أيامنا الحلوة

الساحة الثقافية => :: مما قرأت :: => الموضوع حرر بواسطة: حازرلي أسماء في 2014-10-15, 16:19:35

العنوان: من وحي كتاب
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2014-10-15, 16:19:35
بسم الله الرحمن الرحيم

في الحقيقة، كلما قرأت شيئا مهما في كتاب، أحببت التعليق عليه، أو اقتباسه، أو تذكرت منه أمرا آخر، أو أسقطت، فأحببت أن أخصص لذلك هذا الموضوع، حتى لا تضيع نيتي بفعل ذلك  emo (30):

يصعب عليّ تزامنا مع استرسالي في القراءة أن أضع تلخيصا للكتاب، ولذلك سأحاول وضع تعليقاتي أو اقتباساتي لفقرات مهمة بإذن الله .

والله المستعان . وأسأل الله أن يعمنا ما ينفعنا وينفعنا بما يعلمنا .
العنوان: رد: من وحي كتاب(ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين)
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2014-10-15, 16:27:04
هذه الأيام أنا مع "ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين" لأبي الحسن الندوي، وهو الكتاب الشهير الذي لم أقٍرأه من قبل....

يصعب عليّ تزامنا مع استرسالي في القراءة أن أضع تلخيصا للكتاب، ولذلك سأحاول وضع تعليقاتي أو اقتباساتي لفقرات مهمة بإذن الله .

----------------------------

كلما قرأت عن الظلمة التي سادت العالم والأرض قاطبة بين القرنين السادس والسابع ميلادي... تحيرت، وبهت، وشدهت لكم التخبطات والتضاربات التي كان يعيشها الناس....
لقد عبدوا كل شيء.... عبدوا الذهب والفضة، والمعادن كلها، والنار والجبال والأنهار، وآلهة سموها آلهة التناسل !!
والآلات، وما يخطر بالبال وما لا يخطر.... ونحتوا الأصنام والأوثان أشكالا وألوانا... من ذهب ومن فضة ومن خشب.....
ومجدوا ما لا يمجد.... وتاهوا وضاعوا وتخبطوا..... واتخذوا بوذا إلها وهو الرجل الذي قالوا عنه "حكيم" وضع خبرات حياة !!
وكنفوشيوس الذي وضع حكمة رأسه...!! واختلطت البرهمية بالبوذية... وتفنن الزرادشتية والمزدكية في ضروب الفاحشة.... وأحلوا كل محرم، حتى تزوج الرجل ابنته، وتزوج أخته... وأحلوا أن يتقاسم الرجال نساء الرجل الواحد لا يملك أن يتكلم أو يرفض وعندهم وعنده سواء ولا تثريب...!!

كم كانت الأرض تحتاج مخلصا من نوع فريد خاص... فها هم قد عبدوا حكيما لم يدعهم إلى الله... وها هم قد عبدوا الطبيعة.... وها هم قد قدسوا الصالحين حتى صنعوا لهم أصناما وعبدوهم....!
 
لم تكن الأرض بحاجة لمصلح أو حكيم.... إذن لعبدوه كما عبدوهم.... لقد احتاجت الأرض داعيا إلى الله.... إلى عبادة الله.... إلى توحيد الله.... إلى رجل ذي إشراقات سماوية....وتربية ربانية، إلى رجل يدعو العباد لعبادة ربهم لا لعبادته وتقديسه...إلى رجل يحدثه الله ليبلغ عنه.... !! لقداحتاجت الأرض محمد.... لقد تاقت لمحمد ولا أحد غير محمد......!!
العنوان: رد: من وحي كتاب(ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين)
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2014-10-15, 16:31:23
من وحي : "ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين"

دولة الظلم ساعة... ودولة العدل إلى قيام الساعة... قالها ذلك الرراهب الرومي لعمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو يقطع المسافات الطوال ويخوض المخاضات من المدينة إلى القدس فاتحا بثياب مرقعة....يسوق دابته التي يركبها خادمه...والذي كان يتناوب وإياه ركوبها طوال الطريق....!

وكانت دولة الروم ودولة الفرس دول ظلم وطغيان وأكل القوي للضعيف واستطالة فئة خاصة على الضعفاء....!! وكان ذلك سبب سقوطهما.... ويستدير الزمن... وتدور الدوائر... ويصبح الظلم في ديار الإسلام.... ولا يقيم الله لديار الظلم قائمة وإن كانت مسلمة... ولن نعود أقوياء حتى يعود العدل إلى ربوع ديار الإسلام....
العنوان: رد: من وحي كتاب(ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين)
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2014-10-15, 16:33:05
كتاب : "ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين"

" إن الإسلام لا ينظر - كالنصرانية – إلى العالم بمنظار أسود ، بل هو يعلمنا أن لا نسرف في تقدير الحياة الأرضية ، وأن لا نغالي في قيمتها مغالاة الحضارة الغربية الحاضرة .إن المسحية تذم الحياة الأرضية وتكرهها، والغرب الحاضر -خلاف الروح النصراني – يهتم بالحياة كما يهتم النهم بطعامه ، هو يبتلعه ولكن ليس عنده كرامة له ، والإسلام بالعكس ينظر إلى الحياة بسكينه واحترام ، هو لا يبعد الحياة بل يعدها كمرحلة نجتازها في طريقنا إلى حياة عليا ، وبما أنها مرحلة ومرحلة لابد منها ليس للإنسان أن يحتقرها أو يقلل من قيمة حياته الأرضية .إن مرورنا بهذا العالم في سفر الحياة  لابد منه ، وقد سبق به تقدير الله ، فالحياة الإنسانية لها قيمتها الكبرى ، ولكن لا ينبغي لنا أن ننسى أنها ليست إلا واسطة وآلة وليست قيمتها إلا قيمة الوسائط والآلات ، الإسلام لا يسمح بالنظرية المادية القائلة (( إن مملكتي ليست إلا هذا العالم)) ولا بالنظرية المسيحية التي تزدري الحياة وتقول (( ليس هذا العالم
مملكتي )) وطريق الإسلام طريق وسط بينهما...


أبو الحسن الندوي _ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين_
العنوان: رد: من وحي كتاب(ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين)
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2014-10-15, 16:35:51
من وحي : "ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين"


بالعودة إلى تاريخ أوربا من أقلام أبناء أوروبا لا من أقلام العرب... نكتشف أن النظرة المادية الأوروبية للدنيا والكون والحياة والإغراق فيها ليست أبدا بالشيء الجديد ولا المستجد الذي تولد عن تهافت التطور في شتى المجالات العلمية والتكنولوجية... بل إنه أهم موروث تاريخي يعود إلى الحضارة الأم لأوروبا .... الحضارة اليونانية بماديتها المغرقة في المادة حتى الثمالة والتي ورثتها عنها الحضارة الرومانية بحذافيرها....
إن المادية الأوربية البعيدة كل البعد عن التأثير الروحي للدين ليست وليدة التطور العلمي بل هي أصل من أصولها وجزء من تكوينها.... أصل في حضارة قامت على الإيمان بالمحسوس حتى بلغ ذلك منهم أن لم يتصوروا وجودا غيبيا لله... بل جعلوا للرحمة آلهة، وللحب آلهة وللجمال آلهة.... ولم يقدسوا دينهم وآلهتهم إلا كما يحترمون رجلا عظيما بينهم أو دون ذلك... حتى أن أحد قادة الرومان لما غرق أسطوله البحري كسر آلهة البحر....!!

وكانت الدنيا عندهم قائمة على الاستجابة لكل الشهوات قبيحها وحسنها سواء بسواء... لا رادع ولا حد...وكانوا يقدسون "الوطنية" -منذ العصور اليونانية- إلى الحد الذي استفحلت معه شهوتهم في التعدي على غيرهم من الشعوب ونهب ثرواتهم وسلبهم أملاكهم وديارهم، حتى عرفوا بالنزعة الاستعمارية... لا غرابة إذن في مادية تتفاقم يوما بعد يوم وهي ليست بالوليدة ولا الجديدة بل هي القديمة الموروثة عن حضارة وثنت الدين وحرفته وخرفته.....! وعلمت أبناءها منذ الأزل أن الدنيا غابة يأكل فيها القوي الضعيف....
العنوان: رد: من وحي كتاب(ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين)
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2014-10-15, 16:39:26
من وحي : "ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين"


عندما تتنادى أوربا وأمريكا متباكين... منتحبين على رجل منهم يقتل على يد من يصفونهم بالإرهابيين الإسلاميين... عندما يقيمون الدنيا ولا يقعدونها على تفجير أو اثنين... يتناسون جرائمهم التاريخية الشنعاء...! يتظاهرون بمظهر الحمل الوديع الذي ينتف الإرهابيون الأصوليون صوفه... وينسون ما اقترفت أيديهم ...!
أين انجلترا من وعد "بلفورها" المشؤوم الذي سلمت به فلسطين لقمة سائغة لإسرائيل؟! أين رقتها ووداعتها من فتكها بمسلمي الهند في بدايات القرن التاسع عشر ؟!
أين إنجلترا الراقية الحرة الديمقراطية من جرائمها الاستعمارية؟! وأين فرنسا الحرة الثائرة المتنورة من جرائمها الاستعمارية في أفريقيا ؟! ومن قتلها للنساء ومن زرعها للألغام ومن تعذيبها لرجال لم تكن خطيئتهم إلا أن قالوا "الله أكبر" أيها المعتدي الغاصب.... وهب يريد استرجاع حقه الذي سلبته إياه ...
أين أوروبا من ميراثها الدموي ؟ ومن تاريخها النازف من دماء الإنسانية التي شقيت بتأليهها للقوة ؟!
ويأتي اليوم من تعلوه أبهة البذلة ويضع نظارة العلم ليصف الإسلام بالعنف والإرهاب ؟! أتنسى أيها الإنجليزي ؟! ولكن التاريخ لا ينسى .......
وإن كنت تنسى الماضي ويصيبك حياله "الزهايمر" فكيف تنكر جرائمك اليوم في كل بقعة من بقاع الأرض الإسلامية ؟! لا هم لك إلا النهم والشره لدماء الأبرياء تقيضها بذهب الأرض الأسود الذي أخذ لبك وقلبك .....!!!! هل عجزت الألسن أن تذكركم بشنائعكم يا من تشنعون على الإسلام والمسلمين ؟؟
العنوان: رد: من وحي كتاب(ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين)
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2014-10-15, 17:00:04
من : "ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين"


الفلسفة الإسلامية في شنّ الحروب تقوم على أنّها في سبيل إعلاء كلمة الله، وفي تعبيد الأرض لله .

جاء في صحيح البخاري :

قال أعرابي للنبي صلى الله عليه وسلم: الرجل يقاتل للمغنم، والرجل يقاتل ليذكر، ويقاتل ليرى مكانه، من في سبيل الله؟ فقال: من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله

إذن فهذه هي المعادلة، من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله ...

الحرب في الإسلام لتصرة المظلوم، لإقامة العدل والمساواة، للانتصاف للضعيف من القوي، أما الحروب عند الآخرين، عند الغرب، عند أوروبا، وعند أمريكا، فتقوم على تقديس القومية، ذلك التقديس الذي يجعلها نهمة شرهة لامتلاك ما ليس لها، لإعلاء أعلامها على أراض أخرى ....

ويعبر عنها الندوي، ويورد من عبر عن هذه الفلسفة المادية، والتي تقدس القومية وترى القوة إله، بتعبيرات وافية ، أورد منها :
*************************

أما الدولة الكبيرة فترى من واجب قوميتها أن تبسط سيطرتها على أكبر رقعة من الأرض وترفرف أعلامها على مساحات واسعة وإن كانت قفاراً أو صحارى وتكون لها مستعمرات وممتلكات في قارات مختلفة ، وأن كان ذلك يكلفها جيوشاً وأموالاً بغير فائدة جدية تعود عليها ويصعب عليها حراستها والقيام بشئونها ، كل ذلك مما توجبه عليها شريعة القومية ، وليس لها غاية أخلاقية وتمرة أدبية غير ما تسميه (( المجد القومي والشرف القومي )) .
وقد شرح الأستاذ (( جود )) المجد القومي بقوله :
(( إن المجد القومي إنما يعني أن يكون الشعب يملك قوة يسلط بها رغبته وهواه على آخرين إذا مست الحاجة ، ويكفي لشناعة ما يسمونه ( المثل الكامل للشعب ) وهو المجد القومي إنه يناقض الصفات الخلقية والفضيلة إذا كانت بلاد لا تقول إلا صدقاً ، وتفي بوعودها وتعامل الضعفاء معاملة إنسانية فمستوى شرفها عند الأمم منحط فالشرف – كما قال المستر بلدون - : عبارة عن قوة تنال الأمة بها المجد والفخار وتستلفت إليها الأنظار وتشغل الأفكار ، ومعلوم أن هذه القوة التي تنال الأمة بها هذه الدرجة من الشرف إنما تتوقف على قنابل نارية متفجرة ومشعلة للنيرات ، وعلى وفاء الشبان وولائهم للوطن ، الذين يحبون إلقاء تلك القنابل على المدن . فالشرف الذي يمدح لأجله شعب يناقض تلك الصفات والأخلاق التي يمدح بها الفرد ، فأرى أن الشعب يجب أن يعد همجياً وغير مهذب بالمقدار الذي يملكه من الشرف ، إذا ليس من الشرف أن ينال الإنسان أو الشعب الشرف بالخديعة والمكر والظلم (225))) .
(( إن الكبر – أكثر من الطمع – هو الذي يحمل الطبقة الحاكمة في بريطانيا على اتباع خطط لا تتفق مع ما يتظاهرون به من حب الصلح والوئام ، دع رجلاً يقترح على ولاة الأمر في بريطانيا أن يهجروا قيراطاً من رمل من ممتلكاتها التي لا تغرب فيها الشمس ومن أشدها قحولة وجدباً ، تر المحافظين الأبطال في إنجلترا يقيمون العالم ويقعدونه سخطاً وحنقاً ، وترى الصحافة الإنجليزية المعتدلة تتميز غيظاً ، إذاً تعلم أن هؤلاء المحافظين ليسوا طماعين فقط بل هم مستكبرون معاندون(226) )) .

منافسة الشعوب في المستعمرات والأسواق :
وقد سبقت إلى هذا الاستعمار والامتلاك أمم وتخلفت أخرى ، ثم نهضت الأخيرة تنافسها وتطالب بأسهامها وتبحث لها عن مستعمرات وأسواق لبضائعها وشرفات تغزو عليها على المجد والفخار ، وتعد بفضلها من الإمبراطوريات الكبار ، وقامت الأولى تدفعها وتحول بينها وبين ما تشتهي ، وتزعم أنها إنما تغضب للأمم الصغيرة ونصرة المظلوم . ولكن كثيراً من الناس ، من أنفسها ومن الأجانب ، يشكون في إخلاص هذه الأمم وفي صفاء طويتها وحسن نيتها .

يقول الأستاذ (( جود )) : (( الانجليزي – جاهلاً أو متجاهلاً للمسائل التي أدت إلى قسمة ضيزى للعمران ، ضارباً صحفاً عن سخط الشعوب مثل اليابانيين – يعتقد أن الإنجليز أمة سلمية ويرمي اليابانيين بحب القتال والضراوة بالحروب . والإنجليز لا شك أمة سلمية ، ولكن مسالمتهم مسالة لص قد اعتزل حرفته القديمة ، وقد أحرز شرفاً وجاهاً بفضل غنائمه السابقة ، وهو يبغض الذين يدخلون جديداً في حرفته القديمة ، عنده فضول أموال وغنائم لا يستهلكها ، ولكنه يلقب الذي يريدون أن يساهموا في ذلك بهواة الحرب(227) )) .

وكثيراً ما تنشب الحرب بين هذه الأمم السابقة إلى السيادة والتملك وبين الأمم المتطلعة لها الطامحة إليها ، ولكن هذه الحرب لا يصح قياسها على حرب تشهر لردع الظالم والانتصار للمظلوم وإقامة القسط عملاً بقول الله عز وجل : {وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِن فَاءتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ }( الحجرات ) ، ولكن هذه الحرب حرب شح ومنافسة ، وحرب غيرة وحسد ، ما كانت جمعية الأمم ( الفقيدة ) التي كانت هذه الحروب تشهر تحت إشرافها ، ولا خليفتها الأمم المتحدة )) إلا كما قال الأمير شكيب أرسلان : (( مثل العروض بحراً بلا ماء ، ما وجدت إلا لتلبس الاعتداء حلة قانونية ، وتسوغ الفتوحات بتغيير الأسماء ، لا يطيعها سوى ضعيف عاجز ، ولا تستطيع أن تحكم على قوي متجاوز )) أو في لفظ فقيد الإسلام الدكتور محمد إقبال : (( جمعية لصوص ونباشين تألفت لتقسيم الأكفان )) .
قال الأستاذ ( جود ) الإنجليزي : 
(( إن حرباً تشهر تحت إشراف عصبة الأمم ليست للعدل بين الأمم يقوم بها شرطة العالم للأخذ على يد الظالم وعقاب المعتدي ، ليست هذه الحرب إلا كفاحاً بين الطوائف المتنافسة في القوة . الواحدة منها حريصة على المحافظة على القسط الأكبر من ثروة العالم ومواردها ، والأخرى متهالكة على تحصيلها ، إن مثل هذه الحروب لا تختلف عن حروب نشبت بين الطوائف المتنافسة في الماضي ، ولا عن حروب النمسا وبروسيا(228) ، وعن حروب السنوات السبع(229) وعن حروب نابليون ؛ وعن حرب 1914 – 1918 . لا تختلف هذه الحرب عن هذه الحروب كلها إلا في الاسم .
العنوان: رد: من وحي كتاب(ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين)
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2014-10-16, 12:34:15
من وحي "ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين"

عبدت أروروبا المادة والطبيعة، وتشبثت بالأسباب، حتى خلطت الوسيلة بالغاية... فلم تعد مخترعاتها وسيلة، بل أصبحت في ذاتها غاية، وقد اخترعتها لتسهل عليها سبل الحياة، وتوفر لها الراحة ....وأصبحت ترى الحضارة في الراحة .وتقدمت على ذلك الدرب حتى لم تعد ترى الحضارة هي الراحة بل تراها في السرعة ....

"يقول دزرائيلي Disraeli إن المجتمع في عصره يعتقد أن الحضارة هي الراحة ، أما نحن فنعتقد أن الحضارة عبارة عن السرعة ، فالسرعة هي إله الشباب العصري ، وإنه يضحي على نُصبه بالهدوء والراحة والسلام والعطف على الآخرين من غير رحمة"
العنوان: رد: من وحي كتاب(ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين)
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2014-10-16, 14:22:01
من  : "ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين"


وأقتبس ها هنا مقالا رائعا جديرا بالتأمل لأبي أعلى المودودي عن الحضارة الأوربية، أورده أبو الحسن الندوي في كتابه "ماذا خسر العالم بانحطاك المسلمين"

------------------------------

"ظهرت الحضارة الغربية في أمة لم يكن عندها معين صاف ولا نبع عذب للحكمة الإلهية ، لقد كان فيها قادة الدين ولكن لم يكونوا أصحاب حكمة ولا علم ولا شريعة إلهية ، ولم يكن عندهم إلا شبح ديني لو حاول أن يسير بالنوع الإنساني على صراط مستقيم في طرق الفكر والعمل لما استطاع ، ولم يكن له إلا أن يكون حجر عثرة وسداً في سبيل ارتقاء العلم ، والحكمة ، وهكذا كان ، وكان عاقبة ذلك أن الذين كانوا يريدون الرقي نبذوا الدين بالعراء ، واختاروا طريقاً لم يكن دليلهم فيها إلا المشاهدة والاختبار والقياس والاستقراء ، ووثقوا بهذه الدلائل التي هي في حاجة بنفسها إلى الهداية والنور ، وجاهدوا واجتهدوا باحتذائها في طرق الفكر والنظر والتحقيق والاكتشاف والبناء والتنظيم ، ولكن ضلت خطوتهم الأولى في كل جهة وفي كل مجال ، وانصرفت فتوحهم في ميادين العلم والتحقيق ، ومحاولاتهم في سبيل الفكر والنظر إلى غاية لم تكن صحيحة ، إنهم بدأوا وساروا من نقطة الإلحاد والمادية ، نظروا في الكون على أنه ليس له إله ، نظروا في الآفاق والأنفس على أنه لا حقيقة فيها إلا المشاهد والمحسوس ، وليس وراء هذا الستار الظاهر شيء ، إنهم أدركوا نواميس الفطرة بالاختبار والقياس ولكنهم لم يتوصلوا إلى فاطرها ، إنهم وجدوا الموجودات مسخرة واستخدموها لأغراضهم ، ولكنهم جهلوا أنهم ليسوا سادتها ومدبريها ، بل هم خلفاء سيدها الحق ، فلم يروا أنفسهم مسئولين عنها ، ولم يروا على أنفسهم عهدة وتبعة ، فاختل أساس مدنيتهم وتهذيبهم ، وانصرفوا عن عبادة الله إلى عبادة النفس ، واتخذوا إلههم هواهم ، وفتنتهم عبادة هذا الإله ، وسارت بهم هذه العبادة في كل ميدان من ميادين الفكر والعمل على طريق زائغة خلابة رائعة ، ولكن مصيرها إلى الهلاك .

هذا هو الذي مسخ العلوم الطبيعية فصارت آلة الهلاك الإنسان ، وصاغ الأخلاق في قالب الشهوات والرياء والخلاعة والإباحة ، وسلط على المعيشة شيطان الأثرة والشح والفتك ببني النوع ، ودس في عروق الاجتماع وشرايينه سموم عبادة النفس والأنانية والإخلاد إلى الراحة والتنعيم ، ولطخ السياسة بالجنسية والوطنية وفروق اللون والنسل وعبادة إله القوة ، فجعلها لعنة كبرى للإنسانية .

والحاصل أن البذرة الخبيثة التي ألقيت في تربة أوربا في نهضتها الثانية لم تأت عليها قرون حتى نبتت منها دوحة خبيثة ، ثمارها حلوة ولكنها سامة ، أزهارها جميلة ولكنها شائكة ، فروعها مخضرة ولكنها تنفث غازاً ساماً لا يرى ، ولكنه يسمم دم النوع البشري .

إن أهل الغرب الذين غرسوا هذه الشجرة الخبيثة قد مقتوها ، وأصبحوا يتذمرون منها ، لأنها خلقت في كل ناحية من نواحي حياتهم مشاكل وعقداً لا يسعون لحلها إلا وظهرت مشاكل جديدة ، ولا يفصلون فرعاً من فروعها إلا وتطلع فروع كثيرة ذات شوك ؛ فهم في معالجة أدوائهم وإصلاح شئونهم كمعالج الداء بالداء وناقش الشوكة بالشوكة ، إنهم حاربوا الرأسمالية فنجمت الشيوعية ، إنهم حاولوا أن يستأصلوا الديمقراطية فنبت الدكتاتورية ، أرادوا أن يحلوا مشاكل الاجتماع فنبتت حركة تذكير النساء (Feminism) وحركة منع الولادة ، أرادوا أن يشترعوا قوانين لاستئصال المفاسد الخلقية فاشرأبت حركة العصيان والجناية ، فلا ينتهي شر إلا إلى شر ، ولا فساد إلا إلى فساد أكبر منه ، ولا تزال هذه الشجرة تـثمر لهم شروراً ومصائب ، حتى صارت الحياة الغربية جسداً مقروحاً ، يشكو من كل جزء أوجاعاً وآلاماً ، وأعيا الداء الأطباء ، واتسع الخرق على الراقع ؛ الأمم الغربية تتململ ألماً ، قلوبهم مضطربة وأرواحها متعطشة إلى ماء الحياة ولكنها لا تعلم أين معين الحياة ، إن الأكثرية من رجالها لا تزال تتوهم أن منبع المصائب في فروع هذه الشجرة ، فهم يفصلونها ويستأصلونها من الشجرة ويضيعون أوقاتهم وجودهم في قطعها ، إنهم لا يعلمون أن منبع الفساد في أصل الشجرة ، ومن السفاهة أن يترقب الإنسان أن ينبت فرع صالح من أصل فاسد ، وفيهم جماعة قليلة من العقلاء أدركوا أن أصل حضارتهم فاسد ولكنهم لما نشأوا قروناً في ظل هذه الشجرة – وبأثمارها نبت لحمهم ونشز عظمهم – كلت أذهانهم عن أن يعتقدوا أصلاً آخر غير هذا الأصل يستطيع أن يخرج فروعاً وأوراقاً صالحة سليمة ، وكلا الفريقين في النتيجة سواء ؛ إنهم يتطلبون شيئاً يعالج سقمهم ويريحهم من كربهم ولكنهم لا يعلمونه ولا مكانه." -أبو الأعلى المودودي من كتابه التنقيحات-   


العنوان: رد: من وحي كتاب(ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين)
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2014-10-16, 15:20:59
من وحي : "ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين"


في الفصل الرابع من الكتاب : رزايا الإنسانية في ظل الاستعمار الأوروبي، يعدّد الندوي الرزايا واحدة تلو الأخرى، فيبدأ ب"بطلان الحاسة الدينية"، والتي يوعِزُها لاستغراق أوروبا ماديا، وافتقارها الشديد روحيا... وتحت هذه الرزية يذكر ظاهرة دقيقة جدا يفصّل لها تحت عنوان : ما لجرح بميت إيلام

شدّني جدا استنتاجه هذا، والذي يقول فيه أن أهل الشرق كانوا يتميزون بالبحث الدائم والسؤال النّهِم عن مراد الحياة، ومعنى الحياة، والهدف منها، وما بعد الحياة .... وأنهم اشتغلوا بهذه الأسئلة الروحية، وكتبوا فيها، واستلهموا لأجلها ما سموه "الحكمة"، واستنطقوا في محوره "ما وراء الطبيعة"، وتكلموا فيه بالفلسفة .... ولكنهم أصابوا أم لم يصيبوا فقد كانت سمتهم البحث، وكان ميزتهم السؤال المستمر ...

أما أوروبا فقد أوغلت ماديا، واستغرقت حسيا حتى فقدت الحاسة الدينية، تلك الجاسة التي فعلها في الإنسان كفعل حاسة البصر التي بفقدها قد ينكر الأعمى جحودا الأشياء.... وكفعل حاسة السمع التي تجعل الحياة أمام الأصم مقبرة أموات .....!

فما الدقيق الذي شدّني ؟

هو أن الإنسان بهذه الصفات التي تكبر كلما كبرت المدنيّة من حوله، وكلما كثرت الاكتشافات، وتوسع مجال الاختراعات، وسبرت أغوار الطبيعة من حوله فأمدّته بكنوزها المحسوسة ... وكلما كبرت ماديته، صغرت حاسته الدينية، فلا يعود يكلّف نفسه عناء السؤال ....وذلك ضرب من الناس لا تجدي معه المواعظ الدينية، ولا تستدرّ الكلمات الروحية عاطفته، ولا دمعَه، قسا قلبه حتى لم يعد تجدي معه الكلمات ...وفي هذا أذكر حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم :"فواللَّهِ ما الفقرَ أخشَى عليكم، ولكن أخشَى عليكم أن تُبسَطَ عليكمُ الدُّنْيا، كما بُسِطَتْ علَى مَن كان قبلكم، فَتَنافَسوها كما تَنافَسوها، وتُلْهيَكُم كما ألهَتْهُمْ" -صحيح البخاري-

وعن ذلك يعبّر الندوي :
------------------
"أشد العقبات التي واجهها الأنبياء والدعاة الدينيون , واصطدمت بها خطبهم ومواعظهم ودعوتهم , هم أولئك الذين حرموا الحاسة الدينية أو فقدوها بتاتًا , والذين تحجرت قلوبهم وماتت نفوسهم في مسألة الدين, والذين آلوا على أنفسهم أنهم لا يفكرون في أمر الدين وأمور الآخرة , ولا يلقون السمع لهذا الموضوع أصلاً , والذين لما سمعوا كلام النبي الذين تجيش له الصدور وتلين له الصخور , ما زادوا أن قالوا في صمم وإعراض : {إِنْ هِيَ إِلّاحَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ } ولما انتهى النبي من كلامه السائغ المعقول الذي يفهمه الأطفال , والذين كان بلغتهم الفصيحة قالوا : { مَا نَفْقَهُ كَثِيراً مِّمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفاً }, {وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِّمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ وَمِن بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ } .
لاشك أن هذه الأسئلة كانت موضوع دراسة العلماء والمفكرين في فجر النهضة الأوربية الجديدة , واستمروا يبحثون فيها ويؤلفون ويتناقشون , ولكن كلما قطعت المدنية الأوربية شوطًا تخلفت هذه المباحث والأسئلة شوطًا ؛ ولما ظهرت خواص هذه المدنية الباطنة وتجلت هي في مظهرها المادي خفت - في ضجتها – هذا الصوت الذي كان ينبع من أعماق القلب وقرارة الضمير الإنساني الحي , ولا ينكر أن هذه الأسئلة تدرس في قسم الفلسفة وعلوم ما وراء الطبيعة في المدارس والمجامع العلمية والمكاتب العامة , ويتباحث فيها العلماء المتخصصون وتظهر لهم في هذا الموضوع تأليفات بين آونة وأخرى ؛ ولكن الذي لاشك فيه أنها فقدت سلطانها على القلوب والأفكار وامحت علامة الاستفهام الواضحة النيرة التي كان يراها كل إنسان عاقل فيقف أمامها كما تقف القطر أمام الإشارات , وأصبحت هذه الاستفسارات لا تحيك في صدر الإنسان ولا تشغله كما كانت تشغل آباءه وتحيك في صدوهم , ولم يكن ذلك عن إيمان وانشراح صدر وطمأنينة قلب واقتناع بحل صحيح وارتياح إلى نتيجة حاسمة . كلا ! لم يكن ذلك إلا لأن هذه الأسئلة قد فقدت أهميتها وأخلت مكانها لأسئلة مادية أهم في أعين أبناء القرنين التاسع عشر والعشرين منها , ولأن رجل العصر قد لزم الحياد التام في هذه المسائل وصرف النظر عنها , فلا عليه إن كانت بعد هذه الحياة حياة ثانية وكانت الجنة والنار والثواب والعقاب والنجاة والهلاك أو لم تكن , فلا يهمه شيء من ذلك لا سلبًا ولا إيجابًا , لأن شيئاً من ذلك لا يمس مسائلة اليومية أو في آخر الشهر , ولا يتصل بشخصه ولا يترك عاجلاً بآجل  ولا يتكلف ما لا يعنيه فيترك هذه المباحث (( الفارغة )) يبحث فيها معلم الفلسفة في الجامعة ويفضي فيها برأيه المؤلف في هذه الموضوع . أما هو فهو رجل جد وعمل ، لا يعرف إلا حياة المصانع والإدارات وسير الماكينات ولا يهتم إلا بتسلية النفس وترويحها في آخر النهار والنوم الهادئ في آخر الليل والأجرة في آخر الأسبوع أو الراتب في أواخر الشهور وحساب الأرباح في أخر السنة وإعادة الصحة والشباب في آخر العمر وأما ما بعد الحياة فهو عنده مجهول ووهم من الأوهام : {بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِّنْهَا بَلْ هُم مِّنْهَا عَمِونَ } .

إن هذا الضرب من الناس لا يزال يزداد عدداً وأهمية في كل أمة وبلاد بتأثير الحضارة الغربية ، ذلك الضرب من الناس لم يترك واشتغالهم بالحياة الدنيا والعكوف عليها فراغاً لدعوة دينية ، وإن الذين يدعوهم إلى الدين والحياة الأخروية ليتحير معهم كما يتحير السندباد البحري – كما تروي لنا حكاية ألف ليلة وليلة – مع بيضة العنقاء ، ظنها السندباد البحري بناء من رخام فدار حولها عدة مرات ليبحث عن باب يدخل منه فلم يجد ، كذلك الداعي الديني يدور حول رؤوسهم فلا يجد منفذاً يدخل منه إلى عقولهم ، ويدخل به دعوته الدينية إلى نفوسهم ، فقد أقفلت الحياة المادية ومسائلها جميع أبوابها وسدت جميع نوافذ فكرهم .

وكما أن رجلاً لم يحظ من الفطرة بالذوق الأدبي ، يسمع الألحان الجميلة والأبيات الرقيقة فلا يعدها إلا أصواتاً لا فن فيها ، كذلك الذي حرم الحاسة الدينية لا تؤثر فيه دعوة الأنبياء وخطب الوعاظ ، وحكمة العلماء وأمثال الصحف السماوية ، وتضيع فيه بلاغة البلغاء وإخلاص المخلصين ، ويصبح كل ذلك صيحة في واد ونفخة في رماد :
لقد أسمعت لو ناديت حياً  *** ولكن لا حياة لمن تنادي
والذي مني بهذا الضرب من الناس يفهم السر في قوله تعالى : {خَتَمَ اللّهُ عَلَى قُلُوبِهمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ } ، {أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً } وتظهر له حقيقة قوله : {وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُواْ كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لاَ يَسْمَعُ إِلاَّ دُعَاء وَنِدَاء صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ } ولم يلق في شرحها وتعليلها ما لقيه المفسرون الذين لم يشاهدوا هذا النوع من صعوبة .

داء هذا العصر الذي لا ينجح فيه الدواء ولا يؤثر فيه العلاج هو الاستغناء التام عن الدين ، ولم يلق رجال الدعوة الدينية من العنت والشدة في أحط أدوار الفسق والفجور وفي أحلك عهود المعصية والغفلة ، ما يلاقونه في دعوة هؤلاء الذين لزموا الإعراض التام في هذه المسائل ( الكلامية ) فلا تعنيهم سلباً ولا إيجاباً {إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاء إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ } .

وقد فطن لهذا الفرق الجوهري بين النفسية القديمة والجديدة أحد كبار معلمي الفلسفة وعلم النفس في إحدى جامعات أوربا الكبرى وشرحه في عبارة وجيزة . قال س م جود :
(( ثارت في قديم الزمن شكوك واعتراضات وأسئلة واستفسارات حول الدين ، لم يطمئن بعض أصحابها ولم يرتاحوا إلى جواب مقنع ، ولكن مما يمتاز به هذا الجيل أنه لا تزعجه الأسئلة رأساً ، ولا تحيك في صدره ولا تنشأ في هذا العصر أصلاً )) ."

العنوان: رد: من وحي كتاب(ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين)
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2014-10-17, 10:18:22
من وحي "ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين"

إذا كان كتاب "ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين" قد طبع لأول مرة عام 1947، ويصف الندوي حال العالم بهذه الدقة، وبهذه الأوصاف، فكيف بحالنا اليوم ؟؟ 

كيف سيطرت النزعة المادية الأوروبية المتأصلة في أوروبا كابرا عن كابر على العالم، وكيف أن العالم يمضي في قطار سريع يريد أن يصبح بسرعة البرق إلى حيث المادة، وإلى حيث كل محسوس ومادي، وينبذ وراءه الروح  .... فإلى أين ؟!!

من أجمل ما وصف الحال المادي المغرق، في قوله أن الحياة الشخصية لا تؤمن إلا باللذة والمنفعة المادية ، والحياة السياسية بالقوة والغلبة ، والحياة الاجتماعية بالوطنية المعتدية والجنسية الغاشمة....

وأقتطف هذا التحليل الرائع منه لما عليه حال السيطرة الأوروبية الغربية على العالم :
 
--------------------
لأسباب تاريخية عقلية ، طبيعية قاسرة ، ذكرناها في البحوث السابقة ، تحولت أوربا النصرانية جاهلية مادية ، تجردت من كل ما خلفته النبوة من تعاليم روحية ، وفضائل خلقية ، ومبادئ إنسانية ، وأصبحت لا تؤمن في الحياة الشخصية إلا باللذة والمنفعة المادية ، وفي الحياة السياسية إلا بالقوة والغلبة ، وفي الحياة الاجتماعية إلا بالوطنية المعتدية والجنسية الغاشمة ، وثارت على الطبيعة الإنسانية ، والمبادئ الخلقية ، وشغلت بالآلات ، واستهانت بالغايات ، ونسيت مقصد الحياة ، وبجهادها المتواصل في سبيل الحياة وبسعيها الدائب في الاكتشاف والاختبار مع استهانتها المستمرة بالتربية الخلقية وتغذية الروح وجحود بما جاءت به الرسل ، وبإمعانها في المادية ، وبقوتها الهائلة مع فقدان الوازع الديني ، والحاجز الخلقي ، أصبحت فيلاً هائجاً ، يدوس الضعيف ، ويهلك الحرث والنسل ، وبانسحاب المسلمين من ميدان الحياة وتنازلهم عن قيادة العالم وإمامة الأمة ، وبتفريطهم في الدين والدنيا ، وجنايتهم على أنفسهم وعلى بني نوعهم ، أخذت أوربا بناصية الأمم ، وخلفتهم في قيادة العالم ، وتسيير سفينة الحياة والمدنية التي اعتزل ربَّانُها ، وبذلك أصبح العالم كله – بأممه وشعوبه ومدنياته – قطاراً سريعاً تسير به قاطرة الجاهلية والمادية إلى غايتها ، وأصبح المسلمون – كغيرهم من الأمم – ركاباً لا يملكون من أمرهم شيئاً ، وكلما تقدمت أوربا في القوة والسرعة ، وكلما ازدادت وسائلها ووسائطها ، ازداد هذا القطار البشري سرعة إلى الغاية الجاهلية حيث النار والدمار والاضطراب والتناحر والفوضى الاجتماعي والانحطاط الخلقي والقلق الاقتصادي والإفلاس الروحي ، وها هي أوربا تستبطئ الآن أسرع قطار ، وتريد أن تصل إلى غايتها بسرعة الطائرة بل بسرعة القوة الذرية .

استيلاء الفلسفة الأوربية على العالم :

وليس على وجه الأرض اليوم أمة أو جماعة تخالف الأمم الغربية في عقائدها ونظرياتها وتزاحمها في سيرها وتعارضها في وجهتها وتناقشها في مبادئها وفلسفتها الجاهلية ، ونظام حياتها المادي لا في أوربا ولا في أمريكا ، ولا في أفريقية وآسيا ، والذي نرى ونسمع من خلاف سياسي ونزاع بين الأمم فإنما هو تنافس في القيادة ، وتنازع فيمن يكون هو القائد إلى هذه الغاية المشتركة ، فدل المحور إنما كانت تكره أن يبقى الحلفاء مستبدين بالقيادة العالمية منذ زمن طويل ، مستأثرين بموارد الأرض وخيرتها وأسواقها ومستعمراتها ، وبشرف السيادة على العالم وحدهم مع أنها لا تقل عنهم في القوة والعلم والنظام والنبوغ والذكاء ، بل ربما تفوقهم ، أما إنها كانت تريد أن تسير إلى غاية أخرى وأن تقوم بدعوة المسيح ، وتقيم في الأرض القسط ، وأن تقود الأمم الدين والتقوى وتنصرف بها وتتجه من المادية إلى الروحانية والأخلاق ، فهيهات هيهات .

أما روسيا الشيوعية فليست إلا ثمرة الحضارة الغربية ، قد أينعت وادركت . ولا تمتاز عن الشعوب والدول الأوربية إلا أن روسية قد خلعت جلباب النفاق والزور ونفذت ما تزوره وتبطنه الأمم الغربية منذ زمن طويل ، وتعتقده منذ قرون في الأخلاق والاجتماع ، وقد استبطأت روسية سير هاتيك الأمم والدول في سبيل الإلحاد واللادينية والإباحية والمادية البهيمية فهي تريد أن تتولى قيادة العالم، وتسير بالأمم الإنسانية سيراً حثيثاً إلى ما وصلت إليه.

العنوان: رد: من وحي كتاب(ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين)
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2014-10-18, 09:32:49
من وحي "ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين"

أما في أواخر هذا الكتاب المميز، فيعرض الندوي رحمه الله وأجزل له الثواب لدور المسلمين، وما ينتظر منهم في قيادة هذا العالم الظمآن للروح، هذا الجسد المسجّى على عتبة الخواء... والذي يفتقر لنفخة الروح فيه، وما هي إلا الإسلام بعدله، ونوره، وحقّه، ومساواته، وخيره، وبرّه .....

ويذكر دور العرب، وتميزهم بين الأمم، وإنعام الله عليهم بمحمد صلى الله عليه وسلم وبرسالة الإسلام، ويدعوهم للعودة، وللأوبة، وللاستفاقة، ويعدّد حلولا، ويدعو شباب العرب والمسلمين للتضحية من أجل سعادة البشرية، للتضحية بالملذات والشهوات، وبالتقوّي، وبالتحلي بالشهامة وحمل الرسالة، وتأدية الأمانة والاضطلاع بأعباء الدعوة والاهتمام بهمّ الأمة، ولمعرفة دور المسلمين كقادة وأساتذة للعالم، ومخلّصين له برسالة الإسلام العظيمة ....

يدعو المسلمين لتبوئ الزعامة في العلم والتحقيق، ولتظليل العلوم بروح الإسلام وبظلّه، فلا تكون مادية صرفة، بل علوم وتقدم وسبر لأغوار الطبيعة بخلفية إيمان عميق بالله تعالى وبرسالة الإسلام في توخّي ما ينفع الأمة من علوم. لم يدعُ لرهبانية، بل قد دعا لعلم مشبع بالإيمان....وألا يتركوا الساحة للمستشرقين يعلمون المسلمين دينهم على النحو الذي يريدون، وأن يعمّروا عواصم الإسلام العلمية وتكون هي منارات الهدى والمعرفة والعلم، وألا يجعلوا من أوروبا مصدرهم، ولا من المستشرقين الحاقدين معلّمين...

كما دعا لضرورة اكتفاء المسلمين ذاتيا، بأن يلبسوا مما ينسجون، ويأكلوا مما يزرعون، ولا يكونوا عيالا على الأمم الأخرى فتخضّد شوكتهم، ولا يعود لهم صوت ولا قرار ....ودعا للاستعداد الصناعي والحربي للتقوي على الأعداء، ولفرض القوة وبسطها، قوة لا تحمل الدمار والهلاك للبشرية، بل تحمل العزّ والعمار والخير والنور والدواء الشافي ....

دعا إلى عيش الرجولة، وإلى عيش الخشونة، وإلى ترك الدعة والراحة والعيش في سبيل تبليغ الرسالة وتنوير العالم بها ....

كما أشار في جوامع كلمات إلى خطورة الأثرة بكل أنواعها، وأن حياة الإسلام والمسلمين لا تقوم على محورية شخص، أو بعض أشخاص، سواء تمثل ذلك في ملك وحاشيته، أو في وزراء وأعيان، أو في طبقات فاحشة الغنى .... وذكر أن مصيرها كلها إلى زوال، لأن الإسلام الحق ودعوة الإسلام لا تقوم أبدا على محورية شخص في حياة الأمة، كما كان ذلك في عهود الملك العضوض، ودلّت عليه كتابات ألف ليلة وليلة وكتاب الأغاني.....وغيره .

كم هي جميلة أواخر هذا الكتاب الرائع... كم ترى وأنت تقرأ ضرورة أن يقرأ المسلم كتابا مثله، وضرورة أن يتشبع بما هو له وما هو عليه ..... كم هي رائعة توجيهاته وتحليلاته في أواخر الكتاب ....إنها لتبعث الأمل في المسلمين، ولا تبعثه مجردا عن الواقع وعن الحقيقة وعن العمل العظيم الذي ينتظر المسلم، لا تبعثه هكذا بكلمات تهيئ لقارئها أنه الممكن هكذا بلمسات سحرية وبضربات خارقة، بل بالعمل والدأب والاجتهاد، والتضحيات ....

ثم تعرض إلى نقطة بالغة الأهمية والدقة، وهي الوعي، وضرورة إيجاد الوعي ف يالأمة، وتربية عقول أبنائها على الوعي ، وكان ذلك منه بأسلوب شائق رائع لا مفرّ من أن أورده كما جادت به قريحته:
----------------------
إن أخوف ما يخاف على أمة ويعرضها لكل خطر ويجعلها فريسة للمنافقين ولعبة للعابثين هو فقدان الوعي في هذه الأمة ، وافتتانها بكل دعوة واندفاعها إلى كل موجة وخضوعها لكل متسلط وسكونها على كل فظيعة وتحملها لكل ضيم ، وأن لا تعقل الأمور ولا تضعها في مواضعها لكل ضيم ، وأن لا تعقل الأمور ولا تضعها في مواضعها ولا تميز بين الصديق والعدو وبين الناصح والغاش وأن تلدغ من جحر مرة بعد مرة ولا تنصحها الحوادث ، ولا تروعها التجارب ، ولا تنتفع بالكوارث ، ولا تزال تولي قيادها من جربت عليه الغش والخديعة والخيانة والأثرة والأنانية ، ولا تزال تضع ثقتها فيه وتمكنه من نفسها وأموالها وأعراضها ومفاتيح ملكها وتنسى سريعاً ما لاقت على يده الخسائر والنكبات فيجترئ بذلك السياسيون المحترفون ، والقادة الخائنون ويأمنون سخط الأمة ومحاسبتها ويتمادون في غيهم ويسترسلون في خياناتهم وعبثهم ثقة ببلاهة الأمة وسذاجة الشعب وفقدان الوعي .
إن الشعوب الإسلامية والبلاد العربية – مع الأسف – ضعيفة الوعي – إذا تحرجنا أن نقول : فاقدة الوعي – فهي لا تعرف صديقها من عدوها ولا تزال تعاملها معاملة سواء أو تعامل العدو أحسن مما تعامل الصديق الناصح وقد يكون الصديق في تعب وجهاد معها طول حياته بخلاف العدو ، ولا تزال تلدغ من جحر واحد ألف مرة ولا تعتبر بالحوادث والتجارب ، وهي ضعيفة الذاكرة سريعة النسيان تنسى ماضي الزعماء والقادة ، وتنسى الحوادث القريبة والبعيدة ، وهي ضعيفة في الوعي الاجتماعي وأضعف في الوعي السياسي ، وذلك ما جر عليها وبلاً عظيماً وشقاء كبيراً وسلط عليها القيادة الزائفة وفضحها في كل معركة .
إن الأمم الأوربية – برغم إفلاسها في الروح والأخلاق وبرغم عيوبها الكثيرة التي بحثنا عنها في هذا الكتاب – قوية الوعي المدني والسياسي – قد بلغت سن الرشد في السياسة ، وأصبحت تعرف نفعها من ضررها ، وتميز بين الناصح والخادع ، وبين المخلص والمنافق ، وبين الكفؤ والعاجز ، فلا تولي قيادها إلا الأكفاء الأقوياء الأمناء ، ثم لا توليهم أمورهم إلا على حذر ، فإذا رأت منهم عجزاً أو خيانة أو رأت أنهم مثلوا دورهم وانتهوا من أمرهم استغنت عنهم وأبدلت بهم رجالاً أقوى منهم وأعظم كفاءة وأجدر بالموقف ، ولم يمنعها من إقالتهم أو إقصائهم من الحكم ماضيهم الرائع وأعمالهم الجليلة وانتصارهم في حرب ، أو نجاحهم في قضية وبذلك أمنت السياسيين المحترفين ، والقيادة الضعيفة أو الخائنة ، وخوف ذلك الزعماء ورجال الحكم وكانوا حذرين ساهرين يخافون رقابة الأمة وعقابها وبطش الرأي العام .
فمن أعظم ما تخدم به هذه الأمة وتؤمن من المهازل والمآسي التي لا تكاد تنتهي هو إيجاد الوعي في طبقاتها ودهمائها وتربية الجماهير التربية العقلية والمدنية والسياسية ، ولا يخفى أن الوعي غير فشو التعليم وزوال الأمية وإن كانت هذه الأخيرة من أنجح وسائلها ، وليعرف الزعماء السياسيون والقادة أن الأمة التي يعوزها الوعي غير جديرة بالثقة ولا تبعث حالتها على الارتياح وإن أطرت الزعامة والزعماء وقدستهم فإنها – ما دامت ضعيفة الوعي – عرضة لكل دعاية وتهريج وسخرية كريشة في فلاة تلعب بها الرياح ولا نستقر في مكان .






العنوان: رد: من وحي كتاب(مبادئ أساسية لفهم القرآن-المودودي-)
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2014-10-20, 07:20:59
من وحي كتاب "مبادئ أساسية لفهم القرآن"

اخترت أن أقرأ هذه المرة لأبي الأعلى المودودي، العلامة الباكستاني الشهير الذي خلّف كتابات منيرة في مجال العمل الإسلامي ...

كتابه "مبادئ أساسية لفهم القرآن"

لم يكن كتابا سميكا، بل كان كتيّبا من 34 صفحة، ولكنه وضع فيه خلاصة قيّمة يرشد بها الإنسان عموما، مسلما كان أو غير مسلم إلى كيفية التعامل مع القرآن، يبيّن ويجلّي أن القرآن ليس كأي كتاب تراد قراءته، يحدّد موضوعه، ويفصّل في أبواب وفصول، ينبّه قارئه أنه لن يجد ما كان يتوقعه من تنظيم هو التنظيم البشري، ومن نظم هو النظم البشري، وأنّ من وقف عند هذه الحدود التي تعوّدها وأراد أن يجد القرآن على شاكلتها، لن يستطيع الغوص فيه، ولا استيعاب معانيه....

سيبدو لهذا القارئ الذي يستعجل في القرآن صورة ذهنية مخزّنة عنده عن الكتاب أنّ القرآن كتاب غير منظم ولا متناسق، وأنّ فيه من التكرار في كل موقع منه بين حين وحين، ويُبدأ ويُعاد وأنّ فيه من الانتقال من موضوع إلى موضوع آخر بطريقة مباشرة ومباغتة، كما يكون الأسلوب غيبة، فيتحول فجأة إلى مخاطبة وهكذا ....

أما من لا يؤمن بالقرآن ويبحث عن مداخل لمهاجمته، فيجد في هذا متسعا لتعزيز شبهاته، وتكبير معارضاته . وكل هذا كان تحت عنوان "أسلوب الوحي وأسلوب البشر"

كما يعرض الكاتب لما يطرحه الكثيرون عن كثرة ورود فئة معينة من الناس (وهم العرب)، وأحوالهم، ومعارضاتهم، ودعوتهم، وتخويفهم وترغيبهم، وما كان منهم، على أن ذلك قصور، ومما يدل على محدودية رسالة القرآن لزمن بعينه، وأنه ربما قد حمّل أكثر مما يطيق بتحويله إلى مصدر هدى للناس في كل زمان وفي كل مكان !!  وأن القرآن ليس أبدا من هذه الشاكلة لأن النظام القومي المؤقت إنما يعنى بالمطالبة بحقوق شعب من الشعوب دون غيرهم، وبإعلاء شوكتهم دون غيرهم، بينما النظام العالمي الخالد هو الذي ينشر المساواة والعدل بين كل الناس، ويدعو لخير كل الناس، ولا يخصّ فئة دون أخرى، ولا تمييز عنده، كما أن النظام المؤقت القومي لا ملكة عنده للازدهار والانتشار عبر الأزمنة، وهو ما تحقق للقرآن، وأنّ تلك التوجيهات والمخاطبات التي يخصّ بها فئة العرب في زمان نزول القرآن إنما هي حركة القرآن ككائن متحرك غير جامد، لا يصبّ النظريات صبا، وإنما يتفاعل مع التفاعلات البشرية، والحالات والأحداث التي تتميز بها النفس البشرية عبر الأزمنة، فهو إذ يتوعد أه الشرك في ذلك الزمان، فهذا ينطبق على كل أهل الشرك في كل زمان، سواء أشركوا بالله صنما أو عبدا أو غيره، هو إذ يذكر من صفات أهل الكتاب من اليهود مثلا في ذلك الزمان، فهو يكشف عن جبلة فيهم عرفت عبر العصور وعلى امتداد الأزمنة مع مختلف الرسل، ويبيّن للمؤمنين خطلهم وسوء طوياتهم في كل زمان ....

إذن فطبيعة هذا الكتاب أنه حركي، لا يصب النظريات، بل يتفاعل عمليا مع حياة الإنسان .

ثم يمشي الهوينى ليبين أن للقرآن موضوعا وبحثا رئيسيا وهدفا، فأما موضوعه فهو الإنسان، وأما بحثه الرئيسي ففي المنهج الصحيح الذي على الإنسان سلوكه ف يالدنيا، وأما هدفه، فالدعوة إلى هذا المنهج.

وتحت عنوان "شروط أساسية لدارس القرآن"
أقتطف لكم زهرة أنعش روحي عبيرُها الفوّاح، تعبر عما أراد من هذا العنوان :

--------------
ومهما يتخذ الإنسان من التدابير ويستخدم من الوسائل لفهم القرآن، فإنه لا يصل إلى جوهر القرآن وروحه كما ينبغي، مادام هو لا يعمل وفق ما جاء به القرآن.
إن القرآن ليس يحوي نظريات مجردة، وأفكارًا محضة، حتى تدرسه جالسًا على الأريكة ...
كما أنه ليس كتابًا يبحث في اللاهوت، فتحل جميع أسراره ومكوناته في المعاهد والزوايا ..
إن هذا الكتاب كتاب دعوة وحركة، وبمجرد نزوله أخرج رجلاً وادعا، دمثا، سليم الفطرة، كريم الشيم، ومحبا الانعزال، وأوقفه في مواجهة العالم الذي كان قد انصرف عن الحق، وجعله يقارع الباطل، ويحارب أئمة الكفر، وقادة الفسق، وروَّد الضلال.
إن هذا الكتاب انتزع كل روح سعيدة، وكل نفس زكية من كل بيت، وجمعها تحت لواء صاحب الدعوة.
إن هذا الكتاب هو الذي قام بتوجيه الحركة الإسلامية خلال مدة ثلاث وعشرين سنة، والتي بدأت عملها من صرخة فرد واحد، وانتهت في نهاية المطاف إلى إقامة الخلافة الإلهية في الأرض ..
وهذا الكتاب هو الذي تولى وضع مخططات الهدم، ومشاريع البناء في كل مرحلة من المراحل، وفي كل خطوة من الخطوات خلال المعركة المديدة الضارية بين الحق والباطل.

ويقول:


لا تستطيع أن تفهم مطالب القرآن ومعانيه البعيدة إلا حين تحكّم هذا الكتاب وتبدأ بالدعوة إلى الله، وتخطو جميع خطواتك كما يوجهك، وكيفما يعلمك، ومن هنا لا بد أن يستقبلك جميع ما استقبل حامليه من التجارب والمحن: تشاهد مشاهد مكة والحبشة والطائف، وتواجه المراحل الممتدة من بدر إلى حنين إلى تبوك، وتتشابك مع أبي جهل، وأبي لهب، وتلاقي المنافقين واليهود، وترى وتختبر كذلك كل النماذج الإنسانية، مارا بالسابقين الأولين، والمؤلفة قلوبهم. فهذا سلوك فريد لا يماثله أي نوع من السلوك، واسمه "السلوك القرآني"، ومن شأنه أنه كلما مررت بمنزل من منازله تطالعك آيات وسور من القرآن تحيطك علما بأن هذا هو المهبط الذي نزلت فيه، وجاءت فيه بكذا من التوجيهات والتعاليم. وفي ذلك الحين لا يستبعد أن يغيب عن نظر "السالك" شيء من أسرار اللغة والبلاغة والمعاني والبيان، إلا أنه يستحيل أن يضِنّ القرآن بالكشف عن جوهره وروحه أمام ذلك "السالك".

ووفقا لنفس المبدأ لا يستطيع الإنسان أن يدرك مغزى أحكام القرآن وتعاليمه الخلقية وتوجيهاته الاقتصادية والمدنية ومبادئه ونُظُمه في مختلف نواحي الحياة، مادام لا يطبقها في الحياة، ولا يدرك مغزاها فرد يعيش في حلّ منها في حياته الفردية، ولا تدركه أمة تسلك جميع مؤسساتها  الاجتماعية مسلكا يخالف منهجها


العنوان: رد: من وحي كتاب(حطم صنمك وكن عند نفسك صغيرا)
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2014-10-21, 10:29:23
هذه المرة سنخوض كتاب الأستاذ مجدي هلالي "حطم صنمك وكن عند نفسك صغيرا"

موضوع الكتاب بالغ الأهمية، وهو عن دبيب داء خفيّ في النفس صعب، إلا على من منّ الله عليهم فهداهم لرياضة النفس وتهذيبها، ومعرفة مداخلها ووساوسها، وكبح جماحها، وتوجيهها وفق ما يحب الله ويرضى لا وفق ما تحب هي وتهوى .... يرشد إلى ضرورة التنبّه والتحذّر من داء العُجب عفانا الله وإياكم، وأعاننا على جهاد أنفسنا وعلى قمع أهوائها...

فسأحاول في كل مرة كتابة شيء من وحي هذا الكتاب، أو اقتطاف فقرات منه عساها تنفعنا وإياكم.

فما العُجب ؟
يقول ابن المبارك: العُجب أن ترى أن عندك شيئًا ليس عند غيرك . .. فهذا هو جوهر العُجب: أن ترى أن عندك شيئًا ذاتيًا تتملكه، وليس عند غيرك.

قال المحاسبي: العُجب هو حمد النفس على ما عملت أو علمت، ونسيان أن النعم من الله عز وجل .
ويؤكد على هذا المعنى أبو حامد الغزالي فيقول: العُجب هو استعظام النعمة والركون إليها مع نسيان إضافتها للمنعم .

العجب تضخيم للذات، وأكثر المتعرضين له، أصحاب اشهرة والصيت في أي مجال كان، حتى في مجال الدعوة لله تعالى، كأن يرى الداعية نجاحا يتحقق على يديه، وكأن يكون تأثيره على الناس كبيرا، ويكون فصيحا، بليغا، مؤثرا عاطفيا، فينساق وراء هذه النتائج، وتظهر له نفسه بمظهر القادر على كل هذا وقد ينسى أن يرجع الفضل لله تعالى، ويرى في نفسه فعلا ذاتيا من نفسه -عياذا بالله-

قيل لداود الطائي: أرأيت رجلًا دخل على هؤلاء الأمراء، فأمرهم بالمعروف ونهاهم عن المنكر؟! فقال: أخاف عليه السوط. قبل: إنه يقوى عليه ( يعني أنه وطن نفسه على احتماله إن وقع واحتسابه عند الله تعالى) فقال: أخاف عليه السيف قيل: إنه يقوى عليه. قال: أخاف عليه الداء الدفين؛ العُجب

والكاتب يشير إى ضرورة عدم تجاوب المرء مع تلك اللحظات التي تحدثه فيها نفسه بتميّز فيه، ونجاح وقدرة على أي فعل كان، بل تجب مجاهدة النفس، وإرجاع الفضل لله...

تقول السيدة عائشة رضي الله عنها: لبست مرة درعًا لي جديدة فجعلت أنظر إليها فأعجبت بها. فقال أبو بكر: ما تنظرين؟ إن الله ليس بناظر إليك!
قلت: ومم ذاك؟ قال: ما علمت أن العبد إذا دخله العُجب بزينة الدنيا مقته الله عز وجل حتى يفارق تلك الزينة!
قالت: فنزعته فتصدقت به.. فقال أبو بكر: عسى ذلك أن يكفر عنك .

فهل بداخلنا أصنام ؟

لا غنى لأحد عن الله الذي خلق سبحانه، ودبّر وسيرّ ويسير، ويدبر في كل حين وفي كل آن، والذي لولاه لا حياة لأحد ولا لحيوان ولا لكائن، ولا لشيء في الكون كله، ولولاه لاختلط حابل بنابل، ولما كانت الأرض مستقرا ولا مقاما، ولولاه ما نعم الإنسان ولا ارتاح ولا بحث ولا عرف، ولا اخترع، ولا عاش ولا تحرك، ولا فكر، ولا اهتدى، ولا عرف ربه، ولا عرف شكره، ولا عرف حقا من باطل ....

والشرك الخفي منه رؤية الإنسان لنفسه بعين التعظيم، ووقوفه عند حد الأسباب التي حباه الله إياها على أنها ملكه الذاتي، وأن فعله فياها فعله الذاتي، ونسيانه المنعم المسبب

ومن أسباب تضخم الذات


1- الجهل بالله تعالى من أهم هذه الأسباب
الجهل بأن الله تعالى هو مصدر كل خير، يمد الإنسان بأسبابه لحظة بلحظة من أهم أسباب تضخم النفس. فيرى الإنسان الخير منه، والفعل منه، والتوفيق منه، والتميز فيه .

2- الجهل بالنفس، من أسباب تضخمها، أي بمعنى الجهل بمساربها، وثغراتها، وأحاديثها، وشرورها، ودورها في أن تلبى شهواتها، لا شيء غير شهواتها، وأهوائها، وشهواتها منها الجلي ومنها الخفي، فأما الجلي فمن مثل الطعام واللباس وغيرها، وأما الخفي فحب الإطراء والمدح والثناء، والانتشاء عند سماعها .

3- إهمال تزكية النفس
يقول أبو حامد الغزالي: فالعبد إن لم يشتغل أولًا بتهذيب نفسه، وتزكية قلبه بأنواع المجاهدات، بقى خبيث الجوهر، فإذا خاض في العلم – أي علم كان – صادف العلم من قلبه منزلًا خبيثًا فلم يطب ثمره، ولم يظهر في الخير أثره ..... فالعلم تحفظه الرجال، فتحوله على قدر هممها وأهوائها، فيزيد المتكبر كبرًا والمتواضع تواضعًا .

4- كثرة الأعمال الناجحة:
قال الحسن البصري: لو كان كلام ابن آدم صدقًا، وعمله كله حسنًا يوشك أن يخسر. قيل: كيف يخسر ؟ قال: يعجب بنفسه.

5- كثرة المدح:
مدح شخص ما في وجهه من أخطر أسباب تضخم الذات، ولقد انزعج رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما رأى رجلًا يمدح آخر في وجهه فقال له: " ويحك، قطعت عنق صاحبك، لو سمعها ما أفلح " .

6- السلطان والنفوذ: من أسباب التمرد، ورؤية النفس مالكة فاعلة، آمرة .

7- قلة مخالطة الأكفاء وعدم وجود النُصحاء: ويلخص هذا في قول عمر رضي الله عنه: رحم الله امرءا أهدى إليّ عيوبي.

أضف إلى هذه الأسباب، تنشئة الوالدين لأولادهما على كثرة مديحهم وشكرهم  وإطرائهم، وأنهم خير من غيرهم، وكذا وجود نقاط ضعف في شخصية الفرد، يحاول بتكبير ذاته وتكبره أن يكمل نقصا فيه، وعيبا من عيوبه، إضافة للاشتهار بين الناس، وتنادي الناس بمدحه، مما يضعف أمام نفسه الت تصوره ضخما.

كما أن للعُجب مظاهرا يُعرف بهها صاحبه...
عندما تقرأ هذا الكتاب، تشعر برهبة، وبخوف، ويساعدك على تعزيز حاسة المراقبة، والقيام للنفس بالمرصاد، فهذه أبوباب مخيفة حقا .... يجدر بالمؤمن معرفتها حتى لا تحبط أعماله من تمجيده لنفسه

نسأل الله السلامة، ونكمل لاحقا بإذن الله مع الكتاب .
العنوان: رد: من وحي كتاب(حطم صنمك وكن عند نفسك صغيرا)
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2014-10-22, 10:41:07
 من وحي "حطم صنمك وكن عند نفسك صغيرا"

كما أن للإعجاب بالنفس وتضخم الذات مظاهرا، أهمها :

كثرة الحديث عن النفس، أب يكثر الحديث عن أولاده تفاخرا، وامرأة تكثر الحديث عما يجلبه لها زوجها، أو عما عندها من لباس وغيرها، وكذا طلب الأعمال والتقدم إليها  وذلك من كثرة ما يعرف الإنسان في نفسه موهبة أو ميزة لا يرى غيره أقدر عليها.
صعوبة التلقي من الغير أو قبول النصيحة، واستصغار الآخرين: أخرج ابن المبارك في الزهد أن عمر بن الخطاب قال لسلمان:
يا سلمان ما أعلم من أمر الجاهلية شيئًا إلا وضعه الله عنا بالإسلام، إلا أنا لا ننكح إليكم ولا ننكحكم، فهلم فلنزوجنك ابنة الخطاب .... أفر والله من الكبر. قال سلمان: فتفر منه وتحمله عليّ .. لا حاجة لي به .

والمنّ بالعطايا من مظاهر تضخّم الذات،وكذا تمني الاشتهار بين الناس، والتعالي على الناس.

ثم يضرب الكات أمثلة بمن غزاهم العُجب، وإبليس عليه لعائن الله أولهم حين رفض أمر الله بالسجود لآدم عيه السلام، وبصاحب الجنتين الذي أعجبته نفسه حتى وقع في نفسه أن الله ممدّه في الآخرة بخير كما أمدّه في الدنيا...

ومن الأمثلة المخيفة التي تبعث على تشديد المراقبة على النفس، ما أورده مما وقع فيه عبد الله القصيمي  الذي برع في علوم الدين، وخاصة في علم العقيدة، وكان أكبر منافح عن السنة، ولكن آفة العُجب فتكت به إذ لم يتصدَّ لها، حتى غدا كافرا عياذا بالله -نسأل الله السلامة-، وحوّل قلمه إلى سلاح ضد أهل التوحيد والسنة، حتى قال:
حاشا لهم أن يعدلوا بي واحدًا **      من بعد ماوضحت لهم أنبائي
وأعيذهم من أن يحيل أديبهم**      وأديب كل الناس في النعماء
عابوا على تحدثي وتمدحي**          بأصالتي وشجاعتي وذكائي
إن لم يبح مدح الفتى أخلاقه**      بيضا فأى تمدح وثناء

أما عن خطورة العُجب، فهي مما ينبغي بمعرفتها التشمير عن كل ساعد، والوقوف له كل مرصد، فهو شرك بالله، وذلك بوقع صاحبه في أوهام أنّ القوة من نفسه لا من الله تعالى، وهو محبط للعمل، ولابن تيمية قول في ذلك رائع :"المُعجب بنفسه لا يحقق إياك نستعين، كما أن المرائي لا يحقق إياك نعبد. "

قيل لابن المبارك: ما الذنب الذي لا يغفر؟ قال: العُجب.
 وكان الصالحون يرون: أنه يموت مذنبًا نادمًا أحب إليهم من أن يموت مُعجبا.


كما أنه يؤدي إلى مقت الله وغضبه، ويؤدي إلى الخذلان وحرمان التوفيق والتعرض للفتن، وإلى اتباع الهوى ونسيان الذنوب ولئن تصحب جاهلًا لا يرضى عن نفسه خير لك من أن تصحب عالمًا يرضى عن نفسه، وقد يؤدي إلى سوء الخاتمة، وإلى نفور الناس من صاحبه،  قال صلى الله عليه وسلم: " لا يزال الرجل يذهب بنفسه حتى يكتب في الجبارين، فيصيبه ما أصابهم " .   

كما قال عليه الصلاة والسلام:" لو لم تذنبوا لخشيت عليكم ما هو أشد من ذلك: العُجب "
وقال ضرار بن مرة يقول إبليس: إذا استمكنت من ابن آدم ثلاث أصبت منه حاجتي: إذا نسي ذنوبه، واستكثر عمله، وأعجب برأيه.
يقول الماوردي -: إن العُجب سيئة تحبط كل حسنة، ومذمة تهدم كل فضيلة، مع ما يثيره من حنق، ويكسبه من حقد .


العنوان: رد: من وحي كتاب(حطم صنمك وكن عند نفسك صغيرا)
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2014-10-22, 10:49:58
من وحي "حطم صنمك وكن عند نفسك صغيرا"

كيف نحطم أصنامنا

وذلك بألا نظن أن عندنا شيئًا نفضل الناس به، بل نراهم جميعًا أفضل منا. كيف لذلك أن يتحقق فينا ؟

بوسائل منها :

1- طلب العلاج من الله، وكم هو رائع فعل الله تعالى في عباده، وكم هو جميل تأمّل رسالاته، وتتبع خطوات فعله فينا وفي الأرض.... وكم هو جميل أن يلهمنا سبحانه حسن النظر وبعده، فلا نحكم على الأشياء من ظاهرها، فكم خفيّة خطّأت أحكاما صدرت عن ظاهر بدا !! وكم قيل عن رجل أنه الناسك المتعبد، فإذا هو الذي أظهرت أفعاله خلاف ما أبدى من تعبد وتبتّل !

الدواء المر النافع من العلاجات الربانية المربية للإنسان
 قال جعفر بن محمد: علم الله عز وجل أن الذنب خير للمؤمن من العُجب ولولا ذلك ما ابتلي مؤمن بذنب.
ويشرح ابن القيم هذا المعنى فيقول: إن العبد يفعل الحسنة فلا يزال يمن بها على ربه، ويتكبر بها، ويرى نفسه، ويعجب بها، ويستطيل بها، ويقول: فعلت، وفعلت، فيورثه ذلك من العُجب، والكبر، والفخر، والاستطالة، ما يكون سبب هلاكه .

قال ابن عطاء: رب معصية أورثت ذلًا وانكسارًا خير من طاعة أورثت عجبًا واستكبارًا.
ولقد سئل سعيد بن جبير: من أعبد الناس؟ قال: " رجل اجترح من الذنوب وكلما ذكر ذنبه احتقر نفسه" .

ومن العلاجات الربانية الحرمان من القيام بالطاعة

أخرج أبو نعيم في حلية الأولياء عن أنس – رضي الله عنه – مرفوعًا: يقول الله عز وجل: إن من عبادي من لا يصلح إيمانه إلا الغنى ولو أفقرته لأفسده ذلك، وإن من عبادي من لا يصلح إيمانه إلا الصحة، ولو أسقمته لأفسده ذلك، وإن من عبادي من لا يصلح حاله إلا السقم ولو أصححته لأفسده ذلك، وإن من عبادي من يطلب بابًا من العبادة فأكفه عنه كيلا يدخله العُجب إني أدبر أمر عبادي بعلمي بما في قلوبهم، إني عليم خبير".
سأل رجل سفيان الثوري وقال له: ما لي أطلب الشيء من الله تعالى فيمنعني ؟! قال: منع الله إياك عطاء، لأنه لم يمنعك من بخل ولا عدم ولا افتقار ولا احتياج، وإنما يمنعك رحمة بك.

كما أن من صور التربية الربانية حسن الفهم عن الله
يقول ابن عطاء: ربما أعطاك فمنعك، وربما منعك فأعطاك. متى فتح لك باب الفهم في المنع عاد المنع عين العطاء.
ويقول أيضًا: ربما أعطاك فأشهدك بره، وربما منعك فأشهدك قهره، فهو في كل ذلك متعرف إليك، ومقبل بجميل فضله عليك.

وكذلك التربية بالتعرف على الأكفاء

وهنا أحب أن أورد قصة للماوردي رحمه الله فيها حكمة وتربية :
ومما أنذر به من حالي، أنني صنعت في البيوع كتابًا، جمعت به ما استطعت من كتب الناس، وأجهدت فيه نفسي، وكددت فيه خاطري، حتى تهذب واستكمل، وكدت أعجب به، وتصورت أنني أشد الناس اضطلاعًا بعلمه، ثم حضرني وأنا في مجلسي أعرابيان، فسألا عن بيع عقداه في البادية، على شروط تضمنت أربع مسائل، لم أعرف لواحدة منهن جوابًا، فأطرقت مفكرًا، وبحالي وحالهما معتبرًا. فقالا: ما عندك فيما سألناك من جواب وأنت زعيم هذه الجماعة ؟ فقلت: لا. فقالا واهًا لك، وانصرفا، ثم أتيا من يتقدمه في العلم كثير من أصحابي، فسألاه، فأجابهما مسرعًا بما أقنعهما، وانصرفا عنه راضيين بجوابه، حامدين لعلمه، فبقيت مرتبكًا، وبحالهما وحالي معتبرًا. وإني لعلى ما كنت عليه في تلك المسائل إلى وقتي، فكان ذلك زاجر نصيحة، ونذير عظة، تزلل بهما قياد النفس، وانخفض لهما جناح العُجب، توفيقًا منحته، ورشدًا أوتيته ..

ومن التربية أيضا وتدريب النفس على ترك العجب، عدم الشعور بالتميز عند الله، وسأختصر هذا المعنى في :
في الحديث القدسي قال تعالى " إن أغبط أوليائي عندي لمؤمن خفيف الحاذ، ذو حظ من الصلاة، أحسن عبادة ربه وأطاعه في السر، وكان غامضًا في الناس لا يشار إليه بالأصابع، وكان رزقه كفافا فصبر على ذلك، ثم نقر بيده صلى الله عليه وسلم فقال: عجلت منيته، قلت بواكيه، قل تراثه "

وكذا باستصغار النفس
أخرج الإمام أحمد في الزهد أن سليمان بن داود – عليهما السلام – خرج بالناس يستسقي، فمر على نملة مستلقية على قفاها رافعة قوائمها إلى السماء وهي تقول: اللهم إنَّا خلق من خلقك ليس بنا غنى عن رزقك، فإما أن تسقينا وإما أن تهلكنا، فقال سليمان للناس: ارجعوا فقد سقيتم بدعوة غيركم .
العنوان: رد: من وحي كتاب
أرسل بواسطة: فارس الشرق في 2014-10-26, 02:39:20
بسم الله الرحمن الرحيم

في الحقيقة، كلما قرأت شيئا مهما في كتاب، أحببت التعليق عليه، أو اقتباسه، أو تذكرت منه أمرا آخر، أو أسقطت، فأحببت أن أخصص لذلك هذا الموضوع، حتى لا تضيع نيتي بفعل ذلك  emo (30):

يصعب عليّ تزامنا مع استرسالي في القراءة أن أضع تلخيصا للكتاب، ولذلك سأحاول وضع تعليقاتي أو اقتباساتي لفقرات مهمة بإذن الله .

والله المستعان . وأسأل الله أن يعمنا ما ينفعنا وينفعنا بما يعلمنا .

مؤيد للفكرة جدا، ومعجب بها..
وبإذن الله أتابع الموضوع وأشارككم مثل ذلك..
العنوان: رد: من وحي كتاب
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2014-10-26, 07:03:03
أهلا وسهلا ومرحبا بك يا فارس الشرق. emo (30): لكم يسعدني أخي أن تضع أيضا مما تقرأ، لنستفيد جميعا بإذن الله . وفقنا الله وإياكم لما يرضيه عنا .
العنوان: رد: من وحي كتاب(حطم صنمك وكن عند نفسك صغيرا)
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2014-10-27, 08:27:27
من وحي "حطم صنمك وكن عند نفسك صغيرا"

ما أكثر ما تراودنا أنفسنا !! وما أسهل ما تتلبس بنا أهواؤها ...ولولا رحمة الله بنا وفضله علينا لما استكثرت التهامنا قطعة قطعة، عافانا الله وأدام علينا ستره ....

كلما شكرنا أحدهم .... كلما مدحنا أحدهم، كلما نجحنا في عمل، كلما خالطنا الناس مخالطة الأحاديث والدنيا، إذا ما تولى أحدنا مسؤولية، أي مسؤولية كانت، بل أبسط مسؤولية، كلما اشتهر أحدهم بين الناس،
في كل هذه الحالات يشير الكتاب إشارات قوية إلى ضرورة التنبّه للنفس، وإلى ضرورة البحث عن العلاج اللازم لها لتخبو جذوة التضخم فيها، ليحطّم صنمها، ولا يُعبد من دون الله تعالى -عافانا الله-، فالعُجب باب من أبواب الشرك كما أسلفنا، وقد وصفه من وصفه بأن الرياء إشراك الناس، والعُجب إشراك النفس ولا حول ولا قوة إلا بالله .....

فلنتعلم أن نطلب من الحمادين الشاكرين أن يحمدوا الله تعالى، لأنه سبحانه صاحب الفضل والنعماء ولولا فضله ما وسع أحدنا أن ينجح في شيء، أي شيء كان ....

ولنتعلم أن نتواضع، بل إن الكاتب يدعو إلى تكلّف التواضع، حتى تتذكر النفس مكانتها الحقيقية، وهكذا كان الصحابة رضوان الله عليهم يفعلون، فلنجالس البسطاء، ولنخالطهم، ولنجالس الفقراء...

ولنذهب عن أنفسنا خواطر الإعجاب، ولندعث الهل تعالى أن يعيننا على تزكيتها، ولنستغث به تعالى، ولنبرأ من حولنا وقوتنا، ولنلجأ إلى حوله وقوته سبحانه .....

وكم يحضرني إبراهيم عليه السلام وهو يقول : "لئن لم يهدِني ربي لأكونن من القوم الضالين"
لم يعوّل على نفسه، بل لقد رأى القوة كل القوة من ربه سبحانه، والخير كل الخير منه، وأن الضلال من نفسه، فلم يركن إليها ......


فهؤلاء الصحابة وهم كالجبال الشماء الراسخة، لا يتركون حبل النفس على الغارب، بل يروضونها، ويلجمونها كلما استدعى الأمر ذلك ....

عمر بن الخطاب رضي الله عنه-وهو من هو- يخطب في الناس مرة، فيذكر لهم أنه كان يرعى الغنم لخالات له كنّ يدفعن له بقبضات التمر، ولما نزل من المنبر، قال له عبد الرحمن بن عوف: والله ما زدت على أن قمئت نفسك، فرد عليه : ويحك يا ابن عوف، إنى خلوت فحدثتني نفسي فقالت: أنت أمير المؤمنين فمن ذا أفضل منك؟! فأردت أن أعرفها نفسها....!!!

وهذا حذيفة لما فرغ من صلاته بقوم قال: لتلتمسن إمامًا غيري أو لتصلن وحدانًا، فإنى رأيت في نفسي أنه ليس في القوم أفضل مني.
وهذا أبو عبيدة بن الجراح يؤم يومًا، فلما انصرف قال: مازال الشيطان بى آنفًا حتى رأيت أن لي فضلًا على من خلفي، لا أؤم أبدًا .

وكان عمر بن عبد العزيز إذا خطب على المنبر فخاف على نفسه العُجب، قطع خطبته، وإذا كتب كتابًا أعجب به مزقه، ويقول: اللهم إني أعوذ بك من شر نفسي.


وقال بعضهم: إذا كنت تتحدث فأعجبك الحديث فاصمت، وإذا كنت صامتًا فأعجبك صمتك فتحدث

وهكذا صاروا عظماء.... هكذا عرفت العظمة عندهم معناها، وعرفت الدنيا معنى العظمة الحقيقية، عظمة القوة بالحق، لا عظمة القوة المجردة عن الحق، عظمة ترسّخ للعبودية لله تعالى ....
عظمة رأسها، وعمادها أن العبودية الخالصة لله تعالى، وأن الذل بين يديه رأس الأمر كله، ورسولنا صلى الله علهي وسلم لم يختر ملكا ولا جاها، بل اختار أن يكون النبي العبد صلوات ربي وسلامه عليه .

ولولا التربية الربانية لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ولولا التربية المحمدية لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ما كان لقوي كعمر رضي الله عنه، ترجف الرجال من حضرته، وترتعد الفرائص من صوته، أن يعرف الحق في العبودية والتذلل، وأن يرجع نفسه لأصلها وهو يحكي للناس من على المنبر وهو أميرهم أنه كان يتقاضى تمرات على رعيه للغنم ..... ولما كان مثله يدخل القدس فاتحا مرقع الثياب، يتأبط نعله من المخاضة التي يغوص فيها بأقدامه، يسوق دابته التي يركبها غلامه .....!!

رضي الله عنهم وأرضاهم أجمعين ... وصلى الله وسلم على سيدنا محمد معلم الأرض التواضع والعبودية لله ....



العنوان: رد: من وحي كتاب"حطم صنمك وكن عند نفسك صغيرا"
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2014-10-28, 09:23:37
من وحي "حطم صنمك وكن عند نفسك صغيرا"


وبفضل الله تعالى ومنّه أنهيت قراءة "حطم صنمك وكن عند نفسك صغيرا"

وليست العبرة، بالقراءة، وإنهاء القراءة، ليست العبرة أبدا بكثرة الكتب، وبكثرة قراءتها، وإنما العبرة بالاعتبار، وبالتربية، وبالاتعاظ فعلا لا قولا، العبرة بأن نرى أنفسنا ونحن نقرأ لا نعود من الكتب بخفّي حُنين، وإنما نعود منها بثمار نجتنيها لحياتنا، لأفعالنا، لسلوكنا، خاصة مع أمثلة هذا الكتاب القيّم الذي يكسر "طابوه" ثقيلا، ولا يُعرض لمضوعه إلى قليلا.... يكسر حاجزا نضعه دوما بيننا وبين حقيقة أنفسنا، وبين حقيقة تفاعلاتها، وانفعالاتها، وأفعالها .....ونسوّغ لها، ونجد لها الأعذار، ونتحجج بكيت وكيْت والحقيقة تكو إرادة سطوة منها وإرادة تميّز وظهور، وانتشاء وزهوّ بفعل تأتيه، أو نجاح تحققه ..!!

كتاب يكسر فيه صاحبه أصناما حقيقية في نفوسنا، أصنام ما أبغضها إلى القلب، حينما نعلم أنها فعلا تتلبس بنا، ونحن في غفلة من أمرنا .... باسم كل شيء، باسم أي شيء، مدخل من مداخل الشيطان الرجيم اللعين، ومسرة من مسراته، والنفس تسطو على صاحبها حتى باسم الدعوة، وباسم العمل للإسلام...!!

فقد تحدّث الداعيةَ نفسُه بضخامتها وبتميزها وهو ينجح في استدرار دمع الناس، وفي تغيير حال من أحوال أحدهم، وكيف لا ؟! ولسنا بأكرم من عمر رضي الله عنه، ولا من حذيفة بن اليمان ولا من عبد الرحمن بن عوف، ولا من عمر بن عبد العزيز، ولا من ابن تيمية، ولا من الماوردي، وهم يعترفون بفعل أنفسهم في أنفسهم، ويَصْدقون مع أنفسهم، ويتفطنون للداء فيتصدون له بالدواء، بالتواضع، وبإعادة النفس لأصلها، وبتذكيرها بضعفها حتى لا تتمادى ...!!

وهذا سلمان الفارسي رضي الله عنه وأرضاه وقد تفاخرت قريش عنده يومًا، قال: لكنني خلقت من نطفة قذرة، ثم جيفة منتنة، ثم آتي الميزان، فإن ثقل فأنا كريم، وإن خف فأنا لئيم.
وعندما سئل عمر بن عبد العزيز: يا أمير المؤمنين، كيف أصبحت؟ قال: أصبحت بطينًا، ملوثًا في الخطايا، أتمنى على الله الأماني .


لسنا والله بأكرم منهم لندّعي أن هذا الداء بعيد عنا، داء العُجب المقيت شفانا الله منه وإياكم وعافانا من تداعياته ...

أجل يجب أن نعيش هذا العمر الذي نعيشه ونحن نسعى لتحطيم أصنامنا، أصنام أنفسنا التي تتضخم وتتضخم حتى تعود كالحجارة الصماء بعضها فوق بعض تبنى ونحن نعبدها، ونستزيد كبرها، ونحن نظن أننا نحسن صنعا ....!!!

الأمر صعب فينا، وصعب علينا إذا صدقنا مع أنفسنا، ولكن بالاستعانة بالله تعالى يمدّنا الله تعالى بفضله، وعلى قدر الاستعداد يكون الإمداد بإذن الله ....

ما أكثر ما تحدثُنا هذه اللئيمة التي ما أكرمها إلا منهج الله تعالى الذي أنزله دواء لها وترياقا، أنزله ليعرفها قدر الله وعظمته وجلاله، ونعمه وفضله واستحالة استغنائها عنه سبحانه وعن مدده، وليعرفها بالمقابل ضعفها ولؤمها، وقلة خيرها ....

يعرض الدكتور مجدي في أواخر الكتاب للتداوي من داء العُجب بالقرآن، في فصل يبين فيه ضرورة معرفة كيفية قراءة القرآن الكريم، قراءة تجعلنا نتشرب أوامره، ونواهيه، وتوجيهاته، وتربيته حق التشرب، لا قراءة حرفية تعنى بالألفاظ ولا تخترقها إلى المعاني التي تعمل في النفوس بالتغيير، يعرض لقصورنا في تعاملنا مع القرآن... وفي تربية أبنائنا على حروفه لا على معانيه وتغيّر سلوكنا به في الحياة ....

ثم يأتي إلى فصل بالغ الأهمية أذهب عني بعض الملاحظات التي ظننتها ستدوم لولا أني وقعت عليه أخيرا، وهي إزالة بعض الشبهات، وبعض الالتباسات والخلط الذي يجب أن يزال ليفهم الأمر على النحو الصحيح، ولا يفهم مجردا عن زوايا أخرى، ذلك بأن الدعوة للاعتراف بالعجب في النفس، والسعي لعلاجه، واستمداد عون الله تعالى لذلك، لا يجب أن يخلط مع الثقة بالنفس، فمعالجة العجب ليست إذهابا للثقة بالنفس، بل يجب أن تكون هذه الثقة ثقة بما يتفضل الله تعالى به على عبده من عطايا كالذكاء أو القوة، أو العلم، أو الجمال أو غيره، ثقة بأن الله تعالى هو الذي أمد العبد بها، وأنها لا تملك فعلا من ذاتها وإنما هي تعمل بمدد الله تعالى في كل حين، فلا يقولنّ أحدنا أنا أحسن من يقدم الدروس، أو أنا أكثر من يعرف مواطن التأثير في النفوس لذا سأضطلع بأمرهم...! أو أن تقول إحداهنّ ليس في المدينة من يحسن الطهي مثلي، أو أو أو .... بل أن يعزو العبد كل ذلك فيه وهو يعرفه فيه إلى فضل الله تعالى، وأن يدرك أنه لا طاقة ولا قوة له بتفعيله من ذاته لولا تفضل الله عليه في كل حين، بأن يفعّل فيه تلك الميزة أو المَلَكة ....فقد نظن أننا قادرون على فعل ما تعونا فعله، فنفاجأ بأنفسنا وهي تعجز....

كما يؤكد أن معالجة العُجب لا تنحى بالإنسان إلى ترك العمل لله، وللدين، بل عليه أن يداوم على العمل مع الناس، وعلى العمل مع نفسه، بتربية مستمرة لا تنقطع، وبتنبّه دائم لمداخل النفس وثغراتها يرمّها، ويلئم صدعها كلما أرادت هواها ونشوتها ....

نسأل الله تعالى أن يعيننا جميعا على جهاد أنفسنا، وأن يثبتنا على الحق، وأن يميتنا على الإسلام وألا يجعل مصيبتنا في ديننا... إنه ولي ذلك والقادر عليه .
العنوان: رد: من وحي كتاب(هذا الدين لسيد قطب)
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2014-10-30, 07:15:10
من وحي كتاب "هذا الدين" لسيد قطب

هذه المرة أبدأ بفضل الله تعالى وعونه مع كتاب "هذا الدين" للشهيد سيد قطب رحمه الله تعالى وأسكنه فردوسه الأعلى... وكعادة كتابات هذا الشامخ السنيّ، يشعر القارئ له أنه يريد أن يضع كلماته كاملة، لا كلماته هو عن كلماته...!

الإسلام، وميزته وخصيصته التي يغفل عنها الناس، حتى يقعوا في خلط وتلبيس كبيرَيْن، حتى يطلق المشككون سهامهم المسمومة من كناناتهم الحاقدة، وينفخوا أوداج الغضب على من يسمونهم دعاة الرجعية، بأنّ هذا الدين الذي يريدون إعلاءه وإمضاء أمره في الناس لم يحقق لأصحابه شيئا ...!!

لم يحقق لهم ما حققه الغرب من نهضة علمية، وعمران، وغزو لفضاءات خارج حدود الأرض....!! ومن تكنولوجيا تتحرك في الأرض وتنطق  ....!!

وحتى من بني الإسلام، المتجلببين بجلباب الغرب، المتمسحين بمسوحه، المتطفلين على مائدته، الراضين بالفُتات منها على أنّ عرق المتقدمين الناهضين هو العرق النابض والعرق النقيّ، والعرق الأعلى، وأنهم وما داموا من سلالة العرب، ومن سلالة المسلمين، فإنما يكفيهم الفُتات، بل ويشرّفهم أن يقتاتوا من فُتاتِهم ...!!!

كثير من بني الإسلام، لم يعرفوا سرّ الداء، وسرّ الانحطاط، لم يعرفوا أن الداء في المسلمين لا في الإسلام... أن العلة في نفوس المسلمين لا في الإسلام ....

هذه هي النقطة الغامضة، والحلقة المفقودة.... إنهم يرقبون المشهد، ويريدون أن يروا خوارق، ومعجزات، ما دام هذا المنهج الذي يتنادى به المتنادون من عند الله، وما داموا يقولون أنه من خالق البشر، فأين الخوارق؟ وأين تحقق النصر لأصحابه، وحصول التمكين لهم في الأرض، فما دام من عند الله، ما باله وهو من عند الله لا يحقق هذا ؟ وكأنه العصا السحرية، والفاعل الخارق الذي لا يتك أصحابه هملا ؟!!!

هكذا يحسبون الإسلام.... هكذا يظنون فعله في أصحابه، ويغفلون أنما حركته وفعله متأثران بالطاقة البشرية وبالبيئة المادية التي يحياها الناس، هكذا ٍأراد الله لهذا الدين، هذه خصيصته، أن يطبقه ويفعّله البشر، بطاقاتهم البشرية، متأثرا بالفطرة وبالبيئة، فإن فقهه أصحابه، وسعوا له وبه سعيهم، وجاهدوا لإعلائه، مكنهم الله، وأجرى الخير على أيديهم، ونصرهم، وأيدهم ....

وهذا مصداق قوله تعالى : "وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ(69)"-العنكبوت- ، وهذا مصداق قوله تعالى : "إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ " -الرعد-، وهذا مصداق قوله تعالى : "ولينصرنّ الله من ينصره"

هو الله سبحانه، شاء أن يجعل الهدى ثمرة للجهد والرغبة في الهدى، وشاء أن تعمل فطرة الإنسان دائما، وألا تعطّل، "وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا(7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا(8)" ....

وإن سؤال أحد من خلق الله "لماذا لا يحقق الدين لأهله ما يريدون؟ ولماذا تكون نتائجه بجهد بشري؟"، إنما هو سؤال لا يسأله مؤمن، عارف بعظمة الله تعالى، وبحكمته، وبإرادته، ولا يسأله ملحد، لأنه أولا وأصلا لا يؤمن بوجود إله، فإن هو سأل عن سر مشيئة الله في هذا، فقد اعترف بالله، وإن هو اعترف به لم يبق له أن يشك في قدرته وحكمته، ولكن يسأله هازل مائع، ومن ثم لا يجوز الاحتفال بسؤاله، أو قد يسأله جاهل بحقيقة الألوهية وخصائصها، والسبيل إلى جواب مثله ليس الجواب على سؤاله بل أولا بتعريفه بخصائص الألوهية، وبعدها فإما ينقلب مؤمنا أو ينقلب ملحدا منكرا لله وخصائصه...

وعلى هذا فليس لأحد أن يسأل الله عن إرادته وحكمته من خلق الإنسان بفطرة تتفاعل مع هذا المنهج، ولا يطبق إلا وفقها، ومع الجهد البشري ....فهو سبحانه يَسأل ولا يُسأل عما يفعل...

فكيف يتحقق هذا المنهج بالجهد البشري ؟
إنما يتحقق إذا حملته جماعة، واجتهدت في تطبيقه فيها، وف ينفوس الآخرين، وجاهدت لأجله الصادّين، وفي هذا تفصيل جميل لاحقا بإذن الله أضع عنه
العنوان: رد: من وحي كتاب(هذا الدين لسيد قطب)
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2014-10-31, 11:36:18
من وحي كتاب "هذا الدين" لسيد قطب


لا يتحقق الإيمان بهذا المنهج إلا عندما يجاهد الإنسان من أجله الجاهلية الت تحيط به...

منهج متفرّد


قد يسأل سائل وهو يعرف هذه الخصيصة ف يالإسلام، وف يمنهج الله تعالى الذي يتحقق بالمجهود البشري وتاؤما مع الفطرة الإنسانية، ما الفرق بينه إذن وبين باقي المناهج البشرية التي تتحقق بالمجهود البشري؟ وما ميزته عليها ؟

أولا: ملزمون بتحقيق معنى "لا إله إلا الله محمد رسول الله"، والتي من أهم معانيها أن نقر أنه لا منهج للناس ولحياة الناس إلا منهج خالقهم، ولا حاكمية عليهم، إلا لله تعالى، وأن من يحيد عن ذلك ويقبل بتطبيق منهج البشر على البشر بدل منهج خالقهم، فإنه لم يحقق معنى لا إله إلا الله...فلا منهج يليق للبشر وينفعهم غير منهجه، ولا حكم لغيره...

ثانيا: هو المنهج الوحيد الذي يحقق فعلا كرامة الإنسان، ويمنح الحرية، ويطلق الإنسان من العبودية إلا لله تعالى، فلا سلطة لبشر على بشر، وإنما السلطة لأمر الله ولمنهج الله ...وقد أشار الله تعالى لذلك في قوله :"اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَـهاً وَاحِداً لاَّ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ(31)" ، ولما قيل لرسول الله صلى الله عليه وسمل أنهم لم يعبدوهم، أجابهم أنهم كانوا يحلون لهم الحرام، ويحرمون عليهم الحلال، وتلك عبادتهم لهم....وهذه خاصية لله تعالى وحده ....

ثالثا: هو المنهج الوحيد المبرأ من الهوى، والضعف، والنقص، والمحاباة... هو منهج جاء لخير كل البشر، لخير طائفة دون أخرى، ولا لإعلاء طائفة دون أخرى ....فالتشريع البشري الذي يضعه أحدهم يستحيل أن يتجرد من الهوى والميول، منهج الله يحقق العدل الشامل الكامل .

والضمانات التي تحقق بها الجماعة المسلمة العدل بمنهج الله تعالى هي الضمير المسلم، والإيمان بالمنهج، وأن النصر والتمكين والإعلاء يكون للمسلمين على قدر وفائهم لهذا المنهج وسعيهم لتطبيقه وإمضائه في الحياة الدنيا ...."...وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ(40) الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ(41)"-الحج-


رابعا: هو المنهج المبرأ من الجهل، والنقص، فهو المنهج الذي يحيط بكل حيثيات البشر، ولا يترك شاردة ولا واردة من أمور حياة الإنسان، وتفاعلاته، وحالاته إلا راعاها في هذا المنهج، وراعى الفطرة، وراعى ضعف الإنسان، وهو الذي فيه المعرفة الإلهية الكاملة بضعف النفس ومداخلها ومخارجها ...وما من أحد من البشر مهما كانت عبقريته يعلم علم الله المطلق، ويحيط بما يحيط به الله تعالى .

خامسا: هو المنهج الذي يفسر أشمل وأكمل تفسير غاية وجود الإنسان.

سادسا: هو المنهج الذي يتناسق مع نظام الكون، ولا يترك الإنسان في صراع معه، والإنسان حين يخرج بنظام حياته عن ناموس الكون، لا يتصادم مع الكون فحسب، بل مع فطرتهفيشقى ويتمزق، ويحتار ويقلق...
"ولقد أحرزت انتصارات باهرة في كشوف الفضاء، والأقمار الصناعية، ومحطات الهواء. ومراكب الفضاء... وما تزال في الطريق...
ولكن ما أثر هذا كله في حياتها؟ ما أثره في حياتها النفسية! هل وجدت السعادة؟ هل وجدت الطمأنينة؟ هل وجدت السلام؟ كلا! لقد وجدت الشقاء والقلق والخوف... إنها لم تتقدم كذلك في تصور أهداف الحياة الإنسانية، وغاية الوجود الإنساني. وحين يقاس تصور الرجل "المتحضر" لغاية وجوده الإنساني، إلى التصور الإسلامي لهذه الغاية، تبدو الحضارة الراهنة لعنة تنحط بالشعور الإنساني إلى الحضيض، وتصغر من اهتماماته وأشواقه وإنسانيته كلها!."


منهج ميسّر


قد يقول قائل، أن هذا المنهج مثالية لا تُستطاع، ولا تطيقها البشرية طويلا، وأكبر دليل على ذلك، انفلاتها منه سريعا، ومن هؤلاء الماكرون الحاقدون الذين يجدون في الفتنة وبداياتها بقتل عثمان رضي الله عنه مادة خصبة لإذكاء نار شبهاتهم ....ويذكر سيد قطب رحمه الله، في معرض هذا انسياق بعض المخلصين الحزانى على ذهاب عزّ الإسلام وراء مثل هذه الدعاوى....

ويفنّد هذه الدعوة، بأن هذا المنهج أولا لا يكلف النفس البشرية جهدا فوق ما تطيق، بل لقد وضع وفق طاقة البشر، ووفق الفطرة التي فطر الإنسان عليها، وأنه يعرف طريقه إلى رضيد الفطرة المذخور، هو نظام يعرف كل مداخل النفس، ويعرف حدود طاقتها فلا يتجاوزها البتة....وأنه إذا ما استقامت النفس مع فطرتها، وحين تطلق طاقاتها للعمل، تجري مع الحياة ف يسر وهي تجد الاستواح والطمأنينة والأمان ....

أما عن الذين يستثقلون "أخلاقية" هذا المنهج، ويرونها حملا، وقيدا، وكبحا، فإنما هذه القيود التي يرونها، هي في أصلها قوة بناءة، لأن الإنسان في أصله خير، وغير ذلك الخير فيه، من رذيلة وصفة شائنة إنما هي الطارئة على فطرته السليمة التي أصلها خير "لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ(4) ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ(5) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ(6)"-التين-

وحتى ما يبدو كوابح وقيودا، إنما هي في حقيقتها، تحرير، وإطلاق من الإسار، من إسار عبودية النفس، والهوى إلى السيطرة على الشهوات، والأهواء، والتحكم بالنفس ...فإطلاق عنان الشهوة الجنسية مثلا بلا قيد، حيوانية تضع الإنسان في أسر حيوانيته، بينما ضبطها هو التحرر والانطلاق من قيود الهوى ....والإسلام يعتبر الذنوب والآثام أغلالا تهبط بالنفس إلى الدركات وتخلطها بالوحل...

ويتيسر الأمر على المسلم حينما يعيش في وسط يطبق الإسلام، ويدين بالطاعة والتسليم لمنهج الله تعالى، فتعود الرذيلة شاذة منبوذة، وتصبح الفضيلة والرفعة والسمو الأخلاقي عادة وطبعا وبديهة

أما المناهج البشرية التي سمتها الضعف، والهوى، والجهل، والنقص، فهي التي شقيت بها البشرية، وهي التي حتى إن أعطت حلولا، أعطتها جزئية، لا شمولية، فتعالج لتكون داء جديدا، ثم تبحث للداء الجديد عن علاج جديد، يصنع هو الآخر داء جديدا.... وهكذا هي هذه الدائرة المغلقة الت يصنعها البشر للبشر ....

أما أهم ما أشار إليه سيد قطب، في هذا المضمار، فهو أن هذا المنهج لا يعتسف الطريق، ولا يتسرع، ولا يلغي المسافات، ولا يلغي الخطوات...

"أما المنهج الإسلامي فيسير هيناً ليناً - مع الفطرة - يوجهها من هنا، ويذودها من هناك، ويقومها حين تميل. ولكنه لا يكسرها ولا يحطمها ولا يجهدها كذلك. إنه يصبر عليها صبر العارف البصير، الواثق من الغاية البعيدة المدى، الأكيدة التحقيق... والذي لا يتم في الجولة الأولى يتم في الجولة الثانية، والذي لا يتم في الجولة الثانية يتم في الجولة الثالثة... أو العاشرة... أو المئة... أو الألف! كل ما هو مطلوب هو بذل الجهد والمضي في الطريق!.
وكما تنبت الشجرة الباسقة، وتضرب بجذورها في أعماق التربة، وتتطاول فروعها وتتشابك... كذلك ينبت هذا المنهج في النفس والحياة. ويمتد في بطء، وعلى هينة... وفي ثقة وطمأنينة... ثم يكون ما يريد الله أن يكون..
إن الإسلام يلقى بذوره، ويقوم على حراستها؛ ويدعها حينئذ تنمو نموها الطبيعي الهادئ وهو واثق من الغاية البعيدة.. ومهما يحدث من البطء أحياناً، ومن التراجع أحياناً، فان هذا شأن الفطرة.. والزارعة قد تسفى عليها الرمال… وقد يأكل بعضها الدود.. وقد يحرقها الظمأ. وقد يغرقها الري. وقد تصاب بشتى الآفات … ولكن الزارع البصير يعلم أنها زرعة للبقاء والنماء، وأنها ستغالب الآفات كلها على المدى الطويل. فلا يعتسف، ولا يقلق. ولا يحاول أن ينضجها بغير وسائل الفطرة الهادئة اليسيرة... ومن ثم يصاحبها اليسر، وتسهل تكاليفها على النفوس.."

ثم يؤكد مكر وخبث القول بأن البناء الذي أقامه هذا المنهج في الأرض لم يدم طويلا، بل إنه قد قام في غضون أقل من قرن، وثبت لقرون طويلة بعده ....رغم كل ما تهدده من كيد الكائدين وغيظ المغتاظين، ومكر الماكرين.....

نعم إنه كانت هناك فترة فارعة في تاريخ هذا المنهج - وفي تاريخ البشرية كله - ظلت تتراءى في التاريخ البشري كله، كالقمة السامقة، تتطاول إليها الأعناق، وتتطلع إليها الأنظار؛ وهي في مكانها السامي هناك!.
.... وهي فترة قصيرة فعلاً ....
ولكن هذه الفترة ليست هي كل العهد الإسلامي... إنما هي منارة أقامها الله، لتظل البشرية تتطلع إليها، وتحاول ان تبلغها كذلك؛ وتتجدد آمالها في بلوغ القمة السامقة، وهي تدرج إليها في المرتقى الصاعد. ويقسم الله لها ما يقسم من المدارج في هذا المرتقى. وهي تتطلع دائماً إلى المنارة الهادية!.
حقيقة ان هذه الفترة لم تكن وليدة معجزة لا تتكرر، وأنها كانت ثمرة الجهد البشري الذي بذلته الجماعة المسلمة الأولى، وأنها ممكنة التحقيق حين يبذل مثل ذلك الجهد مرة أخرى...
ولكن هذا الجهد الذي بذلته طائفة مختارة من البشر، قد يكون مرصوداً لكثير من الأجيال البشرية القادمة - لا لجيل واحد - وقد يكون تحقيق تلك القمة الفريدة في ذلك الجيل الواحد، قدراً من أقدار الله، لكي يقوم هذا النموذج في صورة واقعية تمكن محاولتها ، وتمكن معرفة خصائصها ... ثم يترك للبشرية بعد ذلك في أجيالها المتتابعة، ان تحاول بلوغها من جديد.
وقد ظل المنهج يؤدي دوره، فيما بعد هذه الفترة، في مساحات واسعة من الحياة البشرية، وظل يفعل في تصورات البشرية وتاريخها وواقعها أجيالاً طويلة؛ وترك من ورائه آثاراً وتيارات في حياة البشرية كلها، لعلها هي التي تجعلنا نأمل اليوم، في إمكان البشرية ان تتطلع إلى المحاولة من جديد.



العنوان: رد: من وحي كتاب(هذا الدين لسيد قطب)
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2014-10-31, 12:02:00
من وحي كتاب "هذا الدين" لسيد قطب.

منهج مؤثر


جيل من الرجال العظماء الذين أقاموا هذا المنهج في الأرض، جيل يخيل للذي يقرأ عنه، أنه الوهم والخيال، لولا أنه الحقيقة والمثال، وعلى قدر ما كان ذلك الجيل جيلا سامقا، ارتفع به المنهج كما ارتفع هو به، بقدر ما فيه من أمل وحافز ودافع لكل الأجيال لأن تعمل على العودة لتلك القمة من جديد، لأنه كان جيلا من البشر الذين عاشوا حياة البشر، وأصابوا وأخطؤوا، وارتفعوا، وزلوا....

"ولقد انبثق ذلك الجيل الفارع العظيم، من قلب الصحراء، الفقيرة الموارد، المحدودة المقدرات الطبيعية والاقتصادية والعلمية... وعلى كل ما كان في هذه البيئة من الموافقات المكونة لهذا الانبثاق الهائل العجيب، فان البشرية - اليوم وغداً- ليست عاجزة بفطرتها، ولا عاجزة بمقدراتها، أن تنجح مرة أخرى في المحاولة، إذا هي اتخذت ذلك المنهج قاعدة لحياتها.
ولقد ظل هذا المنهج - على كل ما ألم به على مدى الزمن من انحرافات ومن خصومات ومن هجمات - يبعث بنماذج من الرجال، فيها من ذلك الجيل الأول الفارع مشابه، وفيها منه آثاراً وانطباعات... وظلت هذه النماذج تؤثر في الحياة البشرية تأثيرات قوية، وتؤثر في خط سير التاريخ البشري، وتترك من حولها ومن ورائها تيارات ودوامات هائلة تطبع وجه الحياة، وتلون سماتها.
وما يزال هذا المنهج قادراً في كل حين، على ان يبعث بهذه النماذج، كلما بذلت محاولة جدية في تطبيقه وتحكيمه في الحياة. على الرغم من جميع المؤثرات المضادة، وعلى الرغم من جميع المعوقات من حوله وفي طريقه.
والسر الكامن فيه هو تعامله المباشر مع الفطرة؛ واستمداده المباشر من رصيدها المكنون. وهو رصيد هائل، ورصيد دائم. وحيثما التقى مع هذا المنهج تفجرت ينابيعه الثرة، وفاض فيضه المكنون!."

والإسلام لا يغفل المؤثرات المحيطة التي تعمل على قهقرة المبادئ والقيم والموازين التي حددها المنهج الإلهي، ولكنه لا يجعلها الواقع الذي لا يُقاوَم، وإنما يعمل على استنهاض مكنونات الفطرة، وإطلاق قدراتها، وإخراجها من تحت الركام الذي ينحطّ عليها ...إنه يعمل على استثارة رصيد الفطرة...

بل إن الفطرة البشرية هي الواقع الذي لا يستقيم مع الواقع الظاهري الذي يقول الكثيرون بالاستسلام له، على خلاف المنهج الرباني الذي ليس فيه ما يدعو للاستسلام له، بل فيه دوما من المقومات والمكونات ما يجعله أقوى منه، لأنه هو الحقيقة، وما عداه الطارئ، الدخيل ....

"وقد حدث هذا مرة يوم واجه ذلك المنهج الإلهي "واقع" الجزيرة العربية، وواقع الأرض كلها. فانتصر على هذا الواقع انتصاراً رائعاً، وبدل قوائمه التصورية والعملية، وأقامه على أسس جديدة.
وهذا الذي حدث لم يتم بمعجزة خارقة لا تتكرر. ولكنه تحقق - وفق سنة الله الدائمة- بجهد بشري، وفي حدود الطاقة البشرية... فدلت هذه السابقة على إمكان تكرار هذه الظاهرة.
فما بال إذا كانت التيارات التي أطلقتها تلك الفترة، والرواسب التي خلفتها، في حياة البشرية، وفي الواقع التاريخي، كلها عوامل مساعدة في المحاولة الجديدة؟"


ويشير إلى أنه قد استقر في تاريخ البشرية قيم وموازين ومبادئ، البشرية اليوم تنكر أصلها الذي هو هذا المنهج الرباني الأصيل، وقد تكون جاهلة بأصلها، بينما تجدها اليوم تقرّها من بعد ما رفضتها أول قيامها ....وبالتالي فهي اليوم مهيأة أكثر من قبل لتحمّل هذا المنهج، ولتقبله، لأن لديها منه رصيدا واقعيا لم تستطع فكاكا من الاعتراف بسلامته وبأنه كان الأجدى لها والأنفع.....

رصيد الفطرة


كيف استطاع رجل واحد. محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم… أن يقف وحده في وجه الدنيا كلها، أو على الأقل في وجه الجزيرة العربية كلها في أول الأمر ؟ أو على الأقل في وجه قريش سادة العرب كلهم في منشأ الدعوة؟ وأمام تلك العقائد والتصورات، والقيم والموازين والأنظمة والأوضاع، والمصالح والعصبيات، ثم ينتصر على هذا كله، ويبدل هذا كله؛ ويقيم النظام الجديد، على أساس المنهج الجديد، والتصور الجديد؟
انه لم يتملق عقائدهم وتصوراتهم، ولم يداهن مشاعرهم وعواطفهم، ولم يهادن آلهتهم وقيادتهم.. لم يتمسكن حتى يتمكن... انه أمر ان يقول لهم منذ الأيام الأولى، وهو في مكة، تتألب عليه جميع القوى: " قل يا أيها الكافرون، لا أعبد ما تعبدون، ولا أنتم عابدون ما أعبد، ولا أنا عابد ما عبدتم ولا انتم عابدون ما اعبد، لكم دينكم ولي دين "..
فلم يكتف بان يعلن لهم افتراق دينه عن دينهم، وعبادته عن عبادتهم، ومفاصلتهم في هذا مفاصلة كاملة لا لقاء فيها. بل أمر كذلك ان ييئسهم من إمكان هذا اللقاء في المستقبل. فكرر عليهم: " ولا أنا عابد ما عبدتم ولا أنتم عابدون ما أعبد "... وباطراد المفاصلة في هذا الأمر، الذي لا التقاء فيه! " لكم دينكم ولي دين ".
وهو كذلك لم يبهرهم بادعاء ان له سلطاناً سرياً، ولا مزايا غير بشرية ولا موارد سرية. بل أمر ان يقول لهم: " قل: لا أقول لكم عندي خزائن الله، ولا أعلم الغيب، ولا أقول لكم إني ملك. ان اتبع إلا ما يوحى إلي "... (الأنعام: 50)
ولم يوزع الوعود بالمناصب والمغانم لم يتبعونه، حين ينتصر على مخالفيه: قال ابن إسحاق: "كان النبي - صلى الله عليه وسلم- يعرض نفسه على القبائل في الموسم - موسم الحج- يقول: "يا بني فلان، إني رسول الله إليكم، يأمركم ان تعبدوه ولا تشركوا به شيئاً، وان تخلعوا ما تعبدون من دونه من هذه الأنداد، وأن تؤمنوا بي وتصدقوا بي، وتمنعوني حتى أبين عن الله ما بعثني به".

لم يكن نجاحه صلى الله عليه وسلم عائدا للخوارق، بل لأن هذا المنهج الذي نزل عليه من عند الله تعالى تعامل مع رصيد الفطرة، رصيد ضخم هائل، لا يغلبه الواقع الظاهري مهما بدا قويا، وصعبا، وذلك حين يستنقذ رصيد الفطرة ويجمّعه ويوجّهه لطريق مرسوم .

"واستمعت الفطرة الى الصوت القديم،الذي يخاطبها من وراء ركام الواقع الثقيل،في التيه العريض.وثابت الى الهها الواحد.وانتصرت الدعوة الجديدة على الواقع الثقيل!
وعندما ثاب الناس الى إله واحد.امتنع ان يعبد الناس الناس ووقف الجميع رافعي الرؤوس امام بعضهم البعض.يوم انحنت كل الرؤوس للإله الواحد القاهر فوق عباده. وانتهت اسطورة الدماء المتفاضلة، والأجناس المتفاضلة، ووراثة الشرف والحكم والسلطان... ولكن كيف وقع هذا ؟"

استمعت الفطرة الى الله - سبحانه- يقول للناس جميعاً. " يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر هو أنثى، وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا. ان اكرمكم عند الله أتقاكم "... [الحجرات:13]
واستمعت اليه -سبحانه- يقول لقريش خاصة: " ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس "... [البقرة:199]
واستمعت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يقول للناس جميعاً: " يا أيها الناس. ان ربكم واحد، وان اباكم واحد. كلكم لآدم وآدم من تراب. ان اكرمكم عند الله اتقاكم. وليس لعربي على عجمي، ولا لعجمي على عربي، ولا لأحمر على ابيض ولا لأبيض على احمر فضل الا بالتقوى ". واستمعت إليه يقول لقريش خاصة:
" يا معشر قريش.. اشتروا أنفسكم، لا أغنى عنكم من الله شيئاً، ويا بني عبد مناف لا اغنى عنكم من الله شيئاً. يا عباس بن عبد المطلب، ما اغنى عنك من الله شيئاً، يا فاطمة بنت محمد: سليني ما شئت من مالي ، لا اغنى عنك من الله شيئاً ". [متفق عليه]
استمعت الفطرة الى النداء المستجاب، وأزاحت عنها ركام "الواقع" وانطلقت مع المنهج الإلهي.. ووقع ما وقع وفق سنة الله المطردة، القابلة للوقوع في كل حين.
العنوان: رد: من وحي كتاب(هذا الدين لسيد قطب)
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2014-11-01, 10:09:26
من وحي كتاب "هذا الدين" لسيد قطب

عرفنا من الكتاب رصيد الفطرة، ومعناه، وهو ذلك الرصيد المذخور فيها، الذي يفهمه منهج الله تعالى، فيستنقذه من ركام الجاهليات، ويوجهه، ويرسم له الطريق، رصيد الفطرة الذي غلب به رسول الله صلى الله عليه وسلم في بدايات الدعوة كل التيارات المعادية على وجه الأرض، فلم تكن الجزيرة العربية وحدها تستغرب هذا المنهج وترفضه، بل كل الأرض كانت ترفضه، لأنها كانت ترسف في أغلال الظلم والفحشاء والرذيلة، وانتكست فطرتها....

هذا ما اعتمد عليه هذا المنهج، ورسول الله صلى الله عليه وسلم مبلّغه في عمله في النفوس، وفي الأرض، وفي تصدّيه لكل المترصدين للدعوة...

أما اليوم، فالبشرية أقدر ما تكون على تحمّل المنهج، وتفهّمه وتطبيقه، وقبوله، أقدر منها يوم جاءها أول مرة، لأنها اليوم تستند إلى عاملَيْن بدل عامل واحد، تستند إلى رصيد الفطرة وإلى رصيد التجربة سواء ....

رصيد التجربة

لم يعد الإسلام بتعاليمه، وقيمه وموازينه غريبا على البشرية، بل لقد عرفته، نعم لم يعتلِ المسلمون قمة سامقة في البشرية كالتي اعتلاها رجال الإسلام الأوائل، عندما تهيّأت على الأرض جماعة صدقت الله تعالى، فصدقها الله، جماعة تهيأت بضميرها المستيقظ الذي كان على أعلى درجات الوفاء لمنهج الله تعالى، حكّمه في حياته حق التحكيم، في كل صغيرة وكبيرة، فقوي به، واعتز به، وجاهد به ولأجله، وفتح الأمصار والبلاد للإسلام ....ودخل الناس في دين الله أفواجا ....

نعم لم تُبلغ القمة السامقة إلا في عهد أولئك الأوائل العظماء، ولكن أيضا لم تذهب ريح الإسلام، بل لقد اعتلى قمما أدنى منها بأشكال متفاوتة عبر العصور الموالية لعصر الصحابة والتابعين، ولم ينطفئ نور الإسلام، وقيّض الله له في كل مرحلة من مراحل البشرية رجالا كانوا على شاكلة الأوائل، عملوا للدين، وربوا جماعات فاعلة....

ترك الإسلام أثره في الأمم والشعوب المختلفة، مرت البشرية بتجربته، وتأثرت بنوره، وقد كتب الغربيون أنفسهم شهادات تبين تأثير الإسلام حتى في معتقداتهم، فيورد سيد قطب رحمه الله شيئا من شهادة أحد كتاب الغرب عن قسيسين مسيحيّين كانوا يرفضون الصور، والتمثيل، ويرون فيها وثنية، كما أنّ منهم من فسر التثليث على نحو يقارب التوحيد، وكل ذلك تأثرا بالحضارة الإسلامية، لأن أولئك اختلطوا بالمسلمين في الأندلس ....

من أوجه التأثيرات التي خلّفت معاني وقيم جديدة على أوروبا، أنكرتها ابتداء، ثم قبلتها، وتبنّتها، وادّعت أنها صانعتها، ما سمته "حقوق الإنسان"، بينما كانت غارقة في التفريق، والطبقيّة، واعتبار جنس أحسن من جنس، والسيد هو السيد وهو الإنسان، وغيره عبد لا حقوق له ولا قيمة، عرفت كرامة الإنسان من نداءت القرآن :"يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ(13)"-الحجرات-

العنوان: رد: من وحي كتاب(هذا الدين لسيد قطب)
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2014-11-02, 11:14:30
من وحي كتاب "هذا الدين" لسيد قطب

عرفت البشرية كرامة الإنسان والمساواة، و"حقوق الإنسان" من الإسلام، وتركها فيها أثرا، وهي التي رفضته أول ما جاء، ورفضت قيمه وموازينه، عادت وقبلتها، بل وتبنّتها ونسبتها لها ....

"وحادثة ابن القبطي الذي سابق ابن عمرو بن العاص، فاتح مصر وواليها فسبقه فضربه ابن عمرو، فشكا أبوه الى عمر بن الخطاب - رضى الله عنه- فأقصه منه في موسم الحج وعلى ملأ من الناس... حادثة معروفة.
وقد اعتاد الكتاب ان يقفوا فيها عند عدل عمر.. ولكن الحادثة اوسع دلالة على ذلك التيار التحرري الذي أطلقه الإسلام في ضمائر الناس وفي حياتهم. فمصر اذا ذاك بلد مفتوح، حديث عهد بالفتح وبالاسلام. وهذا القبطي لم يزل على دينه، فرداً من جماهير البلد المفتوح. وعمرو بن العاص هو فاتح هذا الإقليم، وأول أمير من قِبل الإسلام... وحكام هذا الاقليم قبل الفتح الإسلامي هم الرومان: أصحاب السياط التي تجلد ظهور شعوب المستعمرات! ولعل ذلك القبطي كان ما يزال ظهره يحمل آثار سياط الرومان!.
ولكن المد التحرري الذي أطلقه الإسلام في أنحاء الأرض، أنسى ذلك القبطي سياط الرومان وذلها، وأطلقه إنساناً حراً كريماً؛ يغضب لأن يضرب ابن الأمير ابنه، بعد اشتراكهما في سباق، وهذه أخرى، ثم تحمله هذه الغضبة لكرامة ابنه الجريحة على ان يركب من مصر الى المدينة، لا طيارة ولا سيارة ولا باخرة ولا قطاراً، ولكن جملاً ، يخب به ويضع الأشهر الطوال، كل ذلك ليشكو إلى الخليفة... الخليفة الذي حرره يوم فتح بلده تحت راية الإسلام! والذي علمه الكرامة بعد ان نسيها تحت وقع سياط الرومان!.
وهكذا ينبغي أن نفهم، وأن ندرك عمق المد الإسلامي التحرري فليست المسألة فقط أن عمر عادل؛ وأن عدله لا تتطاول إليه الأعناق في جميع الأزمان ولكن المسألة بعد ذلك أن عدل عمر - المستمد من الإسلام ومنهجه ونظامه- قد انطق في الأرض تياراً جارفاً محرراً مكرماً للإنسان... بصفته "الإنسان"..."

هذا كله من رصيد التجربة. لقد استوى المجتمع الإسلامي ألف عام على قمم مختلفة، ليست هي قمته السامقة الأولى، ولكنها كانت أرقى وأعلى مما كانت عليه كل مجتمعات البشرية من حوله، وكانت تلك المجتمعات كلها تستمدّ من ذلك المجتمع الرفيع، الراقي ...

"إن حركة الإصلاح الديني، التي قام بها مارتن لوثر وكالفن في أوربا. وحركة الإحياء التي تقتات منها أوربا حتى اليوم- وحركة تحطيم النظام الاقطاعي في أوربا، والانطلاق من حكم الأشراف. وحركة المساواة واعلان حقوق الانسان التي تجلت في الماجنا كارتا في انجلترا والثورة الفرنسية في فرنسا. وحركة المذهب التجريبي التي قام عليها مجد أوربا العلمي، وانبعثت منها الفتوحات العلمية الهائلة في العصر الحديث... وأمثالها من الحركات الكبرى، التي يحسبها الناس أصولاً في التطور التاريخي... كلها قد استمدت من ذلك المد الاسلامي الكبير، وتأثرت به تأثراً أساسياً عميقاً..."

كما أن الحركة العلمية التجريبية الأوروبية التي أحدثت انقلابا عظيما في أوروبا استُمدّت من علماء المسلمين، والغرب أنفسهم يشهدون بذلك، ويوعزون العلم التجريبي للمسلمين، بل يدينون لهم بوجود العلمه ذاته، فاليونان قديما وضعوا نظريات، وعمموا، ولكن المسلمين هم الذين ابتكروا أساليب البحث في دأب وأناة، وقاموا بجمع المعلومات الإيجابية وتركيزها، والملاحظة الدقيقة، والبحث التجريبي.

وهذا كله رصيد تجربة تركته هذه الظاهرة العظيمة الفريدة في الكون ... "الإسلام" ...
وعلى هذا فإن للبشرية اليوم رصيدَيْن بدل واحد، رصيد الفطرة، ورصيد التجربة، مما يؤهلها أكثر من أي وقت مضى للعودة لتلك القمة السامقة التي يضعها فيها المنهج الإلهي الذي يلائم الفطرة، ويستحثها لتنهض وتؤدي ما عليها ....

والإسلام قد ترك خطوطا مستقرة، من أهمها أيضا النظام الذي حدّد به أن البلاد التي تطبق الإسلام دار إسلام، وغيرها دار الحرب، دون اعتساف ولا اعتداء ولا طغيان، بل بأنظمة محددة، بمعاهدات، وموادعات، وشروط وقوانين تراعي السلام قبل الحرب، وحتى الحرب في الإسلام لها قوانينها وشرائعها، وضوابطها، حرب لا تهتك الأستار، وليس هدفها الدمار، بل هدفها الجهاد في سبيل إعلاء كلمة الله، ومداواة الأرض بدين الله، وهي حرب لا تخلط حابلا بنابل، بل حرب على من يحمل السلاح في وجه المسلمين ولا تخلط في ذلك امرأة أوطفلا أوعجوزا، ولا حتى عابدا في صومعته، ولا شجرا .... حرب راقية، نظيفة، حرب على الطغيان وعلى الطاغوت، وعلى مسالك الشيطان، وليست حربا على الإنسانية ....
على عكس ما عليه حال الأمم اليوم، تلك الأمم التي تعلمت من الإسلام كيف تقنّن لإبعاد شريعة الغاب بالقوانين الدولية الوضعيّة، ولكنها شردت، وضلت، وأصبح لحروبها غايات استلائية، وحيوانية، وهمجية ....ومصالح الدول الكبرى هي التي تراعى وحدها، وما عداها يُسام الدمار والهلاك ...

--------------

ثم أحب أن أشير إلى كلمة الشهيد سيد قطب رحمه الله في بحثه المهم هذا، كلمته الأخيرة التي ضمنها إشارات بالغة الأهمية والدقة، حيث نبّه إلى أنه رغم ما أسلف من قدرة البشرية اليوم أكثر من أي وقت مضى لاحتضان منهج الإسلام اعتمادا عى رصيد الفطرة، ورصيد التجربة، إلا أن الموضوعية والحكمة تقتضي الاعتراف بأن جاهلية هذا العصر أشد وطءا من الجاهلية الأولى، ذلك أن الجاهلية الأولى كانت سِمتها السذاجة والفتوّة، أما جاهلية اليوم، فهي جاهلية علم، وتعقيد واستهتار، بمعنى أنها جاهلية جعلت من العلم إلها معبودا، ومن الدين عدوا للعلم، فسارت في طريق العلم، لا تلوي على الروح وعلى غذاء الروح، لا توازن بين غذاء العقل، وغذاء الروح، بل تشبع العقل وحده، وتُظمِئ الروح لغذائها الأصيل ....فالجاهلية القديمة بفتوّتها رغم ما تثيره من متاعب للعودة بها إلى الحق، إلا أن المعركة معها كانت مكشوفة، كانت الفطرة قريبة تلبي وتجيب، من وراء الكبرياء والعناد، وهذا كله خير من جاهلية الميوعة والاستهتار، واللامبالاة بكل عقيدة، جاهلية النفاق، والكيد والاحتيال.

ثم قد أعجبتني جدا جدا تلك الموازنة التي عَرَض إليها رحمه الله، في ملاحظة دقيقة وضعها، في الحقيقة أذهبت عني شخصيا رأيا كنت أراه في كتابات الشهيد، وعرفت منها تحديدا، كيف أنه لا يلغي دور المسلمين في العلم، ولا تلجئه قفزات الغرب العملاقة فيه، إلى القول بأن دور المسلمين بذلك سيقصر على علاج البشرية من أدوائها الروحية، لا غير، دون تطرقها للدور العلمي ....
من هذه الملاحظة الدقيقة، عرفت الموازنة التي في فكر الشهيد رحمه الله، والتي تبرئه من اتهامات كثيرة يلقي بها الذين لا يحسنون قراءة كلامه، ويجعلون منه داعيا فقط لدور للمسلم دون دور، وهنا أورد كلماته تحديدا :

"والحياة الدنيا قد اتسعت رقعتها في حس الناس وواقعهم! اتسعت رقعتها بما استحدثته الحضارة من وسائل الحياة والمتاع والاستقرار في الأرض، وأحس الناس بضخامة هذه الحياة في واقعهم وفي مشاعرهم سواء. وأضافت العلوم والثقافات والفنون والهوايات مساحات ضخمة الى رقعة الحياة في واقع الناس وفي مشاعرهم سواء!.
ولو قام هذا كله على أساس من المعرفة بالله، وبخصائص الألوهية وخصائص العبودية، وعلى أساس من الحقيقة العميقة: حقيقة أن الله هو الذي استخلف الانسان في الأرض، وسخر له ما فيها، وزوده بالمواهب والاستعدادات التي تعينه على الخلافة، وتيسر له طيبات الحياة كلها... وانه مبتلى في هذا كله ليحاسب في الآخرة على ما قدم في حياته الدنيا.
لو قام هذا كله على هذا الأساس الصحيح، لكانت هذه المساحات الجديدة التي أضافها العلم وأضافتها الحضارة، لرقعة الحياة في واقع الناس ومشاعرهم... مساحات تضاف إلى رقعة الإيمان، وتزيد الناس قرباً من الله ومنهجه القويم الممثل في الإسلام.
ولكن هذا كله انما قام على أساس الهروب من الكنيسة الطاغية ومن الهها الذي تستطيل به على الناس! فكانت هذه الاضافة الى رقعة الحياة مبعدة عن الله، وعقبة في الطريق اليه، ينبغي أن يحسب حسابها الدعاة!."
العنوان: رد: من وحي كتاب(المستقبل لهذا الدين لسيد قطب)
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2014-11-05, 11:11:37
من وحي كتاب "المستقبل لهذا الدين" سيد قطب.

وهكذا، لا يُشبع من كنوز الشهيد سيد قطب رحمه الله تعالى وأسكنه الفردوس الأعلى، من "هذا الدين" الذي أجلى فيه الكاتب خصيصة الإسلام، وخيصة المنهج الرباني الحكيم، متمثلة في إرادة الله تعالى تحقيق منهجه عن طريق البشر، وبالجهد البشري، متوافقا مع الفطرة، مستنقذا إياها من ركام الواقع المحيط بها، راسما لها طريقها، دافعها إلى العمل .

انتقلت منه إلى كتاب آخر له عنوانه "المستقبل لهذا الدين"، لما رأيت من علاقة بين العنوانَيْن، فبعد أن يتعرف القارئ على خصيصة المنهج الإسلامي، يحدو به الفضول إلى معرفة مقوّماته التي تجعل المستقبل له ....

الإسلام منهج حياة

هو منهج شمولي، متكامل، يشمل التصور الاعتقادي الذي يفسر طبيعة الوجود، ومركز الإنسان فيه، والغاية من وجوده، ويشمل النُظم التي تنبثق كلها من ذلك التصور، من نظام سياسي واجتماعي وأخلاقي واقتصادي.... كله ينبع من التصور الاعتقادي الذي يوفّره الإسلام، والذي يجب أن يفهمه معتنقهعلى هذا النحو، فلا يصوّره مجالا لأداء العبادات والشعائر الروحية، ويُبعده كل البعد عن باقي مناحي الحياة ...!  وهذا تصور خاطئ كل الخطأ، قاصر كل القصور، خبيث كل الخبث، وليس أبدا معنى الدين الذي هو جملة السلوك البشري، والتفاعل البشري الذي يشمل الجسد والروح سواء، والذي يهتم بالوجدان، وبباقي مناحي الحياة سواء، لا فصل بين هذه وتلك ....

وكما يقول الشهيد، إن هذا المنهج لا يعدّ الناس لفردوس الآخرة، بينما يعدّهم لفردوس الأرض منهج غيره ...!! بل هو المنهج الذي يعدّ المؤمنين به والناس لفردوس الأرض، ويأخذ بهم لفردوس الآخرة

ولا يغفل أحد كمّ الجهود المبذولة لإبعاد هذا الدين عن واقع حياة الناس، ولعزله عنها، وترسيخ مفهوم أنه للشعائر وللوجدان، بعيدا عن أمور الحياة الأخرى ...أو حصره فيما سمي ب"الأحوال الشخصية"

والناس.. إما أن يعيشوا بمنهج الله هذا بكليته فهم مسلمون، وإما أن يعيشوا بأي منهج آخر من وضع البشر، فهم في جاهلية لا يعرفها هذا الدين.. ذات الجاهلية التي جاء هذا الدين ليحطمها، وليغيرها من الأساس. ليخرج الناس من عبادة العباد إلى عبادة الله..

العنوان: رد: من وحي كتاب(المستقبل لهذا الدين -سيد قطب-)
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2014-11-05, 12:56:48
من وحي كتاب "المستقبل لهذا الدين" سيد قطب.

كل دين منهج حياة


النظام الاجتماعي ليس مرتبطا وحسب بالتصور الاعتقادي، بل ينبثق منه انبثاقا حيويا، إذ أن غاية أي نظام اجتماعي ينبغي أن تكون هي تحقيق غاية الوجود الإنساني، ويكون منه تحديد العلاقات التي تربط بين الإنسان وبين خالقه، وبينه وبين بني جنسه، وبينه وبين الكون، وبهذا فإن كل دين، هو منهج حياة، مادام الانظام الاجتماعي ينبثق حيويا من التصور الاعتقادي الذي يشمله، وأيضا كل منهج للحياة هو دين ...والجماعة التي تعيش في حياتها بمنهج الله هي في دين الله، والتي تعيش حياتها بمنهج غيره، هي في دين غير دين الله تعالى، فإما دين الملك، أو دين القبيلة، أو دين الشعب أو دين القومية ....

فواضعو المناهج البشرية، لم يعودوا يتحرجون من التصريح بأن مناهجهم عقيدة، تقوم على تصور لحياة الإنسان، ترسمها مخططاتهم، وآراؤهم، وأهواؤهم ومصالحهم، تماما كالشيوعة التي تستند إلى أن تاريخ البشرية حركته الأوضاع الاقتصادية...

فأما حين تحكم ضمير الإنسان ووجدانه شريعة، ثم تحكم واقعه ونشاطه شريعة.. وكل من هذه
وتلك ينبثق من تصور مختلف .. هذه من تصور البشر، وتلك من وحي الله.. فان شخصيته تصاب بما
يشبه داء الفصام (شيزوفرنيا)! ويقع فريسة لهذا التمزق بين واقعه الشعوري الوجداني، وواقعه
الحركي العملي، ويصيبه القلق والحيرة.. كما نشاهد اليوم في أرقى البلاد الأوروبية والامريكية، ثمرة
للصراع بين بقايا الوجدان الديني الذابلة وواقع الحياة العملية، القائم على تصورات وقيم لا علاقة لها
بالوجدان الديني..

وهكذا فقد جاء كل دين، ليحدث الرابطة بين ضمير الناس، وحياتهم، بين وجدانهم وحركتهم في هذه الحياة، جاء ليكون منهج حياة كاملة، وفق تصور اعتقادي يرد الأمر كله لله، ويربط الإنسان به، ويحدد غاية وجوده، والمعنى من الوجود أصلا ..."وماأرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله"..

جاءت التوارة لتحدد منهج الحياة لبني إسرائيل، وجاء الإنجيل منهجا مخففا لبني إسرائيل، ثم جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقرآن لا ليلغي، ولكن ليهيمن، وهو الرسالة الكاملة الخاتمة.

الفِصام النَّكِــــــد


هذا الفِصام الذي حدث بين الدين والعلم، بين الدين والعقل، نتيجة الصراع المرير الذي حصل بين الكنيسة ورجال العلم، والمجتمع الأوروبي ككل، وقد مرّ بمراحل، إذ أنّ سيدنا عيسى عليه السلام، من بعد ثورة طائفة من بني إسرائيل، ضده وضد ما جاء به، كانوا محرضين على قتله، إلا أن الله تعالى توفاه ورفعه إليه، ومنها انقسم بنو إسرائيل إلى يهود ونصارى، فأما الحواريون، وتلاميذ المسيح عليه السلام، فهاموا على وجوههم من أثر المطاردة والتصدي، فكان لاختبائاتهم، وتستّرهم وتحولهم من مكان إلى مكان الأثر الكبير على نصوص الإنجيل التي تم تناقلها مفرّقة غير متفق على تماثلها، كان ذلك ف يظروف خاطفة لم تسمح بالتوات والنقل الصحيح .

ثم كان لبولس الذي لم يعاصر المسيح أصلا الحظ الوافر في تغيير رسالة المسيح عليه السلام، إذ كان له الدور الكبير في نشر النصرانية في أوروبا على نحو من الخلط بين تعاليم المسيح عليه السلام والوثنية الرومانية، وكتب رسائله متأثرا بالفلسفة الإغريقية الوثنية .

ثم جاء دور قسطنطين الذي اشتهر بفجوره وعبادته للدنيا، والذي اعتلى عرش الإمبراطورية، محاولا التوفيق بين الحزب الوثني والحزب النصراني، على أن تنتصر النصرانية لتعاليمها، فحدث الخلط الأكبر بين الاثنين، وكان ف يمصر مثلا الملكانيون(حزب الملك)، والمنوفسيون، وهما طائفتان كل منهما تعطي للمسيح طبيعة غير الأخرى...

ثم جاء دور التجمعات الدولية للمسيحين، وهناك كانت تخرج التجمعات بتوصيات تفسّر طبيعة المسيح، وكل تجمّع كان يعطيه طبيعة غير الت ييعطيها التجمّع الآخر، وكلها تحريف وخروج عن السليم والصحيح، إذ أعطوا للمسيح صفة الناسوتية واللاهوتية، وجعلوه الواحد المتضمن للأقانيم الثلاة الأب والابن والروح القدس ....ووقعت بينهم الاختلافات الكبيرة .

ثم جاء دور الرهبانية لتكتمل صورة الفصام النّكد، الرهبانية التي جاء رجال الكنيسة ليحاربوا بها الترف والفاحشة والرذيلة التي انتشرت عند الرومان، رهبانية مغرقة، تفسر الخلاص والفضيلة بالحرمان التام من أبسط ملذات الحياة، مما أحدث صراعا مريرا بين التيارين الجامحَيْن، تيار الترف والبذخ والفساد وتيار الرهبانية . مما خلّف في نفوس الناس جفوة للدين .مع اكتشاف الناس للخداع الذي انتهجه رجال الكنيسة، وقد ألفَوْهم أصحاب كذب وفاحشة وفساد، وإفساد لأموال الشعب، وفرض لإتاوات باهضة متجلببين في كل ذلك بجلباب الرهبنة...

وصكوك الغفران التي كانوا يوزعونها على الناس، ليضمنوا لهم الجنة، والتي كانوا يبيعونها للناس...

ثم استمر الفصام النّكد، يسفر عن فصوله، فجاء فصل صراع الكنيسة والبابوات ضد الأباطرة، حتى أصبح للبابوات نفوذ وسلطان عليهم، كان الإمبراطور يمثل بين يدي البابا خاشعا، خانعا، خائفا يترقب رضاه عنه.

ثم كانت القاصمة في فصول الفصام النكد، بإدخال رجال الكنيسة على التعاليم المسيحية مَعميات، وخرافات، تمنع معها الكلّ من محاولة فهم الكتاب المقدس، إلا مما يوصلون هم للناس منه، فكانت خرافاتهم، بل وتمادوا، وزجوا بأنوفهم، وبأنف الكنيبسة في العلوم الكونية، وجعلوا من كلام على العواهِن عن الكون، عن الجغرافيا والطبيعة، جعلوها حقائق، جاء العلم ليبين فسادها وتهافتها ....

وهنا بدأ الصراع المرير القوي الشديد بين رجال الكنيسة المتعالِمين، الذين أصبحوا يفرضون أكاذيبهم على الناس، وبين أهل العلم، ورجال العلم، فأقامت الكنيسة محاكم التفتيش التي ترصّدت لأنفاس الناس، وجعلت تنقّب عن كل من يؤمن بأقوال العلم والعلماء، حتى أجهزت على ما زيد عن ثلاث مئة ألف، وأحرقت برونو الذي قال بدوران الأرض حول الشمس، وكذلك جاليليو الذي قال بكروية الأرض....

ومن هذا وغيره كثير، ضجّ الناس بالكنيسة، وأعلنوا الحرب عليها وعلى رجالها، وعلى الدين بصفة عامة، فحص الفصام النّكد واكتملت صورته، وأصبحت أوروبا منذ ذلك الحين، مرتعا لرفض الدين، ولإعلاء كلمة العلم، وإعلانها عداوة صريحة بين الدين والعلم . وكان "المتنوّرون" إذا ذكروا الدين ذكروا تلك الدماء الزكية التي أريقت في سبيل العلم والتحقيق، وتلك النفوس البريئة التي ذهبت ضحية لقسوة القساوسة ووساوسهم، وتمثل لأعينهم وجوه كالحة عابسة وجباه مقطبة.

وهذا هو (الدين) الذي ثارت عليه أوروبا.. ثم تابعها في الثورة الببغاوات والقرود في الأرض
كلها، دون تفرقة بين دين ودين!
وهذا هو(الدين) الذي ثارت عليه أوروبا.. الدين الذي شوهت معالمه منذ أول خطوة. ثم زيفت
خصائصه الربانية، وتصوراته السماوية، وقيمه وأسسه.. ذلك التزييف الشنيع!
هؤلاء هم (رجال الدين) الذين قدموا هذه الجناية على أنفسهم وعلى الدين، وعلى البشرية
المنكودة، بقيادة الغرب الموتور من الدين المزيف، ومن رجال الدين المزيفين!

وهي كلها-ولله الحمد- ملابسات (أوروبية) بحتة، وليست إنسانية عالمية-ومتعلقة بنوع معين
من (الدين) لا بحقيقة الدين. وخاصة بحقبة من التاريخ خاصة، تملك البشرية أن تتخلص من آثارها
التعيسة، حين تفتح أعينها على الحقيقة من وراء دخان المعركة التاريخية!







العنوان: رد: من وحي كتاب(المستقبل لهذا الدين -سيد قطب-)
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2014-11-05, 13:09:13
من وحي كتاب "المستقبل لهذا الدين" سيد قطب

انتهى دور الرجل الأبيض

هنا تطرّق الكاتب لنوع آخر من أنواع الجاهلية، وهي جاهلية الرجل الأبيض، إذ يساوي في ذلك الأوروبي، والروسي، والآسيوي... ويراهم جميعا يقفون موقفا واحدا، وقد أسفرت كل جهودهم عن اختلاق مناهج منبتّة عن الله تعالى، مناهج من صنع أفكارهم وأهوائهم، تصادمت مع الفطرة، وصارعتها، ولم تأتؤ للإنسانية بشيء، إلا بالأنظمة البوليسية، والقهرية، والاضطهادية،

ومن ثم اخذ (الإنسان) يشقى شقاء مريراً بالحضارة، التي قامت أصلاً-او المفروض أنها قامت
أصلاً- لخدمته وترقيته وإسعاده.. وحين تتناقض(الحضارة) مع (الإنسان) فالنتيجة الحتمية بعد فترة-
تطول او تقصر- من صراع الإنسان مع الحضارة، ومن الآلام والتضحيات، والخسائر والمرارات، ان
ينتصر الإنسان، لأنه هو الأصل. ولأن فطرته اعمق وأبقى من أنماط الحضارة الطارئة عليها..
وعندما يكون هذا هو مقياس البقاء، فإن الروسي يقف مع الإنجليزي والأمريكي والفرنسي
والسويسري والسويدي.. وسائر البيض.. على قدم سواء

يعرض في هذا الفصل للماركسية، إذ هي قد قامت على جهالة عميقة بالنفس، وبمقوماتها، وحصرت كل انشغالها وكل حاجتها في جوعة المعدة، فلم تفرّق بين الإنسان وبين البهيمة.

 فإذا رأينا (الإنسان) ينحدر في صفاته (الإنسانية) وفي تصوره للقيم الإنسانية..
إذا رأيناه وقوداً للآلة، او عبداً لها، او تابعاً ذليلاً من توابعها..
إذا رأيناه- تبعاً لهذا- ينحط في تصوره وذكائه وأخلاقه..
إذا رأيناه يهبط في علاقاته الجنسية إلى أدنأ من درك البهيمة..
إذا رأينا وظائفه الأساسية تعطل وتذوي وتتراجع.
إذا رأيناه يشقى ويقلق ويتحير، ويعاني من القلق والحيرة ما لم يعانيه قط في تاريخه من الشقاء
والتعاسة والأمراض العصبية والنفسية والشذوذ والعته والجنون والجريمة..
إذا رأيناه هارباً من نفسه ومن المخاوف والقلاقل التي تلفه بها الحضارة المادية ، والأنظمة
الاجتماعية والسياسية والأخلاقية والفكرية.
إذا رأيناه هائما على وجهه يقتل سآمته وملله ، بما يقتل به روحه وجسمه وأعصابه، من
المكيفات والخمور، او ما يشبه المكيفات والخمور من الأفكار السود، ومذاهب اليأس الكابي والقنوط
الملبس والضياع الأليم.. كما في (الوجودية) وغيرها من مذاهب الفكر التعيسة..
إذا رأيناه يئد نسله، او يبيع اولاده، ليشتري بهم ثلاجات وغسالات كهربائية-كما جاءتنا الأنباء
عن أوروبا الضائعة..
إذا رأيناه في مثل هذه الحال النكدة.. فان جميع ما يصل إليه (العلم) في معزل عن (روح
الإنسان) من تيسيرات للحياة المادية، ومن رفاهيات حضارية.. لا يغير شيئاً من حقيقة الانحدار الذي
تهوي إليه البشرية؛ ومن حقيقة الشقاء الذي تعانيه؛ ومن حقيقة التعاسة التي تزاولها.. ثم.. من حقيقة
فشل هذه الحضارة وقرب نهايتها.. ومن ثم حقيقة الحاجة الماسة إلي نظام آخر أصيل، بريء-في
أساسه- من العيوب الأساسية التي أفسدت حياة البشر؛ وضيعت عليهم ثمار العلم والمعرفة والتقدم
الحضاري.. نظام يسمح للإنسانية بان تحقق غاية وجودها الإنساني-كما أرادها خالقها العظيم- وان
تستخدم (العقل) و(العلم) و(التجربة) استخداماً آخر، يتناسق مع احتياجاتها الحقيقية؛ ومع مقتضيات
فطرتها الأصيلة.

وقال أيضا:

ولقد يشغل الإنسان بعض الوقت بجوعة الجسد، وما يتعلق بها من الإنتاج بشتى وسائله
وصنوفه، ومن المتاع الحسي بشتى ألوانه ومذاقاته.. ولكن هذه الجوعة وكل ما يتعلق بها لا تستغرق
الكينونة الإنسانية. وإشباعها لا يسد سائر الجوعات (الإنسانية). وما أن تهدأ هذه الجوعة حتى تتحرك
في الكائن الإنساني جوعة أخرى. جوعة لا يسدها الطعام، ولا يرويها الشراب، ولا يكفيها الكساء، ولا
تسكنها كل ضروب المتاع.. إنها جوعة من نوع آخر. جوعة إلى الإيمان بقوة اكبر من البشر؛ وعالم
اكبر من المحسوس؛ ومجال اكبر من الحياة الدنيا.. وجوعة إلى الوئام بين ضمير الإنسان وواقعه، بين
الشريعة التي تحكم ضميره والشريعة التي تحكم حياته. بين منهج حركته الذاتية ومنهج الحركة الكونية
من حوله. جوعة إلى (إله) واحد؛ يتلقى منه شريعة قلبه وشريعة مجتمعه على السواء..
وكل نظام للحياة لا يحقق السعادة للكائن البشري إلا إذا تضمن كفاية هذه الجوعات المتعددة في
كينونته الواحدة.. وهذه السمة هي التي خلت منها حضارة الرجل الأبيض!
ولهذا السبب-من وراء كل سبب- انتهى دور الرجل الأبيض..
العنوان: رد: من وحي كتاب(المستقبل لهذا الدين) سيد قطب
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2014-11-05, 13:42:03
من وحي كتاب "المستقبل لهذا الدين" سيد قطب

صيحات خطر

تعالت صيحات الخطر، في أوروبا المنكودة، في أوروبا مرتع الفصل بين الدين والعلم، بل بين الدين والحياة، في أوروبا مسرح نبذ الأديان بعد الصراع المرير الذي خاضته الكنيسة ضدّ أهل العلم....

تعالت صيحات الخطر، من بعد الهروب غير الراشد، الذي خلط بين الدين وبين من يدّعونه ويحكمون باسمه، ويفسدون باسمه، ويطغون باسمه ....

كتب كبار الكتاب والمحللين والسياسيين عندهم، يصرخون صرخات تهزّ الدنيا، بخطورة ما آل إلهي حال المنكودين، من بعد ذلك الفصام النّكد، حال المصابين بداء الهروب من الدين إلى ما يهوي بهم في قرار سحيق ....!! وإن بعض المقتطفات التي عرضها سيد قطب رحمه الله، لجديرة بالذكر هنا، لتأمّلها، وتأمل مدى تفطن أصحابها لهول الحال، وللكارثة المحدقة بالبشرية، وبضرورة البحث عن مخلّص لهذه الأرض مما ينتظرها ....فسأضع بعضها تباعا لتأملها :
----------------------------
دكتور ألكسيس كاريل في كتابه "الإنسان ذلك المجهول"

"إن الحضارة العصرية تجد نفسها في موقف صعب، لأنها لا تلائمنا، فقد أنشئت دون أية
معرفة بطبيعتنا الحقيقية، إذ أنها تولدت من خيالات الاكتشافات العلمية، وشهوات الناس، وأوهامهم،
ونظرياتهم ورغباتهم . وعلى الرغم من انها أنشئت بمجهوداتنا إلا أنها غير صالحة بالنسبة لحجمنا
 وشكلنا..."
*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*

"يجب أن يكون الإنسان مقياساً لكل شيء. ولكن الواقع هو عكس ذلك. فهو غريب في العالم
الذي ابتدعه! انه لم يستطع أن ينظم دنياه بنفسه، لأنه لا يملك معرفة عملية بطبيعته... ومن ثم فان
التقدم الهائل الذي أحرزته علوم الجماد على علوم الحياة هو إحدى الكوارث التي عانت منها
الإنسانية... فالبيئة التي ولدتها عقولنا واختراعاتنا غير صالحة لا بالنسبة لقوامنا ولا بالنسبة لهيئتنا ...
إننا قوم تعساء، ننحط أخلاقياً وعقلياً... إن الجماعات والأمم التي بلغت فيها الحضارة الصناعية اعظم
نمو وتقدم هي على وجه الدقة، الجماعات والأمم الآخذة في الضعف؛ والتي ستكون عودتها إلى
البربرية والهمجية أسرع من عودة غيرها إليها. ولكنها لا تدرك ذلك، إذ ليس هناك ما يحميها من
الظروف العدائية التي شيدها العلم حولها… وحقيقة الأمر أن مدنيتنا مثل المدنيات التي سبقتها، أوجدت
أحوالاً معينة للحياة من شأنها ان تجعل الحياة نفسها مستحيلة.وذلك لأسباب لا تزال غامضة… إن القلق
والهموم التي يعاني منها سكان المدن العصرية تتولد عن نظمهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية…"
*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*

"إننا لن نصيب أية فائدة من زيادة عدد الاختراعات الميكانيكية. وقد يكون من الأجدى أن لا
نضفي مثل هذا القدر الكبير من الأهمية على اكتشافات الطبيعة والفلك والكيمياء. فحقيقة الأمر أن العلم
الخالص لا يجلب لنا مطلقاً ضرراً مباشراً. ولكن حينما يسيطر جماله الطاغي على عقولنا، ويستعبد
أفكارنا في مملكة الجماد، فانه يصبح خطراً. ومن ثم يجب أن يحول الإنسان اهتمامه إلى نفسه والى
السبب في عجزه الخلقي والعقلي. إذ ما جدوى زيادة الراحة والفخامة والجمال والمنظر وأسباب تعقيد
حضارتنا إذا كان ضعفنا يمنعنا من الاستعانة بها فيما يعود علينا بالنفع؟ حقاً انه لمما لا يستحق أي عناء أن نمضي في تجميل طريق حياة تعود علينا بالانحطاط الخلقي، وتؤدي إلى اختفاء أنبل عناصر
 الأجناس الطيبة"
*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*
"الإنسان نتيجة الوراثة والبيئة، وعادات الحياة والتفكير التي يفرضها عليه المجتمع العصري..
ولقد وصفنا كيف تؤثر هذه العادات في حسه وشعوره... وعرفنا انه لا يستطيع تكييف نفسه بالنسبة
للبيئة التي خلقتها (التكنولوجيا) وأن مثل هذه البيئة تؤدي إلى انحلاله؛ وان العلم والميكانيكا ليسا
مسؤولين عن حالته الراهنة، وإنما نحن المسؤولون لأننا لم نستطع التمييز بين الممنوع والمشروع…
لقد نقضنا قوانين الطبيعة، فارتكبنا بذلك الخطيئة العظمى. الخطيئة التي يعاقب مرتكبها دائماً.. إن
مبادئ (الدين العلمي) و(الآداب الصناعية) قد سقطت تحت وطأة غزو الحقيقة(البيولوجية). فالحياة لا
تعطي إلا إجابة واحدة حينما تستأذن في السماح بارتياد (الأرض المحرمة).. إنها تضعف السائل!
ولهذا فان الحضارة آخذة في الانهيار، لأن علوم الجماد قادتنا إلى بلاد ليست لنا. فقبلنا هداياها جميعا
بلا تمييز ولا تبصر! ولقد اصبح الفرد ضيقاً، متخصصاً، فاجراً، غبياً، غير قادر على التحكم في نفسه
.ومؤسساته"
*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*
"ولسوف يدرك الاقتصاديون أن (بني الإنسان) يفكرون ويشعرون ويتألمون. ومن ثم يجب أن
تقدم لهم أشياء أخرى غير العمل والطعام، والفراغ! وان لهم احتياجات روحية مثل الاحتياجات
الفسيولوجية. كما سيدركون أيضاً أن أسباب الأزمات الاقتصادية والمالية، قد تكون أسباباً أدبية
وعقلية..
وسوف لا نضطر إلى قبول أحوال البربرية في المدن الكبرى وطغيان المصنع والمكتب،
وتضحية الكبرياء الأدبية في سبيل المصلحة الاقتصادية، او تضحية العقل للمال.. ويجب أيضاً أن ننبذ
الاختراعات الميكانيكية التي تعرقل النمو البشري. وسوف لا يبدو الاقتصاديون، وكأنهم المرجع النهائي لكل شيء."

----------

يعلق سيد قطب رحمه الله، على إدراك الكاتب العميق لخطورة ما هم فيه، بأن تقدم علوم الجماد على علوم الحياة، لم يكن ظاهرة تلقائية، وإنما كان نتيجة حتمية للتصور الزائف لمعنى الوجود، ولغاية وجود الإنسان فيه، ولمركزه فيه ...ذلك التصوّر المنبتّ كليا عن الله تعالى، وعن إرشاد الله لخلقه كيف يحيَوْن على الأرض...وكيف يحدث التوازن بين حاجاتهم الجسدية وحاجاتهم الروحية....

كما أن كل ما ذكره من امتهان لقيمة الإنسان مقابل إعلاء قيمة الآلة والمصنع، إنما هي أيضا نتائج حتمية للتصورات الزائفة القائمة على آراء البشر والمصالح المختلفة في الأرض.

ثم يعرض صيحة أخرى لسياسي أمريكي مبرز، يبدو فيها إدراكه بخطورة ما هُم عليه، ولكنه يدعو -ضمن حلوله المقترحة- الكنيسة للعب دورها في إعادة الروح الدينية للناس، وهنا يبين سيد قطب رحمه الله خطأ تعويله على ما لم يعد سندا للتعويل عليه، فالكنيسة لم يبقَ لها دور تؤديه، من بعد ما جرب عليها الناس الطغيان والكذب والخديعة، والخواء، كما يُجلّي غايات هذا السياسي السياسية، والتي يدعو فيها إلى أن يكون الدين سلاحا ضد الشيوعية ....فيقول سيد قطب في معرض ذلك كلاما رائعا، أضعه كما جاء منه :

إن (دين الله) لا يصلح خادماً يلبس منطقة الخدم، ويقف بحضرة (أسياده)، ويوجهونه حيث
يريدون! يطردونه من حضرتهم فينصرف، وهو يقبل الأرض بين أيديهم.. ثم يقف وراء الباب-في
شارة الخدم- رهن الإشارة!.. ويستدعونه للخدمة، فيقبل الأرض بين أيديهم، وينحني قائلاً: لبيك يا
مولاي! كما يفعل من يسمونهم (رجال الدين)!
كلا! إن (دين الله) لا يرضى إلا أن يكون سيداً مهيمناً. قوياً متصرفاً. عزيزاً كريماً. حاكماً لا
محكوماً. قائداً لا مقوداً .. وهو لا يحمي الناس من الشيوعية ولا من غير الشيوعية إلا أن تكون
حياتهم كلها رهن إشارته. يصرفها بجملتها، وينظمها من أطرافها، وينسقها وفق شريعته .. حين
يتحاكم إليه الناس في أمورهم كلها: صغيرها وكبيرها. ثم يرتضون حكمه في ثقة وفي استسلام:
" فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم، ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما
قضيت ويسلموا تسليماً .. " ويومئذ فقط يؤدي دوره كاملاً .. دور السيد المدبر .. لا دور الخادم الملبي..
ويومئذ فقط ينتهي ذلك الفصام النكد. الذي أنشأ كل هذا الشقاء المرير. وكل هذا الخطر
الخطير..
ويومئذ فقط يجئ المخلص، الذي تتعالى الصيحات بصفاته وسماته! هذا المخلص المرتقب
للناس أجمعين .. هو هذا الدين .. 

العنوان: رد: من وحي كتاب(المستقبل لهذا الدين -سيد قطب-)
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2014-11-06, 10:58:26
من وحي كتاب "المستقبل لهذا الدين" سيد قطب


مما سبق يبدو واضحا مسيس الحاجة البشرية لمنقذ من نوع خاص جدا ، لـ"مخلّص" ...

المخلــّـــــــــــــص


هذا المخلّص الذي جاءت صرخة الصارخين بسِماته، والنموذجان السابقان مثالان عليهم، مخلّص يتجسّد في منهج جديد، يجعل الإنسان مقياسا لكل شيء، فلا يعتسف فطرته، ولا يخرج عن نطاق حاجاته، ولا يجعل الآلة أكرم منه، ولا يجعل المادة سيدة عليه، ولا يقوم على الحد الأقصى من الإنتاج بأقل التكاليف الممكنة لتحصيل الربح المادي الأكبر، منهج لا ينحطّ بالإنسان خلقيا وعقليا، منهج لا يلغي شخصية الفرد، كما لا يلغي دور الجماعة في حياة الفرد، منهج لا يخلط بين ذكر وأنثى، ويترك للأنثى شخصيتها، ويترك للذكر شخصيته، منهج لا يطلق العنان لأخيلة المتفلسفين ليصرّفوا أمور البشر وفق أمزجتهم...

منهج لا يترك لعلم الإنسان أن يحدّد طريق الإنسان في هذه الحياة، إذ أن علم الإنسان قاصر كل القصور عن إدراك ماهية الإنسان، وماهيّة نفسه...

إن الإسلام وحده هو الذي يستطيع أن يلبّي كل هذه الحاجات، وهو منهج رباني، من الله تعالى مباشرة لمن خلق، منهج لحياتهم بكل مناحيها، وبكل دقائقها، منهج يستطيع أن يوفّق بين الروح والعقل، وأن يحدث التوازن اللازم بينهما في حياة الإنسان، فلا تطغى المادة على الروح، ولا تلغي الروح المادة ودورها .... منهج للتصور الاعتقادي وللحياة العملية سواء...

إنه لم يعد يُجدي البشر ذلك الترقيع الجزئي بعلوم الجماد، ولم يعد يُجدي الهروب الكلي من منهج الله تعالى، ومن دينه إلى العلم البحت المجرّد عن الإطار الذي يرقبه، لم يعد يجديه ذلك الهروب الكلي لأوروبا منذ الفصام النكد من دين الله، وانفصالها عن الله ....

وكما يعبّر عنه الشهيد قطب رحمه الله، إن هذه النظريات وهذه الصرخات الصادرة من علماء الغرب، لم تمكّنهم -رغم إدراكهم لحجم الكارثة المطبقة على صدر البشرية- من طرح الحلّ خارج إطار هذه الحضارة التي نمت في ظلّ الهروب الكلي والانفاصل التام عن الله وعن مقرّرات الله، ومنهج الله، إنهم إذ يطرحون حلولهم، وهم لا يستطيعون الخروج من قفصهم "العلمي"، بل يثبون وثبتهم هذه داخل قفصهم ذاك، فلا يرون الحل إلا في إطاره، بينما يجب أن تكون تلك الوثبة كاملة، جديدة تعيد الإنسان إلى فطرته، وإلى ما يلائم فطرته، وتعيد علاقته بخالقه .

ولنتأمّل هذه الكلمات الرائعة لسيد قطب رحمه الله :

لقد أدركنا الغرور، ونحن نرى العقل البشري يبدع في عالم المادة، ويأتي بما يشبه الخوارق!
فوهمنا أن العقل الذي يبدع الطائرة والصاروخ؛ ويحطم الذرة وينشئ القنبلة الأيدروجينية؛ ويعرف القوانين الطبيعية ويستخدمها في هذا الإبداع .. وهمنا أن هذا العقل جدير بأن نكل إليه كذلك وضع (نظام) الحياة البشرية .. وقواعد التصور والاعتقاد، وأسس الأخلاق والسلوك .. ناسين أنه حين يعمل في (عالم المادة) فإنه يعمل في عالم يمكن أن يعرفه، لأنه مجهز بإدراك قوانينه .. أما ح ن يعمل في (عالم الإنسان) فهو يعمل في متاهة واسعة بالقياس إليه! هو غير مجهز ابتداء بإدراك حقيقتها الهائلة الغامضة .


العنوان: رد: من وحي كتاب(المستقبل لهذا الدين-سيد قطب-)
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2014-11-06, 15:13:01
من وحي كتاب "المستقبل لهذا الدين" سيد قطب

يضع الشهيد سيد قطب في كتابه هذا، كلمات دقيقة تبيّن موقف الإسلام من العلم، ومن منتوجات العقل، والبحث، والتقدم العلمي، يضع بما يزيدني معرفة ببراءته من دعوى اقتصار المسلم على الجانب الروحي والتربوي والنفسي للبشرية، وأنه مسؤول فقط عن هذا مع التقدم العلمي الهائل الذي حققه الغرب.... بل إننا لنرى ضرورة معرفة البشرية بالعلاقة بين العلم والدين، وبضرورة أن يحسن أبناء الإسلام تبرئة الدين من تهمة العداوة للعلم ....ولهذا أضع مقتطفات رائعة للكاتب جزاه الله خيرا :

---------------------------------

إن الإسلام يكل رسم (التصميم) الأساسي للحياة البشرية، إلى العلم الكامل الشامل، المبرأ من
الجهل والقصور والهوى كذلك يكله إلى علم الله - سبحانه - بما أن الله هو الذي أبدع الكون وما فيه؛
وأبدع قوانينه وطاقاته؛ وأبدع الإنسان وزوده باستعداداته للعمل في مادة هذا الكون العريض .. وهو
الذي يعلم - وحده - كل حقائق الكينونة البشرية وكل حقائق الطبيعة الكونية .. فهو- وحده - القادر
على أن يصنع للإنسان نظام حياة؛ شاملاً لحياته الفردية والجماعية؛ ولحياته في الكون المحيط به ..
عن (علم مطلق) يقابل (جهلنا المطبق) .. وفي الوقت ذاته لا يلغي العقل البشري - كما أرادت الكنيسة ذات يوم- هذه الأداة العظيمة، التي وهبها الله للإنسان ليعمل بها ويبدع؛ لا ليغلها أو يلغيها! وفقط يحوطها بالسياج الواقي من الهوى، ومن التهور، ومن الخبط في التيه، ومن النكسة والانحدار. ويضع لها المنهج الذي يقومها منها فلا تميل؛ ويهديها فلا تضل؛ ويكفل لها حريتها واستقامتها على السواء.
وبهذا يظل (الإنسان) هو سيد (المادة) بضمانة من المنهج الذي أبدعه له مبدع الإنسان والمادة.
وبالتصور الذي يشعره بكرامته على الله؛ كما يشعره بعبوديته لله. وفي الوقت ذاته يشعره بأنه
مستخلف في هذا الملك العريض ..

******************

إن هذه الحضارة الصناعية التي تحيط بالبشرية اليوم، تحطم أهم ما في كيان (الإنسان)
وتحارب أرفع مقوماته الإنسانية، وفي الوقت الذي تقدم له تلك التسهيلات الرائعة - وإن كانت هذه
التسهيلات قد تكون مؤذية لكيانه المادي ذاته -
والإسلام - بطبيعة تصوره لحقيقة الكون ودور الإنسان فيه، وبطبيعة منهجه الواقعي التجريبي- لن يعمد إلى المصانع فيحطمها! ولن يعمد إلى تلك التيسيرات التي تقدمها الصناعة للحياة البشرية فيلغيها!
ولكن الإسلام سيعمد - ابتداء - إلى تغيير النظرة إلى هذه الحضاريات وقيمتها .. سيمنحها
قيمتها الحقيقية بلا مبالغة وبلا بخس كذلك! بحيث يصبح الروح الإنساني المؤمن هو المسيطر عليها.
لا أن تكون هي المسيطرة عليه، وعلى تصوراته ومشاعره وأوضاعه وأنظمته ..

إن الإسلام سيقر في خلد الإنسان قيمته العلوية ومقوماته الكريمة .. سيستنقذ الروح الإنساني
من المهانة التي فرضها عليه (دارون) و (كارل ماركس) وأشباههم! وعندئذ سيشعر أنه هو السيد،
الذي ينبغي أن يسيطر على الآلة، وعلى الإبداع المادي، والحضارة ..

وحين يصبح الروح الإنساني المؤمن هو المسيطر، فيومئذ سيصبح متمتعاً بحريته - في إطار
عقيدته - قادراً على الاختيار .. فالاختيار هو العنصر الهام الذي يفتقده الروح الإنساني الآن. وهو
مجبر مقهور ذليل للآلة؛ وللتصورات المنبثقة من دورتها الآلية!
والقدرة على الاختيار ستتيح للروح الإنساني المؤمن، أن يستبعد العناصر الضارة في هذه
الحضاريات، وينمي العناصر الصالحة، المتفقة مع الحاجات الحقيقية للكينونة الإنسانية. كما أن سيطرة
الروح الإنساني المؤمن ستتيح له التحرر من الأوضاع المنافية لكرامته، ومن طرائق الإنتاج وأنظمه
العمل التي تهدر فيها مقومات الإنسان الكريمة ، فليست طرائق الإنتاج وأنظمة العمل شرائع مقدسة!
إنما هي مجرد وسائل استغلالية لتنمية مقادير الإنتاج المادي، على حساب المقومات الإنسانية! فإذا
تقرر أن (الإنسان) أكرم وأغلى من (الأشياء) تغيرت طرائق الإنتاج وأنظمة العمل بحيث توائم بين
وفرة الإنتاج ومقومات الإنسان الكريمة ..
وفي حالة نشأة تصورات وقيم جديدة، منبثقة من المنهج الإسلامي للحياة .. وما يتبع هذه النشأة
من سيطرة الروح الإنساني المؤمن على الحضارة الصناعية وأدواتها وطرائقها، مع القدرة على
الاختيار التي هي وليدة تلك السيطرة .. في هذه الحالة فقط يصبح المزيد من (علوم الإنسان) ذا قيمة
حقيقية في إطار التصميم الكلي.

**********************

ومن حسن الحظ أن الفطرة الإنسانية ذاتها- كما أبدعها الله- متناسقة مع فطرة الكون. وأن
فطرة الكون، كفطرة الإنسان، تحتوي على عناصر الحركة والإبداع والنمو والترقي .. ومن ثم ستجد
الفطرة أن الكثير من هذه الحضاريات يلبي ويتمشى مع حاجاتها الحقيقية المترقية .. ولن تصطدم إلا
بما هو ضار بكينونة الإنسان ذاته. وهذا ما يجب أن يطرد وينفى .. وهذا ما يكفله منهج الله للحياة..
هذا الدين .. المخلِّص الذي يطلبه الغرب ولكنه يأباه !!!

وحين يتقرر أن الإسلام هو - وحده - القادر على إنقاذ البشرية مما يحدق بها من أخطار
ماحقة، تدلف إليها مقودة بسلاسل الحضارة المادية البراقة. وهو - وحده - القادر على منحها المنهج
الملائم لفطرتها ولاحتياجاتها الحقيقية. وهو - وحده - الذي ينسق بين خطاها في الإبداع المادي
وخطاها في الاستشراف الروحي. وهو - وحده - الذي يملك أن يقيم لها نظاماً واقعياً للحياة يتم فيه
هذا التناسق الذي لم تعرفه البشرية قط إلا في النظام الإسلامي - وحده - على مدى التاريخ ..
حين يتقرر هذا كله تتضح معه شناعة الجريمة التي يرتكبها - في حق البشرية كلها - أولئك
الذين يوجهون الضربات الوحشية لطلائع البعث الإسلامي في كل مكان .


العنوان: رد: من وحي كتاب(لماذا أعدموني -سيد قطب-)
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2014-11-08, 10:03:27
من وحي كتاب "لماذا أعدموني" سيد قطب

وبفضل من الله تعالى ومنّة، مازلت أسبر غور هذا الرجل العظيم، الذي أقول فيه "عظيم" ولا أبالي بمن قال أنها مبالغة، أو أنها ذبح، فالرجل قد مات، رحمه الله، وأسكنه الفردوس الأعلى من جناته، "سيد قطب"، ذلك القطب حقا .....

قرأت له من يومَين "لماذا أعدموني"....

عنوان غريب ... وهو يكتبه ، ويخطه حيا يُرزق، يتوقع إعدامه في كل لحظة، يعرف أن ما يقوم به مدعاة لإعدامه من الظلمة المترصدين لأجيال البعث الإسلامي في كل مكان، الخائفين من سلطان الله تعالى في الأرض، الذين لا يألون جهدا في محاربة الإسلام وأهله القائمين على خدمته وبثّ نوره في آفاق الأرض ....

يذكر في كتابه بعض تفاصيل بداية عمله مع جماعة الإخوان، من قبل انضمامه، ومن بعده، لقد كان منظّرا لفكر الجماعة، وربما كان من الجماعة ذاتها معارضون لفكره، ولطريقته في توجيه حركتها، يذكر بعض ما كان معه في فترات اعتقاله المتوالية، وما فعله وهو في غيابات السجون، وعلاقاته بالإخوان المسجونين، وعلاقاته بهم من بعد خروجه، يتحدث عن زيارات كثيرة لعدد كبير من أعضاء حركة الإخوان من بلدان إسلامية مختلفة، حتى لتراه قطبا يرتاده الإخوان من كل مكان، يريدون التعلّم منه، والسماع من خبرته، ومشاورته، وسؤاله التوجيه ....

أهمّ ما شدّ انتباهي في الكتاب فكر سيد قطب في العملية التنظيرية والتوجيهية التي اعتمدها مع الإخوان، والتي كانت تخالف فكر عدد منهم، وهو يقول ويعيد، ويكرر أنه لا يؤمن بفرض النظام الإسلامي في الدول الإسلامية عن طريق الانقلاب، وإنما يؤمن بضرورة التكوين العقدي للمجتمع المسلم من جديد، تماما كما كان نهج رسول الله صلى الله عليه وسلم مع من حوله ساعة ابتدئ بالوحي....
تكونت عقيدة المسلمين، وترسخت، وقويت لثلاثة عشر عاما كاملة، ثم تكونت الدولة الإسلامية من بعد ذلك.....

يرى ضرورة التكوين العقدي التربوي، على مدى طويل، وبعمل مركز، لا تُعتسف فيه الخطوات، ولا يُبحث فيه على الحكم والمجتمع خواء من عقيدته، ومن معرفته بربه، وبدينه، وتربيته مهلهلة لا هي شرقية ولا هي غربية....يرى أن المجتمع الإسلامي قد باتت تغشاه غمامة جاهلية أبعدته عن دينه، وتركت الفضاء للانحلال الخُلقي والتفسخ، والفساد والإباحية، في ظل عمل مركز ممنهج للصهيونية العالمية وللقوى المعادية للإسلام والتي تعمل جاهدة لإذهاب روحه والإبقاء عليه شعائر تعبدية حركية لا تُسمن ولا تغني الأمة من جوع....تستخدم في ذلك أيادي خارجية وأيادي داخلية تخدم أغراضها وغاياتها.

يركز الشهيد على ضرورة العمل بالتربية، ثم التبية ثم التربية، بل ويوجه الإخوان إلى الابتعاد عن الصراعات السياسية قدر المستطاع، والتي من شأنها أن تكون سببا في تردّي دورها، وتأخره والمجتمع أشد ما يكون حاجة لها، ولعطاءاتها التربوية والدعويّة، ولكنّه في الوقت ذاته، يذكر ما لحق بالإخوان من اعتداءات وظلم، وافتعال للجرائم النكراء لتُلبَس للإخوان، سواء من النظام القائم أو من الأحزاب الشيوعية التي تسعى جاهدة لنشر الفكر الشيوعي بغطاء الاشتراكية، وتعمل على تشويه سمعة الإخوان بتلبيسها جرائم مختلفة، يفصّل عن حادث المنشيّة المفتعل والذي راح ضحيته عدد من الإخوان في السجون بقتل عمدي من رصاص مسدس واحد من قّيمي السجن، وما لحق بأسر الإخوان من تشريد وتيتيم، وتثكيل، ويجعل هذا سببا مباشرا لتفكيرهم جديا في أن تكون لهم قوة مدرّبة لا تبتدئ بالعدوان، ولكنها تردّ إذا ما استطال النظام واعتدى على الحركة وأصحابها من مثل حادث "المنشيّة"  ، يؤكد أن التفكير بالعمل المسلّح لم يكن قائما كليا، إلا أن ما يلحق بالإخوان يستدعي الاحتراس والاستعداد بتدريب وتسليح يكون أداة ردّ لعدوان يقوم، لا أداة هجوم وبدء بالعدوان .....

وينوّه المقدّم للكتاب بأن الجزء الأهم منه، والذي فيه تفاصيل من الشهيد حول عمليات التعذيب التي طالته والتي تفنّن فيها رجال النظام معه، إذ لم يتركوا نوعا من أنواع التعذيب إلا ونفذوه فيه... ينوّه المقدّم أن هذا الجزء الأهم قد فُصل من الكتاب، ولم يُعثر عليه، حتى لا يكون وثيقة تاريخية باقية تبيّن همجية عدوّه وظلمه الصارخ....

عجبت لأمر هذا الرجل العظيم رحمه الله تعالى، وهو يكتب في ظل أمراض تنهش جسمه الضعيف، وفي ظل مسؤولية عظيمة يتولاها وهو في السجن، وهو خارج السجن، وفي ظل التعذيب، كل ذلك فضل من الله تعالى آتاه عبده الذي أخلص لوجهه، وعشق الإسلام حتى النخاع....

كتب "في ظلال القرآن" وهو في زنزانة السجن، كتب "أفراح الروح" وهو فيها .....!!

لله درّه .... وهؤلاء هم الذين أعطوا للإسلام ...أما نحن فنسأل الله الرحمة والمغفرة على ضعفنا وتقاعسنا، وذنوبنا ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ...
العنوان: رد: من وحي كتاب(الإسلام ومشكلات الحضارة-سيد قطب-)
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2014-11-10, 12:03:59
من وحي كتاب "الإسلام ومشكلات الحضارة" لسيد قطب

مازلت أراوح مكاني، فلا أغادر الكاتب نفسه، الشهيد سيد قطب رحمه الله، وأجزل له الثواب .

هذه المرة مع كتابه "الإسلام ومشكلات الحضارة"، كتاب قيّم يعرض فيه صاحبه قضية أزمة الحضارة المعاصرة، وما تلحقه بالإنسان من دمار وخسار، فيما يبدو نماء وعمارا، إنها حضارة تعنى بالأشياء، وبالمادة، ولا تُعنى بالإنسان، بل إنها تعمل على الحطّ من قيمته، ولا تجعله هو مقياس كل شيء، بل تجعل الأشياء مقياسا له، وتقدّمها عليه، حضارة تعمل على تدمير خصائص الإنسان ككائن متفرّد في تكوينه، وفي طبيعته، وفي كينونته، وفي مركزه ودوره في الأرض...الأمر الذي يجعل قيام مجتمع إسلامي ضرورة ملحّة لشفاء الأرض من أسقامها، ولإنقاذ الإنسانية والبشرية من الهاوية التي هي بطريقها إليها حاثة الخطى، مغذية السير !!

يحاول الكاتب في عَرَض كتابه هذا أن يجيب على سؤال:
كيف تكون الحياة الإنسانية مهددة بالدمار عن طريق تدمير خصائص الإنسان في ظل هذه الحضارة القائمة ؟


السبب الرئيس في حدوث هذا الدمار المحدق بالبشرية، هو جهل الإنسان المطبق بحقيقة الإنسان، رغم العلم النسبي بالمادة والذي تحقق به التقدم العلمي المادي المُعاش.

أولا :الإنسان ذلك المجهول


وهو أصلا عنوان كتاب لواحد من أشهر علماء وكتّاب أوروبا "ألكسيس كاريل"، يقتطف سيد قطب من كتابه هذا شهادات دقيقة وصادقة عن إدراكه لمدى جهل الإنسان المطبق بالإنسان، يقرّر ألكسيس السبق الهائل لعلوم الجماد على علوم الحياة، حتى أنه يصف من يدرسون الحياة بمن ضلّ في غاب متشابك الأشجار، لأنهم يعجزون عن وصف الحياة، والتعبير عنها جبريا وهندسيا،

إننا لا
نفهم الإنسان ككل.. إننا نعرفه على أنه مكون من أجزاء مختلفة. وحتى هذه الأجزاء
ابتدعتها وسائلنا. فكل واحد منا مكون من موكب من الأشباح تسير في وسطها حقيقة
مجهولة!!
وواقع الأمر أن جهلنا مطبق. فأغلب الأسئلة التي يلقيها على أنفسهم أولئك الذين يدرسون الجنس البشري تظل بلا جواب. لأن هناك مناطق غير محدودة في دنيانا الباطنية. ما زالت غير معروفة. فنحن لا نعرف حتى الآن، الإجابة عن أسئلة كثيرة مثل:
كيف تتحد جزئيات المواد الكيماوية لكي تكون المركب والأعضاء المؤقتة للخلية؟
كيف تقرر " الجينس " (ناقلات الوراثة) في نواة البويضة الملقحة، صفات الفرد المشتقة من هذه البويضة؟ كيف تنتظم الخلايا في جماعات من تلقاء نفسها، مثل الأنسجة والأعضاء؟ فهي كالنمل والنحل تعرف مقدماً الدور الذي قدر لها أن تلعبه في حياة المجموع، وتساعد العمليات الميكانيكية الخفية على بناء جسم بسيط ومعقد في الوقت ذاته.


ثم يقرّ إقرارا خطيرا، وهو أن هناك أسبابا ثابتة في طبيعة الحقيقة الإنسانية من جهة، وفي طبيعة تفكيرنا وعقولنا من جهة أخرى، فالأمر معقد من جهة، وطبيعة تركيب عقولنا قاصرة عن الخوض فيه، لذلك لم يفلح الإنسان في معرفة حقيقة نفسه، ومعرفة حقيقة احتياجاته، وطرق تلبيتها بحيث لا يلغي الروح فيه ....

والإسلام بالمقابل، يدرك طبيعة العقل البشري وأنه ركّب ليخوض في علوم الأرض، وفي علوم الكون ولتسخيره من حوله، ولكن علوم الحياة وعلوم الإنسان قد تُركت للخالق جلّ وعلا يرسمها للإنسان بالطريقة التي تتسق اتساقا تاما وتركيبه، وتراعي كل الجوانب المعقّدة في الموضوع .ولم تترك للإنسان الذي يعرف الله تعالى فيه ضعفا وهوى، ونزوات لا يستطيع بها أن يرسم لنفسه منهاج حياة .

ثم يعرض الكاتب في منهجية إلى ثلاثة عناصر أساسية يذكر عن كل منها نماذج من التخبط الذي عاشته البشرية والأرض وهي منبتّة الصلة عن خالقها، تختلق هي الأوضاع، وتضع النظريات لترسم للإنسان طرق حياته على هذه الأرض والعناصر التي يتطرق مع كل واحدة منها لأمثلة ونماذج التخبط عبر العصور هي :

1) مسألة النظرة إلى الإنسان وحقيقة فطرته واستعداداته.
2) مسألة النظرة إلى المرأة وعلاقات الجنسين.
3) مسألة النظم الاقتصادية والاجتماعية.


لي بإذن الله عودة .....



العنوان: رد: من وحي كتاب(الإسلام ومشكلات الحضارة-سيد قطب-)
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2014-11-10, 13:11:52
من وحي كتاب "الإسلام ومشكلات الحضارة" لسيد قطب

نعرض للاضطراب والتخبط الذي عرفته البشرية في العناصر الثلاثة آنفة الذكر :

1-الإنسان وفطرته واستعداداته

كم أجحف الإنسان في حق نفسه، وهو يظن أنه يحسن صنعا ! لكم أجحف وهو يترك لأمثال داروين أن يقرروا أصله ! ومنهج الله الذي نزل على كل رسله لم يأتِ يوما بما أتى به هذا الرجل !

لقد كان للفصام النكد الذي عرفناه بتفصيل في كتاب سيد قطب "هذا المستقبل لهذا الدين"
http://www.ayamnal7lwa.net/forum/index.php?topic=6306.msg111608#msg111608

كان لهذا الفصام بين الإنسان والدين، بين حياته والدين، بين العقل والدين، عظيم الدور في أن يأت كل متفلسف بما يهوى، ويقرّ كل واحد ما يريد أن يقرّر، هذا الفصام النكد الذي انبتّت على إثره كل صلة بين الإنسان والدين بكليته، أي دين، فلم يعد يرى في الأديان مرجعا، ولا في مناهجها سبيلا للمعرفة والنور...

ولكنّ الفطرة الإنسانية تأبى إلا أن تصرخ في يوم من الأيام العسِرة التي تجتمع عليها فيها صنوف الهموم والآلام والأسقام، فيشهد شاهد من أهلها، وعلى ألسنتهم تأتي الحقائق...!!

فالداروينيون ذواتُهم، أصبحوا يقرّون العدول عن الكثير الذي جاءت به النظريات الداروينية، ف يأصل الإنسان، مضطرين أمام الصدامات بالواقع، وبالحياة وهي تصرخ أنها من الله لا من نفسها....

فيقول عالم دارويني مثل جوليان هيكسلي أن الإنسان "حيوان خاص" !!

ثم يتأرجح الإنسان في عجلة الاضطراب البشري بالإنسان، واللهو بإنسانيته وفطرته، والعبث بخصائصه النفيسة، فيردّه مرة أخرى للحيوانية الخالصة! ويكفينا في ذلك أن نقرأ هذا :

وبظهور نظرية " داروين " بدأ الخطّار (البندول) يتأرجح عكسياً، واعتبر الإنسان حيواناً مرة أخرى.. ووصل الخطار شيئاً فشيئاً إلى أقصى مدى تأرجحه، وظهر ما بدا أنه النتائج المنطقية لفروض " داروين ". فالإنسان " حيوان " كغيره من الحيوانات. ولذلك فإن آراءه في معنى الحياة الإنسانية، والمثل العليا، لا تستحق تقديراً أكثر من آراء الدودة الشرطية أو بكتريا الباشلس! والبقاء هو المقياس الوحيد للنجاح التطوري. ولذلك فكل الكائنات الحية متساوية القيمة. وليست فكرة التقدم إلا فكرة إنسانية. ومن المسلم به أن الإنسان في الوقت الحاضر سيد المخلوقات ولكن قد تحل محله القطة أو الفأر!
!!!!!!!!!!!!!

ويبقى الرجل في تأرجحخ بين ضغط الحقائق ومقتضيات الإلحاد، فتارة يقر شيئا، وأخرى يقر عكسه، فيعود ويقول مرة أخرى وهو مضطرب، مشوّش يشي اضطرابه بضعفه وضعف أمثاله أمام الحقيقة وقوة الله تعالى في كونه :

وإن العدد والتقاليد لهي الخواص التي هيأت للإنسان مركز السيادة بين سائر الكائنات الحية.. وهذه السيادة " البيولوجية " - في الوقت الحاضر - خاصية أخرى من خواص الإنسان الفذة.
.. وهكذا يضع علم الحياة " الإنسان " في مركز مماثل لما أنعم به عليه كسيد المخلوقات.. كما تقول الأديان


إنهم يتأرجحون، وهم يرون ما يميّز الإنسان عن الحيوان رأي العين، كلامه، خاصية التخيّل عنده، التفكير، التفرّد، وأجهزة الكبت والقمع عند الإنسان والتي لا توجد عند الحيوان، التوحيد النسبي لعملياته العقلية بخلاف الحيوان الذي يجزئها، وجوده في وحدات اجتماعية مثل القبيلة والحزب، والأمة ... وغيرها من خصائصه التي يتفرد بها عن كل الكائنات....
ثم م يعترفون علميا أن الإنسان بما فيه جهاز، ولكن لا يجدون جوابا على "من يدير هذا الجهاز؟" من يعلم كل خلية فيه دورها، ومسؤوليتها، وتدخّلها في حين يُحتاج تدخّلها !!

-----------------------

هذه الحقائق الأساسية الثلاثة: حقيقة أن الإنسان كائن فذ في هذا الكون. وحقيقة أن الإنسان كائن معقد شديد التعقيد. وحقيقة أن الإنسان يشتمل على عوالم متفردة عددها عدد أفراده. هذه الحقائق تقتضي منهجاً للحياة الإنسانية يرعى تلك الاعتبارات كلها. ويرعى تفرد " الإنسان " في طبيعته وتركيبه. وتفرده في وظيفته وغاية وجوده، وتفرده في مآله ومصيره. كما يرعى تعقده الشديد وتنوع أوجه نشاطه وتعقد الارتباطات بينها. ثم يرعى " فرديته " هذه مع حياته " الجماعية ". وبعد هذا كله يضمن له أن يزاول وجوه نشاطه كلها، وفق طاقاته كلها. بحيث لا يسحق ولا يكبت، كما لا يسرف ولا يفرط. وبحيث لا يدع طاقة تطغى على طاقة، ولا وظيفة تطغى على وظيفة.. ثم - في النهاية - يسمح لكل فرد بمزاولة فرديته الأصلية مع كونه عضواً في جماعة..
ولكن - نظراً لجهالتنا بالإنسان - فإن مناهج الحياة التي اتخذها البشر لأنفسهم لم تستطع - وهذا طبيعي - مراعاة هذه الاعتبارات المتشعبة المتشابكة المتفاوتة المتناسقة..
والمنهج الوحيد الذي راعى هذه الاعتبارات كلها كان هو المنهج الذي وضعه للإنسان خالقه، العليم بتكوينه وفطرته، الخبير بطاقاته ووظائفه، القادر على أن يضع له المنهج الذي يحقق غاية وجوده ويحقق التوازن في أوجه نشاطه، ويحقق فرديته وجماعيته كذلك..
العنوان: رد: من وحي كتاب (الإسلام ومشكلات الحضارة-سيد قطب-)
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2014-11-10, 13:23:34
من وحي كتاب "الإسلام ومشكلات الحضارة" لسيد قطب

ودائما مع التخبط في تصور حقيقة الإنسان على مدى العصور :

في الأساطير الرومانية، كان الإنسان ندا للآلهة.

ثم مع مجيئ المسيحية أصبح رمزا للخطيئة، وعليه أن يعيش يكفّر عن خطاياه بالذل والهوان، واعتبرت ميوله الفطرية رجسا ودنسا.

ثم لما ثارت أوروبا على الكنيسة، جعل الناس من العقل إله معبودا ورفضوا أدنى تدخل للدين في حياتهم.

ثم تأتي الضربة القاصمة بالنظريات الوضعية وأشدها وطء التي قالت أن المادة هي الإله ! "لا إله والحياة مادة"، وأصبح الإنسان من مخاليق الطبيعة !!

ثم يأتي "داروين" ليُفقد الإنسان كل ما كان الدين قد أسبغ عليه من الكرامة، والاصطفاء، والخيريّة، وينزل به أحط الدركات، فيصيّره حيوانا !

ثم يتمّ فرويد الصورة الحالكة، بأن أرجع كل سلوك الإنسان للغريزة الجنسية، ولها وحدها !

لقد ظلت أوروبا تتراوح بين الإفراط والتفريط. بين الكبت والتهور. بين سحق
الميول الفطرية والطاقات الطبيعية في الإنسان أو إطلاقها بغير عنان.. ولم تلتزم جادة الاعتدال أبدًا في تاريخها الطويل. ولم يقع التوازن في تصوراتها ولا في حياتها تبعاً لذلك في وقت من الأوقات..




العنوان: رد: من وحي كتاب(الإسلام ومشكلات الحضارة-سيد قطب-)
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2014-11-10, 13:39:33
من وحي كتاب "الإسلام ومشكلات الحضارة" لسيد قطب

ننتقل إلى العنصر الثاني لمتابعة مدى شطط أوروبا، والعالم من بعدها على خطاها يتتبعها ويقتفي آثارها النكدة، شططها في معرفة تصور حقيقة الإنسان، ونأتي على نماذج في موضوع المرأة والعلاقة بين الجنسين.

2-المرأة وعلاقات الجنسين :


وقد قلت من وحي ما قرأت في هذا العنصر :

لم يوجد على الأرض كلها عبر كل حقب التاريخ منهج نجح في تحقيق الوسطية التي تتلاءم والفطرة الإنسانية...وحده المنهج الإسلامي حقق ذلك...
أوروبا كانت تتأرجح في كل مناحي حياتها بين أقصى اليمين وأقصى اليسار لا تعرف لمواءمة الفطرة سبيلا... كانت بين الإباحية المفرطة أو الرهبانية المفرطة، حتى لم تعرف للإنسان قيمة حقيقية، ولا وزنا...
هي التي كانت ترى المرأة في طور من أطوارها -فترة الإمبراطورية الرومانية قبل المسيحية-سيدة على الرجل حاكما كان أو محكوما، حتى كانت الواحدة منهن تتزوج بالرجل تلو الرجل لا تعرف لذلك حدا، وكذلك كان الرجل يفعل، وفي طور آخر من أطوار أوروبا التائهة-مرحلة الرهبنة الكنسية- أصبحت ترى المرأة شيطانا لا يدفع إلا للخطيئة، حتى أصدرت الكنيسة قراراتها الصارمة تحض على ابتعاد الزوج عن زوجه وعدم اختلاء أحدهما بالآخر !! ولم تعد ترى الفضيلة إلا في العزوبة والبعد عن مخالطة النساء... وانفصمت عرى الأسرة لأن أبناء الزوجين بنظر الكنيسة المترهبة نتاج دنس ورجس..!!
لم تعرف أوروبا سبيلا للوسطية ولمعرفة الطريق التي تحقق التوازن النفسي فلا تجنح بالإنسان نحو الفاحشة والإباحية، ولا تجنح به نحو الرهبنة وتخاريفها !! لم تعرف أوروبا تحقيق ذلك في تاريخها الممتد كله...
فهي بين أقصى يمين وأقصى يسار..! واليوم هي في الناحية القصوى من اليسار...
يااااه ما أبعدك عن الحضارة يا أوروبا ! ما أبعدك عن الحضارة والرقي أيتها الأرض... وما أنت إلا كالببغاء تنقلين صورة أوروبا التائهة في كل مكان منك، ومنهج الله فيك !
منهج الرقي والمواءمة للفطرة... منهج لا يشتط فيلهو بالفطرة وبالنفس بإفراط أو تفريط... منهج يقدر الإنسان، ويعرف مسارب نفسه، ويعرف احتياجاتها، ولا يرى السلامة في الكبت، بل يلبيها بضبط وبرسم للحدود، ويعرف نزواتها وأهواءها فيلجمها، منهج صممه البارئ وفق طبيعة الإنسان وتركيبه وتعقيده، لا يعرف غيره حقيقة الإنسان، ولا يحدد غيره الغاية من وجوده. وكيف لا وقد أسجد سبحانه لعبده ملائكته تكريما... ! عفوا لست بمستطيلة عليك أيتها الأرض العابدة الطائعة! بل أواجه إنسان اليوم عليك !

------

وحده الإسلام قد عُني أيما عناية بموضوع الإنسان، وموضوع المرأة كإنسان وكامرأة تختلف عن الرجل، لها خصائصها ولها دورها، ولها شخصيتها، وهو يساوي بينها وبين الرجل في الحقوق، وفي العلاقة بالخالق سبحانه، والجزاء منه والثواب، "فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ..." من 195 من آل عمران

كما عني بنوع الصلة بين النفسين، بين الرجل والمرأة، وضبط حدودا مرسومة لهذه العلاقة، "وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يتَفَكَّرُونَ(21)"-الروم-   "هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُن..."  من 187 -البقرة-  وغيرها من الآيات

كما أعطى للمرأة كل حقوقها، فلم يحرمها إرثا، ولا أن تملك، وبين نظام قيام الأسرة، في آيات مختلفة من كتابه العزيز سبحانه، بدقة متناهية، تعطي لكل ذي حق حقه، وتبين تكريم الإسلام للمرأة كما لم يكرّمها أحد أو منهج....!

وأورد هنا شهادات لسيد قطب رحمه الله أثناء تواجده بأمريكا، وملاحظاته الثاقبة حول طريقة حياة المجتمع الأمريكي، والتي عني بها عناية الدارس المقارِن، فيقول :

---------------------
قالت لي إحدى الفتيات الأمريكيات في معهد المعلمين (جريلي كولورادو) في أثناء مناقشة عن الحياة الاجتماعية في أمريكا: إن مسألة العلاقات الجنسية مسألة بيولوجية بحتة، وأنتم - الشرقيون - تعقّدون هذه المسألة البسيطة بإدخال العنصر الأخلاقي فيها. فالحصان والفرس، والثور والبقرة، والكبش والنعجة، والديك والفرخة.. لا يفكر أحد منها في حكاية الأخلاق هذه، وهو يزاول الاتصال الجنسي. ولذلك تمضي حياتها سهلة بسيطة مريحة!!!
وكانت إحدى المدرسات في المعهد المركزي لتعليم اللغة الإنجليزية للغرباء بمعهد ويلسون للمعلمين بواشنطون، تلقي على مجموعة من طلية أمريكا اللاتينية - الذين يعدون في هذا المركز لتلقي الدراسة باللغة الإنجليزية - درساً في تقاليد المجتمع الأمريكي. وفي نهاية الدرس سألت طالباً من جواتيمالا عن ملاحظاته عن المجتمع الأمريكي.. فقال لها: لقد لاحظت أن فتيات صغيرات في سن الرابعة عشرة وفتياناً صغاراً في سن الخامسة عشرة يزاولون علاقات جنسية كاملة... وهذا وقت مبكر جداً لمزاولة هذه العلاقات.. وكان ردها في حماسة: "إن حياتنا على الأرض جد قصيرة. وليس هناك وقت نضيعه أكثر من الرابعة عشرة"

!!!!!!!!!!!!!!!!

ثم يبين سيد قطب حقائق الكنائس التي ليس لها أدنى دور ديني في ترسيخ الأخلاق، وتنمية الروح الإيماني بين أفراد المجتمعات الغربية، ويبين انخداع الكثيرين برؤية العدد الكبير للكنائس منتشرة في الغرب، وهي قد غدت أماكن لا تختلف عن نوادي اللهو والسكر والرقص، بل تقيم كل هذا برعاية "الأب" !!!!!  فيقول عنها من شهاداته :
------------------
إن الكنيسة - بعد أن ذاقت مرارة الإهمال، ووحشة البعد عن الحياة الاجتماعية، بعد شرود الناس منها منذ عصر النهضة، وخاصة منذ عصر التنوير، ثم عصر الفلسفة الوضعية المادية - قد عادت تلهث وراء المجتمع، وتتعلق بأهداب الناس. لا لتقود المجتمع ولا لتنقل الناس إلى الدين. ولكن لتجري وراء المجتمع، ولتتملق شهوات الناس!
عادت لتقيم في الكنائس - بعد القداس - حفلات مختلطة للجنسين يشرب فيها النبيذ، وتدور حلقات الرقص، وتعرض فيها ألعاب التسلية، ويتخاصر فيها الفتيان والفتيات المخمورين، ويلتذون نشوة المخاصرة والعناق حتى الفجر.. كل أولئك لاجتذاب الشبان والشواب إلى الكنيسة! لقد جربت الكنيسة حين وقفت - بالباطل - في وجه ميول الناس الفطرية، كيف خرجوا عليها وداسوها وأهملوها. فعادت الآن تتجنب أن تقف - بالحق - في وجه شهواتهم ونزواتهم، فيدوسوا عليها ويهملوها! لقد عادت أوروبا إلى حياة الرومان القديمة التي تسمح للآلهة والأرباب أن تنطق بالرجز على ألسنة الكهان، وأن تكون مواسمها مواسم بهجة ولذة ومتاع. وذلك دون أن يسمحوا لها بالتدخل في شئون حياتهم أو توجيهها وجهة تنافي اللذة والمتاع.
العنوان: رد: من وحي كتاب(الإسلام ومشكلات الحضارة-سيد قطب-)
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2014-11-11, 09:30:24
من وحي كتاب "الإسلام ومشكلات الحضارة" لسيد قطب

ونواصل مع الكتاب، ودائما في إطار ما يعرضه من تخبط واضطراب عرفتهما البشرية ببعدها عن منهج الله تعالى، وكما عرفنا ذلك ف يمجالَيْ "الإنسان واستعداداته الفطرية" و "المرأة والاختلاط بين الجنسين"، ننتقل إلى عنصر "النظم الاقتصادية والاجتماعية"

إن هذا التخبط والخلط الذي عاشته الأرض ف يظل الأنظمة الوضعية، لمن دواعي صراخ الفطرة واستغاثتها بمنهجها الذي من أجله خلقت، ومن أجلها أنزله الخالق عزّ وجلّ ...

3-النظم الاقتصادية والاجتماعية


إن الإنسان العنيد الذي اعتدّ بعقله، وبأدواته العلمية، يظنّ أنه سيبلغ الجبال طولا، أو أنه سيخرق الأرض، لَيَقف عاجزا-وإن أنكر عجزه وخبأه- أمام الواقع والحقائق التي يصطدم بها في حياته، فهذا المنهج الإلهي الذي إن اعترف بوجود وبدور له، فهو سيُقصره على شعائر تعبدية، ولن يسمح له بالتدخل في مناحي حياته كلها، بينما تجيبه الحياة بعكس ما يريد، وتبيّن له الحقائق أن هذا المنهج منهج لكل الحياة، لكل دقائقها، لعقله، ولفكره، ولروحه، ولعلاقاته بخالقه وبالكائنات وبالكون من حوله، وباقتصاده، وبعمله وبكل تفاصيل حياته ....

ولتقلّب البشرية بين القوانين الوضعية التي ابتدعها البشر للبشر في مجال الاقتصاد والعمل، سنأخذ أمثلة عن كل قانون ساد الأرض، وظُنّ أنه الدواء والعلاج !

فأوروبا قد عرفت "الإقطاع"، وهو في حقيقته تملّك السيد الشريف للعامل الوضيع كما يملك آلة أو محراثا أو حيوانا، ليس له حق في حركة أو تبديل، أو حياة، إلا بما يشتهي سيده، فهو ملك له كما أن الأرض ملك له، إن انتقل السيد إلى أرض أخرى انتقل الفلاح معه إليها، وكل ارباح الشريف يصنعها كدّ الفلاح الوضيع، هذا النظام الجائر الذي خضع فيه الإنسان لشريعة إنسان مثله ...

ولما انساحت جموع الصليبيين في أرض الإسلام عرفوا ما اتّسم به النظام الإسلامي من مساواة بين الناس، ومن حقوق للأُجَراء، ومن مراعاة لكدح الكادحين، وأن الشريعة التي تحكم السيد والمسود واحدة، وهي شريعة الله تعالى، وأن الحكم عندهم يتولاه قضاة لطالما عُرفوا بالوقوف مع الحق، ومع أهل الحق حتى في وجوه الأمراء والسلاطين ...عرفوا للناس حرية فيما يفعلون، فإن شاؤوا عملوا بالزراعة، وإن شاؤوا بدّلوا فعلموا بالتجارة أو بالحرف، لا يحجر مشيئتهم وحريتهم أحد، ولا يملك اختيارَهم أحد ...

وكردّ فعل لتأثير هذه المشاهدات والمعايشات للمجتمع الإسلامي، وضجّ الأوروبيين بالجور والظلم والاضطهاد الذي قام عليه نظام الإقطاع قام النظام الرأسمالي، كرد فعل على اضطهاد الفرديّة والحرية الشخصية للناس، وليته كان الدواء ! إن كان إلا الداء يداوَى به الداء !

وأطلقت حرية الفرد إلى أقصى الحدود، بل بلا حد أصلا، وضمن هذه الحريات المكذوبة المشطوطة الحرية من كل قيد أخلاقي، والإباحية المطلقة فيما يحب الفرد ويهوى من صنوف الفساد والفاحشة...واعتبار جميع القواعد الأخلاقية هراء لا دخل لها في حياة الفرد وما يريد قضاءه من أوطار، ثم يصبّ النظام الجديد وبالَهُ على البشرية، فيصبح الناس عبيدا لأصحاب رؤوس الأموال و المؤسسات البنكية والصيارف الذين يستحوذون على كدح العمال وحتى على أموال أصحاب المصانع الذين يصنّفون الأغنياء... وقد صنع هذا النظام لنفسه أدواته التي نصّبته على رؤوس الناس من  صحافة ومنظّرين وكتّاب، وأساتذة جامعات،  سحروا أبصار الناس وغشوا بالنظريات بصائرهم. واعتمد الربا أساسا له، واستغلّ أصحاب رؤوس الأموال الكبيرة لربح سريع وكبير ومضمون شهوات الناس وغرائزهم، ففتحوا لهم كل مهيجات الغريزة الجنسية، وتحللوا من كل خلق أو قيمة، وعدّ ذلك كله ضرورة لتلبية نداءات الغريزة وإرضاء لشهوات الفرد، واستمتاعا بملاذ الحياة ...فكانت السنما، وكان المسرح، وكانت الإباحية في كل شكل ولون ...

ثم جاء رد فعل للجموح الشارد في الحرية الفردية التي أقامتها الرأسمالية، متمثلا في أنظمة أقامتها جماعات، فكان من أهمها الاشتراكية، فكان تمليك الموارد العامة لفئة من الشعب قاعدة الماركسية ...

هذا المذهب الذي وضعه ماركس، ووضع معه الاقتصاد إله يحكم الناس، وقال أن تفسير التاريخ لا يكون إلا من الوجهة الاقتصادية، وأن آلات الإنتاج والإنتاج هو الذي تحكم عبر العصور في العلاقات الاجتماعية، ووفق تغيرها تتغير هذه العلاقات، ومن منطلق تغيرها تقوم الثورات لتغير هذه العلاقات، ولم يكن فيه اعتراف بالله، بل جعلت جوعة البطن هي الحاكم الأساسي في حياة الإنسان، وجاءت الشيوعية أو الاشتراكية الماركسية لتلغي الفردية، وفي هذا جموح جاء يحارب جموحا، وأصبحت الدولة هي المالك للموارد كوكيل عن الشعب، وتجسّدت بهذا رأسمالية الدولة في هذا النظام، وساد الظلم وسادت الأنظمة البوليسية التي أقامتها الدولة ضدّ كل من لا يعترف بالنظام الماركسي، ويحاول الخروج عن نطاقه . ولم يكن نظام ماركس يعرتف بوجود الله ولا بشرائعه ومناهجه.

وأثبتت الحقائق، وصرخات الفطرة قصور الماركسية وشططها كما كان من الرأسمالية، وهكذا تخبط الإنسان بين حد أقصى وحد أقصى غيره، بين داء وداء، وهو يرى نفسه واضع الدواء، بينما الدواء بين يديه، ولكنه شرد عنه، شردت عنه الأرض لما شردت عنه أوروبا، وهي تحاكيها في كل تهوراتها، شرد عنه المسلمون والمنهج بين أيديهم، لما رأوا أوروبا شاردة من الكنيسة، ومن كل دين...!!

وأضع لهذا مقطعا للكاتب، يستحق التأمل :
------------------
ونحن الذين عصمنا الله من أن نكل إلى العلم الإنساني - أو بتعبير العلماء إلى الجهل الإنساني! - مهمة وضع المناهج الأساسية للحياة الإنسانية، بل أمدنا بقواعد المنهج المنير، القائم على العلم المطلق بفطرة الإنسان واستعداداته وطاقاته وحاجاته الحقيقية.
نحن - وهذا فضل الله علينا - جديرون أن ننظر إلى المسألة نظرة أخرى. وأن نأخذ الأمور بالرفق والهدوء. والنظر " العلمي " الصحيح، الذي يتقصى كل جوانب المسألة، ولا ينهش منها شة ويجري شارداً من الكنيسة، وإله الكنيسة، ودين الكنيسة، وتصورات الكنيسة!
وعندئذ ندرك مظاهر التخبط والتأرجح، والأسباب الحقيقية الكامنة وراءها.
وتكون لنا نظرتنا المستقلة، ونظرياتنا المستقلة، ومناهجنا المستقلة القائمة على دراستنا المستقلة، المستمدة من منهج الله وهداه.. ومن ثم نرى أن هناك اختلافاً جذرياً أصيلاً بين منهجنا، وكل المناهج السائدة، وبين مذهبنا وكل المذاهب المعروفة، وبين طبيعة نظرتنا لواقع الحياة البشرية وللتاريخ البشري وكل النظرات القائمة، وبين تفسيرنا للحياة والتاريخ وكل تفسير آخر. وبين كل عنوان اتخذته الأنظمة الاجتماعية البشرية وعنوان نظامنا "الإسلامي".
العنوان: رد: من وحي كتاب(الإسلام ومشكلات الحضارة-سيد قطب-)
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2014-11-12, 06:55:56
من وحي كتاب"الإسلام ومشكلات الحضارة" -سيد قطب-

حضارة لا تلائم الإنسان

إن هذه الحضارة نشأت في جو الشرود النكد عن الكنيسة، وعن الدين إجمالا، لم تراعِ وهي تتقدم بالمادة وتنوع ابتكار الأشياء أن يظل الإنسان سيد هذه الأرض، وأن تنمّى خصائصه الجنسية والفردية، وأن تؤكّد شخصيته كجنس وكفرد. وهذا التكريم لم يُعطِه للإنسان إلا الدين، بينما هي حضارة شاردة عنه، ولهذا هي لم تُبنَ على أساساته .

ولهذا فإن هذه الحضارة لم تلائم الإنسان، بل هي تسحقه فيما ترفع المادة، تسحق خصائصه، وكينونته، وطبيعته، وتظطهد فطرته . وفي اقتباس شيء من كلام العالم الغربي "ألكسيس كالير" كفاية إذ هي شهادة شاهد من أهلها :

إن الحضارة العصرية تجد نفسها في موقف صعب، لأنا لا تلائمنا. لقد أنشئت دون أية معرفة بطبيعتنا الحقيقية، إذ أنها تولدت من خيالات الاكتشافات العلمية، وشهوات الناس، وأوهامهم، ونظرياتهم ورغباتهم. وعلى الرغم من أنها أنشئت بمجهوداتنا، إلا أنها غير .( صالحة بالنسبة لحجمنا وشكلنا...".

------------------------
وهؤلاء النظريون يبنون حضارات، بالرغم من أنها رسمت لتحقيق خير الإنسان، إلا أنها تلائم فقط صورة غير كاملة أو مهولة للإنسان. إن نظم الحكومات التي أنشأها أصحاب المذاهب في عقولهم عديمة القيمة.. فمبادئ الثورة الفرنسية وخيالات ماركس ولينين، تنطبق فقط على الرجال الجامدين (غير الأحياء أو المتحركين). فيجب أن نفهم بوضوح أن قوانين العلاقات البشرية ما زالت غير معروفة. فإن علوم الاجتماع .( والاقتصاديات علوم تخمينية افتراضية)
-----------------------
إننا قوم تعساء. لأننا ننحط أخلاقياً وعقلياً.. إن الجماعات والأمم التي بلغت فيها الحضارة الصناعية أعظم نمو وتقدم، هي على وجه الدقة الجماعات والأمم الآخذة في الضعف، والتي ستكون عودتها إلى البربرية والهمجية أسرع من عودة غيرها إليها. ولكنها لا تدرك ذلك. إذ ليس هناك ما يحميها من الظروف العدائية التي شيدها العلم حولها. وحقيقة الأمر أن مدنيتنا مثل المدنيات - التي سبقتها - أوجدت أحوالاً معينة للحياة. من شأنها أن تجعل الحياة نفسها مستحيلة وذلك لأسباب لا تزال غامضة

-------------------
وإنني لا أستطيع منع نفسي من اقتباس مقتطفات هذا الرجل، وذلك لمدى إدراكه العميق بالكارثة المحيطة بالبشرية من صنع الإنسان نفسه، فتأملوا معي هذه الفقرة الدقيقة، ولننظر ما نجنيه نحن المسلمين على أنفسنا، ونحن نفعل ما يتبرّم منه العقلاء بينهم !!! ولا حول ولا قوة إلا بالله

"لقد ارتكب المجتمع العصري غلطة جسيمة باستبداله تدريب الأسرة بالمدرسة استبدالاً تاماً. ولهذا تترك الأمهات أطفالهن لدور الحضانة، حتى يستطعن الانصراف إلى أعمالهن، أو مطامعهن الاجتماعية، أو مباذلهن، أو هوايتهن الأدبية أو الفنية، أو للعب البريدج، أو ارتياد دور السينما... وهكذا يضيعن أوقاتهن في الكسل. إنهن مسئولات عن اختفاء وحدة الأسرة واجتماعاتها التي يتصل فيها الطفل بالكبار، فيتعلم منهم أموراً كثيرة..
إن الكلاب الصغيرة التي تنشأ مع أخرى من نفس عمرها في حظيرة واحدة، لا تنمو نمواً مكتملاً كالكلاب الحرة التي تستطيع أن تمضي في إثر والديها. والحال كذلك بالنسبة للأطفال الذي يعيشون وسط جمهرة من الأطفال الآخرين وأولئك الذين يعيشون بصحبة راشدين أذكياء. لأن الطفل يشكل نشاطه الفسيولوجي والعقلي والعاطفي طبقاً للقوالب الموجودة في محيطه. إذ أنه لا يتعلم إلا قليلاً من الأطفال الذين في مثل سنه. وحينما يكون مجرد وحدة في المدرسة، فإنه يظل غير مكتمل. ولكي يبلغ الفرد قوته الكاملة، فإنه يحتاج إلى  عزلة نسبية، واهتمام جماعة اجتماعية محددة تتكون من الأسرة
"

العنوان: رد: من وحي كتاب(الإسلام ومشكلات الحضارة-سيد قطب-)
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2014-11-12, 08:58:34
من وحي كتاب"الإسلام ومشكلات الحضارة" -سيد قطب-

عقوبــــة الفطرة

لم يكن بدّ وقد جنى الإنسان على نفسه باتخاذه للحياة مناهج من صنعه، أن تنتقم الفطرة، وتعاقبه، فإن لها أسسا لا تنهار وإن طُمِست. هذه الأسس التي يأتي عليها يوم من الأيام فتتقوى لا بصنع المعجزات، بل بالانتقام، والعقوبة، تنتقم من الإنسان الذي هي فيه، ليؤدي ضريبة مخالفة ندائها العميق، يؤديها من نفسه وأعصابه وعافيته وبدنه، وطمأنينته، لقد ظهرت آثار التحلل من الدين في الانحلال الأخلاقي المزري، وفي الإباحية المطلقة، وفي فساد العقول بأشربة الفساد وأدخنة الفساد، وفي انقلاب الإنسان أضلّ من الحيوان وهو يلهث فقط خلف شهواته ونزواته، ويجني على نفسه، ويقضي عليها باسم التحرّر من كل قيد ....

واشتدّ سُعار المادة في الإنسان، وتسلط الغني على الفقير، وأكل القوي الضعيف، وذهبت خصائص المرأة، وامتهنت نفسها باسم الحرية، وذهبت خصائص الرجل، وقوّضت بُنى الأسر، وفكّت عُرى الروابط بالفساد والخلط والخبط، وكثرت الحروب واشتعلت نيرانها في كل مكان، وراحت ضحية المادة والدكتاتورية، ونزعة التألّه ملايين الضحايا، ولا يهدأ أوار الأزمات الاقتصادية، وضغط على الأعصاب، وعلى الأبدان، وعلى العقول.... فيخرّ الألوف بين قتيل الأزمات، ومجنون،...
"وَمَن يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللّهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُ فَإِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ(211)"-البقرة-

يورد سيد قطب تحت هذا العنوان شهادات تمثل فئات مختلفة، للعالم الغربي المدرك لحجم الكارثة، لكاتب مسلم عارف بأمراض الأرض لغياب منهج الله عنها، ولطبيبة .نورد منها على التوالي شيئا :

"يبدو أن الحضارة العصرية عاجزة عن إنجاب قوم موهوبين من ناحية الخيال والذكاء والشجاعة. ففي كل بلد يوجد تناقص في المستوى العقلي والأدبي لأولئك المسئولين عن الشئون العامة"

"ليس العقل قوياً كالجسم. ومن العجيب أن الأمراض العقلية أكثر عدداً من جميع الأمراض الأخرى مجتمعة. ولهذا فإن مستشفيات المجاذيب تعج بنزلائها ، وتعجز عن استقبال جميع الذين يجب حجزهم.. ويقول س. م. بيرس: " إن شخصاً من كل 22 شخصاً من سكان نيويورك يجب إدخاله أحد مستشفيات الأمراض العقلية بين آن وآخر ".. وفي الولايات المتحدة تبدي المستشفيات عنايتها لعدد من ضعاف العقول يعادل أكثر من ثمانية أمثال المصدورين.. ففي كل عام يدخل مصطلحات الأمراض العقلية، وما يماثلها من المؤسسات، حوالي ستة وثمانين ألف حالة جديدة. فإذا استمر عدد المجانين في السير على هذا المعدل، فإن حوالي مليون من الأطفال والشبان الذين يذهبون الآن إلى المدارس والكليات
سوف يدخلون إلى المصحات عاجلاً أو آجلاً!
" ففي عام 1932 كان عدد المجانين المودعين بالمستشفيات الحكومية 340 000 مجنون، كما كان عدد ضعاف العقول والمصروعين المحجوزين في المصحات الخاصة 81580 وكان عدد مطلقي السراح بشرط كلمة الشرف من ضعاف العقول 10930 ، ولا تشمل هذه الإحصاءات الحالات العقلية التي تعالج في المستشفيات الخاصة. وعلاوة على المجانين يوجد في البلاد كلها 500000 شخص ضعاف العقول. ولقد كشف الفحص الذي تولته اللجنة الوطنية للصحة العقلية بعناية، عن أن 400000 طفل على الأقل على مستوى منخفض من الذكاء، إلى درجة أنهم لا يستطيعون الاستمرار في المدارس العامة والإفادة مما يتلقون من علم.. وحقيقة الأمر أن عدد الأفراد الذين انحطوا عقليا أكثر من ذلك بكثير.
ويقدر أن عدة مئات من الآلاف لم تشملهم الإحصاءات الرسمية، مصابون باضطرابات نفسية . وتدل هذه الأرقام على مدى استعداد شعور الرجل المتحضر للعطب، وكيف أن مشكلة الصحة العقلية تعتبر من أهم المشاكل التي يواجهها المجتمع العصري. فإن أمراض العقل خطر داهم: إنها أكثر خطورة من السل والسرطان وأمراض القلب والكلى. بل والتيفوس والطاعون والكوليرا. فيجب أن يحسب للأمراض العقلية حسابها لا لأنها تزيد عدد  المجرمين فحسب، بل لأنها ستضعف حتماً التفوق الذي تتمتع به الأجناس البيضاء  حالياً.. على أنه يجب أن يكون مفهوماً أنه لا يوجد ضعاف عقول ومجانين بين المجرمين بالكثرة التي يوجدون بها بين أفراد الشعب! صحيح أن عدداً كبيراً ممن يعانون من النقائص
العقلية موجود في السجون. بيد أنه يجب ألا يغيب عن بالنا أن أكثر المجانين واسعي الثقافة،ما زالوا مطلقي السراح."
-العالم ألكسيس كاريل-
--------------

"وأكبر الظن أن هذا التجدد في الإقبال على اللذة، قد تعاون أكثر مما نظن مع هجوم داروين على المعتقدات الدينية. وحين اكتشف الشبان والفتيات - وقد أكسبهم المال جرأة - أن الدين يشهر بملاذهم التمسوا في العلم ألف سبب وسبب للتشهير بالدين. وأدى التزمت في حجب الحياة الجنسية والزهد فيها إلى رد فعل في الأدب وعلم النفس صور الجنس مرادفاً للحياة. وقد كان علماء اللاهوت قديماً يتجادلون في مسألة لمس يد الفتاة أيكون ذنباً؟ أما الآن فلنا أن ندهش ونقول: أليس من الإجرام أن نرى تلك اليد ولا نقبلها؟ لقد فقد الناس الإيمان وأخذوا يتوجهون نحو الفرار من الحذر القديم إلى التجربة الطائشة" -ول ديورنت-

--------------------

"ولكن النظام الرأسمالي لم يوزع الثروة بين الناس بما يكفل للجميع وسائل الحصول على تلك المتع واللذات، وأدوات الزينة والزخرفة التي أدخلها في لوازم الحياة. بل هو لم يهيئ للعامة من وسائل المعاش ما يسدون به عوزهم بسهولة من حاجات الحياة الحقيقية - وهي السكنى والطعام واللباس - في تلك المدن التي قد زج بهم إليها..
" كان من نتائج ذلك كله أن أصبحت المرأة كَلا على زوجها، وأصبح الولد عبئاً على أبيه، وتعذر على كل فرد أن يقيم أود نفسه، فضلاً عن أن يعول غيره من المتعلقين به. وقضت الأحوال الاقتصادية أن يكون كل واحد من أفراد المجتمع عاملاً مكتسباً. فاضطرت جميع طبقات النساء - من الأبكار والأيامى والثيبات - أن يخرجن من بيوتهن لكسب الرزق رويداً.
" ولما كثر بذلك اختلاط الصنفين، واحتكاك الذكور والإناث، وأخذت تظهر عواقبه الطبيعية في المجتمع، تقدم هذا التصور للحرية الشخصية، وهذه الفلسفة الجديدة للأخلاق، فهدأ من قلق الآباء والبنات، والإخوة والأخوات، والبعولة والزوجات، وجعلا نفوسهم المضطربة تطمئن إلى أن الذي هو واقع أمام أعينهم، لا بأس به، فلا يوجسوا منه وليس فساداً خلقياً، (Emancipation) خيفة، إذ هو ليس هبوطاً وتردياً، بل هو نهضة وارتقاء  بل هو عين اللذة والمتعة التي يجب أن يقتنيها المرء في حياته، وأن هذه الهاوية التي يدفع بهم إليها الرأسمالي، ليست هاوية النار، بل هي جنة تجري من تحتها الأنهار
" -أبو الأعلى المودودي-

---------------
"إن أول ما قد جر على الفرنسيين تمكن الشهوات منهم، اضمحلال قواهم الجسدية، وتدرجها إلى الضعف يوماً فيوماً. فإن الهياج الدائم قد أوهن أعصابهم، وتعبد الشهوات يكاد يأتي على قوة صبرهم وجلدهم، وطغيان الأمراض السرية قد أجحف بصحتهم. فمن أوائل القرن العشرين لا يزال حكام الجيش الفرنسي يخفضون من مستوى القوة والصحة البدنية المطلوب في المتطوعة للجند الفرنسي، على فترة كل بضع سنين، لأن عدد الشبان الوافين بالمستوى السابق من القوة والصحة لا يزال يقل ويندر في الأمة على مسير الأيام. وهذا مقياس أمين يدلنا - كدلالة مقياس الحرارة في الصحة والتدقيق - على .( كيفية اضمحلال القوى الجسدية في الأمة الفرنسية " -أبو الأعلى المودودي-

----------------

ثم يواصل سيد قطب إيراد هذه الشهادات، وهي كثيرة، وقد نقلت شيئا يسيرا منها أعلاه، وهي شهادات على انتقام الفطرة ومعاقبتها للإنسان ...


العنوان: رد: من وحي كتاب (الإسلام ومشكلات الحضارة-سيد قطب-)
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2014-11-12, 09:35:42
من وحي كتاب "الإسلام ومشكلات الحضارة" -سيد قطب-

وفي فصل أخير عنوانه "كيف الخلاص"  يبين سيد قطب رحمه اللهن أن كل هذا البيان لعدم ملاءمة هذه الحضارة للإنسان، لا يعني بشكل من الأشكال أن الإسلام سيحكم بالقضاء عليها، وبتدميرها وإلغائها، فهذا شطط لا يكون من الإسلام، إذ إنها جزء من نتاج العقل الإنساني، والإسلام كان أول منهج على الأرض دعا لسبر أغوار الكون، والمسلمون هم الذين نقلوا لأوروبا مبادئ العلم التجريبي، ومنهم اقتبسوها، وعرفوا الفرق بينه وبين النظريات في تراث اليونانيين ...

أما طريق الخلاص، فقبل أن يورده، فهو يعرض لما قاله واحد كألكسيس كاريل الذي بدا عميق الإدراك بحجم الكارثة إلا أنه لا يخرج من قفص وضعته به تربية من صنع حضارة منبتّة عن منهج الله تعالى،وهو قفص العلم، إذ يرى أن الخلاص في العلم، وسيد قطب هنا لا يعارضه كليا، بل إنه يبين أن العلم جزء من كلّ تحتاجه الأرض، وهذا الكل هو ذلك الإطار الذي تدور فيه كل أوجه نشاط البشرية وهو منهج الله تعالى، الذي يكون الإطار والمتحكّم في كل نظم الحياة.

فما الذي يرى سيد قطب أن منهجنا يرفضه من هذه الحضارة ؟

-----------

إنه سيرفض المذهب المادي " الوضعي أو الحسي " الذي يجعل المادة هي الوجود - ولا شيء غير المادة - وقد تحطمت هذه النظرية " علميا " أو تكاد والحمد لله. والذي يجعل " الإنسان " تابعاً للمادة يتلقى منها فقط، ويتكون من انطباعاتها - وحدها - عقله وتفكيره وتصوراته، مكا يتكون جسمه سواء، مع اعبتاره سلبياً تجاه المادة سلبية مطلقة (كومت وزملاؤه).. والذي يجعل تطورات التاريخ في معزل عن إيجابية الإنسان، ويردها فقط إلى أدوات الإنتاج (كارل ماركس وزملاؤه).كما سيرفض كذلك النظرة الحيوانية للإنسان التي أطلقها " داروين " والنظرة القذرة إلى دوافع الإنسان، وحصرها في وحل الجنس كما يزعم " فرويد " وهو يدرس " الشواذ " ويجعلهم هم " الإنسان "...
كذلك سيرفض منهجنا ما ترتب على هذه النظرات كلها من إقامة الأنظمة السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وإقامة نظام العمل وطرائق أساس إهدار آدمية الإنسان، وخصائصه الإنسانية العامة أولاً، وخصائصه الذاتية الفردية ثانيا، وخصائص جنسيه المتميزين ثالثاً، واعتباره ترساً في الآلة، أو بهيمة في القطيع. والاهتمام فقط بمضاعفة الإنتاج، وبتوفير وسائل إشباع الضرورات الجسدية - فحسب - مع إهدار أشواق الإنسان وحاجاته الأخرى في نظام الحضارة (كما يقرر الدكتور كاريل) من حبه للجمال والفن ونشاطه الأدبي والديني.. (غير أن تصور منهجنا للنشاط الديني لن يكون في تلك الحدود الضيقة التي لا يعرف الدكتور كاريل سواها. بل سيكون معناه - كما قلنا - أن يكون الدين هو منهج
الحياة الكلي، الذي تتحرك فيه إطاره، وتنمو بكل أنواع النشاط الإنساني. ومنه العمل والإنتاج والسياسة والاقتصاد، والخلق والسلوك. والصلاة والدعاء، والاتصال بالملأ الأعلى والاتصال بالآلة والإنتاج سواء). 
وسيستدعي هذا تعديلاً في طرق الإنتاج الفنية بحيث توائم بين الرغبة في مضاعفة الإنتاج والإبقاء على خصائص " الإنسان " العامة، وخصائص الفرد الذاتية. وتعديل أوضاع الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية، بحيث توائم كذلك بين استقرار الحياة وتوازنها، والإبقاء على الخصائص " الإنسانية " و " الفردية " مع الإبقاء - كذلك - على خصائص " الجنسين " من ذكر وأنثى.
ومنهجنا لن يجد نفسه في مشكلة أمام الاستمتاع بالتيسيرات الحضارية التي تتيحها الحضارة المادية وفنونها المتجددة للإنسان، ولا أمام الاستمتاع بطيبات الحياة الدنيا، وكنوز الأرض ونتاجها مما تتيجه الحضارة المادية، ولن يحدث نكسة إلى رهبانية روحانية كالتي ابتدعتها الكنيسة في أوروبا، لمقاومة سيل المتاع على الطريقة الرومانية، أو - بتعبير أصح -الهرب من مواجهة الحياة الدنيا.
فمنهجنا لا ينكر الاستمتاع بطيبات الحياة الدنيا، ولا يجمد الإبداع المادي في الأرض، ومن ثم لا يجمد وسائل المتاع بهذا الإبداع.. بل أكثر من هذا، هو يعد ذلك جزءًا من وظيفة الإنسان في هذه الأرض. فالخلافة معناها القيام على شئون هذه الأرض، واستثمار خيرا منها، واكتشاف كنوزها، والاستمتاع بطيباتها، في حدود منهج الله، مع التوجه لله بالعبادة والشكر والاعتراف على ما سخره للإنسان من طاقات في نفسه ومن مدخرات في هذه الأرض. وكثيراً ما من الله على عباده بما أنعم عليهم من الموارد والتيسيرات التي كانت متاحة لهم حينذاك، وبشرهم بغيرها مما سيأتي. كما عقب على ذكر نعمة الأنعام، وما تيسره للإنسان من متاع وراحة ومنفعة وجمال، فقال بعد ذلك كله " ويخلق ما لا تعلمون " فما من شيء طيب تنتجه الحضارة المادية، إلا ومنهجنا يعتبر حقاً للإنسان أن يستمتع به في
حلال..
ولكن هذا المنهج يرفض أن يستمتع الإنسان بخيرات الأرض ونتاج الحضارة كما يستمتع الحيوان. يرفض أن يكون الإنسان عبداً للذائذه، مقهوراً عليها قهراً لا يملك معه إرادته، ولا يملك أن يقف عند الحد الذي يؤمن معه المتاع، فلا يؤدي الإفراط إلى الانحلال والدمار.. والبوار.. يرفض أن يكون المتاع في ذاته غاية غايات الإنسان. فالإنسان أكرم من هذا وأرفع، وغاية وجوده الإنساني أكبر من هذا وأضخم. وهو لا يكون " إنساناً " إلا بأن يدرك غاية وجوده، وأن يسيطر على شهواته ولذائذه وأن يقف عند الحد المأمون منها.. بإرادته..
إن المحافظة على " إنسانية الإنسان " هدف أساسي في هذا المنهج. فهو لا يملك أن يؤدي وظيفته الفذة في الأرض، إلا بتكوينه هذا الفذ. فأي عامل مرفوض من المنهج الإسلامي.


طريق الخلاص


أما طريق الخلاص كما يراه الكاتب، فلن يكون في نظريات، وكتابات، ودعوات، بل سيكون بشكل فاعل ومؤثر في قيام مجتمع إسلامي، والأرض تستصرخ قيام هذا المجتمع، وهو قائم قائم إن لم يكن اليوم فغدا، وطريق قيامه لن تكون أبدا سهلة، ولا قصيرة، بل يحتاج لآماد، ولصبر ولجهود، وإن أمريكا والصهيونية لترضى أن يُتحدث عن الإسلام قليلا، أو تعرض عنه أفلام، أو أو ولكنها لن تقبل أبدا ولن ترضى بقيام رقعة في أقصى أقاصي الأرض مهما كانت صغيرة تطبق الإسلاتم وتعيش به منهجا !!!

وألف كتاب عن الإسلام. وألف خطبة في مسجد أو قاعة أو ميدان. وألف فيلم في الدعاية للإسلام. وألف بعثة من الأزهر أو غير الأزهر في كل مكان.. كل أولئك لا يغني غناء مجتمع صغير يقوم في ركن من أركان الأرض، يعيش بمنهج الإسلام، ويعيش لمنهج الإسلام، وتتمثل فيه خصائص هذا المنهج، وتتمثل فيه صورة الحياة في الإسلام!!

كما يبين أن المشكلة ليست في تطوير فقه يحل مشكلات المجتمع حيال هذه الحصارة، بل المشكلة في تكوّن مجتمع إسلامي ابتداء، مجتمع يجعل من شريعة الله تعالى هي منهجه، ويحكّمه، مهما كان صغيرا، فإن الفقه لن يجد منبتا صالحا إلا في هذه الأرض، وما عداها من دعاوى تطوير فقه للمجتمعات إنما هو بذر في الهواء ....

"ذلك أن المجتمع الوليد سيتجه حينئذ مباشرة إلى شريعة الله الأصيلة. لا إلى آراء الرجال في الفقه. لأنه لن يجد في آراء الرجال - وهي مفصلة لعصور خاصة ولظروف خاصة - ما يساوي قده، إلا بعمليات ترقيع وتعديل.. وعندئذ يعمل إلى القماش الأصلي الطويل العريض.. (الشريعة).. ليفصل منه ثوباً جديداً كاملاً، بدلاً من الترقيع والتعديل! إن هذه ليست دعوة لإهمال الفقه الإسلامي، وإهدار الجهود الضخمة العظيمة التي بذلها الأئمة الكبار. والتي تحوي من أصول الصناعة التشريعية، ومن نتاج الأحكام الأصيلة، ما يفوق - في نواح كثيرة - كل ما أنتجه المشرعون في أنحاء العالم.
ولكنها فقط بيان للمنهج الذي قد يأخذ به المجتمع الإسلامي الذي ينشأ - عندما ينشأ - وبيان لطبيعة المنهج الإسلامي في إنشاء الأحكام الفقهية. إنشائها في مواجهة الواقع الفعلي للمجتمع الذي يعترف ابتداء بحاكمية الإسلام.
"

كما حدد شرطين للمشرعين والفقهاء
1- أن يعيشوا في مجتمع يرتضي الشريعة الإسلامية منهجا.
2- أن يطبقوا الشريعة في حياتهم الخاصة.
ضاربا مثلا بأبي بكر وعمر والفقهاء من الصحابة والتابعين رضوان الله عليهم .

"وهذا هو الأمر في اختصار وإجمال..
توجد نقطة البدء. نقطة استقرار هذه الحقيقة في قلب.. في عدة قلوب.. في قلوب العصبة المؤمنة.. ثم تمضى القافلة في الطريق.. في الطريق الطويل.. الشائك.. الغريب اليوم على البشرية غربته يوم جاءها الهدى أول مرة - فيما عدا بعض الاستثناءات - ثم تصل القافلة في نهاية الطريق الطويل الشائك.. كما وصلت القافلة الأولى..
لست أعزم أنها مسألة هينة. ولا أنها معركة قصيرة.. ولكنها مضمونة النتيجة.. كل شيء يؤديها.. كل شيء حقيقي، وفطري، في طبيعة الكون، وفي طبيعة الإنسان.. ويعارضها ركام كثير. ويقف في طريقها واقع بشري ضخم. ولكنه غثاء! ضخم نعم.. ولكنه غثاء!
"
العنوان: رد: من وحي كتاب(الإسلام هو الحل-رجاء جارودي-)
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2014-11-13, 12:58:59
من وحي كتاب "الإسلام هو الحل"  لرجاء جارودي

اخترت هذه المرة أن أقرأ للمفكر والفيلوسف الكبير "رجاء جارودي" أو روجيه جارودي رحمه الله تعالى، هذا المفكر والفيلسوف الفرنسي الذي اعتنق الإسلام، كان مسيحيا، اعتنق الماركسية في شبابه، تدرج في الحزب الشيوعي حتى صار عضوا باللجنة المركزية للحزب، مما سمح له بمعرفة أغوارها، وقصورها وزيفها، حتى تخلى عنها وألف كتابا ينتقدها فيه، شغل في فرنسا مناصب سامية حتى أصبح رئيسا للمجلس الوطني الفرنسي بين 56و58، وكما تبيّن له فساد الماركسية، اكتشف بعدها ضلال المسيحية والكنيسة وارتباطها بالصهيونية وأهدافها وأضاليلها. اعتنق الإسلام عام 1980، مما أحدث ضجة هائلة في أوروبا. ألف بعدها عدة كتب تعالج قضايا الحضارة الأوروبية والإسلام.

أما هذا الكتيّب الذي اطلعتُ عليه "الإسلام هو الحل"، فهو في حقيقته محتى محاضرة ألقاها بباريس حوالي سنة 1982.

يقع الكتيّب في 34 صفحة، وفي الحقيقة أهم ما استفدته منه بعض الفقرات الدقيقة التي رأيتُها تصدر من مفكر غربي الأصل، يعرف جيدا جدا أصل الحضارة الأوروبية، كما يعرف سوءاتها أكثر من أيّ كان بحكم عيشه في ظلالها، وتقلّبه بين المواقع والمعتقدات  ...

لقد عرض الكاتب لبعض خصائص الحضارة الأوروبية، وأسسها التي بُنيت عليها، وبالمقابل ذكر منهج الإسلام، وبيّن بإدراك الغربي المنتقد المنصف الفرق الشاسع بين المنهجَين، فرق تتحدد وفقه إنسانية الإنسان من حيوانيته ولا قيمته...

لقد بدأ بعرض نتائج الحضارة الغربية، كعرض لنِتاجها وحصيلتها عبر أزمنة تكوّنها وتطوّرها، فكان الوبال على كل الأصعدة، الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، فأما من الناحية الاجتماعية فتسلّح، وحروب مقابل مجاعات، وموت الملايين من أثر المجاعات، وأما على المستوى الاقتصادي فهيمنة للفردية ولمصالح أفراد معينين على العالم وعلى المال، وأما في السياسة  فالعنف، وصراعات دول ضد دول، ومصالح وميكيافيلية قذرة لا تعرف غير لغة المصالح...

**وأما في المجال الثقافي ففقدان المغزى والمعنى من الحياة بالكلية، وذلك لأن الحضارة الغربية ترتكز على نقطة عدم التفريق بين الوسيلة والغاية، فالعلم من أجل العلم، والفن من أجل الفن، والاقتصاد من أجل الاقتصاد، لا هدف، لا معنى لا مغزى للحياة ....!!

**أما العقائد، فيصف الكاتب أنهم قد فقدوا فيها معنى السلطة العلوية التي هي المصدر وهي المآل لكل شيء، والتي بها يعرف الإنسان إنسانيته، ودوره في الحياة، وغاية وجوده فيها، وبهذا فالكوكب الأرضي في طريق مسدود، وفي طريقه للانتحار.

**كما يشير الكاتب إلى جحد أوروبا لدور الحضارة الإسلامية في تكوّن الحضارة الأوروبية من أساسها، والذي هو العلم التجريبي، فادعوا أنهم لم يجدوا في التراث العلمي الإسلامي إلا نقلا عن الحضارات القديمة الإغريقية والرومانية، فيجتهد هنا الكاتب لتبيان جحودهم ونكرانهم، وادعاءاتهم، عائدا إلى أصل العلم التجريبي الذي وفره المسلمون، وقد كان العلم عند اليونانيين قديما نظريات، العلم اليوناني كان تفكيرا، بينما العلم عند العرب كان تجريبا، وأن الغرب نقل علومه ليس من إيطاليا الرومانية، بل من أسبانيا الأندلسية الإسلامية، ولكنهم لما نقلوه نقلوه مجردا عن النظرة الإسلامية التي ترجع كل شيء لله، وتجعل العلم أداة لمعرفة قدرة الله وفعله في الكون، نقلوه مجردا عن العقيدة.

** يرى بجلاء أن الأرض اليوم أحوج ما تكون للإسلام وهي في ظل تنازعات الشيوعية من جهة الاتحاد السوفيتي، والرأسمالية من جهة أمريكا، تماما كما احتاجت الأرض لنور الإسلام أيام مجيئ رسول الله صلى الله عليه وسلم في ظل القوتين العظمتين الرومانية والساسانية.
 
** نقطة دقيقة جدا يذكرها الكاتب هنا، وهو الذي ربي وشب في ظل الحضارة الغربية وتقلب بين المعتقدات، حتى وصل للإسلام واعتنقه عن اقتناع وحب، تلك هي أن القرآن الكريم يعلمنا أن نرى في الأحداث وفيما يجري على الأرض مشيئة الله تعالى، وآية من آيات وجود قوة تسيّر الطبيعة وتسيّرنا، وفعلا لتلك السلطة العلوية.

** أما عن حاجة الغرب للإسلام، فهي ماسة وأكيدة، لتتغير نظرته للحياة، وليعرف لها معنى، وليعرف التفريق بين الوسيلة والغاية، وليجعل غايته من البحث في آيات الله ف يالكون تحقيق مشيئة الله  تعالى في الأرض، ، وحتى لا تبقى الغاية من العلم والتقدم العلمي السيطرة، ومنافسة الإنسان للإنسان إلى درجة عبادة الغلبة والسيطرة، وليتعلم ألا يفصل بين العقيدة والسياسة والاقتصاد والاجتماع، وأن السلطة العلوية قائدة ومسيّرة في الكل .

**وأن الملكية المطلقة والحقيقة في الإسلام هي لله، وليس لأحد غيره، ليس كما قرره منظّرو المسيحية المشوهة من أن لويس الرابع عشر كان الموكل عن الله في الأرض.

**يشير المفكر أن استمرار فعل هذه الحضارة وسيرها في هذه الطريق قد يُودي بنتاج ثلاثة ملايين سنة بشرية.

** يرى أن الحرية في الإسلام أن نفتش عن غاية الله من خلق هذه الحياة، ونسعى لتحقيقها، كما يؤكد على خاصية الإيمان بالغيب والتي يصفها بأنها تبدأ حيث ينتهي  العقل البشري.

**   ثم يأخذ مجتمع المدينة المنورة كنموذج ومثال لالتقاء الإنسانية تحت ظل الرعاية الإلهيّة والحاكمية لله تعالى، وليس أن ما كان يجمعهم عرق، أو مصالح، أو حزب، بل لقد كانت مفتوحة للإنسانية جمعاء.

ويمكن أن أقتبس له هذه الفقرة ليتبين رأيه من أن الإسلام بذاته وقوته كفيل بحل مشاكل البشرية دونما حاجة لدمجه أو مزجه بأي نظام غيره :

"ومن الممكن استنادا إلى الوحي القرآني، أن نجد في الطريق الصحيح للإسلام حلولا للمشاكل التي تفرضها الحياة اليوم دون  أن نمزج ذلك بتقليد النماذج الأمريكية والسوفييتية أو أن نخلط بين الاتجاه نحو العصرية مع الاتجاه نحو الغرب"


 
العنوان: رد: من وحي كتاب(هل هو عصر الجنون"-مصطفى محمود-)
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2014-11-17, 09:20:58
من وحي كتاب "هل هو عصر الجنون"  لمصطفى محمود

كنت قد قرأت للكاتب رحمه الله قبل هذا الوقت بقليل حوالي أربعة كتب، يُلمح في اثنين منها بسهولة النزعة الصوفية للكاتب، والتي لم أكن أتصور أن تكون في الدكتور مصطفى محمود باعتباره باحثا في مجال العلوم.

وكذلك في هذا الكتاب الأخير شيء منها، ولكن موضوع الكتاب يستحق الطرق، "هل هو عصر الجنون"، وقد ذكر فيه الكاتب مظاهر عديدة لـ"جنون" هذا العصر الذي نعيشه، بل تشعر وأنت تقرأه أنه ينقّي قلبك من شوك كثير، ويُبرد شيئا من حرّ نار تضطرم داخلك من متناقضات هذا العصر الذي كتب لنا أن نعيشه.

ربما كانت بدايات الكتاب، ومقدمته -تحت عنوان "لحظة حب"- صوفيّة، وفيها من الاستشهاد ببعض شطحات الصوفيّين، ولكن النظرة العامة للكتاب تغيّر الحكم عليه. في هذه المقدّمة يتحدّث عن تجلّي الله تعالى على مخلوقاته، وفيها إغراق لا يُستساغ على أنه التعبير عن الوَجد والحب !! وأعيب على الكاتب الابتداء بمثل هذا، وإن كان يأتي في نهاية الكتاب ليعلن رفضه لشطحاتهم !!

ودعونا نلج باب الكتاب، بولوجنا موضوعه  emo (30):

يبدأ ب"حينما تكون أحبك معناها أكرهك
"

يبدأ مصطفى محمود رحمه الله بذكر مظاهر من جنون هذا العصر، وما جنونه إلا من جنون الإنسان الذي يعيشه ويجسّد مظاهره...
يبدأ بالحديث عن كلمة "أحبك" وكيف تتقلب، ويتقلب معناها من إنسان لآخر، فمن ينتحر لأنه أحب، ومن يقتلها لأنه أحبها، ومن يموت غيرة، ويدمّر حياته ويهدمها لأنه يحبها، ومن تصوّف فمن فرط حبه رأى الله في وجوه الأطفال، وفي جمال الورد ! ومن أحب المرأة لجمالها، وقال أحبها، ومن أحبها لتعينه على الجريمة، ومن أحب "تمثيلها" فقال أنه أحبّها، وكل صاحب ملّة أحب المرأة على ملّته ....ولهذا تعدّدت معاني الكلمة بتعدد أنفاس الخلائق ! فتزوج الرسام "الموديل"، وتزوج المدير السكرتيرة، وتزوج الملحن المطربة، وتزوج المخرج الممثلة .......

وأقصر حب ما كان لهدف اللحظة .



تعدد الزوجات العصري


لأن المرأة هى الرحم و هي أصل الشجرة التى تحفظ الانساب فقد كرمها الله بالوحدانية فى الحب و الزواج فالمرأة السويه لا تختار للحب و الزواج إلا واحدا، وهي إن كانت من أهل الفطرة السليمة فهي تكره التعدد وتكره أن يطأها أكثر من رجل.........أما الرجل فلأنه واضع البذرة و فى سنه الله العمار و الاثمار و الاخصاب فقد خلق الله فيه ميلا الى التعدد ليستطيع ان يبذر فى اكثر من حقل ليعطى أكثر من محصول


يصف الكاتب تبدّل الرجل، إذ رجل اليوم ليس هو رجل ذلك الزمان، ولا امرأة اليوم هي امرأة ذلك الزمان، حيث كان طبيعيا أن يكون للرجل أكثر من زوجة، ويصف امرأة اليوم بالتسلط وبالتقوّي على رجلها، حتى ليبدو أمامها المحكوم عليه، وحتى ليكره أن يفكر مجرد التفكير في تكرار خطأ حياته أن يتزوج ثانية... emo (30):

-وكما يعبر - فالرجل اليوم يكتفي بواحدة ويشبع رغبته بالتعدد بأن يتخذ له مع الواحدة "ثلاثة تلفونات" ! وحتى التلفونات لن تسلم مع امرأة تبحث في شاردته وواردته، ثم يذكر شيئا من جنون امرأة العصر، وانقلاب الحال كل الانقلاب، فتصبح هي صاحبة الهوى ! فالمرأة الثرية المتسلطة بثرائها تجعل زوجها يقبل أن يكون لها شاعر معجب، وزميل عمل، ومستشار مشاكل ...ووو، وإن لم يقبل الزوج فالباب مفتوح أمامه ...!

ويجد الكاتب عذرا للمرأة وهي تتسلط وقد أصبحت زيادة على الولادة، والأمومة والرضاع، تعمل خارج البيت، وتنفق، وتسدّد الديون، فماذا بقي لهذا الرجل إلا ذكورته، والتي يصلح لها أي ذكر غيره !!!

وإننا لنرى هذا في حياتنا رأي العين، ونتبرم منه، ونكرهه، ولكنه ينتشر انتشار النار في الهشيم، والرجل منهم قد بات يبحث عن امرأة عاملة وهو القاعد، تكفيه عناء العمل والإنفاق !

وتغيّر نبض الأسرة، وانقلب حالها، وأصبح الطلاق الشبح الذي يكثر الزيارات، وكلها مظاهر للتأخر الإنساني الذي قابل التقدم التكنولوجي !!!

وهنا يحضرني كلام سيد قطب عن الحضارة وفعلها اليوم، حضارة لا تجعل الإنسان المقياس لكل شيء، بل تجعل الأشياء مقياسا له، فغيّبت إنسانيته وأخلاقه وروحانياته وأحلّت محلّها آلية ومادية لا تليق به، ولا تلائمه ...!!
ثم يذكر أمثلة من نساء حاكمات في العالم، فيذكر أنه يخطئ من يقول أن حكم المرأة ناعم، فالمرأة عنيدة، مثابرة في صوابها وفي خطئها، وطاقتها على الإصرار في الحالين أكبر من طاقة الرجال .

ولا نملك الآن نحن الرجال الضعفاء إلا النظر حولنا في إشفاق، وإلا الدعاء بالتوفيق للعصر الحديدي الجديد، عصر المرأة القوية ربة البيت والمصنع والمجتمع . ونسأل الله الستر واللطف


 emo (30):

النار كامنة في الحجر


تحت هذا العنوان يفصّل نوعا ما في نقطة "العادات"، وأن أخطر عدو للإنسان هذه العادات التي تصبح دما مع دمه الذي يسري بشرايينه، وأن أول ما يدعو إليه المربي على طريق الله الدعوة إلى مجاهدة الإنسان نفسه، وتخليصها من هذه العادات، وركوب شهواتها، رغم ما يصحب ذلك من ألم ومن تقطّع مع الألفة التي تكونت وتراكمت مع الأيام، وفي هذا ترويض للنفس وكبح لشهواتها ولجم لأهوائها، فالمعتاد إذا لم يجد ما اعتاد عليه طار عقله، وإن وجده فهو في بحث دائم متواصل عن التغيير والتبديل والتفنن في ألوانه، الخمر، المخدّر ، المرأة والهوى.....هو دائم القلق، دائم الجوع، أما الذين ابتعدوا بأنفسهم عن الخطوات الأولى فقد نأووا بأنفسهم عن التعوّد، عن هذا المرض العضال...

وهنا يحضرني تنبيه الله تعالى في كتابه العظيم خلقَه وتحذيرهم من "خطوات الشيطان"، لأنه سبحانه يضع الوقاية قبل العلاج، يحذّر من السقوط في الخطوة الأولى، لأن النفس مجبولة على التعود وإلف الخطأ والنظر إليه على أنه العادي، ومن تعوّد فقد غرق... وهو سبحانه ينأى بنا عن الغرق، فيحذرنا من أول خطوة ....
ولا أحب أن أمر دون أن أقتبس لكم هذه الفقرة الرائعة للكاتب، فتأملوها :

إن أقوي الشهوات يمكن أن تموت وتذبل بالترك..
إن النار كامنة في الحجر ولكنها لا تخرج من كمونها إلا بقدح الحجر بالحجر قدح الذكورة بالانوثة هو الذي يولد الشرر..
إبتعد ... واهجر ... واترك ... وغض بصرك
اضرب خيمتك فى فلاة .. فاذا اشتقت .. عض على بنانك .. واصرخ وابكى وانشد الشعر ,وخر على وجهك ساجدا,واطلب من ربك المدد واشتغل بالصلاة واعمل طول يومك فى عمل منتج مفيد .. والغاية تستحق ان تتعب من اجلها و تدمى القدم والبنان , فليس اشرف من الكمال الخلقى وقهر الهوي ورياضة النفس على الحكمة
فهل بدأت معركتك؟؟
ان لم تكن قد بدأت .. فشمر ساعديك , وابدأ من فورك قبل أن يعاجلك الأجل , فتموت حيـــــوانًا وتحشر مع الحيــــوان.


ثم يذكر كيف كان الأولون يجاهدون أنفسهم بفطمها عن الخبز والماء، وأما إنسان هذا العصر فهو يجاهدها ليفطمها عن "الجاتوه" والسجارة، واللذات المختلسة .

ونكمل لاحقا بإذن الله


العنوان: رد: من وحي كتابب(هل هو عصر الجنون"-مصطفى محمود-)
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2014-11-17, 10:33:35
من وحي كتاب "هل هو عصر الجنون"  لمصطفى محمود

هل هو عالم مجنون ؟


عالم حبوب منع الحمل، والقفز على كل الأخلاقيات، وفعل أي شيء باسم الحرية والتحرر، وتبدّل الأحلام ذاتها عن أحلام زمان، فمن حلمه أن يقتل رئيسا، فإذا سئل قال لأن العالم لا يسير كما يروق لي !
والإنسان لا يحدد المذهب سلوكه، بل إن طبعه هو الذي يحدد مذهبه. لفت انتباهي جدا هذا التعبير منه، وأراه حقيقة، فالإنسان الميّال للعنف وللإرهاب، سيتذرع لجرائمه وعنفه بمذهب يقول أن إيمانه به هو الذي يملي عليه أفعاله .
فالطبع الدموي الحاقد يختار المذهب الانقلابي، ماركسي مثلا، فيعطي ميوله معنى فلسفيا يغطي به على ميوله الإجرامية، ثم يستدل الكاتب على هذا بما يراه في العالم، والشيوعي يقتل الشيوعي، والماركسي يقتل الماركسي في فيتنام والصين، والمسلم يقتل المسلم . والبعثي يقتل البعثي .... كل هذا دليل واضح على أنهم كاذبون وهم يقولون باعتناقهم بمذاهب يؤمنون بمبادئها، بينما هم بعضهم أعداء بعض، وبينما هم يجعلون لميولاتهم تفسيرات فلسفية ....

ولهذا ما تكاد عصابة من هذه العصابات تنجح في قلب مظام الحكم  حتى تبدا في تصفية بعضها البعض وفي قتل قياداتها في شهوة تصفوية محمومة حتى لا يبقى على القمة الا سفاح هو اكثرهم دهاء وشراسة


انها خصائص عالم مادي وثني لا يؤمن الا باللحظة العاجلة وبما ينهب ويغنم


لقد مشى على القمر وانزل سفنا علي المريخ  وزرع الاجنة في قوارير ونقل قلوب الموتى إلى اجسام الاحياء وقضى علي امراض الجدري وشلل الاطفال والتيفوس وبنى ناطحات السحاب وخضر الصحاري وغزا الفضاء اذن كيف ينفق الوف الملايين كل يوم ليصنع القتابل وقذائف الدمار وغازات الموت ؟؟

ويتساءل عن هذا الجنون، وعن سر هذا التقلب، وهذا التناقض، وهذا الكذب المنتشر، وهل هو لغز؟، ويجيب أن الله تعالى جعل هذه النفس مذبذبة غير مستقرة، فأحيانا ترتقي لمصاف الملائكة، وأخرى تنحدر لدركات الشياطين، وأن الله أرسل أصفياءه وأنبياء بالرسالات هداة، فمن مشى على دربهم وانتهج في دنياه النهج الذي رسمه الله له فقد نجا، ومن أعرض فقد وقع في الوحل .

البواطن التي نجاهد في إخفائها هي حقائقنا وليس ما نلبس من ثياب وما نُدلي من تصريحات .
أنظر في باطنك .. وتفّكر .. وتأمّل .. وتعرّف ما تخفيه .. تعلم أين مكانك في الدنيا ..
وأين مكانك في الآخرة .


ثم يفصل أكثر ، ويضرب أمثلة على الجنون، فإذا الإنسان قد صيّر عقله في خدمة جنونه!!

لا يكفي أن يكون الواحد إسمه في البطاقة أحمد .. و أن يضع في العربة مصحفاً .. و أن يُعلِّق في عنقه سلسلة فيها لا إله إلّا الله .
فكل هذه اللافتات سوف تَشهد ضده يوم لا يُجدي إنساناً إلّا عمله .


ثم يتطرق للحديث عن التلفزيون وآثاره على الإنسان، هذا الجهاز الذي يرى الكاتب الجيد منه آسرا للإنسان، بينما يحرره الكتاب، يراه معتقلا اختياريا، يُذهب حياة المرء سُدى، ويقارن بين شباب أوروبا ذاتها، أجيال حاربت قديما وتصدت، وأجيال اليوم مرفهة ضعيفة قتل رجولتها الترف والرفاه . يتحدث عن توجيه هذا الجهاز للمفاهيم، وللمعتقدات، وللفكر ... وتحكّم الدول  في الناس من خلاله. وكمّ التحرر والخليعة والفساد الذي ينشره ...وتأثيره على أمزجة الناس، ونشره للجريمة في صفوفهم ...ثم يعمَد للحل فيقول:

يجب أن ينتصر كل منا في حربه مع نفسه أولاً ومن يخسر حربه مع نفسه يخسر في كل المياديين ولن ينجيه قانون أو نظام أو عصبة أمم فهو قد خذل جميع القوانين حينما وضع سلاحه واستسلم للهوى من أول معركة .فمن هناك لينصر الذي لم ينصر نفسه

الإنسان ذلك اللغز


يعدد تحت هذا العنوان كمّا من المتناقضات التي تصدر عن الإنسان، ذلك الحنون الذي يقيم الدنيا ولا يقعدها على قطة تُقتل، ثم يصنّع القنابل الذرية والهيدروجينية لنسف العالم، وقتل الناس بالملايين!!
وأقتبس من هذا فقرة معبرة له :

و الأقلية القليلة..
و ربما أقل من القليل.. هم أهل الكمال.. الأطهار في السر و العلن.. الأبرار يداً و قلباً و ضميراً.. أهل الثبات الذين لا يتغيرون و إن تغيرت حولهم الدنيا.. و لا يتبدلون و لو أغرتهم الغوايات و جاذبتهم المغريات.

الواحد منهم حضارة.
لو عثرت عليه في الأدغال و بين البدائيين فهو حضارة و هو قد سبق الذين مشوا على القمر.. فهو صاحب المشوار الأطول و الأشق فهو قاهر نفسه.. و هو مؤشر التقدم الحقيقي.. بين الكثرة الكثيرة التي تفعل ما لا تقول و تقول ما لا تفعل و هو الواحد الفرد المميز الذي له سحنة نفسية بين أغلبية غالبة هي على ما قلنا من الاضطراب.. ليس لها سحنة و لا وجه.. و إنما هي تتقلب مع الأحوال و الأوقات و المصالح و تتبدل مع اللحظات و تنتقل من النقيض إلى النقيض و من الموقف إلى ضدّه.

و هؤلاء هم أهل الهوى.
و أغلب الناس أهل الهوى.
و لا يقر لأهل الهوى قرار.
لأن الهوى لا يقر له قرار.

و هم مؤشر تخلف و إن لبسوا الحرير و تقنعوا بالشهادات و تفاخروا بالتكنولوجيا و الاختراعات.

فالسؤال بالنسبة للإنسان ليس ماذا جمع من مال، و لا ماذا حصّل من علم، و لا ماذا شيّد و لا ماذا اخترع.. و لكن ماذا صنع بنفسه أولا.. ذلك هو الإنجاز الأول.. و هو الأساس الذي سوف يبني عليه كل ما يأتي بعده..و هو الأساس الذي يكون به تقييم كل شيء.. و هو ما نسميه بالأخلاق.

يقول الله تعالى لمحمد عليه الصلاة و السلام في القرآن: ( و إنك لعلى خلق عظيم ). لم يقل له (( و إنك لعلى علم عظيم )).
 

ثم يعدد الكاتب شيئا من ظلمات أوروبا رغم تقدمها العلمي، وكيف أنهم أخطؤوا فهم الدنيا بظنهم أنها حلبة تسابق علمي فحسب، وأنها حلبة صراع على من الأقوى، كما أخطأ كثيرون منا فهم الدين، فزووه عن العلم وعن الدنيا، وكأنه منفصل عنها، فلم تُشفَ الأرض من أسقامها، ولو فهمنا ديننا فهما جيدا، لكنا أساتذة الدنيا نعلم الناس فيها كيف تعيش لله، وتحقق لله، وتنصر دين الله، ولا أن تعيش في الدنيا وللدنيا ....ثم يتساءل هل هو الوقت الذي تحتاج فيه أوروبا دواء الإسلام، وكيف العبور إليهم ؟

ثم تحت عنوان "دواء لكل داء" يفصّل فضل التعلق بالله تعالى، والاتصال به، وأن في ذلك الدواء لكل أدواء الإنسان،

ثم تحت عنوان "خطيئة الصوفية الكبرى"

يتبرأ الرجل من شطحات الصوفية المنحرفة، ويذكر أمثلة على مغالاتهم الشديدة التي يندى لها الجبين، إيمانهم بالحلول والاتحاد، وقولهم برؤية الله في كل شيء، بل وقول بعضهم برؤيته -حاشا جلاله سبحانه- حتى في الباطل ومنها الدعوة إلى عدم محاربة الباطل !!!! وغيرها كثير من شطحاتهم الغريييييبة، بل ويحذر حتى من أمثال ابن عربي وتلاطم أفكاره كالأمواج التي لا تستقر، وذكر عددا من المغالين الذين وصل بهم تجرؤهم على ذات الله للكفر والإلحاد وتأليه أنفسهم.مثل الحلاج الصوفي .

أما آخر عنوان له فلا أحب أن أتركه ولا أقتبسه، وكلماته رائعة تلامس شغاف القلوب :

مسرح العرائس


أشعر بالندم يا إلهي حتى نخاع العظم من أني ذكرت سواك بالأمس و هتفت بغير اسمك و طافت بخاطري كلمات غير كلماتك.
سمحت لنفسي أن أكون مرآة للسراب و مستعمرة للأشباح.
جهلت مقامي و نزلت عن رتبتي و ترجلت عن فرسي الأصيلة لأركب توافه الأمور و لأمشي مع السوقة و أزحف على بطني مع دود الأرض.

خدعني شيطاني و استدرجني إلى مسرح العرائس الذي يديره و إلى تماثيل الطين و الزجاج و الحلي المزيفة.
استدرجني إلى بيوت القماش و قصور الورق و قدمني إلى ناس يبتسمون للمصلحة و يحبون للشهوة و يقتلون للطمع و يتزاوجون للتآمر..
رجال وجوههم ملساء مدهونة و نظراتهم خائنة و لمساتهم ثعبانية و نساء تغطيهن المساحيق فلا تبدو ألوانهن الحقيقية بشرتهن مشدوة و وجوههن مكوية و خطواتهن حربائية و أيديهن تتسلل إلى القلوب يسرقن كل شيء حتى الحقائق.

عالم جذاب كذاب يضوع بالعطور و يبرق بالكلمات.. عالم لزج معسول تغوص فيه الأرجل كما يغوص النمل في العسل حتى يختنق بحلاوته و يموت بلزوجته.
و الأصوات في هذا العالم كلها هامسة مبللة بالشهوة تتسلل إلى ما تحت الجلد و تخترق الضمائر و تأكل الإيمان من الجذور.

تذكرتك يارب و أنا أمشي في هذا العالم فشعرت بالغربة و الانفصال و لم أجد أحدا أكلمه و يكلمني و أفهمه و يفهمني.. نبذوني كلهم و رفضوني كما نبذتهم و رفضتهم.. و أحسست بنفسي وحيدا غريبا مطرودا.. ملقى على رصيف أبكي كطفل يتيم بلا أم.
و سمعت في قلبي صراخا يناديك.
كانت كل خلية في بدني تتوب و تئوب و ترجع و سمعتك تقول في حنان.. لبيك عبدي..
و رأيت يدك التي ليس كمثلها شيء تلتقطني و تخرجني من نفسي إلى نفسك.
و اختفى ديكور القماش و الورق و ذاب مسرح الخدع الضوئية.
و عاد اللا شيء إلى اللا شيء.

و عدت أنا إليك.
لا إله إلا أنت.
سبحانك
و لا موجود سواك
القرب منك يضيف.
و البعد عنك يسلب.
لأنك وحدك الإيجاب المطلق.
و كل ما سواك سلب مطلق.

علمت ذلك بالمكابدة و أدركته بالمعاناة و عرفته بالدم و العرق و الدموع و مشوار الخطايا و الذنوب و أنا أقع في الحفر و أتعثر في الفخاخ.. و كلما وقعت في حفرة شعرت بيدك تخرجني بلطف و كلما أطبق عليّ فخ رأيتك تفتح لي سبيلا للنجاة.. و كلما وضعوني في الأغلال و أحكموا عليّ الوثاق شعرت بك في الوحدة و الظلمة تفك عني أغلالي و تربت على كتفي في حنان و إلهامك يهمس في خاطري.. أما كفاك ما عانيت يا عبدي.
أما اتعظت.. أما اعتبرت.. أما جاء اليوم الذي تثبت فيه قدمك و تستقر خطاك على الطريق.

فأقول باكيا.
سبحانك يارب و هل هناك تثبيت إلا بك و هل هناك تمكين إلا بإذنك.
أنت وحدك الذي أصلحت الصالحين و ثبت الثابتين و مكنت أهل التمكين.
تعطي لحكمة و تمنع لحكمة و لا تسأل عما تفعل.
شفيعي إليك صدقي.
و عذري إليك حبي للحق.
و ذريعتي إلى عفوك رغبتي في الخير.
فمن خطيئاتي نبتت الحكمة كما تنمو أزهار الياسمين من الأرض السبخة.
و من دموع ندمي علمت الناس فصدقوني حينما كلمتهم لأنهم رأوا كلماتي مغموسة بدمي و من عثراتي و سقطاتي أضأت مصباحا هاديا يجنب الناس العثرات.
و كل من عبر طريقي قلت له كلمة صدق و دللته على السلامة.

ربنا ما أتيت الذنوب جرأة مني عليك و لا تطاولا على أمرك و إنما ضعفا و قصورا حينما غلبني ترابي و غلبتني طينتي و غشيتني ظلمتي.
إنما أتيت ما سبق في علمك و ما سطرته في كتابك و ما قضى به عدلك.

رب لا أشكو و لكن أرجو.
أرجو رحمتك التي وسعت كل شيء أن تسعني.
أنت الذي وسع كرسيك السماوات و الأرض.




العنوان: رد: من وحي كتاب(البوصلة القرآنية-أحمد خيري العمري-)
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2014-11-25, 08:21:18
من وحي كتاب "البوصلة القرآنية" للدكتور أحمد خيري العمري

هو كاتب عراقي المولد، طبيب أسنان في الأصل، مفكر، مذهبه هو التجديد، والدعوة لقراءة جديدة في القرآن، قراءة عقليّة يربط بها القارئ بين الأسباب والمسببات، ويُسقط بها على واقعه، ولا يُكتفى بالقراءة التي يريد بها الأجر على الحروف، والدعوة لتجديد الفقه الإسلامي، بل يرى الضرورة فوق الملحّة لتجديد الفقه، ويحمل في نفسه الشيء الكثير على ما يسميه "المؤسسة التقليدية"، والتي يعني بها كتابات الفقه الإسلامي والفكر الإسلامي في عصور الانحطاط والتي تبلورت فيها رؤية تأثرت بالظروف السياسية والاجتماعية المحيطة، وجعلت من الرؤية الإسلامية رؤية متقوقعة، منكمشة، لا تقبل التجديد، والرأي الآخر كما يصف هو.

في الحقيقة كانت لي ملاحظات على الأخ الكاتب، وأنا أتابع صفحته على الفيسبوك، ولكنني لم أحبّ الحكم عليه، وعلى فكره، من قبل شيء من الاطلاع على كتاباته، وعلى ما يتمحور حوله فكرُه، فاقتنيت ، مجموعة كتب له، وهي من أهم كتبه، وشرعت بقراءة أولها "البوصلة القرآنية"، وحاولت جاهدة أن أجرّد نظرتي من أي رأي مسبق على الكاتب، وكلما هممت، بكتابة شيء أو رأي، أو نقد لما أقرأ في كتابه، تراجعت، ورأيت مواصلة القراءة لتكوين نظرة منصفة قدر ما يسع نفسي الضعيفة .

كتابه هذا ضخم، يقع في 464 صفحة. استغرق مني وقتا منذ بدأته، وحتى هذه الساعة أنا مع الصفحة 299 منه.

سأحاول إجمالا ذكر أهم ما تطرق له الكاتب، ولو أنّ بُنيته التحتيّة، ومرتَكزَه ومنطلقه ظاهر، بل شديد الظهور والبروز في كل الكتاب.

المحتوى فيه تجديد، فيه جديد، فيه غير معتاد، فيه ما قد يثير الكثيرين، وما قد يُحدث ردات فعل مختلفة حسب توجّهات القارئ، ورؤيته، مجهود واضح، غضب عارم، محاولة منه لترشيد هذا الغضب، وللموازنة رغم صيحات هي أشبه بصيحات المختنق، الذي يريد الفِكاك من يد خانقه ...!

أرضية الدكتور العمري هي الضجر والملل والضج بما يسميه "المؤسسة التقليدية"، يوضّح أن ما يعنيه ب"المؤسسة التقليدية" الدينية ليس ما يشبه سيطرة الكنيسة على الناس في عصر من العصور الأوروبية، فهي ليست مؤسسة بالمعنى الحسي، بل هي رؤية انتقلت من كتب العلماء إلى أفكار الناس، وعليها نشأ العقل والفكر المسلم، هي متوارثة ومستوطنة في العقول من أثر الدعوة لها، والتربية عليها، وهذا ما يعنيه بتأثيرها. الكتاب ثورة على هذه المؤسسة، وهو يقدّم أنّ فكره ليس بالفكر التجديدي التغريبي الذي يدعو للمس بالأصول الدينية واللهو بها، والميل بالعقول نحو التغريب، بل هو التجديد المعقول اللازم والضروري للمجتمع المسلم في عصرنا والذي ينتقد بشدّة رفض المؤسسة التقليدية له، بل ووصم صاحبه أيا كان بالأوصاف التي قد تصل إلى إخراجه من الدين، وتتهمه بالكفر، لا لشيء إلا لأنه حاول أن يخرج عن إطار رسمته، وعن خطوط حدّدتها لا تخرج عنها.

يقول أن تاريخ بداية هذا الانحطاط في الفكر الإسلامي، وفي التقعيد للفقه الإسلامي كان مع القرون التي بدأت فيها الحضارة الإسلامية في الضعف، والأفول، وأصبح للظروف السياسية التي اتسمت بالانحطاط والسيطرة على عقول الناس تأثير كبير، صنعت به لنفسها فقهاء وعلماء خدموها أكثر مما خدموا الإسلام، فقعّدوا لما يرضيها ويرضي تعطشها الدائم للبقاء في القمة.... كما يؤكد على سلامة أفكار ورؤية مَن قبلهم في القرون الأولى للحضارة الإسلامية التي شهدت أوج ازدهارها فيها، ولا ينكر جهود بعض العلماء في التصدّي للتقوقع الذي عمل له الكثيرون، من أمثال ابن تيمية الذي يصف كتاباته بالعقلانية، ولا يفوتني أن أذكر تبرؤه من الخوض في شخوص العلماء، وأنه لا يدخل في نواياهم، بل هو ينتقد الفكر على اعتبار ألا معصوم إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن عاداه يؤخذ عليه ويُرد.

سأحاول في هذه الرحلة مع ما جاء في كتابه، أن أورد رؤيته، ثم أورِد تحفظي أو رأيي أو انتقادي لبعض ما فيها، وتبقى رؤيتي شخصية، لا ألزم أحدا بها . والله المستعان .


العنوان: رد: من وحي كتاب(البوصلة القرآنية-أحمد خيري العمري-)
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2014-11-26, 10:54:48
من وحي كتاب "البوصلة القرآنية" لأحمد خيري العمري

يَعرض الكاتب لأول عنصر في كتابه وهو التساؤل، يقول أن القرآن بدأ بطرح التساؤلات، وهو ما يبدو غريبا على دين، ذلك أن التساؤلات منهج الفلسفة كا تعود الناس، ولكنّ ذلك -كما يعبّر الكاتب- ينسجم مع نظرة تقليدية للدين لا تتفق مع الطبيعة التأريخية للإسلام، تتفق مع أديان سواء كانت سماوية أو غيرها ركزت على جانب روحي واستهدفت راحة معينة لأتباعها سواء في الدنيا أو في الآخرة، أما الإسلام فهو حركة حضارة عميقة، استطاعت أن تهز أركان التاريخ الإسلامي، وأن نظرة النوم المطمئن الهادئ لا يمكن أن تنسجم مع الإسلام ومع القرآن، الإسلام كان ثورة الحيوية والنشاط في العقل الإنساني على أداء ترنيمة النوم...

كل هذا جميل وحقيقي، إلى أن يتطرق بعدها إلى "إبراهيم أبو الأنبياء وأبو التساؤلات"

على أن القرآن قد اتخذ التساؤل الإبراهيمي نموذجا عريقا ومدخلا لعقول من أخذ القرآن بقوة من شباب مكة، ذلك التساؤل الإبراهيمي، ويسمي ليلة التساؤل والتي وردت أحداثها في سورة الأنعام المكية النزول "ليلة أشرق فيها العقل"
وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَاماً آلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ(74) وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ(75) فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَباً قَالَ هَـذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لا أُحِبُّ الآفِلِينَ(76) فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغاً قَالَ هَـذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي لأكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ(77) فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَـذَا رَبِّي هَـذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ(78) إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفاً وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ(79) -الأنعام-

يصفه أنه الحوار الذي كان في عمق الوعي الإنساني والتجربة البشرية بأسرها، ويصف هذا الحوار أيضا أنه مثل نضوج العقل الإنساني ومحاولته فك أسرار الخليقة اعتمادا على العقل، وأنه يمثل الحيرة والشك الموجودَيْن أمام الحياة والموت والوجود ككل، وأنه محاولة الاعتماد على العقل للخروج من هذه الحيرة، وهذا الشك .

هكذا يرى الكاتب التساؤل الإبراهيمي، ولي على هذا تعليق، ورأي، حيث أنّ التساؤل الإبرايهيمي لا يلزمني التسليم بكونه تساؤل شك أوصل إلى اليقين، وليس عليّ أن أسلّم بحجج الكاتب هنا، حتى إنه يقول عن "وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَاء إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ(83"-الأنعام- أن الحجة هنا هي "العقل" يقول أنه عقل إبراهيم المنفرد  السابق على نزول الوحي.

الحجّة حتى لغةً لن تكون بشكل من الأشكال "العقل" وإنما هي الدليل والبرهان، هي الدعوى، هي الذريعة، هي البرهان الذي غلب به إبراهيم قومَه، ولم يغلب به نفسَه... الكاتب ضدّ القول بأن إبراهيم عليه السلام هنا كان مناظرا، بل يقول أنه كان ناظرا، أي شاكا، متسائلا، باحثا....

بينما إبراهيم الذي أوتي رشده من قبل هنا مجارٍ لقومه عبدة الكواكب، مُسمِعهم حجّته، وهو ينتقل معهم من حال إلى حال، ينتقل معهم عقليا، يستنهض عقولهم هُم، يحركها، يعطيهم الحجّة، البرهان على ضلال ما هم عليه، لقد قال لأبيه آزر قبل هذه الليلة، قبل قصتها : "وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَاماً آلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ(74)" ....

وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :"نحنُ أحقُّ بالشكِّ من إبراهيمَ إذ قال : { رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي } . "-البخاري- أي أنه صلى الله عليه وسلم لم يشكّ، وإبراهيم عليه السلام أحق ألا يشك. فهل نريد أن نلوي عنق هذا الحديث الواضح ليّا يوصلنا إلى ما نريد أن نفهم نحن لا إلى ما يريد الحديث إيصاله من معنى ؟

لقد نفى الحديث الشكّ عن إبراهيم، وأولى بنا نحن أن نفهم هذا المعنى، وبالتالي فإن فهمنا أن إبراهيم لم يشكّ معزّز بشهادة رسول الله صلى الله عليه وسلم، أما الكاتب فهو يقول أن معنى الحديث، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يثبت الشك لإبراهيم بهذا ولا ينفيه، ويقول أنه بهذا الحديث يعلن أحقية المسلمين بهذا الشك، هذا الشك الإيجابي، التساؤل الذي يقود إلى الإيمان، وأن المسلمين ورثة إبراهيم الذي بدأ إيمانه من التساؤل في المكرّسات التقليدية، وأن المسلمين أحقّ بهذا الميراث من غيرهم .

فمعنى هذا أن أفهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو للشك !!! الرسول صلى الله عليه وسلم يدعو للشك! هل يستقيم هذا في أي عقل؟ هل يحث صلى الله عليه وسلم على الشك، أم أنه جاء ليذهب حيرة الشاكّين ؟ هل يكون دور رسالة الإسلام زرع الشكوك وسط الناس على اختلاف أنفسهم، وعلى تفاوت القوة والضعف في التلقي ؟ فلنتأمل فإن الحديث ورد فيه بالتحديد لفظ "الشك"، ولم يرد فيه حتى لفظ "السؤال" ليقبل على الأقل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو للسؤال ...بل لقد جاء في الحديث لفظ "الشك" تحديدا حتى يُذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كل متسائل عن حال إبراهيم عليه السلام عند سؤاله والذي قد يراه شاكا وهو يسأل، يُذهب عنه أنه شكّ، إنه جاء لينفي عنه الشك، لا ليثبته ويكرّسه، وليدعو أمته إليه وإلى توارثه .....

هذا  أمر غريب حقا لا يتسق ولا يستقيم وِفق هذا المعنى الذي أعطاه الكاتب لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، المعنى الذي يتفق وما يريد من أن إبراهيم عليه السلام كان مفتتح التساؤلات، ومفتتح عمل العقل البشري والإنساني، للخروج من ربقة الموروثات والتقليديات ....!
وأحب أن أورد هنا كلاما لأختي هادية حول هذه النقطة :

سخريته من تفسير قوله النبي صلى الله عليه وسلم (نحن أولى بالشك من إبراهيم) لا مبرر لها.. فعلا التفسير ان النبي لم يشك ولم يشرك وكذلك ابراهيم... لماذا لا يعجبه هذا؟ وهل كون الشريعة اباحت التساؤل، والله تعالى جعل التعقل والتفكر والبحث هو وسيلة الايمان، يعني انه لا بد ان يمر الجميع أولاً بمرحلة الشرك بما في ذلك الانبياء؟!!

ثم يربط تفسير المفسرين لمناظرة إبراهيم عليه السلام بالمراحل التاريخية، فيورد عددا منها، ويربط تاريخ كل مفسر، ومرحلته بما يقدم من تفسير، فيرى أن من فسر  ذلك بالنظر كان في فترة قوية من التاريخ الإسلامي تعرف للخطاب القرآني معناه الأصيل، وتعرف دور العقل في القرآن، وأن من فسرها بالمناظرة إنما كان في الفترة التي بدأت فيها الحضارة الإسلامية في الانحطاط والأفول، وفي سيطرة عوامل سياسية جعلت عددا من علماء الأمة مؤسسين لما يسميه "المؤسسة التقليدية" وهي التي تبعد المسلم عن حقل السؤال وإعمال العقل وتملي عليه الجمود ....

العنوان: رد: من وحي كتاب(البوصلة القرآنية-أحمد خيري العمري-)
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2014-11-27, 11:06:36
من وحي كتاب "البوصلة القرآنية" لأحمد خيري العمري.

مازلت لم أنهِ الكتاب بعد، فهو من 464صفحة، وأنا على وشك إنهائه إن شاء الله، حتى الآن أنا مع ص391 .

سأحاول الرجوع إلى الفصول السابقة الأولى في عرضنا هذا...
يستمر الكاتب مع موضوع السؤال والتساؤل، فيذكر أن القرآن مليئ بأسلوب السؤال والتساؤل، وهو قد جاء يكسر في الجاهليّ حاجزا كبيرا بالسؤال، فيضعه أمام سؤال يوم البعث، وهو الذي ينكره ولا يعترف به، فترتبط عقيدة البعث والحساب بالتساؤل، سؤال الله تعالى للإنسان عما قدّم وفعل في حياته الدنيا، سؤال يجعل عقيدة البعث والحساب لا تقتصر على الدافع والحافز في التكوين التربوي للإنسان، بل تتعدى إلى غرس عقيدة البعث والحساب بطريقة تجعل التساؤل ينمو داخل الفرد بطريقة ذاتية، فيصير التساؤل جزءا من تكوينه النفسي والتربوي.

هكذا هي رؤيته لدور السؤال في حياة الفرد المؤمن.
ثم يستطرد في موضوع السؤال، فيذكر أن الله تعالى في الخطاب القرآني، يأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بسؤال العدو" سَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَمْ آتَيْنَاهُم مِّنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ وَمَن يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللّهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُ فَإِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ(211)"-البقرة-

ويراه بهذا انفتاحا على الآخر،وأن السؤال هنا يصبح ميزة للسائل أكثر من المسؤول، لأن الإنسان عندما يستطيع أن يسأل حتى عدوه، فإن السؤال يكون قد تجذر في عمق النفس.

ثم يتقدم في موضوع السؤال ليقول أن الخطاب القرآني وهو يضع الإنسان أمام ضروب السؤال، يوجه خطابه في أحيان كثيرة، ويقدم المعرفة عن طريق السؤال من مثل قوله تعالى : "أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ(17)وَإِلَى السَّمَاء كَيْفَ رُفِعَتْ(18) وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ(19) وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ(20)"-الغاشية-

أو قوله تعالى : "أَفَرَأَيْتُم مَّا تُمْنُونَ(58) أَأَنتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ(59) "-الواقعة-

يقول الكاتب أن القرآن يكسر الرتابة التي يعيشها الإنسان، يكسرها من باب شيء قد ألفه ويعرفه معرفة التعوّد، ولكنه لا يتأمله، فيدعوه لتأمله....
في الحقيقة هنا لديّ تعليق على ما أورده، فهو يقول أن هذا النوع من السؤال تتعرض له -ما يسميها هو ولا أسميها أنا كذلك- "المؤسسة التقليدية" على أنه السؤال الاستنكاري، أو سؤال للتبكيت مستخدمة في ذلك كل الصيغ الممكنة من اللغة العربية لشرح صنف هذا السؤال، وشرح معناه، هو يضع رؤيته وفي الحقيقة لا أرى فيها أي جدّة، وهي أنّ هذه الأسئلة جاءت لتلفت انتباه الإنسان إلى تأمّل ما تعوّده ضمن أطر تجعله وكأنه هو الفاعل فيها، لتكسر له هذا لااعتقاد على أنه محاصر، فليس هو الذي يحقق بل الله تعالى، هذا إجمالا ما يعنيه في نظرته والتي يرى أنها تصدم نظرة المؤسسة التقليدية، أتساءل أنا بالمقابل وهو يدعو للسؤال ويدعو لمحاربة رافضي السؤال : أية صدمة هي هذه؟ أي جديد فيما أورد الكاتب ؟ ألم تطلعنا المؤسسة التقليدية -التي يسميها ولا ينفك يهاجمها- على هذا وأكثر منه، وأعمق ؟ هل اكتفت المؤسسة التقليدية بالجانب اللغوي دون الجانب المعنوي للخطاب القرآني؟!
 
غريب هذا المنطق عند الكاتب حقا ... بل إنك إذا طالعت التفسير الذي يورد بإسهاب عن الجانب اللغوي في التركيبات القرآنية، وجدتَ المعاني المُلفتة، المستنهضة للعقل الإنساني، التي تُبكِت لا من جانب التبكيت اللغوي وتكتفي، وإن كان معنى السؤال الاستفهامي والسؤال التقريري وسؤال التبكيت، كلها دلالات معنوية، وليست دلالات جامدة لا تدخل في صلب معاني الخطاب.

تأملوا معي تفسير ابن عاشور "التحرير والتنوير" لقوله تعالى : "أَفَرَأَيْتُم مَّا تُمْنُونَ(58) أَأَنتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ(59) "-الواقعة-  وهو التفسير الذي يُعرف فيه التطرق بإسهاب للجانب اللغوي :

أفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ (58(تفريع على { نحن خلقناكم } [ الواقعة : 57 ] ، أي خلقناكم الخلقَ الذي لم تَروه ولكنكم توقنون بأنا خلقناكم فتدبروا في خلق النسل لتعلموا أن إعادة الخلق تشبه ابتداء الخلق . وذكرت كائنات خمسة مختلفة الأحوال متحدة المآل إذ في كلها تكوين لموجود مما كان عدماً ، وفي جميعها حصول وجود متدرّج إلى أن تتقوم بها الحياة وابتدىء بإيجاد النسل من ماء ميت ، ولعله مادة الحياة بنسلكم في الأرحام من النطف تكويناً مسبوقاً بالعدم . والاستفهام للتقرير بتعيين خالق الجنين من النطفة إذ لا يسعهم إلا أن يقرّوا بأن الله خالق النسل من النطفة وذلك يستلزم قدرته على ما هو من نوع إعادة الخلق .


وإذا طالعنا تفاسير القُدامى لهذه الآيات وجدناها تزخر بالمعاني، وبالتنبيهات، وباستنهاض العقل لمعرفة عظيم ما بين يديه في قوله تعالى "فَلَا يَنظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ(17)"، لنطالع تفسير القرطبي مثلا:

قال المفسرون : لما ذكر الله عز وجل أمر أهل الدارين , تعجب الكفار من ذلك , فكذبوا وأنكروا فذكرهم الله صنعته وقدرته وأنه قادر على كل شيء , كما خلق الحيوانات والسماء والأرض . ثم ذكر الإبل أولا ; لأنها كثيرة في العرب , ولم يروا الفيلة , فنبههم جل ثناؤه على عظيم من خلقه قد ذلله للصغير , يقوده وينيخه وينهضه ويحمل عليه الثقيل من الحمل وهو بارك , فينهض بثقيل حمله , وليس ذلك في شيء من الحيوان غيره . فأراهم عظيما من خلقه , مسخرا لصغير من خلقه يدلهم بذلك على توحيده وعظيم قدرته . وعن بعض الحكماء : أنه حدث عن البعير وبديع خلقه , وقد نشأ في بلاد لا إبل فيها ففكر ثم قال : يوشك أن تكون طوال الأعناق . وحين أراد بها أن تكون سفائن البر , صبرها على احتمال العطش حتى إن إظماءها ليرتفع إلى العشر فصاعدا , وجعلها ترعى كل شيء نابت في البراري والمفاوز , مما لا يرعاه سائر البهائم . وقيل : لما ذكر السرر المرفوعة قالوا : كيف نصعدها ؟ فأنزل الله هذه الآية , وبين أن الإبل تبرك حتى يحمل عليها ثم تقوم فكذلك تلك السرر تتطامن ثم ترتفع . قال معناه قتادة ومقاتل وغيرهما . وقيل : الإبل هنا القطع العظيمة من السحاب قاله المبرد . قال الثعلبي : وقيل في الإبل هنا : السحاب , ولم أجد لذلك أصلا في كتب الأئمة .

وإنه لا يتسع الأمر هنا لوضع مقتطفات من تفاسير قديمة مختلفة، كلها فيها النفع والإفادة، والتنبيه والإلفات إلى عظيم خلق الله تعالى، وإلى أنّ القرآن قد كسر في عقل العربي الجاهليّ حاجز التعوّد ليدعوه للتأمل، للتأمل فيما تعود عليه خاصة، واستخدمه وكان جزءا من تكوينه وتركيبه، وفي الحقيقة لا يخلو الأمر من الفوائد المركبة أن أجد الشرح اللغوي الذي يعزّز المعنى، ولا يكون حائلا دون التنبيه والمعايشة، واستنهاض العقل بل بالعكس يكون عاملا من عوامل تقوية كل هذا، مع الشرح المعنوي...

وهكذا لا أتفق مع الكاتب في كون ما جاء به جديدا، أو يصدم المؤسسة التقليدية (والتي يعني بها علماء الأمة إجمالا وما قدموه من تفاسير للقرآن الكريم خاصة معاصري القرن السادس الهجري وما بعده)التي قصر مجهودها وعملها على الجانب اللغوي دون الجوانب الاستنهاضية لعمل العقل الإنساني، وتأمّله في ما بين يديه، ليكون على يقين أن الفاعل هو الله سبحانه، وأنه مسخّر كل ذلك للإنسان.
العنوان: رد: من وحي كتاب(البوصلة القرآنية-أحمد خيري العمري-)
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2014-11-27, 14:14:17
من وحي كتاب "البوصلة القرآنية" لأحمد خيري العمري.

يعرّف الكاتب الآن "المؤسسة التقليدية" التي يريد بتسميته فيقول:

لكن ما المقصود بالمؤسسة الدينية التقليدية؟ ونحن نعلم جميعا أن لا "إكليروس" في الإسلام، ولا وساطة بين الله وعباده ؟
ليست المؤسسة الدينية التقليدية  إكليروسا طبقيا هرمي الشكل كما في المؤسسات التابعة لبقية الأديان، ولكنها مؤسسة فكر شعبي سائد في المجتمع، ولا تتعلق المؤسسة بأشخاص العلماء أو المشايخ إطلاقا، بل بالفكر المتداول الذي يساهمون أحيانا في تكريسه.

فكر المؤسسة الدينية التقليدية الذي نعني إذن، هو الفكر الذي ساد وانتشر وتعايش مع عصور الانحطاط، وليس الفكر الإسلامي القرآني الأصيل الذي كان أساسا للنهضة الإسلامية في عورها الأولى.

إنه الفكر المفتاحيّ الذي جيّر النصوص الدينية لصالح التعايش مع واقع يجب تغييره وإصلاحه وليس التأقلم معه.

إنها تسكن المكتبات والمجلدات والمدالارس الدينية والمعاهد والأكاديميات التقليدية، لكن الأخطر من هذا أنها تسكن الأعراف والعادات والتقاليد، تسكن عقول الملايين وبصائرهم، وتفرض عليهم رؤية أحادية-سلبية غالبا- للإسلام والقرآن، وكل خروج عن هذه الرؤية هو خروج عن الدين-في رأيها- بدعة، ضلالة، محدثة، في النار دائما.

يقول ما معناه أنها بكل هذه التوليفة من الأدوات بالوعاظ والخطباء والكتب والمكتبات والكتّاب، تشكل جزءا أساسيا من العقل الجمعي المسلم.

وهو يعلن أكثر من مرة أنه لا يعني بما يعني الشخوص متمثلين في العلماء، بل يعني الفكر المتوارث والذي كيّف في عصر ما والحاجات السياسية والاجتماعية بطريق السيطرة واستغلال النصوص للصالح السياسي .

ويبين حرب هذه المؤسسة التقليدية للسؤال، الذي تراه بمثابة القنبلة النووية، وهي تعي أن نشأتها كمؤسسة رسمية تدعمها السلطات لم يتكرس إلا عبر قمع التساؤلات أو قتلها نهائيا.

ويرى بالتالي أن أول ما فعلته هو غضها النظر عن التساؤل الإبراهيمي الذي عرضنا لرأيه فيه في هذا الرابط :
http://www.ayamnal7lwa.net/forum/index.php?topic=6306.msg111644#msg111644

يقول أنها تعرضت أول ما تعرضت للتساؤل الإبراهيمي، فجعلته مناظرة لا نظرا، ذلك الشك الذي أوصل للطمأنينة.

تعليق شخصي على تصدّي المؤسسة التقليدية للتساؤل الإبراهيمي


إذن دعونا نتجرّد، ولا نكيل للكاتب التّهم، ودعونا ننصف ونؤكد على أنه أورد تبرؤه من مهاجمة الشخوص، بل هو يهاجم فكرا تراكميا بدأ من عصور الانحطاط ليلائم ظروفا سياسية بعينها(وعصر الانحطاط حسب الكاتب يبدأ والصحابة على قيد الحياة !!!! فماذا عرف المسلمون من ازدهار؟!!)

إننا إذن أمام عصابة يسميها الكاتب "المؤسسة التقليدية" هذه التي بدأت أول ما بدأت ضمن استراتيجيتها في صدّ التساؤل وتكميم أفواه السائلين الترسيخ لكون التساؤل الإبراهيمي مناظرة لا نظر.
لو توغّلنا قليلا لرأينا أن الكاتب يرى المفاهيم مبنية على الظروف السياسية، وهي نظرة تشبه من زاوية ما اقتصار ماركس في تفسير التاريخ على الناحية الاقتصادية، كذلك هذا الكاتب هنا يُقصر تفسير تاريخ الأمة بأكمله على الدور السياسي، وعلى السلطة السياسية التي صنعت المفاهيم، بل هي قبل أن تصنع المفاهيم والعقل الجمعي كما يسميه، قد طوّعت له نصوصا دينية مجتزأة من سياقها جعلتها على مقاسها السياسي، وعلى مقاس حاجاتها.

ثم ينقل أمثلة من ثلاثة تفاسير لحقب تاريخية إسلامية مختلفة، كلها عن تفسير آيات سورة الأنعام التي فيها التساؤل الإبراهيمي :"وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَاماً آلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ(74) وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ(75) فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَباً قَالَ هَـذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لا أُحِبُّ الآفِلِينَ(76) فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغاً قَالَ هَـذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي لأكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ(77)" -الأنعام-.

يورد واحدا للطبري الذي كان بين القرنين الثالث والرابع الهجري، وابن كثير الذي عاصر القرن الثامن للهجرة، والقرطبي من القرن السابع الهجري . على أنّ الطبري وهو الأقرب للقرون الأولى للهجرة، أورد أن في الخبر إمكانية أن يكون إبراهيم عليه السلام  ناظرا، بينما القرطبي وابن كثير، ولأنهما من القرون البعيدة (قرون الانحطاط والتجريم المكرّس للسؤال) قد أورداه على أنه المناظرة.

الطبري وإن ذكر أن الأمر نظر لا مناظرة، فهو لم يقدح بمن رأى غير رأيه، بل لقد أورد غير رأيه مع رأيه، وابن كثير والقرطبي وإن قالا بأنها المناظرة، لم يسلّا سيوفا قاطعة تقضي بأن من قال غير هذا فقد كفر. ! فأين الحَجْر، والمنع، وتحريم السؤال والتكريس لتجريم السؤال في هذا؟ وأحدهما قد استند لقوله تعالى : "وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِن قَبْلُ وَكُنَّا بِه عَالِمِينَ(51)"-الأنبياء-، فكيف يجوز أن يكون إبراهيم ناظرا وِفق هذا، والآخر يرى أن قوله من باب الاستفهام لا من باب الإخبار أنه ربه .

أحببت أن أورد مثال التساؤل الإبراهيمي في موقف الكاتب من المؤسسة التقليدية، إذ من خلاله تبيّنت لي مبالغته في الترصّد للمفسّرين، وهو يقسمهم بين من عاصر القرون الأولى ومن عاصر القرون التي تلتْها، ويقعد لهم كل مرصد فيما يورِدون، على أنه كله موروث الاجتزاء للنصوص، وموروث تكميم الأفواه وتحريم السؤال .... ولا يستطيع أن يلزمني بنظرته هذه التي أرى فيها الإجحاف الكبير .

فهو يرى أن سبب انحطاط المسلمين هو هذه المؤسسة التقليدية المتأثرة بالظروف السياسية التي وجدت لها من يخدمها بالنصوص الدينية عن طريق التوظيف والاجتزاء، أعيد أن هذا يشبه تمحور الماركسية حول الاقتصاد، والكاتب يُمحور رؤيته حول السياسة ويجعلها العامل الأساسي في انحطاط الأمة. نسأل أين باقي الأسباب؟ أين تفلّت أنفسنا؟ أين ضعفنا؟ أين تولّينا عن أمر الله وركوننا للدنيا ؟ أين الفرقة؟ أين المعصية؟ .......أين كل هذا وغيره كثير؟ أم أصبحنا أبرياء قد فُعل بنا، وقد غُرِس فينا، وإنما نحن ضحايا هذه المؤسسة التي هي من صناعة ظروف سياسية في حقبة تاريخية متقدمة جدا في التاريخ الإسلامي كما يراها الكاتب ويسميها "لحظة معاوية"  (40هـ) !!!





العنوان: رد: من وحي كتاب(البوصلة القرآنية-أحمد خيري العمري-)
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2014-12-07, 11:48:54
من وحي كتاب "البوصلة القرآنية" لأحمد خيري العمري.

أنهيت الكتاب منذ أيام بفضل الله تعالى...وقد وجدت نفسي مع هذا الكتاب في كل طور منه بحال، فتارة أملّ اللهجة التهجميّة التي تسوده، وأرى  الكاتب مبالغا، وأنه كان أجدى أن يضع جديده دون كثير هجوم على ما يسميه "المؤسسة التقليدية"، وأمضي قُدُما مع الكتاب، فأجده يسبر غورا، ويقول حقا لا أتسطيع أن أصيّره باطلا أو أن آخذه بجريرة الملل الذي أصابني من كثرة تهجّمه، الذي أسفر عن تعالٍ وتسفيه لجهد الغير رغم أنه يعيد ويكرر أنه لا يقصد الأشخاص، ولكنه يقصد ما نجم عن استغلال النصوص الدينية في ظروف سياسية طوّعت تلك النصوص لها ولأغراضها ... أجده يسلط الضوء على كثير من الصحيح. وتارة أخرى أجد فيه تفكيرا عميقا، ولمسا قريبا لأوجاع في الأمة لا نملك إنكارها...

حتى خلُصت إلى أن هذا الكتاب ليس بالسيئ كله، وليس بالحسن كله، وربما نبرة الكاتب الغاضبة أبدا فيه شكّلت عاملا من عوامل الصدود عنه من الكثيرين الذين ربما كان أجدى أن تُمرّر لهم الفكرة الجديدة  الهُوينى...

حيّدتُ عن حكمي الملل من تهجّمه، ومواجهته الصارخة القوية للمؤسسة التقليدية، وحاولت ألا أجعله حائلا دون رؤية الحسن في هذا الكتاب، ودون التأمل في ما أورده من حقائق... فوجدتُني أهدأ وأتريّث، وأقرأ من زوايا أخرى، ولا أنجرف خلف نقد يجرّني لرؤية الحسن سيّئا يأخذ في سياق واحد كل نقطة من نقاطه ...

نعم... الكاتب أعلنها ثورة ومواجهة قوية لما أسماه "المؤسسة التقليدية"، منطلقا من أنّه لا يعني بها تحديدا كتب العلماء، بل يعني بها ما رسخ في أخلاد المسلمين من رؤية ضيّقة غير متكاملة الأطراف، غير شمولية المقصد للخطاب القرآني، يُرجع ذلك كله إلى ما سماه "لحظة معاوية"، من تاريخ توريث معاوية بن أبي سفيان لابنه يزيد، وما كان من استغلال النصوص الدينية وتجزئتها من سياقها لتخدم الأغراض السياسية... ربما له ما له في هذه النقطة وعليه ما عليه، ولكن هناك طرف من الحقيقة فيما أورد.... ونحن نعرف في عصرنا امتدادا لهذا الأمر، امتدادا لاستغلال النصوص الدينية واجتزائها ليقضي بها السياسيون مآربهم، نعرف علماء السلطان، ونعرف كيف صنع السلطان علماءه ليخدموه ...

نعرف من هذا الكثير، نعرف فتاوى الأهواء السياسية والسلطانية، ونعرف مدى تأثير ذلك على المجريات العامة لأحداث الأمة قاطبة ...

نعم هو يُرجع سبب انحطاطنا الأساسي والرئيس لمثل هذا، ولا يمكن أن نحصر السبب فيه حقيقةً، فانحطاكنا وما نحن فيه من وَهَن يرجع لأسباب كثيرة لا لسبب واحد دون آخر ... تفرّقنا، تفتّح زهرة الحياة الدنيا علينا، عيشنا للدنيا بعيدا عن القرآن لا عيشنا في الدنيا بروح قرآننا، اتخاذنا الكتاب مهجورا من روحه وفعله وحركته في حياتنا .... كلها متلاحمة، لا واحدا دون آخر ...

الكاتب يفصّل في موضوع غياب الفقه المقاصدي، وغياب تطبيقه، وتعوّد الاجتزاء، ويدعو بحرقة إلى إيلاء الاهتمام الأكبر بالنظرة المقاصدية الشمولية للقرآن، ويرى قصورا كبيرا ف يهذا الجانب أدى إلى حياة مجتزأة ليس فيها روح القرآن بالنظرة الشمولية التي تراعي الجوانب كلها، يأتي في آخر فصل من كتابه على سورة الكهف مثالا، ويتأملها وينتقل من قصة فيها إلى أخرى انتقال متأمل متعمق، لم أجد حرجا فيما رآه فيها، وما قرأه من أعماقها، بل صراحة قد أعجبتني قراءته العميقة لها، فهو ينتقل من 1-قصة أهل الكهف على أنهم الفتية الذين يمثلون الشباب الذي احتضن فكرته ومشروعه النهضوي داخل كهف على أنها المرحلة الأولى من تحقيق المشروع، المرحلة الجنينية، والتي فيها يُحرس الجنين ولا يُسرع به إلى الضوء وإلى العلن، حتى تحين الفرصة المواتية.

2-ثم تأتي قصة صاحب الجنتين، وفيها رمزية الرجولة، وقد نضج صاحب الفكرة، وقد أصبح قادرا بل مُلزما بالمواجهة، وتحديد الثوابت، ساعة حاور من بدأ بحواره، وحدد ثوابته، وكان حاسما في رده أنّ ما قاله صاحبه (صاحب الجنتين) كُفر بالذي خلقه وسواه رجلا .... فيسميها الكاتب مرحلة تحديد الثوابت في الفكرة، والصدع بتلك الثوابت في المشروع، في النهضة المرتقبة، حتى لا تكون نهضة مستوردة، نهضة بفكر الغير، بمنطلقات الغير، بل هي بمنطلقاته، بمنطلقات إسلامية إيمانية ربانية ثابتة لا يميّعها التغريب، ولا تُهدهدها "الأسلمة"....

3- ثم مرحلة موسى عليه السلام والعبد الصالح، وما فيها من روح الرؤية المقاصدية والقراءة المقاصدية الشاملة العميقة، بما كان بينهما، ما كان يراه موسى عليه السلام من ظاهر الأمر، وما رآه العبد الصالح من حقيقة الأمر.

3-ثم تأتي مرحلة النهوض والعمل، مرحلة ذي القرنين، مرحلة خروج آسي الأرض، طبيب الأرض للأرض كلها دون تمييز، عالمية الرسالة، جدواها ونفعها للأرض كلها، حضارة إسلامية نقيّة لا تلغي الحضارات الأخرى، ولا ترمي بها، ولكنها تعلم أن عوامل أفولها ترفُها وبعدها عن الأسس السليمة، تعالجها هي بما عندها من دواء.... وتعلن موعد ميلاد الحضارة الأم، الحضارة المنقذة، حضارة الإسلام، حضارة رجل وازن بين العلم والإيمان، بين القوة وما أوتي من أسباب كل شيء وبين الإيمان والصلاح...

وهكذا يرى الكاتب أن سورة الكهف ونحن نقرأها كل أسبوع تتعهّد احتضان تلك الفكرة، وأوان إعلان ثوابتها، ثم أوان إعلان عملها في الأرض... في كل أسبوع لتتجدد في نفوسنا فكرة النهوض، النهوض بديننا، ولديننا، ولإنقاذ الأرض العليلة ....
هكذا هي رؤيته لهذه السورة، والتي لا أرى حرجا فيها، والقرآن العظيم بحرزاخر كلما غصنا في أعماقه تراءى لنا ما لم نره.... في كل مرة يتراءى لنا فيه الجديد....

أراني ملزمة بإنصاف الرجل، رغم ثورته، ورغم أنني لم أكن الوحيدة التي استشفت نبرة متعالية في كتابته، إنصافه من باب أنه يجتهد، ومع استشعار صدق وحرقة وقوة خاصة في أواخر الكتاب، وهو يؤكد على ضرورة النهضة بنظرة شمولية مقاصدية تعطي للخطاب القرآني مداه الذي ضُيّق في كثير من الأحيان، وعوملت النصوص كمُنْجيات لأصحاب السلطان، فوظفوها توظيفا مجتزءا ....
هذه رؤيته، وهو حرّ فيها، ولا حجر على رأيه، مادام لم يأتِ على الأصول ولا على المعتقد، بل يريد نهضة متجددة بالقرآن، بروح القرآن، بشمولية القرآن ....وهو لا يدعو لا لتغريب ولا لتشريق، ولا لتمييع، ولا لانبهار بمنجزات الحضارات، بل يؤكد أنها حضارات بما لها فإن الذي عليها أكبر وأكثر

لقد لمست في نبرته اقتباسا من الروح "العمريّة"، لمحت ذلك، وأحسسته، وجعل إحساسي يتأكد شيئا فشيئا، مرة عندما قرأت له هذه المراحل التي يخطّها للنهضة الراشدة من سورة الكهف، ومرة أخرى، وأنا أجده يجيبني على تساؤلي الذي دام طويلا مع كل صفحات الكتاب "لماذا لا تعرض جديدك بمنأى عن القدح فيما قدّمه غيرك؟!" وجدته في آخر الكتاب يجيب بقبس من الروح العمريّة التي عرفت بحسمها وقوتها ومواجهتها، أنه لا بدّ من المواجهة، ومن الثورة-حتى وإن اختلفنا في نقاط وعارضنا نقاطا من طرحه- إلا أنه يشير إلى ضرورة خروجه ثائرا، مواجها لما أسماه "المؤسسة التقليدية"، والتي -وللأمانة- تبرّأ أكثر من مرة من أن يكون مهاجما لشخوص أصحابها ولنواياهم، بل لما خلّفت من آثار امتدّت إلى يومنا ....

نعم زاد إحساسي قوة أنما الرجل يتدثر بدثار عمريّ، ربما جعله خطّته في المواجهة، وفي الخروج بجديده .... حتى فتحت كتابه الآخر لأقرأه "استرداد عمر من السيرة إلى المسيرة" ليتأكد لي بما أورد في مقدمته أنه الذي يعشق الفاروق حتى النخاع، وأنه الذي يرى وقتنا أحوج ما يكون لعمريّة عملية حاسمة، مواجهة ربما هو ينتهجها أسلوبا أعجب من أعجبه أو أسخط من أسخطه  emo (30):

عموما أجدني في حال مصالحة مع فكر الكاتب حتى وإن عارضته في نقاط أوردها، ولكنه يبقى بمنأى عن تصنيفه ناعقا بنداء خواء، بل أراه عميقا، متأملا، مستندا فيما يطرح إلى القرآن، وإلى اليقين بخصوصية حضارتنا، وبضرورة العمل على إعادتها ضمن إطار هذه الخصوصية لا الاقتباس أو الترقيع أوالأسلمة، أراه مفكرا نهضويا، حضاريا، يتقاطع حقا مع مالك بن نبي في بعض الخطوط وهو يرى بمنظار حضاري المشاكل المحيطة بالأمة....

وإني -حتى الآن ولا نعلم ما قد يستجد  emo (30):-  أجد متعة مع كتابه الجديد "استرداد عمر"


 

العنوان: رد: من وحي كتاب(استرداد عمر-أحمد خيري العمري-)
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2014-12-10, 13:55:49
من وحي كتاب"استرداد عمر(من السيرة إلى المسيرة)" د.أحمد خيري العُمري.


هذه الأيام أطالع كتاب "استرداد عمر من السيرة إلى المسيرة" للكات أحمد خيري العمري، صاحب البوصلة القرآنية كتابنا السابق، بعدما عقدتُ مصالحة مع فكر الكاتب، وأعلنت منصفة أنّ معارضتي لبعض ما أتاه لا تحول دون رؤية الحسن والعميق في الكثير الذي قدمه.

كنت قد اقتنيت له أربع كتب، هي "البوصلة القرآنية" و"استرداد عمر" و"سيرة خليفة قادم" و"طوفان محمد"، فاخترت أن يكون الثاني قراءةً "استرداد عمر"
ربما لأنّني أعشق قراءة كل ما له علاقة بالفاروق رضي الله عنه وأرضاه، وأجد تعلّقا كبيرا بأخباره، وهو الذي أشعر أنّنا أحوج ما نكون إلى شخصيته، إلى حسمه في الحق، قوته فيه، إلى عدله، إلى تقواه، كلها صفات قلّما تجتمع في إنسان، فإما أن تجد قويا بمقاييس القوة التي تلغي العدالة والإنسانية، وإما أن تجد تقيا يرى في معنى التقوى "المشي جنب الحيطة" والاكتفاء بالنفس لا يتعدى لغيرها....

وكنت قد أشرت في مداخلتي السابقة أنني لمست في أسلوب الكاتب اقتباسا من الروح العمريّة في قوة ومواجهة صنّف بها متعاليا، ناظرا في جَنب نفسه، مقلّلا من شأن غيره، وكأني به يتعمّدها غير مبال بمن سخط، أو انتقد، يريد أن يكرّس لـ"استرداد عمر"، استرداده في الإيمان بقضيتنا، بما نعمل، وبما نقدّم، يريد أن يرسّخها أسلوبا مباشرا قويا بلا حاجة لدغدغة مشاعر، ولا لاستدرار حبّ عبر اللين والهدهدة، وكأني به يرى مع ما الأمة فيه، أنه لم يعد بدّ من المواجهة، وفتح لملفات لطالما أسدل دونها ستار جعل يزداد سمكا على سمك عبر الأزمنة، حتى غمّيت الرؤية عنا، ولم نعد نرى إلا في إطار الاستسلام للواقع، أو الحزن على المآل، أو القول من غير عمل....

وفتحت كتاب "استرداد عمر"، فإذا الكاتب يفتتحه بكلمات حب عظيمة، تُنبي أنها الضعيفة أمام الوصف الحقيقي لمقدار ما يجلّ الفاروق، ويحبّه...
يقول عنه فيما يقول: "كان عمر نقطة ضعفي، نقطة ضعفي التي تجعلني أحاول أن أستكشف نققاط قوتي، دوما كان عمر معي، بطريقة أو بأخرى، كنت أخبئه مثل صديق سرّي".

زيادة عن كون عمر جزء من كينونة الكاتب، إذ أنّ أسرته تعود جذورها إلى عاصم بن عمر بن الخطاب، فهي الأسرة العُمريّة، يقول أنه اختار عمر بالذات دونا عن غيره لأنه يراه المدخل إلى ما يجب أن نصل إليه من ناحية الفهم العمريّ للقرآن، وللسنّة النبوية، الذي يجب أن نصل له هو النهضة، الحضارة العادلة على قيم وأسس الإسلام، العالم كما يجب أن يكون، والذي يوصلنا للآخرة كما نشتهي، وما سنقوم به في الدنيا هو ما سيحدّد موقعنا في الآخرة.

يقول أننا في هذه المرحلة نحتاج فهما مثل فهم عمر للقرآن والسنة، عمر كصانع للحضارة، بل كصانع لأعظم حضارة: "وِلْ ديورانت مفكّر أمريكي، كتب قصة الحضارة في أحد عشر مجلدا، أكثر من عشرة آلاف صفحة، وأكثر من أربعة ملايين كلمة، عمر اختصر كل ذلك بحياته هو. قدّم قصة الحضارة بتنقلاتها ومراحلها المعددة، قدمها على نحو عملي، فكانت حياته هي الطبعة العملية من قصة الحضارة، بنسختها الإسلامية المشرقة".

ثم يَعرض الكاتب لتساؤل مهم، وهو كيف يُرفع البناء الحضاري على يد عمر، ولا يتم في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم؟

يقول لو أن هذه الحضارة ارتفعت على يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وبوجوده الشخصي، لكنا تصورنا جميعا أنها أشبه بالمعجزة، وبالتالي لا يمكن مواصلة بنائها، أو إعادة بنائها، أو استلهامها، ولكن أن تتحقق على يد عمر الذي كان جزءا من معجزة الإسلام المستمرة، عمر الذي تفاعل مع القرآن فتغيّر جذريا، ففي ذلك رسالة كبيرة لكل واحد منا، فما حدث لعمر، يمكن أن يحدث لمن بعده عبر الأزمنة في هذه الأمة، مادام القرآن موجودا، فيمكن أن يحدث تفاعلنا مع القرآن استلهام تلك النهضة العمريّة، واسترداد تلك السمقات الإسلامية .


العنوان: رد: من وحي كتاب(استرداد عمر-أحمد خيري العمري-)
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2014-12-16, 08:23:16
من وحي كتاب"استرداد عمر(من السيرة إلى المسيرة)" د.أحمد خيري العُمري.

وهكذا فأحمد خيري العمري، يمضي في هذا الكتاب، مركزا على الفهم العمريّ للقرآن الكريم، يستلهم منه للحضارة المنشودة، ولكن لماذا عمر بالذات ؟

تحت عنوان ربيع عمر الآخر يسوق العمريّ شيئا من قصة إسلام عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فإذا الذي كان عازما على قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقطع الدروب لتلك الغاية، يبلّغه الله مقتل أحد غيره، نعم لقد قتل عمر "الجديد" بإسلامه عمر "القديم"، عمر الذي دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعزّ الإسلام بأحد العُمرين، فكان هو أحدهما ....

عمر الذي مكّن المسلمين من الصلاة عند الكعبة ظاهرين بعد إسلامه، عمر الذي كان عزّا للإسلام ...
فيعود الكاتب هنا ليضع نظّارته الحضارية، فيربط بين العزّة والحضارة، إذ العزة بطريقة ما هي مظهر من مظاهر الحضارة، فهي غلبة، وهي عكش الذلّ.

وهي لا تعني فقط التفوق العسكري، بل تعني التفوق في كل مجال من مجالات الحياة، في العلم، في العدل، في السلوك، في الأدب، في الاقتراب من القيم المؤسِّسة لهذه الحضارة، من حجرها الأساس وعدم الانحراف عنها، وكما يقول: "في أن تكون نموذجا جاذبا يجعل الناس يعتنقون حجرها الأساس وقيمها حتى دون أن يشعروا بذلك"

عمر لم يسلم وحسب، بل لقد كان إسلامه عزّا للإسلام

ثم تحت عنوان : عمر يختار قالبه

يفصّل الكاتب في قالب عمر، القالب الذي اختاره عمر بعد إسلامه، ليكون عمر العظيم ....
الكاتب هنا يؤكد عن عدم ورود شيء من عمر ، أو من غيره عن أنّ عمر اختار هذا القالب عن عمد، ولكنه يقول أن سيرته وكل ما في حياته يشي أن ذلك كان قالبه... إنه يتحدث عن نزول سورة "ص" تزامنا مع إسلام عمر رضي الله عنه، ذلك أن قريشا لما أسلم عمر، وشقّ عليها إسلامه، ذهبت تساوم رسول الله صلى الله عليه وسلم عبر أبي طالب، تطلب منه أن يقضي بينهم وبينه، فيجيب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم لو قالوا لا إله إلا الله لدان لهم بها العرب، وملكوا بها العجم، ثم أنزل فيهم الله تعالى  آيات من سورة "ص"...
ثم وبدءا من الآية 17 من سورة ص، يذكر المولى عزّ وجلّ أحد أنبيائه، ويأتي بأوصافه وميزاته، وهي متزامنة مع إسلام عمر بن الخطاب، وابن الخطاب ساعتها أشد ما يكون حرصا -كما بقيت عادته مع كل القرآن لاحقا- على تلقف الوحي، وتأمله، وتدبّره والعيش في حنايا معانيه ومراميه....

" اصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ(17) إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْرَاقِ(18) وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَّهُ أَوَّابٌ(19) وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ(20) وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ(21) إِذْ دَخَلُوا عَلَى دَاوُودَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قَالُوا لَا تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ فَاحْكُم بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلَا تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاء الصِّرَاطِ(22) إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ(23) قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ وَإِنَّ كَثِيراً مِّنْ الْخُلَطَاء لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَّا هُمْ وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعاً وَأَنَابَ(24) فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِندَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ(25) يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ(26)
"-ص-

إنه سيدنا داوود ذا الأيد، الأواب...
وهكذا في هذا القالب وضع عمر نفسه، قالب ذي الأيد العادل،صانع الحضارة ....
وفي هذا الشأن يشاء الله تعالى أن يجعل لي فيها قصة يوم أمس تحديدا، وأنا حديثة عهد بقراءة أسطر "العمري" عن قالب عمر، وقد كتبت في هذه القصة التالي:
----------
زارتني بمكتبتي صديقتي يوم أمس، وأخبرتني عن وقوفها عند قوله تعالى "واذكر عبدنا داوود ذا الأيد إنه أواب".
أخبرتني بوقوفها عند "ذا الأيد" ... سيدنا داوود بالذات عليه السلام ... لقد كان ذا الأيد ...
ألسنا جميعا ذوي أيد ؟! فما نبأ هذه الأيدي لسيدنا داوود عليه السلام، إنه يتصف بها "ذا الأيد"
وسرحتْ في أيدي سيدنا داوود عليه السلام .... إنه الذي ألان له الله الحديد، لقد كان عاملا، وهو الذي كان ملكا، وهو الذي كان قاضيا عادلا، وهو الذي أوتي الحكمة، وفصل الخطاب ...
وهو الذي كان له من الذرية سليمان عليه السلام، فكان له في تربيته وتنشئته أيد وأيد ....
وقالت فيما قالت عن "أيد" سيدنا داوود عليه السلام قوله تعالى : "لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ(78)" فلقد كان من أياديه أن ذكر الله تعالى شهادته فيهم، لعنه إياهم... لعنه لمن كفروا من بني إسرائيل، فهو ذو الأيدي، صاحب الثوابت، صاحب "لا إله إلا الله"
لقد كان "ذا الأيد" .... سيدنا داوود عليه السلام، لان الحديد بين يديه، فصنع بالحديد...صنع بيديه، وعمل، ومع عمله كان داعيا لله، كان أوابا، كان ثابتا، لقد حقق المعادلة .... تلك المعادلة التي لا تزدهي الأرض بحق إلا بها ....
أن تتحقق على الأرض حضارة على ثوابت، على توحيد، حضارة عقل يعلم أن الأرض وما فيها قد سخّرت للإنسان، ليصنع، ليعمل، ليتحرك، ليستخدم هذا العقل، ولكن على ثوابت، على أسس من معرفة الله، على أسس إسلامية إيمانية ثابتة راسخة .... حضارة تجمع العقل والروح كلا في خدمة "لا إله إلا الله"....
نعم لقد كان سيدنا داوود عليه السلام ذا أيد.... كان عاملا، وكان مؤمنا، كان داعيا للإيمان ....كان الاثنين معا .... كان صانع حضارة...
هكذا جعلنا نأخذ ونعطي عن أيدي سيدنا داوود عليه السلام .... فلم نكتفِ بالمساحة التي تجمعني وإياها من الأرض ساعتها، بل جعلنا نلتفت يمينا وشمالا إلى مَن حولنا، إلى حالنا... إلى أناس يرون في الدين مظهرا من تقصير أو لحية أو صلاة وذكر، وكأن غير هذا ليس من الدين .... يرون في الدين "شعائر" ولا يكلّفون العقل فيهم بحثا أو تبحرا في علوم الدنيا، وكأنما ذلك ليس لنا، بل لهم وحدهم، لأصحاب التكنولوجيا والعلوم، وقد تعودنا أن نبقى فقط مستهلكين، فقط مستهلكين .....
ثم التفتنا لحضارة الغرب، فإذا هي بنيان، وقفزات، ونفوذ من أقطار السماوات والأرض، ومظاهر أقرب للسحر والخيال .... ولكنها على أسس هشة، على أسس تأليه العقل، وتأليه المادة، وتأليه القوة والقوي ....
نعم سيدنا داوود عليه السلام، كان ذا أيد كان صانع حضارة الأيدي، الأيدي العاملة، والأيدي الداعية.... وكذلك كان قارون ذا أيد ... فجمع بين الأسباب وتوحيد رب الأسباب ....
واستحضرتُ في حديثنا الذي شاء الله أن يكون عن "ذي الأيدي الأواب" حديث العمري في كتابه "استرداد عمر" عن قالب عمر، القالب الذي وضع عمر فيه نفسه، قالب "داوود ذا الأيد إنه أواب" فكان هو أيضا صانع حضارة لم تتحقق على الأرض حضارة مثلها، حضارة "لا إله إلا الله" بأيد عاملة، بنّاءة، متحركة، بعقل عامل ....
وبينما نحن كذلك إذ بداخلة من باب المكتبة تلقي السلام، ثم تسأل عن شيء تريد اقتناءه لابن أختها "داوود"   emo (30):...  فتبسمت صديقتي، وتبسمتُ ونظرت كلتانا للأخرى وقد دخل من يردد اسم "داوود" بالذات ....  emo (30):
العنوان: رد: من وحي كتاب(استرداد عمر من اليرة إلى المسيرة-أحمد خيري العمري-)
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2014-12-17, 10:15:52
من وحي كتاب"استرداد عمر(من السيرة إلى المسيرة)" د.أحمد خيري العُمري.

نواصل مع "استرداد عمر"
هذا الكتاب لا يقدّم سيرة عمر بالطريقة التي ألفناها، بل يقدّمها على أنها السيرة التي نريد أن تصبح مسيرة لنا، كما يدل العنوان، الكات بين الموقف والموقف من سيرته العظيمة يتوجّه للقارئ بالسؤال، بالإسقاط، يستحثّه على الاستلهام، وعلى الاعتبار، وعلى العبّ من نور سيرته، وعلى الاقتباس منها

وتحت عنوان "مفتاح عمر الإيجابية" يعرض للفهم العمريّ للقرآن، القرآن الذي جعل من عمر "عمر"، القرآن الذي صنعه.
عمر كان مثالا حيا للعمل، للحركة، لم يكن يكتفي بالقول، بل كان يعلم بالعمل، كان يرسّخ أن القرآن عمل، هو الذي وقف خطيبا بالجابية فقال: "تعلّموا القرآن تُعرفوا به، واعملوا به تكونوا من أهله"

هو الذي قال في قصة بني إسرائيل: "إن بني إسرائيل قد مضوا، وإنكم أنتم تُعنَون بهذا الحديث"

القصد منها أن تتجنّب أنت المؤمن منزلقاتهم، وسلوكهم، عندما يحدّث عن البقرة التي ماطلوا أيما مماطلة في ذبحها، إنما يعني الله سبحانه، أن نتعلّم عدم التلهّي بالتفاصيل الصغيرة التي نشغل بها أنفسنا عن المقصد الأساسي ...
هذه إيجابية عمر ...
إيجابية عمر أيضا في فهمه لقوله تعالى "سَيُهْزَمُ الجَمْعُ وَيُوَلُّونََ الدُّبُر"، نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فتساءل عمر أيّ جمع هذا؟ حتى جاءت بدر، وقالها رسول الله صلى الله عليه وسلم، لم يعدّها عمر مجرّد آية، بل عدّها حقيقة ستحصل، وستكون، حتى جاء موعدها في المدينة بعد الهجرة، وكانت قد نزلت في مكة .

ولم يتوقف عمر عن استحضار الآية مرة تلو أخرى، هكذا هو فهمه للقرآن، "سَيُهْزَمُ الجَمْعُ وَيُوَلُّونََ الدُّبُر" جعلها حافزا له ودافعا، وعرف أنها ستتحقق في كل مرة استوفى المسلمون فيها الشروط، وهكذا  حاله حينما أصبح خليفة، هزِمت في عهده جموع وجموع، وولّت الدّبر، في القادسية، في اليرموك. يقول الكاتب في هذا :
"نفهم أنه يأخذ الآيات معه إلى المستقبل...يجعل الآيات محرّكا يقوده إلى هذا المستقبل، ويساهم في صنعه، يجعل إيمانه بأن الجمع سيُهزم وسيلة لهزيمة هذا الجمع، وسيلة لجعله يولّي الدُّبُر."

ويضع الكاتب نظارته الحضارية ليرى أن عمر لم يَهْزِم الجموع في المجال العسكري وحسب، بل هزم الجموع في المواجهة الحضارية أيضا...

وإني لأرى هذا الأمر بالغ الدقّة، فالحضارة التي نعايش اليوم، حضارة الغرب، لا ننكر بأي شكل من الأشكال أنها حضارة تشييد وبناء وقفزات تكنولوجية رهيبة، ولكنّها حضارة تفتقر للإنسانية، الإنسانية التي جاء بها الإسلام على أصولها، حضارة ترتقي بالفرد وبالجماعة، حضارة ترتقي بالسلوك، وبالأفعال والتفاعلات ....
نظرتنا الانهزاميّة لأنفسنا -وقد اعتزلنا الحياة من الناحية العملية والعلمية-، جعلتنا نرى في الغرب آية من آيات الرقيّ في كل شيء...كل شيء...قبل قليل تابعت فيديو لفتاة أمريكية جعلت تمشي في شوارع أمريكا لخمس ساعات، فلم تسلم من تحرشات من كل شكل ولون، ثم جربت هذه الفتاة نفسها تمشي في تك الشواع ذاتها وهي تضع الخجاب الإسلامي، مشت لخمس ساعات فلم يتحرش بها أحد ....
ترى متى نكف عن القول أنهم "متحضرون" وأن المارة لا يهتم أحد منهم بالآخر ولا يقلق أحدهم الآخر، و أن هذا يحصل فقط عندنا !! متى حقا نكف عن انهزاميتنا والنظر إليهم على أنهم أصحاب الحضارة المتفوقون، أو ذلك القول الشائع الغريييييب لتصوير تحضرهم وتربيتهم العالية"ما تنقصهم إلا الشهادة"...!!! .

إنه عمر... عمر الداعي للعمل، كاره القعود .... عمر الإيجابي ...
عندما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "أبشروا وبشّروا من وراءكم  أنه من شهد أن لا إله إلا الله صادقا دخل الجنة"، فخرج من كان معه ليفعلوا، فاستقبلهم عمر، فرجع بهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: "من ردّكم؟" قالوا : عمر، قال: لمَ رددتَهم يا عمر؟ فقال عمر: إذا يتّكل الناس. فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم .

إنه الفاهم بدهاليز النفس البشرية، وأنه يجب أن يُتجنّب الفهم السلبي للبشارة...

وهكذا مضى عمر بإيجابيّته، فكان موقفه من تقسيم أرض السواد بالعراق، فكّر بمن سيأتي من بعدهم من المسلمين، فلم يقسمها غنيمة على الفاتحين، بل جعلها وقفا للمسلمين.
ثم يسأل الكاتب :هل سنسير على درب البناء، أم أننا نتّكل على هذا النص، ونتكلّف عند هذا النص، فقط لكي نبرر القعود
العنوان: رد: من وحي كتاب(استرداد عمرمن السيرة إلى المسيرة-أحمد خيري العمري-)
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2014-12-17, 14:24:23
من وحي كتاب"استرداد عمر(من السيرة إلى المسيرة)" د.أحمد خيري العُمري.

ثم وتحت عنوان "موسم الهجرة إلى الحضارة"
يسوق الكاتب قصة هجرة سيدنا عمر رضي الله عنه من مكة إلى المدينة، وهي القصة التي شاعت، وعرفت، وأن عمر فيها هاجر علانية دون كل المسلمين، بل حتى على خلاف إسرار رسول الله صلى الله عليه وسلم بهجرته وصاحبه أبي بكر الصديق ! استند إليها الكاتب، وتجدر الإشارة إلى أنها قصة لم تثبت في الصحيح، ولمن يريد التفصيل حول ضعفها هذا الرابط:
http://islamstory.com/ar/%D9%82%D8%B5%D8%A9-%D9%87%D8%AC%D8%B1%D8%A9-%D8%B9%D9%85%D8%B1-%D8%A8%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%AE%D8%B7%D8%A7%D8%A8

نتجاوز كل ما علّق به الكاتب على هذه القصة باعتبارها لم ترد في الصحيح، وهي ليست بذات أهمية ترفع من شأن الفاروق رضي الله عنه، وهو الذي كل حياته رفعة وسموّ وشجاعة وإقدام ....

 ولكن تجدر الإشارة إلى اختيار عمر رضي الله عنه التقويم الإسلامي بتاريخ الهجرة، لم يختره بتاريخ البعثة، ولا بتاريخ مولد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكنه اختار الهجرة تاريخا للتقويم لانه عرف وأيقن أنها المحك، أنها الفارقة، أنها مرحلة النزول إلى الواقع لتغييره مباشرة .
يقول الكاتب بالنظارة الحضارية : "لذلك اختار الهجرة لعهد جديد للإنسانية...كما لو كان يذكّرنا رضي الله عنه كلما استخدمنا التقويم، أي كل يوم أن الحضارة ومنجزاتها لا تكون إلا عبر هجرة ما...قد لا يشترط أن تكون هجرة من مكان وجودك،لكنها هجرة مستمرة نحو قيم يجب أن يقام عليها هذا المجتمع لكي يصبح أقوى، كي تثمر حضارته، كي تزدهر"

العنوان: رد: من وحي كتاب(استرداد عمر-أحمد خيري العمري-)
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2014-12-23, 13:37:32
من وحي كتاب"استرداد عمر(من السيرة إلى المسيرة)" د.أحمد خيري العُمري.

وإنه ليطيب لي أن أشتمّ العبير العمريّ في كل حين، يزيدني عبيره الفوّاح شوقا لتلك الأيام التي لم تكن خيالا، بل كانت حقيقة الحقيقة !

يزيدني الفهم العمريّ للقرآن، العيش العمريّ بالقرآن، العمل العمريّ بالقرآن، يزيدني يقينا أنّ ظهور الدين لا محالة محقّق، وأنّ هذال الفعل القرآني على الأرض قابل للتحقّق على الأرض من جديد، إنه لم يكن على كوكب آخر، بل كان على الكوكب ذاته الذي نعيش عليه....!
نعم... لا بدّ لهذا الدين من كرّة أخرى يعود فيها السيّد على الأرض كلها...
كل هذا الذي كان، دليل على أنه سيكون مرة أخرى ....قابل لأن يكون مرّة أخرى ما دام القرآن كتاب الله المحفوظ حيا ....

نعم... عمر بحر زاخر.... عمر رجل لا ككل الرجال، عمر صُنع للإسلام وصَنَع للإسلام عزّا...
عمر صنعه القرآن، وجّهه القرآن، فكان خريطته وبوصلته ومشكاته وقائده ....

عمر... لا يكفي أن نقرأ عنه، وفي كل مرة نُشدَه مما نقرأ عنه...بل يستدعي الأمر ويقتضي أن نستلهم العمريّة لهذا العصر الذي نعيش، لما يحيط بنا، نحتاج أن نستلهم العمريّة في العدل، في الحق، في العمل، في حب الدين، في محاسبة النفس، في الأمل الدائم، في العيش بالقرآن... في فهم القرآن ذلك الفهم العمريّ الدقيق الذي جعله حقيقة على الأرض ....

نعم ... نحتاج أن نستردّ عمر لنستحقّ أن نرى عمر رأي العين ....

مازلت مع "استرداد عمر"... استرداده من السيرة إلى المسيرة...

يمضي الكاتب قدُما، فيتطرّق إلى نقطة دقيقة شكّلت الفهم العمريّ للنفسيّات وذلك تحت عنوان "الإخلاص في العمل... الخلاص في العمل"

عمر بن الخطّاب رأى أنه من الواجب أن يتسلّح بفهم للسلوكيات، ولاختلاف النفسيّات، عمر لم يكن سطحيا، ولم يكن يحكم على المظاهر، كان حكيما، ذكيا، لبيبا، وهو كما قال عن نفسه: "لست بالخبّ ولا الخبّ يخدعني" . رجل واضح وضوح عمر، قويّ في الحق قوّة عمر، كان لا بدّ أن يكون عارفا بمظاهر المنافقين، والمتلاعبين، والكاذبين، نعم لن يكون عنده ما يخترق القلوب ليعلم النوايا، ولكنّه كان دقيقا في نظرته لمَن حوله، لم تكن تغرّه مظاهر التديّن، بل هو القائل: "لا تنظروا إلى صلاة أحد ولا إلى صيامه، ولكن انظروا إلى مَن إذا حدّث صدق، وإذا اؤتُمن أدّى، وإذا أشفى ورع"

يقول الكاتب:
الحكم العمريّ يكون مؤلفا من "غربالين" متداخلَيْن.. لا يمكن التخلّي عن الأول، وسنكون في مشكلة كبيرة إن تخلينا عن الثاني.
الغربال الأول: لا يُبقي إلا من يؤدي الشعائر، ويتسرب منه كل من يتكاسل أو يتهاون في أدائها، لن نطلق أحكاما على هؤلاء الآن، لكنّ الغربال العمريّ في التقييم لن يبقيهم حتما
الغربال الثاني: ينتقي من مؤدّي هذه الشعائر على سلوكهم في حياتهم اليومية، هل يصدقون في تعاملاتهم؟ هل يؤدون أماناتهم؟
إن كان الجواب نعم، فقد صدقت شعائرهم إذن، أثمرت سلوكا إيجابيا، يدل على صدقها وصدقهم فيها.


العنوان: رد: من وحي كتاب من وحي كتاب(استرداد عمر-أحمد خيري العمري-)
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2014-12-23, 14:40:58
من وحي كتاب"استرداد عمر(من السيرة إلى المسيرة)" د.أحمد خيري العُمري.

ثم يأتي الكات بتوصيف للحالة العمرية، فيقول أن كل الحكاية في نظام التشغيل، تماما ذلك المصطلح الحاسوبي "نظام التشغيل"، يقول أنّ النظام التشغيل العمري قرآني مئة بالمئة، موافقات عمر رضي الله عنه لآيات نزلت من القرآن الكريم كانت عن نظرة ثاقبة للأحوال، ولما يستقرّ في خلده من مفاهيم الحضارة الممتدة، عمر وهو يقترح على رسول الله صلى الله عليه وسلم اتخاذ مقام إبراهيم مصلى، قد عرف رمزية إبراهيم عليه السلام، عمر أراد أن يكون للرمز المحسوس دور في استشعار معنى الإمامة الإبراهيمية، واستشعار الجذور الأولى لحضارة تمتدّ على نسق واحد وبنظام واحد هي الإسلام والحنيفية السمحة التي تقوم عليها حضارة ذات قيم وثوابت راسخة ... وهو يقترح على رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تحتجب نساؤه، كان ينظر لمقوّمات بقاء الحضارة الإسلامية، وخصوصيتها بحفظها للمرأة، وبصونها لها، وهي عامل أساسي في قيامها إذا ما حصنت، وعامل من عوامل انهيارها إذا ما أهملت وسيبت .

وتحت عنوان "ما لم يقله عم رفي الخمر" يعرض الكاتب قصة عمر معها، كيف كان أشربهم لها قبل إسلامه، وكيف أصبح أكثرهم سؤالا عنها بعد إسلامه، عقل عمر الذي عقِل أمر الله تعالى، فهم أنّ الإسلام والخمر لا يلتقيان، عرف وفهم أن عقل المسلم عقل حرّ، لا يجب أن يكون عبدا لشيء، بل عبد لله وحده، عقل عمر المسلم عرف من قبل أن تحرّم الخمر أنّ إذهاب الخمر للعقل لا يلتقي مع الإسلام الذي يحترم العقل، ويستخدم العقل ... فظل يلحّ على رسول الله صلى الله عليه وسلم المر تو المرة، وفي كل مرة كان يسأله كان ينزل تدريج من تحريم الخمر، إلى أن نزل التحريم النهائي، والذي قال عنده عمر "انتهينا انتهينا" وكأنما عمر الذي كان أشرب الناس لها أصبح أكثر الناس فرحا بتحريمها.

كان الإلحاح العمريّ على البيان الشافي أمثولة عن تعامل عمر، عن ملحمته الداخلية التي رأى من خلالها أن الأمة إلى بيان قاطع واحد وصريح كي تتخلص من مرض متربّص بنهضتها وبقيامها.

ثم عرف عمر فيما بعد أن غير الخمر أيضا وهو مسكر بمثابة الخمر لا فرق، وأن الخمر ما خامر العقل، عرف أن كل مسكر خمر.

ثم يعرض لموقف عمر في السقيفة، يوم موت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورغم صدمته العظيمة بموت رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلا أنه سرعان ما يسترجع رشدَه من أجل الإسلام، كيف لا وعمر وأبو بكر قد صُنعا صنعا بالقرآن، قد صنعهما الرسول صلى الله عليه وسلم بتربية ربانية ولا أرقى، كيف لا يفقه أبو بكر وعمر أنّ رسالة الإسلام باقية وإن مات رسول الإسلام، وأنهم حملة الأمانة بعده، لم يكونا متطابقَين ولكنهما كانا متكاملَيْن .... الشيخان أبو بكر وعمر، أبو بكر كان مديرا استثنائيا للأزمات، وقد كانت منه تلك الإدارة الاستثنائية إثر وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان منقذ الدين، وقائد حروب الردة، وكان عمر يتدرب على هذه الاستثنائية البكريّة.

عمر كان يرى الأزمة قبل وقوعها، وهذا ما كان منه وهو ينبّه أبا بكر الصديق رضي الله عنهما إلى خطورة مقتل حفاظ كُثر لكتاب الله، وأن الأمر يستدعي جمعه، ففتح الله صدر أبي بكر للأمر، واستقدما زيد بن ثابت، وبدأت أهم عملية في التاريخ كله.

وهنا يرى الكاتب عبقرية الشيخَيْن وهما يفرّقان بدقة بين الوسائل المتغيرة والأهداف الثابتة، بين الأدوات والغايات، وقد كان لأبي بكر منجزات عظيمة في فترة استخلافه أهمها على الإطلاق حروب الردة، وجمع القرآن، كما أن من أهمها أيضا "استخلافه عمر"

العنوان: رد: من وحي كتاب(استرداد عمر-أحمد خيري العمري)
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2014-12-25, 14:12:03
من وحي كتاب"استرداد عمر(من السيرة إلى المسيرة)" د.أحمد خيري العُمري.

وهكذا يمضي الكاتب قُدما مع حياة عمر الفاروق رضي الله عنه، وفي كل موقف، لا يكتفي الكاتب بالقصّ، وإنّما يتوجّه لك ولي ولكل قارئ ليستلهم العمريّة في كل موقف، يمضي إلى القادسية، وما كان منه من إدارة عسكرية فذة من بعيد، ومن تتبّعه أخبار الأجناد خطوة بخطوة يوما بيوم، رسائله إلى القادة، توجيهاته، تذكيره الدائم لهم أنّ النصر يأتي من عند الله تعالى متى تخفّف المسلمون من ذنوبهم، وأخبتوا لربهم وأنابوا....
يدعوهم للصلاة الجامعة، ويكتب للقائد كلمة يأمره أن يقرأها على الجنود، ويوصيهم بالدعاء والتضرع لله، هذا وهو لا يغفل البتّة عن الإعداد، الإعداد للقاء العدو، الأخذ الكامل بالأسباب...

وكمّ الفتوحات التي كانت في عهده، والتي لم تكن فتحا للأرض لاستعباد أهلها، واضطهادهم، ولظلمهم وإلحاق الأذى بهم، بل كانوا فاتحين حضاريين بأتم معنى الكلمة، كانوا فاتحين جاؤوا بالخير لأهل البلاد المفتوحة.... جاؤوهم بالعدل، وبالإنصاف، وبرسالة الإسلام التي كان العدل والإنسانية سماتها الملازمة، مما جعل أهل الأراضي المفتوحة راغبين فيهم، فرِحين بفتحهم ....

هزيمته للفرس المعتدّين برفاههم وترفهم، وكسره لشوكتهم، وإعلاؤه لكلمة الله على أراض هي اليوم كلها تدين لعمر ولرجال حول عمر بإسلامها ...

ثم يأتي دور الفتح الأكبر، ذلك الفتح الذي أرسل بشأنه أبو عبيدة رسالة لأمير المؤمنين، يقول له أنه فتح يحتاجه هو شخصيا، فكان عمر الفاتح، فاتح القدس، والمصلي في الأقصى، عمر الذي سأل عن محراب داود، داود الذي نزل فيه في سورة "ص" ما عرفنا، داود عليه السلام ذو الأيد، صانع الحضارة، العادل، وكذلك كان عمر الذي تقولب في قالب داود عليه السلام ذي الأيدي، فكانت أياديه العمريّة .... بحث عن محراب داود أول دخوله الأقصى .... واختار موقع بناء الجامع داخل ساحة الأقصى، الجامع القبلي .... ونظّف باحة الأقصى بنفسه.... عمر الفاتح الذي فتح القدس وهو يخوض المخاضة بأقدامه، ويقود دابته بثيابه المرقّعة ... عمر الذي استقبله أسقف القدس المسيحي وهو يقول : دولة الظلم ساعة ودولة العدل إلى قيام الساعة ...

وكانت العهدة العمرية، ذلك الميثاق العمري العظيم الذي وضعه عمر الفذّ الذي لم يفرِ فريَه أحد ....
فكان العادل، الفاروق، صاحب الحق، الذي أعطى كل ذي حق حقه، وحمى النصارى، وكنائسهم، وطرد اليهود من القدس .

ثم يذكر "الأوائل العمرية" وما أكثرها ...!!

ثم يذكر مدى احترام عمر للمرأة، المرأة كما جاء الإسلام يبين صفاتها، ويعطيها حقوقها، ويحافظ على أنوثتها، وخصوصيتها، ويبعدها عن المسخ الذي تريده بها ما يسمى حضارات الغرب التي ترى في الحرية تحررا من الأخلاق والفضيلة ... تحرر الإنسان من خصوصية جنسه، وتمسّحه بلبوس الجنس الآخر...

عمر الذي يتنادى أعداء الإسلام، والعلمانيون من بني جلدتنا بأنه ظالم المرأة، ومضطهدها، ويعلنون عداوتهم له، لا لشيء إلا لأنه أراد المرأة كما هي حقيقة المرأة التي تكون ركنا ركينا من أركان الحضارة الناجحة العاملة الباقية، ورفض وحارب كل مظهر من مظاهر إهانتها ومسخها، والتلاعب بها وجعلها سلعة تباع وتشترى، وقصرها على المتعة لا غير ....

ثم يأتي موضوع دقيق وبالغ الأهمية بعنوان "مدرسة تجفيف المنابع" وفيه يعرض الكاتب لخطوات عمريّة دقيقة حاسمة، لا يأتيها إلا عمر بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخصّ بهذه النقطة أمرَين أولهما الرقّ، وثانيهما القبيلة، ذلك أن الإسلام جاء حاسما في أمر الشرك والحلال والحرام، فهدم الوثنية وأنهى وجودها، ورسّخ للتوحيد الخالص، وأحل الحلال وحرّم الحرام، وأكمل الله دينه، ولكن بقيت أمور تندرج تحت عنوان تجفيف المنابع، تجفيف المنابع الذي يمتد العمل عليه، فلم يُنتهَ منه في خطوة واحدة، ولم يُنتَهَ منه في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل احتاج الأمر فيه إلى استمرار العمل بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم،
فكان عمر القوي الأمين الذي مضى بنظام الرقّ نحو طريق النهاية، فهو الذي أعتق الجارية إذا ولدت... فقد جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم كل ابن جارية حرا لا يباع ولا يشترى وإن كان أبواه عبدَين،
فأكمل عمر الدرب بعده، ومنع بيع أم الولد منعا للقطيعة .... فكان يأمر بعتقها فور وفاة سيدها، ثم صار يعتقها فور ولادتها،

عمر هو الذي حثّ على المكاتبة بين السيد وعبده، كان لا يسمح لمالك أن يعتدي على مملوكه.
عمر هو الذي أجاز شهادة العبد .
عمر هو الذي أعتق الجواري من تحت أسيادهم فور سماعه بإيذاء سيدها لها .

وكذلك فعل عمر في القبلية، فجعل يعاقب كل من تنادى بها، حتى يجعل اللواء الواحد الجامع هو الإسلام، وحتى يجفف نابع الافتخار بالقبيلة، كان مشروعه تذويب القبيلة، فكانت أهم خطوة خطاها في هذا المجال أن جعل الديّة التي تُدفع عن الرجل يؤديها عنه ديوانه لا قبيلته، فعمر الذي دوّن الدواوين جعل لكل فرد مجموعة ينتمي إليها حسب الديوان، فإن كان من المقاتلين كان في ديوان المقاتلين، وإن كان في سجل الكتّاب كانت الديّة فيهم .... وهكذا أذهب دور القبيلة ....
صارت لانصرة من قبل الإنجاز الشخصي، لا من قبل القبيلة .

وأخيرا


جاء ذكر موت عمر رضي الله عنه ف يالعام 23 هــ... موته الذي لم يكن هيّنا على المسلمين سواء من كان معه، أو من جاء بعده، لم يكن هيّنا علينا جميعا ...!! فنحن نفتقد عمر أكثر منهم .... نحتاج إلى عمريّة تنقذنا ....

ولقد كتب العمريّ في ذلك كلمات أحسبها قوية بما يكفي لتعبّر عن مدى عظمة الرجل، وصعوبة افتقاده ، تأملوا هذه الكلمات .... عمر المطعون غدرا، عمر الشهيد رضي الله عنه وأرضاه عمر الذي عاش في سبيل الله، وإن الحياة في سبيل الله لأصعب من الموت في سبيله لمن يعقل

عمر الذي طعن في المسجد وهو يؤم المسلمين، وكان يومها قد قرأ سورة النحل .... فيقول الكاتب :

وكان هناك أشياء أخرى في ذلك الفجر الحزين في آيات سورة النحل...

وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْاْ مَاذَا أَنزَلَ رَبُّكُمْ قَالُواْ خَيْراً لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَلَدَارُ الآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ(30) جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَآؤُونَ كَذَلِكَ يَجْزِي اللّهُ الْمُتَّقِينَ(31) الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُواْ الْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ(32)

لم يدرِ أحد بينما كان عمر يقرأ تلك الآيات أن الملائكة كانت تستعد لاستقبال واحد ممن كان عمله قد أحدث أثرا كبيرا في العالم، وأنّه سيغادر الأرض وهي مختلفة تماما عن الأرض التي جاءها، لم يكن ذلك محصّلة لعمله وحده، فهو لم يكن سوى واحد من أتباع محمد عليه الصلاة والسلام، لكنّ الأرض في السنوات العشرة التي استُخلف عمر فيها، قد تغيرت كثيرا نحو ما يجب أن تكونه، وكان ذلك يعود له ولما تعلّمه وفهمه من رسالته عليه الصلاة والسلام.
لا أعرف إن كانت الملائكة يمكن لها أن تذرف دموعا بينما هي تؤدّي عملها، لو كان لها ذلك لبكت، لو كان لها حريّة تأخير الأمر لحاولت ...!
لعلها تذكرت يوما ما عند بدء التاريخ، يوم قالت لله عزّ وجلّ "أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء" وقال عزّ وجلّ "إني أعلم ما لا تعلمون" .
كان عمر واحدا من ذلك النوع من البشر الذين علمهم الله ولم تتخيّل الملائكة إمكانية وجودهم ..
كان عرم يقرأ الآيات، وكانت الملاءكة قد حبست أنفاسها، لم يكن بإمكانها ...لم يكن لها الحق أن تفعل شيئا يمنع ما سيحدث بعد لحظات .



وقد أنهى الكاتب كتابه بكلمات جوهرية قوية وجهها للقارئ يستشعر بها كم أنّ الأمر خطر، وكم أن المسؤولية عظيمة ولا تقتصر على قراءة قصة من القصص :

المهمّ في سيرة عمر ألا تكون قصة للتسلية أو قصة لمواساتنا عن حاضرنا المخجِل.. تستنزف دموعنا لترضي ضمائرنا، المهم أن تستثمرها في استرداد عمر ليكون جزءا من مسيرة حياتك، مسيرة خروجنا من هذا الواقع، المهم في سيرة عمر ألا تكون مجرد سيرة كقصص الحكايات والعِير، بل أن تساهم في جعلها عاملا أساسيا في مسيرتك الشخصية، حيث الفرد في داخلك جزء من الكل، وحيث الأنا جزء من النحن.. كل ما أضعناه، كل ما صيعناه، كل ما نريد استرداده، سيمر حتما أولا باسترداد مقوّمات شخصية بعينها يلخّصها عمر ...عندما نسترده، نسترد فهمه وحزمه، وحسمه، وفصل خطابه، سنتمكن من استرداد كل ما ضاع ... وكل ما صيعناه ...
عمر..
لم يخلق من نور..
ولم ينزل عليه وحي..
(مثلنا)
لكنه ساهم في إنارة هذا العالم بالوحي الذي أنزل على محمد عليه الصلاة والسلام.
أهم فصل في سيرة عمر هو الفصل الذي لم يُكتب بعد، رغم كونه فصلا محوريا، إنه فصل لن أكتبه أنا، ولن يستطيع أي كاتب أن يكتبه أيضا..
ولكن ستكتبه أنت..
وسيكون الفصل الأهم..
فصل انتقال عمر من السيرة إلى مسيرتك الشخصية ..بعبارة أخرى : فصل استردادك لعمر..



العنوان: رد: من وحي كتاب(عمر يظهر في القدس-نجيب الكيلاني-)
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2015-01-06, 13:07:40
من وحي كتاب "عمر يظهر في القدس" لنجيب الكيلاني.

منذ قليل أنهيت قراءة كتاب جديد، هو لنجيب الكيلاني الروائي المعروف، وصراحة لم أشأ القراءة له هكذا دون معرفة مسبقة بخلفياته وأساساته، حتى لا أجدني مضيّعة لوقتي، فليست كل قراءة مفيدة، ولا كل قراءة مكسبة للوقت... فخلفية الكاتب تلعب دورا كبيرا في موضوع الوقت من حيث التضييع أو الكسب ...

نجيب الكيلاني روائي إسلامي، إخواني، عُرف بكتاباته الهادفة، وبتوقه لعزّة الإسلام، وبطرقه لمواضيع في إطار هذا الهدف، وهذه الرؤية ...

كتابه هو "عمر يظهر في القدس" اخترت أن أقرأه بعد كتاب أحمد خيري العمري "استرداد عمر من السيرة إلى المسيرة" حتى أبقى في الجوّ العمريّ، وحتى أرى القالب الذي يصبّ فيه الكيلاني "عمريّته الأدبية" من بعد ما عرفت القالب الذي صبّ فيه خيري العمري "عمريّته الحضارية"، بمعنى أن أقرأ العمرية من أوجه ...

عمر يظهر في القدس، بطلها شاب فلسطيني هو الراوي لأحداث القصة، والتي هي عبارة عن تخيّل الكاتب لظهور عمر من جديد، انبعاثه من موته، فكان صاحبنا الراوي أول من التقاه، ورغم دهشته من أنه أمام عمر بن الخطاب الأصلي منبعثا للحياة، إلا أن عمر يدخل معه حوارا حول مشيئة الله تعالى المطلقة والتي لا يستعضي عليها أمر، مما يجعل صاحبنا وهو يعاين الرجل ويسمع كلماته، ويرى تصرفاته، وجهله بالعالم الجديد الذي خرج له، يصدّق المعجزة...

وهكذا يصبح رفيق عمر، يصطحبه إلى بيته، وهو يرقب تصرفاته العمرية، وقوته، وكلماته الصارمة، ويرى استغرابه من كل أبجديات الحضارة الجديدة، وصاحبنا يشرح له كل ما يستغربه، وشيئا فشيئا، يخرج خبر عمر من حدود الشاب الراوي إلى غيره ....
حينما بدأ عمر المسير معه في شوارع القدس، حينما يرى شابا يهوديّا لاهيا مع رفيقته اليهودية، فيذهل عمر من هول ما يرى، ويبدي امتعاضه، وتقفز روحه العمرية الأبية، التي تأبى الفحش، ومظاهره، ويصدع بكلماته الناهية عن المنكر، ويأخذ صاحبنا في شرح الأمر له الهُوينى، وهو يبرر له أن عالم اليوم، يرى في هذا تحررا وحضارة وتقدما، ولكنّ عمر لا يرضخ لهذه التفسيرات الهوائية، ويبقى الحق عنده هو الحق، والباطل هو الباطل، بل يصرّح بكل قوة أن هذا العصر بهذا الشكل ليس عصر الحرية، بل عصر الكذب، والادعاء وتسمية الأشياء بغير مسمياتها... وشيئا فشيئا يعرف الخليفة كثيرا من مظاهر هذا العصر المجنون، ويزداد يقينا أنه في عصر الضعف، والكذب والفحش...

وهكذا يكون ظهور الخليفة في القدس، بالذات، تلك المدينة التي فتحها، وتكبر قصته، وتخرج للعلن تدريجيا، ويزيد في انتشارها إعجاب تلك الفتاة اليهودية بقوته، وبصرامته، وهو يوبّخها هي ورفيقها، وتتعلق به وبكلامه الذي يجد مسربا إلى نفسها، كما يجد النور سبيلا إلى الأرض المظلمة معلنا أنّه الغالب لا محالة....

ويمرض الخليفة، ويدخل المستشفى، ويفحصه الأطباء، والكل يرى في كلامه هذيانا، ويرى فيه شخصا مريضا يدعي انبعاث الخليفة فيه، ولكن ما تفتأ كلماته ونورانيّته تخترق النفوس، فينقلب التكذيب به تصديقا، واهتماما، وإعجابا بكلامه الموزون، القوي، الصادع بالحق، فيقرّ الكل أنه عمر حقا، فهذا طبيب عاش عمره يحلم بعزّ الإسلام وبنصر المؤمنين، وبتخليص القدس من براثن اليهود المحتلين، فيكون من أوائل المصدّقين، وذاك آخر ماركسي التوجه، يستهزئ بكل مصدّق، ويرى في الأمر مهزلة فكرية، تدفعه ماركسيّته لإنكارأي قدرة، وهو الدكتور "وهيب" ، الذي حصل خصام حاد بينه وبين زميلته "رجاء" التي تربطه بها علاقة حميمة أشعلت جذوة انجذاب خاص من كليهما للآخر، من بعد ما اتضح ميول رجاء لاتباع الخليفة وتصديقه، مع تكذيبه التام منه به، وهو الماركسي الذي حادت به ماركسيته عن الجادة، فلم يعد عنده إيمان ....ولكنّ خصامه مع رجاء كان بوابة انفتاحه على الخليفة، إذ التقى به، وسمع كلماته العظيمة، فخرج من عنده مؤمنا، فأصبح هو ورجاء من ذلك اليوم على درب واحدن يعملان له ولأجله، وأصبحت رجاء تلك الطبيبة الحكيمة الرصينة واحدة من الداعيات بدعوة عمر، وكذلك الدكتور وهيب.

أما تلك اليهودية"راشيل" فقد جعلت تتردد على الخليفة تعبّ من كلماته النورانية، وفي كل مرة جديدة  تتبدّل أكثر من المرة السابقة، وهي أصلا عميلة لدى المخابرات الإسرائيلية، ولكنّها كانت صادقة، وتبدّلت بحق، وقد  نسجت المخابرات الصهيونية حولها وحول علاقتها بالخليفة قصصا من شاكلة تفلّتهم الإعلامي الفاضح، على أنها علاقة مشبوهة...!!

وهكذا يصبح للخليفة صدى كبير في القدس كلها، ويوضع تحت الإقامة الجبرية بالمستشفى، وتعتبره إسرائيل خطرا عظيما على أمنها، وهي ترى عدد المعجبين به، والملتفّين حول دعوته القوية، وشخصيّته الفذة يزداد يوما بعد يوم، حتى أصبح محور اهتمام الناس من كل الفئات، يهودا كانوا أم مسيحيين أم مسلمين ....ويدبر اليهود خطة لمقتل "راشيل" التي اعتبرواها عارا على الشعب اليهودي، وعلى نضاله وكفاحه وهي تغيّر من طبعها، ومن سلوكها، وتغدو مطيعة لأمرالخليفة، متبعة لدعوته، وقد أسلمت، بينما كانت تخدم رسالة إسرائيل الكبرى ....

كان لكلماته وقوة شخصيته الأثر العظيم على النفوس، حتى استنفرت إسرائيل ومخابراتها كل قواها لحبك الأكاذيب والقصص الملفّقة التي من شأنها أن تصور الرجل بصورة المتآمر، بل قد وصل بهم الدهاء والمكر إلى تصويره متعاونا مع الإسرائيليين جاء ليأخذ الناس بكلامه المعسول ومن بعد تعلقهم به يعلن تأييده للسلام بين العرب والإسرائيليين !!

يصوّر الكاتب مكر اليهود، وتآمراتهم، وتخطيطاتهم، بطريقة توحي بذكاء العربي إزاء هذه المخططات، وهذا الدهاء والخبث اليهودي، يصوّر هذا بطريقة تشي بمعرفة العرب لأدوات الإسرائيليين، ولأساليبهم ولتضليلاتهم حق المعرفة....

وهو ما لا أشكّ أن الفلسطينيين اليوم متشبعون به، وليس ذكاء أهل غزة، ومجاهديها ومعرفتهم بدسائس اليهود وطرقهم عنا ببعيد ...

وهكذا تتواصل قصة عمر، حتى يبلغ من الشهرة ما يدفع بمتابعيه وأنصاره لتأسيس جماعة "أنصار عمر" وعمر لا ينقطع عن بثّ القوة والحق في صفوف المُحبطين، فيصنع منهم رجالا أولي عزم وقوة، وعمل....

هكذا يأخذ الكيلاني من عمر المنبعث من الموت للحياة، محورا تدور حوله تغيّرات وتحوّلات في النفوس، وقوة تنبعث بالحق في وجه باطل اليهود، ويدبّر أنصار عمر مخططا لتهريب عمر من القدس إلى أقرب دولة عربية، وينجحون ف يتهريبه من المستشفى حيث يحتجزه اليهود، وفي طريق الهروب، تأخذ الجماعة سنة نوم، يستفيقون على إثرها ولا أثر لعمر .... ويقبض اليهود على الهاربين، ويودعونهم السجن، ويُحكم على صاحبنا الشاب الراوي، والطبيب "وهيب" وغيرهم معه، ويحقق معهم حول اختفاء عمر، فيرد الكاتب بما يحمل معنى تصوير انبعاث عمر للحياة :

"إنه في مكان.. إنه ليس مجرد جسد.. هو فكر وعقيدة..إنه إيمان، مستحيل أن تقبضوا عليه ! إن أردتم فاقبضوا على كل رجل ذي قلب مؤمن، هم هو وهو هم، أقسم لا أعرف مكانا بعينه ذهب إليه، لو علمت أن "شخصه" في أي مكان على ظهر الأرض لطرت إليه.. إنه باعث روحي وحياتي، ومُلهم فكري، كلماته وجودي، لكني واثق أنه سيعود للظهور......"

"سأعيش على أمل اللقاء به.. وسأجده.. إنه لا يكذب.. إنه شعاع من نور النبوة، أتقتلون الشعاع؟ مستحيل ! وعندما يعود ثانية، لن أنام، سأظل يقظا أحرسه بروحي وعني ودمي، وأتشبث بأطراف ثيابه الطاهرة، وأمضي خلفه في أي درب يسير يا شعيب الغيلان والأبالسة، ألم أقل لكم إنه وجودي؟ ما أكثر الذين يموتون، ولكنهم أحياء ..."
العنوان: رد: من وحي كتاب
أرسل بواسطة: ماما هادية في 2015-01-07, 08:23:56
قرأت ملخصك الاخير حول "عمر يظهر في القدس"
جزاك الله خيرا
هل أسلوب الرواية مشوق ومناسب للشباب والناشئة؟
وما هي معلومات النشر؟
العنوان: رد: من وحي كتاب
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2015-01-07, 12:31:59
قرأت ملخصك الاخير حول "عمر يظهر في القدس"
جزاك الله خيرا
هل أسلوب الرواية مشوق ومناسب للشباب والناشئة؟
وما هي معلومات النشر؟


جزانا وإياك يا هادية.
ربما ما شدّني في الرواية أكثر من أسلوبها أو غيره هي فكرة انبعاث عمر للحياة، والذي رأيت فيه انبعاث العمرية للحياة من جديد بين المسلمين، ومتابعة شيء مما قد يحدث لو أن العمريّة بعثت من جديد .... الأسلوب مشوّق من حيث تفاصيل ما يحدث لعمر، وما يستجد من شهرته ونجاح فكرة تواجده، هو أسلوب بسيط وليس معقدا من حيث اللغة، ربما وجدتُني أحيانا أربأ بأن يذكر -ولو على سبيل الرواية والتخيّل والقياس بمقاييس أفعال أهل عصرنا، وخاصة وهم يهود- أنّ لعمر علاقة مشبوهة بتلك اليهودية التي انجذبت له في البداية انجذاب المرأة لرجل سحرها مقاله، ثم يتبدّل انفعالها نحو التأثر العميق بكلمات الحق التي هي دعوته ....

أيضا آخذ على الكاتب في جزئية محاورة أحد الصحفيين لعمر من باب سؤاله فقط عن رأيه في عدد من آليات عصرنا من بعد ما عرفها، ومن بينها سؤاله عن الموسيقى، وهناك رأيت جوابا على لسان خيال الكاتب، لا أجده عمريّا، فلا أرى أنه يليق بعمر بن الخطاب رضي الله عنه أن يبدي رأيا نسبيا في الموسيقى. وأحب أن أذكر لك هذه اللقطة بالذات حتى تعرفي إن كانت تليق أن يقرأها الناشئة عن عمر المتخيّل انبعاثه .
ولا يمنع ذلك من القول أن الرواية في مجملها ذات معنى جوهري، وتصوّر الحلم بظهور العمريّة بيننا تصويرا جيدا ...

العنوان: رد: من وحي كتاب "سيرة خليفة قادم-أحمد خيري العمري-"
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2015-02-02, 10:48:27
من وحي كتاب "سيرة خليفة قادم" أحمد خيري العمري

أنهيت يوم أمس كتاب "سيرة خليفة قادم" لصاحبه أحمد خيري العمري، وقد كنت قرأت له قبله كلا من "البوصلة القرآنية"، و"استرداد عمر"، كنت قد وضعت عنهما في موضوعنا هذا، وكنت قد أعلنت المصالحة مع الكاتب بعد إنهائي "البوصلة القرآنية"، والذي بدا لي فيه بعض المبالغة خاصة في اتهام علماء الأمة الذين صنّفهم مؤسسي المدرسة التقليدية-كما يعبر عنها- بأنهم السبب الرئيس لما وصلت له الأمة من تأخر وحال، ذلك بدعوى ترسيخهم مفاهيم عن الدين تجتزأ من سياقاتها ويُبنى عليها، وذلك تأثرا بمراحل سياسية مرت بها الدولة الإسلامية، خاصة ابتداء من عهد معاوية بن أبي سفيان. هكذا رأى الأمر، فغضضت الطرف عنه نوعا ما وأوجدت له تبريرات قد تسوّغ ما يقول من ناحية تأثير السياسة على بعض التوجهات، ولكن أبقيت على رفضي لتحميله علماء الأمة مسؤولية ما نحن فيه ...

ويبدو أن مصالحتي مع الكاتب لم تدم طويلا، أو لنقل أنها لن تكون بعد اليوم-وهذا رأيي الشخصي الذي لا ألزم أحدا به-، ولط بعد إنهائي قراءة كتابه "سيرة خليفة قادم".

هو كتاب من 486 صفحة تقريبا، سأحاول إجمالا أن أضع أسباب قراري وموقفي من الكاتب، من بعد ملاحظات كثيرة جمعتُها من الكتاب، والتي رأيت فيها الكاتب متجاوزا التّخوم العادية إلى ما لا يجوز ...سأحاول بإذن الله تعالى وضع بعضها كأمثلة ...

العنوان: رد: من وحي كتاب
أرسل بواسطة: Asma في 2015-02-05, 22:10:31
سلام علييكم emo (6): emo (6):
 ان شاء الله كل الاعضاء يكونون بالف خير و السلام لكي بالخصوص تيتة هادية
فاتني الكثير والكثير وهذا من نفسي و الان فقط عدنا نسال الله الثبات فقد اخذتني الدنيا و متابعها واول ما لفت نظري موضوع الكتاب و الكاتب لاني شخصيا كنت من الملهوفين على كتبه. و بعد القراءة على بعضها لم اجد ما كنت ابحث عنه او ما كانت توحي به افكاره

اسجل للمتابعة و قراءة ما كتب   :emoti_17: emo (4): emo (4):
العنوان: رد: من وحي كتاب
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2015-02-11, 09:25:26
سلام علييكم emo (6): emo (6):
 ان شاء الله كل الاعضاء يكونون بالف خير و السلام لكي بالخصوص تيتة هادية
فاتني الكثير والكثير وهذا من نفسي و الان فقط عدنا نسال الله الثبات فقد اخذتني الدنيا و متابعها واول ما لفت نظري موضوع الكتاب و الكاتب لاني شخصيا كنت من الملهوفين على كتبه. و بعد القراءة على بعضها لم اجد ما كنت ابحث عنه او ما كانت توحي به افكاره

اسجل للمتابعة و قراءة ما كتب   :emoti_17: emo (4): emo (4):

أهلا وسهلا ومرحبا بك يا أسماء. emo (30): قد وضعت هنا مجموعة من تلخيصات لبعض الكتب التي قرأتها بفضل الله، إن شئت تسميتها كذلك، معها شيء مما كانت توحي لي به مواضيع الكتب، وقد تجدين تعليقا مني على نقاط يوردها الكاتب. نسأل الله تعالى أن يعلمنا ما ينفعنا وأن ينفعنا بما علمنا .
العنوان: رد: من وحي كتاب "سيرة خليفة قادم-أحمد خيري العمري-"
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2015-02-11, 16:05:21
من وحي كتاب "سيرة خليفة قادم" لأحمد خيري العمري.


أعود لبعض شأن حول كتاب "سيرة خليفة قادم" لصاحبه أحمد خيري العمري، وقد كنت كتبت تقدمة لما أريد قوله فيه، ها هنا مكانها :
http://www.ayamnal7lwa.net/forum/index.php?topic=6306.msg111738#msg111738

الكتاب كما أسلفت من 486 صفحة، ولن يسع المقام لذكر كل ما رأيته شططا بيّنا فيما ذهب إليه الكاتب، ولكنني سأذكر بعض النقاط، أو لنقل أكثر ما علق بذهني من شطط .هدانا الله وإياه وثبتنا على الحق وعرّفنا به .

الكاتب يحوم دوما حول القضية الحضارية وحول موضوع النهضة كما في كل كتاباته، ولكنه وكما في كل كتاباته أيضا يشنّ هجومه المتواصل على ما أسماه "المؤسسة التقليدية" يريد نقض مفهومها حول دور المسلم على الأرض، أو لنقل بالأحرى يريد أن يلبس فهم علماء الأمة الأوائل الذين  يصنفهم تقليديّين لبوسا ظالما مجحفا، إذ يريد أن ينحى بما وضعوا منحى الإغراق في الزهد وفي كُره الدنيا إلى حد تتباعد فيه المسافات، وتنأى عن الفكر مقاصد النهضة المنشودة، والتي قوامها العمل في الدنيا والعمل ثم العمل...
هكذا يريد الكاتب ضمن منظمومة من الاتهامات المبالغ فيها أن يعطي للقدامى سمة القديم الذي لم يعد يجدي، ولم يعد ينفع لهذا العصر الذي يستوجب قياما إسلاميا مستمدّا من القرآن... وكأنّ أولئك العظماء الحكماء قد افتقروا للتفكير الوسطي الذي لا يجعلهم يغالون في في ذمّ الدنيا إلا بالقدر الذي يلقي في النفوس كُره أن تغترّ بها وأن تنجرف نحو عبادتها من دون الله، لا أن يقصي المؤمن نفسه من دور على الأرض يقوم أساسا على علاج هذه الأرض من أدوائها،وذلك بفقهه التامّ وإدراكه الواعي أن دوره  الأساسي عليها إنما هو عبادة الله تعالى، وتعبيد الأرض له سبحانه، وهل يتنافى هذا وما فقهوه كمال الفقه أنّه الاستخلاف في الأرض بتطبيق منهج الله تعالى فيها، ونشره لإعلاء كلمته سبحانه في ربوعها ... ؟! بل إنهم هُم أول من فهم هذا، والتاريخ وأحداثه أكبر دليل على أنّهم هُم الذين كانوا أصحاب العمل والفتوحات والانتصارات في عصور مختلفة من عصور الدولة الإسلامية...

الكاتب يجحف، ويظلم كل الظلم إذ لا يرى هذا الفكر إلا عند المسلمين الأوائل، الأوائل ليس بمعنى البعيدين عن موت رسول الله صلى الله عليه وسلم، والبعيدين عن عصرنا كذلك، بل يرى بداية دخول الدولة الإسلامية في مراحل ضعفها وتهاوي فهمها الصحيح للاستخلاف في الأرض، بل تهاوي فهمها الصحيح للدين وللقرآن من عام 40 أو 41هـ، وهو تاريخ تولي معاوية بن أبي سفيان للخلافة مؤسس الدولة الأموية، وما بعده كلها تأثرات بالتيار السياسي الغالب الذي جيّر النصوص الدينيّة لصالحه، وأوقع الأمة بأكملها في فخّ الترضية السياسية على حساب الفهم السليم للدين عموما...
وهنا أريد أن أقف وقفة أستحضر فيها حديثا صحيحا لرسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فيه  "خيرُ القرونِ قرنيَ الَّذينَ بُعِثتُ فيهم ثمَّ الَّذينَ يلونَهم ثمَّ الَّذينَ يلونَهم"

فآخر قرن مذكور هنا هو قرن تابعي التابعين، والذي امتدّ حتى عام 220هـ تقريبا.

قال السيوطي: "والأصح أنه ـ يعني القرن ـ لا ينضبط بمدة، فقرنه صلى الله عليه وسلم هم الصحابة وكانت مدتهم من المبعث إلى آخر من مات من الصحابة مائة وعشرين سنة، وقرن التابعين من مائة سنة إلى نحو سبعين، وقرن أتباع التابعين من ثم إلى نحو العشرين ومائتين"

http://fatwa.islamweb.net/fatwa/index.php?page=showfatwa&Option=FatwaId&Id=127151

بمعنى أنه حتى عام 220هـ تقريبا عاش تابعو التابعين والذين هُم ضمن السلسلة المختارة التي شهد لها رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخيرية على كل القرون. فأتساءل كيف يتأتّى للكاتب من خلال هذا الحديث الصحيح أن يدّعي أنّ بدايات الترهّل على وجة الأمة كانت من عهد معاوية رضي الله عنه 40هـ ؟!!

هذا من وجه... فأما من وجه أنّ ما بعد تلك القرون الثلاثة قد عرفت الأمة ما عرفت من تأرجح بين قيام وسقوط يشهد به التاريخ، وبأحداث مشرقة نوّرت صفحات التاريخ الإسلامي فإنه مما لا يتسع المجال لذكره.
فهل نسي أو تناسى عماد الدين زنكي وابنه نور الدين زنكي، ومن خلفهما صلاح الدين الأيوبي الذين كانوا سلسلة لؤلئية فريدة في محاربة الصليبيين وقهرهم ، بل لقد بقيت ذكرى فتح صلاح الدين للقدس وخزا في ضمير المسلمين حتى يومنا، تستمطر بها الأمة شبها له يذهب الهمّ ويُجلي الغمّة، بل إن الأمل باق قائم في خروج من يشبهه لا ينقطع...وما كان ثلاثتهم إلا بين القرنين السادس والسابع للهجرة...

وليس سيف الدين قطز الذي أوقف زحف المغول على الدولة الإسلامية وشهد انتصارات عظيمة عن القرن السابع للهجرة ببعيد، ولا كان الظاهر بيبرس (القرن السابع للهجرة)المنصور على الصليبيين وهما واختلاقا، بل لقد لقّب بركن الدين وقد بدأ مملوكا يباع في أسواق بغداد.

وهل نسي الكاتب أو تناسى كل حسنات الدولة الأموية وخيراتها ؟ وهل يريدنا أن نسجّل لها غصبا تاريخا أسودا مغرقا في السواد وهي التي شهد عصرها فتوحات كبيرة، وانتصارات، ونهضة علمية وعمرانية فريدة؟!
هل يريد منا أن ننكر كل هذا، ونسلّم بأنه ابتداء من عام 40هـ بدأ وجه الأمة الإسلامية بالكلوح وكأنها ما أنجبت عظماء خلّدهم التاريخ ؟!
فأين ذهب طارق بن زياد الذي فتح الأندلس حوالي عام 90هـ؟... الأندلس التي دامت إسلامية لأكثر من ثمانية قرون متواصلة، كانت فيها مقصد الأوروبيين من كل مكان  ينهلون من جامعاتها الغراء صنوف العلوم وألوانها ....

بل إنه حتى في عهد ملوك الطوائف بالأندلس عرف التاريخ رجالا قاموا ضد الصليبيين وأذاقوهم الهوان، وعرّفوهم قدرهم، وما معركة الزلاقة العظيمة عنا ببعيد ...

وهل عفا التاريخ عن يوسف بن تاشفين  في أفريقيا والذي استنجدت به الأندلس فكان شوكة بحلق الصليبيين، وليس ما حققه في المغرب العربي من استنهاض للهمم الدينية بالقليل .
 
وهل كان علماء تلك العصور إلا علماء مستنيرين بنور القرآن العظيم ؟ علموا تمام العلم وفقهوا تمام الفقه أن الإسلام دين الحركة والفعل في الأرض، وأن الدنيا دار سعوا فيها لتمكين الدين ولإعلاء كلمة التوحيد ؟! فكيف ينكر الكاتب مع هذه الشواهد التاريخية العظيمة على المسلمين على مدى هذه العصور أن يكون بينهم من عمل فيه القرآن عمله لتحقيق الخلافة على الأرض ؟!!

فهل يعدّ كلامه هذا قديما مات يوم قامت الدولة الأموية(40هـ) وجاء هو ليحييه اليوم؟

أين الخلفاء والأمراء الذين شهد لهم التاريخ في الدولتين الأموية والعباسية، وبعدهما، بدورهم الفعال في إقامة دعائم الإسلام في الأرض، وفي مواصلة الفتوحات، وفي قهر الصليبيين ؟

وإذا تقدمنا، واقتربنا من عصرنا هذا الذي نحياه والذي يشهد القاصي والداني أنه أحط عصور الإسلام، عرفنا أنّ الخلافة العثمانية القريبة منه شهدت نهضة، وعُرفت لها مهابة في صدور الأعداء والأصدقاء على السواء....

ويطول الحديث عن كل هذا، وقد ذكرنا القادة والفاتحين الذين شهدت عصورهم علماء أجلاء أناروا الطريق، وكانوا دعاة حق لم يخافوا فيه لومة لائم، ولم تنحََ بهم الحاجات السياسية وأهلوها منحى أبعدهم عن الحق وعن إحقاقه... فعُرف العز بن عبد السلام في أواخر العهد العباسي، الذي عرف ببائع الملوك، وكان له أكبر دور في شحذ همم القادة والخلفاء للتصدي للغزو المغولي الجارف، فكان "قُطُز" بانتصاراته خرّيج مدرسته الشاحذة ...وكان الملوك يهابونه من فرط ثباته على الحق...

وهل أتاك حديث الأئمة الأربعة ؟ أئمة المذاهب، ومؤسسي المدارس الفقهية العظيمة الشافعي (150-204هـ)، الإمام مالك (93-179هـ)، الإمام أبو حنيفة(80-150هـ)، الإمام أحمد بن حنبل(164-241هـ). فانظر عصور تواجدهم تعرف أنهم جميعا جاؤوا بعد تولي معاوية للحكم (40هـ) والتي يراها الكاتب بداية الانحطاط والتولّي عن الفهم الصحيح السليم للنصوص الدينية، وتجييرها للمصالح السياسية ...!!

كلما هممتُ بالانقطاع عن سرد ما لا يحدّه هذا المقام، وجدتُني أذهل من زعم الكاتب أنّه من 40هـ كانت بدايات اجتزاء النصوص من سياقاتها للحاجة السياسية، مما أدّى إلى تكوّن ما أسماه "المدرسة التقليدية" التي برأيه كانت سببا رئيسا من أسباب ما وصلنا إليه ...
وإنني لا أراه جاء بجديد وهو يؤكد على أنّ القرآن هو محرّك الأمة، وهو بوصلتها، ولا جاء بجديد وهو يؤكد على المعاني الإيجابية التي يزرعها القرآن في نفوس المسلمين الذين على عاتقهم تقع مسؤولية علاج الأرض من أسقامها .

وهكذا، فإنني أرى من الواجب علينا أن نعرف تاريخنا الإسلامي، حتى لا نقع بسهولة في أفخاخ من يحدّد لنا زمن النهوض بعدد من الأعوام التي أعقبت وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم لم تتجاوز ثلاثين سنة ! فنكتشف فجأة أننا أمة بدأت الدخول في سباتها مبكرا جدا !  فكيف لأمة كان هذا ميعاد ضعفها ونومها أن تستنهض شيئا من قوامها ؟! بل إن هذا الذي يقوله لمن دواعي عدّ تلك المرحلة القصيرة في ميزانه حدثا مرّ لا يمكن لمن نام مبكرا أن يعيده كرة أخرى ! إذ عدّه مرحلة تقرب أن تكون أسطورة لم تكن بعدها محاكاة ولا اقتفاء حتى ممن قارب عصرها، فلم يفلح بعدها أحد في النهوض... وإنه لاجتزاء من سياقات التاريخ والأحداث صارخ، نسأل الله ألا يوقعنا في شِراكه .

وهكذا لا يسعني الوقت في هذا الرد أن أكتب المزيد عن نقاط أخرى هي مثار استغراب تحسب على الكاتب وعلى كتابه . وحسبي فيه أنني استدللت ببعض الأمثلة القليلة القليلة التي هي غيض من فيض علماء وقادة أجلاء أنجبتهم الأمة على مدى عصورها المختلفة، تفنّد قوله ببداية استشراء الضعف في أوصال الأمة في فترة مبكرة جدا جدا من تاريخها، مرجعا ذلك إلى فهم خاطئ ومجتزأ للنصوص الدينية رسخته ما أسماها المدرسة التقليدية....

ولنا بقية تعليق على نقاط أخرى بإذن الله




العنوان: رد: من وحي كتاب
أرسل بواسطة: ماما هادية في 2015-02-12, 14:57:29
جزاك الله خيرا يا أسماء
انتقاد مهم جدا

ملاحظة: جرت العادة في ترتيب أرباب المدارس الفقهية، ان يرتبوا حسب تاريخ ظهورهم، قطعا لمادة التعصب في تقديم أحدهم على الآخر، فنبدأ بالإمام أبي حنيفة، ثم مالك، ثم الشافعي، ثم أحمد، رحمهم الله أجمعين، ورضي عنهم، ونفعنا ببركتهم
العنوان: رد: من وحي كتاب
أرسل بواسطة: ماما هادية في 2015-02-12, 15:00:25
سلام علييكم emo (6): emo (6):
 ان شاء الله كل الاعضاء يكونون بالف خير و السلام لكي بالخصوص تيتة هادية
فاتني الكثير والكثير وهذا من نفسي و الان فقط عدنا نسال الله الثبات فقد اخذتني الدنيا و متابعها واول ما لفت نظري موضوع الكتاب و الكاتب لاني شخصيا كنت من الملهوفين على كتبه. و بعد القراءة على بعضها لم اجد ما كنت ابحث عنه او ما كانت توحي به افكاره

اسجل للمتابعة و قراءة ما كتب   :emoti_17: emo (4): emo (4):

أهلا ومرحبا بك يا أسماء
أوحشتنا  emo (30):
العنوان: رد: من وحي كتاب
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2015-02-16, 14:53:07
جزاك الله خيرا يا هادية. إنما وضعت أسماءهم بحسب ورود الاسم على الخاطر وقرن وروده ببحث عن عام مولده، فجاءت كما رأيت ... رحمهم الله ورزقنا معرفة أقدار العلماء ومعرفة خطورة من يريد التشكيك بعلماء الأمة .
العنوان: رد: من وحي كتاب
أرسل بواسطة: ماما هادية في 2015-09-30, 20:39:10
عرض علي زوجي اليوم حوارا صاخبا يدور في مجموعة على الواتساب تجمعه مع زملائه  في الثانوية.... وبعد مرور هذه العقود، تنوعت مشاربهم وتفرقت طرقهم، وجمعهم الواتساب
وكان الحوار حول يوم عاشوراء وصيامه
ويبدو ان ثمة شيعي مدسوس بينهم، أخذ يتكلم عن عاشوراء باعتباره يوم مقتل الحسين رضي الله عنه، وان سنة صيامه حديث مكذوب على رسول الله صلى الله عليه وسلم... وتشعب كلامهم حتى طال مصداقية السنة النبوية، وشخصية سيدنا أبي هريرة رضي الله عنه، وتجاوب معه العلمانيون والجهال... وزعموا انهم ينتقدون التراث... وظهرت جملة (الأثر السياسي الأموي على كتابة السنة النبوية)!! فذكرني هذا بطرح مريب لخيري العمري... عرضته علي يا أسماء.
سبحان الله!.... ما أخطر أثر الكلمة.. وما أكبر مسؤوليتها... وما احوجنا إلى التمحيص والتدقيق في كل ما نتلقاه ونقرأه مهما سطع نجم كاتبه واشتهر....
وما أشد حاجتنا إلى النقد الواعي لكل ما ينشر تحت هذا الاسم الفضفاض:  مفكر إسلامي.
 
العنوان: رد: من وحي كتاب
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2016-09-30, 11:59:17
بسم الله الرحمن الرحيم

أعود لهذا الموضوع الأثير، بعد هجران  emo (30):

أعود مع كتاب جعل يشدني ويجذبني من بداياته، فعرفتُ في نفسي حبا لكثير من فقراته، وحبا للتعقيب على فقراته  emo (30):

إنه " التصوير الفني في القرآن" لسيد قطب رحمه الله .

العنوان: رد: من وحي كتاب
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2016-09-30, 12:24:01
من وحي كتاب "التصوير الفني في القرآن" لسيد قطب

حتى الإهداء، من جماله.. لم أستطع فِكاكا من نقله :

-------------------------------------
إليك يا أماه , أرفع هذا الكتاب .

لاطالما تسمعتِ من وراء (الشيش) في القرية , للقراء يرتلون في دارنا القرآن , طوال شهر رمضان ,

و أنا معك _ أحاول أن ألغو كالأطفال _ فتردني منك إشارة حازمة , و همسة حاسمة , فأنصت معك إلى الترتيل , و تشرب نفسي موسيقاه ,

و إن لم أفهم بعد معناه .

و حينما نشأت بين يديك , بعثت بي إلى المدرسة الأولية في القرية , و أولى أمنياتك أن يفتح الله علي , فأحفظ القرآن , و أن يرزقني الله

الصوت الرخيم , فأرتله لكل آن , ثم عدلت بي عن هذا الطريق في النهاية إلى الطريق الجديد الذي أسلكه الآن , بعدما تحقق لك شطر من

أمنياتك , فحفظت القرآن!

و لقد رحت عنا _ يا أماه _ و آخر صورك الشاخصة في خيالي جلستك في الدار أمام المذياع , تستمعين للترتيل الجميل , و يبدو في قسمات

وجهك النبيل أنك تدركين _ بقلبك الكبير , و حسك البصير _ مراميه و خفاياه .

فإليك يا أماه ثمرة توجيهك الطويل , لطفلك الصغير , و لفتاك الكبير , و لئن كان قد فاته جمال الترتيل , فعسى ألا يكون قد فاته جمال التأويل , و

الله يرعاك عنده و يرعاه .

إبنك
العنوان: رد: من وحي كتاب
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2016-09-30, 12:29:01
من وحي كتاب "التصوير الفني في القرآن" لسيد قطب


شيء من تخيلات لمعاني الآيات كانت تتمثل لسيد قطب وهو طفل، عند قراءته القرآن ... :)
حتى وإن كانت صُوَرُه الطفولية ساذجة، فغير عادي أن يتملّى طفل في الآية ويتصورها .... طفولته أنبأت عن رشد آت ..ويصبح هذا المتخيل المتأمل الصغير صاحب الظلال...
ولخيال الصغار دور كبير، فلا تستهينوا به ...
---------------------------

 وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ} .
لم أكن أدرك من معاني هذه الآية شيئًا ولامن مراميها. ولكن صورة كانت تشخص في مخيلتي. صورة رجل، فاغر الفم، متدلي اللسان، يهلث ويلهث في غير انقطاع. وأنا بإزائه، لا أحول نظري عنه، ولا أفهم لم يلهث، ولا أجرؤ على الدنو منه!
وصور من هذه شتى، كانت ترتسم لخيالي الصغير؛ وكنت ألتذ التأمل فيها، وأشتاق قراءة القرآن من أجلها، وأبحث عنها -كلما قرأت - في ثناياه.

----------

وشدّني جدا، وصف سيد قطب للفرق بين القرآن وقد كان يتملاه صغيرا صورا، وبين القرآن وقد قرأ تفاسيره، فضلّت عنه تلك الصور البديعة التي كانت ملء خياله ... ولكن ما فتئ أن أعادها له تأمله للقرآن من القرآن  emo (30):

ودخلت المعاهد العلمية؛ فقرأت تفسير القرآن في كتب التفسير، وسمعت تفسيره من الأساتذة. ولكنني لم أجد فيما أقرأ أو أسمع ذلك القرآن اللذيذ الجميل، الذي كنت أجده في الطفولة والصبا.
وا أسفاه! لقد طمست كل معالم الجمال فيه؛ وخلا من اللذة والتشويق.
ترى هما قرآنان؟ قرآن الطفولة العذب الميسر المشوق؛ وقرآن للشباب العسر المعقد الممزق؟ أم إنها جناية الطريقة المتبعة في التفسير؟
وعدت إلى القرآن أقرؤه في المصحف لا في كتب التفسير. وعدت أجد قرآني الجميل الحبيب؛ وأجد صوري المشوقة اللذيذة. إنها ليست في سذاجتها التي كانت هناك. لقد تغير فهمي لها، فعدت الآن أجد مراميها وأغراضها، وأعرف أنها مثل يضرب، لا حادث يقع.
ولكن سحرها ما يزال. وجاذبيتها ما تزال.
الحمد لله. لقد وجدت القرآن!

-------------

يقول وهو يجعل القرآن مصدر بحثه حول الصور الفنية في القرآن :

ولكن ماذا أرى؟
إن حقيقة جديدة تبرز لي. أن الصور في القرآن ليست جزءًا منه يختلف عن سائره. إن التصوير هو قاعدة التعبير في هذا الكتاب الجميل. القاعدة الأساسية المتبعة في جميع الأغراض -فيما عدا غرض التشريع بطبيعة الحال -فليس البحث إذن عن صور تجمع وترتب. ولكن عن قاعدة تكشف وتبرز.
ذلك توفيق. لم أكن أتطلع إليه، حتى التقيت به!
وعلى هذا الأساس قام البحث؛ وكل ما فيه إنما هو عرض لهذه القاعدة، وتشريح لظواهرها، وكشف عن هذه الخاصية التي لم يتعرض من قبل لها.
العنوان: رد: من وحي كتاب
أرسل بواسطة: Asma في 2016-10-01, 21:28:32
سلام عليكم
متابعة يا اسماء هنا تفاصيل أكثر
العنوان: رد: من وحي كتاب
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2016-10-02, 10:30:36
سلام عليكم
متابعة يا اسماء هنا تفاصيل أكثر

أهلا وسهلا بك يا أسماء، سعيدة بمتابعتك  emo (30):
العنوان: رد: من وحي كتاب
أرسل بواسطة: سيفتاب في 2016-10-02, 22:54:31
وانا ايضا  ::)smile: