الساحة الإسلامية > :: قرآن ربي ::

كتاب: غربة القرآن. للدكتور مجدي هلالي

(1/8) > >>

ماما هادية:
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

وبعد انقطاع طويييل.. أعود إليكم أحبتي، وفي جعبتي كتاب قيم جدا، يستحق القراءة والتأمل الشديد، ومن ثم التطبيق والتغيير
إنه كتاب:

غربة القرآن
الدكتور مجدي هلالي
كتاب قيم جدا، يتكون من تمهيد وثمانية فصول، ويقع في 228 صفحة.
وأحث جميع حفاظ القرآن، أو المشتغلين بحفظه، أو تجويده على قراءته بشكل خاص، وجميع الملتزمين بشكل عام.

يحاول المؤلف أن يلفت نظرنا إلى خطأ اسلوب تعاملنا مع القرآن، والى وجوب تصحيح هذا الاسلوب.
يبدأ المؤلف كتابه بجملة تبين هدفه من هذا الكتاب:
" أكتبها والأمل في الله يحدوني بأن يجعلها سبحانه سبباً –مع غيرها- في استثارة العزائم والهمم نحو الانتفاع الحقيقي بالقرآن في تحصيل التغيير الجذري الشامل للفرد، ومن ثم الأمة؛ حتى يعود مجدها وعزها وأستاذيتها للبشرية، أستاذية الهداية وإقامة العدل"

يبين المؤلف في المقدمة أن القرآن روح، وحروفه وعاء، والشفاء والهداية والسعادة في الروح، لذلك مهما اشتغلنا بالألفاظ دون تلمس لهذه الروح، لن نجد نفعا للقرآن في قلوبنا او سلوكنا أو حياتنا. قال تعالى:  {وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا}

يقول: هناك خلل في تعاملنا مع القرآن لذلك لا نرى أثره.
لقد أنزل الله القرآن كأعظم نعمة تلقاها بشر، وذلك لكي يكون كتاب هداية وشفاء وتغيير، وعندما لا يتم التعامل مع على هذا الأساس، فإن عقوبات متوالية ستصيب الأفراد وتعم الأمة.


الفصل الأول: "بل نحن محرومون"

نحن محرومون من فضل هذا القرآن ومن أثره. يقول المؤلف: قوة النيران التي تصهر الحديد، وتذيب النحاس ما هي إلا أثر يسير من آثار قوته سبحانه، وكذلك فإن قوة تأثير الكهرباء، وأشعة الليزر، والقنابل الذرية هي آثار قوته سبحانه، فجميع أشكال القوة الموجودة على ظهر الأرض هي ملك لله، ومستمدة من قوته (أن القوة لله جميعا)
ولقد أخبرنا صاحب هذه القوة –جل شأنه- أن من أشد أنواع القوى تأثيرا، تلك القوة التي أودعها سبحانه في القرآن العظيم، قال: {لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا القُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُّتَصَدِّعاً مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ}
فقوة تأثير القرآن لا يوجد لها مثيل على ظهر الأرض. {وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ المَوْتَى بَل لِّلَّهِ الأَمْرُ جَمِيعاً} بمعنى أنه لو سمح الله للقرآن أن يفعل ذلك لسيرت به الجبال ولقطعت به الارض ولكلم به الموتى.
فأي تأثير يمكن ان يحدثه القرآن لو تعرض له الإنسان؟ ولو دخل دائرة تأثير القرآن؟ لا شك أن زلزالا عنيفا سيحدث له، فيعدل حياته، ويصحح مساره، ويقوم سلوكه، ويحدث فيه تغييرات جذرية شاملة، حتى يستحق لقب: حامل القرآن او صاحب القرآن او من أهل القرآن، فيصبح مسلماً، صالحاً، مصلحاً، متواضعاً، مجاهداً في سبيل الله، لا يخاف فيه لومة لائم، ياختصار: شخصا ربانيا مستقيما على شرع الله.
وقد وُصِف النبي صلى الله عليه وسلم بأنه كان: قرآناً يمشي على الأرض.
لقد أحدث القرآن هذا الأثر في نفوس الصحابة، فغيرهم تغيرا كاملا، من جاهلية عمياء، إلى جيل فريد لم يتكرر.
فأين أثره فينا؟
لا أثر للقرآن حقيقي فينا، ولكي نصدق ذلك فلنقم بالاختبارات الكاشفة التالية:  

الاختبارات الكاشفة:

1-   عندما تقرأ أي فقرة من كتاب او مقال ويمر معك آيات متتالية من القرآن، هل تصبر عليها وتقرؤها وتفكر بعلاقتها بما قبلها وما بعدها؟ ام تتجاوزها؟
2-   اذا اعترانا ضيق وشعرنا أننا بحاجة الى موعظة، هل نتصل بصديق صالح، او نبحث عن كتاب نافع في الرقائق، او محاضرة لداعية ما، ام نلجأ للقرآن؟
3-   إذا مرضنا أو تألمنا، وقرأنا على موضع الألم سورة الفاتحة، فهل يزول الألم؟ يقول الإمام الزركشي: لن ينتفع بالاستشفاء بالقرآن الا من أخلص لله قلبه ونيته، وتدبر الكتاب، وعمر به قلبه، وأعمل به جوارحه..
4-   حين نبحث في موضوع ما، هل نبدأ بجمع الآيات المتعلقة بالموضوع، ونتدبرها، ونرتب من خلالها عناصر الموضوع؟ ام نبحث في الكتب، ونرتب العناصر، ثم نبحث عن آيات تدعم ما وصلنا له مسبقا ونوشح بها موضوعنا؟ (قلت: أسلمة العلوم المختلفة ومنها البرمجة اللغوية العصبية نموذجا)
هل شعرنا بأننا محرومون؟ إن أخطر صور الحرمان ألا نشعر بالحرمان.

يتبع

ماما هادية:
الفصل الثاني: ماذا نخسر بعدم انتفاعنا بالقرآن
أهم أشكال الخسارة أن الله لن يغير حالنا. وتغيير ما بالنفس ينبغي ان يشمل مكونات الإنسان الاربعة:
العقل: بتغيير مفاهيمه وتصوراته ومعتقداته الخاطئة، وإعادة تشكيلها وفق التصور الإسلامي الصحيح
القلب: بتغيير ما فيه من هوى وحب الدنيا، حتى يصبح قلبا سليما
النفس: بتغيير ما فيها من كبر وتضخم ونزوات، وتزكيتها
البدن: بتعويده على الجهاد والاستقامة.

صعوبة التغيير:
عندما يولد الطفل فإنه يولد وهو لا يعلم شيئا، فيتولى والداه تربيته وغرس المفاهيم والعلوم المختلفة فيه، فيكتسب منهما الخبرات والمهارات والاخلاق والمفاهيم والقيم. ثم يأتي دور المدرسة والمجتمع، ووسائل الاعلام... وكلما امتلأ المحتوى التكويني للطفل بهذه الروافد، قل انبهاره بما أمامه، وكلما تقدم به العمر، رسخ وتجذر المحتوى التكويني لشخصيته، لتصبح إمكانية التغيير في البنية الأساسية لشخصيته أمرا في غاية الصعوبة، وأصبحت القيم والمعتقدات والتصورات المكتسبة كالصخور او اشد في صلابتها.

إن أي جهد يبذل في اتجاه التغيير، سيكون محدودا، وغايته أن يستقبله بعقله المدرك، فيقتنع به، دون ان يدخل لعمق شخصيته، ومحتواه التكوينين، فتصبح تلك القناعة كالطلاء على الصخر، يغير لونه، ولا يغير حقيقته، وتتجلى الحقيقة عند المحكات العملية التي يسقط فيها الطلاء الخارجي، ويظهر الجوهر، كما في حال البلاء والمحن، وفتن السراء والضراء.

فكيف تتزلزل الصخور المتجذرة في محتوانا التكويني وتتحطم، ويعاد بناؤها من جديد على أساس العبودية لله عز وجل، ومعاني الإسلام الصحيحة؟ إننا بحاجة لقوة مزلزلة، هي تلك القوة التي لو نزلت على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله.. قوة تأثير القرآن. وهذا ما حدث مع الصحابة عندما فتحوا له قلوبهم وعقولهم.

لذا علينا اعادة الناس للقرآن، وربطهم به، لانه هو المنهج، بحيث يكون ارتباطهم بالمنهج التربوي لا بالمربين، فيستمرون مستقيمين على شرع الله، حتى وإن غاب عنهم المربي.  "لن يتغير الفرد ولا الأمة ولن ينصلح حالها، إلا إذا دخل القرآن بقوته المزلزلة إلى ذات الإنسان، وتم التعامل معه باعتباره الوسيلة المتفردة للتربية."

ماما هادية:
الفصل الثالث: لماذا حرمنا الانتفاع بالقرآن
يستعرض المؤلف عظم قدر القرآن عند الله تعالى الذي أنزله، {إنه لقرآن كريم في كتاب مكنون}، ويسوق لذلك عشرات الآيات والأحاديث. ثم يبين لنا حال النبي صلى الله عليه وسلم وهو يتلقى القرآن، فعن عائشة رضي الله عنها : ان النبي صلى الله عليه وسلم كان اذا اوحي اليه وهو على ناقته وضعت جرانها فلم تستطع ان تتحرك. وتلت قول الله عز وجل: {إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا}".

وكان صلى الله عليه وسلم شديد الغيرة على القرآن، ينهى الصحابة أن يقرؤوا في كتب الأولين المحرفة، حتى لا ينشغلوا عن كتاب الله تعالى بغيره أبدا، وكان ينهاهم ان يكتبوا عنه حديثه (الا في حالات استثنائية)، لئلا يختلط القرآن بغيره من كلام البشر ، ولو كان كلام الوحي الذي يجري على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم. وكان صلى الله عليه وسلم في كثير من خطب الجمعة يكتفي بقراءة القرآن، وكان دائم التحفيز لأصحابه رضوان الله عليهم ان يتعلموا القرآن.

يقول المؤلف: "أليس من الواجب والقرآن بهذا القدر، أن نقبل عليه بشغف واهتمام شديدين، واحترام وتوقير عظيمين، وأن نهيئ أنفسنا للقائه، وأن نصغي لخطابه إصغاء شديدا، وأن نستمع إليه بهيئة التلقي للتنفيذ".

ويقول: "إن لم يتعامل المسلمون مع القرآن بما يستحق، كان العقاب الفوري منه سبحانه، بإبعادنا عن دائرة تأثير معجزاته، وعن الانتفاع بها، وبصرف روح القرآن عن ألفاظه عندما نقرؤها أو نستمع إليها، فتصير كالجسد بعد خروج الروح منه."
قال تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْراً}
وقال تعالى : {سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الحَقِّ وَإِن يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لاَّ يُؤْمِنُوا بِهَا} أي أحرمهم فهم القرآن.

وفي السنة أحاديث كثيرة تثبت أن الله عز وجل يحاسب الناس على قدر علاقتهم بالقرآن، منها :
قوله صلى الله عليه وسلم: "القرآن حجة لك أو عليك"
وقوله: " القرآن شافع مشفع، وماحل مصدق، من جعله إمامه، قاده إلى الجنة، ومن جعله خلف ظهره ساقه إلى النار".
وقوله: " إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواما، ويضع به آخرين".

ماما هادية:
الفصل الرابع: صور وأشكال العقوبة:


1-   أخطر أنواع العقوبة، عدم الشعور بالحرمان من القرآن

2-   عدم الإحساس بثقل القرآن، او "تخفيف القرآن" أي تخفيف قدره وهيبته من قلوبنا، وفي الحديث الحسن: "سيخرج من أمتي أقوام يشربون القرآن كشربهم الماء". وقال ابن عمر رضي الله عنهما: "كنا صدر هذه الأمة، وكان الرجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ما معه إلا السورة من القرآن او شبه ذلك، وكان القرآن ثقيلا عليهم، ورزقوا العمل به، وإن آخر هذه الأمة يخفف عليهم القرآن، حتى يقرأه الصبي والأعجمي، فلا يعملون به."

يقول المؤلف: "فالقرآن ثقيل بما يحمل من روح من أمر الله، ومن قوة تأثيرية مزلزلة، فهو ثقيل بأثره على القلب، وبما تحمله كلماته من معان هادية، وبما توجه إليه آياته من أعمال. "  
فعندما لا يتم التعامل مع القرآن على هذا الأساس، ينزع الله مهابته من القلوب، ويخففه على الألسنة والآذان، فيُقرأ بسرعة، دون فهم ولا تدبر، ويدخل إليه الشخص غير عابئ أو مهتم بالانتفاع به، لا يستشعر الحاجة إليه. يقول معاذ بن جبل: "إن وراءكم فتنا، يكثر فيها المال، ويفتح فيها القرآن، حتى يقرأه المؤمن والمنافق، والمرأة والصبي.."

يقول المؤلف: "لقد فتح لنا القرآن، وأصبح قولا خفيفا على ألسنتنا، غير محاط بالجلال والهيبة في قلوبنا، فتسابقنا لقراءته وحفظه، وأصبحت آياته تبث ليل نهار، فظننا بذلك أننا من أهله، فنحن لا نشعر بأي مشكلة، ولا نجد رغبة في التغيير الحقيقي لطريقة تعاملنا معه."

الفرق بين تخفيف القرآن وتيسيره للذكر:

قد يعترض معترض ويقول، ألم يقل تعالى: {ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر}؟ والجواب: معنى تيسيره للذكر أنه ميسر للقراءة في كل مكان وزمان، وأنه يخاطب جميع المستويات في كل العصور، الشاب والشيخ، الرجل والمرأة، العالم والأمي. ومعناه كذلك أن القرآن كلام الله عز وجل، ولولا أنه يسره لعباده لما استطاعوا ان يتكلموا بكلامه. وهذا تفسير ابن عباس. ويقول القرطبي: لولا أنه سبحانه جعل في قلوب عباده من القوة على حمله ما جعله، ليتدبروه وليعتبروا وليتذكروا ما فيه من طاعته وعبادته واداء حقوقه وفرائضه، لضعفت ولاندكت بثقله، او لتضعضعت له، وأنى تطيقه؟ والله تعالى يقول: {لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا القُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُّتَصَدِّعاً مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ}، فأين قوة القلوب، من قوة الجبال؟"

3-   رفع القرآن من المصاحف والصدور، وهي عقوبة تنزل آخر الزمان، نتيجة الاستمرار في الظلم وسوء التعامل مع القرآن. جاء في الحديث الصحيح: "يدرس الإسلام كما يدرس وشي الثوب، حتى لا يُدرى ما صيام ولا صلاة ولا نسك ولا صدقة، وليُسرى على كتاب الله عز وجل في ليلة، فلا يبقى في الأرض منه آية، وتبقى طوائف من الناس: الشيخ الكبير والعجوز، يقولون: أدركنا آباءنا على هذه الكلمة (لا إله إلا الله) فنحن نقولها."

يقول المؤلف: "إن الحرمان من القرآن يكون تدريجيا، يبدأ بالحرمان من روحه، ومن حلاوته، وأثره المزلزل في تغيير الشخص، وينتهي بالحرمان من ألفاظه".

ماما هادية:
الفصل الخامس: أخطاؤنا مع القرآن
1-   الجفاء عن القرآن:
2-   التوجه الدائم نحو الكتب قبل القرآن
3-   الإسراع في حفظ ألفاظه دون العمل بها
4-   البث المستمر للقرىن دون الاستماع والإنصات إليه
5-   الإسراع في قراءته دون تدبر
6-   التعمق في إقامة حروفه، وإهمال العمل به
7-   تلحين القرآن

-----------------

 
1-   الجفاء عن القرآن:
ويشمل ذلك البعد عنه، وعدم المداومة على قراءته، ومرور الأوقات دون الالتفات إليه، كما يشمل عدم تدبره، لأن المقصود من قراءته هو فهم المقصود من آياته، ليحدث من وراء ذلك كمال الاتباع. قال تعالى: { إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِراًّ وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ}. ومعنى يتلو: يتبع.
فمن الضروري المداومة اليومية على قراءة القرآن، وتخصيص (وِرد) يكون بمثابة جرعة ثابتة يومية. جاء في الحديث الصحيح: "من نام عن حزبه، أو عن شيء منه، فقرأه فيما بين صلاة الفجر وصلاة الظهر، كتب له كأنما قرأه من الليل". وهذا يدل على ضرورة المداومة. وفي الحديث الصحيح:" اقرؤوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعا لأصحابه".
والهدف من الاستمرار في قراءة القرآن تحقق التقوى: { وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِياًّ وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْراً}  
وإن هجر القرآن يعرض صاحبه لعقوبة الله عز وجل، لما فيه من دليل على عدم الاهتمام والتوقير للقرآن، ويورث قسوة القلب، ويزول بسببه أثر القرآن على المسلم، ويؤدي ذلك إلى نسيان معاني القرآن، إضافة إلى ما فيه من حرمان من الثواب والأجر، ومن البركة والخير، والخسران يوم القيامة.
وقد كانت سير الصحابة والتابعين والأئمة المهديين في هذه الأمة، تطبيقا عمليا لهذه المداومة والإقبال على كتاب الله.
يقول المؤلف: "إذا تأملنا واقعنا مع القرآن، وبيوتنا مع القرآن، وليلنا مع القرآن، فسنوقن أننا قد تجافينا عنه، فمن النادر أن تجد من بيننا من يحافظ على وِرْده، ولو حافظ عليه فبدون تدبر".

2-   التوجه الدائم نحو الكتب قبل القرآن
يقول المؤلف: "من أشد الممارسات الخاطئة التي وقعنا فيها، وتلبسنا بها، واستدعت مزيدا من الحرمان من روح القرآن وأثره: التوجه الدائم نحو الكتب في تحصيل المعرفة، وترك القرآن، وعدم البدء به."
فالقرآن هو رسالة الله لنا، وهو المنبع الصافي الزلال للعلم والإيمان، فيه كل ما يحتاجه الفرد من العلم النافع اللازم لنجاحه في اختبار العبودية. {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الكِتَابَ تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ}
وعندما نتحدث عن القرآن، فالسنة تلحق به بالتبعية، فهي مبينة للكتاب، وشارحة له، ومفسرة لمبهمه، ومفصلة لمقاصده، ومتممة لأحكامه. يقول الشيخ عبد الفتاح أبو غدة: "السنة والكتاب توأمان لا ينفكان، ولا يتم التشريع إلا بهما جميعا"
يقول المؤلف: "وكلما تعودنا البحث في الكتب لطلب العلم والمعرفة، ازداد تقليلنا لشأن القرآن وقيمته العلمية والإيمانية دون أن نشعر. فالترتيب الطبيعي أن تتجه العقول والقلوب نحو القرآن العظيم بتلقائية عند البحث عن موضوع ما، فإن لم نجد بحثنا في السنة، ثم ننتقل إلى الكتب الأخرى إذا أردنا معرفة بعض المعاني الغامضة او الملتبسة علينا."
ويحذر الكاتب من ان تعاقب الأجيال على هذا التعامل الخاطئ مع القرآن، جعلهم يؤولون كل حديث عن فضل تعلم القرآن وتعليمه، على أنه لحفظ حروفه وتجويدها وتلقينها، وتوهموا أن القرآن بهذا الشكل سيعطيهم سعة في الرزق وبركة في العمر أو صلاحا للأولاد، حتى يأتي على الناس زمان: القرآن في واد، وهم في واد آخر.
وينبه الكاتب على مسألة مهمة فيقول: " ما نقصده من التوجه للقرآن أولا عند إرادة البحث في موضوع ما: إنما نقصد به المعاني الهادية فقط، وأما ما يخص الأحكام الشرعية فلا ينبغي لنا أن نقفز مباشرة إلى آيات القرآن لنستنبطها، فهذا لا يجوز، وليس من اختصاصنا، بل من اختصاص الفقهاء، فعلينا أن نرجع لكتبهم"
إن انكباب المسلمين على الكتب المختلفة، قبل التوجه للقرآن تدبرا وفهما وتطبيقا، أدى إلى تشتتهم، وقسوة قلوبهم، واختلافهم، وترسخ قيم خاطئة فيهم، فيصبح ميزانهم معرف الحق بالرجال، لأنهم اهتموا بأقوال الرجال أكثر من اهتمامهم بقول الحق جل وعلا.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من اقتراب الساعة أن ترفع الأشرار، وتوضع الأخيار، ويفتح القول، ويخزن العمل، ويقرأ القوم بالمثناة، ليس فيهم أحد ينكرها. قيل: وما المثناة؟ قال: ما استُكتب سوى كتاب الله عز وجل".
ويؤكد المؤلف ان الاهتمام بكتب السنة والسيرة والفقه وفقه الواقع ومخططات الاعداء، كلها كتب مهمة، وهو لا يدعو إلى تركها، ولكنه يقول: "الخطأ يكمن في الانبهار والانغماس في هذه الكتب، وهجر الانتفاع بالقرآن، ويكفي في بيان خطورة ذلك رصد شعورك وأنت متجه إلى قراءتها، ومقارنته بشعورك وانت متجه للقرآن. ولو كان الانكباب والاهتمام والانبهار بالقرآن هو الاساس، والقراءة في الكتب الاخرى على سبيل الاستئناس، فلا بأس من ذلك."
عندما سمع الناس بالمدائن ان سلمان رضي الله عنه بالمسجد أتوه، فجعلوا يثوبون إليه، حتى اجتمع نحو ألف، فقام فجعل يقول: اجلسوا اجلسوا، فلما جلسوا، فتح سورة يوسف يقرؤها، فجعلوا يتصدعون ويذهبون، حتى بقي في نحو من مائة. فغضب وقال: الزخرف من القول أردتم؟ قرأت عليكم كتاب الله فذهبتم؟
يقول محمد إقبال في مقطوعة شعرية: "إنك أيها المسلم لا تزال أسيرا للمتزعمين للدين، والمحتكرين للعلم، ما لم تستمد حياتك من حكمة القرآن رأسا. إن الكتاب الذي هو مصدر حياتك، ومنبع قوتك، لا اتصال لك به إلا إذا حضرتك الوفاة، فيُقرأ عليك سورة (يس) لتموت بسهولة. فواعجبا! قد أصبح الكتاب الذي أنزل ليمنحك الحياة والقوة، يتلى الآن لتموت براحة وسهولة."


3-   الإسراع في حفظ ألفاظه دون العمل بها
رسخ في أذهان المسلمين ضرورة حفظ القرآن بعضه او كله، وأن مجرد حفظ حروف القرآن ترفع صاحبها في الدنيا والآخره، وتجعله من أهل القرآن، ورفيقا للسفرة الكرام البررة، وغير ذلك مما ورد في أحاديث فضل القراء، فأدى ذلك إلى حرص كثير من المسلمين على حفظه شكلا، لا موضوعا، وإن فاتهم ذلك، تجدهم شديدي الحرص على إلحاق أولادهم بحلقات تحفيظ القرآن، ويرون هذه أفضل وسيلة لتربية أولادهم.
وليست المشكلة في حفظ ألفاظ القرآن، ولكن في الاكتفاء بهذا، وظن أن هذا الحفظ هو المطلوب شرعا، وهو الذي يؤهل صاحبه ليكون من أهل القرآن.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أتيت ليلة أسري بي على قوم تقرض شفاههم بمقاريض من نار، كلما قرضت وفّت، فقلت يا جبريل من هؤلاء؟ قال: خطباء أمتك، الذين يقولون ما لا يفعلون، ويقرءون كتاب الله ولا يعملون به".

لماذا أنزل الله القرآن؟

أنزل الله تعالى القرآن لإقامة الحجة على الناس، وهدايتهم إلى صراط الله المستقيم، وإخراجهم من الظلمات إلى النور، وشفاء قلوبهم من أمراض الشبهات والشهوات. وهذا المعنى يستدعي دوام الاتصال بالقرآن لتحصيل الهداية والشفاء والعلم والإيمان، سواء القراءة في المصحف، او عن ظهر قلب. فالمقصد هو تحصيل الفوائد المرجوة من القرآن.

تحرير مفهوم "حملة القرآن"

إن حمل سورة ما يعني: حفظ حروفها، وفهم معانيها، والعمل بما تدل عليه، والتخلق بها. أما حمل الألفاظ فحسب، فيدخل صاحبه في دائرة الذين يقولون ولا يعملون، ويُخشى ان ينطبق عليه قول الله تعالى: { مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً بِئْسَ مَثَلُ القَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي القَوْمَ الظَّالِمِينَ}
وقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "أكثر منافقي أمتي قراؤها"  لأنهم حملوا السور لفظاً، ولم يحملوها معنى. وتطبيقا.

والجمع الحقيقي للقرآن يشمل اللفظ والمعنى، والإيمان بالذي تحمله الآيات، والعمل بها، والتخلق بها. وهذا معنى قول عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: "من جمع القرآن فقد أدرجت النبوة بين كتفيه، غير أنه لا يوحى إليه".

ويفسر المقصودَ كلامُ الدكتور فريد الأنصاري: "إن الذي لا يكابد منزلة الإخلاص، ولا يجاهد نفسه على حصنها المنيع، ولا يتخلق بمقام توحيد الله في كل شيء، رغبا ورهبا، لا يمكن ان يعتبر حافظا لسورة الإخلاص. والذي لا يذوق طعم الأمان عند الدخول في حمى المعوذتين، لا يكون قد اكتسب سورتي الفلق والناس، والذي لا تلتهب مواجده بأشواق التهجد، لا يكون من أهل سورة المزمل، والذي لا تحترق نفسه بجمر الدعوة والنذارة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ليس من المتحققين بسورة المدثر."

وفي ضوء هذا، نفسر التهديدات التي وردت لمن ينسى القرآن الكريم، او ينسى آياته، على أنها نسيان العمل بها، وترك التحقق بها. "أما نسيان لفظ القرآن مع فهم معناه، والقيام بمقتضاه، فليس داخلاً في هذا الوعيد الخاص". ونفسر كل ما جاء من أحاديث في فضل الحفظ: أنه التقيد بالعمل بالآيات، والتحقق بها، ويدل على ذلك الحديث التالي: "يؤتى بالقرآن يوم القيامة، وأهله الذين كانوا يعملون به، تقدمه سورة البقرة وآل عمران، كأنهما غمامتان، أو ظلتان سوداوان بينهما شرق، أو كأنهما حزقان من طير صواف، تُحاجَّان عن صاحبهما".
وفي ضوء هذا ايضا، تفسر الأحاديث التي تقدم للإمامة والرئاسة أكثر القوم جمعا للقرآن.

وهذا ما نراه بملاحظة سيرة الصحابة الكرام، حيث لم يكونوا حريصين على الإسراع في حفظ ألفاظ القرآن، بل كانوا يبقون مدة في حفظ السورة، وكان الحفاظ بينهم قليلين، وكانوا ينهون من بعدهم عن الإسراع في الحفظ، وكانوا ينزعجون من جمع القرآن في سن صغيرة.
يقول عبد الله بن عمر: "كان الفاضل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يحفظ من القرآن إلا السورة أو نحوها، ورزقوا العمل بالقرآن. وإن آخر هذه الأمة يخفف عليهم القرآن، منهم الصبي والأعمى، ولا يرزقون العمل به."

وقد كتب إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه بعضُ عماله في العراق، يخبرونه أن رجالا قد جمعوا كتاب الله تعالى، فكتب لهم عمر: أن افرض لهم في الديوان. فكثر من يطلب القرآن، فكتُب إليه من قابل: أنه قد جمع القرآن سبعمائة رجل، فقال عمر: إني لأخشى أن يسرعوا في القرآن قبل ان يتفقهوا في الدين؛ فكتب ألا يعطيهم شيئاً."

وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: "كيف أنتم إذا لبستكم فتنة يربو فيها الصغير، ويهرم فيها الكبير، وتُتخذ سنة مبتدعة، يجري عليها الناس، فإذا غُير منها شيء قيل: قد غُيرت السنة. قيل: متى ذلك يا أبا عبد الرحمن؟ قال: إذا كثر قراؤكم، وقل فقهاؤكم، وكثر أمراؤكم، وقل أمناؤكم، والتُمست الدنيا بعمل الآخرة، وتُفقه لغير الدين."

وقال الحسن: "نزل القرآن ليُعمل به، فاتخذ الناس تلاوته عملا. "

ويقول ابن مسعود لرجل: "إنك في زمان قليل قراؤه، كثير فقهاؤه، تُحفظ فيه حدود القرآن، وتُضيع فيه حروفه، قليل من يسأل، كثير من يعطي، يطيلون فيه الصلاة، ويقصرون فيه الخطبة، يبدون فيه أعمالهم قبل أهوائهم. وسيأتي على الناس زمان، كثير قراؤه، قليل فقهاؤه، تُحفظ فيه  حروف القرآن، وتضيع حدوده، كثير من يسأل، قليل من يعطي، يطيلون فيه الخطبة، ويقصرون فيه الصلاة، ويبدون أهواءهم قبل أعمالهم."


أطفالنا وحفظ القرآن:

يسعى كثير من الآباء إلى الإسراع في تحفيظ أولادهم القرآن في الصغر، ليكون كالنقش على الحجر، فيحفظونهم الألفاظ دون المعاني والأحكام، فهل هذا التعامل يليق بجلال القرآن، وهل سيغير من أخلاق الأولاد كما يظن الآباء؟
إن استغلال سهولة الحفظ لدى الأولاد ينبغي ان توجه لفقه القرآن وحفظ معانيه وأهدافه ومراميه، وإن حفظ جزء (عمّ) لفظا ومعنى وتطبيقا، أفضل للطفل وتربيته وأخلاقه، من حفظ القرآن كله لفظا فحسب، والذي قد يورثه عجبا او غرورا، او زهدا في كتاب الله، ومللا منه. ولنكن في هذا متبعين لهدي الصحابة، فقد كانوا أعرف الناس بالحق.

وبعض الناس يرى ضرورة الاشتغال بحفظ الحروف، محافظة على التواتر، وخشية ان يضيع القرآن.
والجواب: لقد نزل القرآن ليكون سبباً لهدايتنا وشفائنا وتغيرنا، وأخبرنا سبحانه أنه قد تولى وتكفل بحفظه حتى لا يُحرًف: { إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} وطلب منا ان ننشغل بتدبره والعمل به: { كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الأَلْبَابِ} ولم يعاتبنا على تقصيرنا في الحفظ، ولكن عاتبنا على عدم تدبره: { أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ القُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا}

وليس المقصود من هذا: الاستهانة بحفظ القرآن، ولكن المقصود ربط الحفظ بالمعنى والعمل، وتقديم الكيف على الكم، والمقصد على الوسيلة.

إنها ليست دعوة لترك الحفظ، فلا بد ان يكون في جوف المؤمن شيء من القرآن. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الذي ليس في جوفه شيء من القرآن كالبيت الخرب" . ولكنها دعوة لترك الإسراع في الحفظ، وترك تقديم حفظ الألفاظ على العلم والعمل والتخلق بها.


4-   البث المستمر للقرآن دون الاستماع والإنصات إليه
كثرة بث آيات القرآن من الإذاعات والفضائيات ساهمت في تخفيف القرآن في قلوبنا، ونزع مهابته من صدورنا، فهذا الكتاب المعجز المقدس، ينبغي ان تمتلئ القلوب من مهابته وإجلاله وتقديره، وينبغي كذلك الاستعداد الجيد والتهيئة العظيمة لقراءته أو سماعه، ولكن هذه الإذاعات جعلت الشخص يسمع القرآن في أي وقت وأي مكان، وأي زمان، شاء أم أبى، وبتكرار إذاعته حدث إلف لنغمته، والإنسان إذا ألف شيئا، حال هذا الإلف بينه وبين الانتفاع به، وصرفه عن التفكر فيه، واكتشاف ما فيه من كنوز.

يقول سيد قطب: "لقد حاول أعداء هذا الدين دائما أن يصرفوا الناس نهائيا عن هذا القرآن. فلما عجزوا، حولوه إلى ترانيم يترنم بها القراء، ويطرب لها المستمعون، وحولوه إلى تمائم وتعاويذ يضعها الناس في جيوبهم وفي صدورهم وتحت وسائدهم، فظن المسلمون بذلك أنهم أدوا حق هذا القرآن."

لقد بلغ الأمر بنا أن أصبحت إذاعة العدو الصهيوني تبث القرآن، لشدة اطمئنانهم إلى عدم انتفاعنا به. وأصبح المسلمون يتركون المحطة الإذاعية التي تبث القرآن تعمل في المنزل أو السيارة أو أماكن العمل، دون الاستماع إليها، بل تترك لتخاطب الجدران، بحجة طرد الشياطين واستجلاب البركة. ألا إن بركة القرآن تكمن في روحه وأنواره، وقدرته على التغيير والهداية والشفاء بإذن الله.

يقول عبد الكريم الخطيب: "الذي يقرأ القرآن أو يستمع إليه في غير تدبر وتذكر ليس بقارئ للقرآن وإن قرأ، وليس بمستمع للقرآن وإن سمع، لأنه ليس من الذين وصفهم الله تعالى بقوله: { اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الحَدِيثِ كِتَاباً مُّتَشَابِهاً مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَن يَشَاءُ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ}

ويقول كذلك: "ألا فليعلم أولئك الذين يفتحون المذياع على تلاوة القرآن، ثم يدعون صوت المقرئ يملأ جنبات البيت، وهم يحسبون أنهم بهذا قد ملأوا البيت من نفحات آيات الله، ونشروا على أنفسهم وعلى أهليهم الخير والبركة منها، دون أن يجلسوا هم وأهلوهم مجلس القرآن، ودون أن يحسنوا الاستماع إلى آيات الله، وتدبرها، والوقوف عند كل زاجرة وواعظة منها، ألا فليعلموا أنهم بخسوا القرآن حقه، وظلموا أنفسهم وأهليهم بما فاتهم من حظ عظيم كان دانيا منهم، ولو عرفوا للقرآن الكريم قدره، لما اتخذوه بخورا يطلقونه من المذياع."
.

5-   الإسراع في قراءته دون تدبر

إن القرآن قول ثقيل، ينبغي أن يُقرأ ببطء وتَرَسُّل وتمهل؛ حتى تُفهم وتتدبر معانيه: { وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلاً}
قال ابن مسعود رضي الله عنه عن القرآن: "لا تنثروه نثر الرمل، ولا تهذّوه هذَّ الشعر، قفوا عند عجائبه، وحركوا به القلوب، ولا يكن هَمُّ أحدكم آخر السورة."

ويستنكر المؤلف ان يقرأ القرآن في وسائل المواصلات، او الاسواق او المصانع او غرف الانتظار، وسط اللغط واللغو، لأنه وإن كان متعبدا بتلاوته، الا ان الهدف الحقيق من تلاوته هو تدبر آياته، وتحقق أوامره، وفي قراءته في هذه المواطن استخفاف به.
ويستشهد بقول الإمام القرطبي: " ومن تعظيم القرآن ألا يُقرأ في الأسواق ولا في مواطن اللغط واللغو ومجمع السفهاء. ألا ترى أن الله تعالى ذكر عباد الرحمن وأثنى عليهم بأنهم {  وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَاماً} هذا المرور نفسه، فكيف إذا مروا بالقرآن الكريم تلاوة بين ظهراني أهل اللغو ومجمع السفهاء.!"

ويرى المؤلف أن أخطر موسم لامتهان القرآن هو شهر رمضان بكل اسف، حيث يتسابق الناس في إنهاء أكبر عدد ممكن من ختمات القرآن، فيقرؤونه بأقصى سرعة، دون تفكر فيما يقرؤون، حتى إنك اذا سألت أحدهم بعد فراغه من التلاوة عن موضوع الآيات التي تلاها، حار في الجواب، واندهش للسؤال.

وأكثر الممارسات خزيا هي ما يحدث من قراءته في سرادقات العزاء، وافتتاح الحفلات والمناسبات، وكأنه مقطوعة موسيقية، أو فقرة لازمة من فقرات الحفل المتعددة


6-   التعمق في إقامة حروفه، وإهمال العمل به
أصبح هم المتعلمين هو الاجتهاد في إقامة حروف القرآن، كما يريد لهم معلموهم، فيكرر أحدهم الكلمة مرات ومرات ليتقن مخارج الحروف وصفاتها، دون أدنى تفكير في معنى ما يقول.
وأصبح أمل الحصول على إجازة قراءة من القراءات، حلما يراود كثيرين،
 ثم تطور الامر فأصبح بعض المعلمين يأخذ مبالغ مالية كبيرة مقابل منح الإجازة.
وقد حذر الرسول صلى الله عليه وسلم من هذا، فعن سهل بن سعد الساعدي، قال: بينما نحن نقترئ إذ خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: "الحمد لله، كتاب الله واحد، وفيكم الأخيار، وفيكم الأحمر والأسود، اقرءوه، قبل أن يأتي أقوام، يقيمون حروفه كما يقام السهم، لا يجاوز تراقيهم، يتعجلون أجره ولا يتأجلونه." يقول الإمام الغزالي: " من ضيع عمره في تصحيح مخارج الحروف في القرآن، واقتصر عليه، فهو مغرور، إذ المقصود من الحروف: المعاني، وإنما الحروف ظروف وأدوات."

7-   تلحين القرآن
أمرنا الله تعالى بترتيل القرآن والتغني به، فقال: {ورتل القرآن ترتيلا} وقال صلى الله عليه وسلم: "ليس منا من لم يتغنَّ بالقرآن".
يقول المؤلف: "ترتيل القرآن، وتحسين الصوت به، له وظيفة عظيمة، في استثارة المشاعر مع المعاني التي يحصلها العقل بالتدبر، فينشأ تبعا لذلك الإيمان بإذن الله."
ولكن علينا ألا ننشغل بالنغم واللحن عن حقيقة التفكر والتدبر والخشوع.
يقول ابن كثير: "المطلوب شرعا إنما هو التحسين الباعث على تدبر القرآن وفهمه، والخشوع والخضوع والانقياد للطاعة. فأما الأصوات بالنغمات المحدثة المركبة على الأوزان الملهية، والقانون الموسيقاني، فالقرآن ينزه عن هذا، ويجل ويعظم أن يسلك في أدائه هذا المذهب، وقد جاءت السنة بالزجر عن ذلك."

 وقد تخوف النبي صلى الله عليه وسلم على أمته من ست خصال، منها: "نشواً يتخذون القرآن مزامير، يقدمون أحدهم، ليس بأفضلهم في الدين، ولكن يقدمونه ليغنيهم به غناء".




ومن الاخطاء أيضا:
-   استخدام آيات القرآن في الزينة والديكور.
-   تزيين المصاحف.
-   تصغير المصاحف
وغير ذلك من تصرفات، تهون من شأن تناولنا للقرآن، وتعرضنا لعقوبة الله عز وجل، وتحرمنا من روح القرآن.

تصفح

[0] فهرس الرسائل

[#] الصفحة التالية

الذهاب الى النسخة الكاملة