خصائص التصور الإسلامي ومقوماته -سيد قطب-
يبدأ رحمه الله كتابه بـ:كلمة في المنهج
وفيها يعرض للداعي من معرفة خصائص التصور الإسلامي، ذلك :
*لأنه لا بد للمسلم من تفسير شامل للوجود، ومن تفسير للحقائق الكبرى التي يتعامل معها، وطبيعة الارتباطات بين هذه الحقائق، حقيقة الكون، وحقيقة الحياة، وحقيقة الإنسان . وحقيقة ارتباط كل هذا بخالق الكون سبحانه.
*ولا بد للمسلم من معرفة حقيقة مركزه، وغاية وجوده، ودوره، وحدود علاقته بخالق هذا الكون، ولأنه بناء على هذه المعارف يتحدد منهج حياته، وطبيعة نظامه
*ومعرفة هذه الخصاص ضرورية من ناحية أن هذا الدين جاء لينشئ أمة سيدة، تقود البشرية لبرّ أمانها، بتحقيق منهج الله في الأرض، ولتنقذ البشرية من التصورات الضالة، ولقد تحققت القيادة البشرية على أيدي المسلمين الأوائل، بشكل لم تعرف له البشرية نظيرا، أولئك كان مرجعهم القرآن، فكانت نت ظاهرة انبثاق أمة عظيمة من نصوص كتاب...!
وللكاتب في دور القرآن كلام عميق، من الأحسن نقله حرفيا:
"إن المسألة -في إدراك مدلولات هذا القرآن و إيحاءاته- ليست هي فهم ألفاظه و عباراته, ليست هي -تفسير القرآن- كما اعتدنا أن نقول!! المسألة ليست هذه, إنما استعداد النفس برصيد من المشاعر و المدركات و التجارب التي صاحبت نزوله, و صحبت حياة الجماعة المسلمة و هي تتلقاه في خضم المعترك.. معترك الجهاد.. جهاد النفس و جهاد الناس, جهاد الشهوات و جهاد الأعداء. والبذل والتضحية والخوف والرجاء، والضعف والقوة، والعثرة والنهوض .. جو مكة، والدعوة الناشئة، والقلة والضعف، والغربة بين الناس .. جو الشعب والحصار، والجوع والخوف، والاضطهاد والمطاردة، والانقطاع إلا عن الله .. ثم جو المدينة : جو النشأة الأولى للمجتمع المسلم بين الكيد والنفاق والتنظيم والكفاح .. جو بدر وأحد والخندق والحديبية وجو الفتح وحنين وتبوك وجو نشأة الأمة المسلمة نشأة نظامها الاجتماعي، والاحتكاك الحي بين المشاعر والمصالح والمبادئ في ثنايا النشأة ومن خلال التنظيم . في هذا الجو الذي تنزلت آيات القرآن حية نابضة واقعية .. كان للكلمات وللعبارات دلالاتها وإيحاءاتها .. وفي مثل هذا الجو الذي يصاحب محاولة استئناف الحياة الإسلامية من جديد، يفتح القرآن كنوزه للقلوب، ويمنح أسراره ويشيع عطره، ويكون فيه هدى ونور.."
فيرى الكاتب أنه ببُعد الناس عن الحياة الواقعية بأجواء القرآن كما أسلف، لم يكن بدّ من تقديم حقائق التصور الإسلامي عن الله والكون والحياة والإنسان. وذلك من خلال النص القرآني .
ويشير إلى نقطة جوهرية، أنه لا يبغي بهذا معرفة باردة بل يبغي حركة في عالم الواقع، -وكما يقول- يبغي أن ترجع البشرية إلى ربها وإلى منهجه الذي أراده لها ...
نشأة الفلسفة الإسلامية
يعرّج إلى فترة من فترات الحضارة الإسلامية التي وقع فيها الاحتكاك بين المسلمين والبلاد المفتوحة للإسلام، وبعض ما جرّه هذا الاحتكاك من تأثر بدراسات غربية لاهوتية أدخلت على المسيحية، أدى إلى بروز انحرافات واتجاهات غريبة عن التصور الإسلامي، تصدّى لها مجموعة من علماء المسلمين، بردود وتوضيحات حول ذات الله وصفاته، وحول القضاء والقدر، وتواجدت الفرق المختلفة، من مرجئة ومعتزلة، وشيعة وغيرهم، كما أن منهم من فُتِن بالفلسفة فظنوا أن الفكر الإسلامي لا يكتمل إلا إذا ارتدى ثياب الفلسفة، فكانت محاولة إنشاء الفلسفة الإسلامية، فصبوا التصور الإسلامي في قالب فلسفي...
يشير الكاتب إلى نقطة جوهرية، وهي غربة الفلسفة الإسلامية ومباحث علم الكلام عن الإسلام وطبيعته وحقيقته، لما هو كائن من جفوة عظيمة بين منهج الفلسفة ومنهج العقيدة...
ضرورة صياغة التصور الإسلامي من القرآن لا من غيره :
وبهذا يرى سيد قطب رحمه الله، أنّ الفلسفة الإسلامية وعلم الكلام، والنزاعات التي نشبت بين مختلف الفرق التي ظهرت، لم تحقق إلا خبطا وخلطا، إذ قد وقع تعسّف من بعض علماء المسلمين في التوفيق بين كلام الحكماء والعقيدة الإسلامية، ولا يستقيم التوفيق بين ما مصدره التوحيد، وما مصدره الوثنية.وهو ما سمي "الفلسفة الإسلامية". ولا يُتخلَّص من هذا الخلط إلا بصياغة التصور الإسلامي من القرآن الكريم، الذي منه تستمدّ مقوماته، والذي له خصائصه التي تميّزه عن باقي التصورات ...
والفكر الغربي أيضا لا تُستعار قوالبه للفكر الإسلامي:
لأن الفكر الغربي مصدره ذلك العداء الظاهر مع الكنيسة، ومع الفكر الديني عموما، لما مارسته الكنيسة من اضطهاد لكل فكر علمي، مستمدة سلطانها من الوثنيات البعيدة كل البعد عن الدين النصراني السماوي .
إذن فإنه القرآن وحده مصدر هذا التصور لا غيره :
وحده القرآن هو المصدر الذي يجب الاحتكام إلى نصوصه لصياغة التصور الإسلامي، دون مقررات مسبقة من أي مصدر آخر، إذ أن الله تعالى في القرآن قد وضع للإنسان منهج حركته في هذه الحياة منّة منه وفضلا حتى لا يبقى الإنسان في التَّيه والضلال ...
وقد أعجبني تنويه الكاتب إلى أنه في مبحثه عن خصائص التصور الإسلامي مستمدّها من القرآن لن يركز على انحراف فكري سادَ، ليدفعه بالتصور الإسلامي الذي يصوغه، إذ أن ذلك مدعاة لنشأة انحراف جديد، ومن شاكلة هذا الانحراف ما يفعل المدافعون عن الإسلام في وجه المهاجمين له من المستشرقين والملحدين، فيضرب لذلك مثالا:
يتعمد بعض الصليبيين والصهيونيين مثلاً أن يتهم الإسلام بأنه دين السيف، وأنه انتشر بحد السيف... فيقوم منا مدافعون عن الإسلام يدفعون عنه هذا "الاتهام"! وبينما هم مشتطون في حماسة "الدفاع" يسقطون قيمة "الجهاد" في الإسلام، ويضيقون نطاقه ويعتذرون عن كل حركة من حركاته، بأنها كانت لمجرد "الدفاع"! - بمعناه الاصطلاحي الحاضر الضيق! - وينسون أن للإسلام - بوصفه المنهج الإلهي الأخير للبشرية - حقه الأصيل في أن يقيم "نظامه" الخاص في الأرض، لتستمع البشرية كلها بخيرات هذا "النظام"... ويستمتع كل فرد - في داخل هذا النظام - بحرية العقيدة التي يختارها، حيث "لا إكراه في الدين" من ناحية العقيدة... أما إقامة "النظام الإسلامي" ليظلل البشرية كلها ممن يعتنقون عقيدة الإسلام وممن لا يعتنقونها، فتقتضي الجهاد لإنشاء هذا النظام وصيانته، وترك الناس أحراراً في عقائدهم الخاصة في نطاقه، ولا يتم ذلك إلا بإقامة سلطان خير وقانون خير ونظام خير يحسب حسابه كل من يفكر في الاعتداء على حرية الدعوة وحرية الاعتقاد في الأرض!
خصائص التصور الإسلامي
يبيّن الكاتب رحمه الله، أنّ للتصور الإسلامي خصائصه الت تميّزه عن كل تصور غيره، ورأس هذه الخصائص، والتي تنبثق منها كل الخصائص الأخرى،" الربانية"، وللفائدة أحب أن أضع هذا الكلام الثمين والعميق له عن التصور الإسلامي وربانيّته :
إنه تصور رباني. جاء من عند الله بكل خصائصه، وبكل مقوماته، وتلقّاه "الإنسان" كاملاً بخصائصه هذه ومقوماته، لا ليزيد عليه من عنده شيئاً، ولا لينقص كذلك منه شيئاً. ولكن ليتكيف هو به وليطبق مقتضياته في حياته..
وهو –من ثم- تصور غير متطور في ذاته، إنما تتطور البشرية في إطاره، وترتقي في إدراكه وفي الاستجابة له. وتظل تتطور وتترقى، وتنمو وتتقدم، وهذا الإطار يسعها دائماً، وهذا التصور يقودها دائماً. لأن المصدر الذي أنشأ هذا التصور، هو نفسه المصدر الذي خلق الإنسان. هو الخالق المدبر، الذي يعلم طبيعة هذا الإنسان، وحاجات حياته المتطورة على مدى الزمان. وهو الذي جعل في هذا التصور من الخصائص ما يلبي هذه الحاجات المتطورة في داخل هذا الإطار.
وإذا كانت التصورات والمذاهب والأنظمة التي يضعها البشر لأنفسهم – في معزل عن هدي الله –تحتاج دائماً إلى التطور في أصولها، والتحور في قواعدها، والانقلاب أحياناً عليها كلها حين تضيق عن البشرية في حجمها المتطور! وفي حاجاتها المتطورة.. إذا كانت تلك التصورات والمذاهب والأنظمة التي هي من صنع البشر، تتعرض لهذا وتحتاج إليه، فذلك لأنها من صنع البشر! الشر القصار النظر! الذين لا يرون إلا ما هو مكشوف لهم من الأحوال والأوضاع والحاجات في فترة محدودة من الزمان، وفي قطاع خاص من الأرض.. رؤية فيها –مع هذا- قصور الإنسان وجهل الإنسان، وشهوات الإنسان، وتأثرات الإنسان. فأما التصور الإسلامي –بربانيته- فهو يخالف في أصل تكوينه وفي خصائصه، تلك التصورات البشرية، ومن ثم لا يحتاج – في ذاته- إلى التطور والتغير .. فالذي وضعه يرى بلا حدود من الزمان والمكان. ويعلم بلا عوائق من الجهل والقصور. ويختار بلا تأثر من الشهوات والانفعالات. ومن ثم يضع للكينونة البشرية كلها، في جميع أزمانها وأطوارها .. أصلاً ثابتاً، لتدور الحياة البشرية حوله، وتتحرك في إطاره. وهو مصنوع بحيث يسعها دائماً ويشدها دائماً. وهي تنمو وترتقي. وهي تتطور وتتحرك إلى الأمام.
وهو –من ثم- كامل متكامل. لا يقبل تنمية ولا تكميلا، كما لا يقبل "قطع غيار" من خارجه. فهو من صنعة الله، فلا يتناسق معه ما هو من صنعة غيره. والإنسان لا يملك أن يضيف إليه شيئاً، ولا يملك أن يعدل به دائماً إلى الأمام .. جاء ليضيف إلى قلبه وعقله، وإلى حياته وواقعه. جاء ليوقظ كل طاقات الإنسان واستعداداته، ويطلقها تعمل في إيجابية كاملة، وفي ضبط كذلك وهداية، وتؤتى أقصى ثمراتها الطيبة، مصونة من التبدد في غير ميدانها، ومن التعطل عن إبراز مكنونها، ومن الانحراف عن طبيعتها ووجهتها، ومن الفساد بأي من عوامل الفساد.. وهو لا يحتاج –في هذا كله- إلى استعارة من خارجه، ولا إلى دم غير دمه! ولا إلى منهج غير منهجه. بل إنه ليحتم أن يتفرد هو في حياة البشر، بمفهوماته وإيحاءاته ومنهجه ووسائله وأدواته. كي تتناسق حياة البشر مع حياة الكون- الذي تعيش في إطاره – ولا تصطدم حركته بحركة الكون فيصيبها العطب والدمار!.
وهو –من ثم- شامل متوازن منظور فيه إلى كل جوانب الكينونة البشرية أولاً. ومنظور فيه إلى توازن هذه الجوانب وتناسقها أخيراً. ومنظور فيه كذلك إلى جميع أطوار الجنس البشري، وإلى توازن هذه الأطوار جميعاً. بما أن صانعه هو صانع هذا الإنسان .. الذي خلق، والذي يعلم من خلق، وهو اللطيف الخبير. فليس أمامه –سبحانه- مجهول بعيد عن آفاق النظر من حياة هذا الجنس، ومن كل الملابسات التي تحيط بهذه الحياة .. ومن ثم فقد وضع له التصور الصحيح. الشامل لكل جوانب كينونته، ولكل أطوار حياته.. المتوازن مع كل جوانب كينونته ومع كل أطوار حياته. الواقعي المتناسق مع كينونته ومع كل ظروف حياته.
وهو – من ثم- الميزان الوحيد الذي يرجع إليه الإنسان في كل مكان وفي كل زمان، بتصوراته وقيمه، ومناهجه ونظمهن وأوضاعه وأحواله، وأخلاقه وأعماله.. ليعلم أين هو من الحق. وأين هو من الله. وليس هنالك ميزان آخر يرجع إليه، وليس هنالك مقررات سابقة ولا مقررات لاحقة يرجع إليها في هذا الشأن .. إنما هو يتلقى قيمه وموازينه من هذا التصور، ويكيّف بها عقله وقلبه، ويطبع بها شعوره وسلوكه، ويرجع في كل أمر يعرض له إلى ذلك الميزان: "فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر. ذلك خير وأحسن تأويلاً".(النساء: 59)
إذن فهو :
* تصور لا يتطور، بل هو محور ثابت يدور الإنسان حوله في كل زمان وفي كل مكان، هو الذي يرقّي الإنسان ويطوّره
*لا يحتاج لأن يُزاد عليه، فهو كامل من ذاته وفي ذاته.
*شامل كامل، يمسّ كل جوانب حياة الإنسان .
*من الخطأ استعارة أي منهج، وأي فكر بشري للتعامل مع هذا التصور .
* هو الميزان المرجع في كل زمان وفي كل مكان.
أولى الخصائص وأهمها : الربانيّة
أولى وأهم خصائص هذا التصور، أنه تصور اعتقادي موحى به من الله، محصور في هذا المصدر لا يُستمدّ من غيره، وهو ما يميّزه عن التصورات الفلسفية التي تنشأ في الفكر، فتبقى في حدود المعرفة الفكرية، بينما التصور الاعتقادي يتلبّس بكل جوانب الحياة ، ويميّزه أيضا من المعتقدات الوثنيّة التي تنشأ من أخيلة البشر وأوهامهم .وكما يقول: فهو وشيجة حيّة بين الإنسان والوجود، أو بين الإنسان وخالق الوجود.
تتلقاه الكينونة البشرية من بارئها، وعمل الإنسان فيه هو التلقي والإدراك والتكيّف به، وتطبيق مقتضياته في الحياة البشرية.
* هو من عند الله هبة ربانية .
* لا دخل للفكر البشري فيه، ولا حتى فكر الرسول الذي هو مبلغ أمين، مهتد به، وهاد به.
* هداية القلوب به، وشرح الصدور له أمر خارج عن نطاق الرسول، وهو بيد الله وحده .
ثالثة الخصائص: الشــــــمول
إن للإنسان طاقات محدودة، بحكم طبيعته ووظيفته-كما عرفنا-، فهو الحادث، محدود الكينونة بالزمان والمكان، فلا يكون إلا في مكان، ولا يكون إلا في زمان، زمان بدأ من بعد العدم، وينتهي بعد الحدوث، ولا يكون وراء الزمان أو المكان، وهو كذلك محدود التجربة والعلم والإدراك، يبدأ علمه بعد حدوثه، وينتهي إلى ما يتناسب ووظيفته في الأرض.
وهو فوق هذا كله، محكوم بالميول، والشهوة، والرغبة، وبحكم كل هذا، إذا حاول إنشاء تصور اعتقادي، أو جاء بفكرة، أو وضع منهجا للحياة، جاء كله منقوصا، يصلح لزمان، ولا يصلح لآخر، ويصلح لمكان، ولا يصلح لآخر، ويصلح لحال، ولا يصلح لآخر، فهو لا يحيط بملابسات الأمور لقصور علمه المحدود على الإحاطة، الخارجة عن مجال إدراكه المحدود ...
وقد كان جليّا ذلك التناقض والاضطراب والجدل في الأفكار والمناهج الفكرية الفلسفية التي عرفتها أوروبا عبر تاريخها بدءا من فساد الكنيسة إلى يومنا، وما اعتور هذه الأنظمة والفلسفات من عيوب ونقائص ضرت البشرية أيما ضرر...
وهكذا فإن التصور الاعتقادي، ربانيّ المصدر، المتحرك في إطار ثابت حول محور ثابت يأتي مبرّءا من كل تلك النقائص التي يتّسم بها التفكير البشري، يأتي شاملا ...
صور تتمثّل فيها خاصية الشمول :
1- الوجود كله، وتسييره، وتنسيقه، وحركته، ونشأته، كلها أشكال إرادة الذات الإلهية السرمدية، الأزليّة، الأبديّة، المطلقة، وهي كلها تعني التوحيد.
فما قيمة خاصيّة الشمول في مجال التوحيد ؟
* إن الكون يواجه الكينونة البشرية بوجوده، ويتطلّب تفسيرا لوجوده، ولتناسقه، وموافقاته الدقيقة العجيبة التي يستحيل ردها إلى الصدفة.
* والحياة كذلك تواجه الكينونة البشرية، كيف انبثقت من المادة الميتة؟ وكيف سارت وتسير سيرتها ذات الموافقات والموازنات والتقديرات المرسومة المحسوبة بهذه الدقة ؟
إن التصور الإسلامي هو الوحيد الذي يملك هذه الإجابات الشافية بالإحالة على القوة العظيمة، العليمة، القديرة، إنه هو الذي يفسّر لنا الوجود من عدم، ويفسّر لنا المسافة بين المادة الجامدة والخليّة الحيّة ، إنها إرادة الله العظيم، الواسع، المبدع دون الاضطرار إلى التخبطات في تَيْه من التصورات الخيالية، فمن قولهم مثلا أن الحياة خاصية كامنة في المادة، كيف انطلقت إذن بعد ذلك الكمون؟ من ذا الذي دبّر انبثاقها، ودبّر كمونها؟
وفي القرآن الكريم في مواضع عدّة ما يشفي العليل في خاصيّة الشمول، يستشهد الكاتب بعدد منها، ونأخذ نحن منها قوله تعالى: "إِنَّ اللّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ذَلِكُمُ اللّهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ(95) فَالِقُ الإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَناً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَاناً ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ(96) وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُواْ بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ(97) وَهُوَ الَّذِيَ أَنشَأَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ(98) وَهُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِراً نُّخْرِجُ مِنْهُ حَبّاً مُّتَرَاكِباً وَمِنَ النَّخْلِ مِن طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِّنْ أَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهاً وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ انظُرُواْ إِلِى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذَلِكُمْ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ(99)" -الأنعام-
إن خاصية الشمول في هذا التصور، تمنح العقل والقلب طمأنينة، بدل إحالة الدقة المتناهية، والإبداع والعظمة المجسّدة في المخلوقات إلى واحد منها، إلى الطبيعة أو إلى العقل !
2- العبودية(الكون والحياة والإنسان):
كما فسر التصور الإسلامي حقيقة الألوهية، بصفاتها، وآثارها، كذلك يفسّر حقيقة العبوديّة الممثلة في حقائق كل من الكون، والحياة، والإنسان، طبيعتها، وصفاتها، ونشأتها، ثم علاقتها بالحقيقة الإلهية، وفي هذه التعريفات والتفسيرات ، شمول، وتفصيل، وكمال لا يُحتاج معه إلى مصدر آخر، ولقد وقع الفساد على أيدي فلاسفة الإسلام لما استعاروا التصورات الفلسفية الإغريقية للتصور الإسلامي، بل إن مجرد استعارة المصطلحات الفلسفية لا يقبله هذا التصور الشامل، الواسع، الدقيق، لأن له اصطلاحات تتوافق وطبيعة إيحاءاته .
الشمول في حقائق التصور ومقوّماته : وهي أربع :
أولا: تعريف الناس بربهم، وبصفاته، وبخصائص الألوهية المتفرّدة التي تفرّقها عن العبودية ، وبأثرها في الكون والناس وفي كل الأحياء، تعريفا واسعا، شاملا دقيقا، تتحرك النفس في هذه الحياة وهو يجيش فيها، وهو يأخذها من جميع أقطارها، فلا تعود تغفله في كل حركة من حركاتها ... وفي القرآن آيات وآيات عظيمة تحمل كل هذا، ساق الكاتب عددا منها.
ثانيا: تعريف الناس بطبيعة الكون، وخصائصه، وارتباطه بخالقه، ودلالته عليه، والدعوة لإدارك أسراره والتعامل معه بما يتوافق والواقع المحسوس ومكنون الفطرة، وفي القرآن آيات وآيات تصف هذا، استشهد الكاتب بعدد منها.
ثالثا: تعريف الناس بالحياة، ومصدرها وخصائصها، وعقد آصرة العبودية، بين الناس وبين كل الأحياء، والتذكير بنعمة التسخير، والقرآن غنيّ أيضا بالآيات المعرّفة بالحياة، استشهد الكاتب بعدد منها .
رابعا: هذا التصور يحدثنا عن الإنسان، عن مصدره، ونشأته، وخصاصه، ومركزه في الوجود، والغاية من وجوده، وعبوديته، ومقتضيات هذه العبودية، وعن قوّته، وضعفه، وواجباته، وتكاليفه، وكل صغيرة وكبيرة تتعلق بحياته ومآله في العالم الآخر.وقد أسهب القرآن في التعريف بالإنسان ، استشهد الكاتب بعدد من آياته .
رابعة الخصائص : التـــــوازن
التوازن خاصية صانت التصور الإسلامي من الانزلاقات، والاضطراب والغلوّ، نذكر من موازناته :
1- التوازن بين ما تسلّم به الكينونة الإنسانية وما تبحث فيه:
التوازن بين ما تتلقاه الكينونة الإنسانية لتدركه وتسلّم به، والذي تتلقاه لتدركه وتبحث في حُجَجه وبراهينه، وتحاول معرفة علله وغاياته، والفطرة البشريّة بذلك تُلبَّى فيها حاجة الاشتياق لما وراء الحُجُب بالتسليم، كما تًلَبّى فيها حاجة المعرفة بالبحث والبرهان.
يقول في هذا سيد قطب رحمه الله : إن العقيدة التي لا غيب فيها ولا مجهول، ولا حقيقة أكبر من الإدراك البشري المحدود، ليست عقيدة، ولا تجد فيها النفس ما يلبي فطرتها، وأشواقها الخفية إلى المجهول، المستتر وراء الحجب المسدلة .. كما أن العقيدة التي لا شيء فيها إلا المعمّيات التي لا تدركها العقول ليست عقيدة! فالكينونة البشرية تحتوي على عنصر الوعي. والفكر الإنساني لا بد أن يتلقى شيئاً مفهوماً له، له فيه عمل، يملك أن يتدبره ويطبقه.. والعقيدة الشاملة هي التي تلبي هذا الجانب وذاك، وتتوازن بها الفطرة، وهي تجد في العقيدة كفاء ما هو مودع فيها من طاقات وأشواق.
فالإنسان مثلا لا سبيل لإدراكه ماهيّة الذات الإلهية، ولكنّ فكره يعمل في إدراك خصائصها، من وحدانية، وقدرة، وتدبير ....وغيرها، والقرآن يحفّز العقل البشري على العمل في مجال إدراكه بالسؤال تارة وبالعرض تارة فيما يخصّ الكون وحقائقه ومظاهره، والحياة وأجناسها، والإنسان وخصائصه، فهو سبحانه القائل:
"أمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ(35) أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَل لَّا يُوقِنُونَ(36)" -الطور-
" أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِّنَ الْأَرْضِ هُمْ يُنشِرُونَ(21) لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ(22) لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ(23) أَمِ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ آلِهَةً قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ هَذَا ذِكْرُ مَن مَّعِيَ وَذِكْرُ مَن قَبْلِي بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ فَهُم مُّعْرِضُونَ(24)" -الأنبياء-
وغيرها من الآيات التي تحمل هذا التحفيز على البحث والاستدلال والنظر...
2- التوازن في مجال طلاقة المشيئة الإلهية وثبات السنن الكونية: إنه سبحانه على كل شيء، قدير، يقول للشيء كن فيكون، لا تحُدُّ قدرتَه ولا مشيئته قاعدة ملزِمة، ولا قالب مفروض، وفي الوقت ذاته شاءت إرادة الله وحكمته وتدبيره أن تتبدى أنظمة الكون في شكل نواميس مطّردة يملك الإنسان مراقبتَها وإدراكها، والبحث في فهمها للتعامل معها وِفق ما أودع الله فيها من قوانين، وهي ساحة عمل العقل البشري بمنهج علميّ ثابت، ورغم ذلك تبقى في ضمير المسلم طلاقة مشيئة الله، وهو المأمور بالأخذ بالأسباب، ولكن بردّها كلها إلى مسبّبها لا باعتقاد أن الأسباب هي المنشئة للمسبّبات. وفي القرآن آيات عديدة تتحدث عن تلك النواميس المطّردة، كقوله تعالى :
"لَا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ(40)"-يس-
"قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَانْظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذَّبِينَ(137) " -آل عمران-
3-التوازن بين مشيئة الله المطلقة ومشيئة الإنسان :
وفي هذه النقطة يُسهِب الكاتب نوعا ما تواؤما مع ما أثير حول هذه النقطة تحديدا من جدل عبر العصور، خبط فيه الفلاسفة بألوان وأشكال من الخلط والخبط، وقد أحببتُ التركيز في هذه النقطة لحاجة دائمة في نفسي إلى فهم يقرّب المعرفة بالجواب الشافي عند التعرّض لهذا السؤال، أكثر منها حاجة في النفس للنفس، إذ هي مطمئنة لمشيئة مطلقة محيطة مسيّرة هي لله عزّ وجلّ العدل الحق، تترك للإنسان فُسحة للاختيار والعمل، ولكنّ الجواب الشافي على من يسأل مثل هذا السؤال عادة لا أجده عندي فلنحاول التعلّم معا مشيا الهُوَيْنى مع ما أورد سيد رحمه الله :
1-3) ما يقرّره الإسلام :
الإسلام يقرّر المشيئة المطلقة لله عزّ وجلّ، كما أنه يقرّر الدور الأول للإنسان في الأرض وهو فيها الخليفة، وهذا ما يمنحه مجالا واسعا للفاعليّة والتأثير لكن في توازن تام بالاعتقاد بالمشيئة المطلقة لله، وتفرّده بالفاعليّة من وراء الأسباب الظاهرة، وما حركة الإنسان في الأرض إلا واحدة من هذه الأسباب على اعتبار أن نشأته ابتداء، وحركته وإرداته كلها في نطاق المشيئة المطلقة لله .
إذن :
المشيئة المطلقة -----> لله
حركة الإنسان وفعله(اختياره)--->-- واحد من الأسباب الظاهرة لمشيئة الله عز وجل.
2-3) لا مشكلة في التصور الإسلامي :
إن هذه القضية لا تعد مشكلة في التصور الإسلامي إذا كان الاعتماد في فهمها على النص القرآني وما يقرّره، وهو كما عرفنا المصدر الوحيد لاستمداد التصور الإسلامي ، أما إذا كان الاعتماد في فهمها على مقررات مسبقة من تخاييل الفكر البشري الذي يُعقّدها ويزيغ بها عن مفهومها إذا لم يكن القرآن مصدر معرفته بها، عندها تصبح مشكلة، وعندها توصف العلاقة بين المشيئة الإلهية والمشيئة الإنسانية بالتناقض .
وهو سبحانه القائل: "إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَن شَاء اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلاً(29) وَمَا تَشَاؤُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً(30)"-الإنسان-
وهو القائل سبحانه : "فَمَن يُرِدِ اللّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاء"- من 25 من الأنعام-
وقال في الوقت نفسه: "مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاء فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ(46)"-فصلت-
وعلى هذا فإن المسلم باطمئنانه لعدل الله المطلق، يعلم أن للإنسان قدْرا من الاختيار والفعل والتأثير يقوم عليه التكليف والجزاء دون تعارض مع المشيئة الإلهية المطلقة، فاتصال مشيئة الله بما يريد خلقه وإنشاءه، وبالنشاط الانساني ليس في مقدور العقل إدراكه أو تقديره بل متروك للعلم المطلق، متروكة للخالق سبحانه الذي يعلم حقيقة الإنسان وتركيب كينونته وطاقات فطرته ومدى ما فيه من الاختيار، وما يترتب على الاختيار من جزاء.
إذن :
1- لا يجب استمداد التصور من مقررات عقلية، بل تستمد من النصوص المقررات العقلية .
2- الاطمئنان إلى عدل الله، إذ أن إحاطة علمه تحقق الاطمئنان إلى الحركة وفق منهجه.
3-3) فماذا عن الشرّ والألم ؟
لا يعتبر الشر والألم مشكلة في التصور الإسلامي إذ أن الدنيا دار ابتلاء، والآخرة دار جزاء، والحياة جزء من رحلة منتهاها في الآخرة، فتقع الطمأنينة في الشعور، فما نل الخيّرَ من ألم في الدنيا يُكسبه الطمأنينة غلى ما ينتظره من جزاء في الآخرة وما ينتظر ظالمَه كذلك، كما أنه ينال نصيبه من الرتياح الدنيويّ أيضا وهو يستشعر قيمة استقامته وسعيه من أجل تحقيق منهج الله ، ولإرضاء الله .
إنه ال سبحانه القائل: "إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ(30)"-فصلت-
3-3-أ) لماذا أوجد الله الشر ولو شاء لهدى الناس جميعا ؟
هذا واحد من الأسئلة الشائعة، يقول فيه الكاتب أنه لا موضع له في التصور الإسلامي، لأنه سبحانه وتعالى هو الخالق وهو العالم بالنظام العام الأنسب للكون وللإنسان، يقدّر أحسن وضع للخلق، فلا يُسأل عما يفعل لأنه الإله، وليس أحد من البشر إله ليَسأل عما قرره الله من فِطرة فطر الناس والكون والحياة عليها .
"وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً". -من 35 من الأنبياء-
يقول سيد رحمه الله :
"ولماذا، -في هذا المقام- سؤال لا يسأله مؤمن جاد، ولا يسأله ملحد جاد .. المؤمن الجاد لا يسأله، لأنه أكثر أدباً مع الله – الذي يعرفه من التصور الإسلامي بذاته وصفاته – ولأنه أكثر معرفة بمدى إدراكه البشري الذي لم يهيأ للعمل في هذا المجال .. والملحد الجاد لا يسأله كذلك. لأنه لا يعترف بالله ابتداء فإن اعترف بألوهيته عرف معها أن هذا شأنه –سبحانه- وأن هذا مقتضى ألوهيته، وأن اختياره هذا هو الخير قطعاً.
ولكنه سؤال يسأله مكابر لجوج، أو مائع هازل .. ومن ثم لا يجوز المضي معه في محاولة تبرير هذا الواقع بمعايير عقلية بشرية، لأنه بطبيعته أكبر من مستوى العقل البشري، وأوسع من المجال الذي يعمل فيه العقل. فإدراك أسباب هذا الواقع يقتضي أن يكون الإنسان إلهاً. ولن يكون الإنسان إلهاً. ولا بد له من أن يسلّم بهذه البديهية الواقعية، ويسلم بمقتضياتها كذلك".
أما الشر والباعث عليه، وما ينجرّ عنه من خطيئة وإثم ، فلقد قرر الإسلام أنه أضعف من أن يكون مسلطا على الإنسان أو قاهرا له، وإنما هو الصراع بين الإنسان والشيطان.
"قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَلأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ(39) إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ(40) قَالَ هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ(41) إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلاَّ مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ(42)"-الحجر-
3-3-ب) إذا كان الله قد خلق كل إنسان باستعدادات معينة تجعله يميل إلى الهدى أو إلى الضلال، فلماذا يعذب الله الضال، ويكافئ المهتدي؟
يقول الكاتب أيضا في هذا السؤال الشائع:"وهو سؤال خادع – في صورته هذه- يقابله ويصححه ما يقرره القرآن من أن الله –سبحانه- خلق الإنسان ابتداء في أحسن تقويم، وأنه لا يزول عن مكانه هذا إلا بغفلته عن الله. وأنه مبتلي بالخير والشر. وأن فيه الاستعداد للترجيح والاختيار –مع الاستعانة بالله، الذي يعين من يجاهد لرضاه!
"لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم. ثم رددناه أسفل سافلين. إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات. فلهم أجر غير ممنون". "