المحرر موضوع: من الماضي والحاضر.  (زيارة 301136 مرات)

0 الأعضاء و 2 ضيوف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل جواد

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 244
  • الجنس: ذكر
من الماضي والحاضر.
« في: 2020-07-08, 09:00:41 »
لا جديد على الأرض

يقول الله سبحانه وتعالى في سورة الأعراف:

وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ ۖ قَالُوا بَلَىٰ ۛ شَهِدْنَا ۛ أَن تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَٰذَا غَافِلِينَ (172)
أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِن قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِّن بَعْدِهِمْ ۖ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ (173)
وَكَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (174) وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ (175)
وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَٰكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ ۚ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث ۚ ذَّٰلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا ۚ فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (176)
سَاءَ مَثَلًا الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَأَنفُسَهُمْ كَانُوا يَظْلِمُونَ (177) مَن يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي ۖ وَمَن يُضْلِلْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (178)


وللقصص حديث يطول، وقصص القرآن أبلغ القصص وأحكمه، ولا مجال لمقارنة أو تقارب بين قصص القرآن وقصص الأحداث التي نمر بها في كل يوم.

لكن القاعدة تظل أن غاية القصص هي التفكر والتدبر. وقد يشهد الواقعة جمع من الناس فيقصها كل واحد منهم من زاويته ووجهته، وهذا أدعى أن يتأمل كل منا في قصص الآخر.

نسأل الله أن يلهمنا ما ينفعنا ويجعله لنا لا علينا ويغفر لنا خطأنا وضعفنا وما هو أعلم به منا.
« آخر تحرير: 2023-04-15, 12:19:05 بواسطة جواد »

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6545
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
رد: من الماضي.
« رد #1 في: 2020-07-08, 16:55:20 »
اللهم آمين .

متابعة بإذن الله. بارك الله لك وجعلها خطوة نافعة .
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل أحمـد

  • شباب إيجابي
  • ***
  • مشاركة: 709
  • الجنس: ذكر
رد: من الماضي.
« رد #2 في: 2020-07-08, 22:04:30 »
جميل
وما لهم فيهما من شرك، وما له منهم من ظهير

غير متصل جواد

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 244
  • الجنس: ذكر
رد: من الماضي.
« رد #3 في: 2020-07-11, 07:35:00 »
اللهم آمين .

متابعة بإذن الله. بارك الله لك وجعلها خطوة نافعة .

جميل

جزاكم الله خيرا اخوتي، وبارك بكم.

غير متصل جواد

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 244
  • الجنس: ذكر
رد: من الماضي.
« رد #4 في: 2020-07-11, 08:21:59 »
المسار

لكل حكاية بداية، والبداية تضفي تأثيرها الخاص على الشخصية والأفعال وعلى المسار الذي يختاره الإنسان أو يوجه إليه!

وعلى الرغم من التأثير الكبير للبدايات على الأفكار والتوجهات، إلا أن النتائج قد تكون مخالفة تماما لما يبدوا نتاجا منطقيا لبداية معينة.
وليس عندي تفسير لذلك غير أنه قدر الله ومشيئته. فنجد تباينا كبيرا في الشخصيات والمسارات الحياتية بين أفراد البيت الواحد الذين تربوا في بيئة واحدة.
وهذا أمر مرعب حقيقة بالنسبة لي!

**يتوهم الإنسان أنه يستطيع التحكم في المخرجات بتحكمه في المدخلات، وهو جزء من محاولات النفس الدفينة بأن تملك زمام أمرها وتتحكم في مصيرها بيدها، وهذا أكبر مدخل عرفته للشيطان، وأشد ما فيه أنه من الصعب اكتشافه فضلا عن الأخذ بأسباب علاجه.

نشأت في بيت يحب الدين ويحرص على الصلاة وحسن الخلق وفعل الخير، وكان كل شيء يبدو مثاليا، فأنا متفوق في دراستي ومن الأوائل دوما على مدرستي وأهلي بفضل الله من أفضل الناس سمعة في قريتنا، ومعروفون بالكرم وحسن الخلق.
تلك المدخلات كانت تمهد لمخرجات منطقية، وهي أن أستمر في ذات المسار الذي من وجهة نظر أهلي ومجتمعي نموذج النجاح والتميز.

ثم تنقلب الأحداث! وبشكل لا يمكن لأحد أن يتخيله، وفي الأيام الأخيرة من الصف الثالث الثانوي (البكالوريا) أبتلى بحالة من الجمود في دراسة مادتين من المقرر، فيتأثر تقييمي الكلي في العامين الأخيرين من الشهادة الثانوية وينخفض مما كان يقارب ال ١٠٠٪ إلى ٩١٪ ، ويتغير مسار حياتي كله فجأة، من دراسة الطب كما كان يعتقد جميع من حولي وكما كان يحب أهلي، إلى دراسة العلوم!

ولأول مرة في حياتي حتى ذلك الوقت أتعرض للفشل في شيئ ما، وبدلا من مشاعر التميز والتفوق أتجرع الإحباط والألم، وينحرف الطريق بي فجأة رغم عدم تصوري لإمكانية حدوث هذا من الأساس.

**الفشل أفضل مدرسة في هذه الحياة، فالناجح على طول الخط لم يعرف مواطن الضعف في نفسه، ويدفعه الخوف من الفشل إلى البعد عن التغيير والتقيد بما هو آمن في مجتمعه، وهو بالتالي نسخة من ذلك المجتمع الذي هو في زماننا بعيد عن مفاهيم النجاح الحقيقي كما ينبغي للمسلم أن يكون.

والفشل هو أحد أكبر الأسباب التي تجعل الإنسان يفكر في مساره الذي يسلكه، فحتى تلك اللحظة في حياتي لم أفكر أبدا في أي مسار مختلف عما رسمه لي أهلي، أو فلنقل عما رسمه لي المجتمع، وغاية هذا المسار هو وضع اجتماعي ومادي مرموق.
لكن مهلا، أليس هذا ما يتمناه الجميع في حياته؟

ربما نعم، ولكن من قال أن تلك الصورة التي نتربى عليها على أنها النموذج والقدوة هي فعلا كذلك؟

غير متصل جواد

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 244
  • الجنس: ذكر
رد: من الماضي.
« رد #5 في: 2020-07-15, 09:17:23 »
منكم من يريد الدنيا

حيرني هذا الوصف كثيرا! فقد جاء في سياق الهزيمة الصعبة في أحد، وتعليق الصحابة عليه يؤكد حيرتي بخصوصه.
لماذا ذم الدنيا هكذا على الإطلاق؟ ألم يخلق الله لنا الدنيا وخيراتها الحلال لنستمتع بها ونعمرها بمفهوم الخلافة؟
وما علاقة كل هذا بتجارب الماضي!

الحقيقة أنه لا معنى أبدا من التعرض لتجارب الماضي ومحاولة أخذ الدروس والعبر منها إلا إذا كان هناك مقياس محدد نقيس إليه هذه التجارب.
وإلا فلا يمكن أن يتفق الناس على تأويل حدث ما أو أخذ العبرة من تجربة في الماضي.
وهذا برأيي حجر الأساس في تناول كل القضايا بشكل عام، وهو أيضا أمر منطقي تفرضه الدول عن طريق دستورها وقوانينها التي يتحاكم إليها الناس على أرضها.

لهذا كان لابد من إقامة مقياس النجاح أولا، وتحديد الغايات الكبرى التي تنبثق منها الأهداف المرحلية وما يتبعها من تصرفات في المواقف المختلفة.

ولو سألنا معظم المتدينين من المسلمين عن الغايات لوجدنا الإجابة النموذجية هي (عبادة الله - إعمار الأرض - دخول الجنة).
وإذا سألنا نفس الفئة عن مفهوم النجاح فسنجد في الغالب أيضا الإجابات النموذجية (صاحب علم ومال وخلق، متميز في مكانته بين الناس، سعيد في حياته ومع أسرته).

وبشكل عام، فإن تحقيق الخلافة يتطلب إعمار الدنيا، ومن يتركها لن يستطيع أن يقيم عبادة الله في الأرض، فالحركة تتطلب العلم والقوة بمختلف أنواعها،
كذلك فإن الانطلاق نحو الدنيا وإعمار الأرض كغاية في نفسها يحيد بها عن الغاية الأساسية من وجود الإنسان في الأرض.
فكيف يمكن الموازنة بين الأمرين؟
هذا هو مقياس النجاح الذي يجب أن يتم تحديده بدقة أولا قبل تقييم التجارب والتعامل مع الأحداث.

أول خطوة في السعي نحو التوازن هي تقييم الأولويات، بحيث يمكننا تقييم المخاطرة حين يطغي جانب على الآخر.
أما الغاية فلها الأولوية العليا، وأسلم للإنسان إذا لم يستطع أن يقيم التوازن المطلوب بأن يسعى للميل نحو الغاية الكبرى من وجوده وحياته.

الغاية هي عبادة الله سبحانه وتعالى وحمل رسالته إلى الناس، ولا شيء يعدلها في الأولوية ولا يقاربها في الأهمية، وهي مقياس النجاح الأسمى.

أما إعمار الأرض فإنه هدف لتحقيق الغاية الكبرى، وإن حدث وتحول هدف إعمار الأرض إلى غاية في ذاته فهو ولا شك انحراف وخطأ يحتاج إلى إصلاح.

لنعد هنا مرة أخرى إلى السؤال السابق عن مفهوم النجاح الذي نتربى عليه في مجتماعتنا،

فما العيب إذن أن يكون مفهوم النجاح (صاحب علم ومال وخلق، متميز في مكانته بين الناس، سعيد في حياته ومع أسرته)!
العيب أنه لا يتعلق بغاية خلق الإنسان ولا حتى بمفهوم السعي نحو خلافة الله في الأرض !!

الحقيقة المرة التي يهرب منها الكثير منا أن مفهوم النجاح السائد في مجتماعتنا يتعلق بالسعي وراء شهواتنا ورغباتنا،
وأن الاختلاف فقط إذا كانت هذه الرغبات حلالا أم حراما.
وفي أغلب الحالات هي شهوات ورغبات شخصية، نحاول أن نصبغها بمفهوم عمارة الأرض لنخدر ضمائرنا ونزين لأنفسنا ما نعمل.


ومن هنا تنشأ مشكلة عويصة حقا، فكيف يمكن الاتفاق على مفهوم لإعمار الأرض وهو يختلط في نفوسنا بشهواتها ورغباتها الشخصية البحتة؟!

غير متصل جواد

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 244
  • الجنس: ذكر
رد: من الماضي.
« رد #6 في: 2020-07-20, 13:05:47 »
وضوح الرؤية

وهي النتيجة المباشرة -إن شاءالله- لإدراك المقياس الحقيقي للنجاح في الدنيا، وهي بداية الطريق لفهم الأحداث واكتساب الخبرات الإيجابية بإذن الله.

وتعقيبا على السؤالين السابقين عن ماهية النجاح وكيف يمكن تحقيق مفهوم الخلافة في الأرض رغم ما يداخله من حظ النفس،
فإنه لابد أن ندرك:

١- أن الدول وأنظمتها وقوانينها وتفاصيل الحياة المجتمعية التي نعيشها الان وفي أي وقت هي من صنع الإنسان، وأنها كلها لم تكن على وضعها الحالي منذ مائة عام فقط!

٢- أن سنة الله في تدافع الناس والحرب بين الحق والباطل تمس الفرد في حياته الشخصية وتتحكم في مصيره ومصير ذريته وأنه لن يهرب منها مهما حاول تجنبها.

٣- أنه لن يمكن الجمع بين إرضاء المجتمع الواقع تحت فتنة الدنيا وبين تحقيق مقياس النجاح كما يريده الله للإنسان، وهذا هو حال السائرين لله على مر الزمان.

٤- أن المصيبة التي نعيشها اليوم كأمة تعني أننا لم نسلك الطريق الصحيح للنجاح في السنوات السابقة، وأن التغيير يتطلب أولا الاعتراف بالفشل،
 ولا مجال لمحاولة تجميل هذا الفشل أو التماس العذر له أو الهرب من الاعتراف به.

٥- أن حظ النفس سيظل دائما تحدي كبير لا يمكن حسمه بشكل قاطع، وأن الحل الوحيد لمواجهته هو الاعتراف به واللجوء إلى الله دوما أن يعيننا على أنفسنا ويمن علينا بتوفيقه.

أما مقياس النجاح وكيفية تحقيق مفهوم الخلافة في الأرض، فقد وضعه الله لنا في صورة عملية في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم، وخلفائه الراشدين من بعده،
وحفظ لنا قواعده في قرآن محفوظ إلى يوم الدين.

وكل ما علينا فقط هو أن نتخلص من وهم التمييع بقبول الواقع كما هو واعتباره سلطانا يجب مجاراته والخضوع له، ففي النهاية لن يتوقف الباطل إلا إذا استأصل الحق إن استطاع.

وليس لهذا كله أن يكون دون كد وتعب وغربة وخروج عما ألفه الناس في زماننا وألفناه معهم.

غير متصل جواد

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 244
  • الجنس: ذكر
رد: من الماضي.
« رد #7 في: 2020-07-20, 20:25:07 »
قبل الخريف

من الصعب تصور أن الانهيار المتسارع للأمة دينيا وحضاريا في السنوات العشر الأخيرة هو نتاج هذه السنوات وحدها، فهذه ليست السنة في المسلمين.
ولهذا لابد من الرجوع إلى التغيرات التي حدثت في المائة سنة الأخيرة على الأقل حتى يمكن فهم الصورة الكبيرة والحصول على تحليل واقعي للأحداث.

وما أريد الوقوف عليه هنا في هذه الفترة هو ما لمسته من تباين واضح بين جيلين كبيرين منها.
الجيل الأول وهو جيل حسن البنا وسيد قطب وأصحابهما.
وأما الجيل الثاني فهو من تبعهم بعد ذلك وولد في عهد عبد الناصر ومن معه من المفسدين في الأرض.

أما الجيل الأول، فكتاباته واضحة وتضحياته تصدق ما دعوا إليه في كتاباتهم وأحاديثهم، وقد دفعوا ثمنها غاليا من دمائهم، ونحسبهم عند الله من الشهداء.
هذا الجيل كان لا يزال قريبا من عهد الخلافة العثمانية، والتي وإن كانت صورية وعملت من المصائب والتفريط في حق الأمة ما عملت، إلا أنها كانت تمثل فكرة الإسلام كدين.

رمز الخلافة كان برهانا على أن الدين هو المرجعية الوحيدة للمسلم في هذا الكون، وأن حياته بدونه لا تساوي شيئا، وهو بالتالي يستمد ماهية وجوده من دينه.
كانت الخلافة تشكل وسيلة الغاية وتمثل رسالة المسلم في هذه الدنيا، فهي تحفظ له المجتمع الذي يستطيع أن يقيم فيه دينه، وتيسر له الأدوات التي يتحرك بها لفتح البلاد ونشر الإسلام.


لهذا ولغيره من أسباب الهداية التي من الله بها على رجال هذا الجيل، فقد جاءت تصوراتهم وأعمالهم أقرب ما تكون إلى ما ينبغي أن يكون عليه المسلم في حياته.
ولهذا أيضا، كانت الحرب عنيفة جدا على هذا الجيل، ولم يهدأ لأهل الباطل بال حتى قتلوهم.

لكن المشكلة التي ظهرت جلية في تلك المرحلة، أن هؤلاء الرجال قد خلفوا وراءهم فكرا وأتباعا قد يقوموا مقامهم ويتبعوا طريقهم، فكيف يمكن قطع تلك السلسلة المخيفة لأهل الباطل؟
القتل ليس حلا جذريا، فالعداء مع الرسالة لا مع الأشخاص، ولهذا كان لابد من الدخول في مرحلة وسطية تمهد لتمييع الرسالة في قلوب متبعيها أولا.

وهنا تأتي مرحلة الجيل الثاني، والذي ولد في مجتمعات ملتهبة، خارجة من حروب ومثقلة بالفقر والقهر والتخلف عن الركاب العلمي الذي بدأت نجومه تلمع بقوة في الغرب.
بدأت المرحلة بدعاوى الانفتاح الاقتصادي وتغيير النظرة إلى الغرب من استقباح كفره واستقذار عادات مجتمعاته الجاهلية، إلى نظرة انبهار وتقدير لما حققوه من تقدم مادي.
وبدأت دعاوى الدنيا ورفاهيتها تظهر بقوة في تلك المرحلة، والتي تزامنت كذلك مع ثروة البترول في شبة الجزيرة العربية، والتي وجدت نفسها تسبح على كنوز الدنيا بين ليلة وضحاها.

ورأى أهل الباطل ما فعلته الدنيا في قلوب أهل الحق، وكيف أن تنافس الدنيا هو حل أسهل وأقل تكلفة من حلول الدماء التي لا تتوقف، كما أنه أمضى في التأثير على القلوب والأفكار.

لكن استئصال الدين من قلوب الشعوب ليس بالأمر الهين، خاصة أن الدين كان يمثل هوية تلك الشعوب وسبب وجودها في الحياة لقرون طويلة.
الحل إذن هو إعادة صياغة هذا الدين بما يواكب الأديان الأخرى، ونزع خصوصية الرسالة والعدل المطلق منه.
وجاء ذلك في صورة دعوة "لتجديد الخطاب الديني" ونبذ العنف وإعلاء مبادئ المواطنة وحرية العبادة، وأن "الدين لله والوطن للجميع".

وقد لاقت هذه الدعوة الترحيب والقبول عند الكثير من أبناء الجيل الثاني الذين تعبوا من أشكال القهر والقمع وأرادوا متنفسا يستطيعون فيه العيش بهدوء ودون مطاردة.
كما ظن البعض منهم أن هذه فرصة للدعوة إلى الله في أمان، وانفراجة أمل بعد التضييق الشديد وألوان العذاب والأذى الذي مارسته الأنظمة السابقة.

ثم جاءت مرحلة ما يعرف "بالصحوة الإسلامية الحديثة" وياله من اسم براق وشعار يدغدع المشاعر...
وبدأت تلك المرحلة تقريبا من بداية التسعينيات وانتهت بثورات الخريف العربي، أي ما يقارب العشرين سنة تقريبا.
بدأت بخروج الكثير من المعتقلين السابقين من السجون، وعمل ما يسمى "بالمصالحة" مع البعض منهم إما بمراجعات فكرية أو بقبولهم نسبيا في أنشطة الدعوة المقننة في المجتمع.

تزامن ذلك أيضا مع انتشار الفضائيات والسماح لاتجاه معين في الدعوة للانتشار بقوة في الجامعات والقرى وعلى الإنترنت وبين الشباب.
اتجاه جديد مهد لصياغة الجيل الثالث والذي ولد في الثمانينات من القرن الماضي، والذي حمل صفات "الدين الجديد" التي تم زراعتها بعناية في مرحلة "الصحوة الإسلامية" المزعومة.
« آخر تحرير: 2020-07-28, 10:37:03 بواسطة جواد »

غير متصل جواد

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 244
  • الجنس: ذكر
رد: من الماضي.
« رد #8 في: 2020-08-11, 17:38:30 »
السراب

مع بداية الألفية الثانية كانت بذور الفكر الجديد قد أثمرت جيلا ساذجا تغذى على أوهام الاستقرار والعدل المبني على الفلسفات الكلامية وأوهام النظم والقوانين الغربية.

ولم يفق شباب جيل الألفية الثانية إلا على تغيرات ضخمة تنسف الأحلام الوردية وتنحرف بالمجتمعات إلى اتجاهات فكرية غير مسبوقة من قبل.
وفجأة انتهت الخدعة التي صاغتها الكثير من الأنظمة العربية من السماح بتغذية الروح الجهادية للحرب في الشيشان والتغاضي عن فعاليات ما يعرف بالصحوة الإسلامية الحديثة.

وبين ليلة وضحاها أتت أحداث تدمير مركز التجارة العالمي في أمريكا كإشارة البدء للأنظمة العربية لشيطنة مفهوم الجهاد بشكل عام، وتحول ملحوظ في اتجاه الخطاب الإسلامي منذ ذلك الحين.
تزامن ذلك مع انتشار فكرة العولمة والتركيز على مفهوم الحضارة التي تهدف لرفاهية الإنسان وتعايشه مع غيره في سلام واستقرار.
وبالطبع راقت الفكرة للجيل الجديد الذي بدأ يألف الاستقرار والحياة السهلة التي لا تتعارض مع توجهات الأنظمة ورغبات المجتمع في التمتع بالدنيا.

وبدأت التنازلات تتابع في سرعة ودون توقف.
الكلام في الجهاد صار بحذر شديد حتى انقطع تماما مع الوقت، والكلام عن فتنة الدنيا وأنها ليست دار مقام ولا متعة، انقلب ليعلي شعار اللهاث وراء الدنيا بحجة إعمارها.
بل إن التنازل طال سنن التغيير بل والعقيدة نفسها.
لا أبالغ إن قلت أن الإستقرار في الدنيا صار عقيدة الكثير من أبناء ذلك الجيل والأجيال الذي بعده، وعلى هذه العقيدة تم ابتداع مفاهيم جديدة للإسلام تجعله كأي دين آخر.

لم تعد هناك رغبة في الخروج من حالة الإنغماس في الدنيا بعد أن ذاق الكثيرون من حلاوتها، وصار هناك عداء غير معلن مع أفكار الإسلام التي لا تدعم الاستقرار في الدنيا.
وصار شعار المرحلة هو التعايش مع الواقع كيفما كان، وليكتفي محبو الدين بالدعوة في القنوات والمواضيع المسموح بها والتي لا تتعارض بالطبع مع التوجه الجديد لفكرة الدين بشكل عام.
واتجه التركيز إلى التنافس على التفوق في مجالات الدنيا على اختلافها وتنوعها. وهو تنافس شخصي على تحقيق نموذج النجاح المجتمعي المحب للاستقرار في الدنيا.

وبالطبع خفتت أفكار التربية الإسلامية الهادفة لحمل رسالة الإسلام وإعلاء لوائه في الأرض أمام هذا السيل المنهمر من التنافس حول الدنيا.
وتحولت بقايا تلك الأفكار إلى أوراق جافة معلقة في الهواء بلا جذور ولا سيقان يمكن التعلق بهما.

فما إن جاءت ثورات الخريف العربي، حتى قضت على ما تبقى من تلك الأوراق، وتعلن عن فكر جديد لجيل جعل الدنيا مبلغ همه ومنتهى أمله.

غير متصل جواد

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 244
  • الجنس: ذكر
رد: من الماضي.
« رد #9 في: 2020-09-16, 19:34:55 »

يا بُني لا يَضُرُّ الشاةَ سَلخُها بَعدَ ذَبحِها، فامضِ على بَصيرَتِكَ واستعن بالله.

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6545
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
رد: من الماضي.
« رد #10 في: 2020-09-19, 09:24:51 »
بارك الله بك أخي جواد وجزاك كل خير على هذه الكلمات العميقة، والمعنى الجليل، الغاية الحقيقية من الوجود وحقيقة تفكيرنا بهذه الغاية، قرأت المداخلتين الأوليَيْن، أعجبتاني جدا ...

عبادة الله، وإعلاء كلمته نعم الغاية الكبرى، ولأجلها يُسخَّر الإعمار ... لا العكس، يوما بعد يوم تزيد قناعتي بهذا ...

وقد كتبت شيئا مشابها، استلهمته من دعاء سيدنا إبراهيم الذي يضع أقدامنا على الطريق الصحيح في الغاية الأساسية والكبرى من خلقنا ... وقد لامَسَ دعاؤه قلبي ملامسة قوية جدا ...

كتبت هذا، ووضعته هنا بالمنتدى في موضوعي "في ظلال القرآن"

((( "ربَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ(37)"

**وهي سنام الغايات ورأسها .... "إقامة الصلاة" في الأرض ... تحقيق عبادة الله في الأرض... إعمار الأرض بتعبيدها لله تعالى ... هي رأس الغايات كلها ... "ليقيموا الصلاة"   بهذا الوادي الأجرد القاحل الذي لا يُنبت شيئا .. وليس فيه قطرة ماء ...ولكأنها الوسيلة ليُعمَر والغاية في آن ...!

من هذه الأرض ستكون الانطلاقة ... انطلاقة النور المخلّص للأرض من ظلمتها ... الذي سيخرجها من قحلها وجدبها إلى نمائها وعمارها ...

وها هو ذا صلى الله عليه وسلم يدعو لأجل هذه الغاية ...أن يجعل الله أفئدة من الناس تهوي إليهم لإيناسهم، وليجتمعوا حول دعوة التوحيد، حول إقامة الصلاة في الأرض، إقامة الصلة بالله في الأرض ...

دعوة لسبب من أسباب الحياة لتُسخّر لغاية إقامة الدين في الأرض ... دعوة لتكثير الناس وبالتالي تكثير أسباب الحياة بهم ودواعي تيسيرها...

وها هو ذا صلى الله عليه وسلم يدعو بأن يرزقهم الله من الثمرات ... دعوة أخرى من أسباب الحياة وتيسيرها ... وكلها في خدمة وتيسير تحقيق عبادة الله وإقامة دينه في الأرض ...

وقد دعا من قبل أن يجعل البلد آمنا، ثم ثنّى بأن يجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم، ثم دعا بأن يرزقهم من الثمرات ...  وما هي إلا الدعوة بالأمن من خوف، والإطعام من جوع لتحقيق إقامة الصلاة، إقامة عبادة الله في الأرض ... وهي التي استجاب لها الله تعالى ...
إذن فإننا نجد سيدنا إبراهيم عليه السلام يعلمنا بدعواته أن : إعمار الأرض يكون بإقامة العبادة فيها لله غاية أولى دون أن يكون ذلك نافيا للأخذ بأسباب الحياة الميسّرة لتحقيق هذه الغاية لا غيرها

ولذلك ... كانت سورة "إبراهيم" ... حقيقة بأن تكون السورة التي فيها بيان إخراج الناس من الظلمات إلى النور... تخليص الأرض من ظلمات الكفر والجهالة بإعمارها بنور الإيمان وبتعبيدها لله تعالى غاية كبرى وأولى تُسخّر لأجل تيسير تحقيقها الوسائل المادية خادما للإعمار الأعلى الغاية الأولى من الوجود ...)))

***********

انشغلت عن متابعة موضوعك، ولكن بإذن الله قريبا جدا أعود لمتابعة القراءة ...
بارك الله بك، كلمات عميقة جدا، وتضرب كبد الحقيقة، فأتمنى حقا أن تواصل أخي جواد ...عسى أن ييسرالله  خروجها للنور وأن تنفع ...
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل جواد

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 244
  • الجنس: ذكر
رد: من الماضي.
« رد #11 في: 2020-09-21, 09:26:46 »
جزاكم الله خيرا كثيرا أختي أسماء وبارك بكم.

نعم، وشعار قصة سيدنا إبراهيم عليه السلام هو العبودية المطلقة لله. وهو الفهم العميق لغاية وجودنا على الأرض. نسأل الله الهداية والعفو والعافية.

أتردد في الكتابة كثيرا لأني أشعر أن أعباء الصراحة في زماننا هذا أكثر من فوائدها،
وأنه ربما يكون الأنسب أن يسعى الإنسان للعمل ويستعين بالله على حاله، فالبحث عن الحقائق في زماننا لا يزيد الإنسان إلا عزلة ووحشة.

حقا لا أدري، فماذا فعلنا بمؤلفات عظيمة لرجال كسيد قطب مثلا حتى يكون لكتاباتي الركيكة معنى أو قيمة !

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6545
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
رد: من الماضي.
« رد #12 في: 2020-09-22, 03:58:47 »
جزاكم الله خيرا كثيرا أختي أسماء وبارك بكم.

نعم، وشعار قصة سيّدنا إبراهيم عليه السلام هو العبودية المطلقة لله. وهو الفهم العميق لغاية وجودنا على الأرض. نسأل الله الهداية والعفو والعافية.

أتردد في الكتابة كثيرا لأني أشعر أن أعباء الصراحة في زماننا هذا أكثر من فوائدها،
وأنه ربما يكون الأنسب أن يسعى الإنسان للعمل ويستعين بالله على حاله، فالبحث عن الحقائق في زماننا لا يزيد الإنسان إلا عزلة ووحشة.

حقا لا أدري، فماذا فعلنا بمؤلفات عظيمة لرجال كسيد قطب مثلا حتى يكون لكتاباتي الركيكة معنى أو قيمة !

أحقا تسأل ماذا فعلنا بمؤلفات عظيمة لرجال كسيد قطب ؟!
كثيرون من أنارت دروبهم، وعقولهم وقلوبهم، أقلها أنها عرفت كتاب الله للناس، وأنه الحركة بهداه على الأرض، لا الحروف المجود نطقها، ولا المقدّس الذي يُحفظ وانتهى.

فمضوا في درب الحق لا يحيدون عنه، حتى ماتوا عليه.
التوفيق أخي جواد بيد الله، الإنسان يعمل ويزرع وهو لايدري كيف يؤتي زرعه أكله ولا متى. كل ما عليه أن يتحرى الإخلاص، والله يصدق من صدقه . ومن عرّفته أنه القضية التي يعيش عليها وعليها يموت. فعمل وسعه ولم يألُ.

أن يموت أنسان على قناعة الحق ولا يتبدل ولا يتحول وحدها إنجاز. إنسان سعى سعيه، ولكنه لم يُتح له أن يغير بحجم تأثير في حال الأمة. ومات على ذلك. الصناعة في نفسه وحدها عمل . فنحن لا نقف عند وجوب التغيير الأعظم بل كل منا حبة تعمل مع حبة وتعمل بعدها حبة أخرى وهكذا... تراكم لا تدري متى ينبعث من الركام ! ولا فيمن ينبعث تراكم العاملين !

أقل ما في الأمر أن هناك من سيجد فيما كتبت علامة ليعدّل ما اعوجّ في دربه. سيسقط على ما آل إليه حال المسلمين، وسيفهم أنه أن يكون الإعمار هو الغاية الأولى لم تجدِ، ولم تخلص البشرية ولا الأرض !
هناك الكثير .. الله هو الذي يحدث أمرا، بالناس وفي الناس. ولا ندري من ينتفع . اكتب أخي. فما الذي يضني في الكتابة  ويؤلم ونحن نعيش الألم عيشا ؟!
ليست الكتابة هي الألم، وليست داعية له، بل الآلام مُعاشة !
« آخر تحرير: 2020-09-29, 14:04:41 بواسطة حازرلي أسماء »
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل جواد

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 244
  • الجنس: ذكر
رد: من الماضي.
« رد #13 في: 2020-09-22, 08:31:44 »
جزاكم الله خيرا كثيرا أختي أسماء وبارك بكم.

نعم، وشعار قصة سيدنا إبراهيم عليه السلام هو العبودية المطلقة لله. وهو الفهم العميق لغاية وجودنا على الأرض. نسأل الله الهداية والعفو والعافية.

أتردد في الكتابة كثيرا لأني أشعر أن أعباء الصراحة في زماننا هذا أكثر من فوائدها،
وأنه ربما يكون الأنسب أن يسعى الإنسان للعمل ويستعين بالله على حاله، فالبحث عن الحقائق في زماننا لا يزيد الإنسان إلا عزلة ووحشة.

حقا لا أدري، فماذا فعلنا بمؤلفات عظيمة لرجال كسيد قطب مثلا حتى يكون لكتاباتي الركيكة معنى أو قيمة !

أحقا تسأل ماذا فعلنا بمؤلفات عظيمة لرجال كسيد قطب ؟!
كثيرون من أنارت دروبهم، وعقولهم وقلوبهم، أقلها أنها عرفت كتاب الله للناس، وأنه الحركة بهداه على الأرض، لا الحروف المجود نطقها، ولا المقدّس الذي يُحفظ وانتهى.

فمضوا في درب الحق لا يحيدون عنه، حتى ماتوا عليه.
التوفيق أخي جواد بيد الله، الإنسان يعمل ويزرع وهو لايدري كيف يؤتي زرعه أكله ولا متى. كل ما عليه أن يتحرى الإخلاص، والله يصدق من صدقه . ومن عرّفته أنه القضية التي يعيش عليها وعليها يموت. فعمل وسعه ولم يألُ.

أن يموت أنسان على قناعة الحق ولا يتبدل ولا يتحول وحدها إنجاز. إنسان سعى سعيه، ولكنه لم يُتح له أن يغير بحجم تأثير في حال الأمة. ومات على ذلك. الصناعة في نفسه وحدها عمل . فنحن لا نقف عند وجوب التغيير الأعظم بل كل منا حبة تعمل مع حبة وتعمل بعدها حبة أخرى وهكذا... تراكم لا تدري متى ينبعث من الركام ! ولا فيمن ينبعث تراكم العاملين !

أقل ما في الأمر أن هناك من سيجد فيما كتبت علامة ليعدّل ما اعوجّ في دربه. سيسقط على ما آل إليه حال المسلمين، وسيفهم أنه أن يكون الإعمار هو الغاية الأولى لم تجدِ، ولم تخلص البشرية ولا الأرض !
هناك الكثير .. الله هو الذي يحدث أمرا، بالناس وفي الناس. ولا ندري من ينتفع . اكتب أخي. فما الذي يضني في الكتابة  ويؤلم ونحن نعيش الألم عيشا ؟!
ليست الكتابة هي الألم، وليست داعية له، بل الآلام مُعاشة !

صدقتكم.

وليس سؤالي هنا عن قيمة المؤلفات العظيمة التي بين أيدينا بالفعل ولا عن أثرها، وإنما استنكاري لبعدنا نحن عما فيها.

هو شعور دائم بالحيرة لأن لدينا القرآن والسنة ثم الكثير والكثير من الاجتهادات والتفسيرات حولهما، والقليل من العمل في زماننا ..

الحقيقة أنه صار لدي حرج من الكتابة، لأني مقتنع بأن الحاجة الملحة هي للعمل، وأن الكتابة تحولت إلى غاية في نفسها بدلا من أن تكون دعوة للعمل.

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6545
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
رد: من الماضي.
« رد #14 في: 2020-09-23, 20:26:45 »
جزاكم الله خيرا كثيرا أختي أسماء وبارك بكم.

نعم، وشعار قصة سيدنا إبراهيم عليه السلام هو العبودية المطلقة لله. وهو الفهم العميق لغاية وجودنا على الأرض. نسأل الله الهداية والعفو والعافية.

أتردد في الكتابة كثيرا لأني أشعر أن أعباء الصراحة في زماننا هذا أكثر من فوائدها،
وأنه ربما يكون الأنسب أن يسعى الإنسان للعمل ويستعين بالله على حاله، فالبحث عن الحقائق في زماننا لا يزيد الإنسان إلا عزلة ووحشة.

حقا لا أدري، فماذا فعلنا بمؤلفات عظيمة لرجال كسيد قطب مثلا حتى يكون لكتاباتي الركيكة معنى أو قيمة !

أحقا تسأل ماذا فعلنا بمؤلفات عظيمة لرجال كسيد قطب ؟!
كثيرون من أنارت دروبهم، وعقولهم وقلوبهم، أقلها أنها عرفت كتاب الله للناس، وأنه الحركة بهداه على الأرض، لا الحروف المجود نطقها، ولا المقدّس الذي يُحفظ وانتهى.

فمضوا في درب الحق لا يحيدون عنه، حتى ماتوا عليه.
التوفيق أخي جواد بيد الله، الإنسان يعمل ويزرع وهو لايدري كيف يؤتي زرعه أكله ولا متى. كل ما عليه أن يتحرى الإخلاص، والله يصدق من صدقه . ومن عرّفته أنه القضية التي يعيش عليها وعليها يموت. فعمل وسعه ولم يألُ.

أن يموت أنسان على قناعة الحق ولا يتبدل ولا يتحول وحدها إنجاز. إنسان سعى سعيه، ولكنه لم يُتح له أن يغير بحجم تأثير في حال الأمة. ومات على ذلك. الصناعة في نفسه وحدها عمل . فنحن لا نقف عند وجوب التغيير الأعظم بل كل منا حبة تعمل مع حبة وتعمل بعدها حبة أخرى وهكذا... تراكم لا تدري متى ينبعث من الركام ! ولا فيمن ينبعث تراكم العاملين !

أقل ما في الأمر أن هناك من سيجد فيما كتبت علامة ليعدّل ما اعوجّ في دربه. سيسقط على ما آل إليه حال المسلمين، وسيفهم أنه أن يكون الإعمار هو الغاية الأولى لم تجدِ، ولم تخلص البشرية ولا الأرض !
هناك الكثير .. الله هو الذي يحدث أمرا، بالناس وفي الناس. ولا ندري من ينتفع . اكتب أخي. فما الذي يضني في الكتابة  ويؤلم ونحن نعيش الألم عيشا ؟!
ليست الكتابة هي الألم، وليست داعية له، بل الآلام مُعاشة !

صدقتكم.

وليس سؤالي هنا عن قيمة المؤلفات العظيمة التي بين أيدينا بالفعل ولا عن أثرها، وإنما استنكاري لبعدنا نحن عما فيها.

هو شعور دائم بالحيرة لأن لدينا القرآن والسنة ثم الكثير والكثير من الاجتهادات والتفسيرات حولهما، والقليل من العمل في زماننا ..

الحقيقة أنه صار لدي حرج من الكتابة، لأني مقتنع بأن الحاجة الملحة هي للعمل، وأن الكتابة تحولت إلى غاية في نفسها بدلا من أن تكون دعوة للعمل.



نسأل الله أن يوفقنا لما يرضيه، وينير بصائرنا..

أتعلم أخي حواد، لعلّ هذه الصفعات القوية التي تتوالى تحدث منها استفاقات على مستويات ، لن تتكشف بسرعة... لعلّها تحدث هزات .. !

اكتب  أخي جواد فلن تحول كتابة بين حين وحين دون عمل. وما تكتبه مفيد بحق..  وفقنا الله وإياكم لما يحب ويرضى .
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل جواد

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 244
  • الجنس: ذكر
رد: من الماضي.
« رد #15 في: 2020-09-24, 10:43:49 »
جزاكم الله خيرا كثيرا أختي أسماء وبارك بكم.

نعم، وشعار قصة سيدنا إبراهيم عليه السلام هو العبودية المطلقة لله. وهو الفهم العميق لغاية وجودنا على الأرض. نسأل الله الهداية والعفو والعافية.

أتردد في الكتابة كثيرا لأني أشعر أن أعباء الصراحة في زماننا هذا أكثر من فوائدها،
وأنه ربما يكون الأنسب أن يسعى الإنسان للعمل ويستعين بالله على حاله، فالبحث عن الحقائق في زماننا لا يزيد الإنسان إلا عزلة ووحشة.

حقا لا أدري، فماذا فعلنا بمؤلفات عظيمة لرجال كسيد قطب مثلا حتى يكون لكتاباتي الركيكة معنى أو قيمة !

أحقا تسأل ماذا فعلنا بمؤلفات عظيمة لرجال كسيد قطب ؟!
كثيرون من أنارت دروبهم، وعقولهم وقلوبهم، أقلها أنها عرفت كتاب الله للناس، وأنه الحركة بهداه على الأرض، لا الحروف المجود نطقها، ولا المقدّس الذي يُحفظ وانتهى.

فمضوا في درب الحق لا يحيدون عنه، حتى ماتوا عليه.
التوفيق أخي جواد بيد الله، الإنسان يعمل ويزرع وهو لايدري كيف يؤتي زرعه أكله ولا متى. كل ما عليه أن يتحرى الإخلاص، والله يصدق من صدقه . ومن عرّفته أنه القضية التي يعيش عليها وعليها يموت. فعمل وسعه ولم يألُ.

أن يموت أنسان على قناعة الحق ولا يتبدل ولا يتحول وحدها إنجاز. إنسان سعى سعيه، ولكنه لم يُتح له أن يغير بحجم تأثير في حال الأمة. ومات على ذلك. الصناعة في نفسه وحدها عمل . فنحن لا نقف عند وجوب التغيير الأعظم بل كل منا حبة تعمل مع حبة وتعمل بعدها حبة أخرى وهكذا... تراكم لا تدري متى ينبعث من الركام ! ولا فيمن ينبعث تراكم العاملين !

أقل ما في الأمر أن هناك من سيجد فيما كتبت علامة ليعدّل ما اعوجّ في دربه. سيسقط على ما آل إليه حال المسلمين، وسيفهم أنه أن يكون الإعمار هو الغاية الأولى لم تجدِ، ولم تخلص البشرية ولا الأرض !
هناك الكثير .. الله هو الذي يحدث أمرا، بالناس وفي الناس. ولا ندري من ينتفع . اكتب أخي. فما الذي يضني في الكتابة  ويؤلم ونحن نعيش الألم عيشا ؟!
ليست الكتابة هي الألم، وليست داعية له، بل الآلام مُعاشة !

صدقتكم.

وليس سؤالي هنا عن قيمة المؤلفات العظيمة التي بين أيدينا بالفعل ولا عن أثرها، وإنما استنكاري لبعدنا نحن عما فيها.

هو شعور دائم بالحيرة لأن لدينا القرآن والسنة ثم الكثير والكثير من الاجتهادات والتفسيرات حولهما، والقليل من العمل في زماننا ..

الحقيقة أنه صار لدي حرج من الكتابة، لأني مقتنع بأن الحاجة الملحة هي للعمل، وأن الكتابة تحولت إلى غاية في نفسها بدلا من أن تكون دعوة للعمل.



نسأل الله أن يوفقنا لما يرضيه، وينير بصائرنا..

أتعلم أخي حواد، لعلّ هذه الصفعات القوية التي تتوالى تحدث منها استفاقات على مستويات ، لن تتكشف بسرعة... لعلّها تحدث هزات .. !

اكتب  أخي جواد فلن تحول كتابة بين حين وحين دون عمل. وما تكتبه مفيد بحق..  وفقنا الله وإياكم لما يحب ويرضى .

آمين، وإياكم أختي أسماء. جزاكم الله خيرا كثيرا.

الصفعات القوية جند من جنود الله، وهي سنة في التاريخ تدور معه. نسأل الله العفو والعافية، والحمد لله على كل حال.

غير متصل جواد

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 244
  • الجنس: ذكر
رد: من الماضي.
« رد #16 في: 2020-10-17, 16:43:29 »
الشرارة

كان كل شيء مملا في بلادنا حتى انطلقت شرارة تونس. وبعدما كان أهل مصر يتندرون على حال أهل تونس والقمع في تونس أيام بن علي، إذا بفئة من شباب مصر تستلهم هبة أهل تونس.
وبأهون الأسباب يقدر الله أن تتحرك المياة الراكدة يوم ٢٥ يناير عام ٢٠١١.

كنت وقتها خارج القاهرة في مسقط رأسي أتابع الأحداث والزخم المتصاعد وأحاول أن أحدد موقفي من تلك الشرارة التي بدت مختلفة عن مظاهرات جماعة الإخوان المسلمين التي اعتدنا عليها أيام الجامعة.
ولم تكن جماعة الإخوان قد أعلنت بعد موقفها الرسمي من المظاهرات التي تم اختيار توقيتها عمدا في يوم عيد الشرطة في مصر.
وجاء رد النظام عنيفا على تلك المظاهرات وبدا أن هناك قلق حقيقي لدى النظام الحاكم آنذاك من انتقال روح الثورة من تونس إلى مصر.

لا زلت أذكر يومها حديث أمي لي ألا أعود إلى القاهرة بعدما ظهرت ردة الفعل العنيفة من الشرطة تجاه المتظاهرين يوم ٢٥ يناير، وردي عليها بأن المشكلة الأكبر لدي هي في حراك قوي يدعم الأخذ بأسباب القوة، فالمظاهرات وقتها كانت قليلة العدد ومنحصرة فقط في ميدان التحرير.
وذكرت لها أني انتظر إعلان قوة شعبية أو سياسية كالإخوان المسلمين النزول المباشر حتى يكون الأمر مقبولا، فليست الغاية هي النزول وفقط دون تفكير في كيفية التعامل مع العواقب.

وقد كان.
أعلنت جماعة الإخوان أنها ستنزل يوم جمعة الغضب ٢٨ يناير ٢٠١١ لتشارك أفراد الشعب التظاهر ضد الظلم والفساد.
وانطلقت عائدا إلى القاهرة وأنا أشعر لأول مرة بهواء مختلف في شوارعها.
صلينا الجمعة في مسجد النور بالعباسية، وكان الجمع غفيرا كما هي العادة، ولكنه لم يكن عاديا في ذلك اليوم.
وما إن صرت خارج المسجد بعد الصلاة، إلا وجاء صوت قريب يهتف "الشعب يريد اسقاط النظام".

وانهدرت أفواج الثوار تنساب على شوارع القاهرة ومن تبعها في المحافظات الأخرى.
كانت الخطة أن يتم حشد أكبر جمع من الناس وتشجيعهم على النزول والمشاركة في جمعة الغضب ثم التجمع في ميدان التحرير والمطالبة بإسقاط النظام.

كانت جموع الثائرين من كل لون وطيف، والجميع يرفع صوته "عيش ، حرية ، عدالة اجتماعية"..

وبقدر الفرحة والحماسة التي كانت لدي عند بداية التحرك من جامع النور بالعباسية، بقدر ما بدأت أصاب بالهم والحزن بعد دقائق من وضوح نسيج الثورة بالنسبة لي.
فحتى تلك اللحظة لم أفكر مسبقا في احتمالية أن يكون في الثورة ما يغضب الله أو ينذر بانحرافها إلى نموذج معادي للإسلام.
وهذه نقطة ضعف أسجلها هنا.

يتبع -
« آخر تحرير: 2020-10-17, 16:46:23 بواسطة جواد »

غير متصل جواد

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 244
  • الجنس: ذكر
رد: من الماضي.
« رد #17 في: 2020-10-25, 08:37:01 »
البوصلة

تفاجئنا الأحداث غالبا بما لم نحسب حسابه، ومهما اجتهدنا في التخطيط المسبق فإن ذلك لا يدفع مفاجآت القدر.

والتعامل مع الحياة على طريقة رد الفعل فقط لا يبني مستقبلا ولا يقيم أمة لها غايات عظام.
ولهذا يحتاج المسلم إلى بناء بوصلته التي لا تنفصل عنه في كل حال، فلا ينحرف بإذن الله عن المسار الذي يريده الله منه.

لمست هذا المعنى لأول مرة في جمعة الغضب في مصر ٢٨ يناير ٢٠١١.
حشد ضخم من مختلف أطياف الشعب، أصحاب الدين منهم والعلمانيين ومن ليس لهم هم إلا قوت يومهم، وغيرهم من مختلف التوجهات والأفكار.
الهدف يبدو واحدا، والوسيلة تطلب منهم غض الطرف عن اختلافاتهم، فلا تعليق على تصرفات مخالفة للشرع ولا اهتمام إلا بالحشد واسقاط النظام الظالم.

وهنا نقطة فاصلة.
هل يتصور أن يكون الجيش المسلم مثلا بلا أخطاء شرعية، أو أن يكونوا كلهم على درجة إيمان عالية ؟
لا أعتقد ذلك، ولا أظنه كان حاصلا حتى في كل جيوش المسلمين الأولى، وهذه رحمة من الله بنا، وتقدير عملي لضعف الإنسان وتقلب أحواله.

لكن الغير مقبول في جيش المسلمين أن يكون رافضا لتحكيم شرع الله فيه، أو أن تكون نيته من الخروج هي الدنيا ورفاهيتها على حساب الدين وشرع الله.

وبالطبع يقفز السؤال التالي، هل إذن نترك الناس تواجه الظلم والطغيان والتجبر وحدهم؟ أليس من أهداف الشريعة دفع الظلم عن عموم الناس بلا استثناء؟

هذه الأسئلة غالبا ما ينشأ منها تصادم كبير حتى بين أصحاب الفكر الواحد، لأننا نريد الإجابة السريعة التي نشعر معها بالأمان ولا تتطلب منا تغييرا في الفكر أو الرؤية.
ولعل الانطباعات المسبقة هنا أيضا لها دورها، فما إن يتحدث أحد عن الحاكمية المتفردة لله سبحانه وتعالى، إلا ويتم الربط بينه وبين من حاولوا من قبل سلوك طريق خاطئ بفهم معوج يبرر لهم قتل الناس واستباحة دمائهم، وهذه الفزاعة تخرج عن حجمها الحقيقي فتدمر النقاشات والعلاقات، وهو قصور كبير في الفهم.

ولنرجع إلى سؤالنا السابق،
من أهداف الشريعة دفع الظلم عن عموم الناس نعم، ومن أهداف الشريعة تربية النفس المؤمنة على العزة ومحاربة الظالمين والوقوف في وجههم، ولكن من أهداف الشريعة أيضا درء الفتنة ودفع أكبر الضررين.
ومن هنا تأتي أهمية النظر في توابع الأفعال والتوقف عن التعامل مع الاحداث بمفهوم رد الفعل فقط! فتنقلب الأمور إلى فوضى قد تكون أسوأ مما كان عليه الحال سابقا.
وهذا للأسف ما كانت بوادره تظهر في يوم جمعة الغضب.

كان واضحا أن كل مجموعة بل وربما كل فرد قد خرج لتحقيق ثورته الشخصية، فلربما التقت بعض اهدافه مع غيره وربما لم تلتق.
ولا بأس في هذه الحالة في دعم أهداف لا تتعارض مع الشريعة في شيء، فتحقيق كرامة العيش وحرية النفس والعدالة الاجتماعية كلها من الأمور المحمودة التي يحث عليها الإسلام.
لكن لا يجب بأي حال أن نظن أن هذا يعني أن الناس تطلبها من منظور إسلامي!
بل إن الحال وقتها كان واضحا جدا أن طلبها كان من خلال الدنيا فقط ورفض أن تكون مرتبطة بالشريعة والإسلام.
ظهر هذا صراحة من زعامات شباب الثوار العلمانيين ومن حال عموم الناس سواء المشاركين في الثورة بأنفسهم أو راضين عنها ولكن لم يشاركوا فيها.

وللأسف كان وهج الحماسة والإندفاع كرد فعل أكبر بكثير من صوت العقل والحكمة. أو فلنقل أنه لم تكن هناك تربية كافية وإعداد سابق لكثير ممن تزعموا المشهد من الإسلاميين.
وهو شيء لم أدرك فداحته إلا متأخرا جدا، وهو ما دفعني في بداية هذا الموضوع للحديث عن الأهداف والغايات وكيف من المفترض أن يعيش المسلم حياته كلها تحقيقا لغايته،
وأن يسعى لتغيير الواقع لا التأقلم معه أو الرضى به تحت ضغط تحقيق الأمان والاستقرار الشخصي لنفسه وعائلته كما يفرضه المجتمع عليه.

ولهذا حين جاءت الفرصة للتغيير لم يجد هؤلاء ما يقدمونه لمجتمعهم فيجنبونهم به ويلات الانتقام والظلم.
ولعل هذا يجيب على السؤال المحير، لماذا لا يستطيع المسلمون اقتناص أحداث التحولات الكبيرة والانتفاع بها مثلما ينتفع بها غيرهم؟ لماذا يكون المسلمون أكبر المتضررين في كل مرة؟

هم لم يعملوا لها من قبل! والفرصة لا تسلم نفسها لمن لم يستعد لها.
« آخر تحرير: 2020-10-25, 13:15:39 بواسطة جواد »

غير متصل جواد

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 244
  • الجنس: ذكر
رد: من الماضي.
« رد #18 في: 2020-11-01, 18:04:05 »
المصيبة

لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ ۙ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ ۙ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ (25)

لم يتخيل أحد أن ينهار نظام مبارك الذي حكم مصر ثلاثين عاما متصلة تحت وطأة مظاهرات شعبية مهما كان قوتها!
مصر الذي يبلغ تعدادها قرابة المائة مليون إنسان ولها موقع جغرافي حساس وبها من الموارد والخيرات ما لا يعلمه إلا الله، ينهار نظام الحكم فيها في بضعة أيام، وسبحان مقلب الأحوال.
قد يحاول البعض تفسير ذلك برغبة الجيش في نزع الحكم من عائلة مبارك وقتها، وقد يحاول البعض المبالغة في قوة تحرك الشعب وضغطه على النظام،
لكن الحقيقة التي أعرفها يقينا، أن ما حدث كان فضل الله وحده، ورحمته بمظلومين قد تعلقوا بكرمه، فاستجاب دعاءهم على ما كان فيهم وبينهم من الذنوب والمعاصي.

هو المنان الرحيم، حين ينعم على عباده ويجبر كسرهم وذلتهم.
ولكننا أعرضنا ونأينا بجانبنا، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
والمسكين الضعيف تحول إلى مغتر بقوته وحاله!
ثم أصبحنا نتحدث عن الأسباب والسياسة والقوة الشعبية! ولا حول ولا قوة إلا بالله.

وبكل جهل وغرور تفرق الشركاء حتى من أصحاب الطيف الواحد، كل يسعى لنفسه ولا يتورع عن كسر شوكة أخيه ليأخذ مكانه في الحكم والظهور.
وأظهرت جماعة الإخوان المسلمين وجها جديدا، يدعي الحنكة ويتفاخر بالظفر والقوة، حتى ضربوا بعرض الحائط نصائح أقرب المقربين منهم.
بل لم تتورع الجماعة التي كان شعارها القران عن التشنيع بمن اعترض على توجهاتها من أفرادها، وتحول الخلاف السياسي في الرأي إلى شرخ كبير وعلامة سقوط لكيان كان له الكثير من الأيادي البيضاء من قبل.

وتم انتخاب رجل طيب من جماعة الإخوان ليحكم مصر، وبكل سذاجة تم تسليمه لذئاب النظام القديم ومن معهم من مختلف الأنظمة العالمية.
وعلى مدار عام كامل من حكم د. محمد مرسي رحمه الله، لم يتعظ الرجل الضعيف من كل ما رأي من مكر أذناب مبارك وزبانيته.
ولم ينصت هو أو جماعته لكل التحذيرات والتنبيهات للمخلصين من حولهم، فكان لا بد من الفاجعة..

انقلاب عسكري على الرئيس المنتخب، وثورة من الشعب على حكم الإخوان، ورفض شديد لمنهجية الدين التي كان يتم الحديث عنها.

لم تكن تلك هي الفاجعة، وإنما المصيبة فيمن ظل معاندا ومتشبثا برأيه الخاطئ بعد كل ما رأي من وقائع وأحداث.
لتكون الفاجعة في تسليم الالاف من الأبرياء للذبح، وتشريد أضعافهم في شتى بقاع الأرض.
وإنا لله وإنا إليه راجعون.

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6545
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
رد: من الماضي.
« رد #19 في: 2020-11-03, 12:59:43 »
أنهيت كل ما تبقى مما لم أقرأ وألحقت به الجديد : السراب، ما قبل الخريف، البوصلة، الشرارة، المصيبة ...

جزاك الله كل خير أخي جواد ... أقرأ وأنا ألمس الواقع المشترك، ما ترويه لا يخص مصر وحدها، ولا تلك الفترة وحدها، بل نحن أيضا عايشناه وقريبا جدا جدا في حراك الجزائر السلمي، الفرق الوحيد أن الأخير سلمي ولم يخلّف أي ضحية دموية، أما عن التشتت، والرنوّ للدنيا، وطلب الدنيا، واختلاط طلاب الدنيا بمختلف أطيافهم بمن له شيء من الفكر الإسلامي .... الأمر نفسه كرّر نفسه ....

والآن نحن نعيش فشل ذلك الحراك، ونعيش عملية حرق الثورة وقطع طريقها... وباء  كورونا كان سببا في توقفه، ولكن يعتزمون العودة إليه ... نعم لا ننكر أنه يعمل عمل الورقة الضاغطة، والعين المتتبعة للنظام الذي يريد أن يعيد نفسه في أي فرصة تتاح له ... حتى فرصة كورونا يستغلها لإعادة نفسه، ويعيد نفسه حقا في أكثر من شكل، وصرنا نفهم عمله، وإعادة أدواته الخشبية، ولغته الخشبية التي لا معنى لها ... بالكذب، ولاعناوين البراقة، والإعلام العامل على تلميعه،  ولكن ..... الغاية السامية، الدين، الله .... مازال بعيدا عن المسلمين في خرجاتهم، وثوراتهم ...  !!

لا أدري ...

ضعف المكوّن الفردي للجماعة الإسلامية، ضعف الجماعة الإسلامية في الإقدام على ريادة فكرية تسوق الجموع الأخرى في مسيراتها، رفض الكثير من الأطياف العلمانية وأشباهها لهذه القيادة على افتراض وجودها ... 

الكثير من العوامل مجتمعة ....  جعلت من حركة إسلامية صحيحة سليمة قوية، ذات بوصلة -كما قلتَ- وذات ردود فعل مدروسة لا آنية ....  ذات رؤية واضحة...جعلتها  غائبة، غائبة بأتم معنى الكلمة ....

أتابعك أخي جواد ... وأؤيدك فيما ذكرت .... ماذا عن المستجدّ من هذه الحرب المعلنة ضد الإسلام في صور مختلفة معلنة، من مثل التهجم على شخص رسول الله صلى الله عليه وسلم والتلفيقات الممنهجة لجرائم الإرهاب هنا وهناك في الغرب ....

أكمل بارك الله فيك، فكلها إضاءات على الطريق نحتاجها حقا

ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب