لم أكمل بعد التلخيص، ولكن أحببت أن أشير إلى نقطة بالغة الأهمية أشار لها الدكتور مجدي، ولا أدري إن كان ف يالكتاب مفصلا قد وفاها ما تستحق، لأن التلخيص لن يعبر عن المساحات الحقيقية التي أفردها الدكتور لكل نقطة .
وذلك في قوله :
ما نقصده من التوجه للقرآن أولا عند إرادة البحث في موضوع ما: إنما نقصد به المعاني الهادية فقط، وأما ما يخص الأحكام الشرعية فلا ينبغي لنا أن نقفز مباشرة إلى آيات القرآن لنستنبطها، فهذا لا يجوز، وليس من اختصاصنا، بل من اختصاص الفقهاء، فعلينا أن نرجع لكتبهم
نعم وهذه برأيي تستحق التدقيق وأن يُتوسع فيها، لأنه من الخطورة بمكان أن نظنّ أن عيشنا مع القرآن قد يسمح لنا بالاستنباط، والفهم العميق للأحكام هكذا دون علم مسبق ولا سنوات تُقضى في علوم الدين والقرآن، وقواعده وأصوله، لا يجب الاستهانة بهذا أبدا، وإلا لأصبحت الأمة قيد الأهواء لا قيد العلم والعلماء، ولا أحب أن يقودنا ما نراه من عينات علماء سلطان إلى الإفراط في الحكم على عامتهم أحكاما عشوائية تقلل من دورهم في الأمة ...وتجعلنا رهن أهوائنا وتفسيراتنا.
وقد قال سيدنا أبو بكر رضي الله عنه وأرضاه وهو مَن هو : "
أي أرض تقلّني وأي سماء تظلني إذا قلت في القرآن برأيي".
والاستفراد بالقرآن دون الرجوع لما قاله العلماء في التفاسير، خطر أراه كبيرا، وذلك من أبواب التفسير بالرأي، وتحضرني استفاضة أبي حامد الغزالي رحمه الله في "إحياء علوم الدين" فيقول في فقرة:
"
أن يكون له في الشيء رأي ، وإليه ميل من طبعه وهواه فيتأول القرآن على وفق رأيه وهواه ، ليحتج على تصحيح غرضه ، ولو لم يكن له ذلك الرأي والهوى لكان لا يلوح له من القرآن ذلك المعنى . وهذا النوع يكون تارة مع العلم كالذي يحتج ببعض آيات القرآن على تصحيح بدعته ، وهو يعلم أن ليس المراد بالآية ذلك ، ولكن مقصوده أن يلبس على خصمه. وتارة يكون مع الجهل ، وذلك إذا كانت الآية محتملة فيميل فهمه إلى الوجه الذي يوافق غرضه ، ويرجح ذلك الجانب برأيه وهواه فيكون قد فسر برأيه ، أي رأيه حمله على ذلك التفسير ، ولولا رأيه لما كان يترجح عنده ذلك الوجه . وتارة يكون له غرض صحيح فيطلب له دليلا من القرآن ويستدل عليه بما يعلم أنه ما أريد به ، كمن يدعو إلى مجاهدة القلب القاسي فيقول : قال الله تعالى : اذهب إلى فرعون إنه طغى ويشير إلى قلبه ، ويومئ إلى أنه المراد بفرعون ; وهذا الجنس قد يستعمله بعض الوعاظ في المقاصد الصحيحة تحسينا للكلام وترغيبا للمستمع ، وهو ممنوع لأنه قياس في اللغة وذلك غير جائز . وقد تستعمله الباطنية في المقاصد الفاسدة لتغرير الناس ودعوتهم إلى مذاهبهم الباطلة ، فينزلون القرآن على وفق رأيهم ومذهبهم على أمور يعلمون قطعا أنها غير مرادة . فهذه الفنون أحد وجهي المنع من التفسير بالرأي . "
لذلك لا يمكن لنا الاستغناء عما ترك العلماء، فذلك يهذب فينا ألا نعتد بآرائنا وبفَلَتاتها عندما نتدبر القرآن .