أيامنا الحلوة

الساحة العامة => :: بيت العيلة :: => الموضوع حرر بواسطة: حازرلي أسماء في 2016-06-01, 09:17:36

العنوان: واقع الحال... وهل من سبيل للقيام ؟
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2016-06-01, 09:17:36
بسم الله الرحمن الرحيم

الحضارة، النهضة، أسباب الانتكاسة، النظرة الواقعية للحال، الحلول الواقعية القابلة للتطبيق، هل من سبيل للقيام ...

كلها أسئلة كبيرة، وعناوين عريضة تبحث فينا عن إجابات..
نستشرف الحل، نحاول أن نقتبسه من عالم الأفكار، نبحث عن تلاقحها لتشكيل رؤية واقعية لما نحن عليه، والبحث عن حلول واقعية، لا عن كلام يسدر في الخيال ويبحر في عالم اللاممكن واللامعقول ....

في هذا الموضوع، نحاول أن نقدح زِناد الفكر، في حاجة لأن يستفيد كل منا من الآخر، عسى أن نشعل في أنفسنا جذوة تأتينا بالقبس المنير...

وقد كان لي مع أخي الفاضل حسن جزاه الله خيرا حوار بفريق "محبي الحقيقة" ضمن محاولة نظرة استشرافية عن هذا الموضوع الواسع، وقد عرفنا منه حبا للنقاش الجاد، وطريقة منهجية وعقلانية في طرح أفكاره، وتطلعا للشمولية التي تحيط بالأطراف والحيثيات فلا تجتزئ... وسيحاول كل منا نقل مشاركته للمتابعة هنا على مستوى المنتدى بإذن الله تعالى  emo (30):

ونرحب بكل مشاركاتكم إخوتي، وأنا أعرف منكم اهتماما بهذا الموضوع الحساس والجوهري  emo (30):

فأهلا وسهلا ومرحبا بك أخي حسن، وعسى يكون المنتدى منبرا للفائدة والنفع بإذن العلي القدير  emo (6):


العنوان: رد: واقع الحال... وهل من سبيل للقيام ؟
أرسل بواسطة: جواد في 2016-06-01, 09:30:06
السلام عليكم،

تسجيل متابعة.

جزاكم الله خيرا.
العنوان: رد: واقع الحال... وهل من سبيل للقيام ؟
أرسل بواسطة: حسن في 2016-06-01, 10:00:17
السلام عليكم ورحمة الله أعضاء المنتدى
حياكم الله
وهذه أول مشاركة لي في المنتدى

أشكر للأخت الكريمة أسماء، اهتمامها بالموضوع، والتشجيع على الخوض فيه، وقلمها أهل لتسطيره، وفكرها جدير بتنظيره.
فهو موضوع شائك معقد يكاد يجمع كل العلوم والاختصاصات والرؤى، وكلّ إذا ما اختلّ جزء من أجزائه انهارت بنيته

لكن سنحــــــــاول وضع بعض اللمسات، مثل المنارات للبعيد، والشمعة للقريب.

وسأضع هنا "بداية النقاش" ومطلعه بعد أن ذكرنا أن البلاد العربية لها أيضا صناعات وتسير في طريق الاستقلال عن مستعمريها وجلاديها، فعلّقت بهذا التعليق لأوضح أن الأمر ليس كما يبدو عليه في الحقيقة، وأنّ رؤيتي للخيوط الخفية التي لا تزال تقيّد البلدان العربية الإسلامية بالدول الغربية الأقوى، هو نوع من وصف للواقع وليس نوعا من الانهزامية، أترككم مع تعليقي:

(أحيانا أسمع "صناعة 100%" وإذا دققتُ وجدت أن كثيرا من القطع والأجزاء مصنوعة في الخارج
وهناك فرق بين "التجميع الوطني" والصناعة الوطنية.
لأن أصلا هناك صناعات نانوية لا توجد البتة في بلدان معينة، وبما أن الهواتف والآليات فيه الكثير من الإلكترونيات فالقضية قضية استقراء للوقائع وليس انهزامية :)


{مداخلة الأخت زينب: ياليتها على القطع والأجزاء فقط بل الأفكار أيضا مستوردة}

- فعلّقت قائلا: الأفكار بعد أن تخرج ويُستنفذ وقت براءة اختراعها تكون للجميع، ومن كان له قوة وصناعة وقدرة صنع منها ما شاء
أما الأجزاء فهي تبعية اقتصادية حتى وإن بدت تحررا
وفي الأخير قد يأتون بخبير فرنسي أو انجليزي يدير الشركة كلها !!)
العنوان: رد: واقع الحال... وهل من سبيل للقيام ؟
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2016-06-01, 10:10:38
أهلا بك مجددا يا حسن  emo (30):

وهذا ردي الذي كان:

أعلم جيدا عن عملية التصنيع التجميعية، le montage électronique
وطبعا هي ليست صناعة من ألفها إلى يائها...
وهي بالمناسبة لا توجد في الدول الأقل تقدما وحدها، بل توجد في كل الدول، هناك التركيب الإلكتروني الفرنسي le montage français مثلا الذي نعرفه في كثير من المنتجات، التركيب الصيني، وغيرها

بمعنى أنه في عالم اليوم لا مناص من هذا التلاقح المعرفي والصناعي، ويخطئ من يقول أن العمل يجب أن يكون في عصرنا هذا منزها عن التعاضد العلمي والصناعي والمعرفي...
ارقى الحضارات قامت على الترجمات مثلا، بمعنى أنه تراكم معرفي وتلاقح معرفي في عصر التواصل والاتصال. هذا من جهة...

ومن جهة أخرى على الأقل هناك خوض في الإلكترونيات، ومهندسون إلكترونيون يخوضون الغمار، ولا يستبعد عمن خاضه بتخصص أن يعرف ألفبائية صنع الشرائح بالمثل، وبالمناسبة الشركة عرفت صنعا أوليا وكليا للبطاقة الأم. la carte mère
لا يجب أن يُستهان بهذه الخطوة برأيي... لأنها واللاشيء على بعد كبير جدا...
أما عن التبعية الاقتصادية فقوامها الترويج لما يفرضه المنتِج حتى من أسعار في السوق المستهلكة، بينما صناعة هذه الهواتف عندنا مثلا لاقتْ رواجا حتى من باب السعر المناسب. والبعيد بعدا كبيرا عن سعر المنتج الآخر...

ثم من أين لنا أن تكون صناعة محضة وهي اختراعاتهم ؟! الصناعة المحضة لصاحب الاختراع..
أما عن الخبراء، فلا تنسوا من خبرائنا من يدير هناك أيضا، عندهم، وكم من خبرات وأدمغة هي عندهم هناك لا غنى لهم عنها...

أنا أيضا لا أزرع أملا موهوما، ولكنني اعرف جيدا كم عند المسلمين من طاقات ولكن تعلقنا الدائم بالعلوية العلمية الغربية جعلنا نُقصر الطرف عنهم..
حتى لاحظت أن هذا يسري في الكثيرين دون تحسب منهم، قد يسمعون لعالم غربي ويقتنعون بما يدلي، بينما يجدون المطاعن والمطاعن على العربي...
برأيي مد اليد خير من مجافاة كلية... فكم من متذوق أكلة لذيذة، فاق في صنعها صاحبها، رُبّ سامع أوعى من مبلغ...  emo (30):

كم كان لشباب غزة العلميين المميزين ساعة محنتها من دور في صناعات احتياجات يومية من أبسط المتوفر كانت وليدة الأزمة... ! مكنت من سيرورة الحياة رغم الحصار الذي ضرب عليهم...
لدينا طاقات ينقصها التشجيع الكافي، والدعم المعنوي أكثر من المادي، فعقول المسلمين هي الخامة التي تتفوق حتى على عقولهم...
العنوان: رد: واقع الحال... وهل من سبيل للقيام ؟
أرسل بواسطة: حسن في 2016-06-01, 10:16:42
حسنا حسنا أتفق معك، فقلم الرصاص هو نفسه مع بساطته يحتاج لمطاط من الاستواء، ورصاص من لا أعلم أين، وخشب من غابات وآليات من الغرب...
وصناعة اللوحة الأم شيء جيد جدا لأنها معقدة وذات طبقات
وأنا في سياق آخر سأكون فرحا جدا بأقل من صناعة لوحة أمّ، لأن سياق المجاملة والتشجيع، غير سياقي هذا بالنصيحة ومعرفة الأمر على ما هو
ني لو كنت أمام مبادرة سأشجعها وأفرح بها مهما كانت صغيرة
ولكن إن كنت أمام وصفٍ أو فكرة عن فيها بعض المبالغة أو ولا تأخذ بعين الاعتبار كل جوانب التحدي، سأكون انتقاديا أكثر وليس مشجها
مثل أن أفرح بتدين شخص معين، ولكن في الوقت نفسه إذا ذُكر المتدينون قد أنتقد كثيرا من أخطائهم

وأضرب مثالا لكي أوضح فكرتي جيدا:
- عند الطفل الصغير مثلا يكون الرسم ردييييئا للغاية
فعندما سيقدم طفل لي الرسمة ويسألني عنها سأقول له رسمة جميلة وماذا قصدت بهذا الجزء وكذا وكذا...وترسم جيدا تابع حتى تصير فنانا كبيرا.... (هذا مثل أن أكون أمام مبادرة صنع ولو مركّب إلكتروني من صنع محلي)

أمّا في حالة الرسمة مجرّدة عن الموقف وصاحبها (هنا مثل فكرة أن الجزائر أو غيرها صنعت شيئا 100% محليّ دون أن تعتمد على أجزاء جاهزة،من دول أخرى)
فسأكون انتقاديا وناصحا لا مجاملا، وسأتساءل هل حقا هو صنع 100% أو مجرد "تركيب" 100% وما هي حدود هذه الصناعة وصدق هذا الخبر، وما هي الحيثيات... وكل هذا لأفهم جيدا هذه القضية بعيدا عن كل مدح قد يبعُد بي عن معرفة الحقائق.
وهذا مثل الرسمة من جهة الفن أو الإتقان أو المحاكاة سيكون الحكم عليها أنها "رديئة" وهذه حقيقة ليس من الضرورة أن يعرفها الطفل

وبهذا نفرّق بين "الأحكام والأسماء" إن أدرتم مقاربة فقهية :)
فالأحكام مثل= هذا كفْر وهذا فِسق وهذا خطأ (الرسم رديء)
ليست مثل الأسماء = هذا كافر وهذا فاسق .... (الطفل رسام رديء
العنوان: رد: واقع الحال... وهل من سبيل للقيام ؟
أرسل بواسطة: جواد في 2016-06-01, 10:22:37
أهلا ومرحبا أخي حسن،

معذرة، يبدوا أنني غير مستوعب لسياق الحديث هنا!

ما الذي نريد أن نناقشه هنا تحديدا؟ أسباب تخلف المسلمين عن التقدم المادي (صناعي او زراعي أو غيره)، والغرض من النقاش هو الخروج بآليات تطبيقية مثلا لمعالجة ذلك، أم أن هناك شيئا آخر لم أفهمه؟
العنوان: رد: واقع الحال... وهل من سبيل للقيام ؟
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2016-06-01, 10:27:16
أهلا بك أخ جواد  emo (30):

النقاش بدأ عن الصناعات، وكان تحديدا لما ذكرتُ عن صناعة الجزائر، للجوالات، فأجاب الأخ حسن أنّ هذه لا تعدو أن تكون صناعات تركيبية، بمعنى أنها لا تُدخل بلداننا ضمن قائمة الصناعيين، ومن هذا المنطلق تطور النقاش إلى موضوع الحضارة والنهضة، وأسباب الانتكاسة، والمداخلات القادمة بإذن الله ستأتي بالتفصيل ...
العنوان: رد: واقع الحال... وهل من سبيل للقيام ؟
أرسل بواسطة: حسن في 2016-06-01, 10:35:07
أهلا وسهلا أخي جواد
هو كما قالت الأخت أسماء :)
شرارة الموضوع بدأت بالصناعة والتقنية، ثم بعد ذلك الحضارة بشكل عام
العنوان: رد: واقع الحال... وهل من سبيل للقيام ؟
أرسل بواسطة: ابنة جبل النار في 2016-06-01, 10:37:33
و عليكم السلام و رحمة الله و بركاته..
اهلا بك اخ حسن  و نشكر لك قبول الدعوة إلى الانضمام إلى المنتدى  :)

كان حوارا مفيدا ممتعا.. و يستحق أن ينقل هنا ليتاح لأكبر عدد من القراء متابعته..
جزاكما الله خير  :)
العنوان: رد: واقع الحال... وهل من سبيل للقيام ؟
أرسل بواسطة: ابنة جبل النار في 2016-06-01, 10:39:59
لقد كان هاتفي  شرارة الموضوع   :)
العنوان: رد: واقع الحال... وهل من سبيل للقيام ؟
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2016-06-01, 10:47:28
أهلا وسهلا بك يا بهي، تسعدني متابعتك دائما  emo (30):  نعم كان هاتفك السبب  ::ok::
-------------

في الحقيقة، أوافقك الرأي، وطبعا هناك دائما مشكلة، وأفْضَلُها بسيط من روح عملنا خير من مركب عليه ما عليه مما قد يخفى أكثر مما يظهر...
نسأل الله نهضة تبدأ بسيطة ولكنها لا تسلط علينا قوانينهم...ولكن لا بد أن لكل هذا الذي نحن فيه، من دور ما، في الإرهاصات... لا بد أنها مراحل ...
العنوان: رد: واقع الحال... وهل من سبيل للقيام ؟
أرسل بواسطة: حسن في 2016-06-01, 10:49:57
أهلا وسهلا بك أخت بهية
الحمد لله على تيسيره :)

نعم كان الهاتف السبب، ولا عجب أنه الهاتف وليس الحاسوب :D
العنوان: رد: واقع الحال... وهل من سبيل للقيام ؟
أرسل بواسطة: حسن في 2016-06-01, 10:51:16
نعم بالضبط
التشجيع على المبادرة نابع مما قلت عن "المراحل والإرهاصات" وكل شيء معقد بدأ بالبسيط حتى البشر بدأوا من خلية واحدة وتفرعت وتعددت واختلفت

وإذا ما قارنا بدايات الدول المتقدمة قبل قرون سنجد أن طالبا في كلية تقنية أبرع من أعظم فلاسفة تلك القرون وعلمائها
ولا يمكن أن يبدأ مشروع بقوة واستقلال وكمال كما سينتهي ... أبدا لن يكون مثل هذا
العنوان: رد: واقع الحال... وهل من سبيل للقيام ؟
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2016-06-01, 10:57:48
يبقى السؤال القائم هل نهضة الأمة ستقاس بمقارعة التكنولوجيا بالتكنولوجيا؟ والاكتشافات بالاكتشافات؟ والبون شااااسع بين ما وصلوا إليه وما نحن عليه...

يعني هل سنقضي الأعمار نبحث لنا عن موقع في عالم التكنولوجيات، وإن لم يسمح هذا البون وهذه المسافة الهائلة بهذا الموقع ؟!! هل نقول أنه لا دور لنا عندها؟!
أم أن نهضتنا تتحقق، وقيادة الأمة للبشرية تحصل وإن بقي هذا البَون ؟!
تلكم هي المسألة..
العنوان: رد: واقع الحال... وهل من سبيل للقيام ؟
أرسل بواسطة: حسن في 2016-06-01, 11:11:22
سؤال في الحقيقة أترك لك الجواب عنه
حسب المقاربة "الروحية" أو "المادية" أو كلاهما معا في نظرة شمولية لا تستغني عن الروحي بالمادي أو عن المادي بالروحي :)

تعرفين هرف ماسلو للحاجيات ؟
العنوان: رد: واقع الحال... وهل من سبيل للقيام ؟
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2016-06-01, 11:12:47
بعيدا عن ملازمة الروحي للمادي، وبعيدا عن أن الأمر يحتاج تراكما يمتد زمانه بدءا من ميلاد الفكرة، إلى تطورها عملا على الأرض وتغييرا في النفس، ينهض بالأمة ويقلق النوم العام عبر مراحل ومساع متظافرة...
بعيدا عن كل هذا الذي أسلّم به، السؤال يبقى قائما عندي، لأن المقياس برأيي لن يكون مقارعة الند بالند لما عندهم، وإلا لكان سباقا خياليا...
بل أرى المقارعة بما ينقصهم، وما ينقصهم هو ما عندنا مستوعبا لما عندهم، أو بشكل مقارب...

بكل الأحوال يبقى السؤال عندي قائما أحاول البحث عن إجابة له من وحي التنظير الاجتماعي بألوانه كما من وحي الواقع والمستجدات والتقلبات...
بالنسبة لهرم ماسلو، لا أعرفه، ولكن بحثت من توّ قراءتي له في سؤالك، ففهمته عموما، وهو سلم الاحتياجات المتصاعدة، وأراه يغفل الحاجة الدينية بالكلية.
العنوان: رد: واقع الحال... وهل من سبيل للقيام ؟
أرسل بواسطة: حسن في 2016-06-01, 11:13:37
لا يُغفل السلم الاحتياجات الدينية ولكن يجعلها من الحاجيات الروحية التي على رأس السلم، لأن ذلك الهرم تبسيطي أما نظريته يشرح فيها الأمر

على الأقل تتفقين على أن البنية الهرمية سليمة، إذ لا يُحدث الجائع والعطشان عن ثقافة أو دين أو تزكية أو تخطيط ... وهكذا تصاعديا

أما عن "مقارعتهم" في ما ليس عندهم، هل يمكن نشر أو هيمنة المسلمين وهم ليس عندهم حد معين من المجابهة الاقتصادية والسياسية، ليس بالضرورة أن تكون مثلهم تماما، ولكن حد أدنى منها يحقق التحرر والاستقلالية ؟

بمعنى آخر هل إذا أردنا أن ننشر رسالة غير مادية، هل سيتركنا أصحاب الهيمنة المادية ؟ (وهذا بصرف النظر عن سؤال مهم آخر: هل المسلمون ستكون لهم قومة من غير تحقيق الحاجيات البشرية، اقتصاديا سياسيا قانونيا ...)
العنوان: رد: واقع الحال... وهل من سبيل للقيام ؟
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2016-06-01, 11:16:05
لن نكون بحاجة لخوارق في عوالم الاقتصاد والسياسة ليكون لنا صوت، وتكون لنا صولة، نحتاج عزما وإيمانا بالفكرة وبالهدف أكثر من أي شيء...
نحتاج ثقة في النفس فقدناها مع حالة الانبهار المستمرة بالغرب، طبعا لا أحب الكلام الهلاميّ، ولا أقصد بهذا أنّ معجزة ستحدث، وأن الجوعان قادر على التفكير، فديننا دين الواقعية لا دين الخيال، بل أؤمن بضرورة تحقيق قوة سياسية واقتصادية، من ناحية الاستقلالية ومُجانبة التبعية، لأن التبعية الاقتصادية والثقافية والسياسية هي التي جعلتنا ضعافا، ولنعد إلى الوراء في سلسلة بحث عن السبب الأول، فالذي جعلنا تابعين من الأصل هو ذلك الخنوع وتصاعد فقدان الثقة بالنفس، وبما عندنا، وبقدرتنا ....

إننا نحتاج تأسيس أجيال تؤمن بالقدرة على العمل، ولا ترى في نفسها العجز، ولا يسهل على المثبطين اختراقها.... نحتاج إنسانا، على قول مالك بن نبي، ووالله أجدني دون حتى تذكّر ما جعله أساسا، أرى من وحي واقعنا وما نعيش صدق نظريته، حاجتنا للإنسان صاحب الهدف، والفكرة، والإيمان بالقضية ....

انظر أخي حسن من حولك، ولأنظر من حولي، إن لدينا مستشفيات، ولدينا مدارس، ولدينا جامعات، ولدينا مراكز خدمات مختلفة، ولكن ما نوعية الخدمة المقدّمة؟؟
كم من الملاحظات المؤلمة تخرج بها كلما دخلت مكانا من هذه الأمكنة؟؟
كيف تجد الموظفين من أدناهم مرتبة إلى أعلاهم مرتبة؟؟؟ كيف تجد سلوكهم؟ كيف تجد عطاءهم في العمل ؟؟؟
ما قيمة البنيان الفاره، والمراكز المشيّدة وبداخلها إنسان غير معطاء، إنسان يعمل نصف وقته أو ربعه أو عُشُره، وليته في نصف وقته ذاك أو ربعه كان عمله متقنا، وكان حرصه عاليا، وكان متفانيا في خدمة أخيه ....
ما قيمة مدرسة مشيدة وفق أحدث طراز، وبداخلها مدير مرتشٍ، أو متلاعب، أو معلم يكره عمله، وغايته الوحيدة منه مرتبه الشهري، ليس فقط لأنه يعيل أبناء لو يتركهم لماتوا جوعا، بل منهم من هدفه المرتب لغايات بليدة، ربما لأنها تتسابق مع نديداتها مَن تكتنز القدر الأكبر من الذهب الذي تباهي به صديقاتها وجاراتها ....!
وهذه المكتنزة فقط مثال، ومن الغايات البليدة الكثير، ذلك أن حتى صاحب العيال يُسمح له بالحرص على ما يعيل به عياله، ولا تثريب عليه، وهذا حقه، ولكن لماذا لا يفكر بواجبه ودرجة أدائه لواجبه، قبل أن يفكر بحقه، واجبه في العطاء الصحيح، الصادق ...

ثم ماذا صنعنا بثورات على الظلم بزعم عنوانها، ونحن لم نثر على ظلم أنفسنا لأنفسنا، لم تحدث برؤوسنا ثورة قبل أن تحدث بالميادين...ونحن من فرط ما تراكم علينا تراءت لنا في بداياتها خيرا، وإن كانت تفتقد الوجهة، إلا أننا تفاءلنا... وإن كنت أؤمن أنها أيضا مراحل لا بد أن لها دورا ما، على الأقل لنعرف أننا لن نصل إلى المبتغى قبل أن نصل إلى أنفسنا فنشخص علتها، ونعرف لها الدواء...

نحتاج إعادة صياغة الإنسان المسلم، إعادة صياغته ليس بتحفيظ حروف القرآن، بل بترسيخ العمل بالقرآن، وبأخلاق القرآن التي جاءت لتسمو بالإنسان ولتصنع منه إنسانا ....
نحتاج أن يعلم أن من نفسه البداية... وأن من فكره البداية، من فكر مستنير، يضرب في عمق المشكلة ليتبيّن العفن الذي أصاب الجذر العميق، الضارب في الأعماق، فيزودها بالحل العميق، ولا يضرب في السطح فلا يتراءى له من عفن الجذر شيء ... فيولّي وهو يحسب أن السلامة كل السلامة عنوان حاله ....

نحتاج لبناء الإنسان قبل بناء سياسة، أو بناء اقتصاد.... فهو المادة الأولى، وهو الخامة التي بها تُرفع العماد السليمة ....

الموضوع واااااسع ..... ويحتاج لتولية الوجه قِبل عوامل وعوامل، ولكنّنا نحتاج أول ما نحتاج لإنسان مؤمن بقضيته، يعرف دوره، ويأخذ على عاتقه مسؤولية... كلّ من جهته وكأنه المسؤول الأول والأوحد.... والله المستعان...
وأسأله ألا أكون المتكلمة بلا عمل  emo (30):
العنوان: رد: واقع الحال... وهل من سبيل للقيام ؟
أرسل بواسطة: حسن في 2016-06-01, 11:18:31
نعم أتفق معك على حالة الانبهار والصفعة الغربية للعالم الإسلامي، والإنسان المحطم الثقة...
كل هذا لا نختلف حوله
لعلّي أركز هنا على طريقة البناء، كيف تكون ؟
يعني هل لو كان للإنسان المسلم العربيّ ما للآخر هل سندخل متاهات التقليد والسعي وراءهم؟ هذه واحدة
ستقولين لنا ما لهم، كمثال المستشفيات والمدراس... أقول تلك شكليات ومنظومات لا تطال البلاد كلها، نجدها فقط في المدن الكبرى، والتهميش يطال أغلب سكان المدن الباقية، بل حتى أغلب سكان المدن الكبرى...

ولا ننسى أن المستورد لا يعرف قدر ما استورد، وعقلية المطبق لا تتغير حتى إن جئناه بأحدث التقنيات والآلات والأنظمة... وهذا مثل أن يخطط أب عبقري حتى يصير مليونيرا، فيرث ابنه المدلل المترف المال، فيبذره بسفاهته، ولا يعرف قيمته ولا كيف يديره، لأنّه ليس من نماه ليس من طوره، ليس أدار الشركة والمشروع (الأب=الصانع صاحب التقنية والمنظر للتعليم... /الإن= ذلك المستورد الكسول)

ولا شك أنّ بقاء الحال على ما هو وتغيير الإنسان وخلق النفوس الزكية وتغيير العقليات كفيل بجعل الأمة تنهض

أما عن الثورة على الظلم والفساد وتغيير الرؤوس والمتبعوين وأيهما أسبق أهذا أم تغيير النفوس والتابعين... هذا سؤال كبير جدا وجدلية قائمة بين نجاعة تغيير قاعدة الهرم أو تغيير رأسه، وهل الناس يديرون شؤونهم بأنفسهم أم يحتاجون لراع وقائد يوجّههم، وهل يبلغ الناس مبلغا من الوعي يستطيعون به الاستغناء عن القائد الفذ الذكي القوي، أم أن الواقع والتاريخ يفيد عكس ذلك (وأنا أرى أن التاريخ يؤيد أن الناس أغلبهم مساقون ولا بدّ، وقليل منهم أكياس، ومصر خير دليل على ذلك)

وأعود لفكرتك (نحتاج أن يعلم أن من نفسه البداية... وأن من فكره البداية، من فكر مستنير، يضرب في عمق المشكلة ليتبيّن العفن الذي أصاب الجذر العميق)
نحن لا نختلف على هذا، ولكن تساؤلي هو: هل اقتلاع ذلك العفن يكون باللجوء إلى "حلول - إنسانية مثالية -" أو أن ذلك العفن يجد إمداداته أصلا في هذا وذاك، ويستقوي من غياب المقومات والحاجيات المادية التي تقلل من التوتر وتحمل الإنسان على التفكر في الروحانيات والفكر والثقافة تطئمن نفسه وتقوى للتغيّر.... ألا تلاحظين أن من يهاجر إلى أوروبا ويستقر وضعه ويكرم كإنسان يتديّن أحيانا كثيرة ؟! ما الذي تغير؟ هو كان مسلما من قبل وكان مؤمنا بالذي بدأ يطبقه من قبل ؟ ولم يحدثه أو يعظه أو يفرض عليه أحدا التدين هناك ؟ فلماذا....
العنوان: رد: واقع الحال... وهل من سبيل للقيام ؟
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2016-06-01, 11:22:26
سأحاول أن أجعل مشاركتي إجابات على أسئلتك أخ حسن، وهذه الأولى وتتبعها أخرى بإذن الله...

تقول: " يعني هل لو كان للإنسان المسلم العربيّ ما للآخر هل سندخل متاهات التقليد والسعي وراءهم؟ هذه واحدة"
طيّب، هل لو كان للإنسان المسلم ما للآخر، هل كنا لندخل متاهات التقليد، والانبهار؟
أخي حسن، دقّق معي، في هذه...
هُم وما عندهم، وما يتمتعون به من تيسير خدمات، ومن خدمات عالية وراقية، ومن استغلال للعلم في أدقّ الأمور وأجلّها، كل هذا لا ننكره، بل نقول به، ونعترف به، ولكن بدوري سأسألك سؤالا: كيف أصبح لهم كل هذا؟ كيف تحقق؟
هل بمطالبتهم المستمرة بالحقوق، أم بأدائهم لواجبهم على أكمل وجه أوّلا؟ لا أشك أنك تعلم كم أنّ الحزم هناك قائم بشأن القيام بالواجب، وأداء الخدمة على أحسن ما يكون في كل مجال، في الطب، في التعليم، في مختلف الخدمات وفي مختلف الأسلاك...
وإذا عدنا إلى تاريخ أوروبا مثلا، قبل قرون معدودة، كيف كانت؟ كانت في ظلام، كانت تعرف الفقر، والتأخر، والاضطهاد، والتقلبات، كيف انتقلت من حالها تلك إلى حالها اليوم؟

دائما تحضرني ألمانيا بعد خروجها من الحرب، كانت على أفقر حال، وعلى أسوء حال، على حال يرثى لها، ولكنهم قاموا من سقطتهم المروّعة المزعزعة الساحقة، قاموا بأدائهم لواجبهم وهم جَوعى، وهم جرحى، وأنفسهم مكلومة... أي دور كان للنساء في ذلك القيام؟ أي عبء خرافيّ تحمّلته النساء بالتكاتف والتظافر بأبسط المعدات، بمعدات بيوتهنّ البسيطة، عاد الرجال من الحرب بين ميت وجريح، وقامت النساء بدور تاريخي في القيام من تحت الركام ....
أكرّر إنه القيام بالواجب قبل المطالبة بالحقوق...

((الحق ليس هدية تُعطى ولا غنيمة تغتصب، وإنما هو نتيجة حتمية للقيام بالواجب، فهما متلازمان، والشعب لا يُنشئ دستور حقوقه إلا إذا عدّل وضعه الاجتماعي المرتبط بسلوكه النفسي )) –مالك بن نبي-
فهل لنا الحق في الانبهار بما عند غيرنا ونحن نعزوه إلى علويّة الحقوق عندهم، والحقيقة أنها علويّة الواجب على الحقوق، وسبق الواجب للحقوق؟؟
إننا ننبهر، ونرجع البصر كرة أخرى إلى أنفسنا، فنراها المسكينة، المضطهدة، مغتصَبة الحقوق، التي تؤكل حقوقها فلا ترى من الخير شيئا، بينما لو صححنا النظرة، وأنصفنا، وقلنا حقا، لعرفنا في أنفسنا تقصيرا عظيما في "الواجب" مع مطالبة مستمرة بالحقوق ...

نعيش في مجتمع، مختلفة أطيافه، متفاوتة عقليات أفراده، نعم أعلم أنني كلما قلت مثل هذا، ردّ عليّ الكثيرون بإلقاء اللوم على أرباب السياسة وإدارة أحوال البلاد، وانهالوا شتما وقدحا، وذكرا لمساوئهم، ولانتهازيتهم، ولكذبهم على الشعب، وللهثهم خلف مصالحهم، ولأكلهم حقوق الشعب ...
أعلم كل هذا .... ولكنني أقول ما قاله الحسن البصري يوما "لا تسبوا ولاتكم فإنهم منكم " ...أي أنّهم خرجوا منكم، هم كما أنتم، لو صدقنا لعرفنا الباطل في أدناهم مرتبة كما في أعلاهم، إن الموظف البسيط ليستسهل أن يأتي بالأوراق والأقلام من عمله الإداري لأولاده بغير وجه حق، ليوفر على نفسه، فلا يشتريها من حرّ ماله، وماذا في ذلك؟؟ والفتوى الذاتية هي الصادع الأول في عالم النفس التي تهيّئ لصاحبها البراءة من كل إثم: وماذا في ذلك إنها أموال الدولة وهي من الشعب وإلى الشعب ....! وكأنه هو كل الشعب....!
ولعرفنا الممرّض البسيط وهو يُخرج من المستشفى حقناً وعبوات سيروم، وقطنا، لمن يحب، ومتى أحب... ثم تجده في يوم قريب ما واحدا من المندّدين المتظاهرين الحاملين رايات كتب عليها : "نطالب بحقوق الطبقة الكادحة في السلك الطبي" !!... لا لا بل ربما كان مُشعل فتيل المظاهرة الأول ....
أين الواجب بمقابل الحق المطلوب، والذي لا ينفك مطلوبا ؟؟
"لقد عققته قبل أن يعقّك" هذه الجملة التي قيلت لمن جاء يشكو عقوق ابنه، فتبيّن أنه لم يقم نحوه بواجبه ليطالب بحق الطاعة ....
تلك الأم التي قد غدت تشتكي فساد ابنها، وتَمُرّسَه على السرقة، فما عاد ينجو منه أحد، وهي التي زغردت يوم سرق بيضة وهو صغير غرير ، وطارت فرحا بابنها الذي أصبح يعرف التحايل ...!
celui qui vole un œuf volera un bœuf
أو تلك التي تفرح حينما يقول ابنها الصغير كلمة فُحش، "سعدي بابني عاد يعرف يتكلم"

يتبع.
العنوان: رد: واقع الحال... وهل من سبيل للقيام ؟
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2016-06-01, 11:23:01

وعُدّ من عندك، وإننا لو عددنا لما انتهينا ....
((لقد أصبحنا لا نتكلم إلا عن حقوقنا المهضومة ونسينا الواجبات، ونسينا أن مشكلتنا ليست فيما نستحق من رغائب بل فيما يسودنا من عادات، وما يراودنا من أفكار، وفي تصوراتنا الاجتماعية بما فيها من قيم الجمال والأخلاق وما فيها أيضا من نقائص تعتري كل شعب نائم))
((لكم شربنا في تلك الأيام الشاي، وكم سمعنا من الاسطوانات، وكم رددنا عبارة :إننا نطالب بحقوقنا، تلك الحقوق الخلابة المغرية التي يستسهلها الناس، فلا يعمدون إلى الطريق الأصعب: طريق الواجبات.)) –مالك بن نبي-

هل سيكون بعيدا ضربي مثال الرجل الذي جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأل، فأعطاه فأسا قائلا: "اذهبْ فاحتطبْ"
إذن، هل للإنسان المسلم اليوم إلا الانبهار بما صنع الغير، وبما شقي لأجله الغير، ولما هو من عرق الغير، وفكر الغير؟؟؟ هل له فقط أن ينكفئ ويتحسّر ويضرب يدا بيد، ويعض أنامل الحسرة على حاله، وهو يرى حال الآخر المترف ...؟؟؟ إنه لو صدق مع نفسه لعرف أنّ هذا الآخر قد تعب، قد فكّر، قد قدم ما عليه، قد أدّى واجبه ليفوز بحقه فوزا مستحقا، فوزا يجعله إذا ما شارك يوما بمظاهرة احتجاج يطالب بحق من حقوقه، كان كل الحق معه، رجحت كفّته، لأنه الذي قدّم ففرض بواجبه أن ينال حقه كاملا ..... إن علينا أن نربي أجيالا تعرف ما عليها قبل أن تتعلم المطالبة بما لها ...
وهُم إذ يؤدون الواجب على أكمل وجه، فإن سلطات رقابية تُفرض عليهم في كل مكان، وفي كل المراحل، أما نحن فإنّ ديننا يفرض سلطة الرقيب الأول على الإنسان، يفرض عمل الوازع الديني، وازع مراقبة عين الرقيب سبحانه، وهذه أعظم من تلك، وأدوم من تلك، وأقوم ... ولكن ينقصنا تغيير ما بأنفسنا ....
يتبع.
العنوان: رد: واقع الحال... وهل من سبيل للقيام ؟
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2016-06-01, 11:23:33
وأتابع هنا أيضا  emo (30):

تقول : ((ستقولين لنا ما لهم، كمثال المستشفيات والمدراس... أقول تلك شكليات ومنظومات لا تطال البلاد كلها، نجدها فقط في المدن الكبرى، والتهميش يطال أغلب سكان المدن الباقية، بل حتى أغلب سكان المدن الكبرى...))

لا يا أخ حسن، لم أضرب مثال المستشفيات والمدارس والجامعات، لأقول أنّ لنا ما لهم، بل ضربته لنستعرض الحال مع وجود هذا، وعدم وجود الإنسان صاحب النفس المستقيمة والفكر القويم، فهل كان منه طائل؟؟
الإنسان الذي يعرف أن له واجبا عليه أداؤه قبل أن يترنّم باللحن الممجوج لأغنية "أعطونا حقوقنا " ...
الإنسان الذي لا يلقي على مشجب السياسة وفساد السياسيين أخطاءه، فيجدها المُضغة التي تستطيبها أسنانه، فكأنه الذي لن يُحاسب ما دام رؤوس القوم فاسدين...!!

ثم من أين لنا بما يطال البلاد كلها، وما يُذهب الظلم، ويجعل السائد هو العدل بين الناس، وبين الطبقات، والسياسي نفس، والاقتصادي نفس، تماما كما أن المعلم نفس، والحارس نفس وعامل النظافة نفس .... كلها أنفس، إذا هي تأسست على السليم علا منها السليم، وانتشر....
يتبع .
العنوان: رد: واقع الحال... وهل من سبيل للقيام ؟
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2016-06-01, 11:24:12
تقول: ((هذا سؤال كبير جدا وجدلية قائمة بين نجاعة تغيير قاعدة الهرم أو تغيير رأسه، وهل الناس يديرون شؤونهم بأنفسهم أم يحتاجون لراع وقائد يوجّههم، وهل يبلغ الناس مبلغا من الوعي يستطيعون به الاستغناء عن القائد الفذ الذكي القوي، أم أن الواقع والتاريخ يفيد عكس ذلك (وأنا أرى أن التاريخ يؤيد أن الناس أغلبهم مساقون ولا بدّ، وقليل منهم أكياس، ومصر خير دليل على ذلك))

نعم أدري أنها جدلية قائمة، رأس الهرم أولا، أم القاعدة أولا ....
وإذا قسنا الاستعمار على أنه استعمار الآخر لنا، كما أنه استعمار بني جلدتنا لنا بالظلم والاضطهاد، كما كانت الثورات الأخيرة بعنوان "الثورة على الظلم والظالمين".
((ليس ينجو شعب من الاستعمار وأجناده، إلا إذا نجت نفسه من أن تتسع لذلّ مستعمر، وتخلصت من تلك الروح التي تؤهله للاستعمار، ولا يذهب كابوسه عن الشعب، كما يتصور بعضهم بكلمات أدبيّة أو خطابيّة، وإنما بتحوّل نفسي، يصبح معه الفرد شيئا فشيئا قادرا على القيام بوظيفته الاجتماعية، جديرا بأن تُحترم كرامته، وحينئذ يرتفع عنه طابع القابلية للاستعمار، وبالتالي لن يقبل حكومة استعمارية تنهب ماله وتمتصّ دمه، فكأنه بتغيير نفسه قد غيّر وضع حاكميه تلقائيا إلى الوضع الذي يرتضيه)) –مالك بن نبي-

أما عن التاريخ، وأنه يدلّل على وجوب تواجد القائد المصلح قبل الرعية الصالحة، فلنعد إلى الوراء، نعم كان النبي صلى الله عليه وسلم، كان تلك الشمس التي أضاءت بها الأرض، ولا نشكّ أنّ بهديه ستعود مضيئة...
لقد كان القائد، والسياسي، والحاكم، والمعلم، والمربي، والموجّه، لقد كان بشرا رسولا...
ثم تأتي سيرته بكل تفاصيلها، بدءا بالمرحلة المكية، مرحلة التأسيس النفسي العقديّ، مرحلة البناء، لتأتي المرحلة المدنية، مرحلة الدولة الإسلامية، تأسست تلك القاعدة الأولى، تربّت، تهيأت، تأهلت حتى صارت لبنة الدولة ... وقبل أن يموت صلى الله عليه وسلم لم يوصِ بأن يخلفه أحدهم، بل كانت منه إيماءات وإيحاءات فُهِم منها أن الصديق رضي الله عنه الأحق بعده بخلافته، ولكن وصيته كانت : " تركتُ فيكم أمرينِ ؛ لن تَضلُّوا ما إن تمسَّكتُم بهما : كتابَ اللَّهِ وسُنَّتي"..

وتتابع الخلفاء الراشدون، وبدأت من بعدهم الفتن، وهكذا كانت القضية، كلما ابتعدت النفوس عن السليم، كلما زادت الهوّة بين الحاكم والمحكوم، وكلما تولى الحكمَ من لم يكن أهله، وشهد التاريخ حركة في الشعوب، وقوامة في الشعوب خرّجت قادة صالحين، لم يكن صلاح الدين الأيوبي ولا نور الدين زنكي من روح معجزة الرجل الفذ، بل لقد كانوا من روح الشعب، من روح شعب تعلّق بالعلم والجهاد، فخرّجهم، فلما كانوا على رأسه كانوا في حقيقتهم أحسن ما أنتجه الشعب، فانتفع بهم الشعب....
ثارت دمشق في عهد نور الدين زنكي على واليها الذي هادن الفرنجة، وثارت مدن إسلامية غيرها، كان للمصلحين أكبر دور في ثورتهم ضد الظلم، دور علماء الحق، لا علماء السلطان، حتى توحدت الأقطار، فكانت خميرة الشعب، خميرة وعيه، وميله للحق، هي الأساس، الذي أعلى نور الدين زنكي، ومن بعده صلاح الدين الأيوبي...
لم يكن من قائد مصلح إلا وأرضيّة قد خرّجته ...

ما دورنا نحن بإزاء الجدلية التي نفترض بقاءها؟؟ دورنا أن يكون لنا دور في الإصلاح، طيب أعَلَى المستوى الهرمي أم على المستوى القاعدي...
هنا نجد أن لكل طريقة تفكيره، كما قلت في إطار هذه الجدلية، فمن يقول بالدور القاعدي ومن يقول بالدور الهرميّ، ولا أرى الدور الهرميّ إلا زاد أهله الذين رأوه ساحة العمل بعدا عن القاعدة وإيغالا في دهاليز الهرم بهوة سحيقة بين الهرم والقاعدة، بينه وبين القاعدة التي حسب أنه سيخدمها وهو في الهرم...
ولا أصح برأيي من عمل قاعديّ، هو الذي ينتج ذلك التراكم الذي كتبتَ عنه مرة أخ حسن، تراكم اللمسات ...
فإذا كانت مخالطة الفساد العلويّ الهرميّ كان إما التماهي معه، أو على أحسن تقدير الخروج منه هروبا... أما مخالطة الفساد القاعديّ فالدور فيه إصلاح يؤتي ثمار الإخلاص فيه....
يتبع إن شاء الله .
العنوان: رد: واقع الحال... وهل من سبيل للقيام ؟
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2016-06-01, 11:24:38
أما هذا فآخر ما عندي مع آخر سؤال لك:
((هل اقتلاع ذلك العفن يكون باللجوء إلى "حلول - إنسانية مثالية -" أو أن ذلك العفن يجد إمداداته أصلا في هذا وذاك، ويستقوي من غياب المقومات والحاجيات المادية التي تقلل من التوتر وتحمل الإنسان على التفكر في الروحانيات والفكر والثقافة تطئمن نفسه وتقوى للتغيّر.... ألا تلاحظين أن من يهاجر إلى أوروبا ويستقر وضعه ويكرم كإنسان يتديّن أحيانا كثيرة ؟! ما الذي تغير؟ هو كان مسلما من قبل وكان مؤمنا بالذي بدأ يطبقه من قبل ؟ ولم يحدثه أو يعظه أو يفرض عليه أحدا التدين هناك ؟ فلماذا.))

هو عن الحاجيات، عن الحقوق أيضا، وقد وضعت أعلاه عن الواجبات والحقوق، والحلول لا تتأتى من وحي أنّ لكل حقّه، بل من وحي أن كلا قد أدى واجبه، قد تعلم تقديم الواجب على الحقوق... من هنا تأتي الحلول العميقة .... من هنا يغيّر الله ما بقوم، وقد غيّروا ما بأنفسهم فعرفوا أن طريق الحقوق بلا واجبات طريق لن يؤتي ثمرا، وإن آتى فإنما هي الثمار المزيفة التي ما تفتأ تذهب بها الرياح....

أما طريق الواجبات فلا بدّ سيتمخّض عن ميلاد مشرق، وإن كان المخاض عسرا لا محالة .... بما يكون أمامه من عوائق، وبما يعترضه من مزعزعات.... ولكنّه يأبى إلا أن تكون نهايته ميلادا مشرقا .... ميلاد نهضة بكاؤها هو بكاء خروجها من ظلمات رحم الآلام مع الآمال إلى نور الحق والعدل ...

وحتى من هاجر إلى أوروبا وكرّم، فأصبح أكثر تدينا، وهم عدد وليسوا بالقاعدة، لن ينالوا خيرا هناك إلا وهم قد أدوا ما عليهم من واجب ..... فهم لا يعترفون بمن يطالب بحقوقه قاعدا ....

لست أنكر بما قلت أنّ هناك ظلما واقعا، ولست أنكر حال من يحتاج إنصافا، وتُهضم حقوقه، ولكن أركز على أن الإصلاح تلك طريقه، وأنّ المظلوم لن يُنصر إلا بتنشئة من ينصره، وأن الظالم لن ينصر إلا بتنشئة من يرده عن ظلمه بتحمّله لمسؤولية الإصلاح ....

والله المستعان... وهذا ما عندي، وليس الموضوع بالذي أستطيع إغضاء الطرف عنه وإن كان واسعا، ودقيقا، ولا يحصره نقاش، بل هو الذي يجب أن يُثار، ويجب أن يكون من أهم ما يُتحدث بشأنه .... نفعنا الله وإياكم بالحق، وبصّرنا به، واستخدمنا ..
العنوان: رد: واقع الحال... وهل من سبيل للقيام ؟
أرسل بواسطة: حسن في 2016-06-01, 11:37:00
أشكر لك ما كتبتِ مطولا وتعبت فيه، وفيه من العبارة والفكر الشيء الرفيع
وأتفق معك في ما ذهبتِ إليه لاشك، وهي النظرة الصائبة.
لماذا؟
ببساطة لأن الحقوق وجه آخر للواجبات، فمن أدّى الواجب فهو يطال حقّ الآخر بالإحقاق والإعطاء، كيفما كان هذا الحق، الحق في النظافة (واجب الآخر وواجب عامل النظافة) والحق في الاحترام (واجب التعامل باحترام مع الغير) وحق المال (واجب الموظِف أو واجب الدولة في العدل) وحق التطبيب (واجب الطبيب والممرضة وأثر لتفانيهما) ... وهكذا

وبذلك لا يُتصور البتّة (إلا في عقل كسول نرجسيّ) أن تقوم الحقوق بلا واجبات.
ولا يمكن أخذ الحقوق إلا بعد القيام بالواجبات كما قلتِ.

وما ذكرت من أمثلة تفلّت وأنانية في الإدارة العمومية أو المستشفيات، الكل فيها يعطي لنفسه الحق والسلطة لاستخدام واستهلاك ممتلكات العامة، وكم يكون ذلك يسيرا على الأفراد في المجتمعات المستهترة! وكم يكون التبرير سهلا وعبقريّا في نفوس السارقين والمفسدين. كل هذا واقع مقيت، ولو شهِدت على شيء مما أكتبه بين الفينة والأخرى (في صفحتي) تجدينني من أشد المعارضين لهذه السّلوكات.

سأحاول أن أرد على كل نقطة بالترتيب.
- بخصوص الوازع الدّينيّ الذي وصفته بأنه "أعظم وأقوم وأدوم"
أتساءل هل الوازع الديني وحده كافٍ أم "الدين" ككل ؟
أعني هل دين الله تعالى (وهو مضرب المثل هنا بما أننا لا نرى دينا سواه) يقوم في ضمان الحقوق والواجبات على مجرّد الخوف من الله ومراقبته 'الوازع الديني" أم وضع شرعا "واقعيا" يراعي تفلّت النفس البشرية وصعوبة خوفها وارتداعها من شيء لا ترى له أثرا مباشرا ؟

إن قلتِ الدين بقوانينه وصرامته وإدارته العاملة بمنظور إسلامي، وحدوده وعدله الذي يبطش بالظالم القريب ويُنصف المظلوم البعيد... سأكون أكثر اتفاقا معك.
أما الوازع الديني فهو للأكياس وذوي الحس المرهف والإيمان الطريّ, وقليل ما هم ولنتذكر قول عثمان على ما أظن (إن الله ليَزع بالسلطان ما لا يزعه بالقرآن)
فهو يصب في المعنى نفسه.
* وهنا أعلق على النقطة المحورية الأولى:
"قلتِ لن يفيد كل تقدم مع غياب النفس الصالحة المستقيمة"

وهنا أسأل (ومن هذا التصور أنطلق أنا):
- هل تلك "النفس الصالحة المستقيمة" جوهر مستقل عن أي تأثير وفيه كل مقومات صلاحه واستقلاه عن البيئة الفاسدة ؟
أم أنّه عَرَض أو "بناء" يتحسّن بمعطيات خارجة عنه، ويقبل التغيير إذا ما حضرت شروط معيّنة؟

هذا السؤال يضع التقابل بين: أفراد كل ما يُطلب منهم هو تغيير أنفسهم وعدم الالتفات لما حولهم من فساد سواء كان مؤثرا في عزائمهم وهممهم أو غير مؤثر /
وبين أفراد لديهم قسط من المسؤولية اتجاه تغيير أنفسهم مع كونهم خاضعين لتأثيرات بيئتهم

ستقولين هناك دائما من يغير نفسه بغض النظر عن وسطه ويختار لنفسه طريقا مخالفا، أقول نعممم
ولكن انظري من حولك وانظري في التاريخ ، كم عددهم ؟ وهل عددهم يشكل فرقا حاسما في تغيير الأوضاع، بل في تغيير الناس والذي لا يزالون سجناء لما انتشر في مجتمعاتهم ؟

بل لماذا (إن كان التغيير نابعا من نفس الأفراد فقط) نجد رجالا عظماء لم يستطيعوا تغيير شيء ولا صناعة شيء ونرى من هم دونهم قدرا فعلوا أضعاف ما فعل العظماء ؟
بماذا يتميّز الزمان والمكان إن كان للصالحين والمسلمين "تحكم تام مستقل" بأنفسهم؟ إذ أن الدين والتربية والأخلاق كفيلة بجعل كل زمان يُشبه زمانا آخرا بما أن الدين والتربية والخلق والتصور واحد ؟ أليس كذلك ؟
لماذا لا تنجح خطط الإصلاح مع مال قادتها وروّادها من شأن، ليقطف أبناء الحركة بعد عقود أو قرون ثمار تلك البصمات ؟

كل هذه الأسئلة توضّح أن للبيئة والناس والمجتمع والاقتصاد تأثيرا مجتمعا ومعقدا في معادلات تكاد تتجاوز العقل البشريّ
فلا يكفي "تغيير النفوس" دون النظر إلى ما يعينها

وأعود لأبلور فكرتي الأولى بسؤال مصاغ بطريقة أخرى:
- هل فساد النفس نابع "فقط" من عزمه على الفساد وتكاسله عن الإصلاح والتغيير، أو نابع "أيضا" من إفساد خارجي يؤثر على مزاجه وطاقاته بطريقة يُخرج "أسوء ما فيه" ؟ نعم يُخرج مكنوناته الفاسدة عوض مكنوناته الصالحة الكريمة...

وأعطيك مثالا:
شخص يغضب ، هل غضبه نابع من داخله "فقط" دون مسببات خارجية أو أنّ لغضبه أسبابا قد تكون مشروعة أحيانا ؟
سيكون الجواب نعم أكيد
إذن سيكون ذلك السبب الخارجي "مستثيرا لمكنونات النفس السيّئة"
فكل قد ألهم فجوره وتقواه، يعني كامنة في نفسه
وهذا لا ينفي أن يكون شخص غضوبا أكثر من شخص آخر، لذلك أضفت "فقط"
فأي سلوك أو شعور تتداخل فيه طبيعة النفس وطبيعة الموقف وكلما ضعُف الإنسان في ترويض نفسه كان أضعف مع المواقف.
(يتبع)
العنوان: رد: واقع الحال... وهل من سبيل للقيام ؟
أرسل بواسطة: حسن في 2016-06-01, 11:37:33
- جدلية رأس الهرم وقاعدته (وهذه النقطة المحوريّة الثانية):
قلتِ أن الناس استكثروا من الحديث عن رأس الهرم وتناسوا قاعدته التي منها يصعد ويتكون رأس الهرم. وهذا صحيح
فالإنسان يميل تلقائيا لرمي المسؤولية والحمل على الآخر، ويظنّ أنّه أكثر عجزا عن التغيير من عجز ذلك المُلام. ويعتقد بأن ذو السلطة أو النفوذ متحررا من كل القيود عكسه هو !!

وذهبت أنتِ إلى أن أنجع طريقة هي العمل على مستوى القاعدة، إذ هو شيء ممكن مستطاع وأصحابه هم أكثر الناس استفادة من التغيير وبذلك هم أكثر الناس حرصا عليه (نظريّا !)

ولي سؤال هنا:
لماذا لم يكن تغيير مكة أكبر من تغيير المدينة مع ما للصحابة المهاجرين من همة وإيمان وصبر وتضحية وعزم ؟
لماذا تنشط الجمعيات الخيرية والتربوبة ذي الطابع الإسلامي في بلاد العلمانية ولا تستطيع ذلك في بلاد "الإسلام"؟

لو كانت حصانة وهمة الإيمان والصبر والتقوى والعقيدة كافيتين، ما كان الله تعالى ليحذر من التأثيرات الخارجية، أو يأمر وييسّر أوضاع مختلفة لعباده، فالله تعالى يعلم ضعف البشر ليس من جهة الشهوات المحرمة فحسب بل من جهة الحاجيات البشرية والقوانين النفسية الاجتماعية، بل العقول أيضا. لذلك جعل علماء وأهل شورى يفوّضُ الناسُ لهم الأمر.

فإن قلنا بأن إصلاح الأفراد بغض النظر عن البيئات كاف، سيكون مثل قولنا بأن الرجال سيكونون مستعففين حتى وإن تبرجت النساء وتكشّفن في حالهن، وتغنجن في مقالهن.
فهل هذا القول يوافق الواقع والأمر الرباني؟ أم أنه يخالفه، فقد راعى الله تعالى ضعف البشر وجعل مسلكا ظاهر (القوانين واللباس والحدود) وجعل مسلكا باطنا (التقوى والورع والرجاء وكرامة النفس) ولا يغني أحدهما عن الآخر.

يقينا هناك من يستعفف ويترفع حتى إن ساءت أوضاع الحشمة، ولكن السؤال دوما
كم عددهم؟

- وتأملي أحداث التاريخ، وكيف حوّل الحكم الغشم إيران من دولة سنيّة إلى دولة شيعية تماما في بضعة قرون، وكيف تحولت تركيا، وكيف تحولت شعوب المسلمين إلى شعوب هي أقرب للكفر منها للإيمان !!

وبهذا يكون الإصلاح في نظري على مستوى القاعدة والرأس "معا" ما استطعنا لذلك سبيلا، فإن تعسّر أحد الإصلاحين مَضَيْنا في الإصلاح المتاح إلى أن تظهر "ثغرة" في رأس الهرم (ربما هذا ما قصدت أنت بالتركيز على القاعدة، إلى أن يظهر أمل في القمة، فظاهر أنّك لن ترفضي إصلاحا من رأس الهرم إن كان ممكنا) يتربّص بها العقلاء، لا زاهدين فيها إن بدَت، ولا لاهثين وراءها إن غابت. ولن تكون اللحظة الحاسمة ممكنة إلا إذا أعددنا لها رجالا وعقولا وقدرات لا يضرّها أن تمكث سنينا دون أن تغير من موقع أرقى في الهرم، ولن يكون ذلك إلا بالتوازي مع الاهتمام بقاعدة الهرم، فمتى أتت اللحظة الحاسمة لن تُنظرنا يوما واحدا، إما استعداد مسبق، أو سحق محقّق.

(أشير هنا إلى عقلية إصلاحية شاملة بعيدة عن السذاجة والغباء والدروشة، كما وقع في مصر، شيوخ وعلماء يحفظون المواعظ والأحاديث والآيات عن ظهر قلب، ويرددون كلام السلف ليل نهار، ويزّهدون في العمل السياسي ويركزن على عمل القلوب... فلما أتت اللحظة الحاسمة "التاريخية" والتي لا تعوّض، كانوا أكثر جهلا بالوضع والمخاطر ومكرِ الأعداء من بعض العامّة، ولم يشفع لهم علم "التزكية" في شيء !! وكانوا أعداء للأمة والمصلحين من حيث لا يشعرون ! وقدّموا ما (مَن) وجب تأخيره، وأخروا ما (مَن) وجب تقديمه)

- مثال "تدين المهاجرين" لا يحصر التغير في التدين فقط، إنما هو مثال للتغير الإيجابي، أو فلنقل "مصالحة بين المعتقد والسلوك"
فالمهاجر المسلم، يكون معتقدا لكثير من الأمور وغير مطبق لها في بلاده، وبعد أن يهاجر يصير سلوكه (نسبيا) أكثر تناسقا مع اعتقاده، الاعتقاد لم يتغيّر بل السلوك
وقسي على ذلك كل تغير إيجابي يصالح بين الفكرة وتطبيقها، سواء في النظافة أو التحدث بأدب، أو تقبل الآراء، أو أي شيء آخر، وربما تتكون أفكار جديدة لم تكن عنده إثر التفاعل مع مجتمع آخر.
- والتساؤل الذي طرحت بخصوص المتدين في الغرب، ليس من قبيل تساؤلك (وإن كان صحيحا): ""لن يحلم بحقوقه حتى يقوم بواجباته، وبعد أن يأخذ حقوقه سيرتاح ويتدين كنتيجة""

بل هو من قبيل: ""لماذا كان "المهاجر" أكثر استعدادا للقيام بالواجب مقارنة مع بلاده ؟ هذا هو السؤال الذي يخصّنا هنا، والذي يبيّن أن النفس وتغيراتها لا تقوم على عوامل داخلية فقط "فبلال هو بلال" قبل أن يهاجر وبعد أن هاجر، والدول المتقدمة لا تغسل قلبه في "طست وتُخرج علقة صدره السوداء"

لو ركزنا على تساءلك، فلن نجد جوابا "لحرص بلال على القيام بالواجبات" إذ من الممكن جدا أن يتثاقل ويتلاعب فيُطرد أو يُقصى من المجتمع، ببساطة شديدة... فتضيع حقوقه كما ضاعت منه في بلاده !
العنوان: رد: واقع الحال... وهل من سبيل للقيام ؟
أرسل بواسطة: حسن في 2016-06-01, 11:39:43
- وآتي على النقطة المحورية الثالثة:
أظن أنّ معظم الاختلاف بيننا قائم على كوني مركزا على "أثر فساد الأوضاع" ، ومن جهتك تركيزك على "لماذا فسدت الأوضاع"

فالذي أريد أن أنبّه عنه هو أثر الفساد واليأس والظلم والإذلال على نفسيات الناس والشعوب، متى تحققت تلك المساوئ
فلا تعارض بين فكرتي وفكرتك عن "لماذا حلت تلك المساوئ" إضافة إلى تأييدي للأسباب التي ذكرتِ

وأعطيك مثالا تتضح فيه الرؤية قليلا:
شاب شرب الخمر وساق سيارته فحطمها وكسر رجليه.
أنا أركز على: هو مكسور الرجلين، ونفسيته منهارة لفقده سيارته الجديدة، لا يمكنه العمل
أنت تركزين على: حالته الصحية وفقدانه لسيارته سبب لشربه الخمر، ولولا تهوره واستهتاره لما كان ذلك.

تأملت، لا تعارض
- الحالة الصحية = نفسية ذلك الإنسان السلبي الضعيف الهمة عن كل تغيير إيجابيّ
- الخمر= تضييع الواجب والاستكانة والدّعة
- العمل = هو ذلك التغيير المطالب به كل واحد منا، وذلك الصبر والالتزام لتحقيق الأفضل.

وقد يصح هذا المثال في حالة الجماعة، فكل شخص يضيّع واجبا ويكسل عن أداء حق أو ورقة أو يطمع في مصلحة فهو يحمل الآخر على فعلٍ مثله، ويضيّع حق من إذا حصل عليه عمل بأحسن ما يعمل الآن...

لذا فالفرق واضح بين الكلام عن الأثر، وسبب الأثر، وبذلك يكون الاضطهاد والفساد واليأس المتسّرب لقلوب الناس من الأوضاع المتعفّنة والرؤساء والمسؤولين الفجرة اللصوص، هو أثر لا يُستهان به

وإن كنت أرى مثلكِ أنّ كثيرا ممن يستنكر على رئيس الجماعة الناهِب لأموال الناس مثلا، هو مثله في الحقيقة، إلا أنه في وضعية "الكمون" latence ، لأن كل تصرفاته وأفكاره تدل على أنه سارق "بالقوّة" (كما في الفلسفة) وذو عقلية انتهازية، يبرّر لنفسه التجوال بسيارة ووقود الشركة في مصلحته الشخصية، أو أخذ معدات لنفسه، وما يمنعه من سرقة ما هو أكبر هو قدر المتاح عنده، فإذا تضخّم المتاح ومعه هامش السرقة والنهب كان أوّل "المتأقلمين" مع ذلك الهامش !


عذرا على الإطالة
العنوان: رد: واقع الحال... وهل من سبيل للقيام ؟
أرسل بواسطة: ابنة جبل النار في 2016-06-01, 11:49:20
أسرع حوار في العالم  :)
العنوان: رد: واقع الحال... وهل من سبيل للقيام ؟
أرسل بواسطة: ماما هادية في 2016-06-01, 12:00:35
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اولا ارحب بالاخ حسن الذي اسعدنا باشتراكه في المنتدى وبمشاركته في هذا الموضوع الدسم
ثانيا- قرات الصفحة الاولى من موضوعكم الثري، وشدني حواركم، وهأنذا أسجل متايعة، وبانتظار التتمة
العنوان: رد: واقع الحال... وهل من سبيل للقيام ؟
أرسل بواسطة: حسن في 2016-06-01, 12:07:12
نعم هو كذلك أخت بهية :D
وعليكم السلام ورحمة الله
شكرا الأخت هادية
قد تمت التعليقات ووننتظر التفاعل
إلى أن نعلق على ما تمخّض منه

وهو موضوع في الحقيقة أظنني لن أحسن الكلام فيه إلى أن يبلغ عمري الخمسين سنة  :D
لما يجمع من كل التخصصات والتأملات، ولتداخل التاريخ والاقتصاد والاجتماع والسياسية وتاريخ العلوم، والدين والثقافة.. كل في بنية متناسقة
العنوان: رد: واقع الحال... وهل من سبيل للقيام ؟
أرسل بواسطة: ابنة جبل النار في 2016-06-01, 12:23:20
نعم هو كذلك أخت بهية :D
وعليكم السلام ورحمة الله
شكرا الأخت هادية
قد تمت التعليقات ووننتظر التفاعل
إلى أن نعلق على ما تمخّض منه

وهو موضوع في الحقيقة أظنني لن أحسن الكلام فيه إلى في سنّ الخمسين  :D
لما يجمع من كل التخصصات والتأملات، ولتداخل التاريخ والاقتصاد والاجتماع والسياسية وتاريخ العلوم، والدين والثقافة.. كل في بينة متناسقة

:) يعني كم سنة ننتظر ؟
العنوان: رد: واقع الحال... وهل من سبيل للقيام ؟
أرسل بواسطة: حسن في 2016-06-01, 12:40:55
:) إلى ذلك الحين أدلي بدلوي هه
العنوان: رد: واقع الحال... وهل من سبيل للقيام ؟
أرسل بواسطة: ماما هادية في 2016-06-01, 13:38:01
لقد اثرتم اسئلة في غاية الاهمية
وخاصة جدلية التغيير وهل يبدأ من القمة ام من القاعده
وهي جدلية محيرة
وقد عكفت في العامين الاخيرين على مطالعة التاريخ لعله يكشف لي عن اجابة واضحة لهذا السؤال، فوجدت التاريخ يُكتب ويُرسم بحسب وجهة نظر المؤرخ، الذي مهما اجتهد ان يكون موضوعيا، فهو لابد ان يعكس باسلوب روايته للاحداث وترتيبها شيئا من فكره ونظرته.
وما استخلصته حتى الان من دراستي وقراءاتي وتفكري فيما حدث ان التغيير لا بد له من قائد فذ، تحيط به كوكبة من المخلصين لفكرته ولقيادته، وقاعدة مهيأة نفسيا لطلب التغيير، وان كانت لا تملك الشجاعة او البصيرة او الرؤيا لإحداثه ، لكنها بتململها من الواقع واملها في التغيير سيسهل قيادها من قبل القائد ومن حوله.
فمن استطاع ان يهيئ القاعدة فليفعل، ومن استطاع ان يهيء الكوكبة المخلصة فليفعل، واما القائد الفذ، فأحسبه عطية ربانية، توهب لنا عندما يأذن الله بالتغيير

على اية حال، وبالنسبة لي كشخص فرد ضعيف، لا املك الا العمل في تغيير ما استطعت على مستوى القاعده، فاجتهد في هذا، حتى لا اضيع وراء البحث عن نظريات كبرى، دون ان يكون لي فعل ملموس على ارض الواقع
والحمد لله اننا نؤجر على اجتهادنا، لا على ما نحدثه في عالمنا من أثر.


لكن هناك نقاط متناثرة جزئية في حواركم، لا ادري هل يحسُن التعليق عليها ام لا
*منها القول بان بعض الافراد يزدادون تدينا في الغرب
من وجهة نظري هؤلاء الافراد هم ندرة، والاغلبية يتراخى دينها وتنحل عراه عروة اثر عروة، سلوكيا وفكريا
ولهذا انصح كل مغترب ان يقضي حاجته من غربته ويسارع بالعودة الى وطنه ان استطاع، حفاظا على دينه ودين اولاده.

*ومنها التزام الانسان الغربي باداء واجبه قبل المطالبة بحقه، ماوجدته في الغرب ان الانسان عندهم منضبط غاية الانضباط بسبب خوفه من العقوبات المشددة التي تحيط به في كل حركة يتحركها، عقوبات من المرور، عقوبات من البلدية، عقوبات في العمل، وغرامات لاقل مخالفة للنظام
بصراحة لم اجد عندهم حرية الا في التفلت من الدين ، والا فقيود صارمة على جميع حركاتهم
وما يعطي قوانينهم فاعلية هو تطبيقها العادل على الكبير والصغير، واما في بلادنا فالمحاباة والمحسوبية التي تتيح لكل من له واسطة ان يفلت من العقوبة، تجعل الرقابة لا معنى لها، ومن امن العقوبة اساء الادب.

*ونعم، مقولة : ان الله ليزع بالسلطان ما لايزع بالقرآن، هي لسيدنا عثمان بن عفان رضي الله عنه وارضاه.
والله اعلم
العنوان: رد: واقع الحال... وهل من سبيل للقيام ؟
أرسل بواسطة: حسن في 2016-06-01, 14:18:06
اقتباس
وان كانت لا تملك الشجاعة او البصيرة او الرؤيا لإحداثه ، لكنها بتململها من الواقع واملها في التغيير سيسهل قيادها من قبل القائد ومن حوله.
[/size]

صحيح بارك الله فيك، إخراج مكنوناتهم ولو خفيت.

اقتباس
حتى لا اضيع وراء البحث عن نظريات كبرى، دون ان يكون لي فعل ملموس على ارض الواقع
[/size]

هذا صحيح أيضا

اقتباس
واما القائد الفذ، فأحسبه عطية ربانية، توهب لنا عندما يأذن الله بالتغيير
[/size]

لماذا يكون القائد الفذ وحده مستثنى من أسباب معلومة لنا؟ الكل لاشك من عطاء الله تعالى وكل شيء من خير فهو من عطائه تعالى
ربّما تقصدين ملابسات صعود القائد وتقلّده الحكم ونفاذه إلى مواطن القرار وضرب الفساد من الداخل... كل هذا يكون صعبا على الإنسان تخطيطُه... مع ما فيه من هامش للحسابات البشرية
ولكن تربيته وإعداد القائد القادر على التغيير لا شك متاحة ومطلوبة

أما عن مثال تدين المسلم في الغرب، فهي حالات قليلة أتفق، إنما هو مثال أعطيته فقط للإشارة إلى أثر البيئة، وقد نعطي أي مثال آخر، في التعلم والبحث العلمي، أو حتى في الفساد نفسه الذي ذكرت أخت هادية، مثل أن نقول: لماذا يسهل على المرء الانفلات وتبني الأفكار الإلحادية والتحررية في الغرب أكثر من بلده العربي المحافظ مثلا !؟

لا أتبنى فكرة التقديس للغرب خصوصا من هذه الناحية، أي "سهولة التدين"

وصحيح ما قلتِ عن الغرامات
العنوان: رد: واقع الحال... وهل من سبيل للقيام ؟
أرسل بواسطة: ماما هادية في 2016-06-01, 15:16:05
نعم.. أتفق معك بشدة حول تأثير البيئة على نفوس الأفراد، وأخلاقياتهم وتدينهم، وهذا ثابت من ديننا الحنيف، ومن سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم، لماذا أوجد لهم في مكة دار الأرقم كمحضن تربوي، ولماذا أمر كل قادر على الهجرة إلى دا الهجرة، ولم تنقضي تلك الفريضة حتى كان  الفتح، ولماذا قال تعالى عن الذين لم يهاجروا (ما عليكم من ولايتهم من شيء)، ولماذا جاء في حديث الذي قتل مائة نفس أن العالم نصحه بأن يهجر أرض السوء التي هو فيها ويهاجر إلى أرض كذا وكذا لأن فيها قوما يعبدون الله تعالى.
ولعل هذا هو أعظم دور لنا حاليا، وهو إصلاح البيئة قدر الغمكان، بإصلاح النفوس وتربيتها، وإيجاد المحاضن التربوية والبيئات المصغرة البديلة..

أما أن القائد الفذ وكونه عطية ربانية، فأنا لاحظت هذا من سياق التاريخ، هناك مربون ربانيون، يعكفون على تربية جيل إيماني صحيح، تنشأ منه الكوكبة التي ستحيط بالقائد، ثم يكرمهم الله بشخص من نوع ممتاز، فيه نوع ممن الاصطفاء إضافة إلى اجتهاده الفردي، يفوق الجميع، ولا يبذل له المربي أكثر مما بذل مع أقرانه، لكن الله تعالى يزوده بصفات خاصة، ويحيطه بعناية خاصة، لاحظت هذا في سيرة عمر بن عبد العزيز، ويوسف بن تاشفين، والإمام الغزالي، وصلاح الدين الأيوبي، والإمام حسن البنا، وغيرهم
والله أعلم
العنوان: رد: واقع الحال... وهل من سبيل للقيام ؟
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2016-06-01, 21:39:34
أهلا وسهلا بك يا هادية، سعيدة بمشاركتك، ونحن نتفق جميعا أن هذا الموضوع أكبر منا جميعا، وهو على كبره واتساعه، وامتداد أطرافه، إلا أننا يجب أن نخوض غِماره، خاصة مع هذه المدارسات المشتركة بين فكرة لأحدنا وفكرة للآخر، ليحدث تلاقح يسهم في تجلية الرؤية، أو تحييد بعض الغبش..

منذ قليل بدأت بقراءة ردودك الأخيرة يا حسن ... أحببت أن أشكرك على كمّ الأسئلة المحفّزة، والتي سعدتُ بها حقا، مع ما يجب استشعاره دوما من ملامسة واقعنا..

قرأتها وأنا أسقط فعلا على ما حولي، وعلى ما أنا فيه، وهكذا سنكون واقعيّين لا خياليّين، وذلك ما يجعل هذا النقاش بإذن الله مثمرا  emo (30):

لي عودة بإذن الله للتعليق   emo (30):
العنوان: رد: واقع الحال... وهل من سبيل للقيام ؟
أرسل بواسطة: جواد في 2016-06-02, 06:21:33
في الهندسة، هناك ما يسمى بالهندسة العكسية أو ال reverse engineering
والهدف من هذا الفرع من الهندسة هو تفكيك منتج هندسي ما إلى عناصره وبنيته الأولية، وفك شفرة البنية التكوينية له، وبالتالي يمكن استنساخه أو تعديله.
وقد اشتهرت الصين بهذا المجال، وفي تحليل أعقد الأنظمة الإلكترونية، والتي غالبا أمضى المهندسون في أمريكا مثلا سنوات في ابتكارها وتصميمها.

فلماذا نتعب أنفسنا إذن بالدخول في جدالات طويلة لن نستطيع أبدا حسمها، فضلا على أنها تستنزف الوقت والجهد،
فلم ينزل الله سبحانه وتعالى القرآن ويرسل لنا نبيه ويهيء جيلا فريدا من المؤمنين حوله لمجرد أن تقوم الدعوة وتنتشر،
إنما بالأساس لنقلد ونتبع، ويكون لدينا المثال الذي لا يجعلنا في حيرة من أمرنا، ولا غموض عن كيف سيبدوا المنتج النهائي الذي نسعى له.

لكن هذا أيضا يستوجب منا رغبة حقيقة في التجرد من أهواء النفس وتصوراتها المسبقة، والبدء أمام هذا النموذج القدوة بكوب فارغ على الحقيقة لا ظنا.

فمنذ بداية الموضوع وأنا أشعر بحيرة شديدة! ولهثت وراء الردود الطويلة المتشعبة التي طرحت العديد والعديد من الأسئلة والتي فعليا لا يمكن الجزم بجواب واحد لها.
ولأنكم ذكرتم التكنولوجيا والالكترونيات، وهذا مرتبط بمجال عملي بشكل كبير، فقد تعلمت أيضا في هذا المجال أسلوب طرح المشكلة هو جزء مهم من الحل.
فإن إحدى أكثر الطرق انتاجية هو البدء بتعريف معنى الإنتهاء او المواصفات التي ينبغي أن تتحقق حتى أستطيع أن أقول أنني انتهيت من العمل ووصلت إلى بغيتي، ويسمونه أحيانا في إدارة المشاريع DoD أو Definition of Done ، وهذا بالتبعية يتطلب أن نسمي هذا المنتج النهائي ونضع صفاته الخاصة به.

فإذا أردنا تطبيق ذلك هنا، فيجب أولا قبل الدخول في سياق المشكلات والحلول أن نعرف التصور النهائي الذي نريد الوصول له،
ولأننا نتكلم عن مشكلة و حل، فيكون تعريف معنى الانتهاء هنا أن نصل إلى آليات واضحة يمكن تطبيقها عمليا لحل هذه المشكلة.

والسؤال هنا، ما هي الصورة التي نريد أن تكون عليها مجتمعاتنا ونعتبرها الهدف المنشود الذي من أجله نقوم بتحليل الأسباب والمعوقات وبالتالي الحلول، للوصول إليه؟
العنوان: رد: واقع الحال... وهل من سبيل للقيام ؟
أرسل بواسطة: ماما هادية في 2016-06-02, 10:19:51
جواد

 emo (23):
العنوان: رد: واقع الحال... وهل من سبيل للقيام ؟
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2016-06-02, 11:53:00
أخ جواد


ربما الردود التي وجدتَها متشعبة، نتجت عن كون الموضوع قد بدأ دون سابق تحديد لعنوانه، وقد قمنا بنقل كل تلك المشاركات، بما فيها شرارة الموضوع الأولى، وصولا إلى ما وصل إليه، بمعنى أنه هنا فقط على مستوى المنتدى وُضِع العنوان، من بعد ما جرّنا حديث إلى حديث غيره، إلى أن استقرّ بنا الحال على "محاولة" نقاش السبيل إلى ما نرنو إليه من مجتمع يُصلح ما به ...

وتأمل الردود الأخيرة لتجد أن التمحور غدا حول ذلك، حول سؤالك الأخير، فكان عن النفس، وتغيير النفس، وعن القاعدة وعن القمة، وعن البيئة المحيطة بالنفس والتأثر والتأثير، عن التغيير المنشود .

أما نقاش بعض النقاط فشخصيا لا أجد منه مناصا، ليس لغرض الإطالة، بل لغرض الاستيضاح من جهة، ولغرض منع الالتباس، ومحاولة لتبنّي الفهم الأدق والأقرب للواقع، في موضوع هو بهذه الدسامة ...  emo (30):
العنوان: رد: واقع الحال... وهل من سبيل للقيام ؟
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2016-06-02, 12:18:23
اقتباس
إن قلتِ الدين بقوانينه وصرامته وإدارته العاملة بمنظور إسلامي، وحدوده وعدله الذي يبطش بالظالم القريب ويُنصف المظلوم البعيد... سأكون أكثر اتفاقا معك.

ولكن هذه القوانين، وهذا العدل الذي يأخذ على يد الظالم، وينصف المظلوم، هو الذي نبحث عنه، هذا الذي لم يتحقق، وكل كلامنا يتمحور حول تحقّقه، والسبيل إلى تحقّقه على الأرض... من أين لنا بنظام كهذا وأنت تعلم ما تعلم من تبعيّة أنظمتنا و"علمانيتها" المقنّعة حينا والسافرة أحيانا ؟

اقتباس
أما الوازع الديني فهو للأكياس وذوي الحس المرهف والإيمان الطريّ, وقليل ما هم ولنتذكر قول عثمان على ما أظن (إن الله ليَزع بالسلطان ما لا يزعه بالقرآن) فهو يصب في المعنى نفسه.

أولا: الوازع الديني، مع ما نحن فيه، ومع المؤثرات، والمعوّقات، والمُزعزعات المختلفة، نعم للأكياس، وهؤلاء الأكياس لهم دور، ونعم الأنفس في هذا متفاوتة لا ريب، وهذا التفاوت هو الذي ما أردتُ النفس "الصالحة " فحسب وإنما على رأسها نفس "مصلحة" هي التي أردتُ بذلك العمل على مستوى القاعدة..

هنا كما نتحدث عن القائد الفذ، برأيي يسبقه المربي والمصلح الفذ، ويسبقه العالِم الفذ الذي لا يكون طوعا للسلطان، وقد عرفنا عبر التاريخ كيف كان لعالم الحق لا عالم السلطان من أثر وإن جار السلطان...

إذن فالحقيقة أنّ المستوى القاعديّ ذاته منظومة، هيكلة، تقسيم، يحددها هذا التفاوت، فهو ليس هكذا كتلة تنبت من هواء، أو تنبت من جهود فردية، ومراقبات فردية للوازع الديني في نفس كل فرد وحدها، بل هي جهود ذلك "المصلح" ، وذلك "العالم الحق" وذلك "المربي"

كلهم، يعملون على المستوى القاعدي...

ثانيا: هذا في حالنا، وما نعلم من واقعنا، ما نعلم من أن "السلطان" ليس هو "السلطان"  الذي عناه سيدنا عثمان رضي الله عنه، السلطان الذي عناه هو سلطان الحقّ لا السلطان الجائر الذي نعرفه اليوم...
هذا ما عنيت يا أخ حسن على المستوى القاعدي الواقعي، الذي نريد به إصلاحا، لا صلاحا ينشأ من الذات وحسب، ولا أنكر أبدا مع هذا تأثير البيئة، وتأثير المحيط على هذه النفس ..

هو عمل لأهله، يحتاج جَلْدا، مجاهدا، صاحب فكر سليم غير متطرف، محيط بأحوال عصره، وبمحيطه، لن يكون عملا سهلا، ولن يكون عمل أي كان، ولكنه يوجد، ويُتاح رغم كل ما نعرف...

أما بخصوص سؤالك عن النفس، والمؤثرات المحيطة بها ودورها في التغيير، فلا أنكرها، ولا أقول أنه يكفيها ما يكون  من أصلها وذاتها، وأن البيئة لا أثر لها عليها، ولكن بالمقابل:

"التغيير" في حد ذاته يحمل من ذاته مدلول المغايرة، الاختلاف، مخالفة الواقع المقيت، التحلّي بالصفات التي تجعل من صاحبها محصّنا بشكل كبير، ولا أقول على الأقل بشكل "تام" من المؤثرات، وهذه الأنفس كما أسلفت قليلة نعم، ولكن منها، لا من غيرها تكون الأنفس المصلحة، التي تعلم جيدا أعباء حملها لرسالة التغيير، وهم موجودون ...

وكما ذكرتَ عن الحركات وعظمة من كان على رأسها، والثمار التي تُقطف بعد أجيال، وهذا هو "تراكم اللمسات"  emo (30): الذي يؤمن به أصحابه أيّما إيمان ... وهم لا يعملون مع خلفيّة التفكير بحصاد يكون بين أيديهم، بل يعملون ليزرعوا، ويتركوا مِن خلفهم زارعين، حاملين للفكرة... وعرفناهم ...
حسن البنّا رحمه الله، عمل ولم يحصد في حياته، بل دُبّر لقتله وقُتِل، ولكنه ترك آليات عمله من خلفه، سيد قطب رحمه الله عمل، وتجلّد وصبر، ولم يحصد، بل قُتِل ممن كان يوما فردا من حركته ذاتها ...
ولكنه ترك خلفه....

الحركة اليوم، "الإخوان" اليوم، وما نعرف جميعا، ورثوا العمل السياسي ضمن النظرة الشمولية للدين، التي آمن بها  قائدهم وتبناها مع ثلة ممن معه كانوا أصحاب قيادة الحركة، من منظّريها، وأصحاب أفكارها...
ورثوا العمل السياسي كشرط في الحركة، وكجزء من فهمهم  لشمولية الدين، وهم اليوم لهم ما لهم وعليهم ما عليهم، ولا أؤمن بمن يعمّم فيصوّرهم الذين لا معرفة لهم بالحِراك السياسي، وأنّما هم محسوبون على السياسة، لأنها فيهم متأصلة متجذرة عبر تاريخ الحركة وأساسات فِكرها، كما لا أؤمن بمن يصوّرهم الذين لا غبار على حركتهم، وعلى تحركاتهم، وعلى ما كان منهم، فهم قد أصابوا، كما قد أخطؤوا ... وليس مَن كان في الخضمّ مثلهم، كمَن ينظّر مرتاحا من بعيد ويتفرج وينتقد لا شغل له إلا الانتقاد.... ونعرف ما نعرف من تأثير المحيط على جهودهم، وما آل إليه الحال، ولكن يستمر الناشؤون ولا ينكفؤون، وهي طريق تعوّدوها، مع جَور السلطان، بل ويعلمون مغبّة عواقبها منذ بداية الحركة إلى اليوم... ولكن سيستمر عمل من بعدهم وإن كان ما كان ... والتغيير سيكون بذلك التراكم ...

اقتباس
إذن سيكون ذلك السبب الخارجي "مستثيرا لمكنونات النفس السيّئة" فكل قد ألهم فجوره وتقواه، يعني كامنة في نفسه،وهذا لا ينفي أن يكون شخص غضوبا أكثر من شخص آخر، لذلك أضفت "فقط"
فأي سلوك أو شعور تتداخل فيه طبيعة النفس وطبيعة الموقف وكلما ضعُف الإنسان في ترويض نفسه كان أضعف مع المواقف.

أكيد، لا خلاف على هذا، ولكن السياق يقضي بالتمام للفهم الكامل "قد أفلح من زكاها وقد خاب من دسّاها"
ولا يقوم "للتزكية" من معنى، ما لم يكن ذلك ضمن تفاعل النفس مع محيطها،  بمعنى ما أشرتَ له بالترويض ... "الصبر بالتصبّر، والحلم بالتحلّم، والعلم بالتعلّم "...

وليس من يتكئ على "جعلوني مجرما" بمغيّر لنفسه، بل هذا إنسان عمله الإلقاء باللائمة على "الظروف"... نعم هناك ظلم يُغضب الإنسان، هناك تعدّ على الحقوق، هناك أكل للحقوق، هناك تفاخر، هناك إذلال، وهناك وهناك... ولكن أين الذي يأخذ على يد الظالم؟؟ والذي يأخذ على يد المتعجرف والمتغطرس؟؟

هذا الذي نبحث عنه .... هذا الذي نريد أن نصل إليه من "التغيير"
من المنظومة التي أسلفتُ عنها، منظمومة فيها "المصلح" و"المربي" و"عالم الحق لا عالم السلطان"...

يتبع  emo (30):
العنوان: رد: واقع الحال... وهل من سبيل للقيام ؟
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2016-06-02, 12:28:42
اقتباس
لماذا لم يكن تغيير مكة أكبر من تغيير المدينة مع ما للصحابة المهاجرين من همة وإيمان وصبر وتضحية وعزم ؟

طيب وهل خلا الأمر من أنه صلى الله عليه وسلم، قد غيّر في مكة؟  فيها لا في غيرها صُنِع المهاجرون الأفذاذ، السابقون، الأولون، الذين لم يصل أحد إلى مكانتهم، إلا ربما مَن آواهم من الأنصار، ومعه صلى الله عليه وسلم كان الأولون والسابقون يصنعون، ويغيّرون، الصديق رضي الله عنه ومَن أسلم على يده كمثال...

بل فيها أعِدّت اللبنات، وفيها رُسّخت العقيدة... فيها تجلّد الأتباع، وثبتوا على كل ما كان من قريش، فيها كان أول التغيير، بل وأكبر تغيير...

بل إن مصعب بن عمير من مكة انطلق ليصنع في المدينة قبل أن يحلّ بها المهاجرون...بل إنّه قبل مصعب، كانت بذرة الأنصار أصلا في مكة، أولئك الذين أسميهم "النسمات الستّ الطيّبة" الستة الذين التقاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في أعوام مكة الأخيرة وهو في تطوافه بين قبائل العرب المختلفة يدعوها لنصره، فما نجح الأمر مع قبائل برؤسائها، بل نجح مع أفراد بلا رئيس، بلا قائد، هم أولئك الرفقاء الستة، الذين عادوا في العام القابل اثني عشر، ثم عادوا بعده ثلاثة  وسبعين ....

بل إن مكة كانت أرض التغيير القاعدي، أما المدينة، فقد كانت أرض الدولة... أرض السلطان، أرض النفوذ والقوة والتي لو لم يسبقها تغيير مكة لما كانت ...

نعم البيئة المحيطة اقتضت بترك المكان، لا ننكر هذا طبعا، كما لا يجب أن ننكر أنها كانت الأرض الأولى لصناعة التغيير بثبات أهل الرسالة، وبجلدهم... وفي معنى ما قال صاحب كتاب "إعادة تشكيل العقل المسلم" كان جيلا من "الراكضين" الذين كان ديْدَنهم السبق والمسارعة... بتغيير جذري في العقلية التي كانت تعدّد فأصبحت توحّد ...

اقتباس
لماذا تنشط الجمعيات الخيرية والتربوبة ذي الطابع الإسلامي في بلاد العلمانية ولا تستطيع ذلك في بلاد "الإسلام"؟
نعم أفهم ما تعنيه، من تأثير البيئة، وأقول لك مجددا، إنه غياب سلطان الحق، وهذا ما نبحث عنه من عملية التغيير التي نتحدث عنها ...

اقتباس
يتربّص بها العقلاء، لا زاهدين فيها إن بدَت، ولا لاهثين وراءها إن غابت. ولن تكون اللحظة الحاسمة ممكنة إلا إذا أعددنا لها رجالا وعقولا وقدرات لا يضرّها أن تمكث سنينا دون أن تغير من موقع أرقى في الهرم، ولن يكون ذلك إلا بالتوازي مع الاهتمام بقاعدة الهرم، فمتى أتت اللحظة الحاسمة لن تُنظرنا يوما واحدا، إما استعداد مسبق، أو سحق محقّق.

نعم، بارك الله بك، تعبير موفق جدا، وهذا ما عنيت ...

اقتباس
أظن أنّ معظم الاختلاف بيننا قائم على كوني مركزا على "أثر فساد الأوضاع" ، ومن جهتك تركيزك على "لماذا فسدت الأوضاع"

نعم، فأما الأثر فنبحث له عن علاج، وأما معرفة السبب، فأيضا نبحث منه عن علاج، وهما زاويتان، ومع هذه ومع تلك نريد محاولة الوصول إلى سبيل الإصلاح، سبيل القيام ...

إذن فخلاصةً، نحن نتفق أن النفس تتأثر بمحيطها، لا ريب، ولكن الأمر الذي أردت بيانه أنّ هذه "النفس" لا نريد منها إعجازا بمفردها، وليس معنى تغيير ما بها، أن تصنع الخارقة بمفردها، وإنما هي منظومة قاعدية، "مصلح، "مربي"، عالم" كلهم هم القادة على مستوى التغيير القاعدي، مع ما يترسّخ في النفوس المنشَأة من "وازع" ، أقول وازع يتجدد ويقوى، ونحن نعلم أنّ "السلطان" جائر، لا سلطان حق...

وهذه الطريق شائكة، وهي طريق أجيال، ولكنها لا تنفكّ موجودة...ولا أنكر أن يكون العمل الهرميّ بالموازاة، ولكن حقيقةً لا يكون إلا مع من كان تأسيسه القاعدي مؤهلا لمحاولات تغيير ولنقل محاولات عطاء وعمل تصبّ في المبتغى...

لا نجزم بشيء، ولا نقول أن هذا هو الحل، وأن هذا هو السبيل، ولكن نقول وفقا لما نراه، ونعيشه، ربما نخطئ وربما نصيب، وفي هذا الحوار أستفيد من كل من يدلي برأيه، سنسمع الجديد، سنتعلم ... كلّنا سيتعلم ولا أحد منا يدعي أنه يضع حلا ...

والله تعالى أعلى وأعلم
العنوان: رد: واقع الحال... وهل من سبيل للقيام ؟
أرسل بواسطة: حسن في 2016-06-05, 10:31:31
اقتباس
فلماذا نتعب أنفسنا إذن بالدخول في جدالات طويلة لن نستطيع أبدا حسمها، فضلا على أنها تستنزف الوقت والجهد،
فلم ينزل الله سبحانه وتعالى القرآن ويرسل لنا نبيه ويهيء جيلا فريدا من المؤمنين حوله لمجرد أن تقوم الدعوة وتنتشر،
إنما بالأساس لنقلد ونتبع، ويكون لدينا المثال الذي لا يجعلنا في حيرة من أمرنا، ولا غموض عن كيف سيبدوا المنتج النهائي الذي نسعى له.

أهلا أخي جواد
المثال الذي ضربت في الهندسة جيد لتقريب الفكرة
ثم قِسته على أحوال البشر
ولكن الأمر ليس بذلك السهولة التي يصوّرها المثال. لأن الآلة يمكن نسخها كما هي بكل مقاييسها الدقيقة، فهل يمكن نسخ الرجال والأوضاع والعقول كما ننسخ الآلات وأجزاءها ؟ لا طبعا
ولأوضّح لك التعقيد سأبقى معك في مثالك:
تصوّر معي أن التفكيك ومعرفة مكونات وأجزاء وعمل الآلة كيفما كانت، ولنقل أن الآلة كهربائية إلكترونية بامتياز، دخلت عليها معطيات جديدة: غياب التيار الكهربائي المستمر مثلا، وانفخاض درجة الحرارة إلى ما تحت طاقة الأجزاء الالكترونية...
أو أن الآلة ميكانيكية، فأردنا نسخها ونحن نقطن في المشتري مثلا، وواجهنا تحديات في قوة الجاذبية التي لها أثر على تحمل الآلة ووظيفتها وبنيتها ككل، والأحماض في الجو التي تؤثر على المعادن.... وهكذا

تلك المعطيات الجديدة هي الظروف الجديدة والمغايرة لزمن النبي صلى الله عليه وسلم، وأي نسخ أو تقليد لا يأخذ بعين الاعتبار التغيرات الحيوية فسيُعطينا منتجا غير صالح لا شك


اقتباس
والسؤال هنا، ما هي الصورة التي نريد أن تكون عليها مجتمعاتنا ونعتبرها الهدف المنشود الذي من أجله نقوم بتحليل الأسباب والمعوقات وبالتالي الحلول، للوصول إليه؟

انطلاقا من مقدّمتك، سيكون الجواب سهلا عن هذا السؤال: وهو نريد مجتمعا كمجتمع الصحابة والصالحين من بعدهم، بعقيدة وأخلاق وقوة وازدهار (دون الجوانب التقنية التي تتغير)

وبهذا ستجيبنا أخ جواد بأن الحل سهل وهو اتباع النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته ... وقُضي الأمر :)

ولكن عندي سؤال هنا: لو كان الأمر بهذه البساطة، لماذا لم تنهض الأمة ولم يغب عنها حياة النبي صلى الله عليه وسلم ولا صحابته، بل أكثر من ذلك، لماذا لم تنهض الحركات الإسلامية والعلماء الربانيين ومن تبعهم من طلبة العلم بطريقة تشمل كل جوانب الحياة، وليس فقط العلم الشرعي والمحافظة على الموروث والحرص على الصلاح والطاعة ؟!! كيف لم يستطيعوا وهم أقرب الناس إلى حياة الصحابة عقليا وسلوكيا ؟!

سؤال مزعج ولكنه مهم في نظري

ثم هناك شيء آخر: ما فائدة علم المقاصد والاجتهادات الفقهية إن كان ما حدث في عهد النبي صلى الله عليه وسلم كاف لهداية الأمة ؟
أم اننا لا نعي قيمة المقاصد والتأقلم مع الأوضاع خارج القضايا الفقهية لتعمّ القضايا الحضارية ؟

الأمر أكثر تعقيدا من ذلك
وعندي لك تأمل واحد فقط من بين العشرات يجعلنا نعيد النظر في استسهال "نسخ" الأوضاع في عهد السلف الصالح لتطبيقها في زمننا، ألا هو:
المحافظة ـ conservatism
وأقصد بها التيار العام الأخلاقي المحافظ الذي كان يجتمع عليه الكافر والمؤمن والمشرك وأهل الكتاب في الجزيرة وفي غيرها
فغيابه الآن وحده كفيل بخلق صراعات فكرية ومعيقات حضارية بين المسلمين أنفسهم وليس بين المسلمين وغيرهم.!!

إذ كان الاتفاق على المعايير المحافظة شيئا ضمنيا لا يتسرّب إليه الشك أو التمرّد، ونعلم كلنا أن جزء كبيرا من ديننا قائم على هذا الجانب "المحافظ" وكثير من الشرائع والرؤى تدور حوله.
فمجرد كونك محافظا في هذا الزمان تجد عراقيلا شتى ولو كان المحافظ ملحدا غير مؤمن (افتراض فقط) فصار الناس بين مسلم ليبيرالي لا يرى في المحافظة، وبالتالي جزء كبيرا من الدين، إلا تخلّفا وتحجرا وتاريخانية ! وبين مسلم محافظ مدفوع على الأبواب والشركات والمؤتمرات ...

تأمل جيدا أخي هذه النقطة وقبل أن تتسرّع في الحكم عليها، تذكّر كم "كلّفتك" المحافظة في مجتمع غير محافظ (إن كان الوضع هكذا عندك)
العنوان: رد: واقع الحال... وهل من سبيل للقيام ؟
أرسل بواسطة: حسن في 2016-06-05, 10:52:16
ولا يبذل له المربي أكثر مما بذل مع أقرانه، لكن الله تعالى يزوده بصفات خاصة، ويحيطه بعناية خاصة، لاحظت هذا في سيرة عمر بن عبد العزيز، ويوسف بن تاشفين، والإمام الغزالي، وصلاح الدين الأيوبي، والإمام حسن البنا، وغيرهم
والله أعلم




جميل
نحن إذ نتكلم على الاصطفاء فلا نتعارض مع أسباب التميز والمؤثرات في أولئك الرجال العظماء
فلا تعارض موجود أصلا لكي نتحدث عن "الاصطفاء" أو "التربية والبيئة والتغيرات النفسية والاجتماعية" إنما الاصطفاء هو تقدير كل تلك الصفات، وتلك الصفات هي تحقيق لذلك الاصطفاء المقدّر، ليقضي الله أمرا كان مفعولا... ذكرها الله بعد الاحتدام وتتابع الأحداث، فكانت الأحداث جزء من قضاء الله وإرادته

وعادي إذا رجعت للتاريخ أن تجدي المعنى الذي تبحثين عنه، فإن كنت تبحثين عن الاصطفاء فتجدين ذلك، وإن كنت تبحثين على أثر الاقتصاد والازدهار على صناعة الرجال ستجدين ذلك، ومن كان يبحث عن علامات التخلف والانحطاط فسيجده وسط كل الإيجابيات... هكذا هي طبيعة التاريخ كل يأخذ منه ما يريد، وطبيعته محايدة وصفية تطرح كل المعطيات مهما كانت خفية أو قبيحة، ليستفيد منها كل حسب المقاربة التي يريد

وكتابات السلف والعلماء تركز كثيرا على الجانب العقدي الإيماني، لذلك لا نجد مقاربات اقتصادية أو نفسية أو اجتماعية حول أحول السلف والتاريخ الإسلامي، وهذا عاديّ ما لم يستنكر أصحابه على أصحاب المقاربات الأخرى والتي لا تعني بالضرورة إقصاء للمقاربة العقدية الإيمانية... وعادي من جهة أنّ العلماء وطلاب العلم والإسلاميين لا يهتمون كثيييرا بالعلوم الإنسانية ويبقون على النموذج القديم للتفسير والنظرة التي تركّز على فضل الله تعالى ومنّته وعطائه، وتُغفل ملابسات ذلك العطاء والإنعام، ولا بد من وجوده فكل شيء له سبب

وأعود إلى قضية الشخصية القائدة، فهناك دورات لإعداد وشرح شخصية القائد وهي ليست ضربا من السحر أو ضربا من المواعظ، بل هي تحليل لعقلية ونفسية القادة أينما كانوا ولسبب نجاحهم. فكل شيء حتى من سمات الشخصية مثل وسواس النظافة، الدقة الحس المرهف، التخوّف الشديد، تجارب الطفولة (مثل تجربة ابن تيمية مع وحشية التتار، هل سيكون كما كان لو أنها لم تحصل معه؟!) وكل تلك السمات يكون سببها طبيعة الأسرة طبيعة التعليم، جينات الشخص نفسه...
العنوان: رد: واقع الحال... وهل من سبيل للقيام ؟
أرسل بواسطة: حسن في 2016-06-05, 11:52:07
سأعود إلى الدين كوازع أو نظام شامل.

اقتباس
ما نعلم من أن "السلطان" ليس هو "السلطان"  الذي عناه سيدنا عثمان رضي الله عنه، السلطان الذي عناه هو سلطان الحقّ لا السلطان الجائر الذي نعرفه اليوم.

في الحقيقة أنا قصدت بالعبارة "سلطان القوة" والرقابة، وليس الحاكم أو القانون الجائرين. بمعنى أن القرآن يشكل الوازع الديني والخشية والارتداع بمجرد الكلام والموعظة، والسلطان يشكل ذلك الإلزام بالقوة على فعل الواجب وأداء الحقوق ووالإلزام على ترك الإضرار والإفساد بعيدا عن كل وعظ وانتظار "تغيير ويقظة ضمير" من ذلك المكلّف، فلن ننتظره حتى يطيب خاطره لإعطاء الحقوق والقيام بالواجبات وكفّ أذاه، هذا ما قصدت بالسلطان، وهو بهذا المعنى مكمّل للحق والواجب ولا نعتبره جائرا أو عادلا، بما أن قضيّته هي التقويم والحرص على تطبيق القانون والضغط على الفرد كي يطبّق ما هو ملزم به ويعرفه بينه وبين نفسه

اقتباس
وهذه الأنفس كما أسلفت قليلة نعم، ولكن منها، لا من غيرها تكون الأنفس المصلحة، التي تعلم جيدا أعباء حملها لرسالة التغيير، وهم موجودون ...

:) إذن نحن نتّفق، وبما أننا اتفقنا على قلة تلك الأنواع، فأنا أتحدث عن الجزء الثاني من مرحلة الإصلاح: انتقال القناعة إلى الإقناع، تحويل التغير الفردي إلى تغيّر جماعي... وهنا الإشكال في النفوس المتبقيّة، وهنا تساؤلي، فالمشكل أحيانا ليس غياب النفس المصلحة كما تسمينها، ولكن في غياب من يسمع لها بسبب نفس تلك المؤثرات التي أتحدثُ عنها وأركّز عليها ...
وإلا هل افقتد زمان لرجال مصلحين عباقرة ؟ لا طبعا. فلماذا اختلف زمان عن زمان مع وجود شخصيات مصلحة نافعة في المجتمعات على طول الخط ؟!

اقتباس
أكيد، لا خلاف على هذا، ولكن السياق يقضي بالتمام للفهم الكامل "قد أفلح من زكاها وقد خاب من دسّاها"
ولا يقوم "للتزكية" من معنى، ما لم يكن ذلك ضمن تفاعل النفس مع محيطها،  بمعنى ما أشرتَ له بالترويض ... "الصبر بالتصبّر، والحلم بالتحلّم، والعلم بالتعلّم "...

لا نختلف حول هذا لاشك، إن لكل إنسان قدرة على التغيير ومغايرة بيئته ووسطه، كل إنسان على نفسه بصيرة، ولو ألقى معاذيره... يجب أن نعيد تحديد نقطة الاختلاف بيننا أخت أسماء :) لأنني أشعر كأنك تريدين إقناعي بأن الإنسان يستطيع أن يتغير وأنا أصلا مقتنع بذلك (وسيبدو هذا واضحا في كلامك عن الفترة المكية، سأعرّج على تعليقك حولها)
إنما أدقق في شيء آخر وهو حدود تلك القدرة على التزكية ومغايرة الواقع، هل هي سواء وهل هي واحدة مهما تغير الوسط ؟


لو كان الجواب لا، نتفق
ولو كان الجواب نعم، لماذا إذن كانت الفتنة وضعف الدولة الإسلامية أدعى لعذر الناس ؟ وكان وجودها أدعى للمؤاخذة كما في آية : {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (55)}

فكأن إقامة دولة واستخلاف المؤمنين في الأرض واطمئنانهم على دينهم ونفسهم، لا يأتي بعده إلا الشكر المؤكد، ومن كفر بتلك النعمة فلا رجاء فيه. والشاهد هنا هو أنّ أعلى درجات المؤاخذة جاءت مع أعلى درجات التمكين، وهذا إن دل على شيء فهو يدل على أن وضعا غير التمكين يكون أدعى للعذر والإمهال، والله أعلم

وهناك أحاديث أكثر في هذا الصدد، كحديث "إن من ورائهم أيام الصبر، للعامل فيها أجر خمسين رجل.... تجدون معينا على الخير ولا يجدون" فلماذا كان الأجر مضاعفا؟ لا شك أن الأجر المضاعف في الحسنات يقابله إثم ومؤاخذة أقل في السيئات ! فلماذا؟ هذا ما أود توضيحه من هذا النقاش كلّه، بصرف النظر عن الحلول التي يجب البحث عليها أيضا.
حديث الجمرة أيضا، لماذا كانت التمسك بالدين كإمساك الجمرة؟ هل غاب القرآن، هل استحال التغيير، هل غاب الإيمان ؟! لا بل غاب ذلك المتّسع المريح للتغيير فصار الصبر عن المعصبة والصبر على الطاعة ومخالفة الناس ومغايرة الواقع في ذلك مثل الإمساك بالجمر

أما آية "قد أفلح من زكاها" فهي لا تعارض وجود درجات للمؤاخذة على تزكية النفس، قد أفلح من زكاها في حدود اتقوا الله ما استطعتم... فلا تعارض

اقتباس
وليس من يتكئ على "جعلوني مجرما" بمغيّر لنفسه، بل هذا إنسان عمله الإلقاء باللائمة على "الظروف"

نعم ليس كل من تحجّج بالظروف فهو محق، ولكن ليس كل من تحجج بها متملّص أيضا :) لأن هناك شيئا من الموضوعية في إرجاع الضعف الفردي للظروف بما أن الإنسان ابن بيئته

وهنا عمل المصلح ما هو ؟ هو توضيح تلك الحدود الدقيقة بين التذرّع بالظروف بالحق وبين التذرّع بالظروف بالباطل
فالنبي صلى الله عليه وسلم، حسب الظروف التي مر بها المسلمين لم يرفع عنهم التكليف إطلاقا ولم ينزله عليهم إطلاقا، فنجد في الفترة المكية مثلا، مطالبة بالإيمان والإسلام فقط، دون حتى الجهر بذلك، أو الصلاة جماعة أو أمام أعين الناس ! يعني النبي صلى الله عليه وسلم وضع الحدود بين كون المرء قادرا فعلا على "مغايرة وسطه" في قضية الإيمان ولا عذر له، وبين كون المرء عاجزا عن مغايرة قومه في أمور وعادات ... هو معذور فيها، تمام ؟

أما عن الأخذ على يد الظالم فهذا جيد، ولكن عندي سؤال كان الكل يعرف الشرك والفساد والزنا من أصحاب النبي في مكّة فلماذا لم يكن من بينهم إلا القليل الذي استنكر في أجواء اضطهاد وضياع الميزة الاجتماعية ؟ حتى أن النبي صلى الله عليه وسلم دعى أن يعزّ الإسلام بأحد العمرين، ولما أسلم عمر انتشى المسلمون لمعرفة أنّه جلد شديد لا يخاف أحدا، ويخافونه أيضا... وكان هو الذي يجاهر بإسلامه ويتحدى قومه

ثم بعد استقرار الأمر والقيم الإسلامية في مجتمع إسلامي يحمي تلك القيم والمفاهيم، الكل كان يستطيع أن ينكر ويأمر حسب وضعه، ركّزي جيدا في هذه النقطة :)
العنوان: رد: واقع الحال... وهل من سبيل للقيام ؟
أرسل بواسطة: حسن في 2016-06-05, 12:40:32
اقتباس
طيب وهل خلا الأمر من أنه صلى الله عليه وسلم، قد غيّر في مكة؟  فيها لا في غيرها صُنِع المهاجرون الأفذاذ، السابقون، الأولون، الذين لم يصل أحد إلى مكانتهم...

بل فيها أعِدّت اللبنات، وفيها رُسّخت العقيدة...

بل إن مصعب بن عمير من مكة انطلق ليصنع في المدينة قبل أن يحلّ بها المهاجرون.....
بل إن مكة كانت أرض التغيير القاعدي.
...

انتبهي لسؤالي عن الفترة المكية واستخدامي لكلمة التغيير أخت أسماء، فأنا أستخدمها للتدليل على التغيير الاجتماعي والحضاري، وأنت أجبت عن تغيير أفرادا معيّنين، وكل ما ذكرتِ يصبُّ في تغيير الأفراد وصناعة العقلية المسلمة متجلية في "بعض" الرجال والنساء أصحاب الهمم.

- وهل قلت أنا أن تغيير الأفراد غير ممكن في أكلح الظروف ؟ :)
متى قلت أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعل شيئا في مكة؟

ربما أردت قول أن القاعدة بُنيت في مكة وهي الأهم بما أنها قاعدة، ولكن ماذا لو لم تتكون دولة إسلامية في المدينة واجتمع الناس عليها، هل ستبقى للإسلام باقية ؟
وقد يُبنى أساس عمارة ولا تكتمل ولا تصلح للإقامة أبدا! نعم القاعدة مهمة ولكن إذا ما أكملت وظيفتها بأن تكون قاعدة "حقا" لما سيأتي بعدها ويُبنى عليها :)

إنما تساءلت أنا عن التغيير المجتمعي، دخول الناس أفواجا بعد الفتح ؟ لماذا لم يدخلوا أفواجا قبله ؟!! مع أنهم سمعوا بالإسلام منذ سنوات ؟

ولن أخطئ إن قلت أن عدد الذين دخلوا دين الله بعد الفتح من الناس العاديين (وهم الكثرة آنذاك والآن، ولا ينفي أن يكون من بينهم أناس مميزين منعهم الكبرياء أو الخوف على المكانة من الإسلام) كان أكبر من أي تجمع للمهاجرين والأنصار في ساعة العسرة، فلماذا؟

هذه هي أسئلتي وليس هل عمل النبي صلى الله عليه وسلم وغيّر الأفراد في مكة، أو لحقه رجال أولوا عزم، فهذا معروف عندنا جميعا...
بل إن النبي صلى الله عليه وسلم من شدة حرصه ووعيه بضعف الناس، كان حريصا على بناء دولة تصان فيها الهوية الإسلامية ويعتز بها المسلمون ويلوذ بها الضعفاء منهم، وقوة للحق تحميه وتسهّل الإيمان على من كان ضعيفا لم يستطع أن يحسم أمره في أوضاع غير مستقرة ولا آمنة ولا "مربحة" أحيانا كالمؤلفة قلوبهم !!


اقتباس
نعم، فأما الأثر فنبحث له عن علاج، وأما معرفة السبب، فأيضا نبحث منه عن علاج، وهما زاويتان، ومع هذه ومع تلك نريد محاولة الوصول إلى سبيل الإصلاح، سبيل القيام ...

إذن فخلاصةً، نحن نتفق أن النفس تتأثر بمحيطها، لا ريب، ولكن الأمر الذي أردت بيانه أنّ هذه "النفس" لا نريد منها إعجازا بمفردها، وليس معنى تغيير ما بها، أن تصنع الخارقة بمفردها، وإنما هي منظومة قاعدية، "مصلح، "مربي"، عالم" كلهم هم القادة على مستوى التغيير القاعدي، مع ما يترسّخ في النفوس المنشَأة من "وازع" ، أقول وازع يتجدد ويقوى، ونحن نعلم أنّ "السلطان" جائر، لا سلطان حق...

نعم وستنتظر تلك النفوس التي استطاعت أن تغيّر ظروفا معينة حتى يُسمع لها ويكون لها أثر "ملموس" على أوسع نطاق

وجميل ما قلت عن البحث عن علاج للأثر، والبحث في السبب عن مسببات الخلل.

شكرا على ما كتبت، بوركت
العنوان: رد: واقع الحال... وهل من سبيل للقيام ؟
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2016-06-07, 15:54:17
في الحقيقة لا يستقيم أن نهجر هذا الموضوع  شهرا كاملا، مع ما وضعتَ من ردود يا حسن    :emoti_389:   جزاك الله عنها خيرا،  لذلك حاولت اقتطاع وقت للرد ..

وسأحاول إزالة بعض اللبس حول ما نتفق عليه، ونبدو وكأننا مختلفَين حوله...
كنت قد بدأت بالحديث عن تغيير النفس، وأن هذا هو الأساس والمنطلق لتغيير مجتمعيّ منشود، وربما بدا ذلك عريضا بلا تفاصيل مما نحا بالفهم أنني أعني عملا فرديا لا يحسب للبيئة حسابا، أو للقدرات المتفاوتة حسابا..

طيب ..

اقتباس
وهو بهذا المعنى مكمّل للحق والواجب ولا نعتبره جائرا أو عادلا، بما أن قضيّته هي التقويم والحرص على تطبيق القانون والضغط على الفرد كي يطبّق ما هو ملزم به ويعرفه بينه وبين نفسه

نعم، أفهم ما تعنيه، ولكن لنعد إلى ما طرحتَ أصلا للمقارنة، فقد قارنتَ بين الوازع الديني، وبين الدين كنظام وإدارة عاملة "بمنظور إسلامي"، هكذا وصفتَه، وهو الذي قلتُ عنه أنه لم يتحقق بعد، لأن الذي نعرفه في واقعنا ليس هذا...
طيب .. حتى على فرض أنه القانون وصرامته، ولوائحه، كيف لا يكون للعدل فيه والجو رمن دور؟ نعم هو الحرص على تطبيق القانون، والمراقبة وو..
ولكن عرفنا في الواقع أنه يطبّق على فئة ولا يطبّق على أخرى، فئة تخاطَبُ باسم القانون، وفئة يُخاطَبُ القانون باسمها، وهذا نعرفه جيدا ... 
والعدل أو الجَور فيه صفة لازمة، انظر للمحسوبية مثلا، ولما نسميه "المُعريفة"... وإلى مَن تُقضى حوائجه دون غيره، وإلى مَن يقوم بواجبه وزيادة ولأنه ليس من تلك "الفئة" فهم قد تعوّدوا على أن يجعلوه سُخْرَتَهم التي على حسابها يرتقون، وأما غيره فمن غير عناء ولا شقاء ومن غير أهلية تُذكر  يُعطون المنصب، وفوق المنصب...
أنا هنا بالقياس مع ما نعيشه، سأرى هذا الأمر زيادة في بيان تأثير البيئة على النفس، فهذا الظلم المُسلط، والقانون "الموجّه" والمُطبّق على فئة دون أخرى إنما هو واحد من العوامل البيئية المؤثرة في إخراج المكنونات الفاسدة للنفس كما ذكرتَ، ولا أراه على ما نعايش يُعتبر وازعا محفّزا على الصحيح والسليم، وعلى تمام الواجب، وعلى إيصال الحق لأصحابه...
ثم  لنكون موضوعيّين، وواقعيّين وحتى نخرج بالنتيجة السليمة لن أعمّم لأنني أصلا أكره التعميم مع دوام وجود الشيء ووجود نقيضه، ولكن على الأقل نحن نعرف في سلطان القانون عندنا الانتقائية، ولا مجال لحصر الأمثلة في هذا ...أليس كذلك؟

اقتباس
وهنا عمل المصلح ما هو ؟ هو توضيح تلك الحدود الدقيقة بين التذرّع بالظروف بالحق وبين التذرّع بالظروف بالباطل

تمام.. وجميل جدا، ولا خلاف ، إذن نحن أيضا يجب أن نوضح هذا، ونحن نتناقش أننا نتفق على أن الظلم موجود، والمظلوم موجود، والظالم موجود، وعلى هذا، فإن هذا رجل لا يتذرّع أصلا، بل هو صاحب حق مهضوم، وهذا  قد يكون جَلْدا، ثابتا، صامدا، ساعيا لاسترجاع حقه مثلا، كما قد يكون ذلك المظلوم الذي لا حيلة له من نفسه، فهو سيجترّ من مكنوناته السيئة ليخرجها، وأنا هنا ليس لي الحق أن أعيب على الثاني، لأنني متيقنة أن الأنفس درجات في هذا، درجات في التحمّل، درجات في الصبر، درجات في المواجهة، درجات في الثبات ..

اقتباس
ثم بعد استقرار الأمر والقيم الإسلامية في مجتمع إسلامي يحمي تلك القيم والمفاهيم، الكل كان يستطيع أن ينكر ويأمر حسب وضعه، ركّزي جيدا في هذه النقطة :)

نعم وعمر رضي الله عنه هنا، مثال تلك النفس القوية التي لا ترضى بغير المواجهة، ومقاومة البيئة...
عمر كان من الرجال الذين احتاجتهم تلك البيئة الصعبة... فهل معنى هذا أنني مثلا ولتحقيق التغيير المنشود أرنو  لنُسَخ "عُمريّة" ؟

وربما يا حسن، حسبتَني بطول حديثي عن التغيير، وعن النفس، وعما يجب أن تقوم به للتغيير، حسبتَني أراها أنفسا تعمل على النسق ذاته، وبالقوة ذاتها، وبالصمود ذاته إزاء المؤثرات..
طيب، هذا هو اللبس الذي يجب أن أزيله، إذ كيف يُعقل هذا ؟ وهنا تحديدا، أسوق سؤالك التالي :

اقتباس
إنما أدقق في شيء آخر وهو حدود تلك القدرة على التزكية ومغايرة الواقع، هل هي سواء وهل هي واحدة مهما تغير الوسط ؟

من يقول بأنها سواء هو إنسان بعيد عن الواقع كل البعد، بعيد عن مخالطة الناس، ويريد أن يضع قالبا جامدا، وإطارا بقياسات لا تتبدّل لكل نفس، وهذا هو الخيال بعينه ...

يتبع بإذن الله  :blush::

العنوان: رد: واقع الحال... وهل من سبيل للقيام ؟
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2016-06-07, 16:12:14
اقتباس
هذه هي أسئلتي وليس هل عمل النبي صلى الله عليه وسلم وغيّر الأفراد في مكة، أو لحقه رجال أولوا عزم، فهذا معروف عندنا جميعا...

بل إن النبي صلى الله عليه وسلم من شدة حرصه ووعيه بضعف الناس، كان حريصا على بناء دولة تصان فيها الهوية الإسلامية ويعتز بها المسلمون ويلوذ بها الضعفاء منهم، وقوة للحق تحميه وتسهّل الإيمان على من كان ضعيفا لم يستطع أن يحسم أمره في أوضاع غير مستقرة ولا آمنة ولا "مربحة" أحيانا كالمؤلفة قلوبهم !!

طيب يا حسن...

بالنسبة للفترة المكية ودورها، والفترة المدنية ودورها، أفهم جيدا جدا، وخاصة بعد توضيحك الأخير، أنك تعني البيئة... البيئة التي أهّلت لقيام الدولة، البيئة التي تقوّى فيها الإسلام، وانتشر بعدها... تريد أن توضح فكرة تأثير البيئة على النفس لتتغير، وليكون التغيير المنشود...

طيب، وهل لي أن أقول هنا أن البيئة لا دور لها؟؟

منذ البداية، كنت أتحدث عن تغيير النفس ليس من منطلق المعجزة التي يُحدثها الأفراد كلٌّ على مستوى نفسه بمعزل عن الواقع، أو من منطلق تساوٍ في القدرات...

وسأعطيك أمثلة لتتبيّن ..
أبٌ وأم مربّيان، حريصان على تنشئة أبنائهما التنشئة السليمة، كبرت ابنتهما، فإذا هي البنت المحتشمة، الوقورة، المحترمة، المتعلمة، الذكية.... من الظلم والجور وعدم الإنصاف أن أقارن بها من لم يكن لوالديها من دور تربوي، بل ربما كان الأب من أصحاب السوابق، ولا مبادئ له، والأم من اللاهيات أيضا، وسواء عندها استقام الحال أو اعوج ... هل من العدل أن أقارن هذه بتلك؟ أو ألا أحسب لبيئة الثانية والوسط الذي شبّت فيه من حساب؟؟ وكم عرفنا فيمن يبدو مستهترا قلوبا متقبلة للحق، وللتغيير أحيانا أكثر مما نعرفه في غيرهم ممن هم أكثر التزاما .

ساعتها لن أتقبلها، وسأرفضها، وسأصبح انتقائية، ولن يصبح للتربية وللتقويم، وللدعوة من معنى، إذا كان الطبيب يريد أن يقصده الصحيح لا السقيم ... فما دوره كطبيب؟ ما دور الإصلاح هنا إذن، إذا كان المصلح لا يعرف قراءة الظروف المحيطة بكل نفس...
هل لي أن أقارن بين من يعيش ضيقا، جعله يرنو للمال أول ما يرنو، ولا يفكر إلا به، وبين من يعيش في سعة من حاله، فتكون  تطلّعاته واهتماماته اهتمامات مكتفٍ، شبعان غير جوعان ... ؟
وهذا مؤثره اقتصادي مثلا...

وهل لي أن أقارن وضع عائلة "البلتاجي" مثلا من بعد وفاة ابنتهم، وإلقاء أبيها في غيابات السجون بوضع عائلة محايد لا "هشَّ" في السياسة ولا "نشَّ"، وهو فوق هذا قد يكون الذي يطيل بالمقالات ويعرّضها منتقدا للإخوان ولسياسة الإخوان من رأسها إلى أخمص قدميها، دون أدنى موضوعية في النقد، فإذا نقده الهدّام الظالم ... هل عائلته وعائلة البلتاجي سواء؟

وهذا مثال المؤثر السياسي مثلا...

وقس على هذا...
أمام المصلح، أمام المربي أن يكون مدركا للفروق، أن يكون مراعيا للمحيط...  لا أنكر هذا البتة، وإن أنكرته فإنما أبحث عن خيال لا عن واقع...
وعلى هذا، فإن تأثير البيئة نعم له دوره، في التغيّر، وفي التغيير، بل وفي تمرّس المصلح على استيعاب النفسيات، كل نفس بحسب محيطها، فتجده مراعيا لهذه الفروق، جاعلها نُصب عينيه، وهو لا يقيس بمقياس واحد، ولا يقيس حتى من وحي ما يريد هو للحال أن يكون...

أعلم أني أطلت، ولكن فقط ليزول اللبس الذي قام حول أن النفوس تتغير بالقدرة ذاتها، أو أن البيئة لا تؤثر عليها وهي تسعى للتغيير ..
"إنَّ اللهَ لا يُغَيِّر مَا بِقَوْم حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِم"  لا أشك أن المعنى منها عملية تغيير مشتركة، فيها يعضّد الفرد أخاه، وفيها يقوم المصلح بدوره، وفيها يجتمع أصحاب الهدف والمبدأ سويا ليكونوا يدا تشدّ على اليد، وفي هذا الاجتماع يكون الصمود أكبر، والمواجهة أقوى، بروح الجماعة التي تساعد على التغيير، وعلى الصمود...
لا عمل النفس بمعزل عن كل هذه العوامل ... هذا ما أردتُ...
ولكن ما أردته مع كل هذا، أنّ فيها تُغرس تلك القيم التي يصبح بها الفرد صادقا مع نفسه، فيحاسبها حساب صدق، ولا يهيَّأ له دوما أنها الضحية، وفيها يتقوّى المظلوم وهو يجد من يتفهّمه، ومن قد يقوم بوسعه ليعطيه من الدعم اللازم، وفيها يعود الذي تملّكه ضعف إزاء مؤثر بيئي، ليتربى من أحد رفقائه، وهو الذي تعصُرُه ظروف أصعب من ظروفه، ورغم ذلك يراه المجاهد الصابر، الثابت، فيتعلم منه، ويتغذى منه، ويعود ليقف من جديد ...... وهكذا الواحد  قويّ بإخوانه...

ولا يخلو الأمر من وجود هذه الجماعة التي تتآلف، وتتفق، وتتحد، ومنها، تكون بذور التغيير بعزائم متحدة، لا عزائم متفرقة، لأن الإنسان يبقى متعلما أبدا من تجاربه كما من تجارب غيره، وحتى هنا، تجد النفس القوية التي تقود هذه العزائم... قائد على مستوى القاعدة .... بل إن القائد نفسه مع ما يكون في نفسه من عزيمة ومن قوة، ومن إصرار، يأتي عليه حين من الدهر يضعف...
فهي هذه النفس البشرية على قدر ضعفها على قدر قوتها، وعلى قدر قوتها على قدر ضعفها... ولا تنفكّ عائدة لحالة فيها بشرية "الضعف"
هذا شكل مما عنيت...

يبقى الآن يا حسن، وقد بدتْ لي هذه الأرضية مشتركة -هذا إن لم يكن لك أو للإخوة من انتقاد لما أوردتُ-
ماذا نرى الآن إزاء هذه "النفس" مع المؤثرات المختلفة، ومع صعوبة ما يحيط بها، ومع وجود المغيّر (المصلح) صاحب الطريق الشائكة، الصعبة، كيف يتقدم التغيير ؟ كيف يتحقق؟ كيف يستطيع حامل لواء التغيير أن يمضي قُدُما ؟
ألا ترون أنها الأسئلة التي علينا المضيّ فيها ؟
العنوان: رد: واقع الحال... وهل من سبيل للقيام ؟
أرسل بواسطة: ماما هادية في 2016-06-07, 20:27:15
جزاكما الله خيرا أسماء وحسن على هذا النقاش الممتع الثري
لكني اعترف اني بدات اتوه في شعابه
فاذا قرات كلام اسماء اعجبني، ثم اذا قرأت كلام حسن ملت اليه، ثم اتساءل هل انتما متفقان ام مختلفين؟ تبدوان لي متفقين في مظهر مختلفين
لهذا اتمنى ان يتكرم احدكما بتوضيح النقاط التي تتم مناقشتها، وهل وصلنا لاتفاق وزال اللبس؟ ام مازال ثمة اختلاف؟ وما هو بالتحديد

كذلك ارجو من الاخ حسن مزيد توضيح لتعليقه على مشاركة جواد، وخاصة قوله: ( لا استطيع ان اقتبس لاني اكتب من محمول، انا اقصد سؤاله المزعج وما تلاه)

 emo (30):
العنوان: رد: واقع الحال... وهل من سبيل للقيام ؟
أرسل بواسطة: ماما هادية في 2016-07-06, 22:49:41
رأي الباحث التاريخي الشاب. محمد إلهامي في إشكالية التغيير وهل يبدأ من القاعدة ام من القمة، مستدلا لرأيه من تجارب التاريخ

https://youtu.be/mW-FD0fH98k

التسجيل لا يتجاوز الخمس دقائق.
العنوان: رد: واقع الحال... وهل من سبيل للقيام ؟
أرسل بواسطة: جواد في 2016-07-07, 08:57:39
وما هي الغاية من هذا التغيير بالأساس؟
وهل بدأ الرسول صلى الله عليه وسلم التغيير من القمة فعلا؟

مشكلتي الأولى مع هذا الرأي أنه يؤصل الإمعية والتبعية في المجتمع، وهذا لم يكن حادثا في زمان الرسول صلى الله عليه وسلم ولا في زمن الخلفاء الراشدين، بل إن خطبة تولي الخلافة لكلا من الصديق والفاروق أصلت لإيجابية المجتمع المسلم الذي يقوم خليفته حين يخطئ.
وهذا هو الأقرب للعقل والمنطق، فلا يمكن أن نأمن الفتنة على شخص واحد نضع في يديه مصير الأمة بكاملها وكأنه قد عصم من الخطأ.

أما المشكلة الثانية، فهي الهدف من هذا التغيير، ففكرة أن يكون الناس على دين ملوكهم بها نفاق واضح وتحول من مراقبة الله عز وجل إلى مراقبة هذا الحاكم الذي تولى عليهم !
فإن كان هدف التغيير أن يدخل الناس الجنة، فهذا لا يتحقق بمثل هذه الحالة الموجية التي لا هم لها إلا الدنيا.

والمشكلة الثالثة، أن فرضية دخول الرسول صلى الله عليه وسلم المدينة حاكما تحقيقا لمبدأ القمة قبل القاعدة، غير صحيحة أبدا،
فلقد بدأ المصطفى صلى الله عليه وسلم ببيعة العقبتين، ثم النقباء ومصعب بن عمير، وأمر الهجرة للصحابة في مكة.

والمشكلة الرابعة، أن فكرة البدء من القمة تتطلب بالضرورة استخدام التقية، أو التخلي عن جزء من المبادئ الإسلامية للوصول إليها،
وهذا ما رفضه الرسول صلى الله عليه وسلم في مكة بوضوح، فلم يندمج في نظام الحكم في مكة أو يحاول إصلاحه تدريجيا،
ولم يوافق على أي من عروض الزعامة التي عرضها عليه كفار مكة، لأن فيها تعارض مع مبادئ الإسلام.

والمشكلة الخامسة، أن آلية التفكير هذه خطيرة جدا، فهي تريد الوصول لنتيجة شكلية، ولا تتلمس التغيير الحقيقي لحال الناس في المجتمع،
وهذه مشكلة خطيرة للغاية، تجرد الدين من حقيقته وتجعلنا مسوخا مادية في معادلة رياضية لا أكثر.
العنوان: رد: واقع الحال... وهل من سبيل للقيام ؟
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2016-07-07, 09:30:42
لم أقرأ مداخلة الأخ جواد بعد، الآن فقط انتبهت إليها عند الإرسال .

شكرا على الفيديو يا هادية.

في الحقيقة، هي وجهة نظر أحترمها، ولكن لا أريد القطع بتبنّيها، لأننا من الناحية الأخرى إذا تأملنا وجدنا شواهد على العكس، أنا لا أرتكز على الحديث الضعيف "كيفما تكونوا يولّ عليكم"، وإنما على شواهد

نعم دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة حاكما، ولكن هذا لم ينفِ الإعداد المسبق للمدينة من قبل أن يلجها، الستة ووفاؤهم وعودتهم، وهم قد رأوا أن عسى أن يكون الذي يجمع شتات قومهم، ولننظر هنا لوعي صفوة من القاعدة بتخبطات قومهم، وأدوائهم، وكذا وعيهم بالنبوة هنا بصفة خاصة، مع ما تذكروا من حديث يهود عن النبي الموعود، وأن عليهم أن يسبقوهم إليه،  ثم الاثنا عشر العام المقبل ومصعب بن عمير وعودته معهم يعدّ المدينة بعام قبل دخول رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم العقبة الثانية والثلاثة والسبعون ومجيئهم مع قومهم للحج مخفين إسلامهم وهذا أيضا جزء بالغ الأهمية من حركة الشعوب ووعيهم، والاثنا عشر نقيبا وعملهم المكمّل لإعداد المدينة بالدعوة، ثم لا ننسى البنود بينه وبين الأنصار أن ينصروه ويمنعوه ولكن في حدود المدينة مثلا لا خارجها، حتى أنه في بدر وعند تبيّن أمر ذات الشوكة، لم يفصح رسول الله صلى الله عليه وسلم بمُراده وتمنيه تأييد الأنصار له، بل صمت، وعرّض أنه يريد سماع رأيهم، حتى تكلم سعد بن معاذ وتبيّن له تأييدهم له حتى خارج حدود المدينة ...

ولا ننسى السرايا والغزوات في العام الأول قبل بدر، وكيف كان يبعث فيها المهاجرين دون الأنصار احتراما منه لما بينه وبينهم من عهد الحماية في حدود المدينة ... وبالتالي هنا، رسول الله صلى الله عليه وسلم سبقت حكمَه الدعوة، وإنما ما كان في المدينة هو تهيئة من الله تعالى للأرض الحاضنة، ولأهلها الذين كانوا ألين عريكة من أهل مكة أكثر منها دخول رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوة الملك، أو ربما هنا ترافق العمل مع القاعدة والعمل على مستوى القمة، والله أعلم .

والتاريخ يشهد أيضا أنّه كان لعلماء الحق دور مع سلاطين انحرفوا، وأنّ حركة الشعوب كان لها دورها، بل إن ابن تيمية ذاته هو من قادة الحرب على البدعة بالداخل، وحرب عدو الخارج، كما عاصره ثلة من علماء أفذاذ كانوا في عصره، وكان لهم دور إعادة المعنى السليم للشريعة في أذهان المسلمين، وما العز بن عبد السلام عن ذلك العصر ببعيد وهو الذي لقّب ببائع الملوك...

وحتى ملاحظته عن الشعوب وكونها خيرا من حكامها، هذا من شواهد الرأي الآخر الذي يقوم على دور وعي الشعوب بفساد حكامها، هذا الوعي الذي يولّد التغيير مع تراكمات الزمن...

أكرر... أحترم جدا رأيه، وأرى فيه صوابا، ولكن أيضا أرى من الجانب الآخر ما يؤيده، وعلى هذا فربما التقى الجانبان في عملية التغيير أكثر من التركيز على كون حالة هي التي تؤدي للتغيير دون الأخرى.

والله تعالى أعلى وأعلم .

العنوان: رد: واقع الحال... وهل من سبيل للقيام ؟
أرسل بواسطة: ماما هادية في 2016-07-10, 13:07:11
أنا لم أضع رأي (إلهامي) لأني أؤيده كما أني لا اعارضه
وضعته للتأمل

وكلام أسماء وجواد ايضا جدير بالتأمل

وفي التاريخ عبرة

قناعتي الحالية (وهي ليست مطلقة)
اننا بحاجة لإنشاء قاعدة عددية كثيرة، كافية لإفراز الحاكم المسلم واختياره ثم حمايته،
هذه القاعدة هي النخبة الايمانية التي تؤثر ولا تتأثر، تجاهد وتضحي وتستمسك بالحق مهما كانت الظروف
وهي المعول عليها في بناء المجتمع المسلم والتأسيس لحكم الله تعالى
ثم هناك عموم الجماهير التي تنقاد وتتأثر بالبيئة أكثر من مقاومتها لها... هذه الجماهير يصلحها الحاكم الصالح ويفسدها الحاكم الضال
والله أعلم
العنوان: رد: واقع الحال... وهل من سبيل للقيام ؟
أرسل بواسطة: حسن في 2016-09-10, 18:43:39
أشكرك أسماء على ما علقت به
وكل تعليقك الأول يبدو أنه يميل إلى التركيب بين النظرتين، لذلك لن أعقب عليه، نتفق فيه...

وأحب أن أقول عن مثال "أمن العدل المساواة بينهما" وعدم تشابه الفتاتين... وكل مثال شبيه به..
نعم لا من العدل قطعا، وهذا يستشعره أي عاقل فكيف يفوتك.
واسمحي لي أن أدقّق هنا أيضا، بقول أنّ الذي أقصد بالضبط هو نظرتنا لكلاهما وانتظرانا للتغير الآتي منهما... بمعنى أننا سننطلق من قضية العدل والمساواة، لنمضي إلى نتيجة أهم وأكثر تطبيقية، وهي : ما مدى التغيير والقدرة التي ننتظرها من الأضعف مقابل الأقوى؟!

وهل معرفتنا بما يجب أن يقوم به ذلك الشخص المسؤول كافٍ أو ينبغي معرفة "القدر الذي يمكنه تحمله" من تلك المسؤوليّة ؟

فإننا لو عرفنا الوزن (المسؤولية، الشرع، الدين) دون معرفة قدرة الذي سيحمله (الناس هنا) فستيحطم كلاهما، الشيء المحمول يتلف بوضعه على كاهل من لن يحفظه، والحامل سيتلف أيضا بتحميله ما لا طاقة له به، وإهلاكه به قبل أن نرى منه تغييرا أو تأثيرا !!

ويمكنك ملاحظة أنّ كثيرا من الناس، يستطيع أن يعرف أن الفتاة الأولى أكثر حظا وأكبر فضلا، ولها من القوة والثبات ما يجعلها غير متساوية مع الثانية، الأقل حظا والأضعف...
لكن القليل منهم ينتبه في مرحلة "المطالبة بالعمل" بأن مجرد وجود إنسان مكلّف لا يعني وجود قادر على ذلك التكليف، وهذا ما نراه في الخطاب الديني كثيرا، يخاطب الناس كلهم كأنهم على قلب وعزم رجل واحد من خيارهم !!؟

علّ الفكرة وضُحت أختي أسماء
العنوان: رد: واقع الحال... وهل من سبيل للقيام ؟
أرسل بواسطة: حسن في 2016-09-10, 18:47:13

كذلك ارجو من الاخ حسن مزيد توضيح لتعليقه على مشاركة جواد، وخاصة قوله: ( لا استطيع ان اقتبس لاني اكتب من محمول، انا اقصد سؤاله المزعج وما تلاه)
 emo (30):

وجزاك الله خيرا ماما هادية

بالنسبة لكلامي المبهم عن المحافظة... قصدتُ به أنّ مجرّد عامل واحد قد تغيّر كما لم يكن في زمان النبوة، وهو المحافظة، قد يخلق مشاكلا في العمل الميداني والسياسيّ والإعلاميّ، بغض النظر عن الاختلاف في الدين وأساسياته، أو وجود عداء خارجي أو داخلي...

بكلمات أخرى صارت "الليبرالية والمحافظة" اتجاهين اجتماعيين يتزيّل بهما البشر وتقوم من أجلهما الولاءات والاعتبارات والعداوات...
العنوان: رد: واقع الحال... وهل من سبيل للقيام ؟
أرسل بواسطة: حسن في 2016-09-11, 00:11:25
وما هي الغاية من هذا التغيير بالأساس؟
وهل بدأ الرسول صلى الله عليه وسلم التغيير من القمة فعلا؟

مشكلتي الأولى مع هذا الرأي أنه يؤصل الإمعية والتبعية في المجتمع، وهذا لم يكن حادثا في زمان الرسول صلى الله عليه وسلم ولا في زمن الخلفاء الراشدين، بل إن خطبة تولي الخلافة لكلا من الصديق والفاروق أصلت لإيجابية المجتمع المسلم الذي يقوم خليفته حين يخطئ.
وهذا هو الأقرب للعقل والمنطق، فلا يمكن أن نأمن الفتنة على شخص واحد نضع في يديه مصير الأمة بكاملها وكأنه قد عصم من الخطأ.

أخ جواد، شكرا على المداخلة

بالنسبة لسؤالك هل بدأ الرسول صلى الله عليه وسلم من القمة؟
هل هو سؤال تجعل جوابه دليل على عدم معقولية ومشروعية البداية من القمّة (بصرف النظر عن بعض المفاسد التي ذكرت في نقطة لاحقة) ؟ أو تجعل جوابه مجرّد معطى لا يختلف حوله اثنان ولا يجعله أيضا شيئا محرّما؟!

أسألك هل بدأ سليمان بملكه عليه السلام من القمة او من القاعدة ؟ فهل وجود نبي آتاه الله الملك شيء يقدح في النبوة أو في المنطق ؟

هذا وجواب سؤالك ليس كما تظنّ أخي، فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يبدأ من القمة بسبب أن ذلك محرم أو غير منطقيّ كما يوحي تساؤلك وتعقيبك ويجعل من ذلك أمرا شرعيا لا ينبغي الخروج عنه البتّة. بل قد دعا بل حرص علي إسلام أكابر القوم (كما في قصة ابن أم مكتوم) كي يكونوا رؤساءَ خيرٍ إذا ما آمنوا، وسببا في تأثير من رأس الهرم ومواطن القرار، وقد دعى بإعزاز الإسلام بأشراف القوم...

أما قضية الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر فلا تتعارض بحال مع قيادة راشدة، بل إن القيادة الراشدة والصالحة، هي من تسمع وتشاور في الأمر...

أما عن اعتراضك على مبدأ التأثير البيئي والاجتماعي بنطاقه الواسع، انطلاقا من اعتراضك على "الإمعيّة" أقول:
- أولا هل الإمّعة مذمومة في حدّ ذاتها ؟ أو هي كأي وسيلة إذا أدت للخير قبلنا وسلمنا بها؟
ماذا نقول في اتباع العلماء إذن، أو جماعة المؤمنين (ويتبع غير سبيل المؤمنين) والتواصي بالتعاون على البرّ، والتزام الصالحين (واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم) أو (المؤمن ضعيف بنفسه قويّ بأخيه) !؟ كلّ هذا حسب منطقك "إمّعية" مجتمعيّة..

بل إن وصول الإسلام إليك وإليّ وإلى أعضاء هذا المنتدى كلهم، لم يكن ممكنا إلا "بآليّة" الإمّعية والتقليد، فهل نستنكرها أم نعتبرها وسيلة صحيحة صحّةَ الغاية التي استخدمت فيها ؟!

طيّب، نسلّم فرضا أنّ النبي صلى الله عليه وسلم لم يغير من قمة الهرم كما قلتَ. لماذا رضي من النجاشيّ إيمانه وهو الذي كان قائدا، ولم يستطع حتى إشهار إسلامه بين قومه النصارى ؟ كان ضعيفا فلماذا لم يقل له اهجر بلدك وهاجر إلينا لتكون مع القاعدة والصفوة مصلحا صالحا ؟!! سؤال يدعو للتأمّل.. وضعه هناك ومقامه خير للمسلمين من مقامه بين ظهرانيهم، فكان مجيرا عادلا وحليفا استراتيجيا


اقتباس
أما المشكلة الثانية، فهي الهدف من هذا التغيير، ففكرة أن يكون الناس على دين ملوكهم بها نفاق واضح وتحول من مراقبة الله عز وجل إلى مراقبة هذا الحاكم الذي تولى عليهم !
فإن كان هدف التغيير أن يدخل الناس الجنة، فهذا لا يتحقق بمثل هذه الحالة الموجية التي لا هم لها إلا الدنيا.

أراك أخي جواد تخلط هنا بين "ما يجب أن يكون" و"ما هو كائن" الناس على دين ملوكهم وثقافة بلدهم وإعلامه (في الأزمنة المعاصرة)... هذه حقيقة ولا يمكن إنكارها بمجلدات ومحاضرات فضلا عن جملة واحدة.

طيّب كيف تُفسّر أن المسلمين في البلدان المسلمة يكونون على دين خليفتهم وحكامهم ومجتمعهم ؟! أم أنّ هذا شيء مطلوب ولا نستنكره لأنّه يعكس ما نحبّ ؟

هدف التغيير هو خلق وسط يمكن أن يعبد الناس فيه ربّهم وتسهل عليهم العبادة مثل (إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض...) ولو كان الدخول للجنة لمن آمن فقط دون ظروف معينة على ذلك، لما كان الجهاد والدولة والأحكام والشرائع والقوة شيئا مشروعا ومرغّبا فيه... ولكانت الشعائر كافيّة...


اقتباس
والمشكلة الثالثة، أن فرضية دخول الرسول صلى الله عليه وسلم المدينة حاكما تحقيقا لمبدأ القمة قبل القاعدة، غير صحيحة أبدا (...)

والمشكِلة الرابِعة، أن فكرَة البدْء من القمة تتطلب بالضرورة استخدام التقية، أو التخلي عن جزء من المبادئ الإسلامية للوصول إليها،
وهذا ما رفضه الرسول صلى الله عليه وسلم في مكة بوضوح، فلم يندمج في نظام الحكم في مكة أو يحاول إصلاحه تدريجيا،
ولم يوافق على أي من عروض الزعامة التي عرضها عليه كفار مكة، لأن فيها تعارض مع مبادئ الإسلام.
.

أظنّ أن المشكلة الثالثة وتسميّتك إياها "بالفرضيّة" :) شبيهة بالمشكلة الأولى، ثم ما المشكل عندك أخي أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم سعى للتغيير من رأس الهرم، خصوصا أنّ الله أمره أن يكون حاكما بين الناس بالعدل والشريعة الربانية، ولا يكون ذلك إلا لرئيس !؟

أما المشكلة الرابعة، كون النبي صلى الله عليه وسلم ترفّع عن ذلك، لا يعني أن ذلك محرّم على غيره، فالتغيير يكون قدر المستطاع، وفي النجاشي عبرة، فقد كان يمارس التقيّة ولم يُنكر النبي صلى الله عليه وسلم دوره ولم يعتبره مفسدا ! والأنبياء لهم مسارهم وتأييد خاص بهم، ونصر مجهّز لهم، والله عصمهم من أي شبهة زعامة على حساب المداهنة في الدّين خصوصا أنّهم يقيمون دين الله ودولته دون  اللجوء لالتماس القبول والتأييد من أعداء الدعوة...

ثم المهم، هل حذّر النبي ونهى من أقوام يأتون ويغيرون قاعدة الشعوب من رأس الهرم بالخير والعدل والشرع ؟!! أبدا لن تجد هذا... ببساطة لأنها من أنجع السّبل وأنفعها لعباد الله تعالى، وتكفي عناء معارك كلامية ولاهوتية بين المثقفين، مجرد ثقافة جماهيرية ينتشر فيها الخير والإيمان والعدل... دون مناظرات لحفظ مكانة الدين أو إدخال الناس فيه أو إقناعهم... وأغلب الناس يتبنون أفكارهم بهذه الطريقة، أي طريقة التلقّي...


اقتباس
والمشكلة الخامسة، أن آلية التفكير هذه خطيرة جدا، فهي تريد الوصول لنتيجة شكلية، ولا تتلمس التغيير الحقيقي لحال الناس في المجتمع،
وهذه مشكلة خطيرة للغاية، تجرد الدين من حقيقته وتجعلنا مسوخا مادية في معادلة رياضية لا أكثر

لا خطيرة ولا شيء، لا تهوّل الأمر أخي جواد :) من قال أن الدين سيُجرد من حقيقته، كأننا لا نتفق على كيفية انتشار الأفكار والعقائد ورسوخها في الأذهان، وكأنك تتبنى طريقا واحدا لانتشارها ورسوخها في الأذهان، وهو طريق الأكياس والباحثين وأولي العزم ؟! هل يمكن تعميمها على كل الناس هذه الطريقة...

تحيّتي أخي، وعذرا على الإطالة...
العنوان: رد: واقع الحال... وهل من سبيل للقيام ؟
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2016-09-11, 12:04:47
أولا عودا أحمد يا حسن لهذا الموضوع emo (6): بعدما هجرناه تقريبا، وهو الذي يحتاج إطلالات   

ثانيا:

أنا معك حول ضرورة إدراك مقدار ما يتحمّل المكلّف من المسؤولية، لا التكليف هكذا بعميّة، الكل في الأمر سواء... ثم يأتي التثريب واللوم والانتقاد والانتقاص ... وهذا من مثالب الذي يتصدر للدعوة، والخطاب والاحتكاك بالناس، وهو يرى الكلّ قادرا على الفعل بالمستوى ذاته ...

ولكن لي بعض الملاحظات..
الأمر لا يبدو لي بالمطلق، بل يبدو أيضا بنسبية حتى في هذه الحال، بمعنى أنّ المطالِب بالعمل، نعم يجب أن يدرك تلك الفروق بين الناس، بل يجب أن يتحلى بثقافة فيها من تحسّس وتلمّس طاقة كل واحد ممن يكونون مثلا تحت إمرته، في كيان جماعي للعمل المشترك مثلا، في مؤسسة ...

وحتى إن لم يكونوا تحت إمرته، وهو يتوجه للناس بالعموم كالداعية أو المصلح، عليه أن يكون توجّهه واقعيا، لا يطالب فيه بالخوارق والمعجزات، ولا أن يجعل على قدم المساواة كلّ من يدعوهم، أي أن يكون رفيقا، متحسّبا، باسطا للاستثناءات ...

ولكن من ناحية أخرى، من ناحية "المُطالَب" والذي عرفنا أنه بين حالات مختلفة، وظروف مختلفة أحاطت به لها دورها في "كمّ" ما يستطيع تحقيقه، وكذا في "كيف" ما يستطيع تحقيقه...
هذه نتفق أنها نظرة المطالِب بالتغيير(بالكسرة)  للمطالَب بالتغيير (بالفتحة) ..

هناك حالات عرفنا منها غير المتوقَّع، فتجد الذي نظنّ به ظروفا تحول دون أدائه كما يؤدي من ظروفه أحسن، تجده كان ذا عطاء أكبر، وفاجأك بقوة لم تحتسبها فيه ...

إن شئت من الصحابة تجد الكثيرين، تجد الفقراء الذين تحمّلوا الأعباء الشديدة، والجوع والمخمصة ولم يحُلْ فقرهم دون قيامهم للدين أحسن قيام ... عمار بن ياسر وبلال رضي الله عنهما مثلا..
وكما كانت ظروفهم صعبة، أحاطت بهم ظروف جديدة جعلتهم أيضا يتحدّون تلك الظروف القديمة، هذه الظروف الجديدة تتمثل أساسا في مجتمع متكافل، حقق التكافل والعدل وأقامه في أحسن أشكاله، فلم يترك فيه المتمكن عاجزا، ولا الموسر مُعسرا .. ولم يترك مِن فرق بين غني وفقير.. ولا بين سيد ومسود..

هذا عامل من العوامل، هناك ممن حولنا ممن نعرف لهم ظروفا صعبة، ولكنهم أيضا يفاجؤوننا أحيانا كثيرة بأن يكونوا أكثر من غيرهم تشرّبا للمعاني، وأداء للدور بشكل لا نتوقعه ..

ربما ترى في جامعيّ متخرّج، مثقف، مُكثر من الكلام حول هموم الأمة، ومشاكلها، منتقد لكل مسؤول، حتى لكأنه الذي لو وُضِع مكانه لجاء بالحلول طيرانا، ولفتح الأبواب الموصدة، ترى فيه من لا يثبت ساعة العمل، يظهر على السطح، وتحسبه فردا في جماعة عاملة، وما يفتأ أن ينقطع، لا يثبت أمام التحديات، والصعاب والعراقيل، يريدها سهلة لا تكلّفه صبرا ولا تصبرا ...

بينما تجد فيمن كان مستواه العلمي أقل، ومن كانت ظروفه المادية أصعب من الأول، عزما، وجلدا، وصبرا، وثباتا على العمل، وإيمانا بالرسالة . هذا مما عاينتُه عن قرب .

كُثُر ممن نعرفُ فيهم بعدا عن الدين، ساعة يجدّ جدّ تلقاه أكثر عزما وإقداما على فعل الخيرات، وعلى الانخراط في أعمال الخير، وعلى المنافحة عن الدين .. ربما هي ذخيرة مخبوءة فيه، تنتظر أن تجد دافعا بين الدوافع المحفّزة لتظهر على قوّتها ..

إذا بحثتَ وجدتَ تظافرا بين عوامل داخلية من نفسه، وعوامل خارجية، ربما وجد التشجيع، ربما وجد من يشدّ على يده ويعطيه أملا في التغيير ...

هذه أمثلة، وغيرها أيضا كثير، أردتُ بها أن أقول أن هذه القاعدة من جهة المُطالَب ليست بالثابتة دوما، وليست الظروف الصعبة في كل الأحايين حائلا..نعم في أغلبها هي حائلة دون عطاء مَن كانت ظروفه أحسن، ولكن هناك حالات ...

وبالتالي برأيي، أن الداعي للتغيير عليه أن يكون ذا وعي وحسّ عال..
 من جهة يجب أن يكون خطابه معقولا، واقعيا، ليس فيه التكليف للجميع على قدم المساواة، وأن يكون متيقنا من تفاوت القدرات، وألا يكون في دعوته تعسير، ويجب أن يراعي الضعف البشري على عمومه في الجميع بمن تؤهله ظروفه وبمن لا تؤهله ..


ومن جهة أخرى أن يرهف حسّه فلا تفوته علاماتٌ بعينها فيمن يُظنّ بهم ضعفا، وهم أهل لأداء للرسالة .. فيذهب به سوء ظنّه أن يُقصي مَن قد يتأهل بدافع وحافز ينفذ إلى مفتاح شخصيّته..

أظن في علم النفس مثلا عندكم يا حسن قوية هذه الحاسة ؟ أليس كذلك ؟  emo (30):

طيب .. أيضا هناك نقطة أخرى على ذكرك :
اقتباس
فإننا لو عرفنا الوزن (المسؤولية، الشرع، الدين) دون معرفة قدرة الذي سيحمله (الناس هنا) فستيحطم كلاهما، الشيء المحمول يتلف بوضعه على كاهل من لن يحفظه، والحامل سيتلف أيضا بتحميله ما لا طاقة له به، وإهلاكه به قبل أن نرى منه تغييرا أو تأثيرا !!

تمام، وأتفق معك، ولكن استحضرت أمرا، لا يجدر بي إغفاله، بل سأطرحه ..
استحضرت هنا الذين استحفظهم الله على كتابه، فلم يحفظوه، بني إسرائيل، هم حُمِّلوا، وممّن؟ من رب العزة جلّ في عُلاه العالم بطاقتهم وقدرتهم، فما حملوا، قال لهم سبحانه : "خذوا ما آتيناكم بقوة"
فما أخذوه، وما حملوه، لم يحفظوا ما استحفظوا عليه..
وهنا التكليف من الله تعالى كان عن علمه سبحانه المحيط بطاقتهم، ولكن البغي كان منهم، فما حفظوا وما بلغوا ...
إذن الإشكالية هنا تُطرح من باب أن يكون المطالَب، والمكلَّف أيضا في ذاته ليس ذا أهلية عزم للعمل بعيدا عن الظروف، نفسه هنا هي العلّة لا ظروفه ... فإذا كُلِّف ممن عرف فيه طاقة وقدرة، وظروفا مواتية، لم يأتِ بما يُتوقع، أو ربما لم يأتِ أصلا بشيء ...

هذا ما وددتُ ملاحظته .. والذي أرى فيه استثناءات يجب أن ننتبه إليها.. لنحيط بحيثيات الأمر قدر المستطاع .

لا أظن ردي هذه المرة طويلا  :blush:: يجدر بنا الثبات على الإطالة   :emoti_64:
العنوان: رد: واقع الحال... وهل من سبيل للقيام ؟
أرسل بواسطة: حسن في 2016-09-11, 15:07:14
والعود أحمد... شكرا  emo (30):

أحسنت في الجزء الأوّل وما قلت جميل... ولن نختلف حوله، إلا إذا كنتُ أقصد ب"القدرة على التكليف وتحمل المسؤولية" وظروف الشخص، الظروف الخارجية فقط :)

قصدت بطاقة المرء كل ما يُعتبر طاقة له سواء كانت داخلية أو خارجية، بدليل أن الظروف الخارجية قد تكون غاية في اليُسر والإعانة، ولكنّ الفرد لا همة له ولا عزيمة ولا تضحية ولا صبر، فنقول أنه "لا يصلح للمهمة"
والعكس، قد تكون ظروف قاسية جدا، والفرد ذو همة عالية وصبر وثبات، فنقول "يصلح للمهمة"... وهكذا الأمر يدور مع وجود "الطاقة" كنتيجة ومعطى بغض النظر عن مصادرها الخارجية والداخليّة....

وقد قلتها أنتِ في الأخير كتركيب ظننتِ أنّني خالفته في الأوّل


اقتباس
إذا بحثتَ وجدتَ تظافرا بين عوامل داخلية من نفسه، وعوامل خارجية،  ...

وبهذا تكون القاعدة في المطالبة ثابتة إذا ما تعلّقت "بطاقته" لا بمجرّد وجود مصادرها سواء أثّرت فيه أو لم تؤثّر... بعبارة أخرى، وجود "دواعي" القوة والعمل والتغيير ليس كافيا للحكم على الناس بالقدرة والطاقة والصلاحية للمهّمات... إنما درجة تأثّر الأفراد والمجتمع بتلك الدواعي واستدماجها لتصير طاقة يُستفاد منها...

وإلا فنظريّا ستكون المجتمعات المتخلفة بطاقاتها "الكامنة" وإمكانياتها مثلها مثل المجتمعات المتقدمة، لأننا لو نظرنا إلى العوامل والإمكانيات سنجدها متشابهة، بل ربما أكبر مما عند دولة متقدمة... ومع ذلك هناك خلل، خللٌ في الاستفادة  من تلك الإمكانيات، في توظيفها بسبب خلل في العقليات والسلوكات والرؤى والتصورات...

- بالنسبة لسؤالك عن علم النفس وحاسة "التعاطف" هذه فهي لها علاقة بشخصية المرء قبل كلّ شيء، من يحمّل نفسه عناء فهم الناس والتريّث في الحكم عليه، ورحمتهم ومتابعة ظروفهم قبل أخطائهم... قد يكتسب هذه الخاصيّة، فإذا درس علم النفس يكون أفضل ويكتسب أدوات وآليات علمية ودقيقة ومعرفة رائعة...
وإن لم يدرس علم النفس (على أن يكون اهتمامه موجّها لفهم الشخصيات لا أمور أخرى لشساعة هذا العلم وتفرّعاته) فسيكون أفضل ممن درس علم النفس وليس من طبيعته الرأفة والعذر والإنصات لآلام الناس وفهم ظروفهم... :)

أمّا قضية تكليف الله تعالى لأهل الكتاب، فعلم الله تعالى فوق كل علم ولا شكّ علم ما سيكون منهم ومع ذلك استحفظهم، ليعلم كيف يصنعون، وهذا مثل استخلافهم في الأرض من بعد ما استضعفوا {عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ (129)}
فقد علم أنّهم سيبدّلون ويغيّرون ويفسدون ولكنّه استخلفهم ليقيم عليهم الحجّة...
إضافة إلى أن التكليف بحفظ كتاب الله، لا يدخل ضمن التكليف بما لم يطاق، لأنه يكفيهم الصدّق وعدم الكذب، يعني "ترك للكذب" وهو أيسر على النفوس من الجهاد مثلا، و"الإتيان" ولكنّهم حرفوا الكلم من بعد مواضعه بغيا وفسادا، لا لمجرّد الضّعف...

وبهذا يكون كما قلتِ السبب بغيُهم وليس عدم قدرتهم أو ضعفهم... فلم يكلّفهم بقتال فرعون مثلا بل نجّاهم منه، لعدم استطاعتهم قتال دولة فرعون وعساكره، وهذا ضعف لا بغي وإفساد

تحيّتي  emo (30):
العنوان: رد: واقع الحال... وهل من سبيل للقيام ؟
أرسل بواسطة: جواد في 2016-09-12, 00:31:14
جزاكم الله خيرا أخي حسن على الرد،

واسمح لي أولا أن أوضح لك أنني لم أقصد حراما أو حلالا أو تشريعا يأثم من يخالفه.

كل ما في الأمر أنني أعبر عن فكرة مقتنع بها، وأراها من وجهة نظري هي الأسلم والأصوب (وإلا فكيف أكون مقتنعا بها!) .

ثانيا، مرة أخرى، واعذرني في ذلك، ما الهدف من هذا النقاش؟
ما الذي سنخرج به بعده؟

على مدار 16 عاما قضيتها على الإنترنت وتابعت فيها النقاشات من البال توك إلى المنتديات وأخيرا الفسبوك، وكلها بنظري لم تغير من الواقع شيئا.

بل، تحول الأمر إلى زيادة في الشقاق وإمعانا في الفرقة وخسارة للمساحات التي يمكن التعاون فيها على الحقيقة،
حتى إذا ما رأيت مشاريع تحاول العمل والقيام والخروج من دائرة كثرة الكلام المقيتة تلك، لم تجد من يدعمها على أي شكل كان.

حقيقة الأمر التي خلصت إليها، أننا ابتلينا بكثرة الكلام وقلة الأفعال، حتى صرنا نتناقش في أدق التفاصيل ونتشاحن لأمور ما لها من مواقع فعلي،
ويأخذ الظن بنا، حتى يشكك كل منا في إيمان الآخر ونيته ومبتغاه من وراء ما يقول.

انظر بنفسك لهذا النقاش الدائر هنا، نرد على بعضنا البعض، في سلسلة لن تنتهي من الردود، ثم يذهب كل منا إلى حاله في النهاية.
وأرجوا ألا تفهم من هذا أيضا أنني أدعوا للصمت وعدم النقاش مطلقا، وإنما أدعوا للنقاش داخل العمل،
فهناك فقط يكون للنقاش مردود فعلي ومؤثر، وهناك فقط تقل مساحة سوء الفهم لأننا نتعامل بشكل مباشر ونرى من الأعمال الأخرى ما يعيننا على فهم شخصية الآخر ووضع كلامه في سياقة الصحيح.

لهذا أخي أعتذر على إكمال النقاش، ويسعدني دوما أن أكون في نقاش عن عمل فعلي يجري، لا جدال فلسفي يخرج بعده كل منا إلى ما يعمل ويتابع حياته كما كانت.

جزاكم الله خيرا، وكل عام وأنتم بخير.
العنوان: رد: واقع الحال... وهل من سبيل للقيام ؟
أرسل بواسطة: حسن في 2016-09-12, 22:23:26
أهلا :)

إذا كان الأمر لا علاقة له بالتشريع أو الحرام أو الحلال، فلا داعي إذن بالاستدلال بفعل الرسول صلى الله عليه وسلم، سنّته. فقد حسبتك تستدل بهما من أجل "قضية تشريعية"... إذا كان الأمر "عمليّا" محضا بعيدا عن التشريع، فالاستشهاد بالواقع والقريب والدراسات الحديثة أكثر "براكماتية" (ولا يعني أنها صحيحة)

بالنسبة لما قلت عن كثرة الكلام وقلة الأفعال... أولا لن يكون الفعل إلا بعد فهم ما يجب أن يُفعل... وكم صدّع أقوام وعلماء وشيوخ وحركيون رؤوسنا بالمناهج والتنظيمات والرؤى الشرعية وووو... ثم ساعة العمل زلّت الأقدام وأسفرت الظروف عن جهل كبير بالواقع خباياه وبالأعداء ومكرهم، وبدت السذاجة على محيّى الكلّ... لا شكّ أن التجربة تدخل في المعرفة أيضا.. ولكنّ المشكل أنّ ما قدمته التجربة قد قدمه تنظيرا أشخاص فسُفّه رأيهم وتم تجاهله...
وأيضا، النقاشات حتى إن كانت دون عمل فهي تبيّن الأخطاء في الآراء والاعتقادت لك الأطراف...

المهم... لا عمل إلا بنظرة سليمة..

ثانيا: قضية كثرة الكلام والنت والمنتديات.. أنا أصلا من المعترضين عليها :) ، لذلك لم تجدني في بالتوك، أو منتديات أكتب كثيرا، وحتى الفيس أكتب وأنا أعرف جيدا أنني قد أكون ممن يحرث في الماء...

وطبيعي أن تكون ردّة فعلك بعد 16 سنة عجفاء في نظرك ردّة معاكسة لتجربتك تماما... وكما قلتَ لا ينفي هذا الكلام في مواطنه...

أما الحياة اليومية والعودة لها، فلا بدّ :) لأن نقاشنا ليس في مؤسسة تغيير بل تقليبا للآراء، وحتى إن خرجنا بحلّ واضح ممكنِ التطبيق، فلن نخرج عن حياتنا فنقوم عليه مشروعا، لأننا لسنا من المختصين فيه... وليس كل من تكلّم في اللاهوت والفلسفة والتجويد والفقه والفلك.. فهو مختص فيه او أستاذ فيه...

وسؤالك مشروع للغاية : (ما الغاية والهدف والنتيجة من هذا النقاش)...

ولكن عندي سؤال أنا أيضا
ها أنت مثلا قلتَ أنك مقتنع بفكرة تظنها صحيحة، وأنا أعارضك فيها... إذا نزلنا لساحة العمل أنا وأنت أو أشباهنا من المختلفين أفرادا أو طوائفا، أي الرؤى سنحفف ونعمل عليها ؟ حتى إن كنا نقول جملة واحدة في اليوم، ونعمل أضعافها ؟!

القضية ليست بهذه السهولة... فقد كانت الأمة قديما في ازدهارها تعمل وتتكلم في أمور تافهة ودقيقة للغاية، ولم يُثنها ذلك عن الأعمال...

على أيّ أحترم قرارك، فالنقاش أصلا يتقدم بتبادل الآراء وتقدمّ التعليقات من أصحابها، وليس أحد ملزم بالتعليق أو النقاش إلا براحته :)

وهذه..

اقتباس
ونتشاحن لأمور ما لها من مواقع فعلي،
ويأخذ الظن بنا، حتى يشكك كل منا في إيمان الآخر ونيته ومبتغاه من وراء ما يقول.

ليست مني ولستُ منها.. :)

وكل عام وأنتم بخير يا رب
العنوان: رد: واقع الحال... وهل من سبيل للقيام ؟
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2016-09-13, 04:59:37
أطللت، فوجدت رد جواد  فقلت يبدو أن النقاش سيُثرى مع مشاركتنا جميعا فيه  emo (30):
فوجدتك تعتذر عنه، وهذه حريتك طبعا ولا غبار على أنها كذلك، ولكن فقط إخوتي وددت  أن أسجل ملاحظة حول قضية الكلام والعمل  مع تأكيدي على حريتك فيما تتبنى من رأي ..

أولا.. سبحان الله، وبكل قوة أقول أن حالي خلاف حالك مع المنتدى، أقول المنتدى لأنني بفضل الله تعالى لم يكن تواجدي على النت كلها على صعيد النقاش والكتابة إلا عليه وعلى الفيسبوك ومن قبل وجوده، جُلّ مَن هم هنا كانوا على منتدى عمرو خالد .. يعني بفضل الله لم تكن من بعثرة للطاقة بالشكل الذي يعطي الغثاء لا النماء..

أما حالي الذي أحسبه تأثيرا فعليا على حياتي الواقعية، وبكل قوة أقولها، فهو تأثير هذه النقاشات عليّ، ومدى استفادتي منها، ومدى ما ساهمت مع ما ساهم من عوامل في تشكيل رؤية للكثير مما حولي..  ولما عليّ القيام به.. ومدى ما أمدتني بالقوة .. لخوض غمار العمل ..

الحمد لله والفضل له سبحانه، اختيار الثلة الواعية برأيي والتي لها فكر مستنير، وطاقة مذخورة مع ما نعلم من عملها، لا قولها وحسب، له دور كبير في التأثر والتأثير.. دور كبير في قلب الكلام عملا..

السؤال الذي طرحتَ حول الهدف من هذا النقاش، هو السؤال الذي طرحته وأطرحه حول كل نقاش أدخله، فلا أدخل نقاشا أرى فيه نفسي متكلمة، مكثرة من الكلام هواء وهباء، وإنما أكتب وأقرأ وأنا أتمثل الواقع أمامي .. وتطبيقات الواقع..

ولا أرى في هذا النقاش الذي نخوضه هنا إلا واقعا نعانيه، نريد أن تتقادح الأفكار وتتلاقح عسانا نجد فيه مع سبل أخرى، -أهمها الاحتكاك بالناس والقراءة- مخرجا لأنفسنا ونحن على الأرض، على الواقع، ونحن نحتك بالناس، ونحن نسعى لنشر وعي، نزعم أننا نملك منه شيئا بفضل الله لا إيتاء من قوتنا ..

هذه النقاشات أسباب من الأسباب التي نتلمّسها، نريد أن نطرح فيها انشغالاتنا، ونتمنى أن يسمع فيها أحدنا الآخر...أن يعترض عليه، أن يبسط ملاحظاته.. خاصة والواحد منا يعلم مَن يناقش، ويعلم ممن يسمع، فهو يريد من أخيه يدا تشد على يده، تقويه، إن باعتراض منبعه صدر سليم، أو بموافقة منبعها التشجيع على الإقدام وأن يا أخي إن هنا أذنا تسمعك وعقلا يعي ما تقول، ونحن نعلم كثرة ما نُبتلى بآذان صماء، وعقول لا تعي مما حولها إلا السطحي وأن الحياة طريق يقتات فيه الإنسان ويشرب ويتزوج وينجب ليقتات من أنجبه ويشرب، وهكذا في دورة ليست بعيدة عن دورة الحيوان (أكرمكم الله)

أعي جيدا أننا جميعا هنا بإذن الله، نريد أن نكتب لنتعلم، لينفع بعضنا بعضا، ليبحث الواحد منا عند أخيه عما ينفعه على أرض الواقع ..

لهذا أناقش، والحمد لله ساعة أجد من النقاش ما لا يثمر إلا دورة تعيد نفسها من الكلام، فقط الكلام الذي يعيد في كل كرّة للصفر،  أنسحب..
وهذا ما لا أفعله على هذا المنتدى، والذي أمنيتي الدائمة أن يعود كما كان عامرا بالنقاشات، بما تسمح الأوقات وتتيح ..

فلَكَم استفدنا .. ومازلت آمل أن تعود الفائدة .. بهذا الموضوع بإذن الله وبغيره ..  نلتقي لنتعلم.. ولنعمل ..

أيضا بخصوص العمل أود أن أسجل أنه يبقى في علم الله عمل كل منا، لذلك فإني أرى من الإجحاف وصف من يناقش أنه قليل العمل مثلا ..
وما يُدري أحدَنا بواقع عمل الآخر .. ؟!

كم من متحدث عن العمل لا يعمل (ولا أعنيك طبعا أخي جواد).. وكم من متكلم يعمل، مناقش لا يناقش إلا وهو العامل ..

والحمد لله من علمي عن أخواتي هنا على الأقل، فهنّ العاملات على الأرض بما نقول هنا ...

وددتُ لو أننا نلتقي لنتناقش مع ما أوضحتُ أعلاه بخصوص النقاشات ومرادنا منها هي خلفيات لا أشك أن أحدا منا لا يملكها..

ولكن يبقى لكلّ منا حريته وقناعته..
وقناعتي التي أسجلها دوما أنني استفدت واستفدت في واقع حياتي من نقاشات لي هنا مع إخوة مستنيرين بفضل الله، استفدت منهم جميعا.. بالاعتراض، وبالتصويب، وبالموافقة، وبالتأييد.. وكلها تنبع من واقع البحث عن الحق، وإرادة اتباعه، بتسديد ومقاربة واجتهاد إن كانت فيه الإصابة فنعمّا هو، وإن كان فيه الخطأ، فذلك طبع البشر..

وأخي حسن جديد معنا هنا، ولكن وكأنه الجديد القديم، لما عرفت فيه من سعة فكر وتأمل وعمق في الطرح كانت دائما العوامل التي جمعتنا هنا بإخوتنا .. أسأل الله أن يديمها عليه، ويجعلها  بابه لكل خير ..

أخيرا أقول.. هذا الموضوع بالذات، وكأنه الجامع لكل الموضوعات..
فلعلنا نطرح ونضع فيه ما نتبادل به المنفعة .. والله من وراء القصد ..

احترامي وتقديري لكم جميعا، لك أخي جواد ولما قدمت، وأتمنى أن يزيد منك، لك أخي حسن على حسن تفاعلك، وآرائك المهمة..  ونتمنى أن نواصل والله المستعان.
العنوان: رد: واقع الحال... وهل من سبيل للقيام ؟
أرسل بواسطة: جواد في 2016-09-13, 05:42:30
جزاكم الله خيرا أخوتي،

وأعتذر لكما عن حدة كلماتي، فهي ليست مقصودة في ذاتها، ولكن يبدوا أن التقدم في العمر وتردي واقع الأمة يوما بعد يوم وكثرة المشاهدة التي تفتك بالقلب، له تأثيره على أسلوب الكلام، وهذا سبب آخر يدعوني لتجنب النقاشات قدر المستطاع.

أود أيضا توضيح، أنني لم أعني بكلامي عن العمل أي منكما، فكلامي عام تماما، وأتهم نفسي بكل ما أقول هنا، وأسال الله أن يعفوا عني.
والمتابعة الصامتة أفضل لي على كل حال، فقد كسر قلمي منذ زمن وصار سنه حادا لا يصلح للكتابة دون جروح.

جزاكم الله خيرا.
العنوان: رد: واقع الحال... وهل من سبيل للقيام ؟
أرسل بواسطة: حسن في 2016-09-13, 14:44:34
ما قالت أختنا أسماء.. رأي أيضا، أليس كذلكم :)

شكرا لكِ، نعذر أخانا جواد... وجزى الله كلٌا حسب همه وعمله ولو لم يعتبره الناس عملا، فهو أعلم بالمثاقيل سبحانه...

بالنسبة لما قلت أخ جواد عن : ( وتردي واقع الأمة يوما بعد يوم وكثرة المشاهدة التي تفتك بالقلب)

أحب أن أقول أنّ ثنائية وجدلية : "متابعة أحوال الأمة والمشاهد التي تضر القلب والنفس" أو "عدم متابعتها وعتزال الأذى فيها"...

هي نفسها جدلية "هل نتحدث مما قد يؤثر على عملنا ويلهينا" أو "لا نتحدث ونركز على العمل"...

يعني، لو كانت متابعة أحوال الأمة تُضع المؤمن وتحمله ما لا يطيق قلبه، وتحطم نفسيّته... فهل متابعتها والاهتمام بها محمود أم مذموم ؟ وماذا نستفيد من مؤمن محطّم مثقل بالهموم يسحقه الظلم كمتابع لأخباره بعد أن سحق من وقع عليه من الناس ؟!

أسئلة كثيرة من هذا القبيل...

إذا تأمّلت أخي جواد ستعلم أنها قريبة من الإشكالية الأولى، بل هي أوضح منها نتيجة...
فالذي يتيه في الكلام والتفاصيل (وأنا أتكلم عامة)، ظانّا أنه يقدم شيئا لدينه، مع شعور بالحماسة لتلك التفاصيل واعتبارها نوعا من الجهاد في سبيل الله، هو شبيه بالذي يتيه في هموم الأمة التي وربّ العزة بما للإعلام اليوم من قدرة على نقل كل شيء، أكبر وأثقل من أن يتحمّلها جيل بأكمله فما بالنا بقلب رجل واحد !

الخلاصة لا يمكننا أن نقول بالاعتزال التام لهموم الأمة، كما لا يمكننا أن نقول بالاعتزال التام للنقاشات.. ووجبت الموازنة، كل حسب رؤيته وتخصصه...

من جهتي أنا لا أنصح بمتابعة الأخبار، هو مما يحب أن يلم به المرء لينقاش ويعرف أحوال الأمة ويكون على علم، ولكن ذلك كله ينقلب على نفسيّته وشخصيّته بالسلْب، وأيضا مما يظنه الناس أن الاهتمام "بعين المشكل" قد ينتج لنا "حلاّ للمشكل" وننسى أنّ الحل أحيانا كثيرة، يكون بعيدا كل البعد عن المشكل، بسبب أن المشكل ناتج نهائيّ لعدة عوامل، والسليم العمل على كل عامل من العوامل على حدة، حتى إن ظهر أنه بعيد جدا عن الحل الأساسي...
مثال: لما يكون الطالب ضعيفا في كلية الهندسة مثلا... هناك من سيركز على تلقينه دروس الهندسة، وهناك من سيرى أن الأولى تعليمه اللغة الأجنبية لأنه ضعيف فيها، وذلك سبب ضعفه في الهندسة لأنها تعتمد على اللغة الثانية كثيرا...

فمن اختار الحل الأول، سيُتعب نفسه والطالب أيضا، ولا نتيجة، ولكن يعتبر نفسه عاملا مجدا لحلّ المشكل... أمّا الثاني فيُنظر له أنه يعمل في غير القضية الأساسية، ولكن الواقع يقول كلمته ويتحسن طالب الهندسة بعد اجتهاده في اللغة  الثانية لأنها كانت العقبة الحقيقة...

بكلمات أخرى مشاكل الأمة، من الحروب وووو... قد يكون العمل لمحاربتها، في مجالات قد تظهر بعيييدة جدا عنها... والله أعلم

والله وليّ التوفيق...
العنوان: رد: واقع الحال... وهل من سبيل للقيام ؟
أرسل بواسطة: ابنة جبل النار في 2016-09-13, 21:50:16
متابعة  :)

أسماء لم تردي على معايدتي  ؟!!  :(
واش راك ؟ ؛)
العنوان: رد: واقع الحال... وهل من سبيل للقيام ؟
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2016-09-13, 22:21:43
معذرة إخوتي أرد غدا إن شاء الله  emo (30):

جئت سريعا من أجلك بهي ..

متابعة  :)

أسماء لم تردي على معايدتي  ؟!!  :(
واش راك ؟ ؛)

بهي، أي معايدة ؟ لا يوجد شيء.. مرسالكِ ليس به شيء، بل أنا ارسلت لك معايدة، ولم تردي، وتبدين عليه غير متصلة.. به مشكلة ؟ !

العنوان: رد: واقع الحال... وهل من سبيل للقيام ؟
أرسل بواسطة: ابنة جبل النار في 2016-09-14, 04:10:23
أقصد هنا في بيت العيلة  :)   أما هناك فأنا في استراحة  :)
شكرا لمجيئك مسرعة :)
العنوان: رد: واقع الحال... وهل من سبيل للقيام ؟
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2016-09-14, 11:22:21
فهمت الآن يا بهي :)

----------

لا بأس أخي جواد، وأتفهم جيدا ما وصفت من حالتك.. عفا الله عنا جميعا وتجاوز عن ضعفنا وسيئاتنا.

اقتباس
من جهتي أنا لا أنصح بمتابعة الأخبار، هو مما يحب أن يلم به المرء لينقاش ويعرف أحوال الأمة ويكون على علم، ولكن ذلك كله ينقلب على نفسيّته وشخصيّته بالسلْب

نعم..  هو الدرب الذي سلكته من زمن، ولو لم أفعل لما وجدتُني أخطّ حرفا ولا أخطو خطوة، هكذا وجدتُني أبلغ حدا لا طاقة لي بعده، حتى يومنا، أبتعد عن كل صورة أو تفاصيل خبر، خاصة ما يجري في سوريا.. بل الأخبار المأساوية عموما لم تعد لي بها من طاقة، وعند هذا الحد يجب أن ينتبه الواحد منا لأن ما يحدث يشيب له الولدان، ويهدّ الجبال،  والأمة بحاجة لأمل ينبعث من نفوس آملة، ومن يريد المواصلة عليه أن يبتعد، على أن يكون هذا الابتعاد مرشّدا، لأن النفس من طبيعتها التعود، وتبلّد الإحساس أيضا آفة، والوسطية هي المطلوبة، وتحقيق الوسطية أيضا يجب أن يحرسه صاحبه لئلا ينغمس فيما يُذهب عنه الاهتمام، فيتسطّح ..

يحضرني هنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في غزوة الأحزاب الفارقة والتي تغيرت مجرى الحروب عند المسلمين من بعدها، من الدفاع إلى الهجوم، يعلم بالجحافل المقبلة من قبائل العرب متحالفة، عشرة آلاف، والمسلمون يأخذ منهم الجوع والتعب والنصب من حفر الخندق كل مأخذ، وفي عزّ النّصب يردد أبيات شعر لابن رواحة يروّح بها عن النفوس صلى الله عليه وسلم .

عن قضية المشكل وحله، هناك ما يُطرح من الحلول هو من شاكلة علاج الأعراض لا الداء الأصيل المتجذر..والله الهادي .

المَدد من عند الله والتوفيق من عنده سبحانه، فإياه نسأل الرشاد وأن يرزقنا السداد في القول والرأي والفعل..
العنوان: رد: واقع الحال... وهل من سبيل للقيام ؟
أرسل بواسطة: حسن في 2016-09-14, 16:07:38
أهلا بك أختي بهيّة  emo (30):

أحسنت فعلا أختي أسماء، ذلك قرار صائب، وفي نظري حتى إن لم يتأثر (أو يدافع التأثر) مسلم يعمل في مجاله وحدود تأثيره، من تربية أولاد، أو جمعية صغيرة، تحسّن أوضاع المعاقين أو الأطفال المتخلى عنهم، أو تعلّم بالمجان، أو يوعّي الشباب المتدين لكي لا يقع في الأخطاء في مجالس أخوية غير رسمية .. أو أو أو...

فأرى أنّه في الطريق الصحيح، فإن الحزن والأسى ليس تعبّدا في حدّ ذاته، فإن كان مدمرا مضعفا يصير محرما وعبثا.. وللشيخ ابن تيمية رحمه الله كلام نفسي حول الحزن... وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يستعيذ منه..
ولكنّ النفوس تركن له، لأن الإحساس بالأسى والقهر، يجعل النفس "تتوهّم" البذل والعطاء في القضية، ولا حاجة لربّنا سبحانه بهذا النوع من الاستثمار ...

اللهم وفقنا وتب علينا
العنوان: رد: واقع الحال... وهل من سبيل للقيام ؟
أرسل بواسطة: ابنة جبل النار في 2016-09-14, 19:45:08
أهلا بكم  :)