الساحة الإسلامية > :: لبيك اللهم لبيك ::

وأذن في الناس بالحج

(1/4) > >>

ماما هادية:


الحج

{وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ البَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ العَالَمِينَ} (آل عمران 97)

مما يؤسف له أن كثيرا من الناس يعتقدون أن الحج نافلة لا فريضة، أو فريضة اختيارية من أحب أداها ومن شاء تركها، ولا يشكل كونها الركن الخامس من أركان الإسلام أي ثقل على ضميرهم، فترى الواحد منهم يتعلل بعدم استطاعته الحج لانشغال أو أعمال أو جمع مزيد من المال والتطاول في البنيان، فيؤخر ويؤخر أداء هذا الركن العظيم، وكم عرفت من أناس سافروا وساحوا في مشارق الأرض ومغاربها، ولمّا يؤدوا بعد فريضة الله التي في أعناقهم، وكم وكم من أناس  ولدوا ونشؤوا في هذه البقاع الطاهرة أو قريبا منها، أو أكرمهم الله تعالى بالعمل والإقامة فيها، ثم يمر العام تلو العام والموسم إثر الموسم ولا يحجون ولا يتأثمون، فنعوذ بالله من الغفلة ومن قسوة القلوب.
وقد وصف الله تعالى من يعرض ويتقاعس عن أداء هذه الفريضة رغم استطاعته بالكفر، وأخبره أنه لن يضر الله شيئا لأن الله غني عن العالمين. {وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ العَالَمِينَ}

وقد بين العلماء حدود الاستطاعة: أن يملك من المال والزاد ما يكفيه للذهاب والعودة، وما هو زائد عن قوت أبنائه وعياله، (قوتهم وليس كمالياتهم ورفاهياتهم ومجوهراتهم وملابسهم الفاخرة وأقساط مدارسهم الباهظة المخصصة لأثرياء القوم، فنحن في زمن تحولت فيه الضروريات إلى ملغيات، والكماليات إلى أساسيات، ولا حول ولاقوة إلا بالله من انقلاب المفاهيم). 
مع أمن الطريق، وتوفر المحرم بالنسبة للمرأة، فمن توفرت له هذه الامور ولم يبادر للحج فقد قصر في حقوق الله
والحج من اعظم العبادات، إذ تجتمع فيه العبادة القلبية بالبدنية بالمالية في نظام غريب، وتتجلى فيه وحدة المسلمين، فيتعارفون ويتآلفون، ويكون بمثابة معسكر تدريبي لهم على توديع الحياة المرفهة، وتعود حياة الجهاد والمجاهدة.
لهذا فالحج المبرور ليس له من جزاء إلا الجنة.

ومن حج فلم يرفث ولم يفسق عاد نقيا من الذنوب والخطايا كيوم ولدت أمه.

 وهو فرصة عظيمة ليستشعر المسلمون فيها امتدادهم الجغرافي والتاريخي

الجغرافي حين يجدون اجتماع الابيض والأسود والاسمر والأشقر والاحمر والأصفر في مكان واحد.
اختلاف الملامح والألوان واللغات والألسن، واتحاد القلوب والأفعال والمناسك والمشاعر في اتساق غريب وتنظيم عجيب.

وامتداده التاريخي حين يستشعر أنه يؤدي نفس المناسك التي أداها أجداده وأجداد أجداده، والتابعون والصحابة، وقبلهم نبيهم العظيم محمد صلى الله عليه وسلم، ومن قبله أبو الانبياء إبراهيم خليل الرحمن عليه السلام الذي أذن في الناس بالحج من سالف الزمان، فما زالت الاجيال تلو الاجيال تلبي ذلك النداء الطاهر، وتهتف من أعماق قلوبها، وبكل ذرة في كيانها: لبيك اللهم لبيك.

فيشعر المسلم أنه ليس نبتة غريبة نبتت على سطح الأرض إثر عاصفة ممطرة، بل هو شجرة عريقة طيبة، أصلها ثابت وفرعها في السماء، تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها.
ولئن ادلهمت الخطوب من حوله، وحاربته دولته أو مجتمعه أو اسرته لتمسكه بدينه، فشعر أنه غريب، فهو غريب في المجتمع الفاسد، لكنه ليس غريبا في تاريخ الانسانية، ولا غريبا في ارض الله وملكوته، فهاهم مئات الالوف بل ملايين البشر مثله يحملون نفس همومه وآماله وأشواقه ومشاعره، تفيض أعينهم بنفس الدموع، وتلهج ألسنتهم بنفس الأذكار، وتخفق قلوبهم بنفس المشاعر، وترفرف أرواحهم في نفس الاجواء القدسية الطاهرة.

إنه ليس غريبا في مسار التاريخ، فهو مرتبط بسلسلة نسب عريقة طاهرة، تضرب بجذورها في أعماق الزمن، وتمتد عراقتها آلاف السنين، وتربطها حلقات من النبوة الطاهرة، والصحبة الصالحة، والإيمان الطاهر الشفيف
رحلة عبر الزمان والمكان، تغسل المؤمن من أدرانه، وتعيده كيوم ولدته امه.
منهم من يكتسب منها طهرا، ومنهم من تكون له عطرا، ومنهم من تكون له عقد عمل في سلك الخدمة الربانية والدعوة الإلهية، فلا حرمنا الله أجرها، ولا نفحاتها ووطهرها، ورزقنا وإياكم أداءها على الوجه الذي يرضيه عنا هذا العام وكل عام.

ماما هادية:
وفود الملك


نظرت حولي .... أتأمل المنظر المهيب.... هذه الجموع الغفيرة السائرة الجادة في السير، منها الأبيض والأسمر، والأسود والأشقر، الذكور والإناث، الشباب والمسنون، العرب والاعاجم، بلباس واحد وهتاف واحد...
هذه تحمل صغيرها، وذاك يحمل متاعه، وآخر يدفع بكرسي أبيه المسن، وتلك تمسك يد أختها وتجري، وهذا يقود موكبا من الناس رافعا لهم راية يعرفونها..
أولئك جلسوا في خيمة يستظلون بها، وهؤلاء التحفوا السماء، وهذا اتخذ لنفسه كرتونا فارغا جلس عليه... أتراه يحسبه سجادة أصفهانية؟... تراك تقبل أن ندفع لك ألوف الدنانير مقابل أن تأخذ كرتونا فارغا أو كيسا من البلاستيك فتبسطه وسط أحد شوارع مدينتك وتجلس ساعة من الزمن أو ساعات ؟؟
لكن هناك من يدفع مدخرات حياته من أجل أن يتحصل على كرتونة يجلس عليها في هذه البقعة العجيبة ليكون فرداً من هذا الوفد الكريم!!..

وفد ضيوف الملك الديان، العظيم الشان، ذي الجلال والإكرام...

سبحانك يا ألله...

هذه الجموع الغفيرة، مختلفة الأشكال والألوان والمستويات والطبقات، اجتمعت كلها هنا، ومالها إلا أمل واحد: أن تظفر برضاك وتحظى بعطائك..


وهاقد مالت شمس يوم عرفات للمغيب، وهب الناس وقوفاً مستقبلين القبلة، يجتهدون في الدعاء في هذه اللحظات المباركات... يغتنمونها قبل أن تنقضي، كأنها كنز يخشون فواته...

منهم من يردد الأدعية عن ظهر قلب، ومنهم من يتلوها من صفحات كتاب أو كتيب، ومنهم من يهتف من أعماق فؤاده، ومنهم من تهيم روحه في سماء ملكوتك، ومنهم من يلهج ثغره بالدعاء فتفيض عبرته، ومنهم من يغلبه البكاء والنحيب فيتلعثم لسانه ويحار بيانه....

ولكن ملك الملوك يسمعهم جميعا، ويقبلهم جميعا، ويمن عليهم جميعا..
فلكل منهم عطاء، ولكل منهم رزق ونصيب...

لن يرجع أي منهم محروما اليوم، لأنهم لم يطرقوا باب عبد لئيم، بل رب كريم رحيم حليم.. رب غني واسع، واجد ماجد، لا تنفد خزائنه ولا تنقطع عطاياه، يسمع سؤلهم، ويعلم سرهم ونجواهم، لا تشتبه عليه الأصوات، ولا تثقله الحاجات، ولا يُمله كثرة الإلحاح... ولا يشغله دعاء عن دعاء، ولا يختلط عليه سؤال بسؤال..  فيعطي كلا منهم حاجته، ويتجلى لهم برحمته ومغفرته...

هنا... وفي بعض اللحظات، يجوب المرء بعينيه ليرى هذه الجموع المتلاحمة من حوله، التي أتت من كل فج عميق...
هذه الجموع الغفيرة... والكثرة الكاثرة الوفيرة...
يخفق القلب بشدة، ويلهج اللسان بالتضرع...

يارب!!!... قبلت كل هؤلاء.... فهل قبلتني؟
غفرت لهم فهل غفرت لي؟
جبرت خاطرهم فهلا جبرت خاطري؟
يارب!! مالنا مولى سواك فندعوه، ولا رب إلاك فنرجوه
وقفنا بأعتابك يا ملك الملوك، وأنخنا مطايانا ببابك، فلا تردنا خائبين،
كما قبلتهم اقبلنا
وكما وصلتهم صِلنا
وكما مننت عليهم امنُن علينا

فقراؤك ببابك... عبادك على أعتابك.. مساكينك الشعث يتضرعون إليك..
مالنا حول ولا قوة إلا بك
مقصرون.. غافلون.. مذنبون.. مالنا عمل يصلح للعرض عليك..
ولكن...
إن لم تقبلنا فمن يقبلنا
وإن لم تجبر كسرنا فمن لنا؟
يا دليل الحائرين.. ويا أمان الخائفين.. ويا غياث المستغيثين
أغثنا أغثنا أغثنا توكلنا عليك يارب العالمين
ونفوض أمورنا إلى الله
إن الله بصير بالعباد

وإذ تختلط الدموع بالزفرات
والنبضات بالعبرات
يتوقف اللسان، وترتجف الأركان، وتسبح كل ذرة في جسم الإنسان هاتفة من أعماقها:
ألا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين وأنت أرحم الراحمين..

ويرقب المرء شمس عرفة وهي تغيب بين سحابات الدموع، وروحه ترتجف خوفا وأملا أن تغيب معها ذنوبه وخطاياه، وتطوى صفحة تقصيره وغفلته، ليبدأ مع ربه صفحة جديدة ناصعة، كثياب الحجيج البيضاء التي تملأ الأرجاء من حوله..

يعجز القلم عن رسم المشهد المهيب ونقل المشاعر الغريبة..
فلا يجد وسيلة إلا ان يدعو لقارئ هذه السطور أن يكرمه الله بأن يكون في العام القادم فردا من هذا الوفد العظيم، فيشهد هذا الموكب الملكي الجليل، ويستشعر بنفسه ما عجز القلم عن بيانه وتسطيره، إنك يا مولانا سميع قريب.


 ::roses2::


حج عام 1429 هـ

حازرلي أسماء:

--- مقتبس من: ماما هادية في 2008-12-13, 16:02:29 ---وفود الملك



يعجز القلم عن رسم المشهد المهيب ونقل المشاعر الغريبة..
فلا يجد وسيلة إلا ان يدعو لقارئ هذه السطور أن يكرمه الله بأن يكون في العام القادم فردا من هذا الوفد العظيم، فيشهد هذا الموكب الملكي الجليل، ويستشعر بنفسه ما عجز القلم عن بيانه وتسطيره، إنك يا مولانا سميع قريب.


 ::roses2::

--- نهاية الإقتباس ---

اللهم آمييييييييييين
تقبل الله منك أختي الحبيبة وغفر ذنبك وشكر سعيك وزادك منه قربا،وهو الحنّان المنّان الكريم فهل يردّ الحنان دمع عبده الراجي.....

ذات النطاقين:
تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال . اللهم عاملنا بالإحسان إذ الإحسان منك وإليك .[/color]

ناصح أمين:


عذراً .. قمت بحذف هذه المداخلة

آخر ما نزل من القرآن الكريم : قول الله تبارك وتعالى : (((واتقوا يوماً ترجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفسٍ ما كسبت وهم لا يظلمون)))

نسأل الله أن يجعل خير أعمارنا أواخرها ، وخير أعمالنا خواتمها ، وخير أيامنا يوم نلقاه

تصفح

[0] فهرس الرسائل

[#] الصفحة التالية

الذهاب الى النسخة الكاملة