أجيال وراء أجيال > :: أحلى شباب ::

نشدان الحكمة

(1/5) > >>

حازرلي أسماء:
بسم الله الرحمن الرحيم

"نشدان الحكمة"...

 هو عنوان أدرجت تحته مجموعة مقالات كتبتها العام الفارط (2017) ، وكنت أنشرها على صفحتي على الفيسبوك ... كتبت عددا لا بأس به من التأملات والتعمقات والإسقاطات في بعض الأحاديث التي كنت وما أزال أخصص لها حصة أسبوعية واقعية بالجمعية مع الأخوات، يكون فيها خوض عباب بحر الحديث والتأمل في طياته ومراميه البعيدة ودروسه المديدة، وما تنطوي عليها تصريحاته كما إيحاءاته من فكر وتربية وإرشاد وهداية، تبسط في مجملها للإعجاز الذي يميز الحديث النبوي الصحيح  ووالذي يجعلك تميز أنه وحي من الوحي يحمل الإعجاز كما يحمل القرآن الإعجاز ... ولا تحمل نصوص أخرى مهما بلغت بلاغتها ومهما بلغ بيانها وحسنها هذه الميزة التي محلها أعماق بحر الحديث، لا تظهر للسطح إلا إذا وجدت من يغوص لتبلغ يده القاع حيث تقبع اللآلئ والدرر ...

كانت تأملات أثيرة عندي... وددت لو أنني واصلت فكتبت منها المزيد... ولكن توقفت بعد سلسلة جاوز عددها عشر مقالات ... !

سأحاول نقلها هنا ... واحدة إثر أخرى ... لعلي أثابر فأضع جديدا منها ...  emo (30):

ماما هادية:
جميل
امضي على بركة الله وأفيدينا
جزاك الله خيرا

سيفتاب:



في انتظارك


 :emoti_123: .

حازرلي أسماء:
أهلا وسهلا بكما هادية وسيفتاب ::)smile:

والله زمان على هذه المتابعات المفيدة  emo (30):

حازرلي أسماء:
2017/02/12

الحكمة هي ما ينشد صاحب العقل الراجح، لتكون رأس تفاعلاته وتصرفاته إزاء ما يعرِض له من أحداث ..

خاصة عندما يجد الإنسان نفسه في قلب حدث تندفع له العاطفة، (وهنا أحب أن أنبه أنني لا أقصد الخوف الهستيري من العاطفة بحيث يترصد صاحب هذا الخوف لها وكأنها العدو، فيُصيّر من نفسه عبثا آلة لا إحساس فيها بدعوى "التعقّل" وهذا بحد ذاته شطط ومُجانبة للحكمة إذ أن العاطفة جزء من تركيب النفس البشرية ولا نريد إلغاءها بالمغالاة، ما نريده هو ترشيدها، وألا تكون الحَكَم في التصرفات، وكلّنا نريد أن نتربى على هذا)

أقول عندما يجد الإنسان نفسه في قلب حدث تسارع العاطفة لتكون فيه الحكَم، فإن كان ممن ينشد الحكمة تروّى، وتأنّى وتمهّل حتى لا يكون حكمه عاطفيا بعيدا عن ميزان العقل ..
وإن هذا التأني والتروي يُحيله إلى العقل، فيسمح له بالتفكير في عواقب الأمر، ويسمح له بالنظرة البعيدة الثاقبة، ويسمح له برؤية الأمر على حقيقته وبجوهره لا على مظهره ...
فلنتأمل بعضا من الأحداث ... وتفاعلات أصحابها ..

عائشة رضي الله عنها حينما رُمِيت بأخطر وأصعب وأشنع ما تُرمى به المرأة العفيفة في حادثة الإفك، حينما انتهى إلى علمها خوض الناس بعِرضها وعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم بخوضهم لشهر كامل، قضت ليلتين في بيت أبيها لا يرقأ لها دمع ولا تكتحل عينها بنوم من هول الصدمة وألم الجرح في نفسها وهي العفيفة الطاهرة المحبة لزوجها العظيم، تخشى على علاقتها به نسيم الهواء العابر...

هي ذي لأول مرة بعد شهر كامل ويزيد من خوض الناس في عرضها ترى رسول الله صلى الله عليه وسلم يجلس إليها، فيضعها بين أمرين، فإن كنتِ بريئة فسيبرئك الله، وإن ألممتِ بذنب فتوبي واستغفري...
وتُصعَق عائشة وهي التي تسمع من زوجها ما يشي بأنه يحتمل منها وقوعها في الذنب... !!
وأي صدمة أشد عليها وقعا من سماعها هذا الكلام منه بعد شهر لم تكن تدري فيه أنه يدري، ولكنها عرفت فيه جفوة منه لم تتعودها وإن كان يسأل عن حالها "كيف تيكم؟"

عائشة عند سقوط الصاعقة الكبرى على قلبها، حكّمت عقلها... في قلب المصيبة، وفي قلب مرارتها، في أوج مرارتها حكّمت عقلها... وجنحت للحكمة، فرشّدت عاطفتها، وعلمت أنها لن تكون الحَكَم الصحيح في أمرها، ولن تُجديها نفعا ...

في قلب المصيبة وتَداعي أهوالها تقول عائشة :"قَلَصَ دمعي" بمعنى أنها لم تعُد تجد منه قطرة، عندما صُعقت بالصدمة الكبرى من فم زوجها الحبيب نبي الأمة العظيم رقأ دمعها، وحكّمت عقلها، فالتفتت إلى أمها، إلى أبيها تسألهما أن يجيبا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم يقولا شيئا يدفع عنها التهمة...

عندها ..عرفت أن الأمر قد وقع في نفوس الجميع موقع التصديق... فلم تزد على أن تكلمت تخبرهما بما فهمت من أحوالهم، أنهم قد صدّقوا، ولو أنها قالت لم أفعل لكذّبوها، ولو أنها قالت فعلتُ لصدقوها، واعتزلتهم بعد كلماتها القليلة ... ولجأت إلى الله وحده، وقد قوي يقينها أن الله مدافع عنها دون كل خلقه، دون أقربهم إليها، دون زوجها النبيّ صلى الله عليه وسلم، ودون أبويها...!
هكذا بكلمات قليلة، وبجَلَد ظاهر، وبقوة، تحسم عائشة أمرها، فلا تندب حظا، ولا تشق جيبا(حاشاها)، ولا تُبِحّ صوتا بالعويل والصراخ، واستصراخ النجدة، وتوسل التصديق من هول التهمة التي رُمِيت بها... ولترَ كل امرأة في نفسها ... فإذا هي الأقرب من هذا منها إلى حكمة عاشئة ... ! :)

لم نعرفها تستجدي زوجها وهو مَن هو، ليصدقها باكية ملوَّعة، لم تقسم أيمانا، ولم تُقم الدنيا لتدلّل على براءتها من أفظع تهمة تُرمى بها المرأة العفيفة ...
بل لقد قالت كلمات معدودات من بعد ما عرفت حال مَن حولها... ثم فرّت إلى ربها مستيقنة ... !!
وعندها ... عندها تحديدا ...في تلك اللحظات ينزل الوحي مبرئا لها، وكم استبطأه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ينتظر نزوله شهرا كاملا، ولم ينزل ... عندما تصرفت عائشة بالحكمة في أمرها لا بالعاطفة...

فكان رأس الحكمة يقينها بربها جلّ في عُلاه، وفِرارها إليه وحده في ساعة عُسرتها وهي زوج النبي، كما حكّمت عقلها في ردّة فعلها ولم تدَعْ للعاطفة من مجال للإكثار من غير ما فائدة تُرجى ...
وهذا موقف من المواقف التي أحببت مشاركتكم تأملها ....

عندي مواقف أخرى تصبّ في مجرى الحكمة في التصرف إزاء ما نَعرض له ...و حتى لا أطيل عليكم وأُكثر أرجو المتابعة مع المنشور الموالي قريبا بإذن الله  emo (30):

تصفح

[0] فهرس الرسائل

[#] الصفحة التالية

الذهاب الى النسخة الكاملة