فتغالي في دور السلطة حدّ الشطط، أو تغالي في حرية الفرد حدّ الشطط أيضا ... إذ تمسّك كل منهما بما يراه شرطا ضروريا وسببا كليا، بينما هو واحد من الأسباب، وواحد من الشروط ...

وعلـــــــــــــــــــــيه :


 emo (16):  إن القانون الجامد الواحد الثابت لا يستطيع أن يُطبَّق على الواقع المتغير، به يبلغ العالَم مرحلة المتماثل.
 emo (16): وبالمقابل مع عدم وجود قانون ثابت العقل لا يعمل، إذ أن عمله يكون وِفق قوانين .

 emo (16): عندما نريد أن تتجدد البداية في كل مرة، ولا نستند إلى أصل، لن يتحقق تقدم في الخطوات، ولن تكون هناك حقيقة .

ما يُستساغ هو :

لقاء الفكرة   بـــــــــــــــــــــــــــــالموضوع
لقاء الشكل   بـــــــــــــــــــــــــــــالمادة
لقاء الفرض  بــــــــــــــــــــــــــــالتجربة

لتنتج : شرارة المعرفة

وألخّص تفريعات دراز، وما فهمتُ منها في هذا الذي صممتُه :

(http://www.ayamnal7lwa.net/forum/index.php?action=dlattach;topic=6871.0;attach=12399;image)

إذن فالقرآن يدعونا للنظر إلى السماء وهو يُثبت على أًسس واقع متينة، يحقق خضوعا للقانون مع حرية للذات .

ونكمل في مداخلة تالية بإذن الله  ....  emo (30):
العنوان: رد: عن كتاب "دستور الأخلاق في القرآن" -محمد عبد الله دراز-
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2018-02-18, 14:40:23
خاتمة فصل الإلزام

نكمل بعد إذ عرّفنا دراز على ما يليق بالإرادة الإنسانية من توفيق بين السلطة الإلزامية والحرية الفردية ...
وهو ما حققه القانون الأخلاقي القرآني ...

تساؤلات :


 emo (16): ألا يجوز أن يتعارض الطرفان، والإنسان يجد له مندوحة وحرية، فينساح بتلك المندوحة ...
يجيب دراز بــ : لا ... فهذا الضمير المعني فيه شرطان لا يجتمعان في غيره، فهو من جهة مستنير بواجبات محددة ومرتبة (تحديد الفرض من المحرم وغيره)ومن جهة هو مواجه لواقع مراعًى وما ذاك إلا ضمير المؤمن

فالله سبحانه يقول للمؤمن بما معناه : افعل هذا إلا المحرم، ولا تفعل هذا إلا إذا كنتَ مكرها بضرورة، ولا يتركه دون أن يحصنه ضد دوافع خفية يخالف فيها الأمر بضرورة زائفة مصطنعة : "فمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِّإِثْمٍ ۙ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ".

هنا النفس هي الملومة، حينما ترى المخالفة البسيطة حراما، أو حينما ترى النهي إكراها وحجرا، بينما هي تعلم أنه ليس مراد الله تعالى.

** في قضية المشتبه الذي يلتبس فيه الفهم أو التصرف، ما على المؤمن إلا أن يبذل جهده ويميز باتباع وإخلاص، فإن أخطأ بعد هذا فلا إثم : "وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُم بِهِ وَلَٰكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ ۚ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا".

قال صلى الله عليه وسلم : "إنَّ الحَلالَ بيِّنٌ وإنَّ الحَرامَ بيِّنٌ وبينَهمَا مشْتَبَهَاتٌ لا يعْلَمُهُنَّ كثيرٌ من الناسِ . فمنْ اتَّقَى الشبهَاتِ استَبرَأَ لدينِهِ وعِرضِهِ . ومن وقعَ في الشبهَاتِ وقعَ في الحرامِ " -صحيح مسلم-
وقال صلى الله عليه وسلم : "دعْ ما يريبُك إلى ما يريبُك" -صحيح-
وقال صلى الله عليه وسلم : "ستفْتِ قلبَك والبرُّ ما اطمأنَّت إليه النَّفسُ واطمأنَّ إليه القلبُ والإثمُ ما حاك في القلبِ وتردَّدُ في الصَّدرِ وإن أفتاك النَّاسُ وأفتَوْك" -الترغيب والترهيب: إسناده حسن-

 emo (16): مادام الشرع قد نظم كل الحالات، بالتحديد والدرجات، ما عدا الحالات المشتبهة النادرة، فأين دور الضمير الفردي في تقرير الواجب ؟؟

الجواب أن أغلب القواعد المُصاغة في القانون الأخلاقي ليس فيها التحديد لكل الجوانب، فبين المحدد وغير المحدد مسافة للعمل الفردي، ولا يقتصر الأمر هنا على ذوي الاختصاص من المشرعين .

أيضا الانتقال من المفهوم الأخلاقي نحو العمل الأخلاقي، هل ما سيُحقق موافق لشروط القاعدة ؟

أمثلة :

** رعاية اليتامى قاعدة أخلاقية، لم يُحدد لها كمّ ولا وزن ولا كيفية .
** التوجيه للقبلة عند الصلاة، هل حُدّد لكل اتجاه من كل مكان السهم الذي يوجِّه ؟

إذن فهناك بُعد عن التحديد الصارم + صمت ملازم لكل قاعدة +  مسافة بين المفهوم الأخلاقي والعمل الأخلاقي.

وهذه التركيبة دعوة لاستمرار العمل التشريعي الذي بدأ من القاعدة الملزِمة، ومن حيث تنتهي المهمة المحددة للقاعدة يبدأ نشاط الفرد في ممارسة حريته .

طيب.... كيف ذلك ؟؟ ما معناه ؟؟  emo (30):

القاعدة الأخلاقية وُضعت لتنمية حريتنا لا لتقييدها، ففوائدها :

1- توفّر علينا ترددنا وحيرتنا .
2- تقلل من فرص الأخطاء.
3- تحصر التفكير بدل تركه تائها مشتتا بحثا عن الصائب.
4- تزيد الفاعلية وتقوي النشاط بحصر مجاله مثل تيار الماء يُحفر مجراه وتُدعم ضفّتاه، فما تفقده الحرية في الامتداد تكسبه في العمق وهي تبحث عن أفضل الطرق لأداء الواجب.

وأيضا :

ظروف الحياة المتبدلة + كثرة الواجبات ------> تؤلف بينها قاعدة  .

وأحسن وصف، وأدقه هو وصف دراز الأكثر من رائع، أنقله بحرفيّته على التوالي :

(http://www.ayamnal7lwa.net/forum/index.php?action=dlattach;topic=6871.0;attach=12403;image)

(http://www.ayamnal7lwa.net/forum/index.php?action=dlattach;topic=6871.0;attach=12405;image)

(http://www.ayamnal7lwa.net/forum/index.php?action=dlattach;topic=6871.0;attach=12407;image)

(http://www.ayamnal7lwa.net/forum/index.php?action=dlattach;topic=6871.0;attach=12409;image)

(http://www.ayamnal7lwa.net/forum/index.php?action=dlattach;topic=6871.0;attach=12411;image)







العنوان: رد: عن كتاب "دستور الأخلاق في القرآن" -محمد عبد الله دراز-
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2018-02-20, 08:31:02
(http://www.ayamnal7lwa.net/forum/index.php?action=dlattach;topic=6871.0;attach=12415;image)

1- فكرة المسؤولية :

** الإلزام والمسؤولية والجزاء ثلاثة أفكار متلازمة ومتسقة ومتصل بعضها ببعض، إذ أنّ المُلزَم مكلّف بتقديم حساب عما كُلّف به للجهة المُلزِمة(مسؤولية)، والملزِم المُحاسِب يكون منه أيضا الجزاء على ما ألزَم به ...

** الخالق سبحانه مسؤول عن أعماله، لا يُسأل عنها ولا يجيب.

** المسؤول أمام وجهين للمسؤولية: علا قته بالعمل ذاته، وعلاقته بالحاكم على العمل.

** المسؤولية استعداد فطريّ في الإنسان، أن يلزم نفسه سواء كان الإلزام من خارج ذاته : من الله أو من إنسان غيره ويوفي بالتزاماته .

** المخلوقات غير العاقلة تخضع لقانون الطبيعة دون أن يكون لها أدنى دخل في تغيير أو تعديل، بينما القانون الأخلاقي الذي يخضع له الإنسان، يجعله أمام إمكانات يختار بينها، فإما احترم القاعدة أو اخترمها .

غير العاقل ------------> أمام ضرورة.
العاقــــــــل ------------> أمام إمكانات .

يقول سبحانه وتعالى في هذا : "إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ ۖ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا " -الأحزاب:72-

**المسؤولية بين لحظتَين ...
1- اللحظة الأولى (القدرة والاستطاعة، وهنا -وجه العمل-) -------> الإمكانات بين أداء أو نكوص.
2- اللحظة الثانية (الخضوع، وواجب تقديم التقرير-وجه العلاقة بالذي يحكم العمل- ).

**أنواع المسؤولية : دينية وأخلاقية واجتماعية .
** كل مسؤولية تصبح أخلاقية، القانون القرآني يجعل حتى المسؤولية الدينية أخلاقية، بمعنى أنها على عاتق النفس، يقول تعالى : "علِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتَانُونَ أَنفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنكُمْ ۖ "، ويقول سبحانه : "وَمَا لَكُمْ لَا تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ۙ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ لِتُؤْمِنُوا بِرَبِّكُمْ وَقَدْ أَخَذَ مِيثَاقَكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ"، ويقول سبحانه : "إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا ۖ" .

إذن فالمؤمن المسؤولية عنده مزدوجة، فهي تصدر عن خارج ذاته مقرونة بمسؤولية ضميره الخاص على غير حال غير المؤمن .

** الأخلاق القرآنية تُضفي الصفة الدينية على مسؤولية. كأن يكون أقل وعد يُعطيه المؤمن مسؤولية : " وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ ۖ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا" .
يقول صلى الله عليه وسلم : "آيةُ المنافِقِ ثلاثٌ : إذا حدَّثَ كذَبَ ، وإذا وعَدَ أخلَفَ ، وإذا اؤتُمِنَ خانَ" -صحيح البخاري-

** الإنسان حر ومختار، فهو الذي يجعل نفسه مسؤولا، فهو إن يشأ لا يفعل... ولكن هذا الإلزام الذاتي مشروط بأن يكون نابعا من خير في قاعدة شرعية .

مثلا :

*طاعة الوالدين واجب مقدّس، ولكنه مشروط بألا يأمروا بمعصية، وكذلك ولي الأمر : "يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ" ولكن "فإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۚ ذَٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا". والتنازع يكون في الأمر الملتبس، ولكن في المخالفة الواضحة الرفض يكون صريحا .

** يُفترض ألا يوجد تصادم بين "مواطن صالح" و "مسلم صالح، إلا إذا صدرت من المسؤول أو الحاكم أوامر جامحة، هنا القاعدة فيما قال صلى الله عليه وسلم : "لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق"

** المسؤولية تتسم بالشمول من نواحٍ :

1- الكل مسؤول، الصالح من الناس وعامّتهم . "فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ". "فلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ" . "إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَٰنِ عَبْدًا "
2- من ناحية الفرد، في القرآن محكمة الضمير مُقَدّمة في المسؤولية الأخلاقية : "وكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ ۖ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنشُورًا" .  "عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ ".
3- من ناحية الموضوع، تُعرَض كل الأعمال : "وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا(47) وَعُرِضُوا عَلَىٰ رَبِّكَ صَفًّا لَّقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ ۚ بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّن نَّجْعَلَ لَكُم مَّوْعِدًا(48) وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَٰذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا ۚ وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا ۗ وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا(49)" -الكهف-

4- من ناحية الملكات والقدرات التي يستخدمها الإنسان : " إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا" .  قال صلى الله عليه وسلم : "لا تزول قدما عبدٍ حتى يُسألَ عن عمُرهِ فيما أفناهُ، وعن علمِه فيما فعل، وعن مالِه من أين اكتسَبه وفيما أنفقَه، وعن جسمِه فيما أبلاهُ"

ويجمع كل هذه النواحي في الشمولية قوله صلى الله عليه وسلم : "كلُّكم راعٍ فمسؤولٌ عن رعيتِه ، فالأميرُ الذي على الناسِ راعٍ وهو مسؤولٌ عنهم ، والرجلُ راعٍ على أهلِ بيتِه وهو مسؤولٌ عنهم ، والمرأةُ راعيةٌ على بيتِ بعلِها وولدِه ، وهي مسؤولةٌ عنهم ، والعبدُ راعٍ على مالِ سيدِه وهو مسؤولٌ عنه ، ألا فكلُّكم راعٍ وكلُّكم مسؤولٌ عن رعيتِه" -صحيح البخاري-

ونكمل عن المسؤولية بإذن الله لاحقا   emo (30):
العنوان: رد: عن كتاب "دستور الأخلاق في القرآن" -محمد عبد الله دراز-
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2018-02-20, 11:28:47
2- شروط المسؤولية الدينية والمسؤولية الأخلاقية


أ-) الطابع الشخصي للمسؤولية :

تتسم المسؤولية حسب الدستور القرآني بالطابع الشخصي المحض ...
 
*"لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ۚ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ ۗ "
*"وَمَن يَكْسِبْ إِثْمًا فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ عَلَىٰ نَفْسِهِ ۚ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا"
* "مَّنِ اهْتَدَىٰ فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ".
* "يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَّا يَجْزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِ شَيْئًا ۚ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ ۖ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ"
* "الْيَوْمَ تُجْزَىٰ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ ۚ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ ۚ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ"
* "وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَىٰ"

** الآباء والأجداد لايتحمل الأولاد خطأهم، تبِعة خطيئة الإنسان الأول لا توجد : "تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ ۖ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُم مَّا كَسَبْتُمْ ۖ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ".

لا مخلّص من خطيئة آدم غير نفسه. كان يكفيه أن يعترف بخطيئته ويظهر ندمه ليُرَبّى هذا التائب الجديد، ويُرفع إلى درجة المُصطفَين : "ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَىٰ"

والفطرة الإنسانية عموما أصلها الخيرية : "لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم"

وحتى يستوفي دراز، عرض إلى حالتَيْن تبدوان مستثناتَيْن من المبدأ العام (الطابع الشخصي للمسؤولية):

أولا: "وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَّعَ أَثْقَالِهِمْ ۖ وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ" -العنكبوت:13-
ثانيا: "وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُم مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ ۚ "-الطور: من الآية 21-  : وهنا أنّ ذريات المؤمنين يُعاملون معاملة آبائهم الصالحين.

أولا نلاحظ أن المسؤوليات الفردية تبقى كاملة : "وَمَا أَلَتْنَاهُم مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ" و "مَا هُم بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُم مِّن شَيْءٍ" .

ما في الأمر أن هناك ما يأتي من خارج العمل الفردي فضلا على ما يلحق صاحب العمل من عمله .

نقف مع أولا :

**الذين يضلّون غيرهم من الناس : "لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۙ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُم بِغَيْرِ عِلْمٍ ۗ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ "

** الراعي الذي يُهلك القطيع له مسؤولية إضافية.
إذن فالمسؤولية هنا من وجهَيْن لإذنابهم من وَجهَين: "الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْقَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُوا يُفْسِدُونَ".

بل إن دراز يحاول أن يناقش كل التساؤلات في مجال الطابع الشخصي للمسؤولية ...

 emo (16): إن الأمر لأوسع وأكثر امتدادا من أن يحمل المُضلّ ذنوبه ومعها ذنوب الذين أضلهم، فسواء كان العمل دعوة إيجابية أو سلبية فإن المسؤولية تتضاعف وتتمدّد عبر القرون والأجيال. قال صلى الله عليه وسلم : "من سنَّ في الإسلامِ سُنَّةً حسنةً ، فله أجرُها ، وأجرُ مَن عمل بها بعدَه . من غير أن ينقص من أجورِهم شيءٌ . ومن سنَّ في الإسلامِ سُنَّةً سيئةً ، كان عليه وزرُها ووزرُ مَن عمل بها من بعده . من غير أن يَنقصَ من أوزارهم شيءٌ " -صحيح مسلم-   كما قال صلى الله عليه وسلم : "ليس من نفسٍ تُقتلُ ظلمًا ، إلا كان على ابنِ آدمَ الأولُ كِفلٌ منها " -صحيح البخاري-  وذكر الرسول صلى الله عليه وسلم بعدها قول الله تعالى : "مِنْ أَجْلِ ذَٰلِكَ كَتَبْنَا عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا".

 emo (16): بل إن الأمر لأوسع، إذا عرفنا أننا نُسأل حتى عن غيرنا. إذ أن اللامبالاة بالآخر، وبعدم دعوته وتنبيهه ونصحه يُعدّ امتناعا ومشاركة سلبية في الجريمة . ولقد لُعِن قوم عبر الأجيال لأنهم لم يكونوا يأمرون بمعروف ولم يكنونوا ينهون عن منكر : "عِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَىٰ لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ۚ ذَٰلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُوا يَعْتَدُونَ" -المائدة:78-

 emo (16): بل وأكثر من ذلك، فحتى إن لم تظهر للعمل نتيجة إلا بعد موت صاحبه، فهو معدود :قال صلى الله عليه وسلم: "إذا مات الإنسانُ انقطعَ عملُه إلا من ثلاثةٍ : من صدقةٍ جاريةٍ ، وعلمٍ يُنتفعُ به ، وولدٍ صالحٍ يدعو لهُ" -صحيح النسائي-.

إذن بهذا يُردّ الاستثناء الأول إلى المبدأ العام الذي هو الطابع الشخصي للمسؤولية، فما حمل المضل لأوزار الذين أضلهم مع أوزاره إلا نتيجة مزدوجة لإذناب مزدوج . وكذلك فإن التابعين الذين أضلوهم ليسوا بمعفَيْن من المحاسبة، غير أنها درجات تتفاوت بين ضال وحسب، وضال ومضلّ ...

نتوقف الآن مع ثانيا :

"وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُم مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ ۚ "-الطور: من الآية 21-
قيل أن الأمر فيها فضل من الله تعالى يمنّ به على من يشاء، وإلا فإن القاعدة لا محالة :
**"فمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ(7)وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ(8)" -الزلزلة-
**"وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا ۖ وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا ۗ وَكَفَىٰ بِنَا حَاسِبِينَ" -الأنبياء:47-

 emo (16):وهنا قد يُقال كيف يُلحق الأدنى بالأعلى درجة؟ ماذا عن كرامة الأعلى درجة وهو يُساوى بمن لم يعمل عمله ؟ هنا الجواب هو أن الجنة بخلاف الدنيا، ليست فيها النفس التي تحقد .

 emo (16): من المشروع هنا التساؤل عن إكرام يكون بالمُحاباة ... هنا دراز يفسر الآية بمعنى آخر مُتاح جدا لُغويا، ذلك أنّ إلحاق الذرية بهم هنا إنما هو بمعنى "الضم" "الجمع" مما لا يُحتّم مساواة، مستشهدا بقوله تعالى : "وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَٰئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ ۚ وَحَسُنَ أُولَٰئِكَ رَفِيقًا" -النساء:69- وهي فقط معية واجتماع مع تفاوت في الجزاء، كأعضاء جمعية واحدة ولكل منهم مسؤولية ودرجة وميزة .  وبهذا نصل حتى مع هذه النقطة الثانية إلى أنه لا تضارب مع مبدأ الطابع الشخصي المحض للمسؤولية في القرآن .

 emo (16): تبقى نقطة الشفاعة ...

نستخلص من نصوص القرآن في الشفاعة الشروط التالية:

1- الشفيع ليس هو من يطلب التدخل والتوسط، بل الله هو الذي يأذن لمن يشاء .
2- لا يتدخل إلا من يرتضي سبحانه قبوله.
3- لا يتوسط الشفيع عند الحاكم على أساس جاه عنده، بل يتوسل له بفضائل المشفوع له.

بل إن الشفيع لينسحب في حالات يجهل فيها ما كان من المشفوع له، وقد ثبت ذلك في حديث صحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه سيشفع في أصحاب له حتى يُقال له : "لا تدري ما أحدثوا بعدك" فيتوقف، ويقول : "سحقا سجقا بعدا بعدا ".
و "لا تدري ما أحدثوا بعدك"  تؤكد أنه بناء على فضائل المشفوع له تصح الشفاعة .

تبقى نقطة ... أن الله تعالى يفرّق في القرآن الكريم بين عطاء منه وعطاء، بين فضل منه وفضل، فضل عام وفضل محدود .
**فأما العام فهو لكل من خلق خيّرهم وشريرهم : "رحمتي وسعتْ كل شيء "-----> تندرج تحت "نظام الوجود"---->  فجاء الفعل في صيغة الماضي تأكيدا على وقوعه للكل .

** وأما المحدود فهو الذي خُصّصت به أمة دون أخرى : "فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ" -----> تندرج تحت "نظام القيم" -----> فجاء الفعل في المستقبل.

والحكمة الإلهية في قوله تعالى : "إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ" -الحجرات : من الآية13-

نواصل مع شرط جديد من شروط المسؤولية فيما يلي بإذن الله  emo (30):







العنوان: رد: عن كتاب "دستور الأخلاق في القرآن" -محمد عبد الله دراز-
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2018-02-21, 13:56:05
ب-) الأساس القانوني للمسؤولية :

**لا يُحاسًب الإنسان حتى يُعلَم بالأحكام، وعلمه بها يكون من طريقين، داخلي وخارجي، أما الطريق الداخلي فهو الفطرة التي تدرك القانون الأخلاقي بصفة عامة، شاملة غير محددة أو مفصلة، باستشارة العقل واستبطان القلب واتباع الغرائز الخيّرة. وأما الخارجي فمن الوحي.

 emo (16):فهل يكفي هذا لإقرار مسؤوليتنا عند الله ؟؟


المعتزلة يقرّون ذلك، والماتريدية يقرّونه جزئيا ، وأكثر مدارس السنّة ينكرونه بناء على حرفيّة قوله تعالى : "وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّىٰ يُبَيِّنَ لَهُم مَّا يَتَّقُونَ ۚ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ" -التوبة:115-
"وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّىٰ نَبْعَثَ رَسُولًا" -الإسراء: من الآية 15-    "وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَىٰ حَتَّىٰ يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا ۚ"-القصص:59-

 emo (16):هنا يأتي السؤال: لماذا جعل الله الرسل وسائط ؟ 
لماذا لم يترك الإنسان لنوره الفطري ؟


ويجيب الله تعالى على هذا بقوله : "رُسُلًا مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ ۚ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا" -النساء:165-

 emo (16):ويكون السؤال هل يكفي أن يكون القانون موجودا لتثبت مسؤولية حتى الجاهل ؟؟

وهنا يكون ذا مسؤولية من علم بالأمر، وليس من غفل عنه . يقول صلى الله عليه وسلم : "رُفِع القلمُ عن ثلاثةٍ : عن النَّائمِ حتَّى يستيقظَ ، وعن الصَّبيِّ حتَّى يشِبَّ وعن المعتوهِ حتَّى يعقِلَ" -المحدث : البخاري-

وكذلك لا يكفي وجود القانون، بل يجب تبليغه بالتربية، بالدعوة بالبحث الفردي ... : "أُوحِيَ إِلَيَّ هَٰذَا الْقُرْآنُ لِأُنذِرَكُم بِهِ وَمَن بَلَغَ" -الأنعام: من الآية 19-

 emo (16):وعند النسيان أين المسؤولية في عدالة مطلقة قائمة على علم بالواقع ؟

هنا عندما أُلهِم الصحابة الدعاء : "ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا" أضاف الرسول صلى الله عليه وسلم : "قال الله : قد فعلت".

ونكمل لاحقا بإذن الله  emo (30):

العنوان: رد: عن كتاب "دستور الأخلاق في القرآن" -محمد عبد الله دراز-
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2018-02-22, 08:14:52
والآن مع الشرط الثالث من شروط المسؤولية بعدما تعرفنا على "الطابع الشخصي المحض" ثم على "ضرورة المعرفة بالأساس القانوني" وهو :

ج-) العنصر الجوهري في العمل :


**ما عرفناه في الأساس القانوني كانت له علاقة بالمعرفة ، أما هذا الشرط فله علاقة بالإرادة، بحيث أن العمل اللاإرادي يُستبعد تماما من مجال المسؤولية، إذ أن انحراف الإرادة ببراءة عن القانون لا يقع تحت طائلة القانون .

** العمل الإرادي الذي تنعقد عليه النية وحده هو الذي يستتبع مسؤوليتنا . بمعنى أنه يجب أن يكون متصوَّرا من طرف صاحبه بنفس الطريقة التي تصوّره بها المشرّع.

** لا وجود لمعنى طاعة أو معصية إلا إذا حدث توافق بين العمل محرّما كان أو واجبا وبين ذاته باعتباره حدث فعلا .

دراز هنا يحلل ويفصّل عن الخطأ وعن النية التي ترافق العمل، وهذا ما يعنيه بـ : "العنصري الجوهري للعمل" ... والخطأ على أنواع . يذكر منها مثلا الخطأ الذي يكون له علاقة بالقانون الأخلاقي ذاته لا بالعمل، بمعنى أن يعمل الإنسان عملا وهو يميل إلى وجهة نظره لا إلى حقيقة حكم العمل، ولكنه بالمقابل لا يرى في ما يفعل خروجا عن القانون، بل يرى نفسه موافقا له، بل هو مقتنع بموافقته له، ويستشهد دراز هنا بحديث الصحابي الذي قتل الذي قال لا إله إلا الله، وأجاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه إنما قتله لأنه قالها خوفا لا حقيقة، وهنا يرد عليه صلى الله عليه وسلم غاضبا : "هل شققت عن صدره ؟! "

وهذا ما يُسمى "العَمد بشبهة" أو "التأويل بشبهة" ... بحيث يتتبعون تأويله فإن كان تأويلا قريبا لم يدينوه، وإن كان بعيدا أدانوه ...

وهذا يعلّق عليه دراز بأنه التجريد الذي يُبعد دور الأصالة الفردية عن الحكم على العمل، ويبعد حقيقة ما عليه الشخص بالتركيز على علاقة الخطأ بالقانون . وهنا القرآن يقول : "رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ ۚ إِن تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا" -الإسراء: 25-

أضع فيما يلي كلاما دقيقا لدراز حول جوهر العمل :

(http://www.ayamnal7lwa.net/forum/index.php?action=dlattach;topic=6871.0;attach=12422;image)
يذكر دراز في هذا المضمار نظرية لكانْت يُرى ظاهريا أنها تشبه القول بجوهر العمل : (إن الشيء الوحيد في العالم الذي هو خير في ذاته هو الإرادة الطيبة)

ثم ينتقدها لا من باب أنها تسحب حالة خاصة على الضمير الإنساني برمّته وحسب، بل من باب أن القول بها يعني أن أي عمل مهما بدا غريبا وسيئا ومستهجنا فلا حرج فيه ما دامت الإرادة التي سبقته طيبة ... كما أنها تلغي التفاوت في القيمة الأخلاقية، بحيث أن هذا يساوي بين الجاهل ذي النية الحسنة وبين أكثر الناس حكمة، لا فرق بينهما... ! وهذا ما يذكرنا بمنطلقات كانْت التجريدية حتى النخاع، وهو يرى للواجب وحدة لا تتنوع، لا ترى للمحسوس والواقع والتفاوت والاختلاف والاستثناء .

يقول دراز بموافقة كانْت في أن أسوء الأعمال لا يستتبع مسؤولية إذا كان عن عدم تعمد لمخالفة القانون، ولكن شتان بين هذا وبين القول بتجريد كانْت وتعميمه أن أكثر الأعمال ضلالا مع النية الحسنة تصبح له قيمة أخلاقية ويصبح قدوة للسلوك الأخلاقي . وفي توضيح أكبر وأدق يقول دراز :

(إن النيّة شرط ضروري للأخلاقية، وهي على ذلك شرط للمسؤولية، ولكنها ليست بأي حال شرطا لهذه أو تلك .)

والإسلام يجعلها شرطا للعمل، ولا يجعلها ممتصا لقيمة العمل كله .



العنوان: رد: عن كتاب "دستور الأخلاق في القرآن" -محمد عبد الله دراز-
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2018-02-24, 09:11:05
ومع هذا الكتاب دائما ... الدسم حقا حقا ...  emo (30):  أجد نفسي معه في تحدّ دائم، أن أفهم ما يُراد على حقيقته ... حديثه فلسفيّ عميق يستدعي جلسات قهوة وشاي وكل منبّه ...  ::)smile:

عميق عميق ... قد تكون عارفا بالمعنى الذي يُريد، ولكنه لا يكتفي بكينونته، بل يأخذك إلى منشئه  emo (30):

نواصل معه .... وقد بلغتُ حتى الساعة الشرط الرابع من شروط المسؤولية، وكنا قد عرفنا ثلاثة : الطابع الشخصي، الأساس القانوني، جوهر العمل .

د- الحريـــــــــــــــــــــة :

المسؤولية لا تكفيها المعرفة والإرادة والبصيرة بأمرها إن لم تكن الإرادة الحرة هي المتدخل .

**تلاطمت أمواج الفلاسفة حول الحرية، فمِن قائل أن الإنسان منه صنفان خيّر وشرير بالولادة، فالخيّر يولد بالإنسانية، والشرير يولد بالأنانية ...
فقال "كانْت" كعادته بالتجريد، فرأى الحرية والمسؤولية في عالم مجهول لا في عالم الواقع، بينما قالها "هُومْ " صراحة أن الحرية ما هي إلا وهم.

** الإرادة لها دوافعها في الحقيقة، فهي غير مستقلة عن كياننا . إذ أنّ لكل عمل شعوري إرادي علّة .

** فرق بين حرية التقرير وحرية التنفيذ . والذي نريده هو حرية التقرير.

** جمهور السنة والمعتزلة على أننا لا يمكن أن نختار أمرا بين نقيضَين اختيارا نهائيا إلا إذا كانت له علة خاصة تقتضيه اقتضاء تاما يجعل من المستحيل اختيار النقيض، وإلا ظل المُختار في حالة الإمكان دون أن يبلغ درجة الفعل.

** المعتزلة يرون أن الاختيار لا يخضع لأي علة، بل يخضع فقط لذاته دون أي أمر من خارجه، وهذا ما لا يُستساغ في القانون الإسلامي، ففي الأخلاق الإرادة مانعة، بمعنى أنها إيجابية وسلبية في آن، أن أرغب في هذا تعني ألا أرغب في ذاك، وبالتالي هناك باعث (واجب) (منفعة).

** الاختيار تناسب بين الإجراء والهدف، أي أن الإرادة هي السعي وراء الغاية، دافع يحرك النشاط نحو غاية.

** كثير من الفلاسفلة أيضا يرون أن الإرادة تنبثق من الطبع، والطبع مفروض مقدور، ولا مناص من الانصياع له ... وبالتالي فالتنبؤ بالإرادة ممكن ووارد جدا، بينما القرآن يقرر : "ومَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا ۖ" -لقمان : من الآية 34-

** هناك فكرة تؤدي إلى نتيجة، واتجاه يؤدي إلى رغبة، وعاطفة تؤدي إلى حالة للنفس مناسبة. وهذا كلّه حدث مركّب ليس الإرادة على التحديد، وأقرب الحالات إلى الإرادة هي "الرغبة" .

**  يقول دراز : (إن الإرادة ليس معناها أن نصوغ طلبا بل أن نصدر مرسوما، إنها لا تعني أن نمدّ يد سائل، بل أن نتقدم بخطوة فاتح، والإرادة ليست امتدادا لسلسلة في سلسلة مُعطاة، بل هي بدء سلسلة أخرى ينبغي أن تُعطى )

ونكمل حول حرية الإرادة لاحقا بإذن الله  emo (30):
العنوان: رد: عن كتاب "دستور الأخلاق في القرآن" -محمد عبد الله دراز-
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2018-02-25, 13:45:07
أواصل حول عنصر "الحرية" ضمن شروط المسؤولية حسب النظرية الأخلاقية القرآنية ...

وحتى وصلنا إلى مفهوم تدخل "الذات الكلية" لتكوين الإرادة، عرفنا التالي :

** هناك فكرة تؤدي إلى نتيجة، واتجاه يؤدي إلى رغبة، وعاطفة تؤدي إلى حالة للنفس مناسبة. وهذا كلّه حدث مركّب ليس الإرادة على التحديد، وأقرب الحالات إلى الإرادة هي "الرغبة" .

**  يقول دراز : (إن الإرادة ليس معناها أن نصوغ طلبا بل أن نصدر مرسوما، إنها لا تعني أن نمدّ يد سائل، بل أن نتقدم بخطوة فاتح، والإرادة ليست امتدادا لسلسلة في سلسلة مُعطاة، بل هي بدء سلسلة أخرى ينبغي أن تُعطى )

ولكي يبقى عمل الإرادة في واحد من الممكنات التي تعرض في عالم الممكن يجب تدخل الذات الكلية بنشاطها التركيبي لتصدر حكمها النهائي.

** الحرية حريتان :
1- حرية أولى: وهي القدرة على اختيار أحد النقيضَين .
2- حرية ثانية: هي حسن استعمال الحرية الأولى، الاستعمال الحسن لاختيار أحد النقيضين، وهي تكمن في التخلي النهائي عن الشر، وهي ليست حرية الخلاص بل الحرية التي تشترط مسؤولية. وبتحديد أكبر هي حرية اختيار الخير في ظروف تنزَع لصالح الشر، أو اختيار الشر في ظروف تنزَع للخير .

**  هنا يجب أن نعترف أن ليس لكل الناس القدرة ذاتها على فعل الخير أو الشر، بل القدرات متفاوتة، والإرادة لها ميل إلى الخير المحسوس العاجل على الروحي الآجل. ذلك أنها تجد صعوبة في متابعة أوامر العقل أكثر مما تجده في السير وراء الميول الفطرية والعادات الموروثة أو المكتسبة، بمعنى إيثارها الكسل على النشاط العقلي .

طيب لنا هنا وقفة مهمة مع ما أورده دراز، نظرية ليبنيز القائلة بــ : (أليس قانونا شاملا أنّ كل قوة تعمل حيث تجد مزيدا من اليسر وقليلا من المقاومة؟ فلماذا تريدون أن تجعلوا من القوة الأخلاقية استثناء من القاعدة ؟ )

هنا ....... عندما تقاوم الذات فهي تستدعي احتياطاتها القوية، كأن تستدعي الفكر، التعليل العقلي لتخفيف ثقل الغريزة أو العادة . فالقرار الأخلاقي يصدر بجهد مقاومة جديد.
والإرادة إزاء موروثاتنا ومكتسباتنا كمثل النائم الذي يوقظه منبّه، فهو بين ثلاثة احتمالات : (يجب أن أبقى مرتاحا) و (أتمنى الاستيقاظ ولكنني لا أستطيع أن أعزم) و (يجب أن أنهض) ...

وهذا ما يجسده حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم : "يَعقِدُ الشَّيطانُ عَلى قافيَةِ رأسِ أَحدِكُم إذا هوَ نام ثَلاثَ عُقدٍ، يَضرِبُ كلَّ عُقدةٍ مَكانَها: عليكَ ليلٌ طويلٌ فارقُدْ، فإنِ استَيقظَ فذَكَر اللهَ انحلَّت عُقدةٌ، فإن تَوضَّأ انحلَّت عُقدةٌ، فإن صلَّى انحلَّت عُقدُه كلُّها، فأَصبحَ نَشيطًا طيِّبَ النَّفسِ، وإلَّا أَصبحَ خَبيثَ النَّفسِ كَسلانَ."-صحيح البخاري-

فالإرادة في غمار عملها وأمام التحدي قادرة على المقاومة، كما نعرف من ذلك تضحيات الشهيد مثلا الذي يقدم أنفس ما يملك، يقدم نفسه.

وسنعرض في المداخلة المقبلة إلى موقف القرآن ...
العنوان: رد: عن كتاب "دستور الأخلاق في القرآن" -محمد عبد الله دراز-
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2018-02-26, 08:39:16
موقف القرآن من الإرادة وحريتها

يقرر القرآن في هذه القضية مجموعة من الأمور :

 emo (16): غيبية أفعالنا المستقبلة : " وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا" -لقمان: من الآية 3-
 emo (16): قدرة الإنسان على تحسين أو إفساد كيانه: "قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا(9)وقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا(10)" -الشمس-

 emo (16): عجز كل مثير عن ممارسة إكراه واقعي على قراراتنا، مهما بلغ المثير من حكمة أو من شطط : " وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلَّا أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي ۖ فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنفُسَكُم ۖ" -إبراهيم:22-
 emo (16): الإدانة القرآنية القاسية لما ينشأ عن الهوى : "وَلَٰكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ ۚ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث ۚ"-الأعراف:179-   "إِنَّهُمْ أَلْفَوْا آبَاءَهُمْ ضَالِّينَ(69)هُمْ عَلَىٰ آثَارِهِمْ يُهْرَعُونَ(70)"-الصافات-

ولكن رغم هذا التشدد في حكم المسؤولية، يحدث التجاوز والعفو في حال وجود إكراه مادي داخليا كان أو خارجيا من مثل :
* كفر مؤمن مضطر : "من كَفَرَ بِاللَّهِ مِن بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ"-النحل:106-
* أكل الحرام لضرورة : "فمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِّإِثْمٍ ۙ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ"-المائدة: من الآية3-
* الإكراه على الفاحشة: "وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِّتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۚ وَمَن يُكْرِههُّنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِن بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَّحِيمٌ" -النور: من الآية33-

أما القتل والسرقة وهتك العرض فهي جرائم لا تقبل العفو .

والسؤال:  كيف يجبّ الإكراه الماديّ الفواحش كالزنا والكفر، بينما لا يجبّ الإكراه النفسانيّ الأفعال الأخرى ؟

يجيب دراز بما معناه أنّ الإكراه المادي خارج منه أي دور وأدنى مشاركة من الذات، بينما العاطفة والعادة تشدان إليهما الإرادة دون مناقشة، والخلاصة أنّ الحياة تحت الإكراه المادي تُعرّض للخطر، ومن ثمّ كان حفظ الحياة مطلبا غرائزيا، ومطلبا شرعيا في آن، وإذن فإن الذي يخلّ بواجب خضوعا لضرورة حيوية، يؤدي واجبا آخر أهميته تكمن في أنه شرط لجميع الواجبات.

وبالمقابل، فإنّ الذي يأكل الحرام اضطرارا، فيُعفى عنه ليس امتدادا مثلا إلى أن يقتل إنسانا ليقتات منه، أو مثلا الإنسان الذي يُجبَر عى أن يقتل وإلا قٌتل كذلك ... هذه لا تدخل تحت أي طائلة للعفو.

نلاحظ مما سبق أن الإرادة في الإسلام، في القرآن حرّة مستقلة ... وهذا ما يجرنا إلى سؤال بالغ الأهمية، إلى جدل قديم حديث ... ماذا عن دور القضاء الإلهي ؟

*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*

هنا سنبدأ مع دراز ببعض التعريفات المهمة التي خاضت فيها فِرق إسلامية مختلفة ...

1- القدريّة :   في خلاصة القدرية يقولون بإلغاء كل إرادة للإنسان، وهي في حقيقتها العلم المسبق من الله تعالى الذي خلق القِوى ويعلم كيف ستعمل، بما فيها الإرادة، فهل يتدخل الله في القِوى عندما توضع في إطلار حركتها ؟

أ-) كانت البدايات مع قصة "معبد" الذي جاء في عهد عبد الملك بن مروان بالنظرية المتطرفة حول الحرية الإنسانية، فأُعدِم .
ب-) ظهور المعتزلة في القرن الثاني للهجرة، وهم كانوا ضد القدرية، هم يقرون أن الله تعالى يعلم كيف سيستخدم الإنسان ملكاته وقدراته التي أودعها فيه، ولكنه يتركه يفعل تحت مسؤوليته، وقد اعترض عليهم القدرية بقيادة جهم بن صفوان، إذ هم يرون أن الإرادي لا يختلف عن اللاإرادي إلا ظاهريا وإلا فالإنسان بقولهم عاجز عن أن ينشئ أقل حركة، فهو ريشة تصرّفها الريح.

وكل من المعتزلة والقدريّة متشددون في الإسلام .

**والقول في هذا أنّ الله تعالى هو العدل الذي لا يظلم : "إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ ۖ " -النساء: من الآية40-
فهو سبحانه الذي أقرّ شريعة ملزِمة بمسؤولية وجزاء بعدها، لم يكن من عدله أن يترك الإنسان دون أدوات تمكّنه من أداء أعماله . ولكن هناك من قال بالاستثناء في فعل الإنسان، مما يقابله إما إلغاء الإرادة الإنسانية بالكلية أو التحديد مجال الإرادة الإلهية. وهنا المشكلة .
** مدارس السنّة قالوا أنّ الالإرادتَين الإلهية والإنسانية تعملان في الوقت نفسه وتشتركان في إنتاج أفعالنا، ففعل الله فعل خالق، بينما الإنسان يتفتح للفعل الإلهي .

والسؤال هنا : من يتدخل في حركاتنا الإرادية نحن دون تدخل من الله تعالى، أم الله تعالى دون تدخل منا ؟

هناك من قال أنه الله تعالى مع تدخل إرادتنا ... وهنا ينشأ سؤال آخر : من يدبّر إرادتنا أصلا ؟ وقد انقسموا في ذلك إلى قسمَين طائفة بقيادة أبي الحسن الأشعري وأخرى بقيادة أبي منصور الماتريدي ...

وأتوقف هنا.... لأكمل لاحقا بإذن الله ...وإني مع موضوع مما أحب فعلا ...  emo (30): موضوع الإرادة وحريتها، والإرادة الإلهية والإرادة الإنسانية وكيفية عملهما ...

العنوان: رد: عن كتاب "دستور الأخلاق في القرآن" -محمد عبد الله دراز-
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2018-03-01, 13:59:57
إذن نحن الآن مع الكتاب، وتحت فصل "المسؤولية"، وتحديدا تحت شرط "الحرية" التي هي من شروط المسؤولية في الإسلام ... نحن الآن مع الإرادة ونقاشاتها الرّحبة جدا  emo (30):

الإرادة الإلهية والإرادة الإنسانية، وهل أفعال إرادتنا من محض تدخلنا دون أي تدخل للإرادة الإلهية، أم أنها من محض الإرادة الإلهية دون أدنى تدخل للإرادة الإنسانية ؟ فكان الجواب أنها من الله تعالى مع تدخل إرادتنا، الإرادتان تعملان معا في الوقت ذاته، وجاء السؤال : من يدبر إرادتنا أصلا ؟

فانقسم المجيبون إلى قسمَين، قسم بقيادة أبي حسن الأشعري يقول بسبق القضاء، وقسم بقيادة الماتريدي يخاصم الأشعري ..

فلنرَ ...

بينما يشير القرآن إلى القدرة الإنسانية الذاتية على التحول من خير إلى شر، أو من شر إلى خير، نجد فيه بالمقابل إلى ما يشير إلى أن الإرادة الإنسانية ليست إلا أداة في يد الله تعالى، هي لِجام يقودنا به الله كما يشاء : "كذَٰلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّهِم مَّرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ" -الأنعام : من الآية108-
"فمَن يُرِدِ اللَّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ ۖ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ ۚ" -الأنعام:125-
"وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا"-الإنسان:30-    " وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ"-الأنفال:21-

فماذا يكون كحاصل؟؟ أو كيف يكون الفهم السويّ وِفق هذا ... وفق آيات تبين استقلالية الإرادة الإنسانية، وآيات تبين طلاقة قياد الإرادة الإلهية  لها ... إنه التركيب

مع ما ذكر الله تعالى، فهو سبحانه يقول أيضا : " إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ" -الرعد:11-
أن الله يحكم إرادتنا لا يعني ذلك إبراء ساحتنا ... الله سبحانه لا يفعل ذلك ابتداء مطلقا بل كنوع من الإجراء المقابل، أي ردا على ما يكون من جانبنا . وبالتالي فممارساتنا نعم محكومة بقوة فوق الطبيعة ولكنّ سوابقها تصدر عن إرادتنا .

نحن الذين نبدأ إن إلى خير أو إلى شر :

** "وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَٰنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ" -الزخرف:36-
**  "كلَّا ۖ بَلْ ۜ رَانَ عَلَىٰ قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ" -المطففين:14-
** " وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَٰكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِوَاتَّبَعَ هَوَاهُ ۚ"-الأعراف : من الآية 176-

لنتأمل : وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا --------> وَلَٰكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ.

الطرف الأول إرادة الله تعالى والتي تكون تبعا لما يكون من إرادة الإنسان... إجراء مقابل

إذن فحسب القرآن :

1- استقلال كامل لإرادتنا مقابل ظواهر الطبيعة .

2- أما في النظام المعقول فهناك تبعية للإرادة الإلهية من حيث :

**  فاعلية الإرادة للوصول إلى الغاية، يبدأ الإنسان، والله تعالى هو الموفّق، من مثل الزوج الذي يضع نطفته في زوجته، من ذا يتمّها إنسانا ؟ "أَفَرَأَيْتُم مَّا تُمْنُونَ(58)أَأَنتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ(59)" -الواقعة-

أكمل لاحقا بإذن الله .

العنوان: رد: عن كتاب "دستور الأخلاق في القرآن" -محمد عبد الله دراز-
أرسل بواسطة: جواد في 2018-03-02, 06:18:45
موضوع الإرادة قوي للغاية، وهو من المواضيع التي يحدث حولها جدال كثير.
و هناك ثلاثة أمور أساسية:

1- أن الله عدل لا يظلم أحدا.
2- أن الله سبحانه وتعالى يعلم الغيب.
3- أن الإنسان لا يستطيع أن يوجد الفاعلية بنفسه.

إذا وضعنا هذه الأمور سويا، سنجد أن الإرادة أشبه بالطاقة للمحرك، فالمحرك لا يستطيع أن يعمل بدون الطاقة ولا يستطيع أن يولد هذه الطاقة من تلقاء نفسه، وتأتيه هذه الطاقة من الله سبحانه وتعالى، فإذا ما حصل عليها يكون للإنسان الخيار في استخدامها للخير أو الشر.

الفرضيات بعد ذلك ستدور في فلك النقاط الثلاثة الرئيسية، وأحسب أن ذلك هو تفسير آخر للقول:

** مدارس السنّة قالوا أنّ الالإرادتَين الإلهية والإنسانية تعملان في الوقت نفسه وتشتركان في إنتاج أفعالنا، ففعل الله فعل خالق، بينما الإنسان يتفتح للفعل الإلهي .
العنوان: رد: عن كتاب "دستور الأخلاق في القرآن" -محمد عبد الله دراز-
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2018-03-02, 20:05:43
أهلا بمتابعتك أخي جواد على هذا الموضوع الذي جعلته لفهم الكتاب خطوة بخطوة وهو من الدسامة بمكان..  emo (30):

نعم مثال الطاقة والمحرك جيد جدا .. وفي الحقيقة مازال دراز يتشعب في موضوع الإرادة الدقيق.. وسأضع قريبا بإذن الله طرحه لحيثيات وتساؤلات حولها...

العنوان: رد: عن كتاب "دستور الأخلاق في القرآن" -محمد عبد الله دراز-
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2018-03-03, 09:20:21
إذن فحسب القرآن :

1- استقلال كامل لإرادتنا مقابل ظواهر الطبيعة .

2- أما في النظام المعقول فهناك تبعية للإرادة الإلهية من حيث :

أ-) في إطار فاعلية الإرادة :

**  فاعلية الإرادة للوصول إلى الغاية، يبدأ الإنسان، والله تعالى هو الموفّق، من مثل الزوج الذي يضع نطفته في زوجته، من ذا يتمّها إنسانا ؟ "أَفَرَأَيْتُم مَّا تُمْنُونَ(58)أَأَنتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ(59)" -الواقعة-

** يزرع الإنسان، ولكنه ليس هو الذي يجعل للنبات صفته ونوعه وقوامه وشكله وطعمه ولا نتيجته الأخيرة : أَفَرَأَيْتُم مَّا تَحْرُثُونَ (63)أأَنتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ(64) -الواقعة-

ب-) في حيّز القوة كملكة اختيار :
كملكة اختيار الإرادة الإنسانية تخضع للسلطان الفعل الخالق الأولي  .

وأنقل ها هنا قول دراز : (إن وحدة الكون تتطلب وحدة التدبير، وتبرهن عليها، ولن يأذن الله لمخلوقه أن ينقلب ضده، فكل ما يجري على عينه خاضع لرقابته. ولئن كان الشر الأخلاقي لا يتفق مع إرادته التشريعية، فما كان له أن يقف في وجه إرادته الخالقة، فيجب إذن على الأقل ألا يصادف عمل إرادتنا عائقا فوق الطبيعة، أي أنه يجب أن يحصل من السماءعلى نوع من الإجازة والرضا، وذلك هو ما تفيده الآية الكريمة : "وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا فَعَلُوهُ" –الأنعام: من الآية 137- والآية : "وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا"-الإنسان: 30- وهذا الكلام لا ينازع فيه أي إنسان يؤمن بوجود عناية إلهية)

لنتأمل :
"وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا فَعَلُوهُ"-----> لا يفعل إلا بإذن من الله وإرادة منه.
"وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا" -----> لا ينازع الله أحد في أمره ولا ينقلب مخلوقه ضده.

ج-) في حيّز القوة كملكة اختيارجهاز القرار(الاختيار) المودَع في الإنسان :

الله سبحانه أودعنا هذا الجهاز المكوّن من العقل، الحواس، النزعات، الجاذبية الحسيّة، القيم الروحية، الضمير

بعد هذا، هناك سؤال بالغ الأهمية يطرحه دراز :
في مجال الاختيار، ألا توجد مساعدة خاصة من الله لعباده الصالحين مكمّلة لاختيارهم الحسن  أم أن هناك مساواة ؟

أهل السنة يثبتون ذلك، بينما ينفيه المعتزلة والشيعة .  يقولون أنه لا يتفق مع العدالة الإلهية، إذ ذلك في وسع كل فرد تحت مسؤوليته، هناك حد أدنى من القدرة الإنسانية موزع على السواء ....

وبالمقابل ... نقول : هل يصبح القول بهذا ضد البداهة التي تفرض أن الخالق لم يعطِ لكل إنسان القدرة نفسها على فعل الخير ؟

الصفات الوراثية مثلا لها آثار مختلفة على أحكامنا وقراراتنا، وذلك ما يُفهم من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تجِدونَ النَّاسَ معادِنَ ، خيارُهم في الجاهليَّةِ خيارُهم في الإسلامِ إذا فقُهوا" -صحيح البخاري- وذا قوله صلى الله عليه وسلم لأشج عبد قيس : "إن فيكَ خصلتينِ يحبهُما اللهُ : الحلمُ والأناةُ" -صحيح مسلم-

ولكن القرآن عموما يصنف الناس إلى فئتين ضالين ومهتدين : "بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ"-الحجرات: من الآية 17-
"ومَن يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَن تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا ۚ" -المائدة: من الآية 41-

ولنرَ شيئا من هذه الخصوصية لعباد الله المؤمنين :

(http://www.ayamnal7lwa.net/forum/index.php?action=dlattach;topic=6871.0;attach=12472;image)

لذلك عرفت الأنفس الكبيرة أن كل تحسن وكل انتقال من حسن إلى أحسن ما هو إلا من فضل الله، فهي تلجأ إليه لتوفيقها، ولتثبيتها . فهي تثق بالله تعالى أكثر من ثقتها بقواها. وهذه أمثلة :

(http://www.ayamnal7lwa.net/forum/index.php?action=dlattach;topic=6871.0;attach=12474;image)
وعلى هذه الصورة حاولت تبيين حجج أهل السنة بخصوصية البعض في التوجيه إلى الخير :

(http://www.ayamnal7lwa.net/forum/index.php?action=dlattach;topic=6871.0;attach=12476;image)
العنوان: رد: عن كتاب "دستور الأخلاق في القرآن" -محمد عبد الله دراز-
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2018-03-10, 10:16:24
ودائما في مجال حرية اتخاذ القرار، وفي مجال الإرادة الإنسانية وعلاقتها بالإرادة الإلهية ...

يقول دراز ما ملخصه : (ليس بسبب أن الله قد أراد لنا أن نريد هذا أو ذاك أننا قد أردناه في واقع الأمر، لأننا لا نقصد مطلقا أثناء عملنا إلى أن يتخذنا الله سبحانه أداة لإنجاز إرادته المقدسة، ما دمنا لا ندري شيئا عن هذه الإرادة الإلهية .)

**ما فهمته من هذا، أن التساؤل حول حقيقة حرية إرادتنا من وهمها، وحول غرابة القرار المتخذ من قِبَلنا في الواقع، وهل هو مُملى علينا من قوة خفية وليس من جوهر إرادتنا الحرة ... كل هذه التساؤلات لا معنى لها، ونحن إذ نعمل ونفعل، ونختار، ونقرر، ويصدر منا الفعل الأخلاقي لا نعمل كل هذا ونحن نستبق أننا ننفذ إملاء، بل نعمله ونحن لا ندري عن الإملاء شيئا، وإن كان موجودا في حقيقته، أي إرادة الله تعالى ...

**أيضا في الجانب الأخلاقي، عند صدور قرار منا الأمر يعتمد على النية والقصد اللذان يحددان الطريقة التي نعمل بها العمل، وهذا ما يهمنا، ولا تهمنا المؤثرات التي تحكم عملنا .

**كما أعجبني قول دراز أننا السبب في العمل من حيث تكييف صفته، لا من حيث كوننا السبب المباشر له في ذاته جوهرا وصفة .

قال دراز : (وهكذا نفهم أن القرآن قد التزم أن يعلن مسؤوليتنا أمام الله، في نفس الآيات التي يبدو فيها أنه يلحق الإرادة الإنسانية بالإرادة الإلهية بصورة كاملة . قال تعالى: " وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَٰكِن يُضِلُّ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ ۚ وَلَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ" –النحل:93-)

وبهذا يبقى مبدأ المسؤولية سليما

-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+-+

الجانب الاجتماعي للمسؤولية :

الإسلام اهتم بالوجه الاجتماعي للمسؤولية، فلم تكن شروط المسؤولية أمام الله تعالى من حرية وإرادة وشخصية ووعي بالقانون نفسها أمام المجتمع، بل هي مدنية وجزائيّة، والجزائية منها محددة للبالغين الأسوياء بقصد ونيّة

يقارن دراز كعادته مع القوانين الغربية التي سادت، فنعرف معه العجب العُجاب !! وذلك بعرضه لبعض محتوى دراسة اجتماعية عن المسؤولية لبول فوكونيه Paul Fauconnet عبر الحِقب في كثير من الدول التي كانت مجال دراسته،  أوروبية وغيرها، وكان من بينها بلاد فارس و الجزيرة العربية، إلا أن ثمة حلقة مفقودة لا تعرضها دراسته، وذلك ما يعرضه دراز، ويستغربه ويستهجنه أيّما استهجان ... سنعرف ...  emo (30):

** كانت أوروبا إلى عصور قريبة من عصرنا تعدّ الأطفال والمعتوهين والحيوانات والأشياء مسؤولة عقابيا.

** في التوراة أنّ الثور القاتل يُرجم ولا يؤكل لحمه.
** يقول أفلاطون: "لو أن حيوانا يقتل إنسانا فإنه يُقتل ويُرمى خارج الحدود ولو أن شيئا من الجماد يقتل إنسانا فإنه يُرمى أيضا خارج الحدود." !!!!

** وفي أول شريعة مكتوبة لدى الرومان، وهي ما يسمى بقانون الألواح الإثني عشر، عقوبة الطفل مخفّفة ولكنها ليست باطلة.

** في القرن الثامن عشر للميلاد أعدِم طفل في إنجلترا.
** في فرنسا تصدر العقوبة ضد المجنون، ويُحكم فيها بصفة عادية ثم يُنظَر فيها.

** من يُبتَر له عضو إثر جناية غير متعمدة يجري له القصاص إذا لم يقبل الدية.
** القاتل بالسهو في الصين يعاقَب بالجلد مئة مرة، وبالنفي وكذلك في التوراة يُحكم عليه بالنفي، ولصاحب الدم أن يقتص منه إذا غادر منفاه قبل الموعد المحدد له.

** في القانون الكنسي فُرضت كفارات على خطايا لا إرادية.
** في إنجلترا في القرن التاسع عشر لم يكن يفلت من العقاب القاتل غير المتعمد.

يتساءل دراز بعدها مستغربا سرّ اختيار أماكن بعينها، منها حتى فارس دون أدنى ذكر لجزيرة العرب وما كان فيها، والهند دون جزيرة العرب ...!وهي حِقب كلها كان القرآن قد نزل قبلها.. من القرن السابع للميلاد حتى يومنا ومن الصين إلى مراكش، ومر بمحاذاة مجتمعات إسلامية كثيرة دون أن يقف عندها !!.

وينتهي "فوكونيه" في دراسته إلى القول بأنه يكفي العمل المادي الخاطئ وحده في خلق مسؤولية المتهم الذي يتحملها، حتى لو كان ناشئا عن إهمال، أو كان ذا صبغة عرضية عن طريق الصدفة المحضة .

وهي نتائج استقراء غير كامل ... بينما مؤسس الإسلام منذ أربعة عشر قرنا قد جاء بإعفاء غير السوي وغير البالغ عن المسؤولية الجزائية، وذلك في قوله صلى الله عليه وسلم : "رُفِع القلمُ عن ثلاثةٍ : عن النَّائمِ حتَّى يستيقظَ ، وعن الصَّبيِّ حتَّى يشِبَّ وعن المعتوهِ حتَّى يعقِلَ" -أخرجه البخاري-
وقال أيضا صلى الله عليه وسلم : "العجماءُ جُرْحُها جُبارٌ ، والبئرُ جُبارٌ ، والمعدنُ جُبارٌ " -صحيح البخاري- وهو ما معناه أنّ ما تُحدِثُه البهيمةُ مِن تلَفٍ أو ضرَرٍ فهو هَدَرٌ لا ضمانَ فيه، وإذا وقَع إنسانٌ في بئرِ ماءٍ، أو منجَمِ ذهبٍ، فماتَ، فلا ضمانَ فيه.

وبالنظر إلى ما وصل إليه فوكونيه، فإن نتيجته تنهار أمام الشرع القرآني، إذ أنه يقرّ لغير المتعمد المسؤولية والجزاء، بينما يأمر القرآن بالدية والكفارة في حالة القتل الخطأ ليحمي القاتل الذي لا إرادة له من أي عقوبة بدنية .

ولاحقا بإذن الله نتعرف إلى أهم الفوارق بين المسؤولية الأخلاقية والمسؤولية العقابية رغم تشابههما الكبير .

العنوان: رد: عن كتاب "دستور الأخلاق في القرآن" -محمد عبد الله دراز-
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2018-03-15, 13:27:14
إذن فقد عرفنا أنه إلى جانب المسؤولية الأخلاقية توجد المسؤولية الاجتماعية بشقَّيْها الجزائي(العقابي) والمدني .

** في المسؤولية الاجتماعية العقابية القاضي حتى وإن كان رسولا فإنه لا يستطيع الولوج إلى حقيقة الضمير ومعرفة حقيقة النية. يقول صلى الله عليه وسلم : "إنما أنا بشرٌ ، وإنكم تختصمون إليَّ ، ولعلَّ بعضَكم أن يكون ألحنَ بحُجَّتِه من بعضٍ ، فأقضي له على نحوِ ما أسمعُ ، فمن قضيتُ له بحقِّ أخيه شيئًا فلا يأخذُه ، فإنما أقطعُ له قطعةً من النارِ" -صحيح البخاري-

** بالنسبة للأخلاق يكفي الندم، وتكفي التوبة، فهل يكفيان للخطأ المجتمعي ؟؟ للفرار من عقاب القانون ؟؟

** في القانون القرآني مثلا، حدّ الحِرابة يُستثنى منه التائبون : "إنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلَافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ۚ ذَٰلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا ۖ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ(33) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِن قَبْلِ أَن تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ ۖ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ(34)" -المائدة-

تظلّ فاعلية التوبة في الإطار الديني، أي فيما بين العبد وربه، دون أن تتجاوزها إلى الإطار الاجتماعي

** الزنا مثلا، رغم توبة صاحبه وعِظم تلك التوبة ومدى تقدير الإسلام لها، وتقدير رسول الله صلى الله عليه وسلم لها، إلا أن الحدّ أقيم على التائبين، ولم تعفِهم التوبة منه...

والنتيجة أن :

التوبة تنفع صاحبها، ولكنها لن تكون ذات فائدة ملموسة بالنسبة للمعتَدَى عليهم، فإقامة الحدّ من جهة تضمن على الأقل حقا للمعتَدى عليهم، وتضمن عدم إعادة المجرم لجريمته، كما تضمن الحد من انتشار عدوى الجريمة مستقبلا، فالعقوبة الاجتماعية حتى مع التوبة ذات ضرورة مزدوجة في الماضي وفي المستقبل، إذ تعطي حقا لمن ارتُكبت ضدهم، كما تحدّ من انتشار العدوى في المجتمع .

المسؤولية المدنية :

** المسؤولية الأخلاقية والمسؤولية الاجتماعية العقابية تشتركان في افتراضهما وجود النية المضادة للقانون، بينما المسؤولية المدنية يكفيها وجود الإرادة وحدها ...

نأخذ مثالا القتل الخطأ في الإسلام :

تحرير رقبة مؤمنة، وديّة تُسلم إلى أهل القتيل ... فأما تحرير الرقبة فهو عملية إدخال مؤمن في الحياة الأخلاقية مكان المقتول ... وأما الديّة فهي عملية مشاركة اجتماعية لإنقاذ مخطئ أصبح على كاهله ما يجعله في حالة بؤس يقتضي تعاون عُصبته الاجتماعية معه لانتشاله منه، ويتمثل ذلك في اشتراك الجماعة في دفع الدية ...

إذن : العمل الخاطئ غير المتعمّد طبيعته تضعه وسطا بين حالتين متطرّفتَيْن، بين العمل المتعمد والخطأ العرضي الذي يكون من محض الصدفة ...
بمعنى أن النية السيئة منعدمة في العمل الخاطئ غير المتعمد، مما يقتضي إعفاءه من العقوبة، ولكن من جهة أخرى يتميز عن حادث الصدفة حيث لا مجال غلا لمؤاخذة الطبيعة، فقد يكون مثلا عن إهمال، عن تسرع، عن عدم احتياط ... فيُفرض الإصلاح على جماعة يشترك معها ذلك الفرد المخطئ في العادة... ومن مثل هذا نعرف تخصيص الإسلام لباب من نفقات الدولة لفأداء الديون عن أصحابها، وذلك في باب الزكاة، حيث يقول سبحانه : "والغارمين ".
(http://www.ayamnal7lwa.net/forum/index.php?action=dlattach;topic=6871.0;attach=12401;image)
خاتمة فصل المسؤولية :

إذن فخلاصة، المسؤولية في القانون القرآني :

1- مسؤولية فردية بأتم معنى الكلمة، لا تستند إلى اشتراك من الموروث، ولا إلى جماعة ...

2- ترتبط ارتباطا وظيفيا بالشخصية: يطيقها الفرد البالغ العاقل الواعي بتكاليفها، يتمثلها أمام عينه لحظة العمل.

3- تؤدّى بإرادة وبحرية، بحيث أن الإرادة هنا حرة ولا تجبرها أي قوة من الطبيعة على الفعل. حتى عند الخضوع لإكراه خارجي فإن الفعل يكون بحرية وهو يوازن بين الأدلة والبواعث المتناقضة ثم يختار ما يراه أكثر تناسبا. أساء بع قراره أو أحسن.

4- تبقى نية فعل الشر الشرط الأساسي للعقاب .