المحرر موضوع: واقع الحال... وهل من سبيل للقيام ؟  (زيارة 17148 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6545
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
اقتباس
لماذا لم يكن تغيير مكة أكبر من تغيير المدينة مع ما للصحابة المهاجرين من همة وإيمان وصبر وتضحية وعزم ؟

طيب وهل خلا الأمر من أنه صلى الله عليه وسلم، قد غيّر في مكة؟  فيها لا في غيرها صُنِع المهاجرون الأفذاذ، السابقون، الأولون، الذين لم يصل أحد إلى مكانتهم، إلا ربما مَن آواهم من الأنصار، ومعه صلى الله عليه وسلم كان الأولون والسابقون يصنعون، ويغيّرون، الصديق رضي الله عنه ومَن أسلم على يده كمثال...

بل فيها أعِدّت اللبنات، وفيها رُسّخت العقيدة... فيها تجلّد الأتباع، وثبتوا على كل ما كان من قريش، فيها كان أول التغيير، بل وأكبر تغيير...

بل إن مصعب بن عمير من مكة انطلق ليصنع في المدينة قبل أن يحلّ بها المهاجرون...بل إنّه قبل مصعب، كانت بذرة الأنصار أصلا في مكة، أولئك الذين أسميهم "النسمات الستّ الطيّبة" الستة الذين التقاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في أعوام مكة الأخيرة وهو في تطوافه بين قبائل العرب المختلفة يدعوها لنصره، فما نجح الأمر مع قبائل برؤسائها، بل نجح مع أفراد بلا رئيس، بلا قائد، هم أولئك الرفقاء الستة، الذين عادوا في العام القابل اثني عشر، ثم عادوا بعده ثلاثة  وسبعين ....

بل إن مكة كانت أرض التغيير القاعدي، أما المدينة، فقد كانت أرض الدولة... أرض السلطان، أرض النفوذ والقوة والتي لو لم يسبقها تغيير مكة لما كانت ...

نعم البيئة المحيطة اقتضت بترك المكان، لا ننكر هذا طبعا، كما لا يجب أن ننكر أنها كانت الأرض الأولى لصناعة التغيير بثبات أهل الرسالة، وبجلدهم... وفي معنى ما قال صاحب كتاب "إعادة تشكيل العقل المسلم" كان جيلا من "الراكضين" الذين كان ديْدَنهم السبق والمسارعة... بتغيير جذري في العقلية التي كانت تعدّد فأصبحت توحّد ...

اقتباس
لماذا تنشط الجمعيات الخيرية والتربوبة ذي الطابع الإسلامي في بلاد العلمانية ولا تستطيع ذلك في بلاد "الإسلام"؟
نعم أفهم ما تعنيه، من تأثير البيئة، وأقول لك مجددا، إنه غياب سلطان الحق، وهذا ما نبحث عنه من عملية التغيير التي نتحدث عنها ...

اقتباس
يتربّص بها العقلاء، لا زاهدين فيها إن بدَت، ولا لاهثين وراءها إن غابت. ولن تكون اللحظة الحاسمة ممكنة إلا إذا أعددنا لها رجالا وعقولا وقدرات لا يضرّها أن تمكث سنينا دون أن تغير من موقع أرقى في الهرم، ولن يكون ذلك إلا بالتوازي مع الاهتمام بقاعدة الهرم، فمتى أتت اللحظة الحاسمة لن تُنظرنا يوما واحدا، إما استعداد مسبق، أو سحق محقّق.

نعم، بارك الله بك، تعبير موفق جدا، وهذا ما عنيت ...

اقتباس
أظن أنّ معظم الاختلاف بيننا قائم على كوني مركزا على "أثر فساد الأوضاع" ، ومن جهتك تركيزك على "لماذا فسدت الأوضاع"

نعم، فأما الأثر فنبحث له عن علاج، وأما معرفة السبب، فأيضا نبحث منه عن علاج، وهما زاويتان، ومع هذه ومع تلك نريد محاولة الوصول إلى سبيل الإصلاح، سبيل القيام ...

إذن فخلاصةً، نحن نتفق أن النفس تتأثر بمحيطها، لا ريب، ولكن الأمر الذي أردت بيانه أنّ هذه "النفس" لا نريد منها إعجازا بمفردها، وليس معنى تغيير ما بها، أن تصنع الخارقة بمفردها، وإنما هي منظومة قاعدية، "مصلح، "مربي"، عالم" كلهم هم القادة على مستوى التغيير القاعدي، مع ما يترسّخ في النفوس المنشَأة من "وازع" ، أقول وازع يتجدد ويقوى، ونحن نعلم أنّ "السلطان" جائر، لا سلطان حق...

وهذه الطريق شائكة، وهي طريق أجيال، ولكنها لا تنفكّ موجودة...ولا أنكر أن يكون العمل الهرميّ بالموازاة، ولكن حقيقةً لا يكون إلا مع من كان تأسيسه القاعدي مؤهلا لمحاولات تغيير ولنقل محاولات عطاء وعمل تصبّ في المبتغى...

لا نجزم بشيء، ولا نقول أن هذا هو الحل، وأن هذا هو السبيل، ولكن نقول وفقا لما نراه، ونعيشه، ربما نخطئ وربما نصيب، وفي هذا الحوار أستفيد من كل من يدلي برأيه، سنسمع الجديد، سنتعلم ... كلّنا سيتعلم ولا أحد منا يدعي أنه يضع حلا ...

والله تعالى أعلى وأعلم
« آخر تحرير: 2016-06-02, 14:28:15 بواسطة حازرلي أسماء »
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل حسن

  • شباب جديد
  • *
  • مشاركة: 29
  • الجنس: ذكر
  • الحُكم على الناس أيسر، ولكن فهمهم أعسَر
اقتباس
فلماذا نتعب أنفسنا إذن بالدخول في جدالات طويلة لن نستطيع أبدا حسمها، فضلا على أنها تستنزف الوقت والجهد،
فلم ينزل الله سبحانه وتعالى القرآن ويرسل لنا نبيه ويهيء جيلا فريدا من المؤمنين حوله لمجرد أن تقوم الدعوة وتنتشر،
إنما بالأساس لنقلد ونتبع، ويكون لدينا المثال الذي لا يجعلنا في حيرة من أمرنا، ولا غموض عن كيف سيبدوا المنتج النهائي الذي نسعى له.

أهلا أخي جواد
المثال الذي ضربت في الهندسة جيد لتقريب الفكرة
ثم قِسته على أحوال البشر
ولكن الأمر ليس بذلك السهولة التي يصوّرها المثال. لأن الآلة يمكن نسخها كما هي بكل مقاييسها الدقيقة، فهل يمكن نسخ الرجال والأوضاع والعقول كما ننسخ الآلات وأجزاءها ؟ لا طبعا
ولأوضّح لك التعقيد سأبقى معك في مثالك:
تصوّر معي أن التفكيك ومعرفة مكونات وأجزاء وعمل الآلة كيفما كانت، ولنقل أن الآلة كهربائية إلكترونية بامتياز، دخلت عليها معطيات جديدة: غياب التيار الكهربائي المستمر مثلا، وانفخاض درجة الحرارة إلى ما تحت طاقة الأجزاء الالكترونية...
أو أن الآلة ميكانيكية، فأردنا نسخها ونحن نقطن في المشتري مثلا، وواجهنا تحديات في قوة الجاذبية التي لها أثر على تحمل الآلة ووظيفتها وبنيتها ككل، والأحماض في الجو التي تؤثر على المعادن.... وهكذا

تلك المعطيات الجديدة هي الظروف الجديدة والمغايرة لزمن النبي صلى الله عليه وسلم، وأي نسخ أو تقليد لا يأخذ بعين الاعتبار التغيرات الحيوية فسيُعطينا منتجا غير صالح لا شك


اقتباس
والسؤال هنا، ما هي الصورة التي نريد أن تكون عليها مجتمعاتنا ونعتبرها الهدف المنشود الذي من أجله نقوم بتحليل الأسباب والمعوقات وبالتالي الحلول، للوصول إليه؟

انطلاقا من مقدّمتك، سيكون الجواب سهلا عن هذا السؤال: وهو نريد مجتمعا كمجتمع الصحابة والصالحين من بعدهم، بعقيدة وأخلاق وقوة وازدهار (دون الجوانب التقنية التي تتغير)

وبهذا ستجيبنا أخ جواد بأن الحل سهل وهو اتباع النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته ... وقُضي الأمر :)

ولكن عندي سؤال هنا: لو كان الأمر بهذه البساطة، لماذا لم تنهض الأمة ولم يغب عنها حياة النبي صلى الله عليه وسلم ولا صحابته، بل أكثر من ذلك، لماذا لم تنهض الحركات الإسلامية والعلماء الربانيين ومن تبعهم من طلبة العلم بطريقة تشمل كل جوانب الحياة، وليس فقط العلم الشرعي والمحافظة على الموروث والحرص على الصلاح والطاعة ؟!! كيف لم يستطيعوا وهم أقرب الناس إلى حياة الصحابة عقليا وسلوكيا ؟!

سؤال مزعج ولكنه مهم في نظري

ثم هناك شيء آخر: ما فائدة علم المقاصد والاجتهادات الفقهية إن كان ما حدث في عهد النبي صلى الله عليه وسلم كاف لهداية الأمة ؟
أم اننا لا نعي قيمة المقاصد والتأقلم مع الأوضاع خارج القضايا الفقهية لتعمّ القضايا الحضارية ؟

الأمر أكثر تعقيدا من ذلك
وعندي لك تأمل واحد فقط من بين العشرات يجعلنا نعيد النظر في استسهال "نسخ" الأوضاع في عهد السلف الصالح لتطبيقها في زمننا، ألا هو:
المحافظة ـ conservatism
وأقصد بها التيار العام الأخلاقي المحافظ الذي كان يجتمع عليه الكافر والمؤمن والمشرك وأهل الكتاب في الجزيرة وفي غيرها
فغيابه الآن وحده كفيل بخلق صراعات فكرية ومعيقات حضارية بين المسلمين أنفسهم وليس بين المسلمين وغيرهم.!!

إذ كان الاتفاق على المعايير المحافظة شيئا ضمنيا لا يتسرّب إليه الشك أو التمرّد، ونعلم كلنا أن جزء كبيرا من ديننا قائم على هذا الجانب "المحافظ" وكثير من الشرائع والرؤى تدور حوله.
فمجرد كونك محافظا في هذا الزمان تجد عراقيلا شتى ولو كان المحافظ ملحدا غير مؤمن (افتراض فقط) فصار الناس بين مسلم ليبيرالي لا يرى في المحافظة، وبالتالي جزء كبيرا من الدين، إلا تخلّفا وتحجرا وتاريخانية ! وبين مسلم محافظ مدفوع على الأبواب والشركات والمؤتمرات ...

تأمل جيدا أخي هذه النقطة وقبل أن تتسرّع في الحكم عليها، تذكّر كم "كلّفتك" المحافظة في مجتمع غير محافظ (إن كان الوضع هكذا عندك)
« آخر تحرير: 2016-06-05, 12:45:13 بواسطة حسن »
الحمد لله اللطيف الخبير، صاحب الفضل والمنّة كلها.

غير متصل حسن

  • شباب جديد
  • *
  • مشاركة: 29
  • الجنس: ذكر
  • الحُكم على الناس أيسر، ولكن فهمهم أعسَر
ولا يبذل له المربي أكثر مما بذل مع أقرانه، لكن الله تعالى يزوده بصفات خاصة، ويحيطه بعناية خاصة، لاحظت هذا في سيرة عمر بن عبد العزيز، ويوسف بن تاشفين، والإمام الغزالي، وصلاح الدين الأيوبي، والإمام حسن البنا، وغيرهم
والله أعلم




جميل
نحن إذ نتكلم على الاصطفاء فلا نتعارض مع أسباب التميز والمؤثرات في أولئك الرجال العظماء
فلا تعارض موجود أصلا لكي نتحدث عن "الاصطفاء" أو "التربية والبيئة والتغيرات النفسية والاجتماعية" إنما الاصطفاء هو تقدير كل تلك الصفات، وتلك الصفات هي تحقيق لذلك الاصطفاء المقدّر، ليقضي الله أمرا كان مفعولا... ذكرها الله بعد الاحتدام وتتابع الأحداث، فكانت الأحداث جزء من قضاء الله وإرادته

وعادي إذا رجعت للتاريخ أن تجدي المعنى الذي تبحثين عنه، فإن كنت تبحثين عن الاصطفاء فتجدين ذلك، وإن كنت تبحثين على أثر الاقتصاد والازدهار على صناعة الرجال ستجدين ذلك، ومن كان يبحث عن علامات التخلف والانحطاط فسيجده وسط كل الإيجابيات... هكذا هي طبيعة التاريخ كل يأخذ منه ما يريد، وطبيعته محايدة وصفية تطرح كل المعطيات مهما كانت خفية أو قبيحة، ليستفيد منها كل حسب المقاربة التي يريد

وكتابات السلف والعلماء تركز كثيرا على الجانب العقدي الإيماني، لذلك لا نجد مقاربات اقتصادية أو نفسية أو اجتماعية حول أحول السلف والتاريخ الإسلامي، وهذا عاديّ ما لم يستنكر أصحابه على أصحاب المقاربات الأخرى والتي لا تعني بالضرورة إقصاء للمقاربة العقدية الإيمانية... وعادي من جهة أنّ العلماء وطلاب العلم والإسلاميين لا يهتمون كثيييرا بالعلوم الإنسانية ويبقون على النموذج القديم للتفسير والنظرة التي تركّز على فضل الله تعالى ومنّته وعطائه، وتُغفل ملابسات ذلك العطاء والإنعام، ولا بد من وجوده فكل شيء له سبب

وأعود إلى قضية الشخصية القائدة، فهناك دورات لإعداد وشرح شخصية القائد وهي ليست ضربا من السحر أو ضربا من المواعظ، بل هي تحليل لعقلية ونفسية القادة أينما كانوا ولسبب نجاحهم. فكل شيء حتى من سمات الشخصية مثل وسواس النظافة، الدقة الحس المرهف، التخوّف الشديد، تجارب الطفولة (مثل تجربة ابن تيمية مع وحشية التتار، هل سيكون كما كان لو أنها لم تحصل معه؟!) وكل تلك السمات يكون سببها طبيعة الأسرة طبيعة التعليم، جينات الشخص نفسه...
الحمد لله اللطيف الخبير، صاحب الفضل والمنّة كلها.

غير متصل حسن

  • شباب جديد
  • *
  • مشاركة: 29
  • الجنس: ذكر
  • الحُكم على الناس أيسر، ولكن فهمهم أعسَر
سأعود إلى الدين كوازع أو نظام شامل.

اقتباس
ما نعلم من أن "السلطان" ليس هو "السلطان"  الذي عناه سيدنا عثمان رضي الله عنه، السلطان الذي عناه هو سلطان الحقّ لا السلطان الجائر الذي نعرفه اليوم.

في الحقيقة أنا قصدت بالعبارة "سلطان القوة" والرقابة، وليس الحاكم أو القانون الجائرين. بمعنى أن القرآن يشكل الوازع الديني والخشية والارتداع بمجرد الكلام والموعظة، والسلطان يشكل ذلك الإلزام بالقوة على فعل الواجب وأداء الحقوق ووالإلزام على ترك الإضرار والإفساد بعيدا عن كل وعظ وانتظار "تغيير ويقظة ضمير" من ذلك المكلّف، فلن ننتظره حتى يطيب خاطره لإعطاء الحقوق والقيام بالواجبات وكفّ أذاه، هذا ما قصدت بالسلطان، وهو بهذا المعنى مكمّل للحق والواجب ولا نعتبره جائرا أو عادلا، بما أن قضيّته هي التقويم والحرص على تطبيق القانون والضغط على الفرد كي يطبّق ما هو ملزم به ويعرفه بينه وبين نفسه

اقتباس
وهذه الأنفس كما أسلفت قليلة نعم، ولكن منها، لا من غيرها تكون الأنفس المصلحة، التي تعلم جيدا أعباء حملها لرسالة التغيير، وهم موجودون ...

:) إذن نحن نتّفق، وبما أننا اتفقنا على قلة تلك الأنواع، فأنا أتحدث عن الجزء الثاني من مرحلة الإصلاح: انتقال القناعة إلى الإقناع، تحويل التغير الفردي إلى تغيّر جماعي... وهنا الإشكال في النفوس المتبقيّة، وهنا تساؤلي، فالمشكل أحيانا ليس غياب النفس المصلحة كما تسمينها، ولكن في غياب من يسمع لها بسبب نفس تلك المؤثرات التي أتحدثُ عنها وأركّز عليها ...
وإلا هل افقتد زمان لرجال مصلحين عباقرة ؟ لا طبعا. فلماذا اختلف زمان عن زمان مع وجود شخصيات مصلحة نافعة في المجتمعات على طول الخط ؟!


اقتباس
أكيد، لا خلاف على هذا، ولكن السياق يقضي بالتمام للفهم الكامل "قد أفلح من زكاها وقد خاب من دسّاها"
ولا يقوم "للتزكية" من معنى، ما لم يكن ذلك ضمن تفاعل النفس مع محيطها،  بمعنى ما أشرتَ له بالترويض ... "الصبر بالتصبّر، والحلم بالتحلّم، والعلم بالتعلّم "...

لا نختلف حول هذا لاشك، إن لكل إنسان قدرة على التغيير ومغايرة بيئته ووسطه، كل إنسان على نفسه بصيرة، ولو ألقى معاذيره... يجب أن نعيد تحديد نقطة الاختلاف بيننا أخت أسماء :) لأنني أشعر كأنك تريدين إقناعي بأن الإنسان يستطيع أن يتغير وأنا أصلا مقتنع بذلك (وسيبدو هذا واضحا في كلامك عن الفترة المكية، سأعرّج على تعليقك حولها)
إنما أدقق في شيء آخر وهو حدود تلك القدرة على التزكية ومغايرة الواقع، هل هي سواء وهل هي واحدة مهما تغير الوسط ؟


لو كان الجواب لا، نتفق
ولو كان الجواب نعم، لماذا إذن كانت الفتنة وضعف الدولة الإسلامية أدعى لعذر الناس ؟ وكان وجودها أدعى للمؤاخذة كما في آية : {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (55)}

فكأن إقامة دولة واستخلاف المؤمنين في الأرض واطمئنانهم على دينهم ونفسهم، لا يأتي بعده إلا الشكر المؤكد، ومن كفر بتلك النعمة فلا رجاء فيه. والشاهد هنا هو أنّ أعلى درجات المؤاخذة جاءت مع أعلى درجات التمكين، وهذا إن دل على شيء فهو يدل على أن وضعا غير التمكين يكون أدعى للعذر والإمهال، والله أعلم

وهناك أحاديث أكثر في هذا الصدد، كحديث "إن من ورائهم أيام الصبر، للعامل فيها أجر خمسين رجل.... تجدون معينا على الخير ولا يجدون" فلماذا كان الأجر مضاعفا؟ لا شك أن الأجر المضاعف في الحسنات يقابله إثم ومؤاخذة أقل في السيئات ! فلماذا؟ هذا ما أود توضيحه من هذا النقاش كلّه، بصرف النظر عن الحلول التي يجب البحث عليها أيضا.
حديث الجمرة أيضا، لماذا كانت التمسك بالدين كإمساك الجمرة؟ هل غاب القرآن، هل استحال التغيير، هل غاب الإيمان ؟! لا بل غاب ذلك المتّسع المريح للتغيير فصار الصبر عن المعصبة والصبر على الطاعة ومخالفة الناس ومغايرة الواقع في ذلك مثل الإمساك بالجمر

أما آية "قد أفلح من زكاها" فهي لا تعارض وجود درجات للمؤاخذة على تزكية النفس، قد أفلح من زكاها في حدود اتقوا الله ما استطعتم... فلا تعارض

اقتباس
وليس من يتكئ على "جعلوني مجرما" بمغيّر لنفسه، بل هذا إنسان عمله الإلقاء باللائمة على "الظروف"

نعم ليس كل من تحجّج بالظروف فهو محق، ولكن ليس كل من تحجج بها متملّص أيضا :) لأن هناك شيئا من الموضوعية في إرجاع الضعف الفردي للظروف بما أن الإنسان ابن بيئته

وهنا عمل المصلح ما هو ؟ هو توضيح تلك الحدود الدقيقة بين التذرّع بالظروف بالحق وبين التذرّع بالظروف بالباطل
فالنبي صلى الله عليه وسلم، حسب الظروف التي مر بها المسلمين لم يرفع عنهم التكليف إطلاقا ولم ينزله عليهم إطلاقا، فنجد في الفترة المكية مثلا، مطالبة بالإيمان والإسلام فقط، دون حتى الجهر بذلك، أو الصلاة جماعة أو أمام أعين الناس ! يعني النبي صلى الله عليه وسلم وضع الحدود بين كون المرء قادرا فعلا على "مغايرة وسطه" في قضية الإيمان ولا عذر له، وبين كون المرء عاجزا عن مغايرة قومه في أمور وعادات ... هو معذور فيها، تمام ؟

أما عن الأخذ على يد الظالم فهذا جيد، ولكن عندي سؤال كان الكل يعرف الشرك والفساد والزنا من أصحاب النبي في مكّة فلماذا لم يكن من بينهم إلا القليل الذي استنكر في أجواء اضطهاد وضياع الميزة الاجتماعية ؟ حتى أن النبي صلى الله عليه وسلم دعى أن يعزّ الإسلام بأحد العمرين، ولما أسلم عمر انتشى المسلمون لمعرفة أنّه جلد شديد لا يخاف أحدا، ويخافونه أيضا... وكان هو الذي يجاهر بإسلامه ويتحدى قومه

ثم بعد استقرار الأمر والقيم الإسلامية في مجتمع إسلامي يحمي تلك القيم والمفاهيم، الكل كان يستطيع أن ينكر ويأمر حسب وضعه، ركّزي جيدا في هذه النقطة :)
الحمد لله اللطيف الخبير، صاحب الفضل والمنّة كلها.

غير متصل حسن

  • شباب جديد
  • *
  • مشاركة: 29
  • الجنس: ذكر
  • الحُكم على الناس أيسر، ولكن فهمهم أعسَر
اقتباس
طيب وهل خلا الأمر من أنه صلى الله عليه وسلم، قد غيّر في مكة؟  فيها لا في غيرها صُنِع المهاجرون الأفذاذ، السابقون، الأولون، الذين لم يصل أحد إلى مكانتهم...

بل فيها أعِدّت اللبنات، وفيها رُسّخت العقيدة...

بل إن مصعب بن عمير من مكة انطلق ليصنع في المدينة قبل أن يحلّ بها المهاجرون.....
بل إن مكة كانت أرض التغيير القاعدي.
...

انتبهي لسؤالي عن الفترة المكية واستخدامي لكلمة التغيير أخت أسماء، فأنا أستخدمها للتدليل على التغيير الاجتماعي والحضاري، وأنت أجبت عن تغيير أفرادا معيّنين، وكل ما ذكرتِ يصبُّ في تغيير الأفراد وصناعة العقلية المسلمة متجلية في "بعض" الرجال والنساء أصحاب الهمم.

- وهل قلت أنا أن تغيير الأفراد غير ممكن في أكلح الظروف ؟ :)
متى قلت أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعل شيئا في مكة؟

ربما أردت قول أن القاعدة بُنيت في مكة وهي الأهم بما أنها قاعدة، ولكن ماذا لو لم تتكون دولة إسلامية في المدينة واجتمع الناس عليها، هل ستبقى للإسلام باقية ؟
وقد يُبنى أساس عمارة ولا تكتمل ولا تصلح للإقامة أبدا! نعم القاعدة مهمة ولكن إذا ما أكملت وظيفتها بأن تكون قاعدة "حقا" لما سيأتي بعدها ويُبنى عليها :)

إنما تساءلت أنا عن التغيير المجتمعي، دخول الناس أفواجا بعد الفتح ؟ لماذا لم يدخلوا أفواجا قبله ؟!! مع أنهم سمعوا بالإسلام منذ سنوات ؟

ولن أخطئ إن قلت أن عدد الذين دخلوا دين الله بعد الفتح من الناس العاديين (وهم الكثرة آنذاك والآن، ولا ينفي أن يكون من بينهم أناس مميزين منعهم الكبرياء أو الخوف على المكانة من الإسلام) كان أكبر من أي تجمع للمهاجرين والأنصار في ساعة العسرة، فلماذا؟


هذه هي أسئلتي وليس هل عمل النبي صلى الله عليه وسلم وغيّر الأفراد في مكة، أو لحقه رجال أولوا عزم، فهذا معروف عندنا جميعا...
بل إن النبي صلى الله عليه وسلم من شدة حرصه ووعيه بضعف الناس، كان حريصا على بناء دولة تصان فيها الهوية الإسلامية ويعتز بها المسلمون ويلوذ بها الضعفاء منهم، وقوة للحق تحميه وتسهّل الإيمان على من كان ضعيفا لم يستطع أن يحسم أمره في أوضاع غير مستقرة ولا آمنة ولا "مربحة" أحيانا كالمؤلفة قلوبهم !!


اقتباس
نعم، فأما الأثر فنبحث له عن علاج، وأما معرفة السبب، فأيضا نبحث منه عن علاج، وهما زاويتان، ومع هذه ومع تلك نريد محاولة الوصول إلى سبيل الإصلاح، سبيل القيام ...

إذن فخلاصةً، نحن نتفق أن النفس تتأثر بمحيطها، لا ريب، ولكن الأمر الذي أردت بيانه أنّ هذه "النفس" لا نريد منها إعجازا بمفردها، وليس معنى تغيير ما بها، أن تصنع الخارقة بمفردها، وإنما هي منظومة قاعدية، "مصلح، "مربي"، عالم" كلهم هم القادة على مستوى التغيير القاعدي، مع ما يترسّخ في النفوس المنشَأة من "وازع" ، أقول وازع يتجدد ويقوى، ونحن نعلم أنّ "السلطان" جائر، لا سلطان حق...

نعم وستنتظر تلك النفوس التي استطاعت أن تغيّر ظروفا معينة حتى يُسمع لها ويكون لها أثر "ملموس" على أوسع نطاق

وجميل ما قلت عن البحث عن علاج للأثر، والبحث في السبب عن مسببات الخلل.

شكرا على ما كتبت، بوركت
الحمد لله اللطيف الخبير، صاحب الفضل والمنّة كلها.

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6545
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
في الحقيقة لا يستقيم أن نهجر هذا الموضوع  شهرا كاملا، مع ما وضعتَ من ردود يا حسن    :emoti_389:   جزاك الله عنها خيرا،  لذلك حاولت اقتطاع وقت للرد ..

وسأحاول إزالة بعض اللبس حول ما نتفق عليه، ونبدو وكأننا مختلفَين حوله...
كنت قد بدأت بالحديث عن تغيير النفس، وأن هذا هو الأساس والمنطلق لتغيير مجتمعيّ منشود، وربما بدا ذلك عريضا بلا تفاصيل مما نحا بالفهم أنني أعني عملا فرديا لا يحسب للبيئة حسابا، أو للقدرات المتفاوتة حسابا..

طيب ..

اقتباس
وهو بهذا المعنى مكمّل للحق والواجب ولا نعتبره جائرا أو عادلا، بما أن قضيّته هي التقويم والحرص على تطبيق القانون والضغط على الفرد كي يطبّق ما هو ملزم به ويعرفه بينه وبين نفسه

نعم، أفهم ما تعنيه، ولكن لنعد إلى ما طرحتَ أصلا للمقارنة، فقد قارنتَ بين الوازع الديني، وبين الدين كنظام وإدارة عاملة "بمنظور إسلامي"، هكذا وصفتَه، وهو الذي قلتُ عنه أنه لم يتحقق بعد، لأن الذي نعرفه في واقعنا ليس هذا...
طيب .. حتى على فرض أنه القانون وصرامته، ولوائحه، كيف لا يكون للعدل فيه والجو رمن دور؟ نعم هو الحرص على تطبيق القانون، والمراقبة وو..
ولكن عرفنا في الواقع أنه يطبّق على فئة ولا يطبّق على أخرى، فئة تخاطَبُ باسم القانون، وفئة يُخاطَبُ القانون باسمها، وهذا نعرفه جيدا ... 
والعدل أو الجَور فيه صفة لازمة، انظر للمحسوبية مثلا، ولما نسميه "المُعريفة"... وإلى مَن تُقضى حوائجه دون غيره، وإلى مَن يقوم بواجبه وزيادة ولأنه ليس من تلك "الفئة" فهم قد تعوّدوا على أن يجعلوه سُخْرَتَهم التي على حسابها يرتقون، وأما غيره فمن غير عناء ولا شقاء ومن غير أهلية تُذكر  يُعطون المنصب، وفوق المنصب...
أنا هنا بالقياس مع ما نعيشه، سأرى هذا الأمر زيادة في بيان تأثير البيئة على النفس، فهذا الظلم المُسلط، والقانون "الموجّه" والمُطبّق على فئة دون أخرى إنما هو واحد من العوامل البيئية المؤثرة في إخراج المكنونات الفاسدة للنفس كما ذكرتَ، ولا أراه على ما نعايش يُعتبر وازعا محفّزا على الصحيح والسليم، وعلى تمام الواجب، وعلى إيصال الحق لأصحابه...
ثم  لنكون موضوعيّين، وواقعيّين وحتى نخرج بالنتيجة السليمة لن أعمّم لأنني أصلا أكره التعميم مع دوام وجود الشيء ووجود نقيضه، ولكن على الأقل نحن نعرف في سلطان القانون عندنا الانتقائية، ولا مجال لحصر الأمثلة في هذا ...أليس كذلك؟

اقتباس
وهنا عمل المصلح ما هو ؟ هو توضيح تلك الحدود الدقيقة بين التذرّع بالظروف بالحق وبين التذرّع بالظروف بالباطل

تمام.. وجميل جدا، ولا خلاف ، إذن نحن أيضا يجب أن نوضح هذا، ونحن نتناقش أننا نتفق على أن الظلم موجود، والمظلوم موجود، والظالم موجود، وعلى هذا، فإن هذا رجل لا يتذرّع أصلا، بل هو صاحب حق مهضوم، وهذا  قد يكون جَلْدا، ثابتا، صامدا، ساعيا لاسترجاع حقه مثلا، كما قد يكون ذلك المظلوم الذي لا حيلة له من نفسه، فهو سيجترّ من مكنوناته السيئة ليخرجها، وأنا هنا ليس لي الحق أن أعيب على الثاني، لأنني متيقنة أن الأنفس درجات في هذا، درجات في التحمّل، درجات في الصبر، درجات في المواجهة، درجات في الثبات ..

اقتباس
ثم بعد استقرار الأمر والقيم الإسلامية في مجتمع إسلامي يحمي تلك القيم والمفاهيم، الكل كان يستطيع أن ينكر ويأمر حسب وضعه، ركّزي جيدا في هذه النقطة :)

نعم وعمر رضي الله عنه هنا، مثال تلك النفس القوية التي لا ترضى بغير المواجهة، ومقاومة البيئة...
عمر كان من الرجال الذين احتاجتهم تلك البيئة الصعبة... فهل معنى هذا أنني مثلا ولتحقيق التغيير المنشود أرنو  لنُسَخ "عُمريّة" ؟

وربما يا حسن، حسبتَني بطول حديثي عن التغيير، وعن النفس، وعما يجب أن تقوم به للتغيير، حسبتَني أراها أنفسا تعمل على النسق ذاته، وبالقوة ذاتها، وبالصمود ذاته إزاء المؤثرات..
طيب، هذا هو اللبس الذي يجب أن أزيله، إذ كيف يُعقل هذا ؟ وهنا تحديدا، أسوق سؤالك التالي :

اقتباس
إنما أدقق في شيء آخر وهو حدود تلك القدرة على التزكية ومغايرة الواقع، هل هي سواء وهل هي واحدة مهما تغير الوسط ؟

من يقول بأنها سواء هو إنسان بعيد عن الواقع كل البعد، بعيد عن مخالطة الناس، ويريد أن يضع قالبا جامدا، وإطارا بقياسات لا تتبدّل لكل نفس، وهذا هو الخيال بعينه ...

يتبع بإذن الله  :blush::

« آخر تحرير: 2016-06-07, 16:22:12 بواسطة حازرلي أسماء »
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6545
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
اقتباس
هذه هي أسئلتي وليس هل عمل النبي صلى الله عليه وسلم وغيّر الأفراد في مكة، أو لحقه رجال أولوا عزم، فهذا معروف عندنا جميعا...

بل إن النبي صلى الله عليه وسلم من شدة حرصه ووعيه بضعف الناس، كان حريصا على بناء دولة تصان فيها الهوية الإسلامية ويعتز بها المسلمون ويلوذ بها الضعفاء منهم، وقوة للحق تحميه وتسهّل الإيمان على من كان ضعيفا لم يستطع أن يحسم أمره في أوضاع غير مستقرة ولا آمنة ولا "مربحة" أحيانا كالمؤلفة قلوبهم !!

طيب يا حسن...

بالنسبة للفترة المكية ودورها، والفترة المدنية ودورها، أفهم جيدا جدا، وخاصة بعد توضيحك الأخير، أنك تعني البيئة... البيئة التي أهّلت لقيام الدولة، البيئة التي تقوّى فيها الإسلام، وانتشر بعدها... تريد أن توضح فكرة تأثير البيئة على النفس لتتغير، وليكون التغيير المنشود...

طيب، وهل لي أن أقول هنا أن البيئة لا دور لها؟؟

منذ البداية، كنت أتحدث عن تغيير النفس ليس من منطلق المعجزة التي يُحدثها الأفراد كلٌّ على مستوى نفسه بمعزل عن الواقع، أو من منطلق تساوٍ في القدرات...

وسأعطيك أمثلة لتتبيّن ..
أبٌ وأم مربّيان، حريصان على تنشئة أبنائهما التنشئة السليمة، كبرت ابنتهما، فإذا هي البنت المحتشمة، الوقورة، المحترمة، المتعلمة، الذكية.... من الظلم والجور وعدم الإنصاف أن أقارن بها من لم يكن لوالديها من دور تربوي، بل ربما كان الأب من أصحاب السوابق، ولا مبادئ له، والأم من اللاهيات أيضا، وسواء عندها استقام الحال أو اعوج ... هل من العدل أن أقارن هذه بتلك؟ أو ألا أحسب لبيئة الثانية والوسط الذي شبّت فيه من حساب؟؟ وكم عرفنا فيمن يبدو مستهترا قلوبا متقبلة للحق، وللتغيير أحيانا أكثر مما نعرفه في غيرهم ممن هم أكثر التزاما .

ساعتها لن أتقبلها، وسأرفضها، وسأصبح انتقائية، ولن يصبح للتربية وللتقويم، وللدعوة من معنى، إذا كان الطبيب يريد أن يقصده الصحيح لا السقيم ... فما دوره كطبيب؟ ما دور الإصلاح هنا إذن، إذا كان المصلح لا يعرف قراءة الظروف المحيطة بكل نفس...
هل لي أن أقارن بين من يعيش ضيقا، جعله يرنو للمال أول ما يرنو، ولا يفكر إلا به، وبين من يعيش في سعة من حاله، فتكون  تطلّعاته واهتماماته اهتمامات مكتفٍ، شبعان غير جوعان ... ؟
وهذا مؤثره اقتصادي مثلا...

وهل لي أن أقارن وضع عائلة "البلتاجي" مثلا من بعد وفاة ابنتهم، وإلقاء أبيها في غيابات السجون بوضع عائلة محايد لا "هشَّ" في السياسة ولا "نشَّ"، وهو فوق هذا قد يكون الذي يطيل بالمقالات ويعرّضها منتقدا للإخوان ولسياسة الإخوان من رأسها إلى أخمص قدميها، دون أدنى موضوعية في النقد، فإذا نقده الهدّام الظالم ... هل عائلته وعائلة البلتاجي سواء؟

وهذا مثال المؤثر السياسي مثلا...

وقس على هذا...
أمام المصلح، أمام المربي أن يكون مدركا للفروق، أن يكون مراعيا للمحيط...  لا أنكر هذا البتة، وإن أنكرته فإنما أبحث عن خيال لا عن واقع...
وعلى هذا، فإن تأثير البيئة نعم له دوره، في التغيّر، وفي التغيير، بل وفي تمرّس المصلح على استيعاب النفسيات، كل نفس بحسب محيطها، فتجده مراعيا لهذه الفروق، جاعلها نُصب عينيه، وهو لا يقيس بمقياس واحد، ولا يقيس حتى من وحي ما يريد هو للحال أن يكون...

أعلم أني أطلت، ولكن فقط ليزول اللبس الذي قام حول أن النفوس تتغير بالقدرة ذاتها، أو أن البيئة لا تؤثر عليها وهي تسعى للتغيير ..
"إنَّ اللهَ لا يُغَيِّر مَا بِقَوْم حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِم"  لا أشك أن المعنى منها عملية تغيير مشتركة، فيها يعضّد الفرد أخاه، وفيها يقوم المصلح بدوره، وفيها يجتمع أصحاب الهدف والمبدأ سويا ليكونوا يدا تشدّ على اليد، وفي هذا الاجتماع يكون الصمود أكبر، والمواجهة أقوى، بروح الجماعة التي تساعد على التغيير، وعلى الصمود...
لا عمل النفس بمعزل عن كل هذه العوامل ... هذا ما أردتُ...
ولكن ما أردته مع كل هذا، أنّ فيها تُغرس تلك القيم التي يصبح بها الفرد صادقا مع نفسه، فيحاسبها حساب صدق، ولا يهيَّأ له دوما أنها الضحية، وفيها يتقوّى المظلوم وهو يجد من يتفهّمه، ومن قد يقوم بوسعه ليعطيه من الدعم اللازم، وفيها يعود الذي تملّكه ضعف إزاء مؤثر بيئي، ليتربى من أحد رفقائه، وهو الذي تعصُرُه ظروف أصعب من ظروفه، ورغم ذلك يراه المجاهد الصابر، الثابت، فيتعلم منه، ويتغذى منه، ويعود ليقف من جديد ...... وهكذا الواحد  قويّ بإخوانه...

ولا يخلو الأمر من وجود هذه الجماعة التي تتآلف، وتتفق، وتتحد، ومنها، تكون بذور التغيير بعزائم متحدة، لا عزائم متفرقة، لأن الإنسان يبقى متعلما أبدا من تجاربه كما من تجارب غيره، وحتى هنا، تجد النفس القوية التي تقود هذه العزائم... قائد على مستوى القاعدة .... بل إن القائد نفسه مع ما يكون في نفسه من عزيمة ومن قوة، ومن إصرار، يأتي عليه حين من الدهر يضعف...
فهي هذه النفس البشرية على قدر ضعفها على قدر قوتها، وعلى قدر قوتها على قدر ضعفها... ولا تنفكّ عائدة لحالة فيها بشرية "الضعف"
هذا شكل مما عنيت...

يبقى الآن يا حسن، وقد بدتْ لي هذه الأرضية مشتركة -هذا إن لم يكن لك أو للإخوة من انتقاد لما أوردتُ-
ماذا نرى الآن إزاء هذه "النفس" مع المؤثرات المختلفة، ومع صعوبة ما يحيط بها، ومع وجود المغيّر (المصلح) صاحب الطريق الشائكة، الصعبة، كيف يتقدم التغيير ؟ كيف يتحقق؟ كيف يستطيع حامل لواء التغيير أن يمضي قُدُما ؟
ألا ترون أنها الأسئلة التي علينا المضيّ فيها ؟
« آخر تحرير: 2016-06-07, 17:16:04 بواسطة حازرلي أسماء »
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل ماما هادية

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 15899
  • الجنس: أنثى
  • احفظ الله يحفظك
جزاكما الله خيرا أسماء وحسن على هذا النقاش الممتع الثري
لكني اعترف اني بدات اتوه في شعابه
فاذا قرات كلام اسماء اعجبني، ثم اذا قرأت كلام حسن ملت اليه، ثم اتساءل هل انتما متفقان ام مختلفين؟ تبدوان لي متفقين في مظهر مختلفين
لهذا اتمنى ان يتكرم احدكما بتوضيح النقاط التي تتم مناقشتها، وهل وصلنا لاتفاق وزال اللبس؟ ام مازال ثمة اختلاف؟ وما هو بالتحديد

كذلك ارجو من الاخ حسن مزيد توضيح لتعليقه على مشاركة جواد، وخاصة قوله: ( لا استطيع ان اقتبس لاني اكتب من محمول، انا اقصد سؤاله المزعج وما تلاه)

 emo (30):
*رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ*

غير متصل ماما هادية

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 15899
  • الجنس: أنثى
  • احفظ الله يحفظك
رأي الباحث التاريخي الشاب. محمد إلهامي في إشكالية التغيير وهل يبدأ من القاعدة ام من القمة، مستدلا لرأيه من تجارب التاريخ

https://youtu.be/mW-FD0fH98k

التسجيل لا يتجاوز الخمس دقائق.
*رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ*

غير متصل جواد

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 244
  • الجنس: ذكر
وما هي الغاية من هذا التغيير بالأساس؟
وهل بدأ الرسول صلى الله عليه وسلم التغيير من القمة فعلا؟

مشكلتي الأولى مع هذا الرأي أنه يؤصل الإمعية والتبعية في المجتمع، وهذا لم يكن حادثا في زمان الرسول صلى الله عليه وسلم ولا في زمن الخلفاء الراشدين، بل إن خطبة تولي الخلافة لكلا من الصديق والفاروق أصلت لإيجابية المجتمع المسلم الذي يقوم خليفته حين يخطئ.
وهذا هو الأقرب للعقل والمنطق، فلا يمكن أن نأمن الفتنة على شخص واحد نضع في يديه مصير الأمة بكاملها وكأنه قد عصم من الخطأ.

أما المشكلة الثانية، فهي الهدف من هذا التغيير، ففكرة أن يكون الناس على دين ملوكهم بها نفاق واضح وتحول من مراقبة الله عز وجل إلى مراقبة هذا الحاكم الذي تولى عليهم !
فإن كان هدف التغيير أن يدخل الناس الجنة، فهذا لا يتحقق بمثل هذه الحالة الموجية التي لا هم لها إلا الدنيا.

والمشكلة الثالثة، أن فرضية دخول الرسول صلى الله عليه وسلم المدينة حاكما تحقيقا لمبدأ القمة قبل القاعدة، غير صحيحة أبدا،
فلقد بدأ المصطفى صلى الله عليه وسلم ببيعة العقبتين، ثم النقباء ومصعب بن عمير، وأمر الهجرة للصحابة في مكة.

والمشكلة الرابعة، أن فكرة البدء من القمة تتطلب بالضرورة استخدام التقية، أو التخلي عن جزء من المبادئ الإسلامية للوصول إليها،
وهذا ما رفضه الرسول صلى الله عليه وسلم في مكة بوضوح، فلم يندمج في نظام الحكم في مكة أو يحاول إصلاحه تدريجيا،
ولم يوافق على أي من عروض الزعامة التي عرضها عليه كفار مكة، لأن فيها تعارض مع مبادئ الإسلام.

والمشكلة الخامسة، أن آلية التفكير هذه خطيرة جدا، فهي تريد الوصول لنتيجة شكلية، ولا تتلمس التغيير الحقيقي لحال الناس في المجتمع،
وهذه مشكلة خطيرة للغاية، تجرد الدين من حقيقته وتجعلنا مسوخا مادية في معادلة رياضية لا أكثر.

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6545
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
لم أقرأ مداخلة الأخ جواد بعد، الآن فقط انتبهت إليها عند الإرسال .

شكرا على الفيديو يا هادية.

في الحقيقة، هي وجهة نظر أحترمها، ولكن لا أريد القطع بتبنّيها، لأننا من الناحية الأخرى إذا تأملنا وجدنا شواهد على العكس، أنا لا أرتكز على الحديث الضعيف "كيفما تكونوا يولّ عليكم"، وإنما على شواهد

نعم دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة حاكما، ولكن هذا لم ينفِ الإعداد المسبق للمدينة من قبل أن يلجها، الستة ووفاؤهم وعودتهم، وهم قد رأوا أن عسى أن يكون الذي يجمع شتات قومهم، ولننظر هنا لوعي صفوة من القاعدة بتخبطات قومهم، وأدوائهم، وكذا وعيهم بالنبوة هنا بصفة خاصة، مع ما تذكروا من حديث يهود عن النبي الموعود، وأن عليهم أن يسبقوهم إليه،  ثم الاثنا عشر العام المقبل ومصعب بن عمير وعودته معهم يعدّ المدينة بعام قبل دخول رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم العقبة الثانية والثلاثة والسبعون ومجيئهم مع قومهم للحج مخفين إسلامهم وهذا أيضا جزء بالغ الأهمية من حركة الشعوب ووعيهم، والاثنا عشر نقيبا وعملهم المكمّل لإعداد المدينة بالدعوة، ثم لا ننسى البنود بينه وبين الأنصار أن ينصروه ويمنعوه ولكن في حدود المدينة مثلا لا خارجها، حتى أنه في بدر وعند تبيّن أمر ذات الشوكة، لم يفصح رسول الله صلى الله عليه وسلم بمُراده وتمنيه تأييد الأنصار له، بل صمت، وعرّض أنه يريد سماع رأيهم، حتى تكلم سعد بن معاذ وتبيّن له تأييدهم له حتى خارج حدود المدينة ...

ولا ننسى السرايا والغزوات في العام الأول قبل بدر، وكيف كان يبعث فيها المهاجرين دون الأنصار احتراما منه لما بينه وبينهم من عهد الحماية في حدود المدينة ... وبالتالي هنا، رسول الله صلى الله عليه وسلم سبقت حكمَه الدعوة، وإنما ما كان في المدينة هو تهيئة من الله تعالى للأرض الحاضنة، ولأهلها الذين كانوا ألين عريكة من أهل مكة أكثر منها دخول رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوة الملك، أو ربما هنا ترافق العمل مع القاعدة والعمل على مستوى القمة، والله أعلم .

والتاريخ يشهد أيضا أنّه كان لعلماء الحق دور مع سلاطين انحرفوا، وأنّ حركة الشعوب كان لها دورها، بل إن ابن تيمية ذاته هو من قادة الحرب على البدعة بالداخل، وحرب عدو الخارج، كما عاصره ثلة من علماء أفذاذ كانوا في عصره، وكان لهم دور إعادة المعنى السليم للشريعة في أذهان المسلمين، وما العز بن عبد السلام عن ذلك العصر ببعيد وهو الذي لقّب ببائع الملوك...

وحتى ملاحظته عن الشعوب وكونها خيرا من حكامها، هذا من شواهد الرأي الآخر الذي يقوم على دور وعي الشعوب بفساد حكامها، هذا الوعي الذي يولّد التغيير مع تراكمات الزمن...

أكرر... أحترم جدا رأيه، وأرى فيه صوابا، ولكن أيضا أرى من الجانب الآخر ما يؤيده، وعلى هذا فربما التقى الجانبان في عملية التغيير أكثر من التركيز على كون حالة هي التي تؤدي للتغيير دون الأخرى.

والله تعالى أعلى وأعلم .

« آخر تحرير: 2016-07-08, 05:05:26 بواسطة حازرلي أسماء »
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل ماما هادية

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 15899
  • الجنس: أنثى
  • احفظ الله يحفظك
أنا لم أضع رأي (إلهامي) لأني أؤيده كما أني لا اعارضه
وضعته للتأمل

وكلام أسماء وجواد ايضا جدير بالتأمل

وفي التاريخ عبرة

قناعتي الحالية (وهي ليست مطلقة)
اننا بحاجة لإنشاء قاعدة عددية كثيرة، كافية لإفراز الحاكم المسلم واختياره ثم حمايته،
هذه القاعدة هي النخبة الايمانية التي تؤثر ولا تتأثر، تجاهد وتضحي وتستمسك بالحق مهما كانت الظروف
وهي المعول عليها في بناء المجتمع المسلم والتأسيس لحكم الله تعالى
ثم هناك عموم الجماهير التي تنقاد وتتأثر بالبيئة أكثر من مقاومتها لها... هذه الجماهير يصلحها الحاكم الصالح ويفسدها الحاكم الضال
والله أعلم
*رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ*

غير متصل حسن

  • شباب جديد
  • *
  • مشاركة: 29
  • الجنس: ذكر
  • الحُكم على الناس أيسر، ولكن فهمهم أعسَر
أشكرك أسماء على ما علقت به
وكل تعليقك الأول يبدو أنه يميل إلى التركيب بين النظرتين، لذلك لن أعقب عليه، نتفق فيه...

وأحب أن أقول عن مثال "أمن العدل المساواة بينهما" وعدم تشابه الفتاتين... وكل مثال شبيه به..
نعم لا من العدل قطعا، وهذا يستشعره أي عاقل فكيف يفوتك.
واسمحي لي أن أدقّق هنا أيضا، بقول أنّ الذي أقصد بالضبط هو نظرتنا لكلاهما وانتظرانا للتغير الآتي منهما... بمعنى أننا سننطلق من قضية العدل والمساواة، لنمضي إلى نتيجة أهم وأكثر تطبيقية، وهي : ما مدى التغيير والقدرة التي ننتظرها من الأضعف مقابل الأقوى؟!

وهل معرفتنا بما يجب أن يقوم به ذلك الشخص المسؤول كافٍ أو ينبغي معرفة "القدر الذي يمكنه تحمله" من تلك المسؤوليّة ؟

فإننا لو عرفنا الوزن (المسؤولية، الشرع، الدين) دون معرفة قدرة الذي سيحمله (الناس هنا) فستيحطم كلاهما، الشيء المحمول يتلف بوضعه على كاهل من لن يحفظه، والحامل سيتلف أيضا بتحميله ما لا طاقة له به، وإهلاكه به قبل أن نرى منه تغييرا أو تأثيرا !!

ويمكنك ملاحظة أنّ كثيرا من الناس، يستطيع أن يعرف أن الفتاة الأولى أكثر حظا وأكبر فضلا، ولها من القوة والثبات ما يجعلها غير متساوية مع الثانية، الأقل حظا والأضعف...
لكن القليل منهم ينتبه في مرحلة "المطالبة بالعمل" بأن مجرد وجود إنسان مكلّف لا يعني وجود قادر على ذلك التكليف، وهذا ما نراه في الخطاب الديني كثيرا، يخاطب الناس كلهم كأنهم على قلب وعزم رجل واحد من خيارهم !!؟

علّ الفكرة وضُحت أختي أسماء
الحمد لله اللطيف الخبير، صاحب الفضل والمنّة كلها.

غير متصل حسن

  • شباب جديد
  • *
  • مشاركة: 29
  • الجنس: ذكر
  • الحُكم على الناس أيسر، ولكن فهمهم أعسَر

كذلك ارجو من الاخ حسن مزيد توضيح لتعليقه على مشاركة جواد، وخاصة قوله: ( لا استطيع ان اقتبس لاني اكتب من محمول، انا اقصد سؤاله المزعج وما تلاه)
 emo (30):


وجزاك الله خيرا ماما هادية

بالنسبة لكلامي المبهم عن المحافظة... قصدتُ به أنّ مجرّد عامل واحد قد تغيّر كما لم يكن في زمان النبوة، وهو المحافظة، قد يخلق مشاكلا في العمل الميداني والسياسيّ والإعلاميّ، بغض النظر عن الاختلاف في الدين وأساسياته، أو وجود عداء خارجي أو داخلي...

بكلمات أخرى صارت "الليبرالية والمحافظة" اتجاهين اجتماعيين يتزيّل بهما البشر وتقوم من أجلهما الولاءات والاعتبارات والعداوات...
الحمد لله اللطيف الخبير، صاحب الفضل والمنّة كلها.

غير متصل حسن

  • شباب جديد
  • *
  • مشاركة: 29
  • الجنس: ذكر
  • الحُكم على الناس أيسر، ولكن فهمهم أعسَر
وما هي الغاية من هذا التغيير بالأساس؟
وهل بدأ الرسول صلى الله عليه وسلم التغيير من القمة فعلا؟

مشكلتي الأولى مع هذا الرأي أنه يؤصل الإمعية والتبعية في المجتمع، وهذا لم يكن حادثا في زمان الرسول صلى الله عليه وسلم ولا في زمن الخلفاء الراشدين، بل إن خطبة تولي الخلافة لكلا من الصديق والفاروق أصلت لإيجابية المجتمع المسلم الذي يقوم خليفته حين يخطئ.
وهذا هو الأقرب للعقل والمنطق، فلا يمكن أن نأمن الفتنة على شخص واحد نضع في يديه مصير الأمة بكاملها وكأنه قد عصم من الخطأ.

أخ جواد، شكرا على المداخلة

بالنسبة لسؤالك هل بدأ الرسول صلى الله عليه وسلم من القمة؟
هل هو سؤال تجعل جوابه دليل على عدم معقولية ومشروعية البداية من القمّة (بصرف النظر عن بعض المفاسد التي ذكرت في نقطة لاحقة) ؟ أو تجعل جوابه مجرّد معطى لا يختلف حوله اثنان ولا يجعله أيضا شيئا محرّما؟!

أسألك هل بدأ سليمان بملكه عليه السلام من القمة او من القاعدة ؟ فهل وجود نبي آتاه الله الملك شيء يقدح في النبوة أو في المنطق ؟

هذا وجواب سؤالك ليس كما تظنّ أخي، فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يبدأ من القمة بسبب أن ذلك محرم أو غير منطقيّ كما يوحي تساؤلك وتعقيبك ويجعل من ذلك أمرا شرعيا لا ينبغي الخروج عنه البتّة. بل قد دعا بل حرص علي إسلام أكابر القوم (كما في قصة ابن أم مكتوم) كي يكونوا رؤساءَ خيرٍ إذا ما آمنوا، وسببا في تأثير من رأس الهرم ومواطن القرار، وقد دعى بإعزاز الإسلام بأشراف القوم...

أما قضية الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر فلا تتعارض بحال مع قيادة راشدة، بل إن القيادة الراشدة والصالحة، هي من تسمع وتشاور في الأمر...

أما عن اعتراضك على مبدأ التأثير البيئي والاجتماعي بنطاقه الواسع، انطلاقا من اعتراضك على "الإمعيّة" أقول:
- أولا هل الإمّعة مذمومة في حدّ ذاتها ؟ أو هي كأي وسيلة إذا أدت للخير قبلنا وسلمنا بها؟
ماذا نقول في اتباع العلماء إذن، أو جماعة المؤمنين (ويتبع غير سبيل المؤمنين) والتواصي بالتعاون على البرّ، والتزام الصالحين (واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم) أو (المؤمن ضعيف بنفسه قويّ بأخيه) !؟ كلّ هذا حسب منطقك "إمّعية" مجتمعيّة..

بل إن وصول الإسلام إليك وإليّ وإلى أعضاء هذا المنتدى كلهم، لم يكن ممكنا إلا "بآليّة" الإمّعية والتقليد، فهل نستنكرها أم نعتبرها وسيلة صحيحة صحّةَ الغاية التي استخدمت فيها ؟!

طيّب، نسلّم فرضا أنّ النبي صلى الله عليه وسلم لم يغير من قمة الهرم كما قلتَ. لماذا رضي من النجاشيّ إيمانه وهو الذي كان قائدا، ولم يستطع حتى إشهار إسلامه بين قومه النصارى ؟ كان ضعيفا فلماذا لم يقل له اهجر بلدك وهاجر إلينا لتكون مع القاعدة والصفوة مصلحا صالحا ؟!! سؤال يدعو للتأمّل.. وضعه هناك ومقامه خير للمسلمين من مقامه بين ظهرانيهم، فكان مجيرا عادلا وحليفا استراتيجيا


اقتباس
أما المشكلة الثانية، فهي الهدف من هذا التغيير، ففكرة أن يكون الناس على دين ملوكهم بها نفاق واضح وتحول من مراقبة الله عز وجل إلى مراقبة هذا الحاكم الذي تولى عليهم !
فإن كان هدف التغيير أن يدخل الناس الجنة، فهذا لا يتحقق بمثل هذه الحالة الموجية التي لا هم لها إلا الدنيا.

أراك أخي جواد تخلط هنا بين "ما يجب أن يكون" و"ما هو كائن" الناس على دين ملوكهم وثقافة بلدهم وإعلامه (في الأزمنة المعاصرة)... هذه حقيقة ولا يمكن إنكارها بمجلدات ومحاضرات فضلا عن جملة واحدة.

طيّب كيف تُفسّر أن المسلمين في البلدان المسلمة يكونون على دين خليفتهم وحكامهم ومجتمعهم ؟! أم أنّ هذا شيء مطلوب ولا نستنكره لأنّه يعكس ما نحبّ ؟

هدف التغيير هو خلق وسط يمكن أن يعبد الناس فيه ربّهم وتسهل عليهم العبادة مثل (إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض...) ولو كان الدخول للجنة لمن آمن فقط دون ظروف معينة على ذلك، لما كان الجهاد والدولة والأحكام والشرائع والقوة شيئا مشروعا ومرغّبا فيه... ولكانت الشعائر كافيّة...


اقتباس
والمشكلة الثالثة، أن فرضية دخول الرسول صلى الله عليه وسلم المدينة حاكما تحقيقا لمبدأ القمة قبل القاعدة، غير صحيحة أبدا (...)

والمشكِلة الرابِعة، أن فكرَة البدْء من القمة تتطلب بالضرورة استخدام التقية، أو التخلي عن جزء من المبادئ الإسلامية للوصول إليها،
وهذا ما رفضه الرسول صلى الله عليه وسلم في مكة بوضوح، فلم يندمج في نظام الحكم في مكة أو يحاول إصلاحه تدريجيا،
ولم يوافق على أي من عروض الزعامة التي عرضها عليه كفار مكة، لأن فيها تعارض مع مبادئ الإسلام.
.

أظنّ أن المشكلة الثالثة وتسميّتك إياها "بالفرضيّة" :) شبيهة بالمشكلة الأولى، ثم ما المشكل عندك أخي أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم سعى للتغيير من رأس الهرم، خصوصا أنّ الله أمره أن يكون حاكما بين الناس بالعدل والشريعة الربانية، ولا يكون ذلك إلا لرئيس !؟

أما المشكلة الرابعة، كون النبي صلى الله عليه وسلم ترفّع عن ذلك، لا يعني أن ذلك محرّم على غيره، فالتغيير يكون قدر المستطاع، وفي النجاشي عبرة، فقد كان يمارس التقيّة ولم يُنكر النبي صلى الله عليه وسلم دوره ولم يعتبره مفسدا ! والأنبياء لهم مسارهم وتأييد خاص بهم، ونصر مجهّز لهم، والله عصمهم من أي شبهة زعامة على حساب المداهنة في الدّين خصوصا أنّهم يقيمون دين الله ودولته دون  اللجوء لالتماس القبول والتأييد من أعداء الدعوة...

ثم المهم، هل حذّر النبي ونهى من أقوام يأتون ويغيرون قاعدة الشعوب من رأس الهرم بالخير والعدل والشرع ؟!! أبدا لن تجد هذا... ببساطة لأنها من أنجع السّبل وأنفعها لعباد الله تعالى، وتكفي عناء معارك كلامية ولاهوتية بين المثقفين، مجرد ثقافة جماهيرية ينتشر فيها الخير والإيمان والعدل... دون مناظرات لحفظ مكانة الدين أو إدخال الناس فيه أو إقناعهم... وأغلب الناس يتبنون أفكارهم بهذه الطريقة، أي طريقة التلقّي...


اقتباس
والمشكلة الخامسة، أن آلية التفكير هذه خطيرة جدا، فهي تريد الوصول لنتيجة شكلية، ولا تتلمس التغيير الحقيقي لحال الناس في المجتمع،
وهذه مشكلة خطيرة للغاية، تجرد الدين من حقيقته وتجعلنا مسوخا مادية في معادلة رياضية لا أكثر

لا خطيرة ولا شيء، لا تهوّل الأمر أخي جواد :) من قال أن الدين سيُجرد من حقيقته، كأننا لا نتفق على كيفية انتشار الأفكار والعقائد ورسوخها في الأذهان، وكأنك تتبنى طريقا واحدا لانتشارها ورسوخها في الأذهان، وهو طريق الأكياس والباحثين وأولي العزم ؟! هل يمكن تعميمها على كل الناس هذه الطريقة...

تحيّتي أخي، وعذرا على الإطالة...
الحمد لله اللطيف الخبير، صاحب الفضل والمنّة كلها.

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6545
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
أولا عودا أحمد يا حسن لهذا الموضوع emo (6): بعدما هجرناه تقريبا، وهو الذي يحتاج إطلالات   

ثانيا:

أنا معك حول ضرورة إدراك مقدار ما يتحمّل المكلّف من المسؤولية، لا التكليف هكذا بعميّة، الكل في الأمر سواء... ثم يأتي التثريب واللوم والانتقاد والانتقاص ... وهذا من مثالب الذي يتصدر للدعوة، والخطاب والاحتكاك بالناس، وهو يرى الكلّ قادرا على الفعل بالمستوى ذاته ...

ولكن لي بعض الملاحظات..
الأمر لا يبدو لي بالمطلق، بل يبدو أيضا بنسبية حتى في هذه الحال، بمعنى أنّ المطالِب بالعمل، نعم يجب أن يدرك تلك الفروق بين الناس، بل يجب أن يتحلى بثقافة فيها من تحسّس وتلمّس طاقة كل واحد ممن يكونون مثلا تحت إمرته، في كيان جماعي للعمل المشترك مثلا، في مؤسسة ...

وحتى إن لم يكونوا تحت إمرته، وهو يتوجه للناس بالعموم كالداعية أو المصلح، عليه أن يكون توجّهه واقعيا، لا يطالب فيه بالخوارق والمعجزات، ولا أن يجعل على قدم المساواة كلّ من يدعوهم، أي أن يكون رفيقا، متحسّبا، باسطا للاستثناءات ...

ولكن من ناحية أخرى، من ناحية "المُطالَب" والذي عرفنا أنه بين حالات مختلفة، وظروف مختلفة أحاطت به لها دورها في "كمّ" ما يستطيع تحقيقه، وكذا في "كيف" ما يستطيع تحقيقه...
هذه نتفق أنها نظرة المطالِب بالتغيير(بالكسرة)  للمطالَب بالتغيير (بالفتحة) ..

هناك حالات عرفنا منها غير المتوقَّع، فتجد الذي نظنّ به ظروفا تحول دون أدائه كما يؤدي من ظروفه أحسن، تجده كان ذا عطاء أكبر، وفاجأك بقوة لم تحتسبها فيه ...

إن شئت من الصحابة تجد الكثيرين، تجد الفقراء الذين تحمّلوا الأعباء الشديدة، والجوع والمخمصة ولم يحُلْ فقرهم دون قيامهم للدين أحسن قيام ... عمار بن ياسر وبلال رضي الله عنهما مثلا..
وكما كانت ظروفهم صعبة، أحاطت بهم ظروف جديدة جعلتهم أيضا يتحدّون تلك الظروف القديمة، هذه الظروف الجديدة تتمثل أساسا في مجتمع متكافل، حقق التكافل والعدل وأقامه في أحسن أشكاله، فلم يترك فيه المتمكن عاجزا، ولا الموسر مُعسرا .. ولم يترك مِن فرق بين غني وفقير.. ولا بين سيد ومسود..

هذا عامل من العوامل، هناك ممن حولنا ممن نعرف لهم ظروفا صعبة، ولكنهم أيضا يفاجؤوننا أحيانا كثيرة بأن يكونوا أكثر من غيرهم تشرّبا للمعاني، وأداء للدور بشكل لا نتوقعه ..

ربما ترى في جامعيّ متخرّج، مثقف، مُكثر من الكلام حول هموم الأمة، ومشاكلها، منتقد لكل مسؤول، حتى لكأنه الذي لو وُضِع مكانه لجاء بالحلول طيرانا، ولفتح الأبواب الموصدة، ترى فيه من لا يثبت ساعة العمل، يظهر على السطح، وتحسبه فردا في جماعة عاملة، وما يفتأ أن ينقطع، لا يثبت أمام التحديات، والصعاب والعراقيل، يريدها سهلة لا تكلّفه صبرا ولا تصبرا ...

بينما تجد فيمن كان مستواه العلمي أقل، ومن كانت ظروفه المادية أصعب من الأول، عزما، وجلدا، وصبرا، وثباتا على العمل، وإيمانا بالرسالة . هذا مما عاينتُه عن قرب .

كُثُر ممن نعرفُ فيهم بعدا عن الدين، ساعة يجدّ جدّ تلقاه أكثر عزما وإقداما على فعل الخيرات، وعلى الانخراط في أعمال الخير، وعلى المنافحة عن الدين .. ربما هي ذخيرة مخبوءة فيه، تنتظر أن تجد دافعا بين الدوافع المحفّزة لتظهر على قوّتها ..

إذا بحثتَ وجدتَ تظافرا بين عوامل داخلية من نفسه، وعوامل خارجية، ربما وجد التشجيع، ربما وجد من يشدّ على يده ويعطيه أملا في التغيير ...

هذه أمثلة، وغيرها أيضا كثير، أردتُ بها أن أقول أن هذه القاعدة من جهة المُطالَب ليست بالثابتة دوما، وليست الظروف الصعبة في كل الأحايين حائلا..نعم في أغلبها هي حائلة دون عطاء مَن كانت ظروفه أحسن، ولكن هناك حالات ...

وبالتالي برأيي، أن الداعي للتغيير عليه أن يكون ذا وعي وحسّ عال..
من جهة يجب أن يكون خطابه معقولا، واقعيا، ليس فيه التكليف للجميع على قدم المساواة، وأن يكون متيقنا من تفاوت القدرات، وألا يكون في دعوته تعسير، ويجب أن يراعي الضعف البشري على عمومه في الجميع بمن تؤهله ظروفه وبمن لا تؤهله ..


ومن جهة أخرى أن يرهف حسّه فلا تفوته علاماتٌ بعينها فيمن يُظنّ بهم ضعفا، وهم أهل لأداء للرسالة .. فيذهب به سوء ظنّه أن يُقصي مَن قد يتأهل بدافع وحافز ينفذ إلى مفتاح شخصيّته..

أظن في علم النفس مثلا عندكم يا حسن قوية هذه الحاسة ؟ أليس كذلك ؟  emo (30):

طيب .. أيضا هناك نقطة أخرى على ذكرك :
اقتباس
فإننا لو عرفنا الوزن (المسؤولية، الشرع، الدين) دون معرفة قدرة الذي سيحمله (الناس هنا) فستيحطم كلاهما، الشيء المحمول يتلف بوضعه على كاهل من لن يحفظه، والحامل سيتلف أيضا بتحميله ما لا طاقة له به، وإهلاكه به قبل أن نرى منه تغييرا أو تأثيرا !!

تمام، وأتفق معك، ولكن استحضرت أمرا، لا يجدر بي إغفاله، بل سأطرحه ..
استحضرت هنا الذين استحفظهم الله على كتابه، فلم يحفظوه، بني إسرائيل، هم حُمِّلوا، وممّن؟ من رب العزة جلّ في عُلاه العالم بطاقتهم وقدرتهم، فما حملوا، قال لهم سبحانه : "خذوا ما آتيناكم بقوة"
فما أخذوه، وما حملوه، لم يحفظوا ما استحفظوا عليه..
وهنا التكليف من الله تعالى كان عن علمه سبحانه المحيط بطاقتهم، ولكن البغي كان منهم، فما حفظوا وما بلغوا ...
إذن الإشكالية هنا تُطرح من باب أن يكون المطالَب، والمكلَّف أيضا في ذاته ليس ذا أهلية عزم للعمل بعيدا عن الظروف، نفسه هنا هي العلّة لا ظروفه ... فإذا كُلِّف ممن عرف فيه طاقة وقدرة، وظروفا مواتية، لم يأتِ بما يُتوقع، أو ربما لم يأتِ أصلا بشيء ...

هذا ما وددتُ ملاحظته .. والذي أرى فيه استثناءات يجب أن ننتبه إليها.. لنحيط بحيثيات الأمر قدر المستطاع .

لا أظن ردي هذه المرة طويلا  :blush:: يجدر بنا الثبات على الإطالة   :emoti_64:
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل حسن

  • شباب جديد
  • *
  • مشاركة: 29
  • الجنس: ذكر
  • الحُكم على الناس أيسر، ولكن فهمهم أعسَر
والعود أحمد... شكرا  emo (30):

أحسنت في الجزء الأوّل وما قلت جميل... ولن نختلف حوله، إلا إذا كنتُ أقصد ب"القدرة على التكليف وتحمل المسؤولية" وظروف الشخص، الظروف الخارجية فقط :)

قصدت بطاقة المرء كل ما يُعتبر طاقة له سواء كانت داخلية أو خارجية، بدليل أن الظروف الخارجية قد تكون غاية في اليُسر والإعانة، ولكنّ الفرد لا همة له ولا عزيمة ولا تضحية ولا صبر، فنقول أنه "لا يصلح للمهمة"
والعكس، قد تكون ظروف قاسية جدا، والفرد ذو همة عالية وصبر وثبات، فنقول "يصلح للمهمة"... وهكذا الأمر يدور مع وجود "الطاقة" كنتيجة ومعطى بغض النظر عن مصادرها الخارجية والداخليّة....

وقد قلتها أنتِ في الأخير كتركيب ظننتِ أنّني خالفته في الأوّل


اقتباس
إذا بحثتَ وجدتَ تظافرا بين عوامل داخلية من نفسه، وعوامل خارجية،  ...

وبهذا تكون القاعدة في المطالبة ثابتة إذا ما تعلّقت "بطاقته" لا بمجرّد وجود مصادرها سواء أثّرت فيه أو لم تؤثّر... بعبارة أخرى، وجود "دواعي" القوة والعمل والتغيير ليس كافيا للحكم على الناس بالقدرة والطاقة والصلاحية للمهّمات... إنما درجة تأثّر الأفراد والمجتمع بتلك الدواعي واستدماجها لتصير طاقة يُستفاد منها...

وإلا فنظريّا ستكون المجتمعات المتخلفة بطاقاتها "الكامنة" وإمكانياتها مثلها مثل المجتمعات المتقدمة، لأننا لو نظرنا إلى العوامل والإمكانيات سنجدها متشابهة، بل ربما أكبر مما عند دولة متقدمة... ومع ذلك هناك خلل، خللٌ في الاستفادة  من تلك الإمكانيات، في توظيفها بسبب خلل في العقليات والسلوكات والرؤى والتصورات...

- بالنسبة لسؤالك عن علم النفس وحاسة "التعاطف" هذه فهي لها علاقة بشخصية المرء قبل كلّ شيء، من يحمّل نفسه عناء فهم الناس والتريّث في الحكم عليه، ورحمتهم ومتابعة ظروفهم قبل أخطائهم... قد يكتسب هذه الخاصيّة، فإذا درس علم النفس يكون أفضل ويكتسب أدوات وآليات علمية ودقيقة ومعرفة رائعة...
وإن لم يدرس علم النفس (على أن يكون اهتمامه موجّها لفهم الشخصيات لا أمور أخرى لشساعة هذا العلم وتفرّعاته) فسيكون أفضل ممن درس علم النفس وليس من طبيعته الرأفة والعذر والإنصات لآلام الناس وفهم ظروفهم... :)

أمّا قضية تكليف الله تعالى لأهل الكتاب، فعلم الله تعالى فوق كل علم ولا شكّ علم ما سيكون منهم ومع ذلك استحفظهم، ليعلم كيف يصنعون، وهذا مثل استخلافهم في الأرض من بعد ما استضعفوا {عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ (129)}
فقد علم أنّهم سيبدّلون ويغيّرون ويفسدون ولكنّه استخلفهم ليقيم عليهم الحجّة...
إضافة إلى أن التكليف بحفظ كتاب الله، لا يدخل ضمن التكليف بما لم يطاق، لأنه يكفيهم الصدّق وعدم الكذب، يعني "ترك للكذب" وهو أيسر على النفوس من الجهاد مثلا، و"الإتيان" ولكنّهم حرفوا الكلم من بعد مواضعه بغيا وفسادا، لا لمجرّد الضّعف...

وبهذا يكون كما قلتِ السبب بغيُهم وليس عدم قدرتهم أو ضعفهم... فلم يكلّفهم بقتال فرعون مثلا بل نجّاهم منه، لعدم استطاعتهم قتال دولة فرعون وعساكره، وهذا ضعف لا بغي وإفساد

تحيّتي  emo (30):
الحمد لله اللطيف الخبير، صاحب الفضل والمنّة كلها.

غير متصل جواد

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 244
  • الجنس: ذكر
جزاكم الله خيرا أخي حسن على الرد،

واسمح لي أولا أن أوضح لك أنني لم أقصد حراما أو حلالا أو تشريعا يأثم من يخالفه.

كل ما في الأمر أنني أعبر عن فكرة مقتنع بها، وأراها من وجهة نظري هي الأسلم والأصوب (وإلا فكيف أكون مقتنعا بها!) .

ثانيا، مرة أخرى، واعذرني في ذلك، ما الهدف من هذا النقاش؟
ما الذي سنخرج به بعده؟

على مدار 16 عاما قضيتها على الإنترنت وتابعت فيها النقاشات من البال توك إلى المنتديات وأخيرا الفسبوك، وكلها بنظري لم تغير من الواقع شيئا.

بل، تحول الأمر إلى زيادة في الشقاق وإمعانا في الفرقة وخسارة للمساحات التي يمكن التعاون فيها على الحقيقة،
حتى إذا ما رأيت مشاريع تحاول العمل والقيام والخروج من دائرة كثرة الكلام المقيتة تلك، لم تجد من يدعمها على أي شكل كان.

حقيقة الأمر التي خلصت إليها، أننا ابتلينا بكثرة الكلام وقلة الأفعال، حتى صرنا نتناقش في أدق التفاصيل ونتشاحن لأمور ما لها من مواقع فعلي،
ويأخذ الظن بنا، حتى يشكك كل منا في إيمان الآخر ونيته ومبتغاه من وراء ما يقول.

انظر بنفسك لهذا النقاش الدائر هنا، نرد على بعضنا البعض، في سلسلة لن تنتهي من الردود، ثم يذهب كل منا إلى حاله في النهاية.
وأرجوا ألا تفهم من هذا أيضا أنني أدعوا للصمت وعدم النقاش مطلقا، وإنما أدعوا للنقاش داخل العمل،
فهناك فقط يكون للنقاش مردود فعلي ومؤثر، وهناك فقط تقل مساحة سوء الفهم لأننا نتعامل بشكل مباشر ونرى من الأعمال الأخرى ما يعيننا على فهم شخصية الآخر ووضع كلامه في سياقة الصحيح.

لهذا أخي أعتذر على إكمال النقاش، ويسعدني دوما أن أكون في نقاش عن عمل فعلي يجري، لا جدال فلسفي يخرج بعده كل منا إلى ما يعمل ويتابع حياته كما كانت.

جزاكم الله خيرا، وكل عام وأنتم بخير.

غير متصل حسن

  • شباب جديد
  • *
  • مشاركة: 29
  • الجنس: ذكر
  • الحُكم على الناس أيسر، ولكن فهمهم أعسَر
أهلا :)

إذا كان الأمر لا علاقة له بالتشريع أو الحرام أو الحلال، فلا داعي إذن بالاستدلال بفعل الرسول صلى الله عليه وسلم، سنّته. فقد حسبتك تستدل بهما من أجل "قضية تشريعية"... إذا كان الأمر "عمليّا" محضا بعيدا عن التشريع، فالاستشهاد بالواقع والقريب والدراسات الحديثة أكثر "براكماتية" (ولا يعني أنها صحيحة)

بالنسبة لما قلت عن كثرة الكلام وقلة الأفعال... أولا لن يكون الفعل إلا بعد فهم ما يجب أن يُفعل... وكم صدّع أقوام وعلماء وشيوخ وحركيون رؤوسنا بالمناهج والتنظيمات والرؤى الشرعية وووو... ثم ساعة العمل زلّت الأقدام وأسفرت الظروف عن جهل كبير بالواقع خباياه وبالأعداء ومكرهم، وبدت السذاجة على محيّى الكلّ... لا شكّ أن التجربة تدخل في المعرفة أيضا.. ولكنّ المشكل أنّ ما قدمته التجربة قد قدمه تنظيرا أشخاص فسُفّه رأيهم وتم تجاهله...
وأيضا، النقاشات حتى إن كانت دون عمل فهي تبيّن الأخطاء في الآراء والاعتقادت لك الأطراف...

المهم... لا عمل إلا بنظرة سليمة..

ثانيا: قضية كثرة الكلام والنت والمنتديات.. أنا أصلا من المعترضين عليها :) ، لذلك لم تجدني في بالتوك، أو منتديات أكتب كثيرا، وحتى الفيس أكتب وأنا أعرف جيدا أنني قد أكون ممن يحرث في الماء...

وطبيعي أن تكون ردّة فعلك بعد 16 سنة عجفاء في نظرك ردّة معاكسة لتجربتك تماما... وكما قلتَ لا ينفي هذا الكلام في مواطنه...

أما الحياة اليومية والعودة لها، فلا بدّ :) لأن نقاشنا ليس في مؤسسة تغيير بل تقليبا للآراء، وحتى إن خرجنا بحلّ واضح ممكنِ التطبيق، فلن نخرج عن حياتنا فنقوم عليه مشروعا، لأننا لسنا من المختصين فيه... وليس كل من تكلّم في اللاهوت والفلسفة والتجويد والفقه والفلك.. فهو مختص فيه او أستاذ فيه...

وسؤالك مشروع للغاية : (ما الغاية والهدف والنتيجة من هذا النقاش)...

ولكن عندي سؤال أنا أيضا
ها أنت مثلا قلتَ أنك مقتنع بفكرة تظنها صحيحة، وأنا أعارضك فيها... إذا نزلنا لساحة العمل أنا وأنت أو أشباهنا من المختلفين أفرادا أو طوائفا، أي الرؤى سنحفف ونعمل عليها ؟ حتى إن كنا نقول جملة واحدة في اليوم، ونعمل أضعافها ؟!

القضية ليست بهذه السهولة... فقد كانت الأمة قديما في ازدهارها تعمل وتتكلم في أمور تافهة ودقيقة للغاية، ولم يُثنها ذلك عن الأعمال...

على أيّ أحترم قرارك، فالنقاش أصلا يتقدم بتبادل الآراء وتقدمّ التعليقات من أصحابها، وليس أحد ملزم بالتعليق أو النقاش إلا براحته :)

وهذه..

اقتباس
ونتشاحن لأمور ما لها من مواقع فعلي،
ويأخذ الظن بنا، حتى يشكك كل منا في إيمان الآخر ونيته ومبتغاه من وراء ما يقول.

ليست مني ولستُ منها.. :)

وكل عام وأنتم بخير يا رب
الحمد لله اللطيف الخبير، صاحب الفضل والمنّة كلها.

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6545
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
أطللت، فوجدت رد جواد  فقلت يبدو أن النقاش سيُثرى مع مشاركتنا جميعا فيه  emo (30):
فوجدتك تعتذر عنه، وهذه حريتك طبعا ولا غبار على أنها كذلك، ولكن فقط إخوتي وددت  أن أسجل ملاحظة حول قضية الكلام والعمل  مع تأكيدي على حريتك فيما تتبنى من رأي ..

أولا.. سبحان الله، وبكل قوة أقول أن حالي خلاف حالك مع المنتدى، أقول المنتدى لأنني بفضل الله تعالى لم يكن تواجدي على النت كلها على صعيد النقاش والكتابة إلا عليه وعلى الفيسبوك ومن قبل وجوده، جُلّ مَن هم هنا كانوا على منتدى عمرو خالد .. يعني بفضل الله لم تكن من بعثرة للطاقة بالشكل الذي يعطي الغثاء لا النماء..

أما حالي الذي أحسبه تأثيرا فعليا على حياتي الواقعية، وبكل قوة أقولها، فهو تأثير هذه النقاشات عليّ، ومدى استفادتي منها، ومدى ما ساهمت مع ما ساهم من عوامل في تشكيل رؤية للكثير مما حولي..  ولما عليّ القيام به.. ومدى ما أمدتني بالقوة .. لخوض غمار العمل ..

الحمد لله والفضل له سبحانه، اختيار الثلة الواعية برأيي والتي لها فكر مستنير، وطاقة مذخورة مع ما نعلم من عملها، لا قولها وحسب، له دور كبير في التأثر والتأثير.. دور كبير في قلب الكلام عملا..

السؤال الذي طرحتَ حول الهدف من هذا النقاش، هو السؤال الذي طرحته وأطرحه حول كل نقاش أدخله، فلا أدخل نقاشا أرى فيه نفسي متكلمة، مكثرة من الكلام هواء وهباء، وإنما أكتب وأقرأ وأنا أتمثل الواقع أمامي .. وتطبيقات الواقع..

ولا أرى في هذا النقاش الذي نخوضه هنا إلا واقعا نعانيه، نريد أن تتقادح الأفكار وتتلاقح عسانا نجد فيه مع سبل أخرى، -أهمها الاحتكاك بالناس والقراءة- مخرجا لأنفسنا ونحن على الأرض، على الواقع، ونحن نحتك بالناس، ونحن نسعى لنشر وعي، نزعم أننا نملك منه شيئا بفضل الله لا إيتاء من قوتنا ..

هذه النقاشات أسباب من الأسباب التي نتلمّسها، نريد أن نطرح فيها انشغالاتنا، ونتمنى أن يسمع فيها أحدنا الآخر...أن يعترض عليه، أن يبسط ملاحظاته.. خاصة والواحد منا يعلم مَن يناقش، ويعلم ممن يسمع، فهو يريد من أخيه يدا تشد على يده، تقويه، إن باعتراض منبعه صدر سليم، أو بموافقة منبعها التشجيع على الإقدام وأن يا أخي إن هنا أذنا تسمعك وعقلا يعي ما تقول، ونحن نعلم كثرة ما نُبتلى بآذان صماء، وعقول لا تعي مما حولها إلا السطحي وأن الحياة طريق يقتات فيه الإنسان ويشرب ويتزوج وينجب ليقتات من أنجبه ويشرب، وهكذا في دورة ليست بعيدة عن دورة الحيوان (أكرمكم الله)

أعي جيدا أننا جميعا هنا بإذن الله، نريد أن نكتب لنتعلم، لينفع بعضنا بعضا، ليبحث الواحد منا عند أخيه عما ينفعه على أرض الواقع ..

لهذا أناقش، والحمد لله ساعة أجد من النقاش ما لا يثمر إلا دورة تعيد نفسها من الكلام، فقط الكلام الذي يعيد في كل كرّة للصفر،  أنسحب..
وهذا ما لا أفعله على هذا المنتدى، والذي أمنيتي الدائمة أن يعود كما كان عامرا بالنقاشات، بما تسمح الأوقات وتتيح ..

فلَكَم استفدنا .. ومازلت آمل أن تعود الفائدة .. بهذا الموضوع بإذن الله وبغيره ..  نلتقي لنتعلم.. ولنعمل ..

أيضا بخصوص العمل أود أن أسجل أنه يبقى في علم الله عمل كل منا، لذلك فإني أرى من الإجحاف وصف من يناقش أنه قليل العمل مثلا ..
وما يُدري أحدَنا بواقع عمل الآخر .. ؟!

كم من متحدث عن العمل لا يعمل (ولا أعنيك طبعا أخي جواد).. وكم من متكلم يعمل، مناقش لا يناقش إلا وهو العامل ..

والحمد لله من علمي عن أخواتي هنا على الأقل، فهنّ العاملات على الأرض بما نقول هنا ...

وددتُ لو أننا نلتقي لنتناقش مع ما أوضحتُ أعلاه بخصوص النقاشات ومرادنا منها هي خلفيات لا أشك أن أحدا منا لا يملكها..

ولكن يبقى لكلّ منا حريته وقناعته..
وقناعتي التي أسجلها دوما أنني استفدت واستفدت في واقع حياتي من نقاشات لي هنا مع إخوة مستنيرين بفضل الله، استفدت منهم جميعا.. بالاعتراض، وبالتصويب، وبالموافقة، وبالتأييد.. وكلها تنبع من واقع البحث عن الحق، وإرادة اتباعه، بتسديد ومقاربة واجتهاد إن كانت فيه الإصابة فنعمّا هو، وإن كان فيه الخطأ، فذلك طبع البشر..

وأخي حسن جديد معنا هنا، ولكن وكأنه الجديد القديم، لما عرفت فيه من سعة فكر وتأمل وعمق في الطرح كانت دائما العوامل التي جمعتنا هنا بإخوتنا .. أسأل الله أن يديمها عليه، ويجعلها  بابه لكل خير ..

أخيرا أقول.. هذا الموضوع بالذات، وكأنه الجامع لكل الموضوعات..
فلعلنا نطرح ونضع فيه ما نتبادل به المنفعة .. والله من وراء القصد ..

احترامي وتقديري لكم جميعا، لك أخي جواد ولما قدمت، وأتمنى أن يزيد منك، لك أخي حسن على حسن تفاعلك، وآرائك المهمة..  ونتمنى أن نواصل والله المستعان.
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب