المحرر موضوع: في ظلال القرآن :: 2016 ::  (زيارة 28844 مرات)

0 الأعضاء و 2 ضيوف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6545
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
رد: في ظلال القرآن :: 2016 ::
« رد #60 في: 2018-01-13, 11:19:39 »
أواخر آيات سورة المائدة، ذلك المشهد من يوم القيامة الذي يضعنا الله في قلبه، مُتمَثّلا...

ذلك الحوار بينه سبحانه وبين عيسى عليه السلام ... يضعه الله بين أيدينا، نسمع حديث ذلك المشهد، ونعلم من أخباره...
وإنا له لمجموعون... وإنا فيه لحاضرون... وإنّا لحديثه لسامعون...

"إذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَىٰ وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدتُّكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا ۖ وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنجِيلَ ۖ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي ۖ وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي ۖ وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَىٰ بِإِذْنِي ۖ وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنكَ إِذْ جِئْتَهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هَٰذَا إِلَّا سِحْرٌ مُّبِينٌ" [المائدة : 110]

وكأنما الحدث قد كان وانتهى، بصيغة الماضي تأكيدا لحصوله ...

مع سؤاله تعالى عيسى عليه السلام:

{يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَٰهَيْنِ مِن دُونِ اللَّهِ ۖ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ ۚ إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ ۚ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ ۚ إِنَّكَ أَنتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (116) مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ ۚ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَّا دُمْتُ فِيهِمْ ۖ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ ۚ وَأَنتَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (117) إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ ۖ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (118)} [المائدة : 116-118]

إنها الآيات التي كلما قرأتها وكأنها الجديدة...

لا تبلى عندي، ولا يبهت لونها، ولا ينقضي سحرها، ولا ينقص جمالها...
آيات خاصة جدا... لن أخوض في جمالها، فذلك حديث آخر بلون آخر...

ولكنني تمثلتُ سيدنا عيسى عليه السلام ورب العزة يذكّره بنعمه عليه على الملأ في ذلك اليوم العظيم...

على مرأى ومسمع من كل مفترٍ، كذاب تأول في عيسى عليه السلام فدعاه لله ولدا...

على مرأى ومسمع من كل من ألّهه، وألّه أمه، وافترى عليه كذبا، أنه الذي دعاهم لاتخاذه إله ... يذكّره بنعمه عليه على الملأ...

تخلق "بإذني"، تنفخ فتكون طيرا "بإذني"، تبرئ الأكمه والأبرص " بإذني"، تخرج الموتى "بإذني" ...

كل هذا، وعيسى عليه السلام يسمع، والناس قائمون لرب العالمين، بين يديه يسمعون ...

وتلك الطائفة العظيمة من الناس عبر الأجيال والعصور، وكلها قد تنادت بألوهية عيسى، وبأن الله ثالث ثلاثة وبأن عيسى وأمه إلهان ...

أتمثل ذلك المشهد العظيم ...!!

ويُسأل عيسى من رب العزة، فيجيب...
إجابة عظيمة، دقيقة، مؤدبة في حضرة العلي العظيم...
صادقة ليس عند صاحبها ذرة توجس وريبة، وهو البريئ من كل ادعاءات المفترين ...

رُفع عيسى عليه السلام، ولم يدرِ ما سيفعل مَن بعده من تحريف وتأويل وتأليه وغلو في الدين...
وتعج الأرض بهم وبدعوتهم وبنسبهم كل تلك الافتراءات لعيسى عليه السلام وأنه الذي دعاهم أن يتخذوه إله ...

ويُبرّؤ عيسى على الأشهاد ... !

فأتذكر ....

أتذكر حَدَّيْن من حياته عليه السلام...
عيسى في المهد، وعيسى المبعوث يوم القيامة والمسؤول على الأشهاد ...

وفي كليهما عيسى يُبرّأ من افتراءاتهم، عيسى في المهد وقد أنطقه الله تعالى بالحق :

"قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا (30) وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا (31) وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا (32) وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا (33) "

وعيسى يوم البعث وقد استنطقه الله تعالى ليعيد الحق ذاته :

"مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ " .

وهذا عيسى عليه السلام ... والسلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يُبعث حيا ...

وكيف لا، ورب العزة يجيبه وقد سأله فأجابه مبعوثا : "هَٰذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ ۚ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ۚ رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ۚ ذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ"

وتلك عاقبة كل من اتخذه إلها، وافترى عليه أنه الذي دعاهم لاتخاذه إلها.... مجموعون ليوم عظيم، ولمشهد عظيم تشخص فيه أبصارهم، وتُشنّف فيه آذانهم لسماعه وربه يحاوره... وقد كانوا يدينون بالباطل دينا ...

فعليك السلام يامن أُنطِق بالحق وليدا، واستُنطِق بالحق مبعوثا ... يا مَن السلام عليك يوم ولدتَ ويوم تموت ويوم تُبعث حيا...
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6545
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
رد: في ظلال القرآن :: 2016 ::
« رد #61 في: 2018-01-13, 11:20:33 »
سورة الأنعام وما أدراك ما سورة الأنعام ... !

** هل تأملتها والله سبحانه فيها يُمضي أمره بأنه القادر على أن يبعث الآيات، ولكنه لن يبعث الآيات بعد القرآن... !

فليطلبوا المَلَك المصاحب... !
فليسألوا الآيات الخارقات ... !
فليعدّوا الله وهو لا يستجيب لطلباتهم غير قادر ...!

لن ينزل سبحانه آية ... !!

لقد مضى عصر المعجزات العينية، إنهم لو أُنزل عليهم كتاب في قرطاس، بل ولو لمسوه بأيديهم ما آمنوا ....
إنّه يؤكد لرسوله أنّ الآيات لن تنفعهم وكل ما حولهم آية لو أنهم "يعقلونها" ...

لن ينزل الله آية ..... !

** هل تأملتَ الأنعام والله فيها يقرّ أنه لن يرسل عذابه المهلك كما أرسله في الأمم السابقة ...

** هل تساءلت ماذا تريد الأنعام من المؤمن؟
من الإنسان ؟

إنها تريد أن توصله بعقله ...

تلكم هي المعجزة الكائنة في الإنسان...
تلكم هي المعجزة التي تحركها معجزة ...

"العقل" يحركه "القرآن"...

يستحثه، يجعله يعمل ليصل ... ليصل إلى بارئه...

** هل تُراك تأملتها وهي تحض على السير، والنظر ...

"قل سيروا في الأرض ثم انظروا كيف كان عاقبة المكذبين "

** ثم تأمل الحث على النظر بالعقل حتى في الغيب !

أجل في الغيب :)

في يوم البعث، وفي مشاهده، وفي حال الكافرين متمثلين أمامنا وهم يخرصون بالسفه كما كانوا يخرصون سفها في الدنيا ...

هلا عقلت... هلا عقلت قبل أن يأتي يوم تتحسر على ما فرطتَ ؟

** تأمل كيف نُدعى للنظر بعقولنا في "البعث"..

كثير وكثير جدا في سورة الأنعام ...

كله حركة للعقل، وتحريك للعقل، وإعمال له للوصول به إلى خالقه ...

غيض هو من فيض... من فيض روعة وتفرّد سورة الأنعام ... !!

** رحلة للعقل في أطراف الحاضر والغيب، في ربوع العقيدة وأركانها وأساساتها ... بالعقل لا بغيره ..

رحلة للعقل وبالعقل تعرفك بربك وبطلاقة قدرته، وبالرسالة وبالرسول وبدوره وحدوده مقابل تلك الطلاقة ...

حتى "الموت" و"البعث" تعرّفك الأنعام أن ،"تعقلهما" في كل مرة تنام فيها ثم تستيقظ ...

إنك تشهد الموت والبعث وتجربهما وأنت حيّ في الدنيا... فاعقل ...!

تأمل ... فكلّ الأنعام دعوة للتأمل ولأن نعقل...

إنها الأنعام وما أدراك ما الأنعام ثم ما أدراك ما الأنعام ... !!

إنما ألقي شذرات... شذرات...

تلقَّفْها وامضِ في رحلة "الأنعام"... فإنها رحلة لعقلك، هو فيها الراحلة التي بها الوصول .... !!
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6545
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
رد: في ظلال القرآن :: 2016 ::
« رد #62 في: 2018-01-13, 11:22:01 »
ومن "عقلانيات" الأنعام، ذلك الحوار الإبراهيمي الرائع  emo (30): تلك الحجة العقلية الإبراهيمية الرائدة :)

"وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَاماً آلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ(74) وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ(75) فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَباً قَالَ هَـذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لا أُحِبُّ الآفِلِينَ(76) فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغاً قَالَ هَـذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي لأكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ(77) فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَـذَا رَبِّي هَـذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ(78) "-الأنعام-

كيف كان تفاعل سيدنا إبراهيم عليه السلام في كل مرة؟

إنه تفاعل تدريجي، فهو يجاري قومَه ليخاطبهم بما يفهمون، وليجعلهم أكثر تقبلا لما سيقرّره أخيرا. ..

إنه المهتدي الذي أراه ربُّه ملكوتَ السماوات والأرض، فكان من الموقنين.

1- المرة الأولى عن الكوكب قال: "لا أُحِبُّ الآفِلِين"َ ....

2-في المرة الثانية عن القمر قال: "لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي لأكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّين"َ...

وهو هنا يعرّض بهم ولا يواجههم بقوله مثلا: "لأكوننّ منكم"، كما أنه ينفي أنه منهم، لأنّ الآصرة عنده هي آصرة العقيدة لا آصرة الدم، فماداموا ضالين فهو ليس منهم .كما أنه المهتدي بهدى الله، ولكنه الذي لا يستغني عن هدى على الهدى، "وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى"

3- في المرة الثالثة عن الشمس قال: "يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ"...

** "لا أحب الآفلين"======> إنه هنا وكأنه يتّبع هوى نفسه، وإن كان هواها مع الحق، هم هنا لن يفزعوا من قولته هذه، ولن يرفضوها، فهو يصرّح عن نفسه وما تحبّ وما تكره، أضف إلى ذلك أنّ عدم حبّه للآفلين، سيُلفت نظرهم إلى أنّ هذا الذي يتخذونه إلها لا يليق أن يكون إله وهو مِن "جمع" الآفلين.

** "لئن لم يهدِني ربي لأكوننّ من القوم الضالين " =====> إنه من بعد تصريحه بما تكره نفسه، بدأ الآن بذكر الهدى، ومصدر هذا الهدى الذي يرتجي...

إن مصدره ربّه، فقد انتقل من مرحلة اتباع نفسه إلى مرحلة وَكْل أمرها وهداها لربّه، فكُرهُه للآفلين وإن كان سليما، وطريقا صحيحا، إلا أنه يبرأ هنا من نفسه ومن حوْلها ومن هواها، وإن كان هواها مع الحق....

إنه يبيّن أول الطريق ... أنّ المنهج الذي يهدينا هو الذي يبينه لنا ربنا وليس الذي تبينه لنا أنفسنا .

** "يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ"=====> أما هذه المرة فهو يعلن براءته مما يشركون، من كل ما يشركون، من بعد ما أعلن براءته من نفسه،يعلن لهم صراحة أنّ هذه المعبودات إنما شركاء...

ليسوا بالقوة التي تقهر، والتي لا تغيب، ولا تأفل، ولا تظهر عليها قوة...

وفي هذا تمهيد لإعلانه التوحيد ..

** براءته من الشرك هي طريقه للتوحيد ...
والذي سيعلن عنه أخيرا إعلانا قويا ظاهرا لا يخالطه لُبس، وذلك في قوله :"إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفاً وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ(79)"

** إنه يوحّد ربّه، ويوجّه له وحده وجهه، ويقرّ بعظيم قدرته، وأنه الذي فطر السماوات والأرض، فطر السماء التي يعبد منها قومه نجوما وكواكب، وشمسا وقمرا، وفطر الأرض التي يتخذون من حجرها ومن خشبها أصناما يعبدونها...

أما هو فيعبد ربّ هذا كله، رب السماوات والأرض وما بينهما، وقد أُرِيَ ملكوت السماوات والأرض وكان من الموقنين . "حَنِيفاً وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ"

ما أروع "حنيفا" هنا...!

وهو الذي أعلن مَيْله عن الشرك، مَيْله عن أهواء قومه وخرافاتهم، ميله عما ساد الأرض من شرك وكفر، ميله إلى الحق... !

وإن كان وحده بينهم فقد مال عنهم، عن باطلهم إلى الحق ..... "وما أنا من المشركين" إنه سأل ربه أن يهديه فوق هُداه، ولم يستغنِ عن هدى فوق الهدى، فزاده الله هدى...

زاده الهدى الذي واجه به كل قومه غير آبه بما يصنعون به، ولا بما ينعتونه به، واجه أباه ،وواجه مَلِكهم، وواجه به تكذيبهم، وصبر على تعذيبهم، حتى أمر الله النار فتغيّر فعلها فيه ...!

عرّض لهم بدايةً أنّه لئن لم يهده ربّه ليكوننّ من القوم الضالين، غير معيِّنهم، فلما زاده الله هدى على هداه، أعلن بين جمعهم "وما أنا من المشركين".... لقد عيّنهم، ووصفهم بوصفهم. ...

وهكذا :

**هواي وإن كان حقا لا أعوّل عليه====> بل أبرأ من نفسي وأتوكل على الله ربي وأسأله الهدى على الهدى=====>عندها لن يكلني ربي لنفسي ولضعفها وسأفصل بالتوحيد وتوجيه وجهي لله مائلا عن كل باطل إلى الحق وإن عجّ به كل ما حولي...**
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6545
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
رد: في ظلال القرآن :: 2016 ::
« رد #63 في: 2018-01-13, 11:22:30 »
اليوم وأنا أتأمل سورة الأعراف، وأمشي بين آياتها الهُوَيْنى...

فأجد عقلي يلقف من هذه الكلمة سرا، ومن ذلك التعبير سرا آخر... ومن ترابط الآية بالآية سرا، ومن تفصيل آية لأخرى سرا...

وجدتُ لذة وطعما، وحلاوة تعقد لساني، وتستوقف كل ذرة في نفسي، وتُبهتني، وتُذهلني عن الدنيا وما فيها، فلا أرى شيئا في الدنيا بأكملها يساوي تلك اللحظات... !

لحظات "أقرأ" فيها القرآن حق القراءة ...

لحظات أرى فيها القرآن يُقرأ آية فآية...
كما يخبئ معنى في الرابط بين الآية والآية، ويخبئ آخر في الآيات تقدّم لمعنى الآيات اللاحقات، وفي الآيات تفصّل لمعنى الآيات السابقات ...

في ظاهر الآيات معنى، وبين ثناياها وطواياها معانٍ ومعان ... لن يقرأها من يقرأ الحروف ... !

عندها تذكرت المتسابقين على الختمات، المعتدّين بالعدد والعدّادات... !

فصدعت مستنكرة منتفضة مع ما يعتري نفسي من تلك الحالة التي أجدني معها في كل مرة مجددة العهد بالإيمان واليقين، أنّما هذا قول إله حكيم عليم، وما هو بقول البشر ... !

في كل مرة ينكشف لي سرّ من أسرار الكتاب، وتبرز لي ميزة من ميزاته التي تجعله الفريد المتفرّد، وتجعلني في كل مرة بين يديه أجدد الإيمان بأنه المعجزة وبأنه كلام الله لا كلام سواه...

صدعتُ ...
أي شيء هو حاصل من قراءة الحروف، واللهث خلف الحروف، وتقليب صفحات الكتاب سِراعا، وطيّ الكتاب دفّةً تنطبق على دفة ليُفتح مع مرور جديد سريع غايته الوصول لطيّ الدّفتَين من جديد... ؟!

وهكذا ... !

تلك هي البطولة ... !!

صدعتُ، وانتفضتُ مستنكرة...
ما حصّل صاحب الختمات ؟ صاحب الطيّات تتلوها الطيّات ؟!!

ما تُراه يرى نفسه قد جنى ؟!
سألت وتساءلتُ، وكنت السائلة والمجيبة في آن...

سيقول أنه قد حصد الحسنات، وذاك الجنى من جنّة القرآن دان... !

الحرف بحسنة، والحسنة بعشر أمثالها ...
وعدد حروف القرآن يا صاح بالآلاف مع المئات مع العشرات، وضربها بعشرة الحسنة الواحدة عددٌ مضاعف الآلاف والمئات والعشرات، بعشرة أضعاف يا صاح ... !!!

وما هذا بقليل... !!!

ونستكمل عمل العدّ والعدادات ...
ويغدو كل من سلك هذا السبيل رياضيا حاسبا، محاسبا ...

وبعد ُ .... !!

وماذا بعد ؟!

أتُراك تدري ميزانك وما بكفَّتَيْه فعملك ودأبك الحرص على كفة الحسنات ؟!!

في سباق أنت لترجّح كفة على كفة ...
كم تراه سيدوم هذا السباق ؟ سباق على مجهول ؟ على سراب ؟

أتُراك تيقنت من قبول عملك بَلَه من عَدِّه حسنة مسجلة ؟!

كم سيدوم سباقك ؟! العمر كله ؟!

ونفسك ؟! ما أخبار نفسك ؟ ما أخبار حالها ؟!
هل فكرتَ فيها قليلا وأنت تعدّ وتحسب ؟

ستقول إنما تفكيري بها، لا بغيرها، وأنا لها أعد وأحسب لا لغيرها ...

ألهذا جُعل القرآن ؟ أللعدادات يسرّعها ؟!
أم للنفس أرضا يحرثها ويقلّبها ليخلّصها من الآفات والطفيليات والمفسدات، وليزرع وليسقي وليُنبت وليحيي ما فيها من موات ؟!

أحساب للحسنات أوقع وآكد وأقرب وأحق أم محاسبة للنفس وتغيير لما بها، وعزم على الفهم، وعلى العقل، وعلى الوعي مع كل "أفلا تعقلون ؟". ومع كل " أفلا تتقون" ومع كل "أفلا تتذكرون" ومع كل "أفلا يتدبرون" ...

اسمع واعقل.... وإني معك أسمع وأعقل ...

أفحبة دواء تُذهب الحُمّى تأخذها لحُمّى تصيبك خيرٌ وداؤك من أعراضه الحمى، لا الحمّى ذاتها ... أم دواء يُذهب داءَك لا "موْهومَ" دائك ... ؟!

ستأخذ تلك الحبة ... وستخفّ عنك الحمى إلى حين ... لتعاودك بعد ساعة حمى أشد وطأ وأكثر إيهانا ...

لأنك حاربت الحمى لساعة، ولكنك أبقيت على أصل الداء ينخر جسمك ... وتحسب أنك الطبيب المداوي وما أنت إلا المسكّن لألم ساعة يعاود أضعافا بعد ساعة ...

فدع عنك الحبة تحارب الحمى، وابحث عن دواء يُذهب أصل الداء في جسمك ...

عِش معه حياة وحركة وروحا تنفخ فيك الحياة وستكون نفسا تتحرك على الأرض بالحسنات، لا عدّادا يعدّ الحسنات... !
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6545
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
رد: في ظلال القرآن :: 2016 ::
« رد #64 في: 2018-01-13, 11:23:04 »
{قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِن قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صَالِحًا مُّرْسَلٌ مِّن رَّبِّهِ ۚ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ} [الأعراف : 75]

ذهب الملأ يسألون المستضعفين الذي آمنوا...
يسألونهم إن كانوا يشهدون على أن صالحا مرسَل حقا...

فأجابهم المستضعفون بقولهم : " إنا بما أرسل به مؤمنون"

تأملوا كيف كان جوابهم...
لقد سألهوم عن صالح، فكان حريا بهم أن يجيبوهم عنه أيضا، إذ من جنس السؤال يكون الجواب ...

كأن يقولوا مثلا : "نعم نعلم أنه مرسَل "

ولكنهم أجابوهم عن الذي جاء به ... وأنهم قد آمنوا بما جاء به ...

إنهم المستضعفون، ولكنهم أصحاب العقول السليمة التي أُعمِلتْ فيما جاء به الرسول، فتعرفوا إلى رسالته، وفحصوها، وقبلتها عقولهم ولم تُحجَب دونها، واعتنقوا ما جاء به بعد بحث واقتناع، ولم يكن شخص صالح دافعهم للإيمان، بقدر ما كانت قناعتهم بما جاء به ...

أما الملأ فكان همّهم "صالح" وإبطال دعواه، وتكذيبه من غير بحث فيما جاء به ولا فحص ...
حتى أنهم لما سألوا المستضعفين سألوا عنه ولم يسألوهم عن "الرسالة"...

فانظر إن أنا سألت إحداهنّ إن كانت فلانة حقا خياطة فأجابتني بقولها : نعم هي كذلك.

وإن سألت الأخرى السؤال ذاته فأجابتني : ياااه لو ترين فستاني الذي خاطته لي، كم أتقنته، وكم هو على المقاس والطراز ... ! :)

لأيقنتُ أن الثانية أكثر معرفة بها وهي التي خبِرت صنعتها ، وتملك الدليل عليها، ولاطمأننتُ أنا أكثر إن كان سؤالي عنها غرضه معرفة مدى حذاقتها لا السؤال عن شخصها...

فلنتأمل الفرق بين من يبحث بعقله فيما يعرضه فلان من الناس ليحكم على ما جاء به، وبين من يبحث في شخصه ليحكم على ما جاء به بالنظر إلى شخصه دون النظر فيما جاء به...

من أجل ذلك أجاب الملأ بَالِغين الغاية في التعنت والتصلّب وتغييب العقل بالهوى والاستكبار : " قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا بِالَّذِي آمَنتُم بِهِ كَافِرُونَ "

وهكذا ديدنهم، النظر إلى الشخوص لا إلى المعروض..
مادمتم "أنتم" "المستضعفون" قد آمنتم به، فدون نظر فيه نعلن كفرنا به....
بالنظر إليكم كان حكمنا عليه ...

فأي عقل ونظر هو في هؤلاء "المستضعفين" وأي هوى وسفه هو في "المستكبرين"... !!
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6545
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
رد: في ظلال القرآن :: 2016 ::
« رد #65 في: 2018-01-13, 11:24:14 »
في قوله تعالى : " قُل لَّا أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ ۖ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَىٰ إِلَيَّ ۚ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَىٰ وَالْبَصِيرُ ۚ أَفَلَا تَتَفَكَّرُونَ" -الأنعام : 50-

هكذا لقّن المولى عز وجل صفيّه صلى الله عليه وسلم أن يقول، ويعلن عن حدوده، حدود قدرته ..

** لا يدعي أن خزائن الله عنده..
** لا يدعي علما بالغيب..
** لا يدعي أنه ملك ..
** لا يتبع إلا ما يوحى إليه..

سبحان الله ... !!

عند العاقل هذا هو الذي يُصدَّق، وهو لا يدعي ما ليس له ...
وهو ينفي عن نفسه ما يسارع الكذابون على الناس من مشعوذين ودجالين لنسبه لأنفسهم ...

وهو يعلن حدود قدرته بإزاء طلاقة قدرة الله عز وجل التي تأتي بعد آيات قليلة ...

** فله سبحانه "مفاتح الغيب" لا الغيب وحده ..
** وهو القادر على أن يرسل عذابا كيفما شاء..
** وهو سبحانه القاهر فوق عباده ...

ولو كان كذابا لسارع لادّعاء كل هذا لنفسه..

فها هم الدجالون يقرؤون "فنجانا" ببقايا قهوته، يقلبونه لترسم القهوة هالاتها على أطرافه، فإذا الفنجان دنيا، وإذا هالات القهوة ملامح مستقبلك يا مترقبا "أقدار" فنجان !!! 😏

وها هو المشعوذ الآخر يدّعي حازما أنه الذي "زوّج" عوانسا وصيّر الزوج المتمرد طوع يمين زوجته بخلطة بين الخلطات أو بورقة تُكتب لتُغسَل فيُغتَسَل بمائها !!

وهذا آخر قد مكّن التاجر من ربح مضاعف، وفاق الطبيب الحاذق إذ صيّر العاقر ولودا !!

وإن هذا الصدق البالغ أعلى المبالغ لأدعى أن يُصدَّق صاحبُه عند العقلاء ... وهو ينفي عن نفسه ما ليس لها ولا يدعيه ...

وإن المؤمن لو "تعقل" لما كان للدجال من سلطان عليه، فهذا النبي لا يدّعي كل هذا، فكيف لغيره أن يدّعيه ؟!
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6545
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
رد: في ظلال القرآن :: 2016 ::
« رد #66 في: 2018-01-13, 11:24:44 »
{خَلَقَ الْإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُّبِينٌ} [النحل : 4]

خصيم مبين ...
من نطفة من منيّ تُمنى هو هذا الخصيم المبين ... !!
من ماء مهين هو هذا الخصيم المبين .. !
من ماء مهين كان إنسانا عاقلا مكرّما.. !

أو ليس ألدّ الخصام مَن أُوجِد بعد إذ لم يكن شيئا مذكورا لينكر وجود مَن أوجده !

وموجة الإلحاد هي ذي تمتدّ خصاما مبينا.. !!!

فاللهم ثبتنا ..
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6545
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
رد: في ظلال القرآن :: 2016 ::
« رد #67 في: 2018-01-13, 11:25:23 »
هل تساءلت يوما عن سر ترتيب المصحف على ما هو عليه ؟

هل تساءلت عن سر ترتيب السور فيه على غير ترتيب النزول ؟

هل علمت أن ترتيب المصحف توقيفيّ من عند الله تعالى..؟ أي بأمر منه سبحانه ..

فهل تساءلتَ عن الحكمة من ترتيبه على هذا النحو ؟

هل تمثلتَ نفسك... بل غيرك ممن لا يعرف عن ترتيب النزول... بل ممن عهده بالإسلام قريب، فهو ينتقل بين السور، يتصفح المصحف، ويقرأ، فيعرف ما يجب أن يكون أولا في هذه السورة، ليعرف بعدها ما يجب أن يكون تاليا في السورة الموالية...

وهكذا انتقالا ...
خطوة فخطوة ... كالسبيل يُقطَع بالخطوات، فتكون عليه قُدُما خطوة تليها خطوة ...

من الفاتحة ---- إلى البقرة ----- إلى آل عمران ---- إلى النساء ---- إلى المائدة ---- إلى الأنعام ---- إلى الأعراف---- إلى الأنفال...

فهل تحسّستَ الرابط بين السورة والتي تليها من موضوع الأولى إلى موضوع التالية ؟

هل لمستَ معنى الخطوة تقود إلى الخطوة ؟
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6545
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
رد: في ظلال القرآن :: 2016 ::
« رد #68 في: 2018-01-13, 11:26:05 »
الآن فهمت لماذا كان عمر رضي الله عنه يخاف على الأمة كلما غنموا غنما، أو جاء بيتَ المال فيءٌ أو قسم من خيرات البلاد التي فُتحت في عهده،وقد تفتحت عليهم خيرات الأرض...حتى جعل يبكي عندما وصل المدينةَ من خيرات بلاد فارس... !

الآن فهمت مدى خوفه من العيش الرغيد و حراسته وُلاة بلاد الإسلام وتتبّعه لأحوال معيشتهم، وغضبه من الفاتحين إذا استقبلوه بلباس خاصة وهيلمان خاص...

إنه عمر... !

عمر الذي فهم القرآن، بل تربى بالقرآن وبتوجيهاته... لا شك أن عمر وهو يقرأ سورة الأنفال فهم أن التساهل مع الأمر الذي يبدو صغيرا يؤدي إلى الأكبر فالأكبر فالأكبر...

لذلك لم يكن يستسهل التسويغ ... بل ظل عمر وثبت على عمريته...

عرف من سورة الأنفال أن الله تعالى حذر المؤمنين من التمادي ... وأن الاختلاف في غنائم غزوة بدر كان يستدعي كل تلك التربيات الربانية في سورة الأنفال، وكل ذلك التأكيد على دوام الطاعة الكلية لله وللرسول، والاستجابة لله وللرسول، وعدم خيانة الله والرسول، والتخويف من التنازع، والدعوة لإصلاح ذات البين، وأن من صفات المؤمنين إيمانا حقا الإنفاق حتى لا يقع المؤمن عبدا للمال... !

نعم هو نزاع بسيط بعد نصر مؤزر من الله... ولكن لو ترك دون توجيه وتخويف وتنويه بما هو أولى وأدعى للتسابق عليه لهلكت الأمة ولذهبت ريحها ودولتها...

نعم إن الأمة التي تبحث عن تمكين وقوة وبقاء ودوام هي التي لا تستسهل أمر النزاع البسيط المنجرّ عن الشهوة، وأمر الاختلاف الطفيف...

نعم لا أشك أن ابن الخطاب قد تربّى من "الأنفال" فكان الخليفة العظيم الذي عرفت الدولة الاسلامية في عهده فتوحات وتفتُّحَ خيرات عظيمة، وعرف حق المعرفة كيف يَسُوس الناس في أعوام رخاء ونعماء...

عرف كيف يدفع المؤمنين للشكر والذكر لا للبطر والغفلة...

عرف كيف يجعلهم ذاكرين أن الأمر كله بيد الله وأنه كما نصرهم وهم مؤمنون يخذلهم وهم لاهون، عابدون للمادة، مضيّعون للأواصر والروابط الأخوية من انبهار بها يؤدي إلى نزاع عليها....

لقد قرأ عمر الأنفال...
لقد تشربها... لقد كانت دماً يسري في عروقه....أمدَّ به شرايين الأرض في عهده الفريد... !
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6545
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
رد: في ظلال القرآن :: 2016 ::
« رد #69 في: 2018-01-13, 11:27:43 »
عن يوم من أيام رمضان (2017/06/15)
-------------------------------

اليوم أحسست بسعادة غامرة، وفرحة خاصة جدا ...

اليوم أُثلِجَ صدري..   emo (30):

كنا نتفكر في آيات من سورة يونس...

سعدت وقد تعوّدْن التفكر، والتدبر...
فرحت وأنا أسمع منهن ما يُنبي عن فهم، عن تعقّل، عن تفكر ....

لم يَعُدْن يمرُرْن بالآيات مرور الكريم المسلّم، بل مرور الماكث، المتسائل، المقلّب لوجوه المعاني ... !

مرور الذي يريد أن يقطف ثمرة، لا مرور الذي يريد أن يؤدي دوره بقراءة كيفما اتفق، وكيفما كان ...

"قُلْ هَلْ مِن شُرَكَائِكُم مَّن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ ۚ قُلِ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ ۗ أَفَمَن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لَّا يَهِدِّي إِلَّا أَن يُهْدَىٰ ۖ فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ" -يونس : 35-

"أمّن لا يهِدّي إلا أن يُهدَى "...أمّن لا يَهتَدِي إلا أن يُهدى،
من الأحق بالاتباع ؟

الذي من خصائصه الهداية، أم الذي ليس من دوره لذاته، لنفسه أن يهتدي إلا أن يهديه الهادي، فكيف أن يكون هاديا ؟!

من الأحق بالاتباع، الهادي أم الذي لا يهتدي إلا أن يُهدى ؟!

ومشينا بين أفياء الآيات المواليات، وشيء في نفسي يحدّثني أن صمتَها مع استغراقنا في الآيات ليس بالذي تعودتُه منها، ليس بالذي هو من عادتها...  emo (30):

لقد كنت أستأنس بتعقيب منها، بملاحظة، بتفكر تُدلي به وهي تعيش الآيات وبُعدها وعمقها وتصويرها، تتتبّعها وتحلّق في سمائها...

حتى بلغنا قوله تعالى :
"وَمِنْهُم مَّن يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ ۚ أَفَأَنتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَلَوْ كَانُوا لَا يَعْقِلُونَ (42) وَمِنْهُم مَّن يَنظُرُ إِلَيْكَ ۚ أَفَأَنتَ تَهْدِي الْعُمْيَ وَلَوْ كَانُوا لَا يُبْصِرُونَ (43)" -يونس-

عندها نطقت ْ ...  emo (30):

كنت أعلم أن صمتهايخبئ شيئا ...

قالت لي : منذ قرأتِ الآية وفيها مَن الأحق بالاتباع الهادي أم الذي لا يملك حتى أن يهدي ذاته ... وأنا أسقط على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنا أراه الذي لا يملك أن يهدي، وأنه الذي لا يهتدي إلا أن يُهدى، وأنا أتساءل، فكيف يكون منا اتباع لرسول الله صلى الله عليه وسلم وصفاته هي تلك ؟!

كانت تقولها وهي التي لا تجرؤ على الصدع بها، تومئ لي بها إيماء، كبرتْ عندها كلمة، حتى جعلت أدفعها لقولها دفعا، وأشجعها عليه ...

تهللتْ أساريرها، وهي تقول لي : لقد وجمتُ أتساءل عن هذا، حتى أجابني الله تعالى ...  emo (30): الآن في هذه الآيات المواليات وجدت شفائي ...

قالت : "أفأنت تسمع الصم ولو كانوا لا يعقلون ؟ "

ها هم كانوا يسمعونه، ولكنهم لم يكونوا يسمعون الحق... كانوا بين يديه، وكانوا يسمعونه، ويبصرونه، ولم يكونوا يهتدون ... !

إذ لم يكونوا يعقلون ...

الآن فهمت ... هذا رسول الله وهذا الحق الذي جاء به بين أيدينا، فمن شاء "عقله" فسمع الحق، وأبصر الحق، ومن شاء سمعه وكأنه لا يسمعه، وأبصره وكأنه لا يبصره ...

نعم إنه الذي لا يهدي، والهادي هو الله سبحانه، واتباعه إنما هو اتباع "تعقل" لا اتباع عن عمى ... الاتباع عن عمى لا يعطي ثمرة الهداية الحقة، هو الإسلام بالوراثة...

أما الذي أراده الله فهو الذي يعقله المؤمن، يتعقل ليدركه، ليبصره وليسمعه ، فيتمكن من النفس تمكنا، ولا يكون الورقة في مهب الريح ...

هل أغنى عنهم أن سمعوه، فما سمعوه بعقولهم، وأن أبصروه فما أبصروه بقلوبهم ؟!
وهل يغني عنا اليوم اتباع بلا تعقل ؟! هل يكون الهدى الراسخ الذي لا يتزعزع ؟!

فرحتْ ... وهي التي وجدت الله يجيب تساؤلها من آية إلى آية ...

وفرحتُ أنا أيما فرح ... وهي تعقل القرآن... وهي تنشغل بآية فتستوقفها، وتتساءل فلا تهنأ حتى تجد جوابها... تجد شفاء غليلها ...  emo (30):

أجل لقد عمل "المخّ" مع جارحة السمع فسمعوا، ولكن لم يعمل "العقل" مع السمع، فلم يسمعوا الحق ...
ولقد عمل "المخ" مع جارحة البصر فأبصروا، ولكن لم يعمل "العقل" مع البصر فلم يبصروا الحق ...

فرحت بها اليوم... ولم تكن غاية العطاء والفضل من الله الكريم ... :)

بل تأملنا الآيات حتى ذُكر بالسِيّ السيُّ ...

فجئت على أمر الإلحاد والملحدين، والموجة التي تجتاح بلاد الإسلام وشبابه... فقلت لهنّ أنني أرى هذا من المحن التي تحمل منحا كبيرة ...

إذ لا محالة هناك من يهلك ويضيع دينه، ولكن هناك من الشباب من سيسأل، ويبحث حتى يصل، وإنما هو الوصول الذي نريد في شباب ترسخ العقيدة في نفوسهم فلا تتزعزع ... إذ لن يكون إسلامهم إسلام الوراثة بل إسلام "التعقل" ...

عندها نطقتْ أخرى وقالت : فليسألوا، فليبحثوا، القرآن، الدين من القوة والكمال بحيث لا يخاف سؤال السائلين ... بل سيجدون الإجابات التي يريدون ...

لن يخشى الدين سؤالهم... بل سيحتويهم وسيشفيهم ...

عندها هلّلت، وانبلجتْ أسارير نفسي قبل أسارير وجهي ....
وأنا اليوم أنعم بالتفكر، والحكمة والتعقل يلقين بها كلها ...

ولم يكن هذا غاية الفضل منه سبحانه...  emo (30):

بل لقد ثنّت الأخرى فقالت : إني أراني أعرف نفسي بعقل خُلقتُ... ولكنني لم أكن أستخدم عقلي قبل الآن... كيف كنا نقرأه ؟!! أين كانت عقولنا ؟ ... كيف شُلّت عن الحركة ؟!
وأردفْن يؤيّدنها ... :) أن نعم لم نكن نعقل قرآننا ... ويالخسار ما كنا عليه !

حتى قالت الأخرى : لقد ظلمونا، كانوا يحثوننا إذا حثونا على حفظ آياته، ولم يكونوا يحثوننا على تدبره بعقولنا ... !

ثم قالت أخرى : يالهذه الحركة !! يالهذه الحياة تدبّ في جنبات هذا الكتاب ... فنرانا فيه، فنتمثلنا في الدنيا، كما نتمثلنا في الآخرة وكأننا في يومها ... !!

أجل اليوم سعدتُ، وأثلجن صدري...  emo (30):
وأحسست بالحياة تدب في النفوس، وبالحركة تدب في العقول ... وباستشعارهنّ للحال التي يجب أن تكون مع القرآن ....  emo (30):

لقد تعوَّدْن .... تعوّدن على العيش مع الآيات والكلمات والمرامي... تعوّدن على التساؤل، وعلى التفكر، وعلى الانشغال حتى انبلاج نور الجواب الشافي ... تعوّدن على معايشة القرآن ...

فلله الحمد والشكر والمنة ....
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6545
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
رد: في ظلال القرآن :: 2016 ::
« رد #70 في: 2018-01-13, 11:28:27 »
وأنا أراجع شيئا كتبته في مجمل قوله تعالى :

{ثُمَّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِم مُّوسَىٰ وَهَارُونَ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ بِآيَاتِنَا فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُّجْرِمِينَ (75) فَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِندِنَا قَالُوا إِنَّ هَٰذَا لَسِحْرٌ مُّبِينٌ (76) قَالَ مُوسَىٰ أَتَقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَكُمْ ۖ أَسِحْرٌ هَٰذَا وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ (77) قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَاءُ فِي الْأَرْضِ وَمَا نَحْنُ لَكُمَا بِمُؤْمِنِينَ (78)} [يونس : 75-78]

وجدتُني كتبت :

إن في الدين حريّةً تُسترجع للعقل...للإنسان...
إن فيه تخليصا من العبودية للعباد، وذلك ما يخشاه المتجبرون في الدين ... !
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6545
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
رد: في ظلال القرآن :: 2016 ::
« رد #71 في: 2018-01-13, 11:28:56 »
في قوله تعالى : {قَالَ قَدْ أُجِيبَت دَّعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا وَلَا تَتَّبِعَانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} -يونس:80-

لنتأمل دعوة الله لنبيَّيْه عليهما السلام بالاستقامة وبألا يتبعا سبيل الذين لا يعلمون...

ألا يبدو غريبا أن يُدعى النبي للاستقامة وهو من هو ؟!

وأن يُدعى إلى عدم اتباع سبيل الذين لا يعلمون ؟!

لنتأمل "الذكرى" و "التذكير" ...

ولنذكر بالمقابل دعوة إبراهيم عليه السلام وهو يرفع القواعد من البيت هو وابنه، فيقول : "ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم"...

وهو النبي الأمة القانت لله رجاؤه الأوحد أن يتقبل الله منه ... بينما لا ينشغل العاديون من البشر بقضية القبول ... !!

ولنتذكره وهو يثني على ربه سبحانه فيما يثني، فينسب إليه سبحانه الأمر كله، حتى إذا بلغ نفسه وصفها بالذنب بإزاء نعم الله عليها : " وهو الذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين"

ولنتذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يجيب عائشة وقد أنكرت عليه أن يشقّ على نفسه بالقيام مصليا وهو الذي غفر له ربه ما تقدم من ذنبه وما تأخر، قائلا : " أفلا أكون عبدا شكورا"

عندما نسمع من الأنبياء هذا التواضع لله، نتعلم ما يجب أن يكون عليه حالنا نحن مع الله تعالى..

وعندما نسمع توجيه الله لأنبيائه وتذكيرهم بالاستقامة والثبات ...

كل هذا منطقيا وعقليا من دواعي التأسي بالأنبياء، لا من دواعي القول : "ولكنهم الأنبياء أين نحن منهم ؟! "

كل هذا يؤكد بشرية الرسل، وأن هذه البشرية فيهم عليهم الصلاة والسلام هي ذاتها البشرية فينا، وعلى هذا لم تحُل بشريتهم دون كونهم رسلا كما كان المشركون يحاججون تخرّصا، ويعجبون أن يكون البشر رسولا ...

بل إن بشريّتهم هي الدافع الأكبر لتأسّينا بهم ...

فنبيٌّ يقر بالذنب، ويقر بطمعه في مغفرة الله له، ونبي لا يرى نفسه أجزى ربه شكرا، ونبي يدعو الله وغاية رجائه أن يتقبل الله منه...بل وتذكير من الله لنبيه أن يستقيم وألا يتبع سبيل الضالين !!

ولأن سورة يونس مدارها حول حكمة الله تعالى من جعل البشر رسولا مقابل تعجب الكافرين من أن يكون البشر رسولا، فلنتأمل كيف جاء فيها التوجيه الرباني لرسله : "استقيما" "لا تتبعانّ سبيل الذين لا يعلمون"
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6545
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
رد: في ظلال القرآن :: 2016 ::
« رد #72 في: 2018-01-13, 11:29:19 »
{مَّا خَلْقُكُمْ وَلَا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ ۗ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ} [لقمان : 28]

ما خلق الناس جميعا عنده سبحانه إلا كخلق نفس واحدة !

وما بعث الناس جميعا إلا كبعث نفس واحدة ... !

سبحانك ... وعزّتك وجلالك وعظمتك ما قدرناك حقّ قدرك ..... !!!
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6545
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
رد: في ظلال القرآن :: 2016 ::
« رد #73 في: 2018-01-13, 11:29:52 »
نوح عليه السلام نطقت فيه الأبوة مرّتَين...

مرة حينما دعا ابنه : " يَا بُنَيَّ ارْكَب مَّعَنَا وَلَا تَكُن مَّعَ الْكَافِرِينَ" .

ومرة بعدما رست السفينة وقد حال الموج بينهما فدعا ربه بشأنه :
"رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ" .

وكأنما أبوّته حالت دون أن ينتبه لقوله تعالى له :

"احْمِلْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَن سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ ۚ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ"

"إلا من سبق عليه القول" لقد استثنى الله من أهله مَن سبق عليه القول ...

إلا أن "الأبوة" في نوح غفلت عن هذا الاستثناء، فجعل يبحث لابنه عن مخرج ... !

وضمنيا في دعائه هو منصاع لأمر الله، وذلك وهو يختمه بقوله :"وأنت أحكم الحاكمين"

وسرعان ما آب... سرعان ما استغفر ...

"مشاعر الأبوة " حتى في النبي برزت وعلتْ... !

فسبحان من زرع بقلوب الآباء والأمهات هذه المشاعر الجياشة ... !! هذه الرحمة الإلهية المتجسدة فيهما ...!!

ربّ ارحمهما كما ربياني صغيرة ...
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6545
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
رد: في ظلال القرآن :: 2016 ::
« رد #74 في: 2018-01-13, 11:30:16 »
القرآن الكريم يعجّ بالصور، بالحركة، بالحياة ...

من لم يقرأ القرآن بهذه الحياة، فاته من روح القرآن الكثير الكثير ... إن لم تكن قد فاتته كل روحه ... !

فإذا الأمواج كالجبال والسفينة في عرضها بسم الله مجراها كما أن بسم الله مرساها ... !

والأب ينادي ابنه، ولا عاصم من الماء إلا رحمة الله، فإذا الموج وهو كالجبل بينهما حائل ... وهو الذي حسب أن الجبل عاصمه من جبال الماء !!

وإذا لوط وضيوفه، وقد سيئ بهم ...
ولكأني بلوط عليه السلام وقد ساءه وفود رجال على بيته وهو يحسبهم لا يعلمون بسيئات قومه وسوئهم، وبفسادهم ...

ومنها إلى ضيقه بهم ذرعا ..

ولكأني به يضرب كفا بكف، ويغمّه التفكير وما من تدبير ... !!

وإذا الأمر به يشتد ويشتد حتى يبلغ السيل الزُّبى، فينطق بقولته : "هذا يوم عصيب" ... !!

ولكأني بقومه الخبثاء وهم يتدافعون على بابه ... يقتحمون عليه بيته، وبكل صفاقة ووقاحة وعمى يذكرون حاجتهم الخبيثة ومرادهم المقلوب للنبي الذي دعوته فيهم ليل نهار أن يتركوا الفاحشة ويثوبوا إلى رشدهم ... !

عنده ... يفعلون ما يفعلون .... ! ولا يبالون !!
أي همّ هو همك يا سيدنا لوط ... ؟!!

وخطوات قليلة إلى داخل بيته حيث ضيوفه، سيجد لوط قوّته التي تمنى لو كانت له بهم، وسيجد الركن الشديد الذي إليه يأوي ... !

لكأن المشهد أمامي مااااثل ....

وهم يسألونه أن يسري بأهله بقطع من الليل وألا "يلتفت" والصبح من قطع الليل قرييييب ....

وأراه يسري... فقط يسري كما أُمِر ... ولا يلتفت ...

فإذا عاليها أسفلها، وإذا أسفلها عاليها.. تماما كما قلبوا، قُلِبت عليهم ...

وإذا المطر وعادته وصفته ماء، يغدو نارا مسومة تصيب القوم بأسمائهم ... !!

كأني أراها وقد قُلبت، وقد أحرق أهلها بمطر النار !!!

والصبح قرييييب .... !! قريب من لوط وممّن معه ..

وما أُهلك قوم لوط، إلا وقد بُشِّر إبراهيم بإسحاق ويعقوب ...

فهنا هلاك، وهناك بشرى...

وهنا "قوم" مُهلَكون معذَّبون... وهناك غلام عليم مُبشَّر به ...

فالقوم بعددهم كلا شيء .... والغلام وحده أمة قادمة للإيمان الذي لا يموت ولا ينتهي على الأرض وجوده ... بل يولد مع كل حامل للوائه ..

صور... صور... حركة، حياة ... حياة تنبض هي صفحات القرآن ... !!
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6545
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
رد: في ظلال القرآن :: 2016 ::
« رد #75 في: 2018-01-13, 11:35:15 »
سيدنا زكريا عليه السلام كان كلما دخل على مريم المحراب وجد عندها رزقا ..

"قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ" ...

** تحيّر سيدنا زكريا، ودُهش من رزق وجده عندها ليس لها ولا لغيرها يد فيه ... فسألها : أنّى لك هذا ؟... أي كيف لك بهذا ؟..

وهو النبي المصطفى الموقن، الذي يعرف طلاقة قدرة ربه حقّ المعرفة، ويعلم علم اليقين أن ربه على كل شيء قدير...

هو النبي المحدّث من السماء... سأل وقد تحيّر من خرق "الأسباب" ... وتجاوزها بمشيئة مسبب الأسباب..
تساءل وقد رأى تجاوزا لما تعوّد من قانون الأسباب...

حتى أجابته مريم ... وهي الأخرى صاحبة اليقين .. أجابته أن الله يرزق من يشاء بغير حساب ...

هنالك ... !! عندها ...!!
عندما رأى ما رأى وسمع من مريم ما سمع ... وهو النبي المحدث من السماء يتعلم من مريم الصديقة فيهرع يدعو ربه ...

"فَنَادَتْهُ الْمَلائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِّنَ الصَّالِحِينَ "

استجاب له ربه فور دعائه .. بشّره من فوره ...

ولكن .... !!

** هذا سيدنا زكريا عليه السلام للمرة الثانية يسأل...
يسأل بالصيغة ذاتها : "أنى يكون لي غلام ...؟

ولم يكتفِ بهذه الكلمات، بل لقد فصّل ...
فصّل حاله من الكبر وحال زوجه العاقر..
هذا الوضع ... فكيف يُتجاوز ويُسمح بحدوث ما لا تتيحه الأسباب ؟!
وهو النبي الذي يعلم علم اليقين طلاقة قدرة ربه، وهو قبل قليل قد تزوّد مع زاده من مريم ... يتحيّر فيسأل ... يسأل بموجب ما عرف وتعود من الأسباب ... وهو يرى ما يتعداها ويتجاوزها...

** ثم هذه مريم التي أعلمها ربها أنه قد اصطفاها وطهرها واصطفاها على نساء العالمين ... الراكعة الساجدة القانتة لربها، الموقنة بقدرته...تلك التي أماطت عن زكريا حجاب الحيرة من رزقٍ أتاها بلا سبب ...

هي ذي ...يبشرها ربها بكلمة منه، عيسى بن مريم وجيها ومقربا ويكلم الناس في المهد وكهلا ومن الصالحين ...

ولكن ... !

هي ذي تسأل ... !!
تسأل بالصيغة ذاتها التي سأل بها زكريا : "رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ ...
ولم تكتفِ بها كلمات، بل قد فصّلت بذكر السبب الغائب ... : " ولم يمسسني بشر "..

ذكرت الأسباب... أبدت حيرتها من خرق قانون الأسباب... وهي مَن هي في القرب والاصطفاء ... !!

ورب العزة في عُلاه لم ينكر على أحدهم سؤاله، بل أجابهم ...

هم أولاء صفوة من عباد الله المقربين الأخيار ... يعترفون بالأسباب، وبسريانها، وبكونها القانون الساري والعادة الجارية التي تُعرف بها مسالك الحياة ...

هم أولاء لا يخفون حيرتهم، ويتساءلون، ويسألون وهم يخاطبون ربا يوقنون بقدرته على كل شيء، وهم أهل المعجزات، وهم المحدثون من السماء ...

وهم الذين كُشفت عنهم حُجُب وحُجُب .. !!

بينما سرعان ما يصدق البشر العاديون(المسلمون) بالخوارق في عصر تجاوزته المعجزات ... وسرعان ما يلغون دور الأسباب ... أهل هذا الكتاب العظيم الذي احترم العقل، فخاطبه وأقنعه بالحجة ...

وليتهم... ياليتهم تساءلوا كما تساءل الأنبياء... وكما تساءلت الصديقة أم النبي وهم الأولى بألا يسألوا، ونحن الأولى بأن نسأل ... !!
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6545
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
رد: في ظلال القرآن :: 2016 ::
« رد #76 في: 2018-01-13, 11:36:01 »
سيدنا إبراهيم عليه السلام لما أخبره ربه أنه جاعلُه للناس إماما .. من فوره فكر بذريته ... قال : ومن ذريتي..

من فرط ما أحب أن تكون الإمامة إلى الخير، إلى الإسلام في ذريته من بعده...
من فرط حرصه على بقاء الدعوة إلى الله من بعده ...
من فرط استحقاقه لتلك الإمامة التي تُعلي أمر الله وكلمته في الأرض كان تمنّيه بقاءها بعد موته ...

ولكن ردّ الله تعالى كان : لا ينال عهدي الظالمين ..

كان تعليما لإبراهيم عليه السلام أنّ الإمامة ليست تشريفا فينالها ابن الإمام وإن كان ظالما ...
كانت ضمنيّةَ أن من ذريته من سيكون ظالما .. فليس انتسابه لأب إمام يخوّل نيله لعهد الله تعالى ... !

ولكن ... ! بالمقابل لا يصل الأمر أن يُحرَم العهدَ من ذريته من يكون له أهلا ..

نمشي الهُوَيْنى مع الآيات ...

"وَعَهِدْنَا إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ "

فها هو إسماعيل عليه السلام ينال العهد ... !

ثم ها هو مع أبيه النبي عليهما السلام يرفعان القواعد من البيت، ويدعوان بأن يتقبل الله منهما... ثم :

"رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا ۖ إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ128 رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ ۚ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ 129"

إنهما يدعوان الله تعالى أن يجعلهما مسلمَين له ومن ذريتهما أمة مسلمة ... وأن يبعث فيهم رسولا منهم ...

وقد كان ... !
كان أيضا من ذريته من استحق نيل العهد...
إذ لم يكن من الظالمين .. وكانت له الإمامة المستحقة ..

لنتأمل كيف دعوا سويا أن يجعلهما الله "مسلمَين" ومن ذريتهما أمة "مسلمة" .. وأن يبعث فيهم رسولا يدعو للإسلام ...

وهذا هو النسب الحق وهذه هي الرحم... "الإسلام".. وله تكون الإمامة ...وهؤلاء هم من استحقوا العهد ...هؤلاء الذين لم يظلموا ...

أما من قال منهم ظالما كاتما شهادة الحق أن إبراهيم كان يهوديا أو نصرانيا وأن إسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط كانو هودا أو نصارى ... وأنْ كونوا هودا أو نصارى تهتدوا ... وأنه لن يدخل الجنةَ إلا من كان هودا أو نصارى ...
فأولئك الذين لم يستحقوا العهد ...

أولئك الذين ظلموا فاختلقوا غير " الإسلام" ... وافتروا على إبراهيم غير الإسلام ... بل افتروا على الله كذبا أن دعا أنبياؤه إلى غيره...

حتى برّأ الله نبيه من افتراءات "الظالمين" الذين لم يكونوا أهلا لعهد الله : " مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَٰكِن كَانَ حَنِيفًا مُّسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ "

وقال سبحانه: " وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَىٰ تَهْتَدُوا ۗ قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا ۖ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ "

وقال سبحانه : " وَقَالُوا لَن يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَن كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَىٰ ۗ تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ ۗ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِين * بَلَىٰ مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِندَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ "

وقال سبحانه :"أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطَ كَانُوا هُودًا أَوْ نَصَارَىٰ ۗ قُلْ أَأَنتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ ۗ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَتَمَ شَهَادَةً عِندَهُ مِنَ اللَّهِ ۗ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ "

"من أظلم" منهم أولئك الذين علّم الله إبراهيم عنهم وهم من ذريته، أنهم من ظلمهم لن ينالوا عهد الله ... ! وقد كانوا... وكان ظلمهم بادعائهم على أنبياء الله غير الإسلام وغير الدعوة إليه...كما كان من استحق العهد والإمامة صلى الله عليه وسلم مع من استحق.. فكان إمام المرسلين...!
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6545
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
رد: في ظلال القرآن :: 2016 ::
« رد #77 في: 2018-01-13, 11:36:43 »
{ وَقَالَ الْمَلَأُ مِن قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَىٰ وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ ۚ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ }

إننا إذا تأملنا وعيد فرعون : "سنقتّل أبناءهم ونستحيي نساءهم" ...
ذلك هو فعلك يا فرعون في قوم موسى من قبل ... ألم تقتّل أبناءهم خوفا ممن سيهدد ملكك ؟!  emo (30):

وها أنت ذا تعيد وعيدك أمام من سلم ونجا وهو ذا يهدد ملكك...!  emo (30):

على الأقل قد فعلتَها قبلا توجسا من منامك... سلاحا أشهرتَه بوجه القدر ...لئلا يكبر ذاك الولد .. فما أفلحتَ وما أغنى حَذَرك ...وها هو الولد ذا ماثل بين يديك وما تقدر يا فرعون عليه ..!!

أما اليوم فستقتّل أبناءهم من جديد خوفا ممّن ؟!
أمِن ولد جديد يكبر ؟!!

ما حزرتَ يا فرعون ... ! وأنت من هول ما أصابك وما تحقق وكنت تحسب نفسك قد حلتَ دون تحقّقه.. تعيد طريقك البائس...  emo (30):

لقد كبر الولد يا فرعون ... !! ولقد أُيِّد بقوة خير الماكرين...

ولقد غدا القائدَ والمستنهِض.. ولم يعد لك من سانحة لتحقق وعيدا لم تحققه من قبل وقد كانت الطريق أمامك ممهّدة ... !

إنهم من هول خسارتهم يعيدون طريقهم الخاسر يحسبونه المنجاة .. !
وسيكبر الولد يا كلّ فرعون !! سيكبر الولد ... وستتهدّد وستتوعّد ... ستسلك طريقك البائس ذاتَه... ولن تفلح يومها يا كلّ فرعون............. إذ سيكبر الولد......... !
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6545
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
رد: في ظلال القرآن :: 2016 ::
« رد #78 في: 2018-01-13, 11:39:24 »
اجتمعنا... فجمعَنا حديث حول "السؤال" والحق في السؤال، وواجب السؤال، حتى لا يكون العقل نَهبا لمن يريد له نهبا، وحتى لا يكون لقمة سائغة لكل من يريد افتراسه ... !

فذكرتُ شيئا من سؤال الأنبياء والمصطفين، أصحاب المعجزات والآيات الخارقة للأسباب، وللطبيعة ولنواميس الكون... وأنّ ذلك لم يكن حائلا دون سؤالهم وفقا لقانون الأسباب ...

زكريا عليه السلام وقد أجاب ربُّه دعاءه بأن يهبَه ذرية طيبة، سأل كيف يكون له ذلك وقد بلغه الكبر وامرأته عاقر ؟!
وقد سأل من قبلُ مريم عن رزق رُزِقتْه أن كيف يكون لها من غير سعي منها ؟!

ومريم الصديقة إذ سألت ربها وهي المصطفاة على نساء العالمين كيف يكون لها ولد ولم يمسسها بشر ؟!

وإبراهيم عليه السلام لما سأل ربه أن يريه كيف يحيي الموتى.. وموسى عليه السلام أن يريه ينظر إليه...

وكل هذا في حوارات "حرة" مكفول فيها حق العقل في السؤال، بينهم وبين الله جلّ في علاه، فلم يكن سبحانه يعاقبهم على سؤالهم، بل كان يجيبهم ...

وهكذا كان أصحاب المعجزات يسألون من منطلق احترامهم للأسباب، وأنْ كيف تُخرَق ... بينما يستسيغ المسلمون اليوم "الخرافة" ويستسهلون تصديقها دون أدنى سؤال، ولا تمرير للأمر عبر مِصفاة العقل والتعقل بدعوى أن الله على كل شيء قدير، وهم الأولى بالسؤال ممّن اصطفاهم الله وخرق لهم الأسباب، وهم على أتم اليقين بقدرته على كل شيء... والبشر العاديون أولى بسؤال بشر مثلهم يمرّر ما يشاء من معلومات مختلَقة وملفّقة... !!

وكعادتها صديقتي التي أحب حبّها للأغوار، هاتفتْني بعد اجتماعنا  emo (30):
تُفرغ من لَهْف نفسها، وتَحرّقها على دين لم يُفهم كما ينبغي له أن يُفهَم... بل شبّ المسلمون على مفاهيم مغلوطة توارثوها جيلا بعد جيل...

فقالت لي بهدوئها المعتاد...ولكنه الهدوء الذي ينقل "الغَلْي" نقلا منقوطا مَشكولا واضحا غير مُبهم ولا مُغمّى بغلاف الثورة والهيجان، فلا يتيهُ عندها المعنى في المنعرجات والمنزلقات  emo (30):

نقل من يتروّى وهو ينقل "الغضب" فينقله بعبارات دقيقة منتقاة معبِّرة ...

قالت : أتعلمين لقد صوروا لنا الإسلام كذلك الرّجل الذي يمسك بقفا من يدفعه دفعا عنيفا فيجعله بدفعه إياه مطأطَأَ الرأس مخفوض الهامة، منكّس القامة ... يدفعه من قفاه وهو يردد في لازمةٍ تؤكد له نهجَه الذي يوجب الانصياع والتسليم، حتى يستيقن دوام انصياعه ولا يتوهم الخلاص في يوم من الأيام: هُسْسْسْسْسْ .... ممنوع أن تنبِس ببنت شفة ... هُسْسْسْسْ .... !!

هكذا صوّروه لنا ... فلا تسأل، ولا تبحث، ولا تنبس... فقط خذ استجب، وصدّق... ولا تناقش... فالسؤال ممنوع والنقاش محرّم... !!

ألا إن المحرّم والممنوع هو إهدار العقول، وشلُّها، واغتصابها، واستباحتها باسم "الإسلام"... ! حاشاه ثم حاشاه ثم حاشاه ... !!!
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6545
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
رد: في ظلال القرآن :: 2016 ::
« رد #79 في: 2018-01-13, 11:41:24 »
كلما جاءت قصة تبشير الملائكة المرسلين لإبراهيم عليه السلام بالغُلام العليم .. والتعريج منه على لوط عليه السلام ...

شعرت بانتعاشة في روحي .. وأنا أتأمل الجمع بين ميلاد "غلام" عليم وبين إهلاك "قوم" عاصين عادين ...

في سورة الحِجر ... يأتي ذكر توعّد الشيطان بغواية الناس أجمعين إلا عباد الله المخلَصين... ويردّ الله سبحانه بوعيده الحق للغاوين ليملأنّ جهنم منهم أجمعين ...

تليها مباشرة قصة البشرى "بالمولود" العليم، وإهلاك "القوم" الفاسدين ....
لا يؤُدُه سبحانه ... لا يؤده أن يُهلك أقواما بقضّهم وقضيضهم ويُحيي غلاما عليما... وإنها للبشرى بالواحد بإزاء الإهلاك للكثيرين ...

الحق ليس العدد... الحق ليس الكثرة ... !
وذاك الواحد العليم ذاتُه في موقع آخر من القرآن الكريم : "وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِن وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ" -هود : 71 -

فهو العليم مِن ورائه العليم ...

لن يضر أمرَه سبحانه هلاكُ العدد... أمرُهُ حيٌّ لا يموت ... بل يحيا مع الواحد يحقّق موعوده بإتمام نوره ... وحتى مَن يُصنعون على عين ذلك الواحد العليم ليس العددُ منهم مقياسا وأساسا لإتمامه ... !
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب