الساحة الإسلامية > :: قرآن ربي ::

تلخيص "الخطوات الثمان لطالب فهم القرآن"

(1/3) > >>

حازرلي أسماء:
بسم الله الرحمن الرحيم

ارتأيت أن أنقل تلخيصي لكتاب "الخطوات الثمان لطالب فهم القرآن" لصاحبه عصام بن صالح العُويد في موضوع منفصل حتى يأخذ حقه .وضمن التلخيص تعليقات لي على ما فهمته من الكتاب .

حازرلي أسماء:
نزل القرآن الكريم بلسان عربي مبين، لغة القرآن العظيم، لغة أهل الجنة ...
وليت شعري أين تقدير أهلها لها ؟! وهي التي شرفت أن كانت لغة آخر كتب الله تعالى نزولا، وأتمّها،والذي حفظه الله بحفظه ...

هذا اللسان العربي، تنقسم فيه الحروف إلى قسمين: حروف مباني، وحروف معاني

فأما حروف المباني: فهي الحروف التي بها تبنى الكلمات، من مثل الميم "م" من محمد، والراء"ر" من قرآن ....وبهذه الحروف تتكون الكلمات، التي تكوّن بدورها الجمل، ومن الجمل تتكون الآيات الكريمة.

وأما حروف المعاني: فهي التي تربط بين الكلمات لتعطي دلالة معينة يقصدها المتحدث،وفي القرآن ذلك من مثل "الباء" في "بسم الله" والتي تعني الاستعانة بالله، ومن مثل "اللام" في "يريدون ليطفؤوا"، ودلالة حرف "على" على الظرفية في قوله سبحانه : "ودخل المدينة على حين غفلة ".

فحروف المباني تكوّن الكلمات، وحروف المعاني تربط بين هذه الكلمات، والكلمات تكون الجمل، ومن الجمل يتكون الكلام التام .وهذا ما ينطبق على كلام الله تعالى، حروف مباني، تكون الكلمات، والكلمات ترتبط بعضها ببعض بحروف المباني، لتوكن الجمل، والجمل تكون الآيات، وقد ارتبط كل هذا في كتاب الله تعالى على أدق وأكمل وجه ."الَر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ(1)" -هود-


حازرلي أسماء:
وفي باب تدبر القرآن ، ينصح أول ما ينصح، وكخطوة أولى ضرورية ولا مناص منها بضرورة الاطلاع على أقوال السلف في تفسير القرآن من صحابة وتابعين وأئمة التابعين.
---------------

قول السلف في تفسير القرآن الكريم ...
تفاسير السلف...
لكم يتجرأ المتجرؤون من المحدثين، ومن أهل هذا العصر، فيصفون تفاسير السلف بالتي عفا عليها الزمن، أو إن تأدبوا وتهذبوا قالوا أنّ لها ما لها وعليها الكثير مما عليها ....

وراحوا ينادون ويتنادون بنشر هذا الكلام وما شابهه، حتى انتشر بين أجيال الأمة اليوم تسفيه هذه التفاسير، والنظر لها على أنها القديم الذي لا يجب تقديسه، وكأن مَن عرف كنوزها وخبرها بما فقِه من أسرار اللغة و تيسر له فهمه لأسلوبهم القديم الذي يصفه المحدثون بالصعب.... كأن هؤلاء أصبحوا عَبَدة للسلف وتفاسيرهم مخلصين لهم الدين !!

وفات هؤلاء(المتجرؤون) أنّ قلة فهمهم للغة ولأسلوب ما أراده القدماء، أدى بهم لنبذ ما كتبوه، أو لوصمه بما ليس فيه، فكان العطب في قلة فهمهم لكلامهم وليس في كلامهم ذاته، كما فاتهم أنه مجهود بشري لا يخلو من خلل بشري يدعو لأن يؤخذ منه ما يؤخذ، ويرد منه ما يرد، ولكن وفق أسس وقواعد نقد علمية بناءة، لا الدعوة لنبذه إجمالا وتفصيلا لا معنى له إلا شمولية الحكم الجائر التي لا تقنع عاقلا متدبرا، مترويا، مستخدما لعقله،باحثا عن الحقيقة ....

وعلى هذا أحب أن أذكر لفتة كريمة لأحد الأساتذة في محاضرة له عنيت بالمنهجية في قراءة كتب أهل العلم، إذ أشار إلى أن طالب العلم قبل أن يقرأ في كتب التفسير المتنوعة، من المهم له والأولى به أن يطالع قول السلف في التفسير، يعلل لذلك بقوله :
"من المتقرر عند أهل العلم بعامة أنه لا يجوز أن يُعتقد أن صوابا في مسألة من مسائل التفسير يُحجب عن الصحابة والتابعين، ويُدرك هذا الصواب من بعدهم، لأنهم هم الذين نزل عليهم التنزيل، فنقلوه إلى من بعدهم، فكل تفسير يضاد، -وهنا يؤكد على "يضاد" وليس "يخالف"- تفسير السلف فإنه قطعا غلط، لأنه لا يجوز أن يعتقد أنه ثمة صواب في التفسير يحجب عن سلف هذه الأمة،كما لا يجوز أن يظن أن كلمة من القرآن جهلها الصحابة وأدركها مَن بعدهم،أي فسرها الصحابة بأمر، ويأتي من بعدهم ليفسرها تفسيرا مضادا، وهنا يركز على "مضاد"... انتهى قول الأستاذ صالح بن عبد العزيز.

وإنى لأرى هذا جليا، ليس في مضمار الإعجاز العلمي الذي علمه المتقدمون، ولكن في مجال فهم المبنى اللغوي، والمعنى العام للمراد من الكلمات والآية...

وعلى هذا وجب ألا نقلل من قيمة رأي السلف وهُم من تنزّل عليهم القرآن، بل وهُم كانوا أول وأكثر من طبق القرآن عملا على الأرض... ولا يجوز بأي حال أن نسفّه ما تركه القدماء من أئمة التابعين، إذ إنّ هذا لمن دواعي حرماننا من كنز عظيم يذهب عنا خيره إذا ما تشدقنا بما لسنا له أهلا.... فلنقرأ أولا، ولنحاول الفهم، قبل أن ننضم إلى زمرة الداعين للبعد عن كلام القدماء والسلف أولئك الذين عاشوا بالقرآن حياة، ولم يكونوا قراء لحروفه كما هو حالنا اليوم ....

حازرلي أسماء:
والمرحلة الأولى هي : الوقوف على الآثار الواردة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم صحابته رضوان الله عليهم وأئمة التابعين في الآيات، سواء ما تعلق بفضائل السور أو أسباب النزول أو التفسير


خلل كبير أن نقرأ القرآن، ونبحث عن فهم القرآن في التفاسير المختلفة، ونسعى لأن نحيا بالقرآن تدبرا وفهما من أجل العمل، ونكون مع هذا جاهلين بسيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا نعرف عن حياته وتفاصيلها... !
خلل كبير أن نبحث في القرآن وفهمه ونغفل عن السيرة .... ولا أرى إلا أن دراسة كليهما خطان متلاقيان كل التلاقي ليفهم القرآن كما أراده الله تعالى منهجا للحياة...

ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وكما وصفته عائشة رضي الله عنها، "كان قرآنا يمشي على الأرض"، وصنع بذلك رجالا كانوا القرآن يمشون على الأرض ....

فكان أول من يجب أخذ معاني القرآن عنه هو رسول الله صلى الله عليه وسلم:
وَمَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلاَّ لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُواْ فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ(64) -النحل-

يقول الإمام الشافعي: "كل ما حكم به رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو مما فهمه من القرآن".

ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية : "يجب أن يُعلم أن النبي بين لأصحابه معاني القرآن كما بيّن لهم ألفاظه، فقوله تعالى:"وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ(44) -النحل- يتناول هذا وهذا "

وفي أخذ تفسير القرآن وفهم معانيه ومراميه من رسول الله صلى الله عليه وسلم طرق ثلاثة:
أولا: الأخذ المباشر عنه صلى الله عليه وسلم أي ببيان مباشر منه، من مثل قوله "الكوثر نهر اعطاني الله إياه في الجنة" فكان بيانا مباشرا منه لمعنى "إنا أعطيناك الكوثر"... ومن مثل تفسيره لأصحابه معنى الظلم في قوله سبحانه "الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَـئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ(82)" -الأنعام-، لما قدم عليه الصحابة مستفسرين وهم يقولون ما منا إلا وقد ظلم، فأجابهم صلى الله عليه وسلم بقوله: "ألم تقرؤوا قول الرجل الصالح : "يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ" لقمان من الآية 13. ليتبين أن الظلم في هذه الآية قد عنى الله به الشرك .

ثانيا: الأخذ عن أعماله صلى الله عليه وسلم، فحينما علم الناس الصلاة فسر لهم عمليا معنى قوله تعالى : "وأقيموا الصلاة"، وفسر لهم عمليا إقامة حد الزنا ،وإقامة حد السرقة وغيرها .

ثالثا: الأخذ عن أخلاقه صلى الله عليه وسلم، وقد وصفته أمنا عائشة رضي الله عنها بقولها :"كان خلقه القرآن"

بهذا يكون قد فسر صلى الله عليه وسلم القرآن بقوله وفعله وتقريره. فكيف يتأتى للمؤمن أن يفهم القرآن كما ينبغي أن يعيش به ويتخذه منهج حياة دون أن يعرف عن سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم لا القشور ولا العناوين، بل أدق التفاصيل ...؟!

حازرلي أسماء:
ودائما ومع المرحلة الأولى من مراحل التدبر،ونحن نتدرج فيمن يؤخذ عنهم تفسير القرآن الكريم، وقد عرفنا أول الأمر ضرورة الأخذ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والآن نعرِض لمن يؤخذ عنهم بعده.
--------------
وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ(100)" -التوبة-

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" خيرُ أُمَّتِي قَرْنِي ، ثُمَّ الذين يَلُونَهُمْ ، ثمَّ الذين يَلُونَهُمْ - قال عِمْرانُ : فلَا أَدْرِي أذَكَرَ بعدَ قَرْنِهِ قَرْنَيْنِ أَوْ ثلاثًا"-صحيح البخاري-

لا أجد أقوى من شهادة القرآن العظيم ومن بعده شهادة رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه رضوان الله عليهم حتى نعرف فضل هؤلاء الكرام المصطفين الذين اختارهم الله تعالى أصحابا لنبيه صلى الله عليه وسلم ومعايشين للتنزيل نديّا ينزل عليهم من رب العزة، سببا بعد سبب، فكانوا يبيتون الليلة على خبر بين الأخبار، تشرق عليه شمس الغد وقد نزل فيه وفي صاحبه قول من الله تعالى يتلى إلى يوم القيامة...!!

أي شرف قد نالوه، وأية حُظوة، وأي خير عظيم !!
قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وأرضاه :
"أولئك أصحاب محمد كانوا أفضل هذه الأمة،أبرّها قلوبا، وأعمقها علما، وأقلّها تكلّفا،قوم اختارهم الله لصحبة نبيّه وإقامة دينه،فاعرفوا لهم فضلهم واتبعوهم في آثارهم"...

أبَعْد هذا كله مجال لأن ننكر ضرورة أخذ الدين عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من بعد الأخذ عنه ؟
أبعد هذا لا تتبدّد غيوم الشك في أخذ تفسير القرآن الكريم عنهم فيما لا نجده في سنّة رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟

وقد أعجبتني إجابة المجيب عن سؤال سُئِله : "هذه النصوص تدل على الفضل لا على العلم بالقرآن !"
فردّ قائلا : "إنّ العلم الحقّ بالقرآن هو رأس الفضائل ، فمن أدركه سبق سبْقا عظيما،ومن فاته سُبق سبقا بعيدا "...

ويشير شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه"مقدمة في أصول التفسير"، إلى ضرورة التدرج في أخذ تفسير القرآن الكريم، فبعد أن يذكر بحر رسول الله صلى الله عليه وسلم الزاخر في علمه بالقرآن وعمله به، يذكر أصحابه الذين كانوا على أثر هداه، لا سيّما علماؤهم وكبراؤهم وعلى رأسهم الخلفاء الراشدون الأربعة...

فأما أعلم الأمة بالتفسير بعد هؤلاء العظماء فـ"ابن مسعود"، و"أبيّ بن كعب"، و"زيد بن ثابت" و"ابن عباس" رضي الله عنهم .

وأما مَن يلي كل هؤلاء في أخذ تفسير القرآن عنهم، -وكلهم ضمن تلكم الدائرة التي حددها رسول الله صلى الله عليه وسلم بقرنه وبمن يلونهم ثم بمن يلونهم-، فهم أئمة التابعين ومن أبرزهم مجاهد بن جبر،وسعيد بن جبير، وعكرمة مولى ابن عباس،و الحسن البصريّ، وعطاء بن أبي رباح،وأبو العالية، وسعيد بن المسيّب، وقتادة والضحاك بن مُزاحم وغيرهم .

تصفح

[0] فهرس الرسائل

[#] الصفحة التالية

الذهاب الى النسخة الكاملة