المحرر موضوع: أبحث عن قلب يحبني (حصرياً على أيامنا الحلوة)  (زيارة 34324 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل ماما هادية

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 15899
  • الجنس: أنثى
  • احفظ الله يحفظك
أبحث عن قلب يحبني

خطرت لي فكرة عظيمة... هكذا قالت لي صديقتي دالية بصوتها الرنان الذي يتفجر حيوية...
إنها فكرة بناءة وإيجابية، وستحل لنا كثيرا من المشاكل، وتجعلنا أعضاء فعالين في هذا المجتمع، و و و ...
وانطلقت تعدد لي مزايا فكرتها باندفاعها المعهود...
 تلك كانت شخصيتها، تبحث دوماً عن شيء مختلف متميز لتفعله، وتتحمس له غاية الحماس، وتندفع في تنفيذه بكل قوتها وطاقتها، وبعد فترة يفتر حماسها، وينضب معين الأفكار لديها، فتنصرف عن ذلك المشروع، لتبحث لنفسها عن نشاط جديد مختلف لتبدع فيه....
وهكذا...

ولماذا كان علي دوماً أن أشاركها تنفيذ أفكارها البناءة، مهما حاولت التهرب وإبداء الذرائع للانسحاب؟... لم أكن أدري...
وكأنني لم أكن مثقلة بما يكفي من أعمال ومسؤوليات...
وكأنني لم أكن محملة بما يكفي من الهموم والأعباء...
فكان علي أن أجري وراءها خلف كل فكرة ومشروع يتفتق عنه ذهنها النير..

وشرعَت بانفعال وأنفاس متلاحقة تشرح لي ما تريده:

-   سنزور الجمعية الخيرية، ونتعرف إلى أطفال السكن الداخلي فيها، ونحاول أن ننظم لهم برنامجاً لتنمية المهارات والقدرات الذاتية، ونعلمهم بعض الآداب والسلوكيات الاجتماعية....
سندعوهم لتمضية ساعتين كل أسبوع بصحبتنا، وسنطلب من بناتنا وصديقاتهن أن يشتركن معنا في تنظيم هذا البرنامج، لننمي لديهن حب العمل الطوعي، والنشاط الاجتماعي، ويجب ألا يكون....
-   رويدك يا دالية، رفقا بي وبذهني الكليل، اضغطي قليلا على مكابح عربة تفكيرك المنطلقة بسرعة جنونية، وأفهميني، من هم هؤلاء الأطفال؟ ولماذا سننظم لهم برنامجاً؟ وما هي هذه الجمعية؟...
-   إنها الجمعية الخيرية التي اعتدنا أن نرسل لها بعض التبرعات بين الحين والآخر.
-   نعم لتوزيعها على الأسر المحتاجة التي تكفلها الجمعية....
وانتابني الضيق من دالية ومن أفكارها... لقد خرجنا لتونا من شهر رمضان المبارك، وقد تبرعنا بما فيه الكفاية ويزيد، ولم أكن أشعر برغبة في دفع المزيد، وها هي دالية الآن ستحرجني كعادتها...

وتابعت دالية دون أن تكترث أو تشعر بمخاوفي:
-   حسن، ألا تعلمين أن في الجمعية سكناً خاصاً داخلياً يقيم فيه بعض الأطفال، تحت رعاية عدد من المشرفات والمربيات.... أطفال أيتام...
-   أيتام؟...
وازداد ضيقي وتوجسي مما ستطلبه مني الآن...
لماذا قُـدِّر عليّ أن تكون دالية بالذات، بشخصيتها المندفعة، وعاطفيتها المتدفقة، وطبيعتها المتهورة، أعز صديقة عندي؟
وكررت عبارتي الجوفاء وأنا أسأل، وذهني يعمل بسرعة بحثاً عن مخرج معقول من هذه الورطة...
-   أطفال أيتام؟
ليسوا أيتاماً أيتاماً... يعني... في الحقيقة هم لُقطاء، لا يعرف لهم عائلة ولا معيل، يجدهم فاعلوا الخير ملقين هنا وهناك....
وكأنها صفعتني على وجهي صفعة قوية، أيقظتني من متاهات الخيال، وهوت بي على أم رأسي فوق أرض الواقع الصلبة القاسية.

وتمتمت ببلاهة شديدة:
-   أين يجدونهم.... وكيف؟
-   ما بك يا رولا؟ هل أتحدث معك أم مع ابنتك؟ إنهم أطفال جاؤوا إلى الدنيا بطريق الخطأ...
-   
رددت في نفسي بمرارة وحسرة: الخطأ؟!.... وهل هناك من يأتي الدنيا عمداً، وهناك من يأتيها عن طريق الخطأ؟!... أهو الخطأ أم الخطيئة؟!...
- ولا تجد الأم حلاً لتستر فضيحتها، وتتخلص من ورطتها، إلا أن تلف ابنها بخرقة، وتدعه في .... يعني ... كما تعرفين... في زاوية من زوايا الطريق المعتمة.... وكثيراً ما يجد عمال النظافة أمثال هذه اللفافات في حاويات القمامة، أو قربها.... ويذهبون بها إلى إحدى الجميعات... وأريد أن أقول...
- يا للفظاعة... توقفي يا دالية أرجوك.... لم أعد أحتمل....
أهي لفافة تبغ احترقت وألقي عقبها على قارعة الطريق أو في سلة المهملات؟...

- رولا، ما بك متأثرة هكذا؟.. أنت تشتتينني عن الموضوع الأصلي... أهي المرة الأولى التي تسمعين بها عن شيء كهذا؟
-  كنت أراه في الأفلام والمسلسلات، ولم أكن أتخيل يوما أنه واقع موجود في مجتمعاتنا...
- بكل أسف يا حبيبتي،  لقد آتت الأفلام السينمائية، والمسلسلات العاطفية ثمارها في مجتمعاتنا، وجميع القصص والروايات العالمية الغربية والغريبة عن مجتمعاتنا، والتي كانوا يمثلونها أيام أفلام الأبيض والأسود، صارت حقيقة واقعة الآن، بعد التطبيق الفعلي لها، والاقتداء بنجوم الشاشة الكبيرة وأبطالها..
والملاجئ والمآوي تزداد في بلادنا يوما بعد يوم، ولا تكاد تكفي لاستيعاب ثمار الخطيئة المرة..

حاولت أن أسترجع في ذهني صورة سينمائية لطالما رأيتها...
صورة البطلة المسكينة الباكية، وكان علينا أن نتعاطف معها ونبكي لها، صورتها وهي تلف طفلها الرضيع بخرقة، وتضعه على باب المسجد ثم تفر....ويأتي فاعل خير ليأخذه ويربيه ويتبناه...
وكانت تلك الأفلام دوما تنتهي نهايات سعيدة... إذ يكبر الطفل ويشب ويتفوق في دراسته ومن ثم عمله، وتعاني الأم في حياتها قليلا، ثم تجتمع بصدفة ما مع ابنها الشاب الناجح، وغالبا ما يندم الأب المجرم في النهاية.... عفواً... أقصد البطل النجم الوسيم... ويبحث عن حبيبته، ويجدها مع ابنه الشاب، ويلتئم شمل العائلة، وتوتة توتة...فرغت الحدوتة... ويا لها من نهاية سعيدة.... ويحيا الحب...

ابتسمت دالية بمرارة وقالت:
-   ليتك تأتين معي إلى هذا الملجأ يا رولا، لتري بنفسك تلك النهايات السعيدة، لقصص الحب الحالمة التي حشوا بها عقولنا، وشغلوا بها خيالنا وأحلامنا طوال سنوات مراهقتنا وشبابنا...

آآآآآآآآه يا دالية... لا أستطيع أن أتخيل بشاعة تلك الصورة... كيف تستطيع  الأم...
الأم....
وأنا الآن أم...
وأعرف ماذا تعني هذه الكلمة...
أعرف مقدار الحب والحنان والعاطفة والرحمة والإشفاق الذي يتدفق من قلب كل أم نحو وليدها تدفقا...
كيف تستطيع هذه الأم أن تلقي فلذة كبدها لمصيره المجهول؟
كيف تتركه قرب حاوية القمامة لتفترسه قطط الشوارع، أو يتعفن حتى يموت، أو يلتقطه عامل النظافة –إن كان من المحظوظين- ليذهب به إلى إحدى الجمعيات، لينشأ يتيما محروما من حقه الطبيعي في أن يكون له أم يعرفها، وأب ينتسب إليه، وأسرة تحتويه وتحميه...

سكتت دالية، وكأنما بعثرت من عقلها كل الأفكار، وتبخر سيل الكلمات، وساد صمت رهيب يشبه الموت....
ولعلها ظلال الموت فعلا قد خيمت علينا في تلك اللحظات...
موت الضمير
موت الأخلاق
موت الحب.


وللحديث بقية.... (إن شاء الله)
« آخر تحرير: 2008-01-07, 11:07:59 بواسطة ماما هادية »
*رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ*

ماما فرح

  • زائر

العرب في الجاهلية على بدائيتهم وفقرهم الشديد أحيانا كان اليتيم لا يعدم مأوى في بيت أحدهم

وفي الإسلام كان الصحابة يتنافسون على كفالة أبناء شهدائهم وتربيتهم في بيوتهم وسط أبنائهم

والآن مع كل التقدم والرفاهية وإدعاء التحضر والثقافة والتنوير............ ماذا نفعل بأيتامنا

والله أخجل من نفسي فهي أول من أتهمها قبل غيري

أحمد

  • زائر

امينة

  • زائر
 emo (02):


غير متصل ماما هادية

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 15899
  • الجنس: أنثى
  • احفظ الله يحفظك
كل ده من حلاوتها؟ :emoti_138:
*رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ*

امينة

  • زائر
حلاوة الفكرة يا ماما هادية حضررتك عارفة ان هذا حلم حياتي  

كتبت هذا في التشريح

في انتظار باقي الحذوتة

غير متصل ماما هادية

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 15899
  • الجنس: أنثى
  • احفظ الله يحفظك

أبحث عن قلب يحبني

الحلقة 2

مرت علي دالية بسيارتها لتصطحبني في زيارتنا الأولى لسكن الأطفال في الجمعية الخيرية.
وأخذت تحدثني طوال الطريق عن مشروعها وفكرتها البناءة، بحماسها المعهود.
- سينقلهم باص الجمعية إلى منزلي، وسنكون قد جهزنا لهم برنامجا عمليا، يتضمن عددا من الأنشطة المناسبة والمفيدة لهم، سنقسم هذا البرنامج إلى عدة فقرات.... وبالمناسبة عندي تصور لما يمكنك أن تقدميه لنا في ذلك اليوم.... ما رأيك لو...
- أنا لم أفهم بعد ما هدفنا من كل هذا؟ هل سنسعى لجمع أو تقديم التبرعات لهؤلاء الأطفال المساكين؟
- سترين الآن يا عزيزتي أن أحوالهم المالية ليست سيئة كما تتخيلين، فأهل الخير بتبرعاتهم وعطاءاتهم يغطون نفقات الجمعية واحتياجاتها..
- فما دورنا إذن؟
لماذا كنت أقول هذا، وبنبرة يظهر فيها السأم والملل؟ أهو الهروب مرة أخرى... الهروب من مواجهة هؤلاء الصغار؟... لماذا كانت نبضات قلبي تتسارع؟ وأنفاسي اللاهثة  تتلاحق كلما اقتربت السيارة من مقر الجمعية؟...
ما الذي كنت أخشى أن أراه هناك؟...
أكنت أخشى أن أنظر في عيون أولئك الأطفال البائسين؟
أكنت أخشى مواجهة ملامح وجوههم الحزينة، ونظرة الانكسار في عيونهم البريئة الصغيرة؟
واستمرت دالية تشرح كعادتها... أعتقد أن عملها كمدرِّسة قد أثر على أسلوبها في الكلام، فصارت دائما تتكلم وكأنها تلقي محاضرة، وكنت دائما طالبتها المفضلة، التي تستمع وتصغي ونادرا ما تقاطع...
- إن عملنا الذي سنقوم به عظيم جدا، وستكون له ثماره الإيجابية على صعيدين:
الصعيد الأول تنمية شخصيات هؤلاء الأيتام، ومساعدتهم على تحديد أهدافهم، ووضع برنامج منظم للسعي الحثيث نحو تحقيق هذه الأهداف. سنعلمهم كيف يكونون ناجحين في الحياة، كيف يتحلون بالأخلاق الحسنة، والآداب الراقية..
والصعيد الثاني، هو أن بناتنا وصديقاتهن سيدركن من خلال الاختلاط بهؤلاء الأطفال الأقل منهن حظا في الحياة، مدى النعم التي يتقلبن فيها، فيحببن حياتهن، ويرضين بواقعهن، هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن إشغالنا لهن بعمل إيجابي بنّاء، سيساعدهن على تطوير شخصياتهن، والاستفادة من طاقاتهن وتوجيهها، بدلا من تبديدها في وسائل اللهو التافهة المنتشرة في أيامنا هذه، والتي تقتل الوقت والعقل والروح معاً.
ما رأيك؟
والتفتت إلي مبتسمة ابتسامة الواثق من عبقريته، وركنت السيارة بمهارة، وترجلنا منها، ودخلنا مبنى الجميعة.
كانت الجمعية مكونة من ثلاثة مبان متجاورة على شكل حرف (ب) وفي وسطها ساحة فسيحة نظيفة، تتوسطها بركة مياه جميلة.
وكان المبنى الذي إلى يسارنا مؤجراً إلى إحدى الشركات، ليُستفاد من ريعه في تغطية نفقات الجمعية، والمبنى الذي على اليمين هو مقر الجمعية، حيث تجمع التبرعات وتنظم الحفلات الخيرية، ويحتفظ بسجلات الأسر والأفراد المحتاجين، لتُهيأ لهم رواتبهم الشهرية.
كان الوقت مساء، ولذلك كان المبنيان خاليين تماما...
قالت دالية:
-   مقر الجمعية عادة  تجدينه يغلي بالحركة، وكأنه خلية نحل، لكنني فضلت أن نقوم بزيارتنا في المساء، ليكون الأطفال قد عادوا من مدارسهم، وأنهوا واجباتهم، حتى نراهم على طبيعتهم في مقر إقامتهم..

ولجنا المبنى الذي كان في المنتصف، كان مبنىً لا بأس به من حيث الجِدَّة والنظافة والترتيب..
سألنا إحدى المربيات عن مكتب المديرة فأشارت إليه...
استقبلتنا سيدة لطيفة في متوسط العمر، أنيقة الملبس، بهية الطلعة، صافحتنا بحرارة ودعتنا للجلوس...
كانت دالية قد حادثتهم هاتفيا وشرحت لهم أفكارها ومشروعها..

بدأت السيدة رجاء حديثها معنا بالتعبير عن شكرها وامتنانها لهذه اللفتة الإنسانية الرائعة من قِبلنا....
-   كثير من الناس يفكرون أن احتياجات أطفال الجمعية هي احتياجات مادية أو مالية، فيغمروننا بالعطايا والهدايا، وجزاهم الله خيرا، لكن أحدا لم يفكر من قبل أن أطفال الجمعيات هؤلاء هم أبناء هذا المجتمع، يحتاجون للتواصل مع إخوانهم فيه، خارج أسوار هذه الجمعية...
سألتها ببلاهة:
- ألا يخرجون من الجمعية أبداً؟
وأحسست كم هو غبي سؤالي هذا... والحقيقة أن معظم أسئلتي في تلك المقابلة كانت في منتهى الغباء والسذاجة، لكن السيدة رجاء بلباقتها الشديدة كانت تنظر إلي بمنتهى الاهتمام والاحترام كلما تفوهت بكلمة أو طرحت سؤالا، وأشعرتني بمدى أهمية تساؤلي، وحرصت على إجابته بمنتهى الاحترام..
كانت مربية فاضلة، عركتها الخبرة، وصقلتها التجربة...
-   أطفالنا يذهبون في الصباح إلى مدارسهم، وهي مدارس حكومية مجاورة لمقر جمعيتنا، ثم يعودون إلى بيتهم هذا... وكل أربعاء نسعى لتنظيم رحلة لهم إلى إحدى المنتزهات أو الأماكن الترفيهية، حيث يذهبون  برفقة المشرفات والمربيات (الدادات) ليستمتعوا ويبتهجوا، ونخصص يوم الخميس لمراجعة الدروس، وللدروس الخصوصية لمن يحتاج، أما يوم الجمعة، وهو يوم عطلة المشرفات، فلا يبقى في المركز إلا المربيات، والمشرفة المناوبة، لذا يبدو هذا اليوم مملا وطويلا بالنسبة لهم..... لذا اقترحتُ على الأستاذة دالية أن تنظموا هذا النشاط الذي تعرضونه في يوم الجمعة.
ولكنني أحب أن أعرف عن خطتكم في هذا النشاط، وتصوركم المبدئي له.


أي خطة وأي تصور؟ أنا لا أعرف إلا أنني أتيت  إلى هنا بوصفي صديقة دالية، وجزءا من جميع مشاريعها وخططها في النشاط الاجتماعي وغير الاجتماعي..... ونظرت إلى دالية مستنجدة بها...
فبادرت دالية بأسلوبها التدريسي الشيق المعهود تقول:
-   بالطبع، لقد جهزنا برنامجا مدروسا بدقة لمساعدة هؤلاء الأطفال في تنمية مهاراتهم وشخصياتهم، عن طريق محاضرات في طرق التفكير، والبرمجة اللغوية العصبية، وتتناول هذه الـ....
وتركتها تتكلم وأخذت أجوب بعينيّ في أرجاء الغرفة، وأجوب بخيالي أرجاء المبنى الغريب الغامض...
وفُتح الباب فجأة، ليلج منه ملاك طاهر بريء، طفل جميل لم يبلغ الثالثة من عمره.. وكأنه فزع لما رآنا...
ونادته السيدة رجاء بصوت رقيق:
- حاتم حبيبي... تعال إلى هنا وسلم على الضيوف...
واقترب حاتم، ومد كفه الصغيرة الغضة ليصافحنا، وصافحت كفه اللينة بيد مرتجفة باردة، وأمعنت النظر في عينيه الصغيرتين، وملامح وجهه الغض البريئة..
أأنت أيها الطفل الجميل أحد هؤلاء المعذبين المحرومين؟....
المحرومين من العطف؟ .... المحرومين من الحنان؟....  المحرومين من..... من الصفة...

حاتم...
أيها الطفل الصغير...

كم تمنيت لو أحتويه في أحضاني وأغرقه بقبلاتي، وأقول له: لا تخف يا صغيري، فغدا سيكون أحلى..
غداً يوم جديد، يوم سعيد، والحياة  دوما تسير نحو الأفضل، لن تجد في مستقبل أيامك مزيدا من البؤس ولا الشقاء ولا الحرمان..
وددت لو قلت له ذلك.. لكنني لم أستطع أن أكذب أمام هذه البراءة والطهارة...

وسحب حاتم كفه الصغيرة من يدي، ومضى يجري خارجا ليلحق بإحدى البنات الصغيرات......
أتراها أخته؟....
 آه نسيت....
لا إخوة هنا ولا أخوات....
ولا آباء ولا أمهات...
وإنما مجموعة متفرقة من أبناء مجتمعنا السعيد، جمعتهم ظروفهم القاسية، وجرائم آبائهم وأمهاتهم التي اقترفوها باسم الحب والرومانسية...

خرج حاتم... لكن عقلي مضى وراءه يجري ويبحث...
أين أنتِ يا أم حاتم؟
أين أنت يا أباه؟
أين أنتما يا من تركتم العنان لمتعكم وشهواتكم وأشواقكم وعواطفكم، حتى أسفرت عن هذه الجريمة النكراء...
ميلاد  طفل بائس، ليعيش حياة مفعمة بالشقاء...
وقتل أي أمل بالفرحة في قلبِ صغيرٍ حائر، لا يعرف معنىً للحياه
...
*رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ*

جواد

  • زائر
قاسية الى أقصى درجة ...

ربما سلاسة الإسلوب جاءت لتزيد من جرعات العذاب فيها،

والحال الذى وصفتموه للجمعية يبدوا كفندق خمس نجوم لما رأيته بعينى هنا فى مثل هذه الجمعيات فى مصر.

لقد كثرت مواضع الآلام والجروح فى جسد هذه الأمة..

فى انتظار بقية الحلقات ..

أحمد

  • زائر
emo (24):

هل هناك بقية  emo (7):

غير متصل ماما هادية

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 15899
  • الجنس: أنثى
  • احفظ الله يحفظك
نعم إن شاء الله emo (7):
*رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ*

أحمد

  • زائر
نفس الرد هناك ..!

لا أقول احكوا لنا عن المهرج زوبعة ولكن ... قليل من الرفق يكفي

 :emoti_64:

ماما فرح

  • زائر
نفس الرد هناك ..!

لا أقول احكوا لنا عن المهرج زوبعة ولكن ... قليل من الرفق يكفي

 :emoti_64:

أنت إذن من قراء مجلة ماجد  emo (30):
 ::ok::

غير متصل ماما هادية

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 15899
  • الجنس: أنثى
  • احفظ الله يحفظك
بودي أن ألبي طلبك يا أحمد

لكن القصة واقعية جدا ... جدا...
بل كثير من أجزائها حقيقي فعلا...

ألم أقل لكم أن حواديتي ليست من الخيال؟


لذا نصيحتي لك ألا تتابع القصة

*رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ*

غير متصل ماما هادية

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 15899
  • الجنس: أنثى
  • احفظ الله يحفظك
أبحث عن قلب يحبني... ح3
« رد #13 في: 2007-09-05, 16:30:06 »
أبحث عن قلب يحبني

الحلقة 3

أنهت السيدة رجاء حديثها مع دالية، ودعتنا لمرافقة إحدى المشرفات في جولة في السكن....

صعدنا مع المشرفة إلى الطابق العلوي، كان مقسما إلى مجموعة من غرف النوم، كل غرفة تتسع لخمسة أو ستة أسرة، ينام فيها مجموعة من الأطفال مع مربيتهم، وكان الأثاث مرتبا ونظيفا، ولا بأس به بشكل عام...
وكانت الغرفة تحتوي كل ما يمكن أن يحتاجه الطفل: سرير نظيف، خزانة ملابس، بل إن المربية (الدادة) فتحتها لنا لترينا تنسيقها وترتيبها لثياب وأدوات كل طفل...
وكان الطابق العلوي مخصصا للبنات، والسفلي للأولاد، وهناك غرفة خاصة للأطفال دون السنتين...


فوجئت بهذه الصورة اللطيفة للميتم، والتي تخالف كل ما كنت أراه في التلفاز من صور مزرية، ترى أيكون السبب هو أننا هنا في بلاد الخليج، حيث الرخاء المادي؟ أم أن السبب هو صرامة الرقابة، وقوة الإدارة وشدة المحاسبة، ويقظة الضمير؟

وجدنا الأطفال مجتمعين في إحدى الغرف الكبيرة، متحلقين حول التلفاز، يشاهدون إحدى برامج المنوعات...

ألقينا التحية على الأطفال، وحاولنا التودد لهم، واجتذاب أطراف الحديث معهم..... كانوا ينظرون إلينا بأعين واسعة تملؤها الدهشة...... من هؤلاء الغرباء؟ ومن أي كوكب جاؤوا؟

قالت لهم دالية: نريد أن ندعوكم لتزورونا في بيتنا، وتتعرفوا على بناتنا، فهن في مثل سنكم تقريبا، وستقضون معا وقتا ممتعا...
وأمطرنا الأطفالُ بالأسئلة والاستفسارات، غير مصدقين لما يسمعون... وأخذنا نجيب على أسئلتهم باهتمام وبشاشة....

وفي نهاية جولتنا، صحبتنا السيدة رجاء إلى البوابة الرئيسية وهي تؤكد لنا:
-   أطفالنا ليسوا بحاجة إلى دعم مادي، فأهل الخير كثيرون، إنهم بحاجة إلى احتواء عاطفي...
كثيرون منهم يشعرون في المدرسة أنهم منبوذون، أصحابهم يتجافون عنهم لأنهم أبناء الجمعية، ويعيّرونهم بهذا....
قلت لها:
-   وكيف يعرف الأطفال في هذا السن ما معنى أطفال الجمعية؟ ولماذا يتخذون منهم هذا الموقف السلبي؟
-   بكل أسف، يتلقى أصدقاؤهم تعليمات مشددة من أهاليهم ألا تختلطوا ولا تتصاحبوا مع أطفال الجمعية، فإنهم لا يستحقون صداقتكم، ولا يناسبكم مستواهم، وهذا ما يجعل الأصدقاء حتى لو بدؤوا في بداية العام بالتقرب منهم، يتحولون عنهم، وهذا ما يجرح أطفالنا ويطعنهم في الصميم، وتكون النتيجة أن كثيرا منهم يقابل هذا الحرمان العاطفي، والاعتداء النفسي، بالانعزالية، أو العدوانية أحيانا، فيقعون في المشاكل، فيعاقبون، فيتأزمون نفسيا أكثر ... وهكذا... وكأنها دائرة مفرغة لا تنتهي....

واعتصر الأسى قلبي، وتداعت في مخيلتي صور متلاحقة، لذكريات أليمة...
*أخي الذي كان ضعيف السمع، فكان أصدقاؤه لا يكفون عن السخرية منه ومن إعاقته...
وتبلغ الوقاحة من بعضهم أن يلحق به إلى منزله ليرسم له على جدران عمارتنا صورا كاريكاتورية ساخرة... فيدخل أخي الطفل المنزل، يجهش بالبكاء، وتحتضنه أمي وقلبها يتفطر حزنا وألما... تود لو تخفف عنه لكنها لا تملك إلا دموع عينيها ودماء قلبها تنزفها أسفا عليه...

*جارنا المريض النفسي الذي كان أطفال الحارة يجرون وراءه بألفاظ وصيحات غريبة... حتى يستثيروه ، فيصيح بهم غاضبا، ويبدأ بضربهم، وهم يرددون متضاحكين هاربين أنه مجنون...

لماذا تتسم قلوبنا بهذه القسوة والأنانية؟
لماذا نقابل من هم أقل منا حظا في الحياة بهذه التصرفات البغيضة اللا إنسانية؟
لماذا يعلم الآباء أبناءهم أن ابتعدوا عن هؤلاء وكأنهم مرض فتاك أو وباء معدٍ؟ بدل أن يشجعوهم على الإحسان إليهم، والتقرب منهم، ومحاولة التخفيف من معاناتهم....
فأين الدين؟ وأين الأخلاق؟ بل أين الإنسانية؟
وذكرت تذمر ابنتي الصغيرة مرة من إحدى صديقاتها في المدرسة، والتي كانت مصابة بنوع من القصور في قدراتها الذهنية، فكانت الصديقات تمل من حديثها المتكرر، وسذاجتها، وغلظتها أحيانا... وكن يتواصين بالابتعاد عنها واعتزالها... وكنت أوصي ابنتي دوما بالحنان والإشفاق عليها، وأذكرها بنعمة الله عليها إذ لم يجعلها مثل تلك الفتاة.... وأثير في قلبها نوازع الشفقة والرأفة والرحمة، حتى صارت لا تمل منها، ولا من اتصالاتها الهاتفية المتكررة، وتحاول قدر إمكانها مساعدتها ومؤانستها واحتواءها...

وسألتْ دالية السيدة رجاء:
-   هل هم جميعا في مدرسة واحدة؟
-   لا... أنا لا أسجل أكثر من ثلاثة –كحد أقصى- في نفس المدرسة...
-   لماذا؟ أليس من الأفضل أن يكونوا جميعا في مكان واحد، ليدعم بعضهم بعضا؟
-   لا..... إنهم في هذه الحالة سيتقوقعون على أنفسهم، ويزيد انعزالهم عن الآخرين.... نحن نريدهم أن يندمجوا بالمجتمع والناس، لينمو عندهم الشعور بالانتماء... وإلا فكيف نأمل منهم أن يكونوا أفرادا نافعين وصالحين في مجتمعنا، إن لم يشعروا بالانتماء إليه، وبالتواصل مع أهله؟

صحيح.... إن لم يشعروا بهذا التواصل والانتماء، سيخرجون للحياة ناقمين عليها وعلى أهلها، ونكون قد صنعنا بأيدينا مجموعة من المجرمين والمخربين والمفسدين....
ترى هل فكر أحد بهذا من قبل؟

واسترسلت السيدة رجاء وهي تمد يدها لمصافحتنا:
هذا ما جعلني أرحب كثيرا ببادرتكم الإنسانية وأعجب بها...

وفي طريق العودة، أفهمتني دالية المطلوب مني تماما...
وأعلمتني أنها سترسل لي بعض الكتب عن تنمية المهارات، وطرق التفكير، وبناء الشخصية، لأساعدها في انتقاء ما يناسبنا منها، وترجمتها و إعدادها...

وجاء موعد اللقاء الأول في منزل دالية....


يتبع إن شاء الله
*رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ*

ماما فرح

  • زائر

أبحث عن قلب يحبني

الحلقة 2

فبادرت دالية بأسلوبها التدريسي الشيق المعهود تقول:
-   بالطبع، لقد جهزنا برنامجا مدروسا بدقة لمساعدة هؤلاء الأطفال في تنمية مهاراتهم وشخصياتهم، عن طريق محاضرات في طرق التفكير، والبرمجة اللغوية العصبية، وتتناول هذه الـ....
...


 :emoti_17:


 :emoti_404:


غير متصل ماما هادية

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 15899
  • الجنس: أنثى
  • احفظ الله يحفظك
 ::)smile:

هيا نناقش ذلك في موضوع مستقل
*رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ*

أحمد

  • زائر

أبحث عن قلب يحبني

الحلقة 2

فبادرت دالية بأسلوبها التدريسي الشيق المعهود تقول:
-   بالطبع، لقد جهزنا برنامجا مدروسا بدقة لمساعدة هؤلاء الأطفال في تنمية مهاراتهم وشخصياتهم، عن طريق محاضرات في طرق التفكير، والبرمجة اللغوية العصبية، وتتناول هذه الـ....
...


 :emoti_17:


 :emoti_404:


::)smile:

هيا نناقش ذلك في موضوع مستقل


توقعت مثل هذا ...

أكل عيش  :emoti_26:

ماما فرح

  • زائر

أبحث عن قلب يحبني

الحلقة 2

فبادرت دالية بأسلوبها التدريسي الشيق المعهود تقول:
-   بالطبع، لقد جهزنا برنامجا مدروسا بدقة لمساعدة هؤلاء الأطفال في تنمية مهاراتهم وشخصياتهم، عن طريق محاضرات في طرق التفكير، والبرمجة اللغوية العصبية، وتتناول هذه الـ....
...


 :emoti_17:


 :emoti_404:


::)smile:

هيا نناقش ذلك في موضوع مستقل


توقعت مثل هذا ...

أكل عيش  :emoti_26:
ماشي ولكن عندي اختبار الأربعاء القادم ولم أذاكر بعد
لاتنسوني بالدعاء
ممكن أبدأ من الخميس إن شاء الله لو لينا عمر ونصيب  emo (30):

ماذا تقصد يا سيد بـــ أكل عيش هذه؟ 
::hit::

أحمد

  • زائر
وحذف ما يعلم جائز كما          ،      تقول زيد بعد من عندكما
وفي جواب كيف زيد؟ قل: دنف   ،    فزيد استغني عنه إذ عرف


- عبارتي خبر لمبتدأ مذكور آنفا -

" الأوصاف قبل ثبوتها أخبار، والأخبار بعد ثبوتها أوصاف "

ولتفهمي يا جارة  :emoti_64:


وبعدين اسمي أحمد يا فندم  :emoti_25:
« آخر تحرير: 2007-09-06, 22:21:21 بواسطة أحمد »

غير متصل ماما هادية

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 15899
  • الجنس: أنثى
  • احفظ الله يحفظك
وحذف ما يعلم جائز كما          ،      تقول زيد بعد من عندكما
وفي جواب كيف زيد؟ قل: دنف   ،    فزيد استغني عنه إذ عرف


- عبارتي خبر لمبتدأ مذكور آنفا -

" الأوصاف قبل ثبوتها أخبار، والأخبار بعد ثبوتها أوصاف "

ولتفهمي يا جارة  :emoti_64:


وبعدين اسمي أحمد يا فندم  :emoti_25:

أتمنى أن تكون الجارة فهمت
لأنني شخصيا لم أفهم شيئا
*رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ*