المحرر موضوع: صيحة الروح و القلوب  (زيارة 30682 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل saaleh

  • شباب جديد
  • *
  • مشاركة: 67
  • الجنس: ذكر
صيحة الروح و القلوب
« في: 2011-12-20, 21:56:25 »
الحب بلون الدم والثوار

تناثرت قطرات المطر القاسي لتزيد من ألم جروح الجلد الذي تمزق من لسعات السوط .. وتأوه الشباب الثائر وقد تلاصقت أجسادهم تطلب الدفء في شهر كانون .. وتناقصت أعدادهم حتى لم يبق في التحرير إلا بضعة آلاف...  هذه ليلة التمحيص... فيها يميز المقدام عن المتخاذل.. وفيها يعرف المخلص مقدار ثباته على الحق من تراجعه بعد الأيام التي مضت..
التصق الشاب بصديقه فقد بدأت ساعات استراحته الأربع.. كان على الخط الأول يمنع دخول المجرمين إلى الميدان .. أصابته رصاصه ما أحس بها إلا عندما توقف ليرتاح.. لا بأس جرح بسيط في قدمه  .. لكن شقوق جلده مكان ضربات سوط رجل الأمن البارحة مازالت تغرس فيه المسامير.... هل سنعيش لنرى فجر الغد... نعم يا صديقي.. سنعيش ونصلي الصبح مع خطوط الفجر الأولى .. لا تخف... أجاب صديقه ، لكن كلا منهما كان يسمع في قلبه جواباً آخر... كان كل واحد من هؤلاء الأبطال لا ينتظر الفجر ولا يفكر فيه... فقد استلوا السيوف من أغمادها كي لا ترجع أبداً.. هي سيوف الحرية والشجاعة التي كسروا بها حاجز الخوف وذاقوا فيها طعم الكرامة والعزة لنفس عزيزة كريمة خلعت ثوب الذل لغير رجعة...

 اقتربت منهم و نظرت إلى الدم على قدمه ، فتحت حقيبة الإسعاف وبدأت تمسح الدم لتعالج الجرح.. لا بأس يا أختاه.. ليس بي من بأس.. اذهبي هناك فغيري أحوج مني لضمادك..لا عليك يا أخي.. أنت الآن من يجب أن أعالجه.. سمع صوتها العذب يتسلل لخفايا روحه من بين صرخات المدافعين وطلقات رصاص المجرمين.. صوتاً عذباً حلواً كعسل بشهد... مسحت الدم عن قدمه... أحس بالدفء يتسلل لخلاياه كأن برد كانون تحول لشمس آب.. وكأن المطر الثلجي الذي لا يجدون منه ملجأ ليس إلا حبيبات عطر تناثر ليمسح عنهم غبار التعب وآهات الألم...
نظر لعينيها المتعبتين.. فقد مضت أيام وهي تجري مع فريق التمريض في الميدان...  قد اتسخ حجابها وتعفر ثوبها وتلطخ رداؤها ببقع الدم...  أهو دمها!!! أم دم من قامت بالعناية به منذ بدأت الثورة حتى اليوم ..
نظر لعينيها.. نسي التعب ونسي الرصاص... ولم يبق في ذهنه إلا الثورة و بنت الثورة بعينيها المتعبتين البريئتين السوداوين..

غض بصره.. وسبّح الله... شكراً لك يا أخيّه... شكراً شكراً .. جزاك الله خيراً...

 قامت لتنتقل لغيره وتمسح الدم عمن عانقوا الموت ليهبوا لبلادهم الحياة... من حطموا الصنم وأغرقوا الفرعون.. بعد أن نفحهم الله تلك النسمة من الشجاعة والإقدام لتكون بحراً يغرق فيه صناع الموت والقبور.. قامت لعلاج من هي منهم.. من يرون الموت هو الحياة ... من رفضوا حياة الموتى ليبحثوا عن حياة الشهداء..
واختلط ظلام الليل  بالدقائق المريرة المريرة و برائحة الغاز السام و لهيب الزجاجات الحارقة و ألم الجروح والبرد ومنظر إخوة قتلهم الغادر... ولا أمل إلا بالله.. فالصبر مرّ كالحنظل وقد يبقى الألم أسابيع  أو ربما  يدخل أصحاب السلاح والدبابات  ليمسحوا الميدان بمن فيه فيكتب التاريخ سطراً جديداً من مذابح المجرم وأمثاله...
مرت أيام الميدان مريرة أليمة.. كأن الساعة فيها دهراً.. كانت الثورة كبيرة عظيمة هادرة مزلزلة... كانت تزداد مع كل دقيقة كالعاصفة التي تبدأ نسمة ثم تصبح ريحاً ثم لا تلبث أن تزداد فتغدو إعصاراً يكبر حتى يبتلع آلاف الصروح التي أقامها الظالم ليحمي نفسه.. قامت تبتلع عشرات السنين لتختزلها بأيام... شمس عملاقة دار في فلكها الناس شبابهم وشيبهم.. أتون أحرق كل ظالم وزلزل عرشاً بقي مكيناً لعقود طويلة..
وكان الثمن غالياً.. دماءً بريئة حبيبة طاهرة وشباباً كالورود كلهم حياة تدب في الأرض والجبال وتسقي النيل الذي أعطشته سنون الظلام.. وترفع الجباه التي ظننا أنها لن ترتفع ما عاشت.. كان الثمن حياة اقتلعت جذور المجرمين لتتغلغل في أعماق الأرض فتسقي التراب والناس والهواء والشجر...
وعاش الأطفال تحميهم دماء الشباب وتحمي أملاً تريده لكل أبناء بلدها الذي أحبته حتى اختلطت بحبيبات ترابه وقطرات نهره ونسمات هوائه..
ما نسي عينيها..
بقيت في ذهنه الأيام.. أياماً اختلط فيها الدم بصرخات الحرية ببرد قارس وبصورة إخوة أحبة بعضهم فقد الحياة وبعضهم فقد الحرية... وبقيت عيناها في قلبه وعينيه... وهل تمنع الثورة الحبيب من حبيبه أم هل في الدنيا من يقدر على إقفال مغاليق القلب إن أراد أن يفتح بابه ليضع فيه الحبيب وصورته... وهل الثورة إلا ضرب من الحب.. فإن تاقت الأجساد لتلك الحرية الحبيبة الغائبة التي سرقها الظالم فانطلقت لا تلوي على شيء تنتزعها من غياهب  السجون ..
وانطلقت خفقات القلب تبحث عن الحبيبة التي مسحت الألم  وعالجت جروح الروح بلحاظ عينيها المتعبتين وردائها المدمى وحجابها المتسخ..

امتلأ الميدان بمئات الألوف.. وأحاط الجيش بجوانبه يمنع المجرمين من قتل الناس.. ولاحت بوارق  الأمل وخفَتَ صوتُ الرصاص... وبحث عنها... هي هناك... وجدها مازالت  في المستشفى الميداني  تلتمس من ترعاه... ماتزال بحجابها المتسخ وردائها المعفر... وعينيها المتعبتين... قد أطرقت جفونها فما تقوى على الارتفاع... هل نامت منذ أيام... أم هي العين الساهرة التي لا تنام....
أختاه... نظر لعينيها فرأى البريق... بريقاً لا يعرفه إلا المحب... وخرجت مع تلك النظرة رسائل لا تقرؤها إلا القلوب الخافقة... رسائل الشباب والثورة والنفوس...

 بعد أيام... مئات الألوف في الميدان... وعلى المنصة توقف الثوار دقائق ليسمعوا دعاء الشيخ الذي عقد القران... واختلطت صيحات الحرية بنداء الحب....
 واجتمع القلبان....

 وهل للحب موعد أو عنوان.....
« آخر تحرير: 2012-01-01, 20:10:05 بواسطة saaleh »

غير متصل أحمد سامي

  • شباب منتج
  • ****
  • مشاركة: 1258
  • حائط برلين لم يهدم عندنا حتى الان يعيش داخلنا
رد: صيحة الروح القلوب
« رد #1 في: 2011-12-20, 23:25:18 »
 emo (19): emo (23):

لا اجد تعليق مناسب بصراحة
‏{‏لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا ()إِنْ تُبْدُوا خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا‏}‏

غير متصل elnawawi

  • أحلى شباب
  • *****
  • مشاركة: 5374
  • الجنس: ذكر
  • يا رب لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك
رد: صيحة الروح القلوب
« رد #2 في: 2011-12-21, 02:29:04 »
تلك أيام لن تعود بعد أن استبدلوا صيحات الحرية وبريق الحب بحب الدمار وصيحات الهدم ..

غير متصل أم يوسـف

  • أحلى شباب
  • *****
  • مشاركة: 2878
رد: صيحة الروح القلوب
« رد #3 في: 2011-12-22, 21:01:30 »
)':  )':  )': 

كم من مستبد سيحاسب حسابا عسيرا على كل قطرة دم تريقها كلمته: لن أرحل.. وهو راحل شاء أم أبى

Al-Muslim

  • زائر
رد: صيحة الروح القلوب
« رد #4 في: 2011-12-26, 13:29:59 »
لا فض فوك يا أخي.

غير متصل حلم

  • شباب منتج
  • ****
  • مشاركة: 1079
رد: صيحة الروح القلوب
« رد #5 في: 2011-12-27, 08:37:41 »
بارك الله فيك وفي قلمك أخي الكريم .
لا إله إلا الله.

غير متصل ماما هادية

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 15899
  • الجنس: أنثى
  • احفظ الله يحفظك
رد: صيحة الروح القلوب
« رد #6 في: 2011-12-27, 08:50:08 »
أخي صالح
تأثرنا فيما يبدو كثيرا بالسينما المصرية، فصار لزاما علينا ان نخلط كل قصة بقصة حب لنخفف من جفافها

لو نظرت لقصتك نظرة واقعية لقلت: ترى هل كل شاب مسحت تلك الفتاة جراحه نظر في عينيها المتعبتين فعشقها؟ ولم لا؟ فكم من شاب إذا تحطم قلبه إذ فقد تلك الحبيبة وفاز بها واحد فقط؟
وكم هي فتنة إذن تواجد الفتيات بين الفتيان ولو للتمريض

عذرا... فلا أحب خلط القيم السامية العليا بالرغبات الأرضية
وأعترض على كونك اعتبرت عشق الحرية عشق جسد، وعشق المرأة عشق الروح... والصواب العكس...
اضافة الى اني لا اؤمن بالحب من اول نظرة
emo (30):

 
*رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ*

غير متصل أم يوسـف

  • أحلى شباب
  • *****
  • مشاركة: 2878
رد: صيحة الروح القلوب
« رد #7 في: 2011-12-27, 20:58:36 »
وجدتها قطعة أدبية جميلة مستوحاه من الواقع

مثيرة للشجن والدموع كعادة كتابات د . صالح

متوقع جدا أن تكون حدثت مثل هذه القصص في الميدان

كم من مستبد سيحاسب حسابا عسيرا على كل قطرة دم تريقها كلمته: لن أرحل.. وهو راحل شاء أم أبى

غير متصل saaleh

  • شباب جديد
  • *
  • مشاركة: 67
  • الجنس: ذكر
رد: صيحة الروح القلوب
« رد #8 في: 2011-12-29, 17:03:43 »
أخي صالح
تأثرنا فيما يبدو كثيرا بالسينما المصرية، فصار لزاما علينا ان نخلط كل قصة بقصة حب لنخفف من جفافها

لو نظرت لقصتك نظرة واقعية لقلت: ترى هل كل شاب مسحت تلك الفتاة جراحه نظر في عينيها المتعبتين فعشقها؟ ولم لا؟ فكم من شاب إذا تحطم قلبه إذ فقد تلك الحبيبة وفاز بها واحد فقط؟
وكم هي فتنة إذن تواجد الفتيات بين الفتيان ولو للتمريض

عذرا... فلا أحب خلط القيم السامية العليا بالرغبات الأرضية
وأعترض على كونك اعتبرت عشق الحرية عشق جسد، وعشق المرأة عشق الروح... والصواب العكس...
اضافة الى اني لا اؤمن بالحب من اول نظرة
emo (30):

 


وعليكم السلام ورحمة الله وبركانه

بدأت ردي بهذه لمشاركة رغم أن واجبي يقتضي أن أحترم ترتيب المقالات فأرد على من وضع مشاركته أولاً..


أشكر الأخوة والأخوات الذين شاركوا وأعدهم أن أرد عليهم واحدا فواحدا..

 أما عودتي لهذه فلأنني وجدتها مناسبة لمقدمة مقالاتي.... فقبل أن أضع أقصوصتي كان لها مقدمة .. ربما تطول لو تركت لقلمي العنان.. لم أضعها وفضلت أن أبدأ بالقصة على أمل أن أجد الفرصة ..
وهذي الفرصة أتتني تسعى .. أفلا أستغلها!!!!

 مع حياتي التي بدأت تعد السنة الخمسين منذ أكثر من شهر  أراني قد شخت وهرمت... ومع اختلاط الثلج الذي غلب على الليل  والذي أراه كلما نظرت لوجهي المتعب،  رغم ضعف البصر ونقص الانتباه،  صرت أرى بغير العين وصار لبي يعي بقلب آخر... تبديل -والله- ما قصدته ولا سعيت إليه...

لم أعد آبه إلا لما أتى به رسولي الكريم... ولم يبق من الكلام ما يعنيني إلا كلام الله ونطق أحب البشر... لم أعد أقبل فكرة منتشرة في مجتمع أو قول غلب على مجموعة أو حتى كتابات وأقوال من  أعتبرهم أنا  نفسي أئمة إلا إن رأيت ما يصدق قولهم في الكتاب أو السنة..

عدت لفطرة الله.... وقبلت بخلق الله.... وفهمت معجزات الله لا كما كنت أفهمها بل أنضج وأعمق وأوضح..

 صارت الحياة عندي جزءاً من كون كبير لا يعلم مبدأه ومنتهاه إلا خالقه... ولا ينفذ من أقطاره إلا من أوتي السلطان... صرت أرى الإنسان نغمة جميلة من نغمات هذا الخلق الذي ينطق بحمد ربه ..

 صار حزني لذيذاً أراه مع خيوط الشفق ونسيم الصبا... مع ابتسامة الطفل أو دمعته... مع إقبال حبيب أو وداعه... مع تفتح الزهرة وسقوط الورقة... صارت الدنيا بالنسبة لي مخلوقاً يسعى كما أمره الله ليجد التوازن الذي خلقه الله فيه وليرى السعادة التي أمر الله بها..


لن أتم مقالتي....

لن أتمها..

 أعتذر...

 ربما أكملها فيما بعد إن كتب الله

أوربما أكمل مجموعة من أقاصيص أضع فيها ما أريد .. دونما مقالة جافة قاسية مبهمة تثير الملل وتغم القلب

ولكم جميعاً محبتي واحترامي

غير متصل ماما هادية

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 15899
  • الجنس: أنثى
  • احفظ الله يحفظك
رد: صيحة الروح القلوب
« رد #9 في: 2011-12-31, 04:52:25 »
أتفهم وجهة نظرك دكتور صالح
وآمل أنك تفهمت وجهة نظري

ولا شك أن لأقاصيصك جاذبية كبيرة تجعل لها اثرا كبيرا
وبانتظار المزيد منها

وفقنا الله وإياك لما يحبه ويرضاه
*رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ*

غير متصل أم يوسـف

  • أحلى شباب
  • *****
  • مشاركة: 2878
رد: صيحة الروح القلوب
« رد #10 في: 2011-12-31, 06:48:54 »
لا تحرمنا من كتاباتك يا د. صالح
كم من مستبد سيحاسب حسابا عسيرا على كل قطرة دم تريقها كلمته: لن أرحل.. وهو راحل شاء أم أبى

غير متصل أم إياد

  • شباب جديد
  • *
  • مشاركة: 19
رد: صيحة الروح القلوب
« رد #11 في: 2011-12-31, 18:45:18 »
السلام عليكم اخوتي الكرام

أعجبني خلافكم أخوتي الكرام

أميل بعض الشيء لرأيك أختي الغالية أم عبد

اشتقت لكم
لا تنسونا من دعائكم

غير متصل أم يوسـف

  • أحلى شباب
  • *****
  • مشاركة: 2878
رد: صيحة الروح القلوب
« رد #12 في: 2011-12-31, 18:53:29 »
أهلا أهلا أهلا د. لينة

المنتدى نور

نحن أيضا اشتقنا لك كثيرا

لا تحرمينا من تكرار هذه الطلة
كم من مستبد سيحاسب حسابا عسيرا على كل قطرة دم تريقها كلمته: لن أرحل.. وهو راحل شاء أم أبى

غير متصل saaleh

  • شباب جديد
  • *
  • مشاركة: 67
  • الجنس: ذكر
رد: صيحة الروح القلوب
« رد #13 في: 2011-12-31, 21:16:36 »


حب الروح وحب الجسد بين الحرية والحبيبة...

آآآآآآآآه...

تأوه ألماً من يديه التي ضغطت عليها القيود حتى انتفخت...  يا الله.... الطف بي يا كريم...
أنسته يداه المتورمتان ألم جلده المتمزق وألم وجهه المثخن بالكدمات... يختلط بها ألم آخر .. ممض مؤلم... ألم القهر... ألم عميق بغيض يلفه اليأس ويكلله السواد.. قد اتشح بليل مظلم مازال قابعاً على قلوبهم منذ عشرات السنين..

 يا الله... لا لن يطلب من الجلاد العون...  فليس الجلاد إلا وحشاً بصورة إنسان.. يتلذذ بصيحات الألم وينفجر مقهقهاً مع كل قطرة دم تسيل وكل نفس تعاني..
 تململ قليلاً في مكانه فسمع صوت الجندي يصيح: لا تتحرك يا كلب... لا تتحرك... ..يا... لم تعد تعنيه هذه الكلمات النابية أو الكافرة الحقيرة التي تخرج من فم حامل القاذورات...   لم يعد يهتم بشيء... وأين الأمل والدنيا حوله وقد اختلط فيها اللون الأحمر بالأسود.. واختلطت فيها الشتائم بصيحات الأوجاع التي لا يحتملها مخلوق.. وبالدعوات للخالق أو صيحات الرجاء ثم الصمت... الصمت المطبق... فكل صيحة رجاء وألم تتردد  تتبعها أصوات تخفت وتخفت ثم يصمت الصوت فلا يبقى في السمع إلا هدير العصاة وهي تشق الهواء لتهوي على الجسد المقيد المتمزق لتحطم العظام وتقهر النفوس وتفجر شلالات الدم ..

مسكين هذا الهواء... يتألم مع كل ضربة..  مسكينة هذه الذرات.. تتحسس الجلدة تلو الجلدة لتتألم منها ثم لتبتهل إلى الله أن يخفف .. اللهم خفف.. اللهم خفف..

 وغاب الشاب الممزق عن الوعي...

الألم الممض يتبعه في غيابه... ثم توقظه السياط مرة أخرى...

مضت على محنته أسابيع.. أسابيع طويلة ويداه في القيد وسياط الجلاد لا تكاد تترك له مهلة .. وبجانبه شاب  آخر  أصغر  سنّاً قد اخترقت جسده البريء رصاصات مجرمة مازالت ثقوبها تنزف رغم مرور أيام...  لم تفتر فيها عزيمته ولم تتغير إرادته...
سمعه يتمتم .. لا.. لن يكسروا في نفسي الحرية... لا... روحي الحرة التي كسرت الخوف لا تزال تحلق فوق الغمام ... الحرية  حبيبتي التي اشتاقها جسدي... روحي حرة حرة... حرة منذ رأيت سماء بلدي لأول مرة.. منذ اليوم الأول الذي خرج فيه الناس.. منذ أن سمعت صوتي الذي لم أسمعه قبل الآن... كنت الأصم الأبكم الأ‘عمى فإذا بي مبصراً ناطقاً مستمعاً... سمعت صيحات إخوتي لا نركع إلا لله... كلمات هي الأولى التي تطرق أذني... روحي الحرة لا تحبسها القضبان فهي لجسدي الفاني.. يتوق للحرية ويطلبها... وسينالها بإذن الله ...

سمع كلمات هذا الشاب الصغير ... تغيمت الدنيا وسالت على وجنتيه قطرات مؤلمة حارة تحترق لها الجروح رغم أنها تشفي القلب...وأحس أن روحه حرة حرة... تتسلل من بين الخلايا لتجد  السير بين تلك الأجساد الحبيبة التي افترشت الأرض..  بعضها يتأوه وبعضها ساكن... ربما سكون أبدي لن يقطعه إلا نداء الملك ليوم التغابن... ويا ويل الظالمين من يوم التغابن .. وانطلق عقله ليسبح في ملكوت الله... فقد زالت القيود عن تفكيره فصارت أسابيعه تلك أغلى أيام الحرية... تحرر فيها الفكر كما تحررت الروح...
ما أغبى هذا المستبد.. يظن كل الناس عبيداً.. وما العبد إلا هو... تحررنا منذ وضع يدينا في القيود
 تسللت روحه لتخترق الجدران ثم لتنطلق بين أشجار بلده الحبيبة.. لتستند إلى الأعمدة والتلال  وتقبّل أحجارها.... لتشم عبير الياسمين والورود مع نسمات الحرية..

 لم تعد تشعر بحرّ ولا ببرد ..لا تشعر إلا بمحبة لله وبسعادة  واشتاق  الجسد للحرية... يطلبها في كل دقيقة وفي كل صيحة من صيحات الأحرار والحرائر يخرجون بصدور عارية لا يهمها إن اخترقها الرصاص.. فكل طلقة صارت معولاً يكسر مع أزيزها جدار الخوف.. ليحرر  البلاد والناس.. مع زوال الظلم والاستبداد ..
 

وتاقت نفسه وروحه لحبيبة أخرى.. حبيبة  غالية أثيرة. وشعر بشوق كبير لصوتها... لعينيها...
ارتبط بها بروحه وقلبه...  تعلقت الآمال بها منذ شهور.. منذ أن سمع زغردة أمه  بعد أن طلبتها له... كان قلبه يومها يخفق بشدة.. هل سترفض .. هل ستقبل... وكان صوت الزغردة بشارة زغرد لها قلبه مع صوت أمه .. ثم آيات الفاتحة على أمل الارتباط واللقاء  بعد شهور.... صارت منذ نلك اللحظة أملاً كبيراً بمستقبل جميل .. بطمأنينة وسكن لروحه.. ذلك السكن والمودة والحب الذي وعد الله به عباده المؤمنين ... أحب حجابها.. أحب حياءها.. أحب  اسمها.. أحبها حتى نسي أنها من روح وجسد.. أحبها حتى صارت روحها تلامس روحه بل تمتزج بها... لتنطلقا مع صيحات الثورة التي بدأت.. لا تعتمد إلا على الله... ولا تتوكل إلا عليه...  

يا رب احمها واحم إخوتي... واحم من بقي من الثوار ..

وعادت النفس الحرة تتوضأ من أنوار الله... ثم تقف في محراب السماء وتصلي ركعات عسى الله يتقبل منها... عساها الحرية للبلد والناس والجسد...  لعله الكريم يعطي دون حساب.. فيأتي الفرج ليخرج السجين من أقبية الظلم ثم ليجتمع الحبيب مع من وعدها ووعدته وتاقت لها روحه وخفق لها قلبه فلإن كان لقاء الحبيبة في الدنيا فلقد ارتبطت الأرواح  حتى امتزجت في حب طاهر عفيف حيي..  

وتأوه الجسد المسجون المقيد.. وسالت مع القيود قطرات الدم.. قطرات ترتوي منها الثورة وتشهد لصاحبها.. وجسد أحب الحرية حتى لم يعد يرضى بغيرها...


 وفي الأفق باب  الحرية مفتوح يقترب.. سيتسع ويتسع حتى تعبره الدنيا... وفي السماء باب  آخر عليه ملائكة تنادي: أين الشهيد لنزفه حيّاً يرزق ..

وتأوه الجسد ينتظر قدره.. فباب للحرية أو باب آخر على أبواب السماء..

ولحبيبة  الروح آهات أخرى تنتظرها  على أحر من الجمر...



« آخر تحرير: 2011-12-31, 21:39:48 بواسطة saaleh »

غير متصل saaleh

  • شباب جديد
  • *
  • مشاركة: 67
  • الجنس: ذكر
رد: صيحة الروح القلوب
« رد #14 في: 2012-01-01, 09:41:59 »
emo (19): emo (23):

لا اجد تعليق مناسب بصراحة
أهلاً بك يا أخي أحمد
شكراً لحضورك الكريم ..
بارك الله بك

غير متصل saaleh

  • شباب جديد
  • *
  • مشاركة: 67
  • الجنس: ذكر
رد: صيحة الروح القلوب
« رد #15 في: 2012-01-01, 09:45:42 »
تلك أيام لن تعود بعد أن استبدلوا صيحات الحرية وبريق الحب بحب الدمار وصيحات الهدم ..

هي البداية يا أخي
هي الولادة لحرية لاتزال رضيعة ضعيفة لكنها حية تتنفس ولدت يعد مخاض عسير أليم اسمه ثورة الكرامة
أيام الميدان هي بداية المصاعب وليست نهايتها لكنها بداية حية لم يستطع الظالم أن يجهضها ويخنقها كما كان يأمل
« آخر تحرير: 2012-01-01, 09:48:41 بواسطة saaleh »

غير متصل saaleh

  • شباب جديد
  • *
  • مشاركة: 67
  • الجنس: ذكر
رد: صيحة الروح القلوب
« رد #16 في: 2012-01-01, 09:55:06 »
)':  )':  )': 



شكراً لمشاركاتك الأربع يا أختي الفاضلة وقد وصلت كلماتك للينة وهي بدورها ترد التحية والسلام.. أدعو الله أن يلهمها الخير والمشاركة في الخير دوماً

أما أن تكون مثل هذه القصص  قد حصلت واقعياً فهي حتماً قد وقعت... وهذا أمر جيد مفيد... وهو في صميم الإسلام مشروعاً ممكناً حلالاً..  بل مندوباً محبباً مرغوباً.. ومن يظن أن تقاطع الذكر مع الأنتى في الحياة كارثة يجب منعها بأي وسيلة هم أناس أبعد ما يكون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحبه وسيرته ودينه...

غير متصل saaleh

  • شباب جديد
  • *
  • مشاركة: 67
  • الجنس: ذكر
رد: صيحة الروح القلوب
« رد #17 في: 2012-01-01, 09:57:30 »
لا فض فوك يا أخي.

 أهلاً بأخي المسلم
أحبك في الله يا أخي

 مبارك لأخيك زواجه .. أرجو أن تبلغه سلامي

غير متصل saaleh

  • شباب جديد
  • *
  • مشاركة: 67
  • الجنس: ذكر
رد: صيحة الروح القلوب
« رد #18 في: 2012-01-01, 09:59:50 »
بارك الله فيك وفي قلمك أخي الكريم .

 بكم البركة والخير يا أختي الفاضلة

أدعو الله أن يحقق أحلامك دنيا وآخرة .. شكراً لردك ومشاركتك التي أسعدتني

غير متصل أم إياد

  • شباب جديد
  • *
  • مشاركة: 19
رد: صيحة الروح القلوب
« رد #19 في: 2012-01-01, 11:23:39 »
اهلا أختي أم يوسف

هل أعرقك قبلا  :blush::