قضايا معاصرة > :: قضايا وشبهات معاصرة ::

الطاقة الكونية بين العلم والفلسفة والدين

(1/7) > >>

ماما هادية:
بسم الله الرحمن الرحيم
﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾
(الأنعام: 153)
مقدمة:

انتشر في السنوات الأخيرة في العالم ومنه عالمنا الإسلامي مصطلح "الطاقة" بمدلولات جديدة غير التي كنا نعرفها ، فليس المقصود منها الطاقة الحرارية ، ولا الكهربائية وتحولاتها الفيزيائية والكيميائية المختلفة سواء الكامنة منها أوالحركية أو الموجية ، وليس كذلك ما يعبر عنه  بـ" الطاقة الحيوية الإنتاجية" أو "الطاقة الروحية" التي نفهمها من نشاط للعمل والعبادة واحتساب الأجر وعظيم التوكل على الله ونحو ذلك".

إن الطاقة المرادة هي "الطاقة الكونية" Cosmic Energy حسب المفاهيم الفلسفية والعقائد الشرقية، وهي طاقة عجيبة يدّعون أنها مبثوثة في الكون، وهي عند مكتشفيها ومعتقديها من أصحاب ديانات الشرق متولدة منبثقة عن "الكلي الواحد" الذي منه تكوّن الكون وإليه يعود، ولها نفس قوته وتأثيره؛ لأنها بقيت على صفاته بعد الانبثاق (لا مرئي، ولا شكل له، وليس له بداية، وليس له نهاية) بخلاف القسم الآخر الذي تجسّدت منه الكائنات والأجرام ، وهذه هي عقيدة وحدة الوجود بتلوناتها المختلفة: "العقل الكلي، الوعي الكامل، الين واليانج". أما المروجون لها من أصحاب الديانات السماوية ومنهم المسلمون فيفسرونها بما يظهر عدم تعارضه مع عقيدتهم في الإله، فيدّعون أنها طاقة عظيمة خلقها الله في الكون ، وجعل لها تأثيراً عظيماً على حياتنا وصحتنا وروحانياتنا وعواطفنا وأخلاقياتنا، ومنهجنا في الحياة !(1)

فما هي حقيقة هذه الطاقة، وما موقف العلم منها؟ وما موقف الدين؟
_____________________________
 (1) د. فوز كردي، وقفات مع الفكر العقدي الوافد ومنهجية التعامل معه، ص 73.

ماما هادية:
عناصر الموضوع:

1- التفريق بين عالم الشهادة وعالم الغيب ومصادر العلوم في كل منهما.
2- التصور الإسلامي للكون وإجابته على الأسئلة المقلقة (من أنا/ لماذا أتيت/ إلى أين المصير).
 3- تعريف الطاقة الكونية ومصطلحاتها المختلفة.
4- ما انبثق عنها من دورات وصيحات مختلفة.
5- هل الطاقة الكونية أو الحيوية أو طاقة الحياة (لها أسماء كثيرة) من علم الغيب أو علم الشهادة؟
6- رأي علماء الفيزياء في الطاقة المذكورة
7- مصطلح الطاقة في الدين وهل يقصد به الطاقة الكونية المذكورة
8- حقيقة الطاقة في الفلسفات الشرقية
9- موقف الإسلام منها

ماما هادية:
أولاً- التفريق بين عالم الشهادة وعالم الغيب ومصادر العلوم في كل منهما


العالم الذي خلقه الله عز وجل يقسـم إلى قسمين: عالم غيبي وعالم مشهود.

  1- عالم الشهادة:
ويشمل كل شيء يقع تحت حواسنا كالمرئيات، والمسموعات، و المشمومات، والملموسات، وكل ما يقع في هذا العالم هو من الأمور المادية أو ذات الأثر المادي الذي يمكن ملاحظته أو قياسه بالحواس أو بالأدوات العلمية.

2-عالَم الغيب:
 لا تبلغه حواسنا ولا استنتاجاتنا العقلية، ولا نملك أدوات التعرف عليه إلا من خلال إخبار الله تعالى لنا عن طريق الوحي المنزل على النبي المرسل صلى الله عليه وسلم. فالملائكة والجن والبعث والنشور والجنة والنار وعالم البرزخ، وصفات الله عز وجل كل ذلك من أمور الغيب التي أمرنا بالإيمان بها والتي لا نملك وسيلة للتعرف عليها إلا من خلال الوحي.

وعلى المسلم حين تعرض عليه أي قضية أو فكرة أن ينظر: هل هي من أمور الغيب أم من عالم الشهادة، فإن كانت من عالم الشهادة، فحصها وتحقق منها بالمقاييس والمنهجية العلمية
وإن كانت من عالم الغيب، فحصها في ضوء الكتاب والسنة، ليعلم أحق هي أم باطل.

فهل علوم الطاقة الوافدة، وما يتبعها من أساليب العلاج والاستشفاء، وما انبثق عنها من قوانين منظمة للأفكار والسلوك تدخل في نطاق عالم الغيب أم عالم الشهادة؟

سيفتاب:



 ::ok::

ماما هادية:
ثانياً- التصور الإسلامي للكون وإجابته على الأسئلة الوجودية
 
منذ وجد الإنسان على الأرض وهذه الأسئلة تقلقه وتعكر عليه حياته: من أنا؟ ولماذا أتيت؟ وإلى أين المصير

وجميع هذه الأسئلة بحمد الله علمنا الله تعالى أجوبتها في رسالته إلينا التي تعاقب الرسل عليهم السلام على تبليغها للبشرية، حتى ختمت رسالاتهم بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم.

فأنا إنسان، خلقني الله تعالى من قبضة من طين الأرض ونفخة من روحه.
الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الإِنسَانِ مِن طِينٍ * ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِن سُلالَةٍ مِّن مَّاءٍ مَّهِينٍ * ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِن رُّوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ  (سورة السجدة 7-9)

خلقني لعبادته، وعبادته تعني أن أعيش حياتي وفق منهجه وشرعه، وأن أسعى لإقامة حياة الناس وفق هذا المنهج الرباني، وهذا معنى الخلافة في الأرض
وَمَا خَلَقْتُ الجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ  (الذاريات 56)
وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً  (البقرة 30)
يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلاَ تَتَّبِعِ الهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ (ص~ 26)


قدر علي أقدارا لا حيلة لي فيها، هي امتحان منه لي، فإن صبرت واتقيت فلي الأجر، وإن جزعت واعترضت وجحدت فعلي الوزر.
كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ المَوْتِ وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ (الأنبياء: 35)
وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمْوَالِ وَالأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ  (البقرة: 155)


وكلفني بتكاليف يمتحنني بها، فإن قمت بها على الوجه الذي يريده مني أجرت، وإن تقاعست عنها أو استكبرت عنها أثمت
لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ (البقرة: 286)


وستنتهي حياتي بالموت لا محالة، ثم بالبعث يوم النشور، لأحاسب عن كل ما فعلته في حياتي الدنيا، إن خيرا فخير، وإن شرا فشر.
فَأَمَّا مَن طَغَى * وَآثَرَ الحَيَاةَ الدُّنْيَا * فَإِنَّ الجَحِيمَ هِيَ المَأْوَى * وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الهَوَى * فَإِنَّ الجَنَّةَ هِيَ المَأْوَى  (النازعات: 37-41)

فالحمد لله على نعمة الإسلام، وكفى بها من نعمة
وأما البشر الذين حرموا من هداية الوحي الإلهي، فإنهم يتخبطون في هذه الحياة بين الإلحاد والكفر واللاأدرية والأديان المخترعة والفلسفات الكفرية.

ومن هذه الفلسفات والديانات المخترعة، عقائد الهند والصين وبلاد الشرق، هذه العقائد التي لما أفلس الغرب من الروحانيات وإشباع الفطرة الدينية لديه نتيجة غرقه في الحياة المادية البحتة، وما جره عليه ذلك من امراض نفسية واضطرابات وخلل أخلاقي، استوردها، وحاول تطويرها، وإلباسها ثوب العلم، ثم أعاد تصديرها إلى بلادنا عن طريق بعض الغافلين أو المرتزقة من بني جلدتنا، المنتسبين إلى ديننا، والذين تلقفوها وكأنها اكتشافات علمية حديثة، وعملوا على ترويجها بيننا، بل وعملوا على تغطيتها بقناع الأسلمة لتجوز وتمر ولا يشعر بفسادها وما انطوت عليه من إلحاد وكفر أحد.

تصفح

[0] فهرس الرسائل

[#] الصفحة التالية

الذهاب الى النسخة الكاملة