:emo (3): :emo (3):
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة ...
سيكون هذا الموضوع إن شاء الله مكانا يضم بعض اللقطات من التاريخ الأسترالي و علاقته بالتاريخ العربي , الإسلامي , و السياسي
كل مره سنتناول لقطة
اللقطة الأولى : يوم الأنزاك
(https://s3-ap-southeast-2.amazonaws.com/awm-media/collection/A02781/screen/4219271.JPG)
------------------------------------------------
يوم الأنزاك .
نحن الآن في القارة الأسترالية, لربما يتخيل الأغلبية أن أستراليا هي بلد واحد , ما لا يعمله معظم الجموع أن أستراليا هي بلدان شتى يسمونها الولايات , مفصولة بينها و بين بعضها بحدود , و عندما أقول حدود فإني بالطبع لا اقصد الحدود الجغرافية فحسب , بل أيضا أرمي الى أن لكل ولاية قوانينها الخاصة و إجراءاتها الحكومية التي تختلف شروطها و احكامها و قوانينها و حتى توزيع الضراءب فيها.
لاطالما ظننت جهلا أن سيدني التي ذاع سيطها في الإعلام بمبنى الأوبرا الشاهق و ميناءها المترامي هي العاصمة, لكن الحقيقية أن عاصمة أستراليا هي من أقل الولايات الأسترالية صخبا و من أقلها سكانا , إنها كانبرا , الجافة , الحارة جدا صباحا و الباردة لدرجات تحت الصفر شتاء .
في كانبرا هناك تقبع العديد من المتاحف التي لابد منها لإثبات أنها العاصمة , واحد من هؤلاء هو المبنى التذكاري للحروب , هناك تجد تماثيل الجنود المقاتلين تملأ المكان مع دباباتهم ,لتنشر عبق الفخر و التمجيد.
دلفنا الى قاعة عريضه معلقة فيها هيليكوبتر ضخمة , و عرض كبير عن الحروب العالمية , دماء و شجب و أصوات النار , قصف , قنابل , و أيادي تسقف و موسيقى تهلل لهذا الإنتصار !
يحتفل الأستراليون كل عام بما يسمونه يوم الأنزاك, و في قاعة تحمل نفس الإسم ترى بوضوح ملابس جنود أتراك و آيات قرءانيه منقوشة محفوظه وراء الزجاج!
إنها قاعة الأنزاك.
في يوم الأنزاك و تحديدا عام 1915 حطم الأتراك الجنود الأستراليين و أفجعوهم بهزيمة منكرة بعد أن تركهم الجنود الإنجليز عمدا لقمة سائغة لجنود الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى ,كان الهدف وقتها الإستيلاء على القسطنطينية عاصمة الدولة , و لكن إنتهى المطاف بأن أباد العثمانيون ما يقرب من تسعة آلاف جندي أسترالي و ما يقرب من الثلاثة آلاف جندي نيوزيلاندي. و على الرغم من ذلك فإن تاريخ الخامس و العشرين من شهر ابريل يعد إحتفالا صارخا بهذا المجد العظيم.
لماذا ؟
إنهم يعدونها أول معركة حقيقية في التاريخ الأسترالي .
وقتها كانت أستراليا لاتزال تكون نفسها كصبية في مقتبل العمر , و لكنها لم تجد فرصتها للازدهار نتيجة إرغام إنجلترا الأم لها بأن تدخل مرغمة الحرب العالمية الأولى بصفتها عضو من أعضاء الكومون ويلث, و للأسف لم يشفع لها صغر سنها الدخول في معترك القتال و الإنضمام للمنظومة الإستعمارية, مما جعل الدول الأكبر حجما تلقي بها ككبش للفداء في بعض الأحيان عندما يقتدي الأمر.
أما في الحرب العالمية الثانية , فقد كانت أستراليا قد تخطت مرحلة الصبا وباتت شابة أكثر خبرة , و بالتالي فإن الضغوطات المنصبة عليها من قبل الكومونويلث أصبحت أكثرصرامة, و زادت متطلبات إنجلترا منها نتيجه الوضع المتردي الذي وصلت إليه , حيث بعثت بأغلب جنودها لفرنسا للتصدي للمنافس النازي , في وقت إختار العرب موقف المشاهد بينما تتقاسم هذه الدول العالم سواء في الحرب العلمية الأولى أو الثانية , و كان لابد لأستراليا أن تأخذ مكانها بين المستعمرين حتى لا تفوت حصتها من الغلة. لكن العامة كأغلب شعوب الأرض وقتها كانو و لازالو مقتنعين إقتناعا لا غبار عليه أنهم يساهمون بإنقاذ أنفسهم من الخطر النازي , و لذلك فقد سحبت إنجلترا أغلب جنود أستراليا و أرسلوهم إلى فرنسا ,
حينها تركت أستراليا مكشوفة أمام المنافس الإستعماري الياباني لولا تدخل الحليف الأمريكي , و لكن تلك قصة أخرى.
على إثر ذلك تقول إحدى الطاعنات بالسن أنه لولا الحرب العالمية لكانت مع أصحاب المزارع الأستراليين من أغنى الأغنياء , لأن الحكومة الأسترالية كانت تشتري منهم المنتجات الزراعية بأبخس الأثمان في وقت الحروب حتى أن الراوية العجوز و التي يناهز عمرها المئة عام أوضحت أنها لما أرادت مرة النزول للمدينة و هي طفلة لبست حذاء أمها حيث لم يكن لديهم في بيتهم إلا حذاء واحدا !
2- الجيل المسروق ...
(https://www.abc.net.au/cm/rimage/8618262-3x2-large.png?v=2)
في مطار سيدني سألتني إحدى موظفات الأمن : هل أنت من الجيل المسروق ؟
ضحكت وقلت : نعم من الجيل المسروق شبابه و عمره و فلوسه
لكن ملامح الجديه ارتسمت على وجهها و هي تختم على جواز سفري لتسأل من بعدي نفس السؤال .
تمر الأيام ,بدأنا نحن إلى جلسات الشوي على الفحم , و التجمع مع أمثالنا من العرب , كنا قد تعرفنا على مجموعة من المسلمين من جنسيات عربية مختلفة , و كان عيد الأضحى , إقترح أحدهم حديقة للتجمع وجد فيها مكانا معدا خصيصا للشوي على الفحم , حزمنا أشياءنا و إنطلقنا , و من حظنا كانت الشواية فارغة بالرغم من أنه يوم عطله !
كان مدخل الحديقة قديما الى حد ما , مكتوب عليه عبارات بطلاسم غريبه و الترجمه مدرجة كالتالي : الإحترام لسكان هذه الأرض.
لكن يبدو أن الحديقة خالية من البشر , إعتبرنا ذلك من حسن حظنا و بدأت من الأخريات بتوضيب الطعام و بدأ الرجال بالإشعال الفحم.
و بينما نحن في ذلك الإنشغال و من حيث لا ندري ظهرت سيده , تبدو في العقد السادس من عمرها , داكنة البشرة , كثيفة الشعر , يبدو من مظهرها أنها لم تمشطه منذ زمن , رثة الثياب, تملأ التجاعيد وجهها , و عندما فتحت فمها لتتكلم كان خاليا تماما من الأسنان , لكن الملفت للنظر أنها كانت تترنح في مشيتها بطريقة غريبة و مقلقة , أول ما رأتنا قالت بلهجه هجومية : ماذا تفعلون هنا ؟
تسمرنا في مكاننا
قالت بعدائية : من أين أنتم؟
كنت أول من إستطاع النطق : مصر
و فجأه ضحكت خالية الأسنان قائلة : أفريقيا , أنتم أقاربنا , أنا من الجيل المسروق , الرجل الأبيض قتل أجدادي و سلب أرضي و ترك لي هذه الحديقة أشوي فيها حيوان البوسم - نوع من القوارض - و الكانجر , أهلا بكم أهلا تفضلو تفضلو يا أقاربي و اصحابي
طبعا ما أن سمع الجميع موضوع شوي القوارض حتى بدأنا نلملم أشياءنا لنذهب الى مكان آخر , أحذت السيدة تجذب يدي تتوسل أن نجالسها , لكننا اعتذرنا بلباقة و مضينا إلى حال سبيلنا .
قبل أن تحط السفن الإنجليزية رحالها في أستراليا , كانت قبائل الانديجينوس و التوريس لاند أيسلاندرز و هم السكان الأصليون لأستراليا , يعيشون بتكيف تام مع البيئة الأسترالية , كانو حفاة الأقدام , يرتدون جلود البقر , يعلمون مهارات الصيد و تقفي الأثر , و لديهم الكثير من الأساطير و الحكايات العجيبة , مؤمنون بالسحر و يتداوون به , و يعتقدون أن أرواح أجدادهم تسكن في النجوم أو أنهم النجوم نفسهم. لديهم لغات كثيره مختلفة بحسب إختلاف القبيلة , كانت قبائلهم تتحارب مع بعضها البعض , لكنهم لم يشهدو حربا بضراوة الحرب التي خاضوها لاحقا مع الإنجليز.
في عام 1788 بدأت إنجلترا تشحن مجموعات من السجناء و الفقراء و المشردين إلى أستراليا , و كان المحكوم عليه بالذهاب إلى أستراليا كالمحكوم عليه بالفناء , و كان يمكن للحكومة أن تنفي أي أحد إلى هناك بتهم بسيطه جدا كسرقة رغيف خبز , المحتلون الأوئل و الذين يسمونهم ستلرز كانو مزيجا من الجرمين و المنفيين و الميكروبات الإنجليزية التي كانت أخطر من المحتل الإنجليزي على أجسام السكان الأصليين الذين لم يعهدوها.
أبادت أمراض الإنجليز كالحصبة , الجدري , و الأنفلوانزا مع أسلحتهم في خلال عشر سنوات ما يقرب من تسعين في المئة من السكان الأصليين بلا رحمة و لا هوادة , و قد كان وقتها من حق الستلرز قتل السكان الأصليين و ضربهم بالنار في أي وقت .
لاحقا صدر قرار باستخدام ما تبقى من السكان الأصليين في الزراعة وفي الأعمال الشاقة , على إعتبار بأنهم سينقرضون بفعل الطبيعة بسبب أنهم أقل تطورا من العرق الأبيض , أما بالنسبة للعرق الخليط و الذي نتج عن تزاوج الستلرز البيض مع السكان الأصليين أو بمعنى أصح نتيجة إغتصاب المحتلين الساديين لنساء قبائل السكان الأصليين , فقد قيل أن لهؤلاء شأن آخر , و أنهم فيهم أمل بأن يتطورو و أن يصبحو مثل البيض .
أصدر البرلمان الأسترالي عام 1905 بيانا بأن يتم عزل كل الأطفال المختلطين أو المجنسين عن أهلهم من السكان الأصليين و إدراجهم ضمن عائلات إنجليزية من أجل تعليهمهم سبل العيش على الطريقة الإنجليزية " الراقية "
و إنطلقت الشرطه في ذلك الوقت تجوب القرى و تخطف بناء على وشاية أهلها الأطفال المجنسين قسرا تاركة أمهات ثكالى تتجرعن مرارة الألم لفراق أطفالهن .
فإن كان طفل القبيلة أفتح من أقرانه أو شعره أكثر نعومة أو ملامحه أقل جبلية كان يعد هجينا و كان يؤخذ الى معتقلات خصصت لتدريبه و لمحو ذاكرته .
فيساق مع أمثاله من الأطفال لهذه المعتقلات التي يديرها جنود مسلحون لتدريبهم على برامج مفادها طاعة الرجل الأبيض و يتم إستخدام معهم أسلوب الضرب و السحل و التعذيب , يمنعون من التكلم بلغتهم أو استخدام عاداتهم , ثم ما إن يتم إخضاعهم حتى يصبحو مؤهلين للحياه مع العائلات الإنجليزية التي لا تكون أكثر رحمة من المعتقلات , حيث يقومون باستكمال مسيرة إستعبادهم .
من هنا نشأ جيل كامل من الأطفال المسروقين , و استمر هذا الفعل الشنيع حتى عام 1967
إلى الآن تعيش بيننا في أستراليا أجيال من الأطفال المسروقين , أغلبهم مدمنون أو مصابون بأمراض عقلية , و كثير منهم إتجهو للجرائم و الفواحش , يشعرون دوما بالعار و ينعزلون في الغابات عن باقي الأسترال كطريقة للتعبير عن رفضهم لما حدث لهم في الماضي, كما أن منهم من رفض الإنخراط في الحياة المرفهة بما فيها من مشافي و مدارس و متاجر.
يعد يوم 26 من شهر مايو من كل سنه يوم عيد في أسترايا , و يسمى يوم الإعتذار , حيث يعتذر الشعب الأسترالي لمن بقي من السكان الأصليين بسبب الجرائم التي تم إرتكابها في حقهم و حق أطفالهم من إنتهاك لحقوق الإنسان , و اليوم , يتم منح الأسترال الأصليين تعويضات مادية من قبل الحكومة الأسترالية و إمتيازات إضافية من أجل شراء سكوتهم على ما سبق و فعله الأجداد.
نقطة.