المحرر موضوع: في ظلال القرآن :: 2016 ::  (زيارة 28767 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6545
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
رد: في ظلال القرآن :: 2016 ::
« رد #20 في: 2016-07-07, 16:40:17 »
لمن جعل رمضان مسابقة في عدد الختمات... أقول تمهّل.. !
تمهّل وألهمني سرّك ! ألكَ طاقة لقراءة المصحف كاملا، ثم بدئه من جديد، ثم إنهائه، ثم بدئه من جديد، وهكذا في دائرةٍ السبق فيها هو للراكض بين السور ...؟!

ترى ماذا جنيت ؟ أجنيت فهما، أم جنيتَ عيشا، أم جنيتَ حلاوة، أم تُراك جنيتَ العمل مع الركض بين الآيات والسور؟!
أعشتَ مع سورة الفاتحة ؟ أتساءلتَ عن وجودها بأول المصحف؟ أما خطر ببالك أن تكون الأولى وأنت تتصفح كتابك، وأولى السور نزولا تجدها بين أواخر السور ترتيبا ؟ أما تساءلتَ عن سرّ اسمها؟ أما تساءلتَ عن سرّ الدعاء فيها ؟

أما بحثتَ عن إجابة الدعاء في آخرها ؟ "اهدِنا الصراط المستقيم" ؟
أاكتفيتَ بقولك بعده "آمين" ؟
أحسبتَ قولة "آمين" بمجزئة وكافية ليأتيك الهُدى على طبق من خيال الزمان وأوهام المكان؟
وانطلقتَ بعدها تقلّب الصفحة، تُتبعها الصفحة، تُتبعها الصفحة، وأنت تلهث خلف الصفحات متى تُراها تتراكم ليبقى القليل الذي ستُلحقه قريبا بالمتراكمات...

وإذا سعادتك بالصفحات المتراكمات أكبر من فرحتك بملامسة القرآن لشغاف القلب ليسكن، ولأصول العقل ليتحرك...
أما عرفتَ أنّك على بُعد نظرة منك تقلبها من صفحة "الفاتحة" إلى صفحة "البقرة" المجاورة تقع على إجابة دعائك : "اهدنا الصراط المستقيم" ؟

أما علمتَ أن الأمر بك لن يطول لتجد الله هاديك، ومرشدك ودالّك إلى حيث الهدى، هنا من قريب، قريب ... قريب ... "ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين"

إنك أيها "الحامد" "العابد" "المستعين" "المستهدي الصراط المستقيم" تقف على الطريق...
تستهدي، وإنه "الرحمن الرحيم" سرعان ما يجيبك ....
وإنه لفي هذا الكتاب هُداك .... فهلمَّ واخطُ خطواتك على طريقٍ الكتاب فيه هاديك ....
هلمَّ ... تقدّم... اسأل، تساءل ... تأمّل ... تدبّر... وقف عند الآية تملَّ بجمالها، وبكمالها، وبرباطها بأخواتها ما سبق منها وما لحق...

كُنْ كسائح في جِنان الأرض، تتملّى بالحسن والجمال، و تُشبع ناظِرَيْك وأنت ما تكاد تشبع...
ارجع البصر، ثم ارجع البصر كرّتين ينقلب إليك البصر، وهو الذي غدا لا يريد انقلابا إليك...
كن كسائح غمر نفسَه شذى الرياحين، وأسر لُبَّهُ بياضُ النَّوَر...
كن كسائح يشتمّ العبير، ويقتبس من نفحات الأزاهير لروحه رَوحا وريحانا... ولعقله زادا وريّانا ...
امضِ قُدُما... سرْ نهارا، أو اسرِ ليلا ففي كلّ سياحة وتجوال، وعَيش في رحاب الكمال، وإنّ ناشئة الليل لأشد وطئا وأقوم قيلا ...

امضِ مع "البقرة"، واسأل، وابحثْ، وتفكّر، فإن فيها لحياةً كاملة بكل ما في الحياة من حركة، ومن دبيب، ومن أصوات، ومن دلالات...
فيها تعرف نفسك، تعرف أصلك، تعرف دورك، تعرف الغاية من وجودك...
تعرف مقدار ما كُرّمت، وأنّ العقل فيك معجزة وميزة وعنوان، وأنه مناط تكليفك...
لتمضي مع القرآن، وأنت تعقل...

تعقل آياته، تعقل كلماته، تعقل هداياته... تعقل حتى تصل بعقلك لربك، حتى تقدّر بعقلك ربّك حق قدره ...حتى تُدرك أنك المكرّم به...
مع "البقرة" ستطيل المكوث، سيعرّفك ربك بما سيعترضك على دربك أيها الخليفة المستخلَف، سيعرّفك أن الابتلاء سنّة فيك، وأنّ صبرك عليه باب للترقية الربانية، ولإعلاء درجاتك، صبر مع عمل كصبر التي سلّمت بالبقاء مع رضيعها في قلب الصحراء المقفرة، لا ماء ولا غذاء، ولم تقعد، بل سعت بين الصفا والمروة، وليت شيئا لاح في الأفق أن السعي ذو جدوى !!

ولكنها سعت ... حتى بُشِّرت ... "وبشر الصابرين"
يعدّك للابتلاء حتى لا يكون إيمانك على حرف، تسعد بالسراء إذا حلّت بساحتك، وتستنكر الضراء إذا ما بك ألمّت...
ستطيل المكوث مع "البقرة" ستتعرف إلى منزل المنهج : "وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم" ، وأنه الواحد الذي يأمر، والواحد الذي يشرّع...

ثم ستتعرف إلى المنهج ...
منهج للحياة... حيّ، مُحيٍ ... منهج للحياة بإيمان القلوب، منهج للحياة، فلا ينكر على الإنسان أن يحياها: "ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار"
منهج يحفظ النفس والعقل، والنفس فيه أكرم على الله من حرمة بيته، ومن حرمة الأشهر الحُرُم...أكرم على الله من حرمة المكان وحرمة الزمان ... وفتنة المؤمن عن دينه أكبر عند الله من حرمة شهره، بل أكبر هي من القتل...
منهج يعتني بالبذرة الأولى في نفسك، ثم بالخطوة الأولى منك ومن شريكك على درب الحياة، ثم بالخطوات الأخريات لأسرتك، لحياتها، لعلاقاتها، لوصالها، ولفراقها، ولحاجة كل طرف، ولحاجة القفز على "الأنا" مع أول إطلالة لثمرة اللقاء بينك وبين شريكك ... مع الولد ...

ستطيل مع "البقرة" المكوث، وأنت تخطو خطواتك الأولى... خطوة خطوة، ومع كل خطوة تتعلم، وتتهيأ لهذا الدرب الذي أنت عليه... "درب الحياة"... والقرآن فيه "مِشكاة"....
فامضِ ... امضِ ولا تستشقل مشيتك البطيئة، ولا تسارع لتقفز على المعاني، وعلى التربية الربانية الجليلة، وعلى التعقّل...
وعلى التعرّف إلى نفسك، ولدورك، ولعلاقتك بالكون وبالوجود، وبالحياة ...
كُن سائحا في ربوع الكمالات، وبين حنايا الهدايات، ولا تكن مُراكما للصفحات، عادّا للختمات، راكضا، لاهثا كأنما الحكمة في السبق وفي العدد ...!!
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6545
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
رد: في ظلال القرآن :: 2016 ::
« رد #21 في: 2016-07-07, 16:42:02 »
إن قضية الإحياء والحياة لمَدارٌ من أهم مدارات سورة البقرة ..
سورة البقرة هي سورة المنهج... المنهج الذي أنزله الله لعباده ليحيوا به...
منهج حيّ مُحْيٍ، منهج جاء للحياة...

 emo (13): فهذا فيها أول التشريعات سَوقا، تشريع القصاص "ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب لعلكم تتقون" والحفاظ على النفس أول مقاصد الشريعة.

 emo (13): وهذا ثاني التشريعات سَوقا تشريع الحفاظ على المال، "يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم إذا حضر أحدَكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف حقا على المتقين" وهو ثاني مقصد من مقاصد الشريعة.

 emo (13): وهذا تشريع الحفاظ على العقل بورود أول تحريم للخمر "يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما"

والتشريعات... ثلاثتها تؤكد مقاصد حفظ النفس والمال والعقل، وكلها أدوات للحياة...
للحياة بمنهج الله تعالى...
إنها سورة تبين أن الإنسان خُلق للحياة، لإعمار الدنيا، لتحقيق الاستخلاف فيها، الاستخلاف بتطبيق أمر الله في الأرض، بتطبيق منهجه المُحيي...
حياة القلوب بالإيمان، وحياة العقول بالحركة والعمل...

وإنّ من يزرع مفهوم مجافاة الدنيا بزعم الزهد فيها إلى الحد الذي تنصّل فيه المسلمون من مسؤولية الاستخلاف والإعمار لهو واحد من أهم الجُناة على روح الأمة، وعلى حركتها وعلى عقول أبنائها وهم قد غدوا يرون النظرة إلى الآخرة نظرة تُحيّد الدنيا من قاموس مفاهيمهم...
حتى تركوا الاختراعات لأهل الدنيا !!
وتركوا العلم لأهل الدنيا بزعمهم !!
وتركوا الخوض في مجالات الحياة لأهل الدنيا !!
أما المسلمون فهم أهل الآخرة وما لهم في الدنيا وحركتها من خَلاق !!
مفهومٌ نكص بالإنسان المسلم على عقبيه، فغدا يستروح بابتغاء الآخرة من حَرّ هجره لحركة العقل وعمل العقل عنده...

وأصبح يستأنس بالخرافة والكذبة ويستسهلها زيادة في الاسترواح والراحة... !!!
أجل فنحن أهل الآخرة..... !! فأميتوا العقل يا أهل الآخرة، فإنما هو نافلة الوجود ...!!
أما سورة البقرة فهي سورة المنهج الذي جُعل للحياة... وهي من هذا الرمي الذي رُمي به الإسلام وتشريعه براء براء...

فيها يدعو الله إلى ذكر الدنيا لا إلى نكرانها : " ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار"
سورة تبين أن حرمة النفس عند الله أشد من حرمة بيته، وأشهره الحُرُم ...
سورة تستحث العقل، وتحترم العقل، وتخاطب العقل...
سورة أتت أول ما أتت على قصة الاستخلاف، وأن العقل في الإنسان معجزة جعلت آدم يتعلم الأسماء كلها... بل وينبئ بها من لا يعلمون...
ولنأخذ عيّنة من عينات مخاطبة العقل في هذه السورة، وإن كانت بهذه العيّنات لعامرة ...
تلك القَصَص الثلاث المتواليات فيها ..

قصة إبراهيم عليه السلام مع النمرود، ثم قصة الذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها، ثم قصة سؤال إبراهيم عليه السلام ربّه أن يريه كيف يحيي الموتى..
جاءت ثلاثتها مشتركة في قضية الإحياء والإماتة والتي هي بيد الله تعالى لا بيد غيره، هي خصيصة الله سبحانه...
فهي لا تأتي نشازا عن سياق الآيات السابقات من السورة، بل تأتي تأكيدا لأهمية قضيّتي الإحياء والإماتة...
الإحياء اتساقا مع إحياء القلوب بنهج الله، وإحياء العقول باستحثاثها على العمل ..
فأما إبراهيم عليه السلام مع النمرود...
فإنه لما عرف فيه طغيانا جعله يتأله ويدّعي ما ليس له: "أنا أحيي وأميت"، لم يتمادَ إبراهيم عليه السلام معه في موضوع الإحياء والإماتة، لم يبرّر له، لم يشرح له اختلاف ما يعتقده إحياء من نفسه عن إحياء الله، ولا اختلاف ما يعتقده إماتة من نفسه عن إماتة الله، لم يسترسل معه في هذا الموضوع، بل لقد غيّر وجهته، لقد وجّهه إلى موضوع سواه... إلى قضية أهون من قضية الإحياء والإماتة ...
لقد عرف ما يفعل بمَن كان تفكيره بهذا التحجّر، علم أنّ الأخذ والرد معه حول الموضوع ذاته مضيعة للوقت بلا جدوى... فخاطبه بما ناسب تفكيره، أفحمه، سأله، طلب منه ...

إن كنت ترى أن قضية الإحياء والإماتة بيدك، فهاكَ ما هو دونها، فلتأتِه ... "إن الله يأتي بالشمس من المشرق، فائتِ بها من المغرب" يا من تدعي أنك تحيي وتميت، إن هذا لأهون عليك ... فائتِه !!
فبُهِت الذي كفر ........... !! لقد أفحِم ... أفحِم بسؤال أن يأتي ما دون ما ادّعى فعله وإتيانه ...
دروس في مخاطبة العُتاة ... دروس في إفحامهم بالحجة العقلية، بالذكاء المُفحِم، بطريق هو الأقصر للغاية المرجوة ...
وأما الذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها، فلنتأمل، فإذا الله تعالى يحترم العقل، يسدّ الثغرة على التساؤلات، وعلى التشكيكات...

يميته مائة عام، ثم يحييه، ثم يسأله عن ملبثه، ليكتشف الذي ظنّ أنما لبث يوما أو بعض يوم، أنه قد لبث مائة عام ...!
ولكن سيقفز سؤال من يسأل ... ! أنّى للرجل أن يستيقن أنه لبث مائة عام ؟؟ أنّى له ذلك وطعامه وشرابه لم يتسنّه ... أليس له أن يستريب في ذلك ؟
إن الله تعالى قد ترك فسحة للعقل السائل، للعقل الذي لا يرى الحقيقة حقيقة إلا بالدليل...
فكان دليله حماره ...!
أراه الله قبالة عينيه كيف ينشر عظام حماره عظما تلو عظم، ثم كيف يكسو العظام المجمّعة لحما، لقد زوّده بالدليل الذي عقِلَه ... الذي طمأنه، الذي أعطاه اليقين ...
إنه سبحانه يعلّمنا احترام العقل، وهوسبحانه يحترمه، ويزوّده بما يُشبعه وبما يجعله يوقن بالحقيقة، ويسلّم بها...

وأما في قصة إبراهيم الأخيرة وهو يسأل ربه أن يريه كيف يحيي الموتى ...
فقد لقي طلبه القبول من عند الله، ولم يلقَ الصدود، ولم نعرف طعنا من الله في إيمان إبراهيم عليه السلام، وهو يسأل ...
وهو سبحانه إذ سأله: "أو لم تؤمن" نعلم نحن علم اليقين أن الله يعلم ما بقلبه، يعلم إن كان مؤمنا أو غير مؤمن، ولكنه يسأله ليبلغنا نحن جواب إبراهيم عليه السلام :"بلى ولكن ليطمئن قلبي"... ولنتعلم أن السؤال الذي النية من ورائه الاطمئنان مُباح، وغير مُنتَهَر صاحبه .... بل الإجابة هي حلّه ...
وأجابه ربّه ... وأمره أن يأخذ أربعة من الطير، ثم يصرهنّ إليه، ثم أن يجعل على كل جبل منهنّ جزء ....
لقد تساءلتُ ... لماذا لم يجعل الله سبحانه بيده تلك الطيور على الجبال على عين إبراهيم ؟؟ لماذا لم يفرّقها سبحانه عليها بيده، لماذا ترك ذلك لإبراهيم ؟؟

إنه ليترك لعقل إبراهيم أن يعقل، وأن يذكر ما فعل بيده، وليشهد على فعله، وليطمئنّ عقله لفعل نفسه، وإنه سبحانه العظيم العزيز الذي لا يُغلَب ولا يُقهَر .... فلتفرّق يا إبراهيم أطراف الطيور كما شئت أن تفرّق، كما شئت أن تفعل، كما شئت أن تصعّب لتطمئن، فاجعل رأس هذا شرقا واجعل أطرافه غربا، وباعد بين أطراف الطير الواحد كما حلا لك أن تباعد ... ولتعقل، ولتذكر ما فعلتْ يداك، وليكن عقلك عليك شاهدا،.... فإنّك وإن فرّقتَ أكبر تفريق، فإن الله تارك لك، ليدك أن تفعل ... لأنه العزيز الذي لا يغلبه شيء....
ثم ليكن منك الدعاء، لا شيء غير الدعاء .... فإذا كل طير بين يديك ساعٍ ... كما سيعقل عقلك، وأنت الذي فرّقتَ وأنت الذي تعلم جيدا كيف باعدتَ، وإلى أي مدى قد باعدت بين الأطراف الت غدت ساعية بين يديك....

إنها تلك الفسحة التي يتركها الله للعقل ليعمل، ليتيقن... ليطمئن باليقين ... يقين يأتي من عمل العقل الحر...
نعم إنها عيّنة من عيّنات مخاطبة العقول، واحترام العقول، وتعليم العقول أن تعمل، وأن تسأل، وأن كيف يقع من عملها اليقين ....
يعجّ القرآن كلّه بهذه المخاطبات، وبهذا الاحترام الفريد للعقل، وبهذا اليقين الذي هو جَنى عمل العقول....
فأنّى لأهل القرآن أن يزعموا أنهم أهل الآخرة وحدها، وأن الدنيا وإعمارها وعلومها لأهل الدنيا، وإنما نحن أحياء على شفير الموت، بل موتى على شفير الموت....!!!

إن القرآن براء من زعم كل زاعم، ونعق كل ناعق بهذه الدعاوى الكاذبة ...
بل إنّ كل ما فيه صون للعقل، واستحثاث له على العمل، ودفع له ليُحيي الأرض قاطبة بنهج محفوف بتمام حاجة الإنسان الروحية والعقلية على السواء، وفي هذا قد بخس كل من أعطى فلم يحط بالحاجَتَيْن حينما نأى أهل عطاء الحاجتَيْن عن دورهم !
نهج لن يعرف الإنسان حاجته إلا فيه، ولن يستوفيها إلا منه ...
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6545
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
رد: في ظلال القرآن :: 2016 ::
« رد #22 في: 2017-04-09, 09:41:00 »
04/06/2016

اختُبِر المؤمنون بموت رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل موته...
كان ذلك يوم "أُحُد" حينما أشيع قتله...
وقد كانت لله حكمة عظيمة في ذلك، وإنه صلى الله عليه وسلم يوم مات، كان أبو بكر الصديق رضي الله عنه مثبّت الأمة، فكان اول من تذكر تلك الآية بالذات التي نزلت عقب "أُحُد"....فتلاها على المسلمين وأحب الناس إلى قلبه مسجّى...
تذكر ذلك الامتحان من الله للمؤمنين : " {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ ۚ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ ۚ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا ۗ وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ} [آل عمران : 144] -آل عمران-
أفتنقلبون على أعقابكم إذا مات ؟
والصديق رضي الله عنه نفسه هو الذي أقام حروب الردة على من انقلب بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم....
لقد فقه الامتحان بموته، وامتدّ فقهه وفهمه له فعلا على الأرض، فثبّت الأمة ساعة مات حقا، وثبتها وأنقذ الإسلام ساعة انقلبوا على أعقابهم بعد موته...
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6545
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
رد: في ظلال القرآن :: 2016 ::
« رد #23 في: 2017-04-09, 09:42:00 »
13/06/2016

لمن جعل رمضان مسابقة في عدد الختمات... أقول تمهّل.. !
تمهّل وألهمني سرّك !  ألكَ طاقة لقراءة المصحف كاملا، ثم بدئه من جديد، ثم إنهائه، ثم بدئه من جديد، وهكذا في دائرةٍ السبق فيها هو للراكض بين السور ...؟!
ترى ماذا جنيت ؟ أجنيت فهما، أم جنيتَ عيشا، أم جنيتَ حلاوة، أم تُراك جنيتَ العمل مع الركض بين الآيات والسور؟!

أعشتَ مع سورة الفاتحة ؟ أتساءلتَ عن وجودها بأول المصحف؟ أما خطر ببالك أن تكون الأولى وأنت تتصفح كتابك، وأولى السور نزولا تجدها بين أواخر السور ترتيبا ؟  أما تساءلتَ عن سرّ اسمها؟ أما تساءلتَ عن سرّ الدعاء فيها ؟

أما بحثتَ عن إجابة الدعاء في آخرها ؟ "اهدِنا الصراط المستقيم" ؟
أاكتفيتَ بقولك بعده "آمين" ؟
أحسبتَ قولة "آمين" بمجزئة وكافية ليأتيك الهُدى على طبق من خيال الزمان وأوهام المكان؟
وانطلقتَ بعدها تقلّب الصفحة، تُتبعها الصفحة، تُتبعها الصفحة، وأنت تلهث خلف الصفحات متى تُراها تتراكم ليبقى القليل الذي ستُلحقه قريبا بالمتراكمات...
وإذا سعادتك بالصفحات المتراكمات أكبر من فرحتك بملامسة القرآن لشغاف القلب ليسكن، ولأصول العقل ليتحرك...

أما عرفتَ أنّك على بُعد نظرة منك تقلبها من صفحة "الفاتحة" إلى صفحة "البقرة" المجاورة تقع على إجابة دعائك : "اهدنا الصراط المستقيم" ؟ 
أما علمتَ أن الأمر بك لن يطول لتجد الله هاديك، ومرشدك ودالّك إلى حيث الهدى، هنا من قريب، قريب ... قريب ... "ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين"

إنك أيها "الحامد" "العابد" "المستعين" "المستهدي الصراط المستقيم"  تقف على الطريق...
تستهدي، وإنه "الرحمن الرحيم" سرعان ما يجيبك ....
وإنه لفي هذا الكتاب هُداك .... فهلمَّ واخطُ خطواتك على طريقٍ الكتاب فيه هاديك ....

هلمَّ ... تقدّم... اسأل، تساءل ... تأمّل ... تدبّر... وقف عند الآية تملَّ بجمالها، وبكمالها، وبرباطها  بأخواتها ما سبق منها وما لحق...

كُنْ كسائح في جِنان الأرض، تتملّى بالحسن والجمال، و تُشبع ناظِرَيْك وأنت ما تكاد تشبع...
ارجع البصر، ثم ارجع البصر كرّتين ينقلب إليك البصر، وهو الذي غدا لا يريد انقلابا إليك...

كن كسائح غمر نفسَه شذى الرياحين، وأسر لُبَّهُ بياضُ النَّوَر...
كن كسائح يشتمّ العبير، ويقتبس من نفحات الأزاهير لروحه رَوحا وريحانا... ولعقله زادا وريّانا ...

امضِ قُدُما... سرْ نهارا، أو اسرِ ليلا ففي كلّ سياحة وتجوال، وعَيش في رحاب الكمال، وإنّ ناشئة الليل لأشد وطئا وأقوم قيلا ...

امضِ مع "البقرة"، واسأل، وابحثْ، وتفكّر، فإن فيها لحياةً كاملة بكل ما في الحياة من حركة، ومن دبيب، ومن أصوات، ومن دلالات...
 فيها تعرف نفسك، تعرف أصلك، تعرف دورك، تعرف الغاية من وجودك...
تعرف مقدار ما كُرّمت، وأنّ العقل فيك معجزة وميزة وعنوان، وأنه مناط تكليفك...

لتمضي مع القرآن، وأنت تعقل...
تعقل آياته، تعقل كلماته، تعقل هداياته... تعقل حتى تصل بعقلك لربك، حتى تقدّر بعقلك ربّك حق قدره ...حتى تُدرك أنك المكرّم به...

مع "البقرة" ستطيل المكوث، سيعرّفك ربك بما سيعترضك على دربك أيها الخليفة المستخلَف، سيعرّفك أن الابتلاء سنّة فيك، وأنّ صبرك عليه باب للترقية الربانية، ولإعلاء درجاتك، صبر مع عمل كصبر التي سلّمت بالبقاء مع رضيعها في قلب الصحراء المقفرة، لا ماء ولا غذاء، ولم تقعد، بل سعت بين الصفا والمروة، وليت شيئا لاح في الأفق أن السعي ذو جدوى !!

ولكنها سعت ... حتى بُشِّرت ... "وبشر الصابرين"

يعدّك للابتلاء حتى لا يكون إيمانك على حرف، تسعد بالسراء إذا حلّت بساحتك، وتستنكر الضراء إذا ما بك ألمّت...
ستطيل المكوث مع "البقرة" ستتعرف إلى منزل المنهج : "وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم" ، وأنه الواحد الذي يأمر، والواحد الذي يشرّع...
ثم ستتعرف إلى المنهج ...

منهج للحياة... حيّ، مُحيٍ ... منهج للحياة بإيمان القلوب،  منهج للحياة، فلا ينكر على الإنسان أن يحياها:  "ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار"

منهج يحفظ النفس والعقل، والنفس فيه أكرم على الله من حرمة بيته، ومن حرمة الأشهر الحُرُم...أكرم على الله من حرمة المكان وحرمة الزمان ... وفتنة المؤمن عن دينه أكبر عند الله من حرمة شهره، بل أكبر هي من القتل...
منهج يعتني بالبذرة الأولى في نفسك، ثم بالخطوة الأولى منك ومن شريكك على درب الحياة، ثم بالخطوات الأخريات لأسرتك، لحياتها، لعلاقاتها، لوصالها، ولفراقها، ولحاجة كل طرف، ولحاجة القفز على "الأنا" مع أول إطلالة لثمرة اللقاء بينك وبين شريكك ... مع الولد ...

ستطيل مع "البقرة" المكوث، وأنت تخطو خطواتك الأولى... خطوة خطوة، ومع كل خطوة تتعلم، وتتهيأ لهذا الدرب الذي أنت عليه... "درب الحياة"... والقرآن فيه "مِشكاة"....

فامضِ ... امضِ ولا تستشقل مشيتك البطيئة، ولا تسارع لتقفز على المعاني، وعلى التربية الربانية الجليلة، وعلى التعقّل...
وعلى التعرّف إلى نفسك، ولدورك، ولعلاقتك بالكون وبالوجود، وبالحياة ...
كُن سائحا في ربوع الكمالات، وبين حنايا الهدايات، ولا تكن مُراكما للصفحات، عادّا للختمات، راكضا، لاهثا كأنما الحكمة في السبق وفي العدد ...!!
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6545
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
رد: في ظلال القرآن :: 2016 ::
« رد #24 في: 2017-04-09, 09:43:26 »
2016/06/15

إن قضية الإحياء والحياة لمَدارٌ من أهم مدارات سورة البقرة ..

سورة البقرة هي سورة المنهج... المنهج الذي أنزله الله لعباده ليحيوا به...
منهج حيّ مُحْيٍ، منهج جاء للحياة...

** فهذا فيها أول التشريعات سَوقا، تشريع القصاص "ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب لعلكم تتقون" والحفاظ على النفس أول مقاصد الشريعة.

** وهذا ثاني التشريعات سَوقا تشريع الحفاظ على المال، "يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم إذا حضر أحدَكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف حقا على المتقين"  وهو ثاني مقصد من مقاصد الشريعة.

**وهذا تشريع الحفاظ على العقل بورود أول تحريم للخمر "يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما"

والتشريعات... ثلاثتها تؤكد مقاصد حفظ النفس والمال والعقل، وكلها أدوات للحياة...
للحياة بمنهج الله تعالى...

إنها سورة تبين أن الإنسان خُلق للحياة، لإعمار الدنيا، لتحقيق الاستخلاف فيها، الاستخلاف بتطبيق أمر الله في الأرض، بتطبيق منهجه المُحيي...

حياة القلوب بالإيمان، وحياة العقول بالحركة والعمل...

وإنّ من يزرع مفهوم مجافاة الدنيا بزعم الزهد فيها إلى الحد الذي تنصّل فيه المسلمون من مسؤولية الاستخلاف والإعمار لهو واحد من أهم الجُناة على روح الأمة، وعلى حركتها وعلى عقول أبنائها وهم قد غدوا يرون النظرة إلى الآخرة نظرة تُحيّد الدنيا من قاموس مفاهيمهم...

حتى تركوا الاختراعات لأهل الدنيا !!
وتركوا العلم لأهل الدنيا بزعمهم !!

وتركوا الخوض في مجالات الحياة لأهل الدنيا !!

أما المسلمون فهم أهل الآخرة وما لهم في الدنيا وحركتها من خَلاق !!

مفهومٌ نكص بالإنسان المسلم على عقبيه، فغدا يستروح بابتغاء الآخرة من حَرّ هجره لحركة العقل وعمل العقل عنده...
وأصبح يستأنس بالخرافة والكذبة ويستسهلها زيادة في الاسترواح والراحة... !!!

أجل فنحن أهل الآخرة..... !! فأميتوا العقل يا أهل الآخرة، فإنما هو نافلة الوجود ...!!

أما سورة البقرة فهي سورة المنهج الذي جُعل للحياة... وهي من هذا الرمي الذي رُمي به الإسلام وتشريعه براء براء...
فيها يدعو الله إلى ذكر الدنيا لا إلى نكرانها : " ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار"

سورة تبين أن حرمة النفس عند الله أشد من حرمة بيته، وأشهره الحُرُم ...
سورة تستحث العقل، وتحترم العقل، وتخاطب العقل...
سورة أتت أول ما أتت على قصة الاستخلاف، وأن العقل في الإنسان معجزة جعلت آدم يتعلم الأسماء كلها... بل وينبئ بها من لا يعلمون...

ولنأخذ عيّنة من عينات مخاطبة العقل في هذه السورة، وإن كانت بهذه العيّنات لعامرة ...

تلك القَصَص الثلاث المتواليات فيها ..
قصة إبراهيم عليه السلام مع النمرود، ثم قصة الذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها، ثم قصة سؤال إبراهيم عليه السلام ربّه أن يريه كيف يحيي الموتى..
جاءت ثلاثتها مشتركة في قضية الإحياء والإماتة والتي هي بيد الله تعالى لا بيد غيره، هي خصيصة الله سبحانه...
فهي لا تأتي نشازا عن سياق الآيات السابقات من السورة، بل تأتي تأكيدا لأهمية قضيّتي الإحياء والإماتة...
الإحياء اتساقا مع إحياء القلوب بنهج الله، وإحياء العقول باستحثاثها على العمل ..

فأما إبراهيم عليه السلام مع النمرود...
فإنه لما عرف فيه طغيانا جعله يتأله ويدّعي ما ليس له: "أنا أحيي وأميت"، لم يتمادَ إبراهيم عليه السلام معه في موضوع الإحياء والإماتة، لم يبرّر له، لم يشرح له اختلاف ما يعتقده إحياء من نفسه عن إحياء الله، ولا اختلاف ما يعتقده إماتة من نفسه عن إماتة الله، لم يسترسل معه في هذا الموضوع، بل لقد غيّر وجهته، لقد وجّهه إلى موضوع سواه... إلى قضية أهون من قضية الإحياء والإماتة ...

لقد عرف ما يفعل بمَن كان تفكيره بهذا التحجّر، علم أنّ الأخذ والرد معه حول الموضوع ذاته مضيعة للوقت بلا جدوى... فخاطبه بما ناسب تفكيره، أفحمه، سأله، طلب منه ...
إن كنت ترى أن قضية الإحياء والإماتة بيدك، فهاكَ ما هو دونها، فلتأتِه ... "إن الله يأتي بالشمس من المشرق، فائتِ بها من المغرب"  يا من تدعي أنك تحيي وتميت، إن هذا لأهون عليك ... فائتِه !!

فبُهِت الذي كفر ........... !! لقد أفحِم ... أفحِم بسؤال أن يأتي ما دون ما ادّعى فعله وإتيانه ...

دروس في مخاطبة العُتاة ... دروس في إفحامهم بالحجة العقلية، بالذكاء المُفحِم، بطريق هو الأقصر للغاية المرجوة ...

وأما الذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها، فلنتأمل، فإذا الله تعالى يحترم العقل، يسدّ الثغرة على التساؤلات، وعلى التشكيكات...

يميته مائة عام، ثم يحييه، ثم يسأله عن ملبثه، ليكتشف الذي ظنّ أنما لبث يوما أو بعض يوم، أنه قد لبث مائة عام ...!
ولكن سيقفز سؤال من يسأل ... !  أنّى للرجل أن يستيقن أنه لبث مائة عام ؟؟ أنّى له ذلك وطعامه وشرابه لم يتسنّه ... أليس له أن يستريب في ذلك ؟
إن الله تعالى قد ترك فسحة للعقل السائل، للعقل الذي لا يرى الحقيقة حقيقة إلا بالدليل...
فكان دليله حماره ...!
أراه الله قبالة عينيه كيف ينشر عظام حماره عظما تلو عظم، ثم كيف يكسو العظام المجمّعة لحما، لقد زوّده بالدليل الذي عقِلَه ... الذي طمأنه، الذي أعطاه اليقين ...
إنه سبحانه يعلّمنا احترام العقل، وهوسبحانه يحترمه، ويزوّده بما يُشبعه وبما يجعله يوقن بالحقيقة، ويسلّم بها...

وأما في قصة إبراهيم الأخيرة وهو يسأل ربه أن يريه كيف يحيي الموتى ...
فقد لقي طلبه القبول من عند الله، ولم يلقَ الصدود، ولم نعرف طعنا من الله في إيمان إبراهيم عليه السلام، وهو يسأل ...
وهو سبحانه إذ سأله: "أو لم تؤمن"  نعلم نحن علم اليقين أن الله يعلم ما بقلبه، يعلم إن كان مؤمنا أو غير مؤمن، ولكنه يسأله ليبلغنا نحن جواب إبراهيم عليه السلام :"بلى ولكن ليطمئن قلبي"... ولنتعلم أن السؤال الذي النية من ورائه الاطمئنان مُباح، وغير مُنتَهَر صاحبه .... بل الإجابة هي حلّه ...

وأجابه ربّه ... وأمره أن يأخذ أربعة من الطير، ثم يصرهنّ إليه، ثم أن يجعل على كل جبل منهنّ جزء ....
لقد تساءلتُ ... لماذا لم يجعل الله سبحانه بيده تلك الطيور على الجبال على عين إبراهيم ؟؟ لماذا لم يفرّقها سبحانه عليها بيده، لماذا ترك ذلك لإبراهيم ؟؟

إنه ليترك لعقل إبراهيم أن يعقل، وأن يذكر ما فعل بيده، وليشهد على فعله، وليطمئنّ عقله لفعل نفسه، وإنه سبحانه العظيم  العزيز الذي لا يُغلَب ولا يُقهَر .... فلتفرّق يا إبراهيم أطراف الطيور كما شئت أن تفرّق، كما شئت أن تفعل، كما شئت أن تصعّب لتطمئن، فاجعل رأس هذا شرقا واجعل أطرافه غربا، وباعد بين أطراف الطير الواحد كما حلا لك أن تباعد ... ولتعقل، ولتذكر ما فعلتْ يداك، وليكن عقلك عليك شاهدا،.... فإنّك وإن فرّقتَ أكبر تفريق، فإن الله تارك لك، ليدك أن تفعل ... لأنه العزيز الذي لا يغلبه شيء....

ثم ليكن منك الدعاء، لا شيء غير الدعاء .... فإذا كل طير بين يديك ساعٍ ... كما سيعقل عقلك، وأنت الذي فرّقتَ وأنت الذي تعلم جيدا كيف باعدتَ، وإلى أي مدى قد باعدت بين الأطراف الت غدت ساعية بين يديك....
إنها تلك الفسحة التي يتركها الله للعقل ليعمل، ليتيقن... ليطمئن باليقين ... يقين يأتي من عمل العقل الحر...

نعم إنها عيّنة من عيّنات مخاطبة العقول، واحترام العقول، وتعليم العقول أن تعمل، وأن تسأل، وأن كيف  يقع من عملها اليقين .... 

يعجّ القرآن كلّه بهذه المخاطبات، وبهذا الاحترام الفريد للعقل، وبهذا اليقين الذي هو جَنى عمل العقول....

فأنّى لأهل القرآن أن يزعموا أنهم أهل الآخرة وحدها، وأن الدنيا وإعمارها وعلومها لأهل الدنيا، وإنما نحن أحياء على شفير الموت، بل موتى على شفير الموت....!!!

إن القرآن براء من زعم كل زاعم، ونعق كل ناعق بهذه الدعاوى الكاذبة ...
بل إنّ كل ما فيه صون للعقل، واستحثاث له على العمل، ودفع له ليُحيي الأرض قاطبة بنهج محفوف بتمام حاجة الإنسان الروحية والعقلية على السواء، وفي هذا قد بخس كل من أعطى فلم يحط بالحاجَتَيْن حينما نأى أهل عطاء الحاجتَيْن عن دورهم !
نهج لن يعرف الإنسان حاجته إلا فيه، ولن يستوفيها إلا منه ...
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6545
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
رد: في ظلال القرآن :: 2016 ::
« رد #25 في: 2017-04-09, 09:44:15 »
2016/06/28

كدأب السور في القرآن الكريم، سورة تقدم لسورة، تجد سورة البقرة تبين نموذجَي الاستخلاف، النموذج الفاشل ممثلا في بني إسرائيل والنموذج الناجح ممثلا في أمة محمد صلى الله عليه وسلم ذات الجذور الإبراهيمية الحنيفية الممتدة عبر الزمان...

ثم تأتي سورة آل عمران لتثبت على المنهج الذي بُسط في سورة البقرة، ومع التثبيت تبين أن الرسالة اليوم على عاتق أمة محمد صلى الله عليه وسلم، داعية إلى تكوين هذه الأمة بخصائصها المميزة: "ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون"

ثم تأتي سورة النساء تفصّل طريقة تكوين هذه الأمة التي دُعي لتكوينها في آل عمران، بدءا من النواة الأولى "الأسرة" خروجا إلى المجتمع، بلوغا إلى الحاكم والحكم ومقتضياته وشروطه في إطار من العدل الملازم مقوما أساسيا لصلاح هذه الأمة...

لتأتي سورة المائدة مفصلة وباسطة في شأن "الرسالة" التي أصبحت على عاتق المؤمنين مشارا إليها في آل عمران، وفي شأن استخلاف النموذج الناجح المذكور في البقرة، مفصلة في شأن إصلاح هذه الأمة في الأرض، إصلاحها ودفع الفساد عنها بأمر الله وكتابه المهيمن الذي جاءت أحكامه للإصلاح ودفع الفساد ...

فجاءت بستة عشر نداء للمؤمنين "يا أيها الذين آمنوا" بأكبر عدد من النداءات الإيمانية في القرآن...

جاءت قوية، حاسمة، تدعو للتوفية بالعقود مع الله،  ... لإقامة الحضارة الإسلامية القويمة بالعدل وبالإصلاح في الأرض قاطبة... لتسع النداءات الإيمانية فيها: "يا أيها الذين آمنوا" نداءات مسؤولية على الأرض ملقاة على عاتق المؤمنين ...تقرع الآذان والأنفس بقوة حاسمة ونبرة حازمة، تستنهض الهمم، وتميط عنها أتربة الغفلة، وتبعث الحركة في أوصال الضمائر الهامدة، وتلفت العقول لروح الفكرة التي لأجلها كرّم الإنسان بعقله وهُدي سبيل الرشاد...
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6545
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
رد: في ظلال القرآن :: 2016 ::
« رد #26 في: 2017-04-09, 09:45:04 »
2016/07/14

كان هناك سؤال أخ كريم حول التركيب اللغوي المشتمل عليه قوله تعالى : "قُلۡ مَن يَرۡزُقُكُم مِّنَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۖ قُلِ ٱللَّهُۖ وَإِنَّآ أَوۡ إِيَّاكُمۡ لَعَلَىٰ هُدًى أَوۡ فِي ضَلَٰلٖ مُّبِينٖ " -سبأ:24-

وقد كان القول في فهم للآية أنّ المقصود بها التنزّل للخصم في الحوار، وهذا ما لا يليق بمقام الحوار في مجال عقيدة الحق مقابل عقائد الباطل، وإليكم هذا البسط :

هذه التركيبة اللغوية  تسمى "تركيبة اللفّ والنشر"، يعني من الكلمتين أولا نبرز المعنى، فأنت تلفّ أي تجمع، ثم تنشر، أي تفصّل

وهذا في اللغة يعني  ذكر عدة أشياء على سبيل الإيجاز، ثم ذكرها على سبيل التفصيل...
مثلا قوله تعالى : "وَمِن رَّحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ"
لننظر هنا كيف جاء اللف بذكر الليل والنهار، ثم النشر بذكر السكون ثم ابتغاء الفضل، فأنت لمَ تُرجع كل وصف هنا وهو لم يكن قرينا للموصوف بل جاء بعد ذكر الموصوفات مجتمعة؟
النشر يقتضي أن يُرجع الوصف الأول للمذكور في اللف أولا، ثم الوصف الثاني للمذكور في اللف ثانيا، يعني على الترتيب ..

أما في هذه الآية المذكورة أعلاه "قُلۡ مَن يَرۡزُقُكُم مِّنَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۖ قُلِ ٱللَّهُۖ وَإِنَّآ أَوۡ إِيَّاكُمۡ لَعَلَىٰ هُدًى أَوۡ فِي ضَلَٰلٖ مُّبِينٖ ﴿24﴾" -سبأ-

فحالها وهي من جوامع الكلم، من بديع كلام الله تعالى في الإجمال واحتواء أصناف البديع :

أولها: انظر لتسبقة التلقين من الله تعالى لرسوله الكريم ب"قل"، ثم "قل" في السؤال والجواب، كلاهما لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن يسأل ثم يجيب أن الله الرزاق. وهذا مما يعضّد معنى اليقين بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم سيخاطبهم وهو يذكرهم بأن ما هو عليه هو الحق .

ثانيها: لغويا : "وإنا أو إياكم" هنا لفّ، ثم يأتي النشر لإعطاء الصفة لموصوفها المناسب فتكون "لعلى هدى" لـ : "إنا"
وتكون "في ضلال مبين" لـ: "إياكم" وجيء بحرف أو المفيد للترديد المنتزع من الشك.

ثالثها: لنتأمل قوله تعالى "لعلى هدى" إذ جيئ بلام التأكيد هنا، ومن غيرها المعنى مؤدّى، ولكن جاءت اللام لبيان التأكيد على هدى المنشور الأول "إنّا"، كما جاءت "إنّا"  المؤكدة هي الأخرى، وقابلتها "إياكم" ضمير المخاطب المنفصل، تظهر قوة ما عليه الفئة الأولى، وضحالة ما عليه الثانية. كما جيئ للاولى يحرف الاستعلاء "على" للدلالة الزائدة على الهدى، وللثانية ب "في" للإيغال في ظرفية الضلال.

 رابعها: رسول الله صلى الله عليه وسلم هو من هو في يقينه وحجّته، فهل كل المؤمنين على يقينه وعلى حجته، ولو يعتمد كل مؤمن مع تفاوت اليقين فيه والحجة هذه الطريقة؟؟ فماذا إذا كان الخصم هو صاحب الحجة واللسان الفصيح، ولم يكن للمؤمن قوة حجة ولا لسان يفصح به عن حقه؟ ألن يكون ذلك بفهم التنزّل دافعا لأن ينتصر صاحب الباطل على صاحب الحق، وصاحب الحق هنا هو المسلم الذي لا خلاف في الحق في دينه.. وعندها سيختلط حابل بنابل، وسيتساوى الباطل والحق...

خامسها: رسول الله صلى الله عليه وسلم بما عنده من يقين وحجة هو هنا يتحدّى ولا يتنزّل .
واحترام الرأي الآخر أيضا له حدود، وإلا لاختلط الحابل بالنابل، احترام الرأي الآخر لا يعني مساواة الحق للباطل، ولا يعني أن يتنزّل صاحب الحق لصاحب الباطل كأنهما ندّان، ففي هذا خطورة كبيرة، وخلط كبير ، ولذهب يقين صاحب الدين الصحيح والحق أنه الدين الحق، بأساساته البيّنة، ولتساوت كل الأديان وكل الآراء، ولهان تبديل الأساسات، بدعوى التفتح على الحوار كأننا لم نعلَّم أن الحق واحد، والدين الصحيح واحد.

وهذا شيء مما قاله ابن عاشور اللغوي البارع في هذه الآية في كتابه "التحرير والتنوير"
"ومن لطائفه هنا أن اشتمل على إيماء إلى ترجيح أحد الجانبين في أحد الاحتمالين بطريق مقابلة الجانبين في ترتيب الحالتين باللف والنشر المرتّب وهو أصل اللفّ. فإنه ذكر ضمير جانب المتكلم وجماعته وجانب المخاطبين ، ثم ذكر حال الهدى وحال الضلال على ترتيب ذكر الجانبين ، فأومأ إلى أن الأولِين موجَّهون إلى الهدى والآخِرين موجهُون إلى الضلال المبين ، لا سيما بعد قرينة الاستفهام ، وهذا أيضاً من التعريض وهو أوقع من التصريح لا سيما في استنزال طائر الخصم.
وفيه أيضاً تجاهل العارف فقد التأمَ في هذه الجملة ثلاثة محسنات من البديع ونكتة من البيان فاشتملت على أربع خصوصيات.
وجيء في جانب أصحاب الهدى بحرف الاستعلاء المستعار للتمكن تمثيلاً لحال المهتدي بحال متصرّف في فرسه يركضه حيث شاء فهو متمكّن من شيء يبلغ به مقصده.
وهي حالة مُماثلة لحال المهتدي على بصيرة فهو يسترجع مناهج الحق في كل صوب ، متَسعَ النظر ، منشرحَ الصدر : ففيه تمثيلية مكنية وتبعية.
وجيء في جانب الضالّين بحرف الظرفية المستعار لشدة التلبس بالوصف تمثيلاً لحالهم في إحاطة الضلال بهم بحال الشيء في ظرف محيط به لا يتركه يُفارقه ولا يتطلع منه على خلاف ما هو فيه من ضيق يلازمه."
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6545
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
رد: في ظلال القرآن :: 2016 ::
« رد #27 في: 2017-04-09, 09:48:28 »
2016/09/17


في عَرَض سورة المائدة، وتحديدا في قوله تعالى :

"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ " -المائدة: 90-

تذكّرتُ قول أحدهم وهو الكاتب والسياسي، والمثقّف المسلم، مع قول غيره أيضا من أمثاله، أنّه ما من تحريم للخمر في القرآن، بدعوى أنّ لفظ التحريم لم يرِد بشأنها فيه...!

ولا يغيب عنا أنّ هؤلاء من مُنكري السنّة، ولَيْتَهُم إذ أنكروها لم يُؤوّلوا القرآن بأهوائهم ومُشتهياتهم وأباطيلهم، وهو وحده كافٍ في بيان تحريم الخمر ..

وإنّ الذي لا يوغل مع القرآن ومع لغته، ولا يكون له منها زادٌ لَيَنظُر إلى كلام هؤلاء وإن استشْنَعَهُ واستفظعه، فلا يجد بما يردّ، وكأنّ القائل بهذا جاء بالمُفحِم، وهي عادة هؤلاء المتأولين، الذين يَلوُون المعاني، ويتحذلقون، ويقصدون إلى تحميل كلامهم المنطق والعقل وهو أبعد ما يكون عنهما ...

وكنت قد كتبت من قبلُ شيئا عن بيان هُرائه، وكما عادة القرآن وأنت تقرأه في كل مرة ولّادُ معانٍ، أحاول بعون الله أن أضع جديدا حول هذا الموضوع، أرقُمُه على التوالي:

🔶🔷1🔶🔷 "إنما " أداة تفيد الحصر والقصر، بمعنى أن الموصوف بعدها يقتصر على تلك الصفة لا غيرها، وقد كانت صفة الخمر مع المذكورات الثلاثة معها "الرجس". والرجس هو الخبث والمستقذر .

فهل جاء القرآن ليبيح الخبيث، ويزيّنه أم ليحرّمه ؟
وهو سبحانه القائل: "الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ..." - الأعراف: من 157-

 🔶🔷2🔶🔷التفاتة دقيقة جدا ومميزة لابن عاشور كعادته في تفسيره، أحب أن أذكرها، يبين فيها انحصار الخمر على "الإثم" من بعد ما كان في سورة البقرة من ذكر الإثم الكبير فيها مع المنفعة، يقول، وأرجو التدقيق في قوله فهو فائق الأهمية والدقة:

((ألا ترى أنّ الله قال في سورة [ البقرة : 219 ] في الخمر والميسر { قل فيهما إثم كبير ومَنَافع للناس } ، فأثبت لهما الإثم ، وهو صفة تساوي الرجس في نظر الشريعة ، لأنّ الإثم يقتضي التباعد عن التلبّس بهما مثل الرجس . وأثبت لهما المنفعة ، وهي صفة تساوي نقيض الرجس ، في نظر الشريعة ، لأنّ المنفعة تستلزم حرصَ الناس على تعاطيهما ، فصحّ أنّ للخمر والميسر صفتين . وقد قُصر في آية المائدة على ما يساوي إحدى تَيْنِكَ الصفتين أعني الرجس ، فما هو إلاّ قَصْر ادّعائي يشير إلى ما في سورة [ البقرة : 219 ] من قوله : { وإثمُهما أكبر من نفعهما } ، فإنّه لمّا نبّهنا إلى ترجيح ما فيهما من الإثم على ما فيهما من المنفعة فقد نبّهنا إلى دحض ما فيهما من المنفعة قُبالة ما فيهما من الإثم حتّى كأنّهما تمحّضا للاتّصاف بـ: { فيهما إثم } [ البقرة : 219 ] ، فصحّ في سورة المائدة أن يقال في حقّهما ما يفيد انحصارهما في أنّهما فيهما إثم ، أي انحصارهما في صفة الكون في هذه الظرفية كالانحصار الذي في قوله : { إنْ حسابُهم إلاّ على رَبِّي } [ الشعراء : 113 ] ، أي حسابهم مقصور على الاتّصاف بكونه على ربّي ، أي انحصر حسابهم في معنى هذا الحرف . وذلك هو ما عبّر عنه بعبارة الرجس .)) انتهى قوله.

🔶🔷3🔶🔷أضيفَ إلى صفة "الرجس": "من عمل الشيطان" ، وهو هنا تلبّس، إذ أنّ الشيطان من عمله تزيين الخمر للناس لتعاطيها، فيكون عمل متعاطيها من عمل الشيطان .
فهل يُعقل أن تصنّف الخمر هنا بالمباحة على المسلم وهي رجس ومن عمل الشيطان ؟!

والله القائل سبحانه:"إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا ۚ إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ"-فاطر:6-

🔶🔷4🔶🔷 قُرِنت الخمر بثلاثة أمور كلها من جاهلية سدَرت في الظلام حتى جاء نور القرآن، وهي الميسر والأنصاب والأزلام، وخاصة منها الأنصاب، وهي النُّصُب التي كانت تُذبح عليها قربات الجاهليين للآلهة، فتساوت بهذا الخمر مع الأنصاب، ومن قال بعدم حرمة الخمر، كمَن قال بعدم حُرمة الأنصاب والآلهة !

 وقد قال تعالى في النُّصب:"وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَن تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ ۚ ذَٰلِكُمْ فِسْقٌ"-المائدة:4-

وقد فهم هذا المعنى الصحابة رضي الله عنهم فور نزوله، قال ابن عباس : لما حُرِّمت الخمر مشى رجال من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بعضهم إلى بعض، وقالوا: حُرِّمت الخمر، وجُعِلت عِدْلاً للشرك: (أي معادِلةً ومساوية للشرك). رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح..

وجاء في الحديث الذي رواه الإمام أحمد في مسنده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أنَّ مُدمِنَ الخمرِ إذا مات لَقي اللهَ كعابدِ وثَنٍ" -المحدث : الهيتمي المكي ، المصدر : الزواجر،الصفحة أو الرقم: 2/136 ،خلاصة حكم المحدث : صحيح-

🔶🔷5🔶🔷 "فاجتنبوها"  مع هذا الفعل (الأمر بالاجتناب)، يتسلّل المتسلّلون أصحاب الأهواء والضلالات يظنون أنهم يجدون شيئا، وإنما هم  كمَن يُلقي بنفسه لحَتْفه .. :)

لفظ التحريم في القرآن لم يقتصر على : "حرّم"، بل جاء التحريم صريحا بألفاظ أخرى كثيرة: كلعن فاعله، أو الوعيد على فعله بالنار، أو ذكر أنه من الكبائر، أو الإخبار بأنه رجس… إلخ.

 وقد جاء التحريم ب"الاجتناب" في مواقع من القرآن، كقوله تعالى :
"ذَٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ ۗ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعَامُ إِلَّا مَا يُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ ۖ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ"-الحج:30-

"وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ..." -النحل: من الآية 36-

كما استخدم لفظ الاجتناب في ترك كبائر الذنوب والآثام، قال تعالى: "إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم. "-النساء:31-

وقال تعالى: "الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللّمم"-النجم:32-

فليقل هذا القائل إذن وأمثاله الذين تكاثروا كتكاثر الطفيليات السامّة  أنّ الطاغوت غير محرم، وأن الأوثان غير محرّمة !!

🔶🔷6🔶🔷ومازلتُ مع الآية ذاتها لا أخرج منها إلى تاليتها، وفيها وحدها الخير الكثير : "لعلكم تفلحون" تعلّق الفلاح باجتناب هذه المنهيّات، ومن لم يأخذ بتحريمها فإلى خسار وبَوار ..

وإنّ في هذا لكفاية ليتبيّن صريح تحريم الخمر من القرآن وحده فماذا إذا زدنا ما في صحيح السنّة، ولكنني قبل صحيح السنة،  أعدو إلى الآية الموالية وهي قوله تعالى :

"إنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ ۖ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ"-المائدة: 91-

🔶🔷7🔶🔷 "إنّما" أداة القصر والحصر مرة أخرى، وهذه المرة لوصف ما يريده الشيطان من تزيينه الخمر للإنسان، كما زيّنه لهذا المتقوّل وأمثاله ..
إنه يريد أن :

🔹 يوقع بين المؤمنين العداوة والبغضاء .
🔹يصدّ عن ذكر الله .
🔹يصدّ عن الصلاة .

وبالقصر والحصر، فهذا ما يريده من شرب الإنسان للخمر لا غير.
فهل في هذا أدنى لمحة تشير إلى أنّ الخمر مُباح وغير محرّم في القرآن ؟!!

🔶🔷8🔶🔷 "هل أنتم منتهون"
وهنا أقف وقفة، لأنه لا يُستبعد أبدا أن يطلع علينا من يطلع ليقول أنّ الله تعالى بعد كل ذلك البيان إنما يسأل سؤالا، ومن يجيب له أن يجيب بالإيجاب أو بالسلب، بمعنى أنّ لمجيبٍ أن يجيب عن سؤال الله تعالى بـ : "لا" ...

وهذه واحدة من التأويلات الهوائية التي لا أحب تفويتها، فلنبسط في معنى قوله تعالى عزّ من قائل:  "فهل أنتم منتهون" .

في الحقيقة قد قالها قبل متقوّلي عصرنا، متقوّلون في عصور قديمة، وهذا لنفهم كم أنّ هذه الدعاوى وهذه الخلطات الهوائية إنما لها دائما أصول وجذور لمن يبحث ...

قالها عمرو بن معد يكرب فيما روي عنه أنه ردّ بـ : "لا" وبقي على شرب الخمر بعد تحريمها النهائي في هذه الآية ..

يقول الطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير :
((فهي لاستفهامٍ مضمَّن تحقيقَ الإسناد المستفهَم عنه وهو { أنتم منتهون } ، دون الهمزة إذ لم يقل : أتنتهون ، بخلاف مقام قوله { وجَعَلنا بعضَكم لبعض فتنة أتصبرون } [ الفرقان : 20 ] . وجعلت الجملة بعد { هل } اسمية لدلالتها على ثبات الخبر زيادة في تحقيق حصول المستفهم عنه ، فالاستفهام هنا مستعمل في حقيقته ، وأريد معها معناه الكنائي ، وهو التحذير من انتفاء وقوع المستفهم عنه))انتهى قوله.

والفرق شاسع بين الجملة الاسمية والفعلية، إذ الاسمية تفيد ثبات الخبر وتأكيده أكثر من الفعلية، هذا من جهة، ومن جهة أخرى، ولننتبه لقوله : "المعنى الكنائيّ" وهو الذي يحمل التحذير، التحذير من انتفاء الانتهاء عن الخمر مع السؤال .

كقولك لمدخّن مثلا: إن للتدخين مضارا بيّنها العلم، وبسطها للناس، وإنّ مضار النيكوتين كيْت وكيْت، وإنه يؤدي للإصابة بالعديد من الأمراض والأزمات الصحية كالسكتة القلبية والجلطة الدماغية وأمراض الجهاز التنفسي وسرطان الرئة، بالإضافة إلى مشاكل صحية أخرى وبالتالي الوفاة المبكرة، وإن  العلم بيّن وفصّل وقال، وإنّ الشواهد من مآلات المدخنين كذا وكذا، وانظر إليها بعينيك ...ووو...

ثم تُردف كل بيانك بقولك له : "فهل أنت منتهٍ ؟" 

فهل أردتَ بعد كل ما بينت، السؤال وحسب؟ أم أنك أردت به التحذير من كل ما ذكرت له من مضار ؟
هذا هو المعنى الكنائيّ للسؤال، حتى لا يتأول متأوّل، ويتقوّل متقوّل ...

🔶🔷9🔶🔷 ثم إن القرآن، -لو دققنا- قد نصّ على تحريم الخمر بلفظ التحريم، قال تعالى: "قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ.." -الأعراف:من33-

فالإثم حرام، والله تعالى يقول عن الخمر: "يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير.." -البقرة:من219-

فإذا كان الإثم حراماً، وكان في الخمر إثم كبير، كانت النتيجة أن الخمر حرام، وهذا واضح، كما هو مصرح به في الآيتين.

🔶🔷10🔶🔷 دائما في إطار أنّ هذه الأقوال الصارخة التي نحسبها جديدة تنزل علينا منزل الصواعق، إنما هي أقوال قديمة تتجدد ..

قيل : إنّ قُدامَة بن مظْعون ، مِمَّن شهد بدراً ، ولاّه عُمر على البحرين ، فشهد عليه مَن شهد بشرب الخمر. فلمّا أراد عمر إقامة الحدّ عليه قال قدامة : لو شربتُها كما يقولون ما كان لك أن تجلدني . قال عُمر : لِمَ؟ ، قال : لأنّ الله يقول : "ليس على الذين آمنوا وعَملوا الصالحات جُناح فيما طعموا إذا ما اتّقوا وآمنوا وعملوا الصالحات" - المائدة : 93 -
فقال عمر : أخطأت التأويل إنّك إذا اتّقيت الله اجتنبت ما حَرّم عليك»

وبهذا نرى كيف أنّه أوَّلَ الآية التالية للآيتَين أعلاه، على أنه لا إثم على من طعم وشرب، إن كان من المتقين، ولكن عمر رضي الله عنه مع عقله المتزن، ومنطقه القويم عرف كيف يُفحِمه ... إذ كيف يكون متقيا من لا يجتنب ما حرّم الله تعالى، والخمر مما حرمه .
⏩⏪⏩⏪⏩⏪⏩⏪⏩⏪⏩⏪⏩⏪⏩⏪⏩

🔶🔷11🔶🔷 مما أحب أن أطرحه أيضا مع هذه الآيات البيّنات، البيّنات بمعنى أنها واضحة، لا يُضيرها تأويل المتأوّلين لتبدو وكأنها الغامضة، وإنما سَعْيُهم هو المدحوض المردود بالمنطق والبيان. 

قوله تعالى مباشرة بعد آيتَيْ تحريم الخمر في المائدة : "وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا ۚ فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَىٰ رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ "-المائدة:92-

عندما تتأمل هذه الآية، وأنت قد عرفت مُراد الله بعظيم بيانه لحرمة الخمر...
أنها الرجس من عمل الشيطان، وأنها المقرونة بالأنصاب في الحرمة، وأنها التي يتخذها الشيطان مرتعا له في سعيه لزرع البغضاء، والإبعاد عن ذكر الله، وعن الصلاة... بعد كل هذا البيان من الله تعالى ... يأتي أمره بطاعة الله، وبطاعة "الرسول"...

وكأنّ الله تعالى يُرشد المؤمنين إلى اتباع سنّته، إلى اتباع طريقه الذي سلكه صلى الله عليه وسلم، اتباع ما قال هو في الخمر بعد أمر الله، واتباع ما فعل بعد أمر الله فيها، واتباع أحواله مع الصحابة بعد أمر الله فيها .... اتباع سنّته ...

لا يكفيكم أن تتبعوا القرآن، وإنما تتبعون السنة معه، وهي المفصّلة للقرآن، الشارحة له، المطبّقة لتعاليمه...

ويأتي من يأتي ليقول أنّ صيغة "التحريم" لم تكن في القرآن، ومع تهافُتِ دعواه هذه، إلا أنّ الله يدعو إلى اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم وما قال في الخمر، وتجد في هذا الأحاديث الصحيحة على أشكالها، تبيّن تحريم الخمر، بالتفاصيل، إذ:

📌📌لقائل أن يقول مثلا أنه ما دام من يشرب قليلا لا ينقلب حاله إلى مبغض، وناسٍ للصلاة، أو مُخلِطٍ فيها، فليشرب... هنا تأتي السنة لتبين فيما لا يدع مجالا لتأويل أنّ "ما أسكَرَ كثيرُه فقليلُه حَرَامٌ"

📌📌وقد يقول متأول من عصرنا مثلا، إن الذي حُرّم في القرآن هو الخمر لا المخدّر ، فتأتي السنة لتصف وتشفي بعبارة في صحيح مسلم : "كل مسكر خمر، وكل مسكر حرام"

📌📌وقد يتقوّل متقوّل، وإن أقرّ بتحريم الخمر في القرآن، وهو يُنكر السنة وحجيّتها أنّ الأمر يخصّ شاربها، أما بائعها وعاصرها فأين الدليل على حرمة فعله؟ !

ولذلك تجد التفصيل في السنة لا في القرآن..

"عن جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الْفَتْحِ وَهُوَ بِمَكَّةَ: “إِنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ حَرَّمَ بَيْعَ الْخَمْرِ” رواه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وأبو داود في السنن.

"عن ابن عمر قال: قال رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلم: “لَعَن الله الخمرَ وشاربَها وساقيَها، وبائعَها ومبتاعَها، وعاصِرها ومعتصِرها، وحامِلَها والمحمولَةَ إليه" رواه الترمذي وأبو داود في سننهما وابن حبان في صحيحه وأحمد في مسنده عن ابن عباس.

وفي السنة تجد هذه التفاصيل التي تُحيط بالحالات، حتى يكفّ المتقوّلون، وإلا فما حال من ينكر السنة مع هذه الأسئلة التي لن تجد لها في القرآن جوابا؟!

تأملت موقع هذه الآية الداعية إلى طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم مع طاعة الله، مباشرة بعد آيَتَيْ تحريم الخمر،  فوجدتُ ورودها إعجازا في الإعجاز ...
تكون في هذا المقام تحديدا، لتحيل المؤمن إلى أحضان السنة النبوية فتفصّل له، وتمدّه بالأجوبة مع ما كان من حال الصحابة والقرآن يتنزّل فيهم ليكونوا المثال الحيّ المتحرك لتطبيقات القرآن الكريم وهُم البشر الذين جرتْ عليهم حالات البشر، فكانوا يسألون، ويوغلون في الأسئلة، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجيب بالتربية المحمدية المستمدّة من النور القرآني ...

فهل جاء ليربيهم وحدَهُم، أم جاء لتنتقل تربيته للنموذج البشري الأول مع الرسالة المحمدية، إلى باقي الأجيال إلى قيام الساعة ؟

وهذه كانت تأملات في آيات تحريم الخمر، من القرآن يكفي بيان تحريمها، أما من السنة، فتفصيلات تضع حدا للتأويلات والتقوّلات، ببيان تحريم مفصّل لها مع كل حالة ...

واللهَ نسأل الثبات على الحق، وأن ينفعنا.
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6545
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
رد: في ظلال القرآن :: 2016 ::
« رد #28 في: 2017-04-09, 09:51:17 »
2016/09/19
حينما نستدلّ بشاهد لقضية ما، فإن استدلالنا يكون صحيحا إذا انطبق ذلك الشاهد على حالة القضية

فما بالك إذا كان هذا الاستدلال بشاهد من أعظم مصدر وأدق مصدر وأصدق مصدر، من القرآن الكريم ..

فإذا كان الاستدلال بشاهد من القرآن لقضية لا توافق ذلك الاستدلال، بل في الأمر اجتزاء يوافق ما يُراد الوصولُ إليه، لا ما يُراد من حق..فذلك خطأ ..

انتشر فيما نقرأ، على صفحات التواصل الاجتماعي، وعلى الكتب، وفي كتابات الكثيرين الاستشهاد بقوله تعالى : " بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا" أو " حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا ۚ "

وكل هؤلاء يستدلّون بهذه المقاطع من الآيات المتواجدة بالقرآن الكريم لنشر ما يريدون نشره عمّن يحترمون علم علماء الأمة القُدامى، وعقولهم، وما  صنفوا ونظموا في علوم القرآن والحديث والفقه...

يتهمون من يعرف لهم قدرهم بالانحباس في بوتقة القُدامى، وبتقديسهم، وأنّ الحال يستدعي الانعتاق من الموروث، والتبرؤ منه ..

هنا نقف وقفة عقلانية، منطقية... وإنني كثيرا ما تأملت بُعد الاستدلال بذلك المقطع عن الحقيقة ..

"آباؤنا" الذين يتهمون كل من احترم علمهم ونهل منه، وانتفع به بالتقديس والتيبّس والتحجّر، والجمود ..كيف كانوا ؟!

** أكانوا "لا يهتدون" ؟
**أكانوا "لا يعقلون" ؟
**أكانوا "يعبدون غير الله" ؟

علماء الأمة القُدامى كانت هذه صفاتهم ؟ !

ذلك أنك إذا بحثت في عَرَض القرآن الكريم وجدت كل ما ورد بصيغة "آباءَنا" أو "آباؤُهم" هي هذه صفاتهم : كفارا، عُبّاد أصنام وأوثان، يدعوهم الشيطان إلى عذاب السعير..

فما موطن الشبه بين أولئك الآباء الضالين وبين آبائنا ؟!!
ما وجه الاستدلال بالحديث عن آباء لا يعقلون، ضالين مضلين من غير علم ولا هدى ولا كتاب منير،  على مؤمنين، علماء هُداة، مهديّين، عقلاء ؟!!

هل هذا من الحق ؟ وهل هذا من الإنصاف ؟

على اختلاف مستويات الداعين للتجديد، بين أدعياء، أو دعاة تغريب، أو محاربين للتراث..
أليس من التدقيق، والعدل والقول السليم أن نتأمل أن الله تعالى في عرض الحديث عن تمسك الأبناء بدعوة الآباء إنما عنى الضالين يتمسكون بدعوة الضالين ؟!

وتأمل من قوله تعالى كأمثلة ما أميّزه بنقاط  :

** {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا ۗ أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُون شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُون َ [البقرة : 170

** {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَىٰ مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُوا حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا ۚ أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُم لَا يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُون} [المائدة : 104]

** {قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءَنَا لَهَا عَابِدِين} [الأنبياء : 53]

**{قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَٰلِكَ يَفْعَلُونَ} [الشعراء : 74]

فلنتأمل أحوال هؤلاء الآباء، فإذا هم:
**لا يعقلون شيئا
**لا يعلمون شيئا
**لا يهتدون
**عابدون للتماثيل وهو ما جاء في سؤال إبراهيم عليه السلام لقومه.
**يفعلون ما فعل آباؤهم من عبادة لما لا يسمع ولا يبصر كما جاء في سؤال إبراهيم عليه السلام لقومه ...
" أولو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون" هذا الاستفهام الاستنكاري ألا يبين أن اتباع من كان يعقل ويهتدي ليس كاتباع من لا يعقل ولا يهتدي.. ؟!

فبالله عليكم، هل هذه استدلالات سليمة لمن يريد الحديث حتى عن الاجتهاد والتجديد المقبولَين والمستساغَين، فيلوم من يُعرض عنهما مثلا ؟!

ويشاء الله تعالى أن أقع اليوم على شيء وأنا أقرأ وجدتُه يعضّد ما ذهبتُ إليه أعلاه من تأمل لازَمَني منذ زمن كلما قرأت هذا الاستدلال من أحدهم، وذلك في عرض قوله تعالى :

" {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَىٰ مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُوا حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا ۚ أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ} [المائدة : 104]

يقول ابن عاشور في التحرير والتنوير عن الآية، وعن الاجتهاد والتقليد :

" لأنّ هذه الآية في تنازعٍ بين أهل ما أنزل الله وأهل الافتراء على الله ، فأمّا الاجتهاد والتقليد في فروع الإسلام فذلك كلّه من اتّباع ما أنزل الله . فتحميل الآية هذه المسألة إكراه للآية على هذا المعنى" .انتهى قوله.

فكل من الاجتهاد والتقليد في الإسلام اتباع لما أنزل الله ..

فلننتبه أن أولئك "آباء" من أهل الافتراء على الله، وهؤلاء "آباء" على هدى من الله، وفرق بين اتباع ضال، وبين اتباع مهتد ... ورغم ذلك كله لا يخلو الأمر من أخذ ورد، ونحن نعلم أن كلا -ما عدا رسول الله صلى الله عليه وسلم- يؤخذ منه ويُرد، فلا يكون الاتباع مثلا لآباء من أهل البدعة فهؤلاء يدخلون في معنى "لا يهتدون" في الآية.. أو لأهل السفسطة مثلا، وهؤلاء يدخلون في معنى "لا يعقلون"

وكثير ممن صار ذلك استدلاله  إنما غالبا نقل عمّن قرأ له هذا الاستدلال دونما تدقيق وتمحيص في الفرق الشاسع بين أولئك وهؤلاء... ! وشتان ... شتان بين آباء وآباء !!
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6545
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
رد: في ظلال القرآن :: 2016 ::
« رد #29 في: 2017-04-09, 09:51:54 »
2016/10/01
في كتابه "التصوير الفني في القرآن" شدّني جدا، وصف سيد قطب للفرق بين القرآن وقد كان يتملاه صغيرا صورا، وبين القرآن وقد قرأ تفاسيره، فضَلَّتْ عنه تلك الصور البديعة التي كانت ملء خياله ... ولكن ما فتئ أن أعادها له تأمله للقرآن من القرآن ...

يقول :

((ودخلت المعاهد العلمية؛ فقرأت تفسير القرآن في كتب التفسير، وسمعت تفسيره من الأساتذة. ولكنني لم أجد فيما أقرأ أو أسمع ذلك القرآن اللذيذ الجميل، الذي كنت أجده في الطفولة والصبا.
وا أسفاه! لقد طمست كل معالم الجمال فيه؛ وخلا من اللذة والتشويق.
ترى هما قرآنان؟ قرآن الطفولة العذب الميسر المشوق؛ وقرآن للشباب العسر المعقد الممزق؟ أم إنها جناية الطريقة المتبعة في التفسير؟
وعدت إلى القرآن أقرؤه في المصحف لا في كتب التفسير. وعدت أجد قرآني الجميل الحبيب؛ وأجد صوري المشوقة اللذيذة. إنها ليست في سذاجتها التي كانت هناك. لقد تغير فهمي لها، فعدت الآن أجد مراميها وأغراضها، وأعرف أنها مثل يضرب، لا حادث يقع.
ولكن سحرها ما يزال. وجاذبيتها ما تزال.
الحمد لله. لقد وجدت القرآن. ))
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6545
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
رد: في ظلال القرآن :: 2016 ::
« رد #30 في: 2017-04-09, 09:52:41 »
2016/12/29

في سورة "المطففين" ..

يقول تعالى عن المكذبين بيوم الدين :

 {كَلَّا ۖ بَلْ ۜ رَانَ عَلَىٰ قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ (14) كَلَّا إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ (15)} [المطففين ]

الرانُ هو الصدأ الذي يعلو القلب المكذّب، العاصي، المظلم بالبعد عن الله.. يبتعد ويبتعد ويبتعد حتى يبوء بالصدأ على قلبه يمنع من مرور هواء الإيمان النقي يُحييه، بل يُميته والنبض فيه.. !

صدأ يعلو القلبَ، فلا يعود ينكر صاحبه معصية، ولا جرأة على الله ولا جرأة على كتابه أو سنة نبيه صلى الله عليه وسلم ..
ولا تعود نفسه تنكر سبّ الصحابة والحطّ من قدرهم، ولا الطعن في السنة والأحاديث ولا أكثر من ذلك ولا أقل.. بل تمشي به حالُه خطوة إثر خطوة حتى يستسهل التكذيب بيوم الدين، وبما أنزل ربّ العالمين.. !! (عياذا بالله)

لا تعود نفسٌ هذا قلبها تُنكِر شيئا من هذا .. !!
إنه الصدأ(الران) يعلوه فيحجبه عن هواء الإيمان...

يحجبه عن ربه ... !!

وإن هذا الذي حجبتْهُ كثرة معاصيه وإيغاله فيها عن ربه، حجبته عنه حتى باء بالصدأ غلافا له حاجبا..

هذا هو ذاته الذي سيُحجب عن ربه يوم القيامة، يوم الحساب ... "كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون"

حجبه الرانُ عنه في الدنيا بما عصى وبما استسهل المعصية، أو بما استسهل الجرأة على الله وعلى كتابه وسنة نبيه.. حتى ها هو "يومئذ". يوم الحساب محجوب عن ربه .. عياذا بالله !!

حجبَهُ الرانُ عن طاعة ربه في الدنيا، فها هو يومئذ محجوب عن ربه ...
من جنس ما يصنع الإنسان بنفسه في الدنيا يلقى يوم القيامة ...

فنسأل الله تقديرا لجلاله وعظيم سلطانه يمنع قلوبَنا من الران، فيمنعنا من حجبٍ عن وجهه سبحانه يوم لقائه..
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6545
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
رد: في ظلال القرآن :: 2016 ::
« رد #31 في: 2017-04-09, 09:53:14 »
2017/01/09

في سورة "عبس" لنتأمل البداية، وهو سبحانه يخبر عن الأعمى الذي جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكيف عبس رسول الله لمجيئه، وتولى عنه ..

تأتي الآيتان الأوليان بصيغة الماضي حديثا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم غيبة يبلغنا خبرا :

" {عَبَسَ وَتَوَلَّىٰ (1) أَن جَاءَهُ الْأَعْمَىٰ (2)}

ولكن لم يستمرّ الأسلوب بصيغة الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم غيبا، بل ينتقل إلى خطابه بقوله تعالى:

{وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّىٰ (3) أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنفَعَهُ الذِّكْرَىٰ (4) أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَىٰ (5) فَأَنتَ لَهُ تَصَدَّىٰ (6) وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّىٰ (7) وَأَمَّا مَن جَاءَكَ يَسْعَىٰ (8) وَهُوَ يَخْشَىٰ (9) فَأَنتَ عَنْهُ تَلَهَّىٰ (10) كَلَّا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ (11)} [عبس]

تُرى لِمَ لمْ يستمر الأسلوب ذاته ؟
لماذا عندما بدأ العتاب الرباني لصفيّه صلى الله عليه وسلم تبدل الأسلوب إلى مخاطبته، ولم يبقَ حديثا عنه غيبا يبلغنا من ربّ العزة ؟
وأسلوب الإخبار عنه في اللغة يسمى أسلوب "الغيبة" والانتقال من الغيبة إلى الخطاب في اللغة يسمى "الالتفات"..

فلماذا في هذا الموضع كان الالتفات من الغيبة إلى الخطاب ؟

إننا إذا تأملنا، عرفنا أنه سبحانه يعاتب حبيبه صلى الله عليه وسلم، مخاطبا إياه، ولا يعاتبه وهو يخبرنا عنه، غيبا..
فلسنا نحن بأعلى منه ولا أسنى خُلقا ليخاطبنا نحن معاتبا عن عبوسه وتوليه .
ليس أحد من خلقه أهلا لأن يكون النبي صلى الله عليه وسلم المعاتَب بين يديه..

بل هو المعاتَب وهو المخاطَب بالعتاب.. هو خير الخلق كلهم، وهو أحسنهم خُلُقا، وهو الاهل لان يُربّى بتربية الله تعالى تربية مباشرة تخاطب محمدا صلى الله عليه وسلم وهو يمثل الكمال البشري.. فلا يُعاتَب الكامل بين يدي ناقص ..

إنه سبحانه اكتفى بمخاطبتنا بخبر الأعمى ومجيئه وعبوس النبي صلى الله عليه وسلم وتوليه عنه، ثم رأسا يبدأ بعتابه مخاطبا إياه لا مُكملا العتاب خبرا يبلّغنا إياه ... فإنه لا يستقيم أن يعاتَب بين أيدينا ...

صلى الله عليه وسلم حبيب الله وصفيّه، والذي كرّمه حتى وهو يعاتبه...
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6545
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
رد: في ظلال القرآن :: 2016 ::
« رد #32 في: 2017-04-09, 09:53:40 »
2017/01/19

في سورة النازعات..

كلمات قليلة...سطران ...
ما هي إلا ثلاثة أسطر فإذا أنت قد عرفتَ الأمر من الله تعالى لنبيه موسى عليه السلام، وسبب الأمر، ثم تنفيذ الأمر من موسى، يدعو فرعون ويدعم دعوته بالآية يريه إياها.. ثم ردّة فعل فرعون، وثورته...ثم مآله ... !

كله بجوامع الكلِم، سريعا يصلنا...
بليغا، قويا، معبرا، بل ومصوّرا للأحداث أبدع تصوير، وكأنها للعَيان ماثلة ...

{اذْهَبْ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَىٰ (17) فَقُلْ هَل لَّكَ إِلَىٰ أَن تَزَكَّىٰ (18) وَأَهْدِيَكَ إِلَىٰ رَبِّكَ فَتَخْشَىٰ (19) فَأَرَاهُ الْآيَةَ الْكُبْرَىٰ (20) فَكَذَّبَ وَعَصَىٰ (21) ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعَىٰ (22) فَحَشَرَ فَنَادَىٰ (23) فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَىٰ (24) فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولَىٰ (25)} [النازعات : 17-25]

تأمل الحق وموسى عليه السلام يَأمره ربُّهُ بتبليغه فرعون... فقل : "هل لك إلى أن تزكى وأهديك إلى ربك فتخشى"

كلمات قليلة ... هل لك في طهارة تُذهب رجس نفسك، وأدلك على ربك فتخشاه...

موسى ذلك الطريد الفارّ من مصر إلى مَدْين، وفرعون يأتمر به ليقتله...
موسى الذي مكث بمدين عشر سنوات...
وفور عودته ها هو ربه يأمره أن يذهب داعيا لمَن كان سبب فِراره وهجرانه أرضه ...

فيأتمر موسى بأمر ربه، ويذهب إلى فرعون، ويدعوه...

بكلمات قليلة...ولكنها ظاهرة الحق، قوية...
 إذ الحق من ذاته قوي، أبلج، ساطع... له أثر...

فكيف كان ردّ فعل فرعون ؟!!

كذّب، وعصى....

أدبر يسعى......

إنني لأراه مُهتاجا، ثائرا، خائفا... متزعزعا... دمغ الحقّ باطلَه، فأفزعه، وروّعه... بكلمات معدودات...

أفقده الجلد ...!!

ثم أدبر يسعى...

فحشر فنادى .... !!

جمع الناس، وكان الأمر بينه وبين موسى عليه السلام، ولم يكن على مرأى من الناس..
أُمِر موسى به وحده، ولكن الكلمات القليلة أفزعته.. فحشر الناس، ونادى فيهم فزِعا:"أنا ربكم الاعلى" ..

لقد خاف من موسى ودعوته...
خاف، وقد عرف في كلمات الحق قوة خشيها على ملكه، فهرع يحشر وينادي...
يثبّت دعائم ملكه بكذبه وادعائه، وهو خائف، مهزوم... !!

فلننظر إلى الحق وهو لا يحتاج إلى صياح ولا إلى هياج، بل قوته منه...في ذاته..
بينما الباطل يستقوي بالصياح والهيجان...
يستقوي بالصوت، بالترهيب والترعيب..

الحق بكلمات قليلة فيه البيان..
ويكفيه أن يعلن عنه صاحبه بهدوء .. كما تُسفر الأرض عن خضارها ونمائها في صمت، بينما ينفجر بركان الحِمم المُهلك مزمجرا غضبانا مهتاجا .. !!

يااااه... !!
أيها الطاغية المتألّه فرعون... كم يكشف القرآن ضعفك وخوفك... كم يُبدع تصويره... حتى لكأني بك المعتوه، الهالك من ساعتك... !!

وكذلك أهل الباطل ضعفاء ، بيّنٌ ضعفهم وإن تترسوا بالدبابات والمزنجرات ... !!
بل إن دباباتهم وطائراتهم وأسلحتهم الفتاكة لصَوت باطلهم الراجف، وصولات فزعهم واهتزازات روعهم، ودقات قلوبهم الواجفة... !!
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6545
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
رد: في ظلال القرآن :: 2016 ::
« رد #33 في: 2017-04-09, 09:54:11 »
2017/01/26

سورة النبأ ...

عمّ يتساءل هؤلاء المكذبون ؟ عن القرآن وما حوى، وما جاء به من أنباء البعث ويوم الحساب، يوم يقوم الناس لربهم سبحانه مجازيا ومعاقبا إياهم  ...

لنتأمل ... !

كلا سيعلمون، ثم كلا سيعلمون ...

لنتأمل ... !

إنك بعد هذا التأكيد على أن المكذبين سيعلمون، ثم سيعلمون... لَتنتظر أن يجيبك سبحانه بتفاصيل ما سيعلمونه... ما الذي سيعلمونه ؟ ما الذي من المؤكد أنهم سيعلمونه؟!!

ولكن الإجابة ليست عما سيعلمون ... !
إنك تترقب تفاصيل "سيعلمون" ... تترقب بشغف كبير تفاصيل ما سيعلمون ..

ولكنه سبحانه لا يأتي بتلك التفاصيل أولا...
لا يأتيك بالغيب حتى يأخذ بيد عقلك إلى ما يجعلك تصدّقه... لا تستبعده...
يأخذ بيد عقلك لتتمثل الغيب، لتتمثل اليوم الذي سيعلمون فيه... لتعقل أن هذا اليوم وما فيه ليس ببعيد عن قدرة الله... بل إنه الحق لا محالة ...

لنتأمل... !!

فإذا الله سبحانه يأخذنا إلى حيث يعمل العقل، ويستنتج، ويعقل، ويفهم...
يأخذك سبحانه إلى ما حولك ... إلى ما يحيط بك... إلى مجال عمل عقلك..
انظر ... انظر حولك... إلى الأرض التي مُهِّدت لك...
إلى الجبال وهي أوتاد تضرب في أعماقها لتمسكها أن تميد بك...

انظر أليس يعقل هذا عقلك ؟

انظر حولك...
ألم يخلق الإنسان بزوجه ؟ وجعل له النوم، والليل لسكونه وراحته، والنهار لحركته ومعاشه، وبنى فوقه سبع سماوات...
وبالسماء شمس مضيئة... وسحب تُنزل بامر ربها ماء ...

 ثم في عودة جديدة إلى الأرض ..

هكذا في رحلة سريعة من الأرض بمُسخّراتها للإنسان إلى السماء بمُسخّراتها للإنسان... ثم في عودة جديدة للأرض ومُسخّراتها للإنسان ...

هكذا أيها الإنسان رحلة سريعة، ولكنها براحلة ثقيلة... تأخذ المخلوق المُكرَّم وما خُلق له سُخرة بين السماء والأرض...

فيا أيها العاقل...... ها أنت تعقل كل هذا ...
وتصدّق... وتقرّ أنه حق.. وأنك تعيشه وتحياه...
أرض وجبال وسماء وشمس وسحب وماء يسقي الأرض ويُخرج النبات ...

فمن خلق هذا كله من عدم، وخلقك من عدم، وأنت تعقل كل ما حولك ... أفيصعب ويشقّ عليه سبحانه أن يبعثك من مرقدك... وقد كنتَ من قبل بعثك ؟ بينما لم تكُ من قبل إيجادك شيئا مذكورا ...

أفخلقك وخلق الكون من عدم أعياه سبحانه ليُعييه خلقك الثاني وقد كنت من قبلُ حيا ؟! ...

تأمل كيف يأخذ عقلك أولا ليستدلّ على قدرته سبحانه على بعث جديد من قبل أن يقرر أمر البعث عندك ...
إنه لا يأخذك إلى أنباء البعث حتى يحرك عقلك، وكأنه يقول لك لن أفجأك بالغيب حتى تجد بعقلك ما يقرّبه لك، ما يجعلك تصدّق وقوعه...

عقلك لم يُخلَق ليعقل الدنيا وحدها، بل ليقرّب لك صورة الآخرة...

تصل لربك بعقلك... بما يحيط بك من خلقه وأمره، وتؤمن بالغيب بعقل عرف ربه وقدرته، فلم يجد عجبا من الذي خلق فسوى، وقدر فهدى  أن يبعث منَ خلق في خلق جديد ...

إنه لن يخبرك: " إن يوم الفصل كان ميقاتا" حتى يحرك عقلك لتصل به للإيمان بيوم الفصل، كما وصلتَ به لربك...ملك يوم الفصل...
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6545
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
رد: في ظلال القرآن :: 2016 ::
« رد #34 في: 2017-05-06, 10:01:37 »
2017/02/01
في سورة النبأ...

"جزاء من ربك عطاء حسابا"
سبحانه الذي يجازى المتقين عطاء من عنده وتفضلا وزيادة و "حسابا"...  ومن معاني "الحساب"  العطاء الكافي حتى يقول المُعْطَى "حسبي" أي اكتفيت...

هو رب السماوات والأرض وما بينهما ...
هو "الرحمن" ...

أيُّ اسم لله تعالى جاء مع هذا اليوم العظيم ؟!

إنه : "الرحمن" ... لم يأتِ "الملك" لم يأتِ "المنتقم" ...
لم يأتِ "الحسيب" ...

إنه "الرحمن" ... 
ولكنه الرحمن الذي لا يملك أحدٌ أن يخاطبه، من هيبته وعظمته، وجلاله، من تمام عدله... وطلاقة قدرته، وانتهاء الأمر له وحده...

"الرحمن" صفته اللازمة... صفته التي كانت لهذا اليوم العظيم، ذي الأهوال والأهوال والأهوال... !

الرحمن في يوم يقوم الروح والملائكة صفا لا يتكلمون...
لا يستطيعون كلاما من الخشوع، والخضوع، والطاعة الكاملة... والتقدير العظيم لرب ذلك اليوم العظيم ... لمليكه...
للذي يقضي بقضائه وحكمه، للذي تُطوى السماء بأمره، وتُسيّر الجبال بأمره..  وتُسعَّر الجحيم بأمره... وتُزلَف الجنة بأمره ...

لليوم العظيم الذي تجلّى عن النبأ العظيم الذي كانوا فيه يختلفون !

ولكنه "الرحمن" .... !
الذي لا يملك أحد أن يخاطبه ... ولكنه "الرحمن" .... !

الروح والملائكة لا يتكلمون إلا من أذن له "الرحمن" ...
لا ينبسون بكلمة بغير إذنه ... ولكنه "الرحمن" ...

وفي طه : وخشعت الأصوات "للرحمن" فلا تسمع إلا همسا .

رحمنٌ في يوم الأهوال...

فسبحان رحمنِ يوم الأهوال ... !
سبحان مَن لا يملك أحدٌ منه خطابا وهو الرحمن...!
وسبحان من لا يتكلم أحدٌ إلا بإذنه وهو الرحمن...!
وسبحان من تخشع له الأصوات وهو الرحمن... !
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6545
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
رد: في ظلال القرآن :: 2016 ::
« رد #35 في: 2017-05-06, 10:04:58 »
2017/03/20
في السورة من القرآن... عندما تكون مع قطاع من الآيات يعالج موضوعا ما... ثم تجد نفسك فجأة مع آيات موالية للتي كنتَ معها، فإذا موضوعها آخر، مخالف، مغاير ...

وقد تتساءل... ما وجه العلاقة بين ما كنتُ فيه، وبين هذا الموالي له  ؟!

مثلا كيف نكون مع أحداث غزوة، حتى نجد أنفسنا مع آيات في التزكية ؟!  (سورة آل عمران).

كيف نكون مع الحديث عن تكذيب المكذبين بالبعث، حتى نجدَنا مع قصة موسى وفرعون ؟!(سورة النازعات)

ربما للوهلة الأولى ... تظنّ هذا البعد، وهذا الاختلاف، ولكنك إذا ما أطلتَ المكوث، وأحسنتَ النظر، وتأملت عرفت أن هذا لا يختلف عن هذا...لا يبتعد عنه، لا يغايره... بل إنّهما لمرتبطان أوثق الارتباط ... وأجمل الارتباط ... !

تأملوا سورة النازعات ... والله سبحانه يُقسم بالملائكة على اختلاف مهامها وأدوارها، نازعات، وناشطات وسابحات وسابقات ومدبرات... على أن وعد الله بالبعث حق ... : " فإنما هي زجرة واحدة فإذا هم بالساهرة"

ثم تأتي قصة موسى عليه السلام مع فرعون ... !

ولكننا كنا مع البعث، ومع المكذبين بالبعث : " يقولون أئنا لمردودون في الحافرة * إذا كنا عظاما نخرة "

فكيف نُحال على قصة ؟!

📌 أولا : لنتأمل كيف أجمِلت القصة كلها في آيات متتابعة قليلة: ناداه ربه، ثم أمره أن يذهب للطاغية، وأن يسأله إن كان له أن يتزكى، وأن يهديه إلى ربه...

فنجدنا مع موسى عليه السلام يريه الآية، فإذا فرعون مكذب... ! مهتاج...! مضطرب يسعى، يقرع الحق وجدانه قرعا مؤلما، يجعله متخبطا، فيجمع الناس من حوله، يقول أنه الرب الأعلى ... !!

📌 ثانيا : ما علاقة فرعون وحاله إزاء دعوة الحق، بحديث سبقه عن البعث وأنه الحق ؟!

أيها المكذبون بيوم البعث، وبقدرة الله على البعث، أيها المستهزؤون المتعجبون من أن تبعث العظام النخرة بشرا كما كانت حية من جديد ...

هذا فرعون وقد طغى، وكذب بالله وبالبعث، وملك وأمر، وكانت جنوده أوتادا تضرب في الأرض ...

لا بل أكثر من ذلك .... لقد ادعى الربوبية فنادى في قومه : "أنا ربكم الأعلى" ....

أين منتهاه ؟ أين ربوبيته وأين ألوهيته ؟ وأين قوته ؟ ها نحن أولاء نشهد هلاكه نكال الآخرة والأولى...
فأين ستذهبون بتكذيبكم ؟ وأيَّ مأرب أنتم به قاضون ؟!!

أي مبلغ في الطغيان أعلى من أن يدعي الإنسان الألوهية والربوبية، ؟!! لا .... والأدهى أن يجد من يؤلهه، ويسمع كلامه ويطيع على أنه الرب الأعلى ... فيزداد طغيانا وتجبرا وتغطرسا ... وهكذا كان فرعون ... فهل أنجاه هواه وقد كذب بالخالق الباعث ؟ وبالبعث والحساب ؟!

فلننظر... أي افتراق هو بين الآيات والآيات التي تلتها ؟!! بل إنه للرباط الوثيق ...

ثم لنمضِ قُدُما ... إنها آيات أخرى موالية لقصة موسى مع فرعون، والتي انتهت ببيان هلاك فرعون، وكيف جعله الله عبرة لمن يخشى ...

إنها آيات عن الخلق ....
وإننا من البعث، إلى القَصص، إلى الخلق .... لتنتهي السورة بالبعث من جديد  :)

"أأنتم أشد خلقا أم السماء.. بناها رفع سمكها فسواها وأغطش ليلها وأخرج ضحاها " ....

يا كل من تتجبر، وتتكبر، وتُكذّب، وتتأله كما كان فرعون ... تأمل... أأنت أشد خلقا أم السماء؟
أم الأرض ؟ أم الجبال ؟

إنك لأهون على الله منها كلها ... فأين يمضي بك غرورك ؟! وأين يمضي بك طغيانك ؟!!

وبعد كل هذا الخلق الذي يحيط بك... بعث ولقاء ويوم هو الطامة الكبرى .... يوم تتذكر سعيك... فأما من طغى فالجحيم مأواه، واما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى الذي أوقع فرعون فيما أوقعه فيه، وأوقع كل مكذب فيما أوقعه فالجنة مأواه...

فلنتأمل أي افتراق هو بين الآيات والآيات ؟ وأي اختلاف واي بعد هو لمعنى هذه ومرماها عن معنى الأخرى ومرماها.. ؟!!

بل إنه الترابط الوثيق... الوثيق الذي لا يُرى من "قراءة" بل يُرى من "مكوث" و"تأمل" وتملٍّ في هذه الصور المتناسقة والمعاني المتساوقة المتسقة، بديعة التصوير ...

وهذا عن ترابط قطاعات الآيات ومواضيعها في السورة الواحدة وكيف يبدو الاختلاف والافتراق من حيث هو الارتباط والالتصاق...

وأود أن أشير بعيدا عن هذا إلى شيء من جماليات "النازعات"  :)  :
 الرب الأعلى سبحانه وكيف ينطق عنه بديع صنعه في الدنيا، وينطق عنه تحقق وعده في الآخرة أنه الرب الأعلى :"فإنما هي زجرة واحدة فإذا هم بالساهرة"  بينما ينطق المتربّب والمتأّله بلسانه المضطرب وقلبه الخائف وكيانه المهزوز : "أنا ربكم الأعلى" ...

وشتان شتان بين "الأعلى" بحق وبين المستعلي بباطل... !
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6545
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
رد: في ظلال القرآن :: 2016 ::
« رد #36 في: 2017-05-06, 10:06:45 »
2017/04/03

عندما كنت أقرأ القرآن، كنت أمر بآيات الوحدانية والخلق والإبداع وأنا أرى الأمر واضحا متجليا لا مراء فيه، وعلى قدر ما كان تأمّلها يترك بالنفس تعظيما وتبجيلا وإجلالا لله جلّ في عُلاه على قدر ما كنت أتساءل عن سرّ كثرتها، وتواجدها بكل مكان من القرآن...

كانت آيات تخاطب كفار قريش أو تصف تعنّتهم...
وكان أكثرها بالسور المكيّة، والتي هي أكبر عددا من السور المدنية...

كان نزولها في مرحلة تأسيس العقيدة ...

في أيامنا هذه، تبدّلت نظرتي لتلك الآيات...!

مع هذه الموجة الصارخة من التشكيك الذي طال الكثيرين من شباب الأمة، بل وطال مَن طال منهم الإلحاد والانسلاخ من الدين كليّا، حتى غدا الإلحاد حديثا من شائع الحديث...حتى طفِق مَن طفِق يبحث عن طرق نقاش الملحدين، وإقناع الملحدين، ومحاولة تنوير الملحدين والمشككين وانتشالهم من براثن الضلال والهوى ...

حتى افتتح هذا مشروعا لتكوين الشباب في مجال محاربة الشبهات، وتفرّغ ذاك لمناقشات عبر وسائل التواصل (التشات)... وألّف آخر عن شبهات حول "السنة" وآخر عن شبهات حول القرآن ...

ومَن افتتح صفحات لدحض الداروينيّة، ومن سجّل مرئيات موضوعها مناظرات بين أنصار الدين وأنصار اللادين ...

وهكذا... بين سعي وسعي...
موازية هي المساعي لكل الطلعات والخرجات المستحدثة من موجة التشكيك الجارفة، وموجة الإلحاد المائجة ...

ومع كل هذا ... عدتُ...فحطّتْ بي راحلتي عند تلك الآيات ذاتِها....
آيات تحكي عن هؤلاء...عنهم في كل زمان، وفي كل مكان ...
ليسوا بِدعا من الناس، ولا قولهم بِدع من الأقوال ... بل هُم هُم أصحاب التكذيب، والكفر والشك، والاهتزاز ....

هم الذين خاطبهم، ويخاطبهم، وحدّث عنهم، ويحدث عنهم رب العزّة سبحانه ...

حطّت بي راحلتي عند هاتيك الآيات، فلم أعد أرى كثرتها في القرآن سِمة من السِّمات وانتهى الأمر...

بل هي التي دورها لكل زمان هو الدور الأول، ووزنها هو الوزن الأثقل ...

التوحيد، العقيدة، النبوات، اليوم الآخر...

مواضيع هي القاعدة التي كانت تُستهدف أول الأمر كلما تطاول على الناس العهد، ليعودوا القهقرى في كل مرة..فتنتكس البشرية وترتكس، وتنكص على عقبيها، وتتمسّح بمسوح الوثنية والخرافة واللادين، فتنكر كلّ ما دعاها إليه نبي بين الأنبياء، ليُبعث نبي بعده، وينزل كتاب بعد كتاب ليجدد الدعوة للدين الواحد، ولعبادة الرب الواحد ...

كانت البشرية تحتاج في كل مرة ل"نبي" لا لمصلح عادي ...

ولكن بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم لن يكون من بعث جديد، فلا نبي ولا رسول بعده...

ولن تحتاج البشرية مع انتكاسة وارتكاسة تتهددها من كل جانب إلى نبي جديد... بل إلى مصلحين من أمة النبي الخاتم والكتاب المهيمن يبعثون الدين من جديد ...

إنني اليوم حينما تقابلني آيات من مثل قوله تعالى :"فمالهم عن التذكرة معرضين * كأنهم حُمُر مستنفرة *فرت من قسورة * بل يريد كل امرئ منهم أن يؤتى صحفا منشّرة..."

لم أعد أتمثل كفار قريش فيها كما صرت أتمثّل شبابا من المسلمين سرعان ما جعلت أرضهم الهشّة التي يقفون عليها تهزّهم...
فإذا الكثير منهم كالحُمُر المستنفرة الهائجة الثائرة الفارة من أسد يلاحقها ... !
شباب يفر من التذكرة الربانية فرار مَن يخشاها خشيته من أن يُفتَرَس ... !!!

كثير منهم صار يتألى، ويتمطى وكأنما لن يكفيه إلا أن يُؤتَى من عند الله صحيفة يُعلمه فيها باسمه ورسمه أن :  آمِنْ ... ليؤمن.. !!

اليوم صرت أرى الأمة أحوج أن تقف عند الآيات التي تخاطب العقل ل"يصل" ...

التي تحاجج بالعقل، التي يستنكر فيها العلي القدير على العقلاء ألا يعقلوا. وعلى أولي الألباب ألا يعوا ويتفكّروا...

وما كان ما كان إلا من معرفة بالقرآن لم تكن إلا القراءة للحروف، أو الحفظ لها في أحسن الأحوال.. وما كان ما كان إلا من معرفة بالإسلام لم تتعدَّ "السطح" ...

فربما...
ربما يكون مع هذه الموجات البئيسة التي تجرف من شباب الأمة مَن تجرف، قنوات ينفد منها  مَن يسأل إذ يسأل صادقا مع نفسه، ويبحث إذ يبحث عن الحق والحقيقة، فتعود موجاتٌ كريمة لتكتسح الموجات الخبيثة، موجات من العقول الواعية، والقلوب الصادقة لتبث "الرسوخ" من وحي "الوحي" ...

من تأمله والغوص في مراميه ومعانيه... ولتلوح تباشير نهاية عهدٍ الدينُ فيه شعائر بلا روح ولا حركة، ويبدأ عهد هو "العودة" لما كان أول ما كان ...

"فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا "
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6545
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
رد: في ظلال القرآن :: 2016 ::
« رد #37 في: 2017-05-06, 10:07:37 »
2017/04/09

عندما يناطح هوى البشر إرادةَ الله وحكمتَه.. !
عندما يحكّم الإنسان في نفسه هواها...

عندها طالب مَن طالب رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن يأتي بقرآن غير هذا القرآن أو أن يبدله..

عندها تجرؤوا فاستعجلوا العذاب والشر استعجالهم بالخير...

عندها طالبوه أن يأتيهم بآية خارقة...

عندما تناطح أهواء البشر حكمة الله تعالى، عندها يقولون ما يشاؤون ويتشدقون بما يشاؤون... ويهرفون بما لا يعرفون...

ولكن الجمال ... كل الجمال والجلال كل الجلال... ألا يجيبهم الحكيم العليم إلى ما يريدون  بل يقضي بأمره وتدبيره ... وإن قالوا عن نبيه إنما أنت متقوّل، فأين إجابة ربك لما طلبنا ؟

الجلال كل الجلال في بقاء الأمر كما قضى الله وكما شاء، وكما قدر، حتى وإن زادهم إمضاء الله لما يريد لا لما يريدون طغيانا وعمى على العمى ....

" وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُم بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ ۖ فَنَذَرُ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ" -يونس : 11-
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6545
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
رد: في ظلال القرآن :: 2016 ::
« رد #38 في: 2017-05-06, 10:08:22 »
017/04/16
"وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً"

هجرا جميلا... اصبر على أذاهم من ألسنتهم، واهجرهم هجرا دون أن تؤذيهم ..

وقبل أن يُؤمر صلى الله عليه وسلم بالصبر والهجر، ربّ العزة يأمره بقيام الليل، فالقول الذي سيُلقى عليه ثقيل ثقيل يستدعي أن تكون له من القوة اللازمة لتحمّل ثقله ...

هذه القوة سيستمدها من الاختلاء بربه ليلا ... إذ إن طاعة الليل أشد وطئا وأقوم قيلا ..

من قيام الليل، ما تيسّر له منه سيتزوّد لتحمّل ثقل ذلك القول الذي سيُلقى عليه، تحمّل ثقل الرسالة، ثقل الأمانة ... ثقل القرآن...

"وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا (8) رَّبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا (9)"

 1-  من  قيام الليل، 2- من ذكر الله  3- من اتخاذه وكيلا

من هذا كله سيتزود للصبر على ما يقولون، وليكون هجره لهم هجرا جميلا ... هجرا بلا أذى ..

قيام الليل زاد للنهار ...
وهذا سبحانه يأمر المزمل صلى الله عليه وسلم بقوله : قم الليل ...
وهذا سبحانه يأمر المدثر صلى الله عليه وسلم بقوله :   قم فأنذر...

فهو صلى الله عليه وسلم قائم بالنهار نذيرا، وقائم بالليل، للصلاة مقيما، ذاكرا، داعيا...
هو بين قيام وقيام ... فقيام يتزود منه لقيام... !
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6545
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
رد: في ظلال القرآن :: 2016 ::
« رد #39 في: 2017-05-06, 10:09:54 »
2017/04/30


الشيخ الغزالي رحمه الله يصف القرآن الكريم :

إنني واحد من الألوف التي قرأت هذا القرآن، ومررت بمعانيه وغاياته مرور العابر حينًا، ومرور المتفرس المتأمل حينًا آخر.
والقرآن ليس الكتاب الوحيد الذي طالعته.. فقد طالعت مئات الكتب الأخرى على اختلاف موضوعاتها، واقتربت من نفوس أصحابها ومن ألبابهم، وأذنت لهذه الكتب أن تترك آثارها في فكري؛ لأقلبها على مكث، وأنتفع بما أراه نافعًا ولفظ ما أراه باطلاً ...
ومن اليسير علي وعلى أي قارئ مثلي أن يكون حكمًا معينًا على الكتاب الذي تناوله؛ فقد أخلص من قراءة كتاب ما، ثم أقول: هذا المؤلف واسع الاطلاع ... أو أقول: إن ثقافته غزيرة في الآداب الأجنبية، أو إنه طائل الثروة في الأدب العربي القديم، أو إنه ملم بآخر ما وصلت إليه الكشوف العلمية، أو إنه قصير الباع في إعطاء المعنى حقه، أو إنه مصطبغ بلون يساري، أو إنه من المعجبين بالفيلسوف الفولاني، أو أن في نفسه عقدة تميل بأسلوبه إلى الحدة في ناحية كذا، أو إنه مرن الفهم والأداء... الخ.
وقد أعجز عن استبانة الخصائص الإنسانية المتباينة في تكيف الرجال الذين طالعت نتاجهم الذهني، أو آثارهم الروحية. وكثيرون غيري يجدون في أنفسهم هذه المقدرة. وقد تلوت القرآن مرارًا، ورجعت بصري في آياته وسوره، وحاولت أن أجد شبهًا بين الأثر النفسي والذهني لما يكتب العلماء والأدباء، وبين الأثر النفسي والذهني لهذا القرآن، فلم أقع على شيء البتة... وقد أحكم بأن كتابًا ما صدر عن مؤلف في عصر كذا، وأن جنسية هذا المؤلف ومزاجه وأهدافه هي كيت وكيت.
أما بعد قراءة القرآن، فأجزم بأن قائل هذا الكلام محيط بالسموات والأرض، مشرف على الأولين والآخرين، خبير بأغوار الضمائر وأسرار النفوس، يتحدث إلى الناس تحدث السيد الحقيقي إلى عباده الذين خلقهم بقدرته، ورباهم بنعمته، ويتناول الأمم والقرون في هالة من الجبروت والتعالي، يستحيل أن تلمح فيها شارة لتكلف أو ادعاء.
ومع رفعة المصدر الذي تحس أن القرآن جاء منه، وإحساسك بأن هذا الشيء أتى من بعيد، فإنك ما تلبث أن تشعر بأن الكلام نفسه قريب من طبيعتك، متجاوب مع فطرتك، صريح في مكاشفتك بما لك وما عليك، متلطف في إقناعك فما تجد بدًّا من انقيادك لأدلته، وانفساح صدرك لتقبله...
ولا تحسبن هذا الوصف متأثرًا بمواريث التدين التي انتقلت إلينا من الأولين، فإن الكفار أنفسهم أدركوا أن القرآن مباين بأسلوبه الخاص لجنس ما ألفوا من كلام، وملكتهم الدهشة لدى سماعه.
محمد الغزالي
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب