أيامنا الحلوة

الساحة الثقافية => :: مما قرأت :: => الموضوع حرر بواسطة: حازرلي أسماء في 2009-07-08, 17:55:43

العنوان: شـــــــــروط النـــــهضة (مالك بن نبي)
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2009-07-08, 17:55:43
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

هذا الكتاب واحد من سلسلة كتب منضوية تحت الهدف ذاته سماها صاحبها المفكر الإسلامي الجزائري مالك بن نبي  
"مشكلات الحضارة" ، والتي حفر فيها حول مشاكل العالم الإسلامي، كاشفا النقاب، كاسرا حاجز الصمت والخوف، واللامبالاة، منطلقا إلى المواجهة والبحث والتنقيب، معتمدا المنهجية الفكرية والبحثيّة، والتحليلية، والواقعية والموضوعية في الطرح،  محاولا  بتحليله المنهجي، وتشريحه العلمي للوضع الاجتماعي ، تبيين الأسباب الجذرية لما آل إليه حال العالم الإسلامي، ومحاولا وضع الحلول بأسلوب منهجي، وطرح فكري عميق ....

جاء من ضمن كتب هذه السلسلة، كتابه هذا الذي بين أيدينا "شروط النهضة   " والذي يعتبر من أهمّ كتب السلسلة، ومن أثقلها وزنا، والذي سأحاول بإذن العلي القدير وضع ملخّص عن فصوله.

أعود قريبا بإذن الله تعالى  emo (30):
العنوان: رد: شـــــــــروط النـــــهضة (مالك بن نبي)
أرسل بواسطة: نور السماء في 2009-07-08, 18:04:24
منتظراكى يا ابلة اسماء
حقاً انى لا اعرف شيئاً عن المفكر الاسلامى "مالك بن نبى"
لكن اشتقت ان اعرف اسلوبه من وصفك .
emo (30):
العنوان: رد: شـــــــــروط النـــــهضة (مالك بن نبي)
أرسل بواسطة: زينب الباحثة في 2009-07-08, 20:25:26
كااان نفسي أقرئه منذ زمن .. وإن شاء الله سأشتري كتبه ما إن أتيحت لي الفرصة (مغتربة أختكم)

جزاك الله كل خير أختي أسماء ..

العنوان: رد: شـــــــــروط النـــــهضة (مالك بن نبي)
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2009-07-10, 10:18:40
أهلا وسهلا بكما نور السماء وزينب... تسعدني متابعتكما  ::)smile:

زينب هل لي أن أعرف في أي بلد أنت ؟؟ emo (30):

في المداخلة الموالية الجزء الأول من التلخيص  emo (30):
العنوان: رد: شـــــــــروط النـــــهضة (مالك بن نبي)
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2009-07-10, 10:26:05
(http://www.ayamnal7lwa.net/forum/index.php?action=dlattach;topic=3054.0;attach=4258;image)  (http://www.ayamnal7lwa.net/forum/index.php?action=dlattach;topic=3054.0;attach=4258;image)

بوّب مالك بن نبي  كتابه ببابين اثنين :

الباب الأول: الحاضر والتاريخ .
الباب الثاني : المســــتقبل  

وذلك في علاقة بيّنة لا تُغفَل بين الأبعاد الثلاثة ، البعد التاريخي، والبعد الحاضر والبعد المستقبلي، وعن ذلك يقول مالك بن نبي:

"ما الحضارات المعاصرة، والحضارات الضاربة في ظلام الماضي، والحضارات المستقبلة إلا عناصر للملحمة الإنسانية منذ فجر القرون إلى نهاية الزمن، فهي حلقات لسلسلة واحدة تؤلف الملحمة البشرية منذ أن هبط آدم على الأرض إلى آخر وريث له فيها، ويالها من سلسلة من النور ..."

الباب الأول : الحاضر والتاريخ  

في هذا الباب يبيّن  أدوار ثلاثة عوامل وتأثيرها في تاريخ الشعوب وحاضرها  :

دور الأبــــــــــــــــــطال.
دور الفكرة والسياسة.
دور الوثــــــــــــــــــنيّة .


دور الأبــــــــــــــــطال :   في هذا العنصر يبين مالك بن نبي أنّ العهود التي كانت فيها الملاحم والبطولات المختلفة لم تكن هي العهود التي وجهت فيها الشعوب طاقاتها نحو أهدافها الواقعية ونحو تقدمها وبروز دورها الحضاري، وأن جهود أبطال تلك الملاحم لم تكن في غالبها إلا ابتغاء اكتساب مجد شخصي، أو ابتغاء تحقيق طموح، أو لإرضاء عقيدة، فلم يكن طريق الخلاص الواقعي لشعوبهم  بيّنا في طريقهم البطولي الذي شقّوه، ثم يُسقط مالك بن نبي طبيعة هذا الدور البطولي الذي في عادته لا يبحث عن السبب الجذري للمشكلة لإيجاد الحل الأصيل على حال الشعوب الإسلامية إبان القرن التاسع عشر والربع الأول من القرن العشرين أمام الزحف الاستعماري، فلا يراه إلا دورا بطوليا لم يبحث في الأسباب الرئيسة والواقعية التي مهّدت للاستعمار ليواجهها ويجد حلّها، ويرى أنّ هذه الملاحم في حقيقتها إذ لم تؤدّ رسالة ولم تترك رسالة فهي أقرب للأسطورة والحلم منها إلى الحقيقة والتاريخ، لأن العمل التاريخي تصنعه الرسالة المؤداة .

وعلى هذا يرى مالك بن نبي أنّ مشكلة الشعوب في جوهرها هي مشكلة حضارتها، وحتى يفهم الشعب مشكلته وأسبابها ويعرف حلها الصحيح، لا بدّ من تطلّع فكره إلى فهم العوامل التي تبني الحضارات أو تهدّها، بتطلعه إلى الأحداث الإنسانية المتعاقبة، ذلك أنّ حلقات الماضي والحاضر والمستقبل لا تنفصم في سلسلة متصلة تشكل الملحمة الإنسانية منذ بدء الخلق إلى نهايته ونهاية الدنيا، وبذلك وجَبَ تطلّع الفكر إلى دراسة التاريخ ومعرفة وتحليل أحداثه، واستقراء الحاضر على ضوئه، واستشراف المستقبل .

وهو قوله الذي أسلفنا :
"ما الحضارات المعاصرة، والحضارات الضاربة في ظلام الماضي، والحضارات المستقبلة إلا عناصر للملحمة الإنسانية منذ فجر القرون إلى نهاية الزمن، فهي حلقات لسلسلة واحدة تؤلف الملحمة البشرية منذ أن هبط آدم على الأرض إلى آخر وريث له فيها، ويالها من سلسلة من النور ..."

وبهذا التطلع الفكري إلى الأحداث الإنسانية المتعاقبة، وبهذا التعمق في دراسة عوامل قيام حضارة، وعوامل سقوط أخرى، يؤدي الشعب دوره بانبعاثه حلقة في سلسلة الحضارات، وتدقّ ساعة البعث معلنة عن قيام حضارة أو مؤذنة بسقوط أخرى .

ويضرب الكاتب مثلا قريبا عايشه بالجزائر، عام 1830 مع بداية عهدها بالاستعمار الذي سبقه نوم عميق غطّ فيه شعبها لزمن طويل، والتاريخ لا يلتفت للأمم النائمة، وإنما يتركها لأحلامها التي تَطْرَبُ لها باستحضار بطولات أبطالها الذين كانوا يظهرون بين الحين والحين مثل فرس الأمير عبد القادر الوثّاب الذي كان أشبه بالشبح الذي ما يكاد يظهر حتى يختفي، وعدد من الأبطال الذين قاموا واتحدوا فيما يشبه وحدة رسالة تجمعهم الرابطة القبلية والتي لم تكن كافية لأن يؤدي الشعب رسالة تاريخية، ويصدر التاريخ قراره بأن الشعب الذي لا يقوم بدوره التاريخي في السلسلة الإنسانية لا بدّ أن يخضع ويذلّ .

ولكنّ هؤلاء الأبطال والمجاهدين من أبناء القبائل التي كتب لها الخلود بما أوتيت من روح رفعتها فوق الهاوية، كانت أبقى من تلك القبائل الأمريكية التي كانت قبل كرستوف كولومب والتي أضحت طيّ النسيان، واندحرت، وذهبت ريحها، فكانت أكبر دليل على أنّ الإسلام بقوته الروحية كان درعا واقيا لكل من تمسّك به ، فحافظ عليهم من معاول الأيام الهدّامة ومن دوامة المستعمر أن تبتلعهم وتذيبهم في بوتقته وينصهروا في شخصيته .


الخـــــــــــــــــــلاصة :

1- الأدوار البطولية أصوات فردية لا ترتقِي لتسجيل دور شعب في صناعة حضارة .
2- حتى يؤدي الشعب رسالته التاريخية لا بدّ أن يتطلع بفكره إلى الأحداث الإنسانية وأن يدرس عوامل قيام الحضارات وعوامل سقوطها في سلسلة الملحمة الإنسانية التي هي الأبعاد الثلاثة متصلة التاريخ، والحاضر والمستقبل.
3- العمل التاريخي الذي يسجّل للشعوب هو ما يكون عن رسالة.
4- الشعب الذي يغطّ بالنوم ولا يستفيق لدوره التاريخي  لا  يلتفت إليه التاريخ.
5- الشعب الذي لا يؤدي دوره التاريخي لا بد أن يخضع ويذلّ .
6- الإسلام وقوته الروحية درع واق ضدّ السقوط والذوبان في شخصية المستعمر .

وفي المرة القادمة نعرض لدور الفكرة والسياسة بإذن الله  فانتظرونا  emo (30):


(http://www.ayamnal7lwa.net/forum/index.php?action=dlattach;topic=3054.0;attach=4258;image)  (http://www.ayamnal7lwa.net/forum/index.php?action=dlattach;topic=3054.0;attach=4258;image)
العنوان: رد: شـــــــــروط النـــــهضة (مالك بن نبي)
أرسل بواسطة: نور السماء في 2009-07-10, 10:34:24
متابعون
العنوان: رد: شـــــــــروط النـــــهضة (مالك بن نبي)
أرسل بواسطة: hasbo في 2009-07-10, 12:38:09
متابع باهتمام
العنوان: رد: شـــــــــروط النـــــهضة (مالك بن نبي)
أرسل بواسطة: زينب الباحثة في 2009-07-10, 13:30:58
مقيمة بكندا ..

لي عودة للقراءة :)
العنوان: رد: شـــــــــروط النـــــهضة (مالك بن نبي)
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2009-07-10, 17:24:00
أهلا بك يا نور السماء، إذا استعصى عليك شيء فاسأليني وأنا في الخدمة لأشرح لك  ::)smile:

أهلا بمتابعتك أخي hasbo

زينب ألا توجد مكتبات تبيع كتبا عربية بكندا ؟ أعرف أختا سورية تعرفنا عليها من خلال منتدى عمرو خالد، افتتحت مكتبة ما شاء الله هناك من خلال تبرعات الإخوة من مختلف الأقطار لها بكتب إسلامية مختلفة، ووافتنا بصور المكتبة أول افتتاحها، ماما هادية تذكر موضوعها معي، ربما نبحث عن عنوانها ونزودك به يا زينب لربما استطعت الوصول إليها emo (30): 
العنوان: رد: شـــــــــروط النـــــهضة (مالك بن نبي)
أرسل بواسطة: نور السماء في 2009-07-10, 18:57:37
أهلا بك يا نور السماء، إذا استعصى عليك شيء فاسأليني وأنا في الخدمة لأشرح لك  ::)smile:

أهلا بمتابعتك أخي hasbo

زينب ألا توجد مكتبات تبيع كتبا عربية بكندا ؟ أعرف أختا سورية تعرفنا عليها من خلال منتدى عمرو خالد، افتتحت مكتبة ما شاء الله هناك من خلال تبرعات الإخوة من مختلف الأقطار لها بكتب إسلامية مختلفة، ووافتنا بصور المكتبة أول افتتاحها، ماما هادية تذكر موضوعها معي، ربما نبحث عن عنوانها ونزودك به يا زينب لربما استطعت الوصول إليها emo (30): 

شكراً لك يا ابلة اسماء.
قد اعجبتنى هذه الافكار التى طرحها الكاتب فى كتابه
حقاً ان المصالح الشخصية لا تعمق الاصالة والكمال والعظمة لكنها الخلال التى ينفرد بها الله سبحانه وتعالى.
العنوان: رد: شـــــــــروط النـــــهضة (مالك بن نبي)
أرسل بواسطة: زينب الباحثة في 2009-07-10, 19:52:26
والله؟ أهي موجودة بمونتريال ؟؟
العنوان: رد: شـــــــــروط النـــــهضة (مالك بن نبي)
أرسل بواسطة: زينب الباحثة في 2009-07-10, 23:49:58
جزاك الله كل خير ..

هل البامكان اعادة شرح هذه النقطة :

- الأدوار البطولية أصوات فردية لا ترتقِي لتسجيل دور شعب في صناعة حضارة
العنوان: رد: شـــــــــروط النـــــهضة (مالك بن نبي)
أرسل بواسطة: أبو بكر في 2009-07-11, 14:09:39
:emoti_133:

ما شاء الله لا قوة إلا بالله ..
يبدو أن الكتاب رائع و المؤلف أيضاً

أكملي أخت أسماء بارك الله فيكم
العنوان: رد: شـــــــــروط النـــــهضة (مالك بن نبي)
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2009-07-11, 14:41:15
مرحبا أهلا وسهلا بك يا أبا بكر emo (30):، نعم يا أبا بكر الكتاب رائع والمؤلف أيضا، مالك بن نبي صاحب نظريات اجتماعية تعمق في دراستها وفي تطبيقها مَن بعده من علماء الاجتماع، ولك أن تحكم بما سيأتي من مضمون الكتاب بإذن الله، أسأل الله أن ينفعنا به

زينب بخصوص المكتبة ماما هادية لم تعد لديها معلومات عنها، سأسأل لك مصدرا آخر ربما آتيك منه بالعنوان بإذن الله

طيب يا زينب بخصوص:

- الأدوار البطولية أصوات فردية لا ترتقِي لتسجيل دور شعب في صناعة حضارة...

إذا تتبعنا خَطرات الكاتب وما يطرحه من فكره، فهو يقول : "إن مشكلة كل شعب في جوهرها هي مشكلة حضارته" ، والأدوار البطولية والمتمثلة في ثورات مسلحة على نطاق صغير أو كبير مع نوم الفكر يا زينب أصوات فردية، ونهضات فردية لا تكفي لاضطلاع شعب بأكمله برسالة، ولا تكفي ليؤدي هذا الشعب رسالته،  ذلك أنّ الأدوار البطولية الكفاحية المسلحة سرعان ما تندثر مع بقاء خمول وركود ونوم عقلي، وجمود الفكرة، أما شعب تنمو الفكرة الإصلاحية بين أفراده، ويكون الصوت بانتشارها صوت شعب بأكمله، فهو شعب لا يذل ولا يخضع، ويريد مالك بن نبي أن يصل أيضا إلى القول بأنّ الأدوار البطولية هي بطبيعتها لا تحل المشكلة الأساسية للشعب، وهي لا تضرب بالجذور لتبحث في السبب الرئيس للاستعمار، وهو ما يسميه مالك بن نبي وسنراه فيما هو آت "القابلية للاستعمار" وهو يراه سببا داخليا من أنفسنا في دراسته الواقعية التي فيها المواجهة وكسر جدار الصمت وعدم الركون إلى لصق الأسباب بالمستعمر مع الغفلة عن نوم الفكرة فينا،وعدم اضطلاعنا بالرسالة. فهو يبحث عمّا يكون عامل نهضة حقيقية جذرية للشعب ، تنمحي به قابليته للاستعمار،شعب له رسالة، شعب مستيقظ، شعب لا يغطّ بالنوم يريد نهضة فكرية، أما هبّة فرد لا يزرع الفكرة الإصلاحية فيمن حوله، فهي مناجاة فردية لا تنتقل عدواها الحميدة لتصنع ثورة فكر، فما أن يظهر حتى يختفي، وكأنه الحلم الذي يظهر ويختفي... وهذه البلدان الإسلامية التي استعمرت يا زينب بين أيدينا، وبعد استقلالها، هل هي مستقلة فعلا؟؟ أي استقلال والتبعية عندنا في أدق الأمور كما في أجلّها؟؟ أما شعب له فكر، وله استقلالية فكرية، ولا يستغني عن شخصيته وثقافته، فهل سيتمسّح بثقافة غيره؟ هل سينصهر في بتوقة الآخر ؟ هل سيبقى ملاحَقا مستحمَرا (بحرف الحاء على قول محمد قطب)  ؟؟ وفيما سيأتي بإذن الله توضيح أكبر لهذه النقطة

هل توضّحت لك يا زينب ؟

نور السماء أرجو أيضا أن تستفيدي مما وضعت لزينب  emo (30):
العنوان: رد: شـــــــــروط النـــــهضة (مالك بن نبي)
أرسل بواسطة: زينب الباحثة في 2009-07-11, 16:38:05
رااائع باارك الله فيك :)
العنوان: رد: شـــــــــروط النـــــهضة (مالك بن نبي)
أرسل بواسطة: hasbo في 2009-07-12, 00:46:29
متابع بشدة
 
العنوان: رد: شـــــــــروط النـــــهضة (مالك بن نبي)
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2009-07-12, 09:33:28
أهلا بكم جميعا إخوتي ، نكمل مع الجزء الثاني من تلخيصنا بإذن الله  emo (30):

(http://www.ayamnal7lwa.net/forum/index.php?action=dlattach;topic=3054.0;attach=4258;image)  (http://www.ayamnal7lwa.net/forum/index.php?action=dlattach;topic=3054.0;attach=4258;image)

دور السيـــــــاسة والفــــــــــكرة :

يبدأ مالك بن نبي بتوضيح دور الكلمة إذ هي أصل الفكرة، فيرى أنّ لها دورا هاما في خلق الظاهرة الاجتماعية، فهي إذ يطلقها أحدهم، يتلقاها أفراد تستقرّ معانيها بأعماقهم، فتحوّل أصحابها إلى أفراد ذوي مبادئ ورسالة ....وهكذا كان وقع كلمة جمال الدين الأفغاني يقول مالك بن نبي :
"فقد شقّت كالمحراث في الجموع النائمة طريقها، فأحيت مَواتها، ثم ألقت وراءها بذورا لفكرة بسيطة، فكرة النهوض...  "

فغيّرت كلمته ما بالشعوب الإسلامية التي أنكرت ما كانت تستحسن من أمرها، وأفاقت  تنفض عن جفونها ثقل النوم الذي غطّت فيه طويلا، فغدا الناس حتى في مظهرهم  صورة لتغيّر مخبرهم، إذ نبذوا النرجيلة والطربوش والحرز1 والزردة 2

وكعادة مالك بن نبي يضرب مثلا بالجزائر بما عايشه من مراحلها، فيرى أن مأساة الجزائر حتى سنة 1918 بقيت طيّ الصمت، وما كانت تلك الأدوار البطولية إلا مناجاة فرد لضميره لم تتعدّ لتوقظ الضمائر الأخرى فتصبح صيحات شعب بأكمله، بل كانت قصصا ممتعة ولم تكن أحداثا سجلها التاريخ، إلا أنّ مناجاة قلّة من المصلحين الذين قاموا ضدّ الخرافيين (الدراويش) كادت توقظ مَن حولها، لولا تدخّل الحكومة الاستعمارية العاملة على التصدّي "لمقلقي النوم العام" كما يراهم  المستعمر المحافظ على الهدوء لئلا يستيقظ النائمون !!!!!
فعملت على إبعادهم، ومصادرة أملاكهم وتحويلهم من مناصبهم، وظلت الأوضاع كذلك حتى إذا ظهرت الفكرة الإصلاحية حوالي عام 1925 على أيدي قادة جمعية العلماء المسلمين الجزائريين يرأسهم رائد النهضة الإسلامية بالجزائر "عبد الحميد بن باديس" تحركت المشكلة الجزائرية وقد أوتيت لسانا ينطق وفكرة تنير لها الطريق...

وبدأ شعاع الفجر ينساب بين نجوم الليل من قمة الجبل إذ بدأت معجزة البعث تتدفق من كلمات ابن باديس، فتحوّلت مناجاته الفردية إلى نقاشات ،ومحادثات وجدل وتحوّلت إلى حـــــــــــديث الــــــــــــــــشعب  ...
وكأن صوت ابن باديس رجع لصدى جمال الدين بالجزائر....

ثم يستطرد الكاتب في تبيينه لدور الفكرة، ودور السياسة، وفي العلاقة الكائنة بين الفكرة والسياسة، وفي منزل كل واحدة من الأخرى، ومنزل كل واحدة من الأحداث، فيذكر موقف الحكومة الاستعمارية من جديد، كما ذكره مع القلة المصلحة قبل قليل، فيتحدث عن تكيّفها البطيئ مع الظروف الجديدة، إذ لم تفقْ لساعة يقظة الشعب، فهذا حاكم الجزائر حينها يصف الشعب بالخمول بينما واقع  أرجاء الوطن يعجّ ويموج بنشاط أفراده وحيويتهم بفعل الفكرة الإصلاحية .

يقول مالك بن نبي :
"وانطلقت الأفكار وتصارعت فمنها ما انفجر شأن فقاقيع الهواء على سطح الغلاية، وأحيانا أخرى تتحول من   حالة الجمود إلى حالة التبخّر والشيوع  في صورة مدرسة أو مسجد أو مؤسسة إصلاحية  "

كما ظهر تبني النظريات الاجتماعية المختلفة التي تنمّ عنها هيئات معتنقيها، فحامل لقبعة يقفو بها أثر أتاتورك، مناديا بتحرير المرأة، ونشر التعليم المدني (اللاديني)، وبتبديل الشريعة بالقانون الوضعي، كما برزت عمائم الإصلاح  التي اتخذ أصحابها العقيدة الصحيحة منهجا، والسلف الصالح قدوة، ورغم تباين النزعات الفكرية إلا أنها جميعها توحّدت في الفرار من الخرافة إلى مكاتب العلم، ومن الخمّارات إلى أماكن أكثر طهارة ...

وكانت حركة الإصلاح بقيادة جمعية العلماء المسلمين تتخذ شعارا لها "إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ "-الرعد من الآية 11- ، فكانت مع دأب روادها على تشريبها للشعب في كل خطوة وفي كل مقال، و في كل مقام الأكثر تأثيرا في النفوس، وأصبحت شعار كل منخرط في سلك الإصلاح بمدرسة ابن باديس، فهذا يردّد في الأوساط  ضرورة تبليغ الإسلام، وهذا يدعو إلى نبذ الخرافة وما ألصق بالدين من شعوذات،وذاك يدعو إلى تعليم الدين وضرورة اقتفاء أثر السلف الصالح...

يقول مالك بن نبي أنّه تفكير سديد ذاك الذي يرى أن الحضارة كظاهرة اجتماعية تقوم في ظل الشروط والظروف نفسها التي قامت فيها الحضارة الأولى (وهنا نستحضر قوله بأنّ الشعب الذي يفهم مشكلته ويعرف حلها هو الشعب الذي يتطلع بفكره للعوامل التي أدت إلى قيام حضارات، والتي أدت إلى سقوط أخرى، وهذا أساس الفكرة الإصلاحية التي رأت ضرورة اقتفاء أثر السلف الصالح).

يبيّن مالك بن نبي من جديد ومن وحي التجربة التي عايش أحداثها ومراحلها بالجزائر أنّ الحركة الإصلاحية بقيادة جمعية العلماء المسلمين وعلى رأسهم عبد الحميد بن باديس، جنحت  إلى اللامنهجية  ساعة تركت الحكمةُ مكانها للانتهازية السياسية، ويقول في ذلك :

"على أنّ من الممكن أن يؤدي هذا التفكير غير المنهجي إلى انتهازية خطيرة، وخاصة في العصور المضطربة عندما تؤدي كل خطوة خاطئة إلى الموت أحيانا. فليس للإنحراف طرق مرسومة نظريا،ولكن له دروبا مظلمة يتعثّر فيها السائر في كل خطوة"

وقد كان الجنوح إلى اللامنهجية السبب الرئيس الذي دعا قادة الحركة إلى الانضمام للقافلة السياسية التي ذهبت إلى باريس،هذا الذهاب الذي كان السبب الأكبر الذي جرّ الحركة إلى الإنحراف، يطرح مالك بن نبي حول ذلك تساؤلا عميقا هو الجواب ضمنيا :

"فبأي غنيمة أرادوا أن يرجعوا من هناك، وهم يعلمون أنّ مفتاح القضية في روح الأمة لا في مكان آخر؟"

ومالك بن نبي إذ يذكر تجربة الجزائر، فهو يتخذها مثالا قريبا، ويقول أنّ العالم الإسلامي أصيب بما أصاب الجزائر بنشأة التيارات الحزبية وانعكاس روح السموّ وقوة الصعود إلى عاطفة سفلية وجاذبية سطحية، وكان هذا الحال الذي عرف به العالم الإسلامي قبيل عام 1939 عندما أرعدت سحب الحرب في أفق العالم،  تلك الفترة التي استسلم فيها العالم الإسلامي لنوم عميق وضيّع فرصة يقظة في ساعات تاريخ فاصلة تخلصه من الاستعمار .

الـــــــــــــــــخلاصـــة :

1- للكلمة تأثيرها العميق في النفوس التي تتحول بها إلى ذوات بمبادئ ورسالة .
2- الفكرة الإصلاحية إذ تنتشر بين الناس يستفيقون بها من نومهم العميق، ويتغير ما بهم ، فينتبه الشعب إلى ضرورة أدائه لرسالته.
3- الدور البطولي مناجاة ضمير لصاحبه يشكل قصة ممتعة،ولا يشكل حدثا تاريخيا ولا يساوي صيحة شعب مستفيق ينتبه لتسجيل دوره التاريخي.
4- الحكومة الاستعمارية هيئة تسهر على عدم إقلاق النوم العام، وتتخذ إجراءاتها القمعية ضد مقلقي النوم العام من أصحاب الفكر المستيقظ والفكرة المتوثّبة.
5- نور الفكرة إذ يشعّ في الأوساط أقوى من السياسة القمعية العاملة على تخدير الشعوب، فيعمل عمله وينبثّ فيما تفشل السياسة في تقدير وفهم أثره .
6- الفكرة الإصلاحية بنورها المبثوث في النفس تخلع مسوح الخرافة والدروشة وتزيّن أصحابها بحلة العلم .
7- الفكرة الإصلاحية الإسلامية ذات القوة الروحية هي الفكرة الرائدة القائدة التي تؤثر في النفوس أكثر من كل فكرة أخرى .
8- عزم النفس على تغيير ما بها يلقي بأنواره على الجماعة ليتغير حالها من النوم إلى اليقظة ومن الذل إلى العزة، ومن الوهم إلى الحقيقة، ومن القصة الأسطورية إلى الدور التاريخي ذي الرسالة .
9- الحضارة كظاهرة اجتماعية تقوم في الظروف والشروط نفسها التي قامت فيها الحضارة الأولى ، وهذه قاعدة الظاهرة كحالة تعيد نفسها.
10- الحكمة في توسع عمل تغييرالنفوس من الداخل، ومعرفة أن موطن الداء الحقيقي هو النفس والانحراف في استجداء الحل من الخارج .


في المرة القادمة بإذن الله نعرض للعنصر الثالث "دور الوثنية"    emo (30):


_________________________________________________________________

(1) هو ما يكتبه الدراويش والمشعوذون للناس ليعلقوهم بصدورهم بدعوى انها تذهب العين أو الحسد أو الألم
(2) وليمة يقيمها رجال الطرق في حفلاتهم .



(http://www.ayamnal7lwa.net/forum/index.php?action=dlattach;topic=3054.0;attach=4258;image)  (http://www.ayamnal7lwa.net/forum/index.php?action=dlattach;topic=3054.0;attach=4258;image)

العنوان: رد: شـــــــــروط النـــــهضة (مالك بن نبي)
أرسل بواسطة: hasbo في 2009-07-12, 09:56:20
متاااااااااااااااااااااااااااااااااااااااابعة
العنوان: رد: شـــــــــروط النـــــهضة (مالك بن نبي)
أرسل بواسطة: راجية رحمة الله في 2009-07-12, 12:19:48
متابعون
العنوان: رد: شـــــــــروط النـــــهضة (مالك بن نبي)
أرسل بواسطة: نور السماء في 2009-07-12, 12:38:27
جزاك الله خيرا ابلة اسماء emo (30):
يبدو اننى فهمت الجزء الاول فهما خطأ
ولكن فهمت الان
متابعة ان شاء الله.
العنوان: رد: شـــــــــروط النـــــهضة (مالك بن نبي)
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2009-07-13, 11:03:39
أهلا وسهلا بك راجية رحمة الله وبكم جميعا إخوتي، يسرني أمرك يا نور السماء  أنا في الخدمة emo (30):، نكمل إخوتي اليوم مع عنصر جديد أضع جزءه الأول على أن أكمله مرة أخرى بإذن الله.

(http://www.ayamnal7lwa.net/forum/index.php?action=dlattach;topic=3054.0;attach=4258;image)(http://www.ayamnal7lwa.net/forum/index.php?action=dlattach;topic=3054.0;attach=4258;image)

دور الوثنــــــــــــــــيّة

يعرض مالك بن نبي إلى شرح الوثنية التي يريدها، بادئا بذكرها كأهم سمة من سمات العصر الجاهلي الذي سمّي لأجلها بهذه التسمية رغم ما عرف عن أهله من ديباجة لغوية فذّة ، فيرى أنّه إن كانت الوثنية جاهلية، فإنّ الجهل أيضا وثنية لأنّه لا يغرس أفكارا بل ينصب أصناما، ومن سنن الله في خلقه أنه عندما تغرب الفكرة يبزغ الصنم، وهذا كان حال الشعوب العربية حينما شيّدت معابد للدراويش، وعلى غرارها كان شأن شعب الجزائر والذي ظلّ حتى عام 1925 ورغم إسلامه يدين بالوثنيّة التي أقام نصبها بالزوايا حيث يتمسّح ويتبرّك الناس بالدراويش، ويقتنون منهم الحروز .
وما أن بزغت شمس الفكرة الإصلاحية حتى خرّت أوثان الخرافة والدروشة، وتخلّص الشعب من عبوديّتها بعد أن نصبها صنما معبودا لأكثر من خمسة قرون من الزمان يرقص فيها على دقات البنادير ويبتلع العقارب والمسامير مع الخرافة والأوهام ، وبالروح الإسلامية التي ميّزت الفكرة الإصلاحية بُعِثَ الشعب من رقاده للحياة من جديد ...

ويستطرد الكاتب موضّحا أثر الفكرة الإصلاحية التي انبثّت وعملت عملها في أوساط الشعب النائم لما يزيد عن عشرة أعوام.
فقد بدأ العمل الإصلاحي وفي جوهره تغيير الإنسان، فكانت البدايات بسيطة، وشيّدت المدارس الأولى كمدارس الغرب الأولى في عهد شارلومان تؤسّس للمدنيّة الغربيّة ، ويستشهد مالك بن نبي بفترة من فترات حياته في تلك المرحلة النهضويّة لشعبه،وقد كانوا إذا ما خلصوا إلى ساعات السمر انصبّت أحاديثهم حول التعليم والتربية وتطهير الأخلاق ، واصفا إياها بالأحاديث المطهَّرَة من الرياء والذاتيّة والغايات الانتخابية فيقول :

"فقد أصبحت لكل كلمة من هذه الكلمات ، ولكل سعي أثره وإن قل، إذ يسهم في بناء التقدم والنهضة، تماما كما تسهم القشة الصغيرة في بناء عشّ الطير إبان الربيع"

كما نهض جواد الأدب الجزائري من كبوته ينشد شعرا لليقظة الشعبية، ويتغنّى بربيع الفكرة لا ربيع الصنم...
وأصبح حديث الإصلاح مِلء المرافق الحيويّة، في المساجد والمدارس والمنازل، كما قدّمت الأمة تضحياتها لتشييد المدارس والمساجد من أجل البعث الفكري والبعث الروحيّ جنبا إلى جنب وهما عماد كلّ حضارة تدقّ ساعة انبعاثها، ولم يَحُل فقر الشعب دون تقديمه للتضحيات، بل كان إقدامُه وحماسته وانبعاثه من رقاده واستشرافه لمستقبل واعد مظاهرا لإيمانه بالفكرة الإصلاحية واستعداده لخدمتها .

وقد بلغت تقاليد مدينة تبسة (بلدتي ::)smile: ) في أعراسها وجنائزها من الوقار ما ينمّ عن تغيّر وانبعاث أقام كرامة الفرد بيّنة ظاهرة، يقول في ذلك مالك بن نبي  قولا عميق الدلالة :

"وإنه لَمِن الواضح أنّ الشعب الذي بدأ يعود إلى وقاره، ويستمسك بأسباب كرامته، ويميل إلى التناسب والجمال في مظهره العام، قد أعاد سَيْرَه في موكب التاريخ  "

وانتشر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في أشكال عديدة استبان  في توجّه روّاد الخمّارات إلى المساجد، والتفاف روّاد حلقات الدراويش حول حلقات الدروس بالمساجد، وذلك مع محاربة الخمور وبيعها، ونشر الوعي بخطورة الدروَشَة والخرافة على العقل .

وهكذا كانت حركة الفكرة الإصلاحية في بعث النهضة، إلى أن ضلّت طريقها فيما ظنّت أنها سبيل من سبل تحقيق هدفها ساعةَ أمسكت بتلابيب السراب السياسي بذهابها إلى باريس للمفاوضات مع من ذهبوا متّخذة ساحة التغيير التي ما تزال تحتاج الكثير من العمل ظهريّا.
وهكذا سادت الوثنيّة من جديد في شكل دروشة سياسية تبيع بدل الحروز والتمائم أوراق الانتخابات والحقوق السياسية والأماني السابحة في الخيال....وبهذا لم يتمّ التخلص من الأسلوب الخرافيّ يقول مالك بن نبي :
"ذلك الأسلوب الطفولي الذي نتجت عنه قصة ألف ليلة وليلة ، تلك القصة التي استطبنا مذاقها في عصور انحطاطنا، وكان لها تأثيرها في جونا الخلقي والاجتماعي"

يبقى الجزء الثاني من هذا العنصر أكمله قريبا جدا بإذن الله ، فانتظروني emo (30):


(http://www.ayamnal7lwa.net/forum/index.php?action=dlattach;topic=3054.0;attach=4258;image)(http://www.ayamnal7lwa.net/forum/index.php?action=dlattach;topic=3054.0;attach=4258;image)

العنوان: رد: شـــــــــروط النـــــهضة (مالك بن نبي)
أرسل بواسطة: أبو بكر في 2009-07-13, 21:33:34

بارك الله فيكم

بالانتظار   emo (30):
العنوان: رد: شـــــــــروط النـــــهضة (مالك بن نبي)
أرسل بواسطة: hasbo في 2009-07-13, 22:34:42
منتظر المزيد
موضوع رائع بالفعل
بارك الله فيكى
العنوان: رد: شـــــــــروط النـــــهضة (مالك بن نبي)
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2009-07-14, 11:18:34
أهلا بكم إخوتي، تسعدني متابعتكم emo (30):... نكمل الجزء الثاني من دور الوثنية ...

(http://www.ayamnal7lwa.net/forum/index.php?action=dlattach;topic=3054.0;attach=4258;image)(http://www.ayamnal7lwa.net/forum/index.php?action=dlattach;topic=3054.0;attach=4258;image)

وهكذا كانت حركة الفكرة الإصلاحية في بعث النهضة، إلى أن ضلّت طريقها فيما ظنّت أنها سبيل من سبل تحقيق هدفها ساعةَ أمسكت بتلابيب السراب السياسي بذهابها إلى باريس للمفاوضات مع من ذهبوا متّخذة ساحة التغيير التي ما تزال تحتاج الكثير من العمل ظهريّا.
وهكذا سادت الوثنيّة من جديد في شكل دروشة سياسية تبيع بدل الحروز والتمائم أوراق الانتخابات والحقوق السياسية والأماني السابحة في الخيال....وبهذا لم يتمّ التخلص من الأسلوب الخرافيّ يقول مالك بن نبي :
"ذلك الأسلوب الطفولي الذي نتجت عنه قصة ألف ليلة وليلة ، تلك القصة التي استطبنا مذاقها في عصور انحطاطنا، وكان لها تأثيرها في جونا الخلقي والاجتماعي"

وقد كانت للحكومة السياسية يدها الخارجية في الزجّ بعلماء الحركة في هذا المستنقع الآسن ، فيتساءل مالك بن نبي:
ألم تكن المعجزة الحقة في تغيير الأمة وتقدمها شيئا أغلى من الوعود السياسية الكاذبة ؟ أليس موطن المعجزة هو الذي دلّ عليه القرآن، أي في النفس ذاتها؟  أليس تغيير ما بأنفس الناس هو أساس كل تحول اجتماعي رشيد؟

ويستنتج من هذا التساؤل أن الحكومة الاستعمارية لم تكن السبب الحقيقي بل ما هي في الواقع إلا آلة اجتماعية يكون حالها من حال المجتمع  الذي تكون فيه، فإن كان حرا نظيفا فما يكون أن تواجهه الحكومة بما ليس فيه، وإن كان مجتمعا غائب الفكر، عديم الرسالة ، ذليلا خاضعا، قابلا للاستعمار كانت حكومته استعمارية، وبالتالي فإنّ ما يُقَرَّر أنّ الاستعمار ليس سببه عبث السياسيين وطمع الطامعين بل سببه الأول خضوع  المجتمع وقابليته للاستعمار.
وهكذا نلاحظ كيف يبحث مالك بن نبي في الجذور بالمواجهة الصريحة القوية للنفس والتي عادة ما تُغفَل ويلقى عليها قالب صمت صلد ...
والقابلية للاستعمار هي السبب الرئيس الذي جعل مالك بن نبي يدور بمنهجيته حول محور تغيير النفس ...
يقول بن نبي :
"وليس ينجو شعب من الاستعمار وأجناده ، إلا إذا نجتْ نفسه من أن تتسع لذلّ مستعمر، وتخلصت من تلك الروح التي تؤهله للاستعمار  "

ويرى مالك بن نبي أنه لا يذهب كابوس الاستعمار عن شعب إلا بتحوّل نفسي يقيم كرامة الفرد، وتستبين به وظيفته الاجتماعية، فترتفع عنه القابلية للاستعمار، ومع ارتفاعها عنه يصبح أبيّا عصيا على الإذلال والإخضاع، وبالتالي لن يقبل حكومة استعمارية، وكأنه بتغيّر نفسه قد غيّر وضعية حاكميه إلى الوضع الذي يرتضيه ...
وقوانين الظاهرة السياسية تبيّن مدى قوة العلاقة بين الحكومة والوسط الاجتماعي، الحكومة التي تسيّر وتتأثر بالوسط في الآن ذاته، وفي هذا دلالة على ما بين تغيّر النفس وتغير الوسط الاجتماعي الذي بدوره يؤثر في حاكِمِيه، والسياسة التي تجهل هذه القواعد الأساسية سياسة تقوم على العاطفة في تدبير شؤونها، وعلى الوعود الكاذبة الجوفاء التي لا تنفّذ في بناء سلطانها بغرس الأوهام في العقول، والآية الكريمة شعار الحركة الإصلاحية "إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم" هي قََوام الإصلاح، ونبذ الخرافة والأوهام، وقَوام الحقيقة ومواجهة الواقع، وقَوام التغيير الحقيقي الذي يبحث في الحل الجذري الأصيل. وهي درع واق ضدّ الخرافة والدجل والشعوذة والدروشة التي تمثل الصنم والوثن بكل أشكاله التي تتجدّد ...

ولكنّ مسايرة الحركة الإصلاحية الإسلامية الجزائرية للسياسيين وسقوطها بدروشتهم -ولو عن حسن نية- كانت إيذانا بعودة الوثن في شكله السياسي، والغفلة عن الإصلاح والتغيير، وكان من ضمن أكاذيب الدروشة السياسية ذلك الشعار الذي ردّده الساسة على مسامع الشعب طويلا حتى صار يردّده باستمرار "إن الحقوق تؤخذ ولا تُعطى" ، ويجد مالك بن نبي نفورا وتقززا كبيرا من هذا الشعار الذي يكتنفه الإغراء والكذب على شعب يراد له أن يعود لنوم من نوع آخر.
فيبيّن في قوله :

"فالحق ليس هدية تعطى ولا غنيمة تغتصب ، وإنما هو نتيجة حتميّة للقيام بالواجب، فهما متلازمان، والشعب لا ينشئ دستور حقوقه إلا إذا عدّل وضعه الاجتماعي المرتبط بسلوكه النفسي"

وهكذا عجّت البلاد في كل مكان بالخطب السياسية الرنانة تحمل الوعود الجوفاء، وتردد عبارة "إننا نطالب بحقوقنا" مبتعدا بها الشعب عن طريق الواجبات الشاق مستسهلا الكلمات المغرية، مصفقا لكل خطيب، عائدا إلى النوم والوثنية من جديد ....
يقول مالك بن نبي:

"لقد أصبحنا لا نتكلم إلا عن حقوقنا المهضومة ونسينا الواجبات، ونسينا أن مشكلتنا ليست فيما نستحق من رغائب بل فيما يسودنا من عادات، وما يراودنا من أفكار، وفي تصوراتنا الاجتماعية بما فيها من قيم الجمال والأخلاق ، وما فيها أيضا من نقائص تعتري كل شعب نائم  "

ويرى مالك بن نبي أن في هذه الدروشة السياسية والوثنية الجديدة اختلاس للعقول التي أشرفت على قطف ثمار نهضتها بالفكرة الإصلاحية، فيقول أنها قد عادت للوثنية من جديد، تلك الوثنية التي تلد الأصنام المتعاقبة المتطورة، كما تتطور الدودة الصغيرة إلى فراشة طائرة إذا ما صادفت جوا ملائما . وبهذا فإن النهضة لم تتحقق في البلاد بحق، وإنما كانت صدمة قوية أيقظت النائمين، وما أن زال أثر الصدمة حتى غالب أهلها النعاس من جديد، وعاودتهم الأحلام بمواضيع أخرى، هي مواضيع الانتخابات التي قامت على أطلال الزوايا (مقرات الدراويش والأولياء الذين يتبرّكون بهم)التي دمرها معول الإصلاح الأول.وكأن هذا الإصلاح قد حطم الزوايا والقباب من دون الوثن ، وكما توارت الفكرة وغابت شمسها ساعة بزغ الصنم بجهل العقول التي مالت للخرافة والدروشة والشعوذة، كذلك غابت الفكرة ببزوغ صنم الاستمساك بالأحابيل السياسية الواهية والوعود الخرقاء، ولم يعد مجال للعمل والتغيير وحرث أرض النفوس وتقليبها ببذر بذور التغيير في كل مكان، بل جمد العمل وتوقف البذر والزرع وقعد الناس يسبحون بأخيلتهم في بحور الوعود والأماني، يريدون تغييرا وتحولا بعصا سحرية تقلبهم من حال إلى حال رغم ما يعتري جسد الشعب المريض المعلول من الآفات والعلل  ، وهكذا ورث المِيكروب السياسي ميكروب الدروشة...

وبدأت آثار التقاعس والتواكل تظهر على كلام الناس وأفعالهم، وبعثرت الجهود التي لم تصرف في مكانها الصحيح، وأهدرت الأوقات ...يقول مالك بن نبي :

"ليس الخطر من الانقياد إلى نوع من الدروشة، ولكنّ الخطر من الانقياد إلى الدروشة ذاتها، وليس الخطر أيضا من اسم الصنم ، ولكن من سيطرة الوثنية .
إن جوهر المسألة هو مشكلتنا العقلية، ونحن لازلنا نسير ورؤوسنا في الأرض وأرجلنا في الهواء، وهذا القلب للأوضاع هو المظهر الجديد لمشكلة نهضتنا  . "


الخـــــلاصـــــــــــــــــــة :

1- إذا كانت الوثنية جاهلية فإنّ الجهل وثنية .
2- من سنن الله في الخلق أنه عندما تغرب الفكرة يبزغ الصنم .
3- الفكرة الإصلاحية الإسلامية نور ينبث في الأوساط ليعمل في النفوس عمله المشعّ، ومن السنن أنّ الشعاع لا يبقى حبيس القفص وإنما يخرج لينير على مَن حوله .
4- بزوغ الفكرة في النفوس يغيّر ما بها، فيتحول أصحابها شيئا فشيئا إلى أفراد يؤدون وظائفهم الاجتماعية .
5- استسهال الوعود المغرية والبحث عن الطريق السهل لنيل الأماني قعود لا يليق بشعب يريد أن يقوم برسالته التاريخية .
6-   الركون إلى الاستسهال والسهل لبلوغ الأماني من دون تعب للتغيير وثنية لا تسمن ولا تغني الشعوب من جوع .
7- متى كان فكر الشعب مستيقظا، ومتى كانت فكرته إصلاحية راقية كانت حكومته على النحو الذي يرتضيه.
8- الإصلاح يبدأ من النفس، ومن ثمّ ينتشر إلى المجتمع ومتى تغير المجتمع كانت حكومته على شاكلته.
9- الاستعمار ليس سببه المستعمِر وطمعه بل سببه الرئيس قابلية الشعب للاستعمار والذلّ والخضوع، ومتى كان الشعب جاهلا، بلا رسالة سهل استعماره .
10- القابلية للاستعمار سبب نفسي داخلي جذري وجب التوجه إلى حلّه كمرض بدل التوجه إلى علاج أعراض  المرض.
11- التمسك بالدروشة والخرافة والأوهام والوعود الكاذبة وثن تتجدد أشكاله كلما خبا نور الفكرة وعملها في النفوس، فيجمد العمل على الأرض لتحلّ محلّه الأماني والأحلام .
12- إلهاء الشعوب عن دورها الأساسي في التغيير من طرق المستعمر المعروفة في تنويم الشعوب وإبعادها عن أداء دورها التاريخي ورسالتها السامية .
13- الحق ليس هدية تعطى ولا غنيمة تغتصب ، وإنما هو نتيجة حتميّة للقيام بالواجب، فهما متلازمان، والشعب لا ينشئ دستور حقوقه إلا إذا عدّل وضعه الاجتماعي المرتبط بسلوكه النفسي.
14- مشكلتنا ليست فيما نستحق من رغائب بل فيما يسودنا من عادات، وما يراودنا من أفكار، وفي تصوراتنا الاجتماعية بما فيها من قيم الجمال والأخلاق ، وما فيها أيضا من نقائص تعتري كل شعب نائم.
15-ليس الخطر من الانقياد إلى نوع من الدروشة، ولكنّ الخطر من الانقياد إلى الدروشة ذاتها، وليس الخطر أيضا من اسم الصنم ، ولكن من سيطرة الوثنية.
16- النهضة الحقيقية تستلزم عملا جادا وطويلا في تغيير النفوس، والتلهّي عن التغيير بما عداه إهدار للوقت وللجهود وللإمكانيات لا يعطي ثماره.
17- النهضة الحقيقة تحافظ على نموّ الفكرة وانتشارها، ولا تقطعها لأي داع أو ناعق، ومتى كان ذلك بترت النهضة وعادت الوثنية وعاد النوم.

وهكذا نكون قد أنهينا باب "الحاضر والتاريخ" أعود قريبا بإذن الله لأضع ما سماه مالك بني نبي "الأنشودة الرمزية" لهذا الباب، ولنرى سوية مدى استيعابنا لمعانيها وقد اخترت أن أنهي بها فيما بدأ بها مالك بن نبي emo (30):


(http://www.ayamnal7lwa.net/forum/index.php?action=dlattach;topic=3054.0;attach=4258;image)(http://www.ayamnal7lwa.net/forum/index.php?action=dlattach;topic=3054.0;attach=4258;image)
العنوان: رد: شـــــــــروط النـــــهضة (مالك بن نبي)
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2009-07-16, 08:53:18
وكما أخبرتكم إخوتي هذه الأنشودة الرمزية التي وضعها مالك بن نبي  لباب " الحاضر والتاريخ " أرجو أن نركز مع كلماتها لنرى مدى مطابقة معانيها لما أورد في هذا الباب :

(http://www.ayamnal7lwa.net/forum/index.php?action=dlattach;topic=3054.0;attach=4258;image)(http://www.ayamnal7lwa.net/forum/index.php?action=dlattach;topic=3054.0;attach=4258;image)

أي صديقي :
• لقد حانت الساعة التي ينساب فيها شعاع الفجر الشاحب بين نجوم الشرق .
• وكل من سيستيقظ بدأ يتحرك وينتفض في خِدر النوم وملابسه الرثّة .
• ستشرق شمس المثالية على كفاحك الذي استأنَفْتَه هنالك في السهل، حيث المدينة التي نامت منذ أمس مازالت مخدّرة.
• ستحمل إشعاعات الصباح الجديد ظل جهدك المبارك ، في السهل الذي تبذر فيه بعيدا عن خطواتك.
• وسيحمل النسيم الذي يمرّ الآن البذور التي تنثرها يداك...بعيدا عن ظلّك .
• ابذر يا أخي الزارع. من أجل أن تذهب بذورك بعيدا عن حقلك، في الخطوط التي تتناءى عنك ....في عمق المستقبل .
• ها هي بعض أصوات تهتف، الأصوات التي أيقظَتْها خطواتك في المدينة، وأنت منقلب إلى كفاحك الصباحي، وهؤلاء الذين استيقظوا بدورهم، سيلتئم شملهم معك بعد حين .
• غنِّ يا أخي الزارع ! لكي تَهدي بصوتك هذه الخطوات التي جاءت في عتمة الفجر، نحو الخط الذي يأتي من بعيد.
• وليدوِّ غناؤك البهيج، كما دوّى من قبل غناء الأنبياء في فجر آخر، في الساعات التي ولدت فيها الحضارات .
• وليملأ غناؤك أسماع الدنيا ، أعنف وأقوى من هذه الجوقات الصاخبة التي قامت هنالك .
• هاهم أولاء ينصبون الآن على باب المدينة التي تستيقظ ، السوق وملاهيه، لكي يُميلوا هؤلاء الذين جاؤوا على إثرك ، ويلهوهم عن ندائك.
• وهاهم أولاء قد أقاموا المسارح والمنابر للمهرجين والبهلوانات لكي تغطي الضجّةُ على نبرات صوتك .
• وها هم أولاء قد أشعلوا المصابيح الكاذبة لكي يحجبوا ضوء النهار ، ولكي يطمسوا بالظلام شبحك في السهل الذي أنت ذاهب إليه .
• وها هم أولاء قد جمَّلوا الأصنام ليُلحِقوا الهَوان بالفكرة .
• ولكنّ شمس المثالية ستتابع سيرها دون تراجع، وستعلن قريبا انتصار الفكرة وانهيار الأصنام، كما حدث يوم تحطّم (هُبَل) في الكعبة .

قريبا جدا بإذن الله أبدأ مع الباب الثاني من هذا الكتاب "المستقبل "



(http://www.ayamnal7lwa.net/forum/index.php?action=dlattach;topic=3054.0;attach=4258;image)(http://www.ayamnal7lwa.net/forum/index.php?action=dlattach;topic=3054.0;attach=4258;image)
العنوان: رد: شـــــــــروط النـــــهضة (مالك بن نبي)
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2009-07-16, 12:41:18
(http://www.ayamnal7lwa.net/forum/index.php?action=dlattach;topic=3054.0;attach=4258;image)(http://www.ayamnal7lwa.net/forum/index.php?action=dlattach;topic=3054.0;attach=4258;image)

والآن بعدما أنهينا الباب الأول "التاريخ والحاضر"، نعرض إلى الباب الثاني من الكتاب : "المستقبل"
وفيه يتطرّق مالك بن نبي إلى جملة من العناصر والعناوين التي ينتقل فيها من موضوع إلى آخر بمنهجيّة تصاعديّة يفتح بها العنوان بابا للعنوان الموالي . دعونا لا نذكرها جملةً حتى لا تلتبس علينا المعاني ، بل لنتعرف إلى كل عنوان في حينه .

ونبدأ بما بدأ به مالك بن نبي  :

من التكــــــــديس إلى البنـــــــــاء :

يخصّ مالك بن نبي بالحديث العالم الإسلاميّ الذي عاش دهرا طويلا خارج نطاق التاريخ،إذ يرى أنه مثل المريض الذي استسلم لمرضه، وتبلّدت فيه الأحاسيس حتى لم يعد يشعر بالألم، وغدا وكأنه جزء من كيانه الذي لا غنى له عنه، حتى إذا ما تعالت بعض الأصوات تذكّره بأنّه المريض، أفاق من سباته العميق وقد عاد له الشعور بالألم،ويرى مالك بن نبي أنّ هذه الاستفاقة والانتباهة التي حصلت له بداية حقبة تاريخية اسمها : "الـــــنهضة"

ثم يفتح مالك بن نبي بتساؤل من يضرب بالأعماق ولا يطفو على السطح بابا للتأمل والتحليل
"ولكن ما مدلول هذه الصحوة ؟ "  ، فهو يرى أنّ مجرد الشعور بالمرض لا يعني بداهة الدواء .
فيفسر ما مثلته حركة الخمسين عاما الأولى من القرن العشرين على أنه النتيجة الموفّقة للجهود الباحثة في المرض وأسبابه، وسبل علاجه من جهة، كما أنه بالمقابل النتيجة الخائبة لتطوّر استمرّ دون أن تشترك الآراء في تحديد وتوحيد أهدافه واتجاهاته، بل كانت رؤى مبعثرة ، وتحليلات متفرقة...
 يقول مالك بن نبي أنّ العالم الإسلامي بهذه الجهود المتفرقة، والدراسات المتشعبة المختلفة ، قد بدأ يأخذ دواء ضدّ الفقر في مكان منه، وعقارا ضدّ انعدام التنظيم في مكان ، ودواء ضدّ الاستعمار في مكان آخر...
وإنّ ما افتقرت إليه هذه الدراسات برأي مالك بن نبي هو التحليل المنهجيّ للمرض، أي الدراسة التحليلية التي تحدّد المرض الأصلي أولا من قبل المسارعة إلى وصف علاجات جانبية .
وبذلك مكث العالم الإسلامي زمنا طويلا ،تعالَج من مرضه الأعراض ولا يعالَج فيه المرض.
(وهنا نلاحظ التعمّق الذي هو منهج مالك بن نبي المعروف، إذ يعود دوما بالأمور إلى أصولها الأولى ليبحث بحثا معمّقا، ويحلّل تحليلا متدرّجا)
يقولأن ّهذه الدراسات بنيت على أسس الأمزجة الخاصة بكل دارس، وبآرائه الفردية، ووفق مقتضيات تخصصاته، فرأى رجل السياسة أنّ مشكلة العالم الإسلامي سياسية ولا يمكن حلها إلا بوسائل سياسية وتلك رؤية الأفغاني، بينما رأى رجل الدين أن المشكلة في اختلال عقدي ولا تحل إلا بتصحيح العقيدة، وبالوعظ ، وتلك رؤية محمد عبده...

يمثل مالك بن نبي هذه الدراسات، وهذه النظرات المتباينة في جسد المريض، بحالة مصاب بالسل الجرثومي، يصف له الطبيب دواء ضدّ الحمّى وهي عارض من أعراض المرض، ولا يصف له الدواء الذي يصيب المرض في مقتل .

ثم يلتفت الكاتب إلى العالم الإسلامي ...هذا المريض الذي يشكو من آلام عديدة تفرّقت على أعضاء جسده،وإذ لم يتسنّ له معرفة حقيقة مرضه ولم يجد طبيبا يحدده له ،يهرع إلى أي صيدلي ينشد الدواء، أي دواء.... المهمّ أنه في حِمى صيدلي.... !! فيعمَد إلى الشرب من آلاف الزجاجات ليواجه آلاف  الآلام .... !!!
يتساءل مالك بن نبي :
"ولنا أن نتساءل حينئذ إذا ما كان المريض الذي دخل الصيدلية دون أن يدرك مرضه على وجه التحديد ، هل ذهب بمحض الصدفة لكي يقضي على المرض، أو هل يقضي على نفسه ؟"

وعلى هذا دخل العالم الإسلامي صيدلية الحضارة الغربية يطلب الشفاء ، وعلى وقع هذا التوجّه الفعلي من المريض يرى مالك بن نبي الحاجة الملحّة إلى تحليل يُسفِر عن المعنى الواقعي لهذه الحقبة من تاريخ العالم الإسلامي، كما يتبيّن به ما ينبغي إضافته من تعديل ....
فكانت أول مرحلة من مراحل هذا التحليل أن سمّى الحقبة التاريخية تلك التي توجه فيها المريض هذا التوجّه بــ
"بادرة حضارة" لأنه توجّه باحثا عن حضارة (الدواء) -----------> (المرحلة 1)

ثم وبعد الانتهاء من مرحلة التسمية لا يحب مالك بن نبي أن يضيع جهده ووقته سابحا بالخيال بعيدا عن الواقع الذي أمامه، كأن يسخط على المريض وعلى توجّهه، ولا يفعل غير السخط والصراخ والعويل وهو قد توجّه وانقضى الأمر، وبالتالي فالمرحلة الثانية التي يراها واقعية وضرورية
هي الإقرار بالواقع  ----------->(المرحلة 2)

وبعد هذا يتجه مالك بن نبي إلى تتبّع هذا الواقع، وبمعرفة ما يجري على المريض وهو في حالته تلك، وبتوجّهه الذي توجّهه، يريد أن يحدد المرض ضمنا، أي بتتبع خطوات منهجية، وأولها استقراؤه لهذا الواقع ... فيقول مالك بن نبي أن العالم الإسلامي وهو يأخذ حبة هنا ضدّ ألم من آلامه، ويأخذ هناك حبة أخرى ضدّ ألم آخر، ببنائه لمدرسة يحارب بها الجهل في قطعة منه، أو بمطالبته بخروج المستعمر من قطعة أخرى، أو بتشييده مصنعا،  هو في الواقع رغم حركته هذه لم يحقق حضارة، كما يستنتج إلى جانب استنتاجه عدم تحقيقه لحضارة، السلبية في جهود المجتهدين وذلك بمقارنته لحال العالم الإسلامي خلال خمسين عاما، بحال كل من اليابان والصين، اليابان التي انتقلت خلال خمسين عاما (1868-1905) من مرحلة العصور الوسطى (بادرة حضارة) إلى الحضارة الحديثة ...

وعندما يجري مالك بن نبي المقارنة من بعد تتّبعه للحقائق الماثلة على الأرض، جهود الخمسين عاما الأولى من القرن العشرين في العالم الإسلامي يستشعر غرابة في حالة المريض الذي يفحصه (العالم الإسلامي) وعلى هذا يصل مالك بن نبي في حفره إلى عمق أكبر فيطفق باحثا عن المقياس العام لعملية الحضارة ...
فيقول : "إنّ المقياس العام في عملية الحضارة هو أنّ الحضارة هي التي تلد منتجاتها، وسيكون من السخف أن نعكس هذه القاعدة حين نريد أن نصنع حضارة من منتجاتها  "

حتى الآن ماذا فعل مالك بن نبي ؟

1- سمى الحقبة التاريخية (بادرة حضارة)
2- أقــــــــــــــــــرّ بالواقــــــــع.
3- هَدَفَ مع إقراره بالواقع إلى التطلّع إلى المرض الحقيقي، وذلك بتتبعه للأحداث وباستقرائه لمجريات هذا الواقع الذي أقرّه .
4- قارن حالة العالم الإسلامي(50عاما) مع حالة اليابان التي انتقلت من مرحلة بادرة الحضارة إلى الحضارة خلال المدة نفسها .
5- استغرابه من الفرق الشاسع بين الحالتين، ولعدم تحقيق العالم الإسلامي لحضارة مع ما يُبذَل من جهود، ومع توجّه المريض إلى الصيدلية وأخذه من الأدوية ضدّ آلام عديدة تلمّ به .
6- بحثه عن المقياس العام للحضارة .

                                                          الـــحــــــــضارة
                                                                  |
                                               تـــــــلد          |
                                                                  |
                                                                  |
                                                             مــــنتجاتها



                                                            الـــمنتجات
                                                                  |
                                             لا  تـــــــلد        |
                                                                  |
                                                                  |
                                                             حــــضارة


ثم وانطلاقا من مبدأ إقرار مالك بن نبي بالواقع، يقول أن ّامتداد الحضارة الغربية في القرن العشرين شكل قانونا تاريخيا لذلك العصر، ومن العبث أن يوضع ستار حديدي بين الحضارة التي يريد العالم الإسلامي تحقيقها، وبين الحضارة الغربية الحديثة ....

ثم ينظر مالك بن نبي إلى هذا الواقع، أو إلى هذا الإقرار الواقعي فيراه المشكلة بأكملها، إذ يرى من الخطأ أن يشتري من يريد إنشاء حضارة كل منتجات الحضارة المنشأة، وهذا ما يعكس المقياس الذي يحدده معنى الحضارة ، ويرى أن هذا العكس للمقياس وللقضية مستحيل التحقيق كما وكيفا ...
طيب إلى أين وصل مالك بن نبي حتى الآن ؟

7- لقد بحث عن مقياس الحضارة

                                                          الـــحــــــــضارة
                                                                  |
                                               تـــــــلد          |
                                                                  |
                                                                  |
                                                             مــــنتجاتها

8- استنتج أن مفهوم اتصال العالم الإسلامي بالحضارة المنشأة  ممثّلا  في اشتراء كل منتجاتها لإقامة حضارته بها مفهوم خاطئ، بل هو لبّ المشكلة، بل هو المشكلة بأكملها .




(http://www.ayamnal7lwa.net/forum/index.php?action=dlattach;topic=3054.0;attach=4258;image)(http://www.ayamnal7lwa.net/forum/index.php?action=dlattach;topic=3054.0;attach=4258;image)


العنوان: رد: شـــــــــروط النـــــهضة (مالك بن نبي)
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2009-07-16, 13:00:21
(http://www.ayamnal7lwa.net/forum/index.php?action=dlattach;topic=3054.0;attach=4258;image)(http://www.ayamnal7lwa.net/forum/index.php?action=dlattach;topic=3054.0;attach=4258;image)

نكمل مع  "من التكديس إلى البناء"

يستطرد مالك بن نبي ليزيد في الحفر عمقا آخر ببحثه في مدى إمكانية تحصيل كل منتجات الحضارة الأخرى من حيث الكم ومن حيث الكيف  .

من ناحية الكـــــيف :
من المستحيل أن تبيع أي حضارة منتجاتها مع مشتملاتها، بمعنى أنّها تبيع المستهلكين منتجاتها مفرغة من روحها، ومن
فكرتها ومن تطلّعها الذوقي.

من ناحية الكــــــمّ :
مع الاستحالة المزدوجة في أن يجد العالم الإسلامي المال الكافي لاشتراء العديد الهائل من المنتجات الحضارية فإن الأمر منتهٍ إلى ما يسميه مالك بن نبي "الحضارة الشيئية " ، مما يؤدي إلى ما أسماه "التكديس".

والعالم الإسلامي في أعوامه الخمسين عمل على تكديس منتجات الحضارة الأخرى، ولم يعمل على بناء حضارته، وهو ما يجعل المجتمع مع مرور الوقت وتراكم الأشياء، في حالة حضارية  بعيدة كل البعد عن نتائج التجارب التي مرت بها حضارات تكونت في المدة نفسها والتي أخضعت واقعها الاجتماعي إلى قوانين تكوّنت بها حضارتها وهي ذاتها التي تراقب استمرارها وتطوّرها ...

وبهذا استنتج مالك بن نبي أنّ العالم الإسلامي أراد أن يكوّن حضارة من تكديسه لمنتجات غيره، وهو القلب الصريح للمقياس الحضاري الذي بيّنه سالفا .
ويضرب مالك بن نبي مثلا لتلك القوانين المكونة للحضارة والمراقبة لاستمرارها، بالأورانيوم الذي يتحلل  جرام واحد منه بصفة طبيعية خلال أربعة مليارات وأربع مائة مليون سنة (4400000000 سنة) بينما سرّع المعمل الكيميائي هذه العملية فتحققت في بضع ثوان، فيسقط هذا التسريع للعملية الطبيعية في علم الكيمياء على علم الاجتماع ، ليتحدث عن تركيب الحضارة التي أراد العالم الإسلامي تحقيقها، ولكنّ مالك بن نبي يقتبس من الكيمياوي طريقته فيبحث عن العناصر المكوّنة للصيغة التركيبية التي تنتج الحضارة :


ناتج حضاري = إنسان + تراب + وقت


والتراب هنا يقصد به المادة الداخلة في تركيب المنتج الحضاري 1

وبطريقة الجمع الحسابية بين النواتج الحضارية تنتهي هذه الصيغة إلى :

حضارة = إنسان + تراب + وقت


ومن هذه الصيغة التي استنتجها يرى أن مشكلة الحضارة تتمثل في ثلاث مشكلات أساسية، مشكلة الإنسان، ومشكلة التراب، ومشكلة الوقت.
ثم لا يغفل مالك بن نبي من يقول معترضا على الصيغة  أنه إذن ومع توفر هذه العناصر الثلاثة فلم لا تقوم الحضارات حيثما توفرت ؟
يجيب على هذا مالك بن نبي مقتبسا من التحليل الكيمياوي ، فالماء بتشكله من الأوكسجين والهيدروجين لا يتشكل إلا بقانون يقتضي تدخل مركب لا يتكون الماء بدونه، وبالمثل فإن الحضارة لا تتم ولا تتحقق إلا بتدخل ما نطلق عليه
"مركب الحضارة" أي العامل الذي يؤثر في مزج العناصر الثلاثة ، وهذا المركّب موجود فعلا وهو "الفكرة الدينية " التي ستفصل فيما هو آت ...

ويقول بعد هذا مالك بن نبي :
"فإذا اتضح صدق هذه الاعتبارات عن التفاعل الكيميائي الحيوي وعن ديناميكية الواقع الاجتماعي  كان لنا أن نخطط بطريقة ما مجال تطوره كاطراد مادي نعرف قانونه."

ثم يشير إشارة مهمة جدا إلى خطورة ما يشيعه ما يسمى بأدب الكفاح في العالم الإسلامي من أن يتحول التكديس من نطاق الأحداث البسيطة غير المؤسسة إلى نطاق الفكرة الموجهة فيضرب مثلا بهذه العبارة التي اقتبسها من كتاب "هذا العالم العربي" للمؤلفين نبيه فارس وتوفيق حسين :
"لقد سار العالم العربي في طريق هذه الحضارة التي يسميها الناس الحضارة الغربية، وما هي إلا حضارة إنسانية استمدت أسسها من حضارات إنسانية عديدة، ومنها الحضارة العربية الإسلامية، وأسهم ويُسهِم في إغنائها غربيون وشرقيون، ملاحدة ومؤمنون، ولا رجوع للعالم العربي عن هذه الطريق ولا نكسة  "

فيشير إلى خطورتها من حيث أنها تسهم في الإكثار من الاتجاه نحو التكديس والتقاعس والتواكل مع ما تبثه هذه الكلمات من  التصبير، والحجج البالية التي يركن بها الشعب إلى النوم وإلى وثن الاتكالية، ولا يسود الوثن إلا ساعة تغيب الفكرة .

__________________________________________________________________________


(1) تجنب مالك بن نبي استخدام مصطلح (مادة) بدل مصطلح (تراب) تحاشيا للبس في الكلمة إذ أنها تعني في باب الأخلاق مفهوما مقابلا لكلمة (روح) وتعني في با ب العلوم مفهوما ضد مفهوم كلمة (طاقة) وفي الفلسفة تعطي فكرة نقيض ما يطلق عليه اسم (المثالية)، بينما لفظ (تراب) لم يتطور، واحتفظ من حيث معنى المفردة ببساطة جعلته صالحا ليدل على هذا المعنى الاجتماعي بدقة أكبر، وقد ضم هنا مظهرا قانونيا يخص تشريع الأرض في أي بلد، ومظهرا فنيا يخص طرق استعماله، وهذان مظهران يمثلان مشكلة التراب ..

(http://www.ayamnal7lwa.net/forum/index.php?action=dlattach;topic=3054.0;attach=4258;image)(http://www.ayamnal7lwa.net/forum/index.php?action=dlattach;topic=3054.0;attach=4258;image)
العنوان: رد: شـــــــــروط النـــــهضة (مالك بن نبي)
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2009-07-17, 15:43:47
هل من متابع ؟؟ :emoti_64: :emoti_64:

أين أنتم إخوتي ؟؟ أتمنى بحقّ أن تتابعوا الموضوع الذي تأتي عناصره تباعا ...
أختي الحبيبة بسمة ذياب  تتابع الموضوع معنا، ولكنها تجد مشكلة في كلمة السر لتدخل، أحييك من هنا يا بسوم  ::)smile:
في المداخلة الموالية بإذن الله نَعرض إلى عنصر جديد من باب "المستقبل" فتابعونا


العنوان: رد: شـــــــــروط النـــــهضة (مالك بن نبي)
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2009-07-17, 15:59:12
(http://www.ayamnal7lwa.net/forum/index.php?action=dlattach;topic=3054.0;attach=4258;image)(http://www.ayamnal7lwa.net/forum/index.php?action=dlattach;topic=3054.0;attach=4258;image)

بعدما أنهينا عنصر "من التكديس إلى البناء" ، ومقياس الحضارة الذي استند عليه مالك بن نبي في تحليله لمرض العالم الإسلامي  (الحضارة هي التي تلد منتجاتها وليس المنتجات هي التي تلد حضارة) والصيغة الأساسية التي وصل إليها لإقامة حضارة :
حضارة = إنسان + تراب + وقت  
وأن مشكلة الحضارة أساسا تصبح مشكلة المركبات الثلاث الأساسية، مشكلة الإنسان ومشكلة التراب ومشكلة الوقت، وأنّ الفكرة الدينية هي المركّب الحضاري الذي يساعد على امتزاج العناصر الثلاثة .

ينتقل مالك بن نبي إلى عنصر آخر يسميه

الــــــــدورة الخــــــــالدة  

فيضع هذا القول  على رأس الموضوع : "إنه من السنن الأزلية أن يعيد التاريخ نفسه كما تعيد الشمس كرّتَها من نقطة الانقلاب"
 -نيــــتشه-

يقول مالك بن نبي أنّ للتاريخ دورة، فهو يسجّل للأمة مآثرها ومفاخِرَها تارة، ويتركها لنومها تغطّ فيه ولأحلامها تارة أخرى، ولذلك وجب على شعب  يريد حلّ مشكلاته أن يعرف مكانه من دورة التاريخ ليعرف عوامل النهضة والسقوط فيه .
كما يرتبط علاج المشاكل بنطاق الدورة الزمنية ، إذ الفرق شاسع بين مشاكل تُدرَس في نطاق الدورة الزمنية الغربية وأخرى تُدرس في نطاق الدورة الزمنية الإسلامية، فلا يجوز استيراد مناهج وحلول من شرق ولا من غرب تكون بعيدة عن روح الأمة، بإغفال حالها في المرحلة التي هي فيها.  فهو يرى أنّ أي تقليد في هذا الميدان جهل وانتحار .

ثم ينطلق مالك بن نبي من النقطة الزمنية التي هو فيها (1948) معبّرا عنها بما يوافقها بالتأريخ الهجري(1367هـ) كتدليل منه على خصوصية البحث والتحليل عنده، وإدراكه العميق أنّه يدرس ويحلّل ويبحث عن حلول لمشاكل إسلامية لا يريد أن يقتبس لها حلولا غربية ....

فينطلق من هذه النقطة كبداية تاريخية يعايش أحوالها بالجزائر كنقطة انطلاق لأحداث مستقبلية هي في ضمير الغيب ، ثم ينظر إلى ما يحيط بها من حال البلاد الإسلامية ، فإذا الأوضاع متشابهة، والمشاكل تكاد تكون واحدة، ثمّ يتساءل عن وجهة السفر من نقطة الانطلاق هذه كما عن الزاد يريد أن يصل إلى معرفتهما من خلال تحليله ...
فيسمي مالك بن نبي الآية الكريمة : "إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم" النص المبدئي للتاريخ التكويني
ويسأل : هذا الشعب حديث اليقظة هل بيده أسباب تقدّمه ؟
ولكي يجيب عن هذا التساؤل، يرى ضرورة التأكد من شرطين :
1- مدى مطابقة التاريخ للمبدأ القرآني .
2- هل يمكن للعالم الإسلامي تطبيق هذا المبدأ في حالته الراهنة ؟

الــــــــــــشرط الأول : مطابقة التاريخ للمبدأ القرآني :

ينظر مالك بن نبي نظرة كونيّة فإذا الحضارة كالشمس تشرق في أفق شعب ما، ثم تتحول إلى أفق شعب آخر، ومن العبث أن يظنّ المتسلطون الذين تأخذهم العزّة بالإثم بالشمس وقوفا عن دورانها وعن دورتها، محاولين بباطلهم إطفاء النور.

يقول مالك بن نبي :
"فإن الأقدار لا تلبث أن تقود الحضارة إلى حيث قدّر الله لها السير، من دور إلى دور، ومن فجر إلى فجر، غير عابئة بما يحاوله الباطل من إطفاء النور، أو تغيير الحقائق"

وطبيعة بداية السير إلى الحضارة(منطلق السَّفَر) أنّ الزاد أبسط الزاد، فلا هو فطاحلة من العلماء، ولا هو ذخائر من العلوم ، ولا هو الإنتاج الصناعي..... بل إن الزاد هو المبدأ الذي هو أساس كل مظاهر الرقيّ تلك.
يؤكّد مالك بن نبي في هذا المقام على أنّ كل من أراد إقامة حضارة إنما ينطلق من تلك التركيبة السابقة:
حضارة = إنسان + تراب +وقت  إضافة إلى المركّب الحضاري الدافع (الفكرة الدينية)، ثم يتطرّق إلى تحليل دورتين حضاريتين هما الحضارة الإسلامية والحضارة المسيحية.

فعن نقطة انطلاقهما ، يرى أن كلتيهما انطلقت من الفكرة الدينية التي طُبِع بها متلقّوها، وتطلعوا بها إلى غايات سامية، ويؤكّد بذلك على مبدأ أنّ الحضارة لا تنبعث إلا بالعقيدة الدينية ، يفصّل بقوله أنّ وحي السماء الذي يتخذه الناس شِرعة ومنهاجا على الأرض هو الباعث الأساسي للحضارة فيقول :
"فكأنما قدّر للإنسان ألا تشرق عليه شمس الحضارة إلا حيث يمتدّ نظره إلى ما وراء حياته الأرضيّة، أو بعيدا عن حقبته، إذ حينما يكتشف حقيقة حياته الكاملة، يكتشف معها أسمى معاني الأشياء التي تهيمن عليها عبقريته و تتفاعل معها  ".

يبدأ مالك بن نبي بالحضارة الإسلامية، فيعود إلى الوراء قرونا من الزمن...
حيث جزيرة العرب قبل نزول القرآن، ولم تكن فيها إلا العوامل الثلاثة مجرَّدة، الإنسان والتراب والوقت، إذ الإنسان على التراب وبين يدي الطبيعة ضائع وقته هباء.... فثلاثتها خامدة راكدة ، وبعبارة أخرى لا تؤدي دورا تاريخيا، حتى إذا ما سطعت شمس الإسلام بأمر "اقرأ" بين جنبات غار حراء وَثَبَتِ القبائل العربية على سطح التاريخ تحمل حضارة للعالم كلّه امتدّت على مدى قرون من الزمان .

ويُسقِط مالك بن نبي طبيعة زاد المنطلَق الذي بيّن مدى بساطته على أهل هذه الحضارة الأُوَل، والذين لم يكونوا علماء ولا مفكَرين، بل كانوا بسطاء، توجّهت بصائرهم المشرقة إلى ما وراء أفق الأرض ، فتجلّت لهم الآيات في أنفسهم، وتراءت لهم الأنوار في الآفاق ...
وهكذا وبالفكرة الدينيّة تكوّنت الفكرة المخصّبة بالإنسان والتراب والوقت، وكان ذلك من أسرار دعوة القرآن المؤمنين إلى التأمل في سِيَر الأمم السابقة .
ويرى مالك بن نبي أنّ أساس منطَلَق الحضارة الإسلامية كان روحيا بحتا...
وأنّه في تلك المرحلة من الروحانيات العالية تركّبت عناصر الحضارة الجوهريّة----->(1) .
إلى أن كانت معركة صفّين التي يستغرب مالك بن نبي عَدَّ المؤرخين لها مرحلة ثانوية، وهي التي انتقلت بوقوعها الحضارةُ الإسلامية من طور القوّة الروحيّة العظمى إلى بوادر فتور الروح ...

ثمّ خرجت الحضارة الإسلامية مع حالها تلك من عمق النفوس كقوة دافعة إلى سطح الأرض تنتشر أفقيا من شاطئ الأطلنطي إلى حدود الصين (الفتوحات)....
 وكانت في هذه الفترة قد تغلّبت على الجاذبية الأرضية بما تبقّى فيها من مخزون روحيّ  ترسّب من القوة العظمى للروح  في بداية انطلاقها-----> (2) .

ثم أخذت الروح فيها تضعف شيئا فشيئا حتى أخلدت إلى الأرض ----->(المرحلة 3 والأخيرة) .

وعلى ضوء هذا التحليل يقول مالك بن نبي أنّ المدنيات الإنسانية حلقات متصلة تشترك كلها في نفس المراحل التي تمرّ بها.
(1)و(2)و(3)، إذ تبدأ قوية جدا بسيادة القوة الروحية للفكرة الدينيّة مع بدايتها، ثم تبدأ بالأفول بفتور الروح والجنوح إلى العقل، ومن بعدها فقدان العقل بتغلّب جاذبية الأرض عليها .
والدرجة الأخيرة التي تبلغها هي منحنى السقوط الذي تخلقه عوامل أحطّ من الروح والعقل، فمتى تقبّل الإنسان توجيهات الروح والعقل وهي عوامل نموّ الحضارة (نستذكر هنا ما ذكر مالك بن نبي من تضحيات الشعب الجزائري رغم فقره مع قوة إيمانه بالفكرة الإصلاحية لتشييد المدارس والمساجد مظاهر البناء الديني والبناء الفكري للفرد المسلم ووصفَه لهما بعِماد الحضارة).

إذن فمتى تقبل الإنسان توجيهات الروح والعقل اختُزِنَت فيما وراء شعوره، وتطلّع إلى الحفاظ على الحضارة، وأداء دوره الاجتماعي، وتطلّعت بالتالي الأمة إلى أداء دورها التاريخي، أما إذا ما أعرض عن كليهما فقد أطلق العنان للغرائز تحطّه من علُ إلى أسفل درك ليرتدّ ذلك الإنسانَ البدائي .
وكذلك حدث مع الحضارة الإسلامية، إذ بدأت روحية بحتة قوية، ثم انتشرت أنوارها، ثم كانت الخلافات والصراعات إلى أن آل الحال إلى ما هو عليه اليوم .
قوة روحية باعثة -------> جنوح نحو العقل مع فتور الروح------>فقدان للروح والعقل ( سقوط )

ويشير مالك بن نبي إلى أنّ التاريخ يقرّر أنّ الحضارة تولد مرتين، مرة عند ميلاد فكرتها الدينية ومرة عند تسجيل هذه الفكرة في الأنفس، ووفق هذا يتحدّث يبين أنّ  الحضارة المسيحية سارت على نفس الطريق الذي سارت عليه الحضارة الإسلامية، رغم أنّ المسيحية قد سبقت الإسلام بقرون عديدة ، إلا أنّ ميلاد الفكرة الدينية وميلاد عملها في الأنفس  كلاهما جمعتْهُما الحضارة الإسلامية في وقت واحد، ذلك لما وجدته من أنفس شاغرة، فارغة كانت وعاءَها في حين ميلادها، أما المسيحية فقد ولدت وبين الناس خليط من الأديان والثقافات كالعبرية والرومانية واليونانيّة، فلم يُتَح لها أن تدخل قلوبهم وتعمل عملها في حين ميلادها.
 يستشهد مالك على هذا برأي المفكر (هيرمان دي كسرلنج) في كتابه (البحث التحليلي لأوروبا) حيث يقول : " ومع الجرمانيّين ظهرت روح خُلقية سامية في العالم المسيحي"-وكان ذلك بعد حوالي ألف عام من ظهور المسيحية-.

وغيرُ هذا المفكر من الكتّاب الغربيّين أيضا لاحظوا بعث الحضارة المسيحيّة بفعل روح فكرتها الدينيّة، كشهادة المؤرخ هنري بيرين في كتابه (محمد وشارلمان)، الذي يرى في شارلمان الشخصية التي بعثت مبدأ المسيحية في النفوس البِكر، فأنبتت فيها الحضارة ، تماما كما فعل الرسول من قبل .

وساد أوروبا علوّ في الضمير الديني وطموح من عهد الكارولنجيان إلى عهد النهضة(687-987م) ، أما مع بداية عهد النهضة فقد طُبِعت الحضارة الأوروبية ببعدها عن الروح الدينية بسيادة طابع ديكارت ومع اكتشاف كرستوف كولومب لأمريكا .
وبعد تحليله للدورة التاريخية للحضارة المسيحية يجد مالك بن نبي مرورها بنفس المراحل التي مرت بها الحضارة الإسلامية مستشهدا أيضا بما ذهب إليه (كسر لنج) في تبيينه للمرحلة الثانية بقوله :"إن مركز الثقل للحضارة تزحزح عن مكانه، وتحول بالنهضة والإصلاح الديني من مجال الروح إلى مجال العقل  "

والمرحلة الثالثة وهي مرحلة السقوط أي مرحلة غياب الروح والعقل، وانطلاق الغريزة يشير إليها العديد من الكتاب الأوروبيين الذين سادهم شعور بفناء المدنية الأوروبية مثل  (أوزولد إشبنجلر) في كتابه (أفول الغرب ) .

وبهذا التحليل لكل من الحضارتين الإسلامية والمسيحية يكون مالك بن نبي قد تأكد من شرط
هل المبدأ القرآني سليم في تأثيره التاريخي ؟  في إجابته على سؤال :
إذ مرت الحضارة من القوة الروحية التي أشعت على الأنفس بشعاعها الساطع، وانطلقت منها تشعّ على المجتمع وعلى العالم حضارة مكتملة، ثم وكلما خبا نور الفكرة الدينية أي تأثير الروح في النفس كلما اقتربت الحضارة من السقوط، إلى أن تسقط ساعة تفقد الروح والعقل معا .
يقول مالك بن نبي :
"وجملة القول إن الوسيلة إلى الحضارة متوافرة مادامت هنالك فكرة دينية تؤلف بين العوامل الثلاثة : الإنسان والتراب والوقت، لتركّب منها كتلة تسمّى (حضارة)"

في المداخلة القادمة بإذن الله سنفصّل تأكد مالك بن نبي من الشرط الثاني في إجابته على سؤال : "هذا الشعب حديث اليقظة هل بيده أسباب تقدّمه ؟"  وهو شرط : هل يمكن للشعوب الإسلامية تطبيق هذا المبدأ في حالتها الراهنة؟


فتابعونا وانتظرونا emo (30):

(http://www.ayamnal7lwa.net/forum/index.php?action=dlattach;topic=3054.0;attach=4258;image)(http://www.ayamnal7lwa.net/forum/index.php?action=dlattach;topic=3054.0;attach=4258;image)
العنوان: رد: شـــــــــروط النـــــهضة (مالك بن نبي)
أرسل بواسطة: ماما فرح في 2009-07-17, 16:01:52

هل من متابع ؟؟ :emoti_64: :emoti_64:

أين أنتم إخوتي ؟؟ أتمنى بحقّ أن تتابعوا الموضوع الذي تأتي عناصره تباعا ...
أختي الحبيبة بسمة ذياب  تتابع الموضوع معنا، ولكنها تجد مشكلة في كلمة السر لتدخل، أحييك من هنا يا بسوم  ::)smile:
في المداخلة الموالية بإذن الله نَعرض إلى عنصر جديد من باب "المستقبل" فتابعونا






تسجيل متابعة وعودة للقراءة

وترحيب بالأخت بسمة  ::ok:: مرحباً وأهلا بأهل القبيلة الكرام




العنوان: رد: شـــــــــروط النـــــهضة (مالك بن نبي)
أرسل بواسطة: hasbo في 2009-07-17, 16:07:15
هل من متابع ؟؟ :emoti_64: :emoti_64:

أين أنتم إخوتي ؟؟ أتمنى بحقّ أن تتابعوا الموضوع الذي تأتي عناصره تباعا ...
أختي الحبيبة بسمة ذياب  تتابع الموضوع معنا، ولكنها تجد مشكلة في كلمة السر لتدخل، أحييك من هنا يا بسوم  ::)smile:
في المداخلة الموالية بإذن الله نَعرض إلى عنصر جديد من باب "المستقبل" فتابعونا



متابعووووووووووووووووووووووووون
العنوان: رد: شـــــــــروط النـــــهضة (مالك بن نبي)
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2009-07-18, 13:30:14
أهلا وسهلا ومرحبا بك ماما فرح   ::)smile:سعيدة جدا بوجودك  ::)smile:

أهلا بمتابعتكم إخوتي
عندي مشكلة بالنت، لذا أكتب لكم من مقهى للنت، ادعوا لي أن تحل سريعا...وسأعود عندها لإكمال الموضوع بإذن الله
العنوان: رد: شـــــــــروط النـــــهضة (مالك بن نبي)
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2009-07-21, 17:02:46
إذن بعد تحليل مالك بن نبي لكل من الحضارتين الإسلامية والمسيحية لمعرفة مدى مطابقة التاريخ للمبدأ القرآني كشرط أول يحقق معرفة إن كان الشعب حديث اليقظة بيده عوامل تقدّمه، يأتي دور التأكد من الشرط الثاني أي إمكانية تطبيق العالم الإٍسلامي للمبدأ القرآني الآن ..

(http://www.ayamnal7lwa.net/forum/index.php?action=dlattach;topic=3054.0;attach=4258;image)(http://www.ayamnal7lwa.net/forum/index.php?action=dlattach;topic=3054.0;attach=4258;image)

الشرط الثــــاني : إمكانية تطبيق المبدأ القرآني الآن :

كما بيّن مالك بن نبي فإنّ المزج بين العناصر الثلاثة الأساسية للحضارة لا يكون إلا بتدخّل المركّب الحضاري والذي ما هو إلا الفكرة الدينية التي بها تتغيّر النّفس ، فهل يمكن تحقيق هذا في عالمنا الإسلامي اليوم ؟

الإجابة على هذا السؤال هي دون أدنى تردّد أو شك بالإيجاب :"نـــعم" ، فإنّ قوة الدين عامّة في التأثير على الكون، قائمة في كل زمان وفي كل مكان ولا تخصّ ساعة ميلاد الفكرة في التاريخ فحسب، بل إنها تتجدّد بفعلها في الأنفس والتي علمنا أنّها الميلاد الثاني للحضارة ما لم يخالف البشر شروط الدين .

قال تعالى : " فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ" النور -من الآية 63-

وإنّ حاجة الشعب الراني إلى حضارة ملحّةٌ إلى بعث عمل الفكرة الدينية في الأنفس ، وتستدعي الصبر والمثابرة ، وإبلاغ الرسالة الحضاريّة وتوريثها للأجيال، ليقوم كل فرد بأداء رسالته . يقول مالك بن نبي في ضرورة تحميل الرسالة وتوريثها وتحمّل الآلام الجسام في سبيل تبليغها  : "والدين وحده هو الذي يمنح الإنسان هذه  القوة ، فقد أمدّ بها أولئك الحفاة العراة من بَدو الصحراء الذين اتبعوا هَدْيَ محمد صلى الله عليه وسلم . وبهذه القوة وحدها يشعر المسلم –على الرغم من فاقته وعُريه الآن- بثروته الخالدة التي لا يدري من أمر استخدامها شيئا   ".

وبهذا يكون مالك بن نبي قد تأكّد من الشرطين اللذين يجيبان على سؤال :
هذا الشعب حديث اليقظة هل بيده أسباب تقدّمه ؟
1. مدى مطابقة التاريخ للمبدأ القرآني .
2. هل يمكن للعالم الإسلامي تطبيق هذا المبدأ في حالته الراهنة ؟

ومادام التاريخ قد طابق المبدأ القرآني، بما تبيّن من تحليل مالك بن نبي لدورتي الحضارتين المسيحية والإسلامية من مدى تأثير الفكرة الدينية  في قيامهما وانتشارهما، وما دامت إمكانية تطبيق هذا المبدأ قائمة في كل زمان ومكان بحكم ملاءمة تجدّد انبعاث الفكرة الدينية في الأنفس لتسجيل ميلاد حضارة، فإنّ أسباب تقدّم الشعب المستيقظ من سباته الراني لطريق الحضارة ملك يده  ...

ثم ينتقل مالك بن نبي إلى التأكيد على ما أسماه:

العــــــــدّة الدائــــــمة  

كما بيّن مالك بن نبي من قبل فإنّ زاد منطلق الإنسان الذي يسميه رجل الفطرة والذي يرنو لأن يصبح رجل حضارة  ليس الأملاك ولا العلماء ولا الجامعات ولا المعاهد العلمية وإنما هو تلك العناصر الأساسية الثلاثة البسيطة ،هو (الإنسان) والتراب والوقت، وقد تبيّن ذلك جليا حينما كانت تقدّر الدول المتقاتلة في الحرب العالمية خسائرها بساعات العمل وبالجهود البشرية وبمنتجات التراب ، وهكذا كلما دقّت ساعات الخطر وأذنت بالرجوع إلى القيم الأساسية استعادت الإنسانية مع عبقريتها قيمة الأشياء البسيطة التي كوّنت عظمتها .

يقول مالك بن نبي عن ذلك :
"تلك هي القيم الخالدة التي نجدها كلما وجب علينا العودة إلى بساطة الأشياء، أي في الواقع كلما تحرك رجل الفطرة وتحركت معه حضارة في التاريخ ."

وفي المداخلة الموالية بإذن الله سننتقل مع مالك بن نبي إلى عنصر جديد، يفصّل فيه أثر الفكرة الدينية في تكوين الحضارة  


(http://www.ayamnal7lwa.net/forum/index.php?action=dlattach;topic=3054.0;attach=4258;image)(http://www.ayamnal7lwa.net/forum/index.php?action=dlattach;topic=3054.0;attach=4258;image)
العنوان: رد: شـــــــــروط النـــــهضة (مالك بن نبي)
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2009-07-21, 17:17:31
(http://www.ayamnal7lwa.net/forum/index.php?action=dlattach;topic=3054.0;attach=4258;image)(http://www.ayamnal7lwa.net/forum/index.php?action=dlattach;topic=3054.0;attach=4258;image)

أثر الفكرة الدينية في تكوين الحضارة :

يبين مالك بن نبي كيف أنه لا يهدف إلى دراسة واقعة الحضارة على أنّها أحداث يبلّغنا التاريخ قصتها، بل على أنّها ظاهرة يرشدنا التحليل إلى تبيّن جوهرها ومعرفة قانونها، وبالتالي استجلاء دور الفكرة الدينية في تركيبها وبعثها، أي كيف لها أن تغيّر ما بنفس الإنسان ليؤدّي رسالته التاريخية. يذكر مالك بن نبي شيئا عن المؤرّخين ودورهم، وكيف أنّ التاريخ في البداية لم يكن عندهم إلا سردا للوقائع، ولم يكن دراسة عقليّة لأحداثه، حتى إذا جاء ابن خلدون كان اكتشافه لمنطق التاريخ في مجرى أحداثه، كما كان أوّل من سنّ قانون (الدورة التاريخيّة ) إلا أنّ مصطلحات عصره وقفت به عند إخراج نظرية تطور الدولة ولم يضع عن تطوّر الحضارة .

بينما كانت المدرسة الماركسيّة تفسّر الوقائع الاجتماعية على أنّ التكامل التاريخي  لا يكون إلا بتوفّر مركَزَي التقاطب لقِوَى الإنتاج (الحاجة والفنّ الصناعي) أي الضرورات الماديّة وحاجات الإنسان التي تترجمها مخترعاته وصناعاته لسدّ تلك الحاجات، بينما لم توجِد هذه التفسيرات الماركسية سببا لتلاشي العلاقات الاجتماعية وتفكّكها مع بقاء الوسائل والمصنوعات، فنظريّته كانت خاضعة بالكليّة للجدلية الماديّة البحتة .
أما القرن العشرون فقد تفتّحت فيه مناهج تفسير أخرى، لا ترتكز على الماديّة، كمثل تفسير الفيلسوف (كسر لنج) للحضارة الأوروبيّة على أنّها مركّبة أساسا من الروح المسيحيّة والتقاليد الجرمانيّة.

أما (شبنجلر) Spengler فقد فسّر الحضارة على أنّها ثمرة عبقرية خاصّة يتّسم بها جنس بعينه، وأضاف عليها (Walter Shubert) أنها نتاج عبقرية يتسم بها عصر معيّن .

ويأتي المؤرخ الإنجليزي الكبير (جون أرنولد تويني) ليدخل العامل الجغرافي في تفسيره للحضارة على أنّها رد شعب ما على تحدٍّ يواجَهُ به، وتكون الطبيعة (الجغرافيا) هي العامل الأساسي في هذا الردّ، وفعاليّة ذلك الردّ هي التي تحدّد حال الشعب فإما وثبة، وإما توقف وجمود وإمّا فناء .

ثمّ وبعد سرده لكل هذه النظريّات في تفسيرها للوقائع التاريخية في إطار ظاهرة الحضارة، يحاول مالك بن نبي تطبيقها على واقعة الحضارة الإسلامية، فلا يجد أي واحدة منها تفسّر قيامها وانتشارها التفسير الصحيح ، فلا هي تكوّنت من العامل الجغرافي حسب نظرية تويني، ولا هي تكوّنت عن الحاجة والوسيلة الصناعية حسب نظرية ماركس، ولا هي عن عبقرية ميّزت عصرها .

ثم يستطرد مالك بن نبي ، موضّحا أنّ حضارة معيّنة تقع بين حدّين اثنين ، ميلاد وأفول، ليبدأ المنحنى من النقطة الأولى في خطّ صاعد واصلا إلى الثانية في خط نازل، وبين الطّورين المتعاكسين يوجد ما يسمّى  بـ (الأوج) وهو طور انتشار الحضارة وتوسّعها .

1- يمثّل  مالك بن نبي هذه المراحل بمخطّط بيانيّ يسمّي فيه الأطوار بمسمَّياتها التي رأيناها معه من قبل في خلال حديثه عن الدورة الخالدة  (الروح، العقل ، الغريزة)

وهذا هو المخطط  كما رسمه(اضغط على الصورة لتبدو أكبر) :

(http://www.ayamnal7lwa.net/forum/index.php?action=dlattach;topic=3054.0;attach=4273;image)

2- وبعد المخطط الذي يسمح بمراقبة اطّراد الحضارة يبيّن مالك بن نبي أنّ دراسة تطور الحضارة هي في الأساس دراسة العلاقة العضويّة بين الفكرة وسنَدها ، فأما الفكرة فيعني بها الفكرة الدينية (الإسلام) وأما السَنَد فيعني به (المسلم) وهذه العلاقة في حقيقتها هي كل القيم النّفسيّة الزمنيّة التي تميّز مستوى حضارة في وقت معيّن .

إذن العلاقة بين الفكرة والسّنَد :

                                       الإسلام <---------> المسلم
                                                        |
                                                        |
                                                        |
                                                        |
                                          القيم النفسية والزمنيّة التي
                                            تميّز مستوى الحضارة  

3- اطّراد الحضارة = صورة زمنيّة للأفعال وردود الأفعال المتَبَادَلَة بين الفكرة والسّنَد (الإسلام والمسلم).

مثال : الفرد في النقطة 0  على المخطّط يمثّل    حالة الفطرة =  الإنسان الطبيعي بكل غرائزه أو الفطريّ(l’homonatuna) ، تأتي الفكرة الدينيّة لإخضاع غرائزه لعمليّة شرطيّة يسمّيها علماء النّفس (الكبت) بينما تحدّدها الفكرة الدينية وفق مقتضياتها بأنّها التنظيم والضبط . وبالتالي فإنّ الفرد يتخلّص من قانون الطبيعة ليخضع إلى المقتضيات الروحيّة فيمارس حياتَه حسب قانون الفكرة الدينية، قانون الروح .  ولنتأمّل هذا المثال الذي ضربه مالك بن نبي  مع تحليله الرائع :

"هذا القانون نفسه هو الذي كان يحكم بلالا حينما كان تحت سوط العذاب، يرفع سبّابته ولا يفتر عن تكرار قولته "أحد !..أحد !.. "، إذ من الواضح أنّ هذه القولة لا تمثّل صيحة الغريزة ، فصوت الغريزة قد صمت، ولكنّه لا يمكن أن يكون قد ألغِيَ بواسطة التعذيب. كما أنّها لا تمثل صوت العقل أيضا فالألم لا يتعقّل الأشياء "

كما كانت في كلمات تلك المرأة الزانية التي جاءت تعترف لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتطلب إقامة الحدّ عليها لتطهيرها، وكذلك كانت لغة ذلك العصر روحيّة بحتة، إذ خرجت هذه الوقائع عن الطبيعة إلى سيطرة الروح على الغريزة.

ويواصل المجتمع الإسلامي الذي أشعّت الفكرة الدينية في أنفس أفراده إشعاعه على العالم، فتنشأ المشاكل المحسوسة بحكم التوسّع، كما تتولّد ضرورات نتيجة اكتماله، فينعطف المجتمع إلى العقل لتلبية هذه المقاييس المستجدّة، فكان استيلاء الأمويّين على الحكم، ولم تعد سيطرة الروح على الغرائز بتلك القوة، وبدأت الغرائز بالتحرّر ، ويُسقط مالك بن نبي هذه الحال في هذه المرحلة على عصر النهضة الأوروبية الذي تميّز بالجنوح إلى العقل والابتعاد عن الرّوح .

وفي مرحلة الانعطاف إلى العقل يلاحَظ كفّ المجتمع عن توجيه سلوك الأفراد مع بوادر تحرّر الغريزة، فينخفض المستوى الأخلاقي مدلّلا على نقص الفعاليّة الاجتماعية للفكرة الدينيّة ، وتنقص الفعالية شيئا فشيئا، ومع تناقصها تزداد الغريزة تحرّرا إلى أن يبلغ هذا التحرّر تَمَامَه، فيبدأ الطور الثالث وهو طور الغريزة الذي ينتهي فيه دور الفكرة الدينية في مجتمع منحلّ، ويكون قد دخل نهائيا في ليل التاريخ، وبه تتمّ دورة في الحضارة .

وهذه هي دورة الحضارة، تبدأ بظهور الفكرة الدينية وتأثيرها في الأنفس، وتنتهي حينما تفقد القوة الروحية للفكرة سيطرتها على الغرائز .
ثمّ وبعد التفصيل في دور الفكرة الدينية في دورة الحضارة، ينتقل مالك بن نبي إلى الحديث عن الإنسان في حالتين، الحالة السابقة للحضارة، وحالة نهاية الحضارة، فأما الأول فيسمّيه الإنسان الفطري أو رجل الفطرة، وأما الثاني فيسمّيه المتفسّخ حضاريا، ثمّ يبيّن الفرق الشاسع بين الاثنين مبتعدا عن الحكم السطحي بتماثلهما لما يجمع بينهما من أوجه الشبه.

فالإنسان الفطري مستعدّ للقيام بعمل محضِّر ، بينما المتفسّخ حضاريا لم تعد له الطاقة التي يقدم بها عملا محضِّرا ، ويمثّل بصورة مستقاة من علم الطاقة المائية ...
جزيء الماء في حالة (قبل) دخوله خزان ينتج الكهرباء ، فيه طاقة تقدم عملا نافعا إذا ما استغلها الخزان للري أو لإنتاج الكهرباء، وذلك رجل الفطرة، وأما في الحالة الثانية  (بعد) خروجه من الخزان فقد فقد طاقته المذخورة، ولم يعد قابلا لاستعادة حالته إلا إذا تبخّر لترجعه التيارات الجوية الملائمة إلى أصله، وذلك حال المتفسّخ حضاريا والذي لم يعد بمقدوره تقديم عمل محضّر نافع، إلا إذا تغيّر عن جذوره الأساسية .

وهذا ما يبيّن أثر الفكرة الدينية في سلوك الإنسان لتجعل منه إنسانا قابلا لإنجاز رسالة وأدائها، كما تدفع المجتمع أيضا إلى الحفاظ على استمرار الحضارة، وذلك هو تبَيُّنُهُ لهدف جهوده البعيد، وهذه الاستمرارية في النشاطات الاجتماعية والأعمال الحضارية سببها متعلق بغائيّة معيّنة تمنح بها الفكرة الدينية الأنفس الوعي بهدف معيّن ، تصبح معه الحياة ذات دلالة ومعنى، وذلك بالتمكين لهذا الهدف من جيل لجيل ، وحينئذ تكون قد مكّنت لبقاء المجتمع ودوامه (وهذه الغائية تتمثل في مفهوم الآخرة وتتحقق تاريخيا في صورة حضارة ).

يقول مالك بن نبي :
"وإن هذه المشكلات ذاتها التي تتعلق بعلم النفس الفردي والاجتماعي، قد سبق وأن وجدت لها الفكرة الإسلامية حلها منذ ثلاثة عشر قرنا من الزمن، حتى تحرّك الإنسان السابق على الحضارة والذي بنى الحضارة الإسلامية ....إلى حيث يسوقه الله  ".


(http://www.ayamnal7lwa.net/forum/index.php?action=dlattach;topic=3054.0;attach=4258;image)(http://www.ayamnal7lwa.net/forum/index.php?action=dlattach;topic=3054.0;attach=4258;image)
العنوان: رد: شـــــــــروط النـــــهضة (مالك بن نبي)
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2009-07-25, 16:48:41
(http://www.ayamnal7lwa.net/forum/index.php?action=dlattach;topic=3054.0;attach=4258;image)(http://www.ayamnal7lwa.net/forum/index.php?action=dlattach;topic=3054.0;attach=4258;image)

بعد تطرّق مالك بن نبي إلى "التكديس والبناء " مفسّرا معنى التكديس في إطار توضيح مقياس الحضارة، ثمّ مسهبا عن دورة التاريخ الخالدة بتحليله لكل من دورتي  الحضارتين الإسلامية والمسيحيّة، مردفا بتوضيح دور الفكرة الدينيّة في تكوين الحضارة.
يدخل مالك بن نبي الآن في تفصيل العناصر الثلاثة الأساسيّة المركّبة للحضارة، كلّ عنصر على حِدة : الإنسان والتراب والوقت .

العنصر الأول : الإنســـــــــان :

يبين مالك بن نبي أنّ مشاكل الإنسان تختلف باختلاف بيئته ، فلا وجه للموازنة بين رجل أوروبا المستعمِر ورجل العالم الإسلامي القابل للاستعمار ، فكلّ منهما في طور تاريخيّ خاصّ به .
ففي البلاد الأوروبيّة المشكلة الاجتماعيّة التي يعانيها الأفراد مشكلة (حركة) ناشئة من العلاقة بين الحاجات وتيار الإنتاج الصناعي المسرّع، بينما أزمة الشعوب الإسلامية أزمة (ركود) وقعود عن السّير في ركب التاريخ .فهُم هناك في حاجة إلى مؤسسات وزيادة مؤسسات،بينما العالم الإسلامي في حاجة إلى رجال ، ويذكر الجزائر كمثال يعايش ظروفه، فيقول مالك بن نبي : "فالمسألة هي أنه يجب أولا أن نصنع رجالا يمشون في التاريخ ، مستخدمين التراب والوقت والمواهب في بناء أهدافهم الكبرى" .


ويذكر أنّ بالجزائر صنفين من الناس، فرجل مدينة ورجل بادية ، رجل المدينة الذي من أهمّ ما يميّزه الانهزامية المتمكّنة منه من أثر دواعي الانحطاط التي قضت على مدنيات تعاقبت على بلاده، فيسميه (رجل التعليق) إذ لا هو رجل الفطرة، ولا هو المتفسّخ حضاريا، كما يسميه (رجل النصف )  الذي يرضى من كل طريق بالنصف في الفكرة وفي التطوّر وفي العمل،فيستحضر حال رجل المدينة في الجزائر مع الفكرة الإصلاحية التي لم يرضَ بإكمالها بل جعلها نصف فكرة، ساعة بترها وحوّلها إلى السياسة لأنه لم يكن مستعدّا إلا لنصف الطريق .

وحتى يفهم تأثير الإنسان في التاريخ وفي الحضارة، يعتمد مالك بن نبي في دراسة مشكلته على قوى تأثيره في المجتمع فيذكر أنها كل من : فكره، عمله ، ماله .وأنّ قضيته منوطة بتوجيهه في ثلاث نواح :

1- توجيه الثقافة .
2- توجيه العمل .
3- توجيه رأس المال .


نتساءل الآن . ماذا يعني بفكرة التوجيه ؟؟

يشرح مالك بن نبي فكرة التوجيه على أنها عملية استغلال ملايين السواعد العاملة والعقول المفكرة في العالم الإسلامي وتوجيهها التوجيه السليم لصناعة حضارة .حتى لا تضيع جهودها وأوقاتها من غير تحديد للوجهة وتوحيد للسّير ، بتحريك طاقات الأفراد وفق مقتضيات الفكرة الدينية الدافعة للعمل الجماعي بما يناسب كل عضو من أعضاء المجتمع.

وهذا الموكب هو الذي يحدّد مجرى التاريخ ، ففكرة التوجيه إذن هي توحيد للجهود، وتوحيد للوجهة والهدف لتأدية العمل الحضاري في أحسن الظروف وبأحسن استغلال للطاقات، لتحقق أمة بأكملها رسالتها ولتراقب استمرارها من جيل لجيل .
فكرة التوجيه كما يعرفها مالك بن نبي هي قوة في الأساس، وتوافق في السّير، ووحدة في الهدف  .

ومن خلالها نفهم كيف يشعّ نور الفكرة فينتقل من مناجاة الضمير لنفسه إلى تحريك الضمائر الجماعية، وهو ما يحقّق قيام شعب بأكمله برسالته .


(http://www.ayamnal7lwa.net/forum/index.php?action=dlattach;topic=3054.0;attach=4258;image)(http://www.ayamnal7lwa.net/forum/index.php?action=dlattach;topic=3054.0;attach=4258;image)
العنوان: رد: شـــــــــروط النـــــهضة (مالك بن نبي)
أرسل بواسطة: ازهرية صغيرة في 2009-07-25, 20:46:52
متابعون معكى باذن الله
العنوان: رد: شـــــــــروط النـــــهضة (مالك بن نبي)
أرسل بواسطة: hasbo في 2009-07-26, 10:12:29
متابع
العنوان: رد: شـــــــــروط النـــــهضة (مالك بن نبي)
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2009-07-27, 09:08:43
أهلا وسهلا ومرحبا بك يا أزهرية  في موضوعي ... تسعدني جدا متابعتك  ::)smile:

أهلا بمتابعتكم جميعا إخوتي ...أسأل الله أن ينفعنا به

تابعونا فهناك الجديد  emo (30):
 
العنوان: رد: شـــــــــروط النـــــهضة (مالك بن نبي)
أرسل بواسطة: ماما هادية في 2009-07-27, 11:39:26
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

جزاك الله خيرا يا أسماء على هذا الموضوع الهام والتلخيص الرائع
اقتبست بعض العبارات التي أعجبتني جدا، بل ووضعت احداها في واجهة المنتدى  



لقد أصبحنا لا نتكلم إلا عن حقوقنا المهضومة ونسينا الواجبات، ونسينا أن مشكلتنا ليست فيما نستحق من رغائب بل فيما يسودنا من عادات، وما يراودنا من أفكار، وفي تصوراتنا الاجتماعية بما فيها من قيم الجمال والأخلاق ، وما فيها أيضا من نقائص تعتري كل شعب نائم "

يريدون تغييرا وتحولا بعصا سحرية تقلبهم من حال إلى حال رغم ما يعتري جسد الشعب المريض المعلول من الآفات والعلل  ، وهكذا ورث المِيكروب السياسي ميكروب الدروشة...

متى كان فكر الشعب مستيقظا، ومتى كانت فكرته إصلاحية راقية كانت حكومته على النحو الذي يرتضيه.

 الإصلاح يبدأ من النفس، ومن ثمّ ينتشر إلى المجتمع ومتى تغير المجتمع كانت حكومته على شاكلته.


"إنّ المقياس العام في عملية الحضارة هو أنّ الحضارة هي التي تلد منتجاتها، وسيكون من السخف أن نعكس هذه القاعدة حين نريد أن نصنع حضارة من منتجاتها  "
العنوان: رد: شـــــــــروط النـــــهضة (مالك بن نبي)
أرسل بواسطة: ماما هادية في 2009-07-27, 11:45:39
ولكن اسمحي لي أختي أسماء ان اناقش الفكرة التالية:

مناقشة:

اقتباس
ووفق هذا يتحدّث يبين أنّ  الحضارة المسيحية سارت على نفس الطريق الذي سارت عليه الحضارة الإسلامية، رغم أنّ المسيحية قد سبقت الإسلام بقرون عديدة ،

كنت قد حضرت من زمن طويل محاضرة لأستاذة استشهدت بهذا الكلام لمالك بن نبي، ولكنني من وقتها وللآن أرى أن تحليله في هذه النقطة قد جانبه الصواب، لأنه ليس هناك تاريخياً ما يسمى بحضارة مسيحية انبعثت من الفكرة الدينية المسيحية. كذلك فإن هذا الكلام لا يفسر لنا قيام كثير من الحضارات المادية رغم تخلف فكرتها الدينية، كالفرعونية والهندية واليونانية والصينية والفينيقية والآشورية وغيرها... وحضارات الأقوام الكافرة التي قص علينا القرآن قصصها كعاد وثمود مثلاً، فهي لاشك حضارات لم تنبعث من فكرة دينية إطلاقاً.

وعودة لما أسماه الكاتب بالحضارة المسيحية، وهو مصطلح منتشر في كتابات الأوروبيين رغم كذبه وبهتانه...

فتاريخيا أتباع المسيحية الحقيقية لوحقوا واضطهدوا وتفرقوا في البلاد، ثم اعتنقت الدولة الرومانية المسيحية، ولكن بعد أن حرفتها وجعلتها أقرب للوثنية منها للديانة السماوية، فأدخلت فيها فكرة الثالوث والمخلص والفداء، وألغت التشريع تماما، وجعلت الجزاء في اليوم الاخر مرتبطا بالإيمان بعقيدة الثالوث والمخلص الفادي، لا مرتبطا باتباع الشرائع، وبهذا فرغت المسيحية تماماً من معناها، والحضارة التي تبنت هذه العقيدة الجديدة ونشرتها هي حضارة مادية وثنية كانت قائمة بالفعل، وهي الحضارة الرومانية، ثم مع ازدياد انتشار الفكرة المسيحية واتساع نفوذ القساوسة والرهبان دخلت أوروبا عصورها الوسطى المظلمة، ثم كان البعث والنهضة مرتبطا بتطليق الفكرة المسيحية المحرفة والتحرر منها، والاتجاه نحو الإلحاد
هذا ما يحكيه لنا التاريخ، وهو مختلف تماما –في هذه الجزئية- عن تحليل مالك بن نبي... وإن كان لا يتناقض مع استنتاجه النهائي من ان التاريخ يترجم القاعدة القرآنية {إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم}..

 ألا ترين هذا؟
العنوان: رد: شـــــــــروط النـــــهضة (مالك بن نبي)
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2009-07-29, 09:04:11
أهلا وسهلا بك ماما هادية  emo (30): ... بارك الله فيك على إثارتك هذه النقطة المهمّة

ولكن في الحقيقة عند فهمنا المعمّق لكتابه "شروط النهضة " نجد إجابات عن أسئلتك ...

اسمحي لي أولا أن أنظم النقاط التي أثرتها ثم أعود لإجابتك عليها :

1- مصطلح "الحضارة المسيحية" بينما هي في الحقيقة موروث وثني عن الحضارة الرومانيّة والحضارة اليونانية  المحرّفتين .
2- نظرية أن الفكرة الدينية أساس الحضارة  بينما العديد من الحضارات المادية  قامت مع تخلّف الفكرة الدينية .

لو صبرت حتى الجزء القادم من التلخيص الذي سأنشره لربما وجدت الجواب، خاصة منه "المبدأ الأخلاقي والذوق الجمالي في بناء الحضارة"، ... لذلك أفضّل أن أنشره أولا  ثم أعود للنقاش والإجابة  . فتابعينا  emo (30):
 
العنوان: رد: شـــــــــروط النـــــهضة (مالك بن نبي)
أرسل بواسطة: ماما هادية في 2009-08-02, 12:00:06
جزاك الله خيرا يا أسماء
ومتابعون إذن

فلا تتأخري علينا
العنوان: رد: شـــــــــروط النـــــهضة (مالك بن نبي)
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2009-08-05, 09:04:23
ماما هادية بإذن الله سأعود قريبا للموضوع ...فالفقرات مكتوبة عندي، وأريد فقط أن أكمل كتابة كل التلخيص على الوورد ثم أنقله هنا بإذن الله ، وأنا على وشك .... قريبا فانتظرونا emo (30):
العنوان: رد: شـــــــــروط النـــــهضة (مالك بن نبي)
أرسل بواسطة: أبو بكر في 2009-08-06, 23:04:53
بارك الله فيكم
منتظرون .... emo (30):
العنوان: رد: شـــــــــروط النـــــهضة (مالك بن نبي)
أرسل بواسطة: ازهرية صغيرة في 2009-08-10, 22:48:24
منتظرون ...

بفارغ الصبر

ولاكن اخشو ان ينفز الصبر
العنوان: رد: شـــــــــروط النـــــهضة (مالك بن نبي)
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2009-08-13, 13:48:21
أهلا وسهلا بكما أبا بكر وأزهرية

لا اصبري قليلا أيضا يا أزهرية لأنّه حسب البرنامج الذي سطرت فبإذن الله تعالى قبيل بداية شهر رمضان أكون قد أكملت الموضوع

فكما أخبرتكم اخترت أن أكمل كتابة التلخيص على الوورد، ثم أنقله هنا... إضافة إلى أنني أقدمه للأعضاء بالجمعية، وسبحان الله قد أثار نقاشات مهمة جدا

أنا آتية بإذن الله فلا تقلقي يا أزهرية   ::ok::
العنوان: رد: شـــــــــروط النـــــهضة (مالك بن نبي)
أرسل بواسطة: ازهرية صغيرة في 2009-08-13, 13:54:42
السلام عليكم

منتظرين ...

بس يريت بسرعة عشان انا بزهق

وهمشى من الموضوع لو مكملتوش
العنوان: رد: شـــــــــروط النـــــهضة (مالك بن نبي)
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2009-08-15, 16:38:53
إذن أيها الإخوة نكمل مع هذا الموضوع ... وكنا قد بلغنا فيه التفصيل حول العنصر الأول من التركيبة الحضارية (حضارة=إنسان+تراب+وقت) وهو "الإنسان"، أي دراسة مشكلة الإنسان. وقد حدّد مالك بن نبي فيه الدراسة بفكرة التوجيه التي بيّنها، وأنّ الإنسان له ثلاث قوى تأثير بالمجتمع (فكره، ماله، عمله) ولذلك هو سيبدأ بتوجيه الفكر أي "توجيه الثقافة" ثم "توجيه العمل" ثم "توجيه رأس المال"
وللاستذكار طالعوا الرابط التالي فضلا : emo (30):
http://www.ayamnal7lwa.net/forum/index.php?topic=3077.msg41920#msg41920

ماما هادية تابعي فإن لي ردا على تساؤلاتك سيأتي بمحلّه  emo (30):

ونكمل : emo (30):

(http://www.ayamnal7lwa.net/forum/index.php?action=dlattach;topic=3054.0;attach=4258;image)(http://www.ayamnal7lwa.net/forum/index.php?action=dlattach;topic=3054.0;attach=4258;image)

يبدأ مالك بن نبي بشرح فكرة

توجـــــــــــــيه الثقافة :

قبل أن يفصّل مالك بن نبي في توجيه الثقافة يرى أنه من الضروري أولا تسليط الضوء عليها وتعريفها تعريفا يحدّدها في إطار 1-الحالة الراهنة و 2-حسب المصير المستقبلي .

1- فهو يبيّن أنّ اللحظة التي مرّ عليها خمسون عاما (الأولى من القرن العشرين) قُضيت في جهود محمودة أيقظت العالم الإسلامي من السبات وبدأت تسعى في سبيل البحث عن دوره التاريخي، وهي الفترة التي أسماها (بادرة الحضارة)  هي في الحقيقة اللحظة التي يخرج فيها الشعب من ظلمات الانحطاط ومن ثقل النوم الذي جثم على أجفانه إلى انتباهات اليقظة وأنوار المستقبل، وهي الفترة التي يسجل فيها التاريخ منعطفا هاما في دورة الحضارة، وعلى هذا يتحتم تصوّر النهضة بتخلِية العادات والتقاليد والإطار الخُلُقي الاجتماعي من كل عوامل الانحطاط والسبات لتحليتها بالعوامل الباعثة على الحياة.

ووفق هذا يقول مالك بن نبي أن الأوضاع تُحدَّد بطريقتين :

1-سلبية تفصل ن رواسب الماضي .
2-إيجابية تصل بمقتضيات المستقبل .

وهذه هي النظرية مزدوجة التحديد التي طبّقت في الحضارة الغربية ساعة حدث التحديد السلبي بالثورة ضدّ كل ما يمثّل أثرا للفكرة الإسلامية أو أثرا للكنيسة البيزنطية، كما حدث بعده التحديد الإيجابي على يد ديكارت ببعثه للمنهج التجريبي الذي طبع عصر النهضة . وكذلك طبقت الحضارة الإسلامية هذه النظرية في الوقت نفسه إذ اجتثت براثن الجاهلية، وبعثت بالمقابل الفكرة الإسلامية النقيّة، وتلك هي التخلية والتحلية .
ثم يتدرج مالك بن نبي في توضيح معالم توجيه الثقافة بادئا  بالخطوات التالية :

1- يبين أنه لا يراد بما ذكر وضع منهج جديد للتفكير وإنما المراد تحديد جوهر العناصر الضرورية للثقافة ، والتي يذكر أنها :
أ-   الدستور الخُلُقي ، ب-    الذوق الجمالي ، ج-   المنطق العملي ، د-   الصناعة .

2- يشير مالك بن نبي إلى أنّ الضرورة ملحّة إلى التمييز والتفريق بين معنى كلمتي "ثقافة" و"علم" لما يعرفه العالم الإسلامي من خلط كبير بين المفهومين .

ففي الغرب يعرّفون الثقافة على أنها تراث الإنسانية أي فلسفة الإنسان، بينما تُعرّف في البلاد الاشتراكية على أنها فلسفة المجتمع، وهذا ما لا يعطيها معناها العميق وإنما يطفو على السطح ويلوّح بفكرة عامة عنها، بينما يريد مالك بن نبي ربطها ربطا وثيقا بالحضارة ،  فهي نظرية في السلوك أكثر من أن تكون نظرية في المعرفة ، فيتضح بذلك الفرق بينها وبين العلم .

وحتى يلقي الضوء على ما أراده من أنها نظرية في السلوك  يضرب مثالا لرجلين من بيئة واحدة  أحدهما طبيب والآخر راع، ولرجلين آخرين يشتركان في الوظيفة الاجتماعية ذاتها ولكنهما من بيئتين مختلفتين ، فإذا سلوك الأوّلَين تجاه مشكلات الحياة متماثل، بينما يختلف سلوك الآخَرين إزاء مشكلات الحياة ، وعليه فالتماثل أو الاختلاف في السلوك ناتج عن الثقافة لا عن العلم .

3- ثم يَخلُصُ من هذا  إلى تعريف الثقافة على أنّها : "مجموعة من الصفات الخُلُقية والقيم الاجتماعية التي يتلقاها الفرد منذ ولادته، كرأسمال أولي في الوسط الذي ولد فيه، والثقافة على هذا هي المحيط الذي يشكّل فيه الفرد طباعه وشخصيته  "

ويقول : "فهي المحيط الذي يعكس حضارة معيّنة، والذي يتحرك في نطاقه الإنسان المتحضّر"

وهكذا يحذّر مالك بن نبي من الحشو الحادث حتّى يستبينَ معنى الثقافة في السلوك الشخصي وأسلوب حياة المجتمع .

الحرفيّة في الثـــقافة :

تحت هذا العنوان يحذّر مالك بن نبي من حالة متفشّية مظهرها خير، ومخبرها شرّ، (وهو كعادته كما عرفناه يضرب بالعمق ولا يطفو على السطح فيبحث في جذور المشكلة ولا يغترّ بالمظهر بل يبحث عن سلامة جوهر الشيء )، وهي حالة من يسمّيهم (المتعالِمين) أو(المتعاقلين) إذ يرى أنّ داءهم على الأمة أشدّ وطءا من داء الجَهَلة والأمّيين، ذلك أنّهم يحرفون معنى الثقافة بما يرفعون من ألوية المعرفة الزائفة ، فهم لا يبتغون من طريقهم تفعيل الضمائر وإنما يتسلّقون للفوز بمناصب عليا وليصبحوا شخصيات يشار إليها بالبَنان، فقد استهدفوا بعلمهم نيل مطامعهم الشخصية ولم يستهدفوا به خدمة مجتمعهم .(وكم هو كثير هذا في وقتنا  sad:()

ويقول في هؤلاء مالك بن نبي : "وجاهلُ هذا النوع لا يقوّم الأشياء بمعانيها ولا يفهم الكلمات بمراميها، وإنما بحسب حروفها، فهي تتساوى عنده إذا ما تساوت حروفها، وكلمة (لا)تساوي عنده (نعم) لو احتمل أنّ حروف الكلمتين متساوية، وكلام هذا المتعالم ليس كتهتهة الصبيّ فيها صبيانيّة وبراءة، فهو ليس متدرّجا في طريق التعلم كالصبي، وإنما تهتهة يتمثّل فيها شيخوخة وداء عضالا، فهو الصبيّ المزمن  ."

ثمّ يرى مالك بن نبي أنّ من أوليات إنزال مفهوم  الثقافة منزلته الصحيحة تحديدها كعامل يصنع التاريخ، وكنظام تربويّ لنشره في أوساط المجتمع .

نكمل في المداخلة المقبلة بإذن الله  emo (30):


(http://www.ayamnal7lwa.net/forum/index.php?action=dlattach;topic=3054.0;attach=4258;image)(http://www.ayamnal7lwa.net/forum/index.php?action=dlattach;topic=3054.0;attach=4258;image)


العنوان: رد: شـــــــــروط النـــــهضة (مالك بن نبي)
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2009-08-15, 16:53:16
(http://www.ayamnal7lwa.net/forum/index.php?action=dlattach;topic=3054.0;attach=4258;image)(http://www.ayamnal7lwa.net/forum/index.php?action=dlattach;topic=3054.0;attach=4258;image)

تحديد معنى الثقافة في إطار التاريخ وفي الإطار التربوي :

يحدّد معناها التاريخي بأنها المحيط الذي يحيط بالإنسان والإطار الذي يتحرّك داخله، يغذي الحضارة في أحشائه، وأنّها هي الوسط الذي تتكوّن فيه جميع خصائص المجتمع المتحضّر شاملا كل فئاته ومستويات أفراده، وهي بذلك جملة العادات المتجانسة، والعبقريّات المتقاربة، والتقاليد المتكاملة، والأذواق المتناسبة، والعواطف المتشابهة، فهي سمة الحضارة، وهكذا يتركب التاريخ .

أما معناها في التربية فيحدّد مالك بن نبي هدفها ووسائل نشرها وتطبيقها، فأما هدفها فهو وجوب صنعها لدستور تتطلبه الحياة العامة في إطار واحد يجمع بين راعي الغنم والعالِم، وهذا دورها على مستوى المجتمع، وأما دورها على المستوى الفردي، فهو اهتمامها بكل طبقة بما يناسب وظيفتها ، ثم يضرب مثالا لوظيفتها ودورها التربوي بالدم المركّب أساسا من كريّات حُمر وكريات بيض، تسبح كلها في سائل البلازما ذاته، فكذلك الثقافة هي ذلك الدم الذي يغذي جسم المجتمع (حضارته) فيحمل (أفكار النخبة) كما يحمل (أفكار العامة) لتنسجم كلها في نطاق من الاستعدادات والاتجاهات الموحّدة والأذواق المتناسبة .

ثم يقسم مركبها الاجتماعي إلى عناصر أربعة أساسية هي :

1- عنصر الأخلاق لتكوين الصلات الاجتماعية .
2-   عنصر الجمال لتكوين الذوق العام .
3- منطق عملي لتحديد أشكال النشاط العام .
4-   الفن التطبيقي الموائم لكل نوع من أنواع المجتمع أو بتعبير (الصناعة ) الذي وضعه ابن خلدون .

وهكذا وكما رأينا لم يتطرق مالك بن نبي إلى تطبيق فكرة التوجيه التي شرحها على الثقافة حتى مرّ بنقاط أساسية تعرفها، وتبيّن معناها الصحيح :

الخــــــلاصـــــــة :

1- نظرية التحديد المزدوج، التحديد السلبي والتحديد الإيجابي، وهي نظرية التخلية من الرِِّمم القاتلة في عادات المجتمع وأسلوب حياته الماضية في عهد النوم والسبات ، وبعث معنى الحياة في أسلوب حياته الحضاري المستقبلي .
2- ضرورة التمييز بين معنيي كلمتي (علم وثقافة) ونزع اللبس الواقع بينهما، ومحاربة الخلط الحاصل في فهمهما في العالم الإسلامي .
3-   انتهاؤه إلى تعريف الثقافة على أنها المحيط الذي يعكس حضارة معيّنة، والذي يتحرك في نطاقه الإنسان المتحضّر أي أنها سلوك شخصي وأسلوب حياة مجتمع .
4- التحذير مما سماه الحرفية في الثقافة وهي داء المتعالمين الذين لا يرنون إلا لمطامعهم، ولا يبتغون بمعرفتهم تحريك الضمائر من حولهم .
5- تحديد معنى الثقافة في إطار التاريخ كعامل يصنع التاريخ، وفي إطار التربية كطريقة لنشرها وتطبيقها في أوساط المجتمع لصنع إنسان مثقف متحضر .
6-الثقافة من الناحية التاريخية هي جملة العادات المتجانسة، والعبقريّات المتقاربة، والتقاليد المتكاملة، والأذواق المتناسبة، والعواطف المتشابهة، فهي سمة الحضارة .
7-معنى الثقافة التربوي أنها انسجام أفكار الفئات المختلفة لتغذية حضارة المجتمع في نطاق من الاستعدادات والاتجاهات الموحّدة والأذواق المتناسبة .
8- عناصر المركّب الثقافي الأساسية هي : أ-عنصر الأخلاق لتكوين الصلات الاجتماعية،  ب-عنصر الجمال لتكوين الذوق العام ، ج-منطق عملي لتحديد أشكال النشاط العام ،د- الفن التطبيقي الموائم لكل نوع من أنواع المجتمع أو بتعبير (الصناعة ) الذي وضعه ابن خلدون .

ثم وليطبق مالك بن نبي  فكرة التوجيه التي شرحها، يحدّده بتحديد توجيه كل عنصر من العناصر المركّبة للثقافة  كل واحد منها على حدة ، أي وكما عرفنا من فكرة التوجيه والتي هدفها تفادي تضييع الجهود والأوقات واستغلال الطاقات المتاحة وتسييرها بأحسن الطرق وفي أحسن الظروف بما يوائم كل طاقة .

فيَعرِض أول ما يَعرِض للتوجيه الأخلاقي ...والذي سنفصّله في مداخلتنا المقبلة . emo (30):

العنوان: رد: شـــــــــروط النـــــهضة (مالك بن نبي)
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2009-08-15, 17:14:26
(http://www.ayamnal7lwa.net/forum/index.php?action=dlattach;topic=3054.0;attach=4258;image)(http://www.ayamnal7lwa.net/forum/index.php?action=dlattach;topic=3054.0;attach=4258;image)



إذن ليطبق مالك بن نبي  فكرة التوجيه التي شرحها، يحدّده بتحديد توجيه كل عنصر من العناصر المركّبة للثقافة  كل واحد منها على حدة ، أي وكما عرفنا من فكرة التوجيه والتي هدفها تفادي تضييع الجهود والأوقات واستغلال الطاقات المتاحة وتسييرها بأحسن الطرق وفي أحسن الظروف بما يوائم كل طاقة .

فيَعرِض أول ما يَعرِض للتوجيه الأخلاقي ...والذي سنفصّله في مداخلتنا المقبلة .

التوجيـــه الأخلاقي :

يريد مالك بن نبي  بحديثه عن الأخلاق أن يوضّح القوة التي يتحقق بها التماسك بين أفراد المجتمع، والإنسان بالغريزة الكامنة فيه، غريزة (الحياة في جماعة) يكوّن المجتمع ، أما المجتمع الذي ينشد حضارة فهو يهذّب هذه الغريزة بالروح الخُلُقية السامية ، وهذه الروح الخلقية مصدرها ميلاد الحضارات بالدين .

يقول تعالى : " وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مَّا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ" الأنفال -63-

ثم يؤكد مالك بن نبي على أن هذا التماسك الذي تحققه الروح الخُلُقية التي تبعثها الفكرة الدينية إنما هو أساس المظاهر المدنيّة للحضارة الغربية، مبينا قصور النظرة التي تحكم على تلك المظاهر وكأنها وليدة تلك اللحظة التي التفتت إليها الأنظار فيها، بينما الأصل أن التاريخ يتطور والرجوع بالمظهر إلى أصل نشأته يبين أثر الفكرة الدينية والعلاقات الاجتماعية المبنيّة على الأساس الخلقي المنبث من روحها في بداية نشأتها .

فيتناول بالدراسة كمثالين "الراديو" الذي ما هو في حقيقته إلا أصل جهود علماء مجتمعين من بلاد مختلفة ألفت بينهم الرابطة المسيحية التي بعثت الحضارة الغربية منذ عهد شارلومان، وأيضا مثال حضانة الأطفال المدنية بفرنسا وما جذورها إلا دينية أرساها قديس كفكرة مهتمّا بإنقاذ الأطفال المشرّدين ...

ويعود إلى الحضارة الإسلامية ليذكر قوة التماسك التي عُرِفت من الأخلاق الإسلامية الداعية إلى الوحدة والترابط .
يقول مالك بن نبي : "إن قوة التماسك الضرورية للمجتمع الإسلامي موجودة بكل وضوح في الإسلام ، ولكن أي إسلام ؟ الإسلام المتحرك في عقولنا وسلوكنا والمنبعث في صورة إسلام اجتماعي . وقوة التماسك هذه جديرة بأن تؤلف لنا حضارتنا المنشودة ، وفي يدها –ضمانا لذلك- تجربة عمرها ألف عام، وحضارة ولدت على أرض قاحلة، وسط البَدو رجال الفطرة والصحراء  ".

(http://www.ayamnal7lwa.net/forum/index.php?action=dlattach;topic=3054.0;attach=4258;image)

التوجــــــــيه الجمالي :

يستهلّ مالك بن نبي توضيحه لفكرة توجيه هذا العنصر من المركب الثقافي بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم :
"لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كِبر . قال رجل : إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنا ونعله حسنة، قال: إن الله جميل يحبّ الجمال . الكبر بطر الحقّ وغمط الناس  " رواه مسلم 1/193 الحديث 147 أحمد 1/399 واللفظ لمسلم .

ثم يقول :

"لا يمكن لصورة قبيحة أن توحي بالخيال الجميل ، فإن لمنظرها القبيح ف يالنفس خيالا أقبح، والمجتمع الذي ينطوي على صور قبيحة ، لا بدّ أن يُظهِر أثر هذه الصور في أفكاره وأعماله ومساعيه  " .

ومن هذه الفقرة نتمثل ما أراده مالك بن نبي من أنّ الأفكار وهي روح الأعمال تتولّد من الصور المحَسَّة في الإطار الاجتماعي  . يقول :
"فالجمال الموجود في الإطار الذي يشتمل على ألوان وأصوات وروائح وحركات ، وأشكال، يوحي للإنسان بأفكاره، ويطبعها بطابعه الخاص من الذوق الجميل أو السّماجة القبيحة  "
كما يبين ترجمة علماء الإسلام للإحسان على أنه الصورة النفسية للجمال، ثم يضرب مثلا بطفل يلبس أسمالا بالية وثيابا مرقّعة متّسخة، ويصفه أنه يحمل في المجتمع صورة القبح والتعاسة معا، ويقول أنه واحد من ملايين السواعد والعقول التي تحرك التاريخ ولكنه لا يحرك شيئا لأن نفسه قد دفنت في أوساخه، أي أنها لم تعد جرابا للوسخ فقط بل أضحت سجنا لنفسه .

يقول مالك بن نبي : "لقد أراد الطفل من الوجهة الخُلُقية ستر عورته ، ولكنّ مرقّعاته قتلت كرامته"

وأنّ الحلّ إزاء حالته، أن نأخذه ليغتسل، ونعلمه أن الاغتسال ضرورة، وكيف يغسل ثيابه، ويحلق شعره، وكيف يقصد في مشيه، ولا يطأطئ رأسه حتى لا يظل كومة متحركة من الأوساخ بل نجد فيه صورة للفقر  والكرامة لا للقبح والمهانة .

وها هو التوجيه الجمالي، ولنقل أيضا أنه ما عناه مالك بن نبي من المعنى التربوي للثقافة من ضرورة نشرها وتطبيقها، والعنصر الجمالي قطب من أقطابها.
يرى مالك بن نبي أن تأثير الذوق الجمالي عام، يمسّ كل دقيقة من دقائق الحياة كذوقنا في الملابس والعادات وأساليب الضحك، والعطاس، وطريقة تنظيم بيوتنا وتمشيط أولادنا، ومسح أحذيتنا، وتنظيف أرجلنا .

ثم يضرب مثلا بقانون أصدر في مدينة موسكو يقضي بتغريم كل من يتسبّب في اتساخ البيئة ، فإذا إجابات كل فرد على سؤال "ما الهدف من القانون ؟ " تختلف باختلاف الوظيفة الاجتماعية، إذ يقول الطبيب أنه (الحفاظ على الصحة )، ويقول السياسي أنه (النظام)، ويقول الفنان أنه (جمال المدينة)، وكل الأجوبة صادقة على النطاق الفردي كما أنها تعبّر عن الثقافة الشيوعية أي المحيط .

يقول مالك بن نبي : "والإطار الحضاري بكل محتوياته متصل بذوق الجمال، بل إنّ الجمال هو الإطار الذي تتكوّن فيه أية حضارة ، فينبغي أن نلاحظه في نفوسنا، وأن نتمثّل في شوارعنا وبيوتنا ومقاهينا مسحة الجمال نفسها، التي يرسمها مخرج رواية في منظر سينمائي أو مسرحي. يجب أن يثيرنا أقل نشاز في الأصوات، كما يثيرنا منظر مسرحي سيئ الأداء. إن الجمال هو وجه الوطن في العالم، فلنحفظ وجهنا لكي نحفظ كرامتنا ، ونفرضَ احترامنا على جيراننا الذين نَدين لهم بالاحترام نفسه  "


(http://www.ayamnal7lwa.net/forum/index.php?action=dlattach;topic=3054.0;attach=4258;image)(http://www.ayamnal7lwa.net/forum/index.php?action=dlattach;topic=3054.0;attach=4258;image)

العنوان: رد: شـــــــــروط النـــــهضة (مالك بن نبي)
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2009-08-15, 17:22:27
(http://www.ayamnal7lwa.net/forum/index.php?action=dlattach;topic=3054.0;attach=4258;image)(http://www.ayamnal7lwa.net/forum/index.php?action=dlattach;topic=3054.0;attach=4258;image)

المنـــطق العملي :

يريد مالك بن نبي بالمنطق العملي كعنصر من عناصر الثقافة استخراج أقصى ما يمكن من الفائدة من وسائل معيّنة، فيرى أن العقل المجرّد متوافر عندنا ، بينما العقل العملي التطبيقي يكاد يكون مفقودا وقَوام العقل التطبيقي الإرادة والانتباه، ويقدّر أن حياة المسلمين تكتنفها  اللافاعليّة من خلال تضييع الوقت وعدم استغلاله لعمل مثمر، فيقول في ذلك قولا دقيقا :

"وإذا ما أردنا حصرا لهذه القضية فإننا نرى سببها الأصيل في افتقادنا الضابط الذي يربط بين عمل وهدفه ،بين سياسة ووسائلها، بين ثقافة ومُثُلها، بين فكرة وتحقيقها،فسياستنا تجهل وسائلها، وثقافتنا لا تعرف مُثُلَها العليا، وإنّ ذلك كله ليتكرّر في كل عمل نعمله وفي كل خطوة نخطوها  ".

ويرى مالك بن نبي أنّ الرجل الأوروبي  يتّسم بالحركة والنشاط ، بينما الرجل المسلم لا يعرف هذه الحركة رغم أنّ القرآن يأمر بذلك في قوله : "واقصد في مشيك" "ولا تمش في الأرض مرحا  "، ويرى السبب الرئيس لذلك في أنّ المجتمع المسلم لا يعيش طبقا لمبادئ القرآن ،ولا يعمل به بل الأصحّ أن يقال أنه يتكلم طبقا لمبادئ القرآن ، فالمنطق العمليّ في السلوك الإسلامي مفقود.
كما يستنتج مالك بن نبي أن المسلم لا ينقصه منطق الفكرة بل ينقصه منطق العمل إذ هو يفكّر ليتكلم ولا يفكّر ليعمل .
وهذا هو سبب العقم الاجتماعي الذي يسود المجتمع المسلم الحالم الذي لا يعتمد في حياته المنطق العمليّ .


(http://www.ayamnal7lwa.net/forum/index.php?action=dlattach;topic=3054.0;attach=4258;image)

الصّنـــــــــــــاعة :

يقول مالك بن نبي أنّ كل الفنون والمهن والقدرات وتطبيقات العلوم تدخل في مفهوم الصناعة الذي يريده، فهي للفرد وسيلة لكسب عيشه، وللمجتمع وسيلة للمحافظة على كيانه واستمرار نموّه.
أي أن "الصناعة" التي أرادها هي الفنّ التطبيقي الموائم لكل نوع من أنواع المجتمع .
كما يرى ضرورة إقامة الصناعة بما تقتضيه حاجات البلاد بإنشاء مجلس للتوجيه الفني ليحل نظريا وعمليا المشكلة الخطيرة للتربية المهنيّة ، ويرى ضرورة تكوين الفرد صاحب الرسالة وعدم اعتماده على ما يتلقى في المدارس ليقبع بين أسواره لا يعرف عن المستجدّات شيئا. يقول مالك بن نبي :
"وإن الإمكانيات البسيطة في البلاد الإسلامية لَتَسمح لنا ، بأن نصبّ هذا التحديد سريعا في واقع التاريخ وأن نكوّن القيادة الفنية التي نحتاج إليها الآن   "

وفي المداخلة المقبلة "المبدأ الأخلاقي والذوق الجمالي في بناء الحضارة   " emo (30):


(http://www.ayamnal7lwa.net/forum/index.php?action=dlattach;topic=3054.0;attach=4258;image)(http://www.ayamnal7lwa.net/forum/index.php?action=dlattach;topic=3054.0;attach=4258;image)


العنوان: رد: شـــــــــروط النـــــهضة (مالك بن نبي)
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2009-08-15, 17:35:56
(http://www.ayamnal7lwa.net/forum/index.php?action=dlattach;topic=3054.0;attach=4258;image)(http://www.ayamnal7lwa.net/forum/index.php?action=dlattach;topic=3054.0;attach=4258;image)

المبدأ الأخلاقي والذوق الجمالي في بناء الحضارة :

يبيّن مالك بن نبي دور الذوق الجمالي والمبدأ الأخلاقي في العلاقة بين الرجل والمرأة، كما في العلاقة بين الرجل والرجل، إذ أن الأولى غالبا ما تنبني على أساس سعي المرأة لأن تظهر بمظهر الجمال، وسعي الرجل على أن يظهر بمظهر القوة، وكلا المظهرين تعبير عن ذوق الجمال .

أما الثانية فتنبني على أساس من المبدأ الأخلاقي .
ويضرب للعلاقة الأولى مثالا بالمرأة من (الكونغو) إذ تشقّ شفتيها وتركب فيهما قرطا، وتلك الصينية التي تضع قدمها وهي صغيرة بقالب من حديد حتى تبقى قدمها صغيرة، وكلاهما –ورغم ما فيهما من عذاب- تجمّل وتعبير جمالي يتواءم ومنطق وسط  كل واحدة .

ومن ثمة يَخلُص مالك بن نبي إلى أنّ المجتمع مهما تكن درجة تطوّره أو بساطته فإنه ينتج بذورا أخلاقية وجمالية تتمثل في عرفه وعاداته وتقاليده ، أي فيما يسمّى (ثقافته) حتى تصبح هذه البذور الدستور الذي تقوم عليه حضارة المجتمع .

ويشير إلى أنّ الثقافة في صورتها الحيّة وحدة ذات أجزاء متماسكة تشدّها روابط تطابق أخلاق المجتمع وذوقه وتاريخه . فينطبع سلوك الفرد وأسلوب حياة المجتمع بطابع هذه الروابط .

وفي إطار هذه الروابط بين أقسام الثقافة فإن الذوق الجمالي والمبدأ الأخلاقي يجمعهما رابط يحدّد طابع الثقافة واتجاه الحضارة ، مترجما سلوك الفرد وأسلوب حياة المجتمع ، وحياة المجتمع في حقيقتها متعلقة أساسا بالمبدأ الأخلاقي وبذوق الجمال.
ثمّ يحدّد مالك بن نبي نموذج المجتمع وفقا لترتيب كل من المبدأ الأخلاقي والذوق الجمالي في الصورة الجبريّة التي وضعها:

                                     مبدأ أخلاقي + ذوق جمال = اتجاه الحضارة

وبهذا فالمجتمع الذي يتقدم فيه المبدأ الأخلاقي  هو الذي يجسّد نموذج مجتمع أخلاقيّ التوجّه (يقوم على الدوافع الأخلاقية أولا)، والمجتمع الذي يتقدم فيه الذوق الجمالي يكون مجتمعا جماليّ التوجه(يقوم على الدوافع الجمالية أولا) .

وبالتالي فإنّ تناقضات كبيرة تنشأ بين مجتمعين مختلفي الاتجاه الحضاريّ ، فهذا الذي يحقق أمرا وفق غلبة اتجاهه لا يستطيع الآخر بالمقابل تحقيقه وفق غلبة الاتجاه الآخر المعاكس للمجتمع الأول، ويدلّل على ذلك مالك بن نبي بالثقافة الغربية التي يغلب فيها الذوق الجمالي المبدأ الأخلاقي ليسوّغ مثلا تجسيد عُري المرأة في الفنّ بينما يرتدع عن ذلك المجتمع الإسلامي بحكم توجّهه الأخلاقي ، كما أنّ المجتمع الغربيّ الذي يبرز جمال المرأة في الشارع بسفورها، يعاكسه المجتمع الإسلامي الذي يسعى لستر المرأة في الشارع .

ويحلل مالك بن نبي تحليلا ثاقبا عري المرأة المسلمة على الشواطئ بتفسيره على أنه تغيير في الاتجاه الحضاري الأصيل لا تغيير للملبس .

وهكذا تكون الوراثة الاجتماعية لهذه الاتجاهات التي يحدّدها احتلال أحد العنصرين (المبدأ الأخلاقي، الذوق الجمالي) الصدارة .

تنبيه :  (هذه الآن إجابة عن سؤالك ماما هادية بخصوص مصطلح "الحضارة المسيحية" )

كما يبيّن مالك بن نبي أن الحضارة الغربية قد ورثت ذوق الجمال لا من التوراة والإنجيل بل من الحضارتين الرومانية واليونانية اللتين أدخلتا الاعتقادات الوثنية وعكّرتا صفو الفكرة الدينية المسيحية،  بينما ميراث الحضارة الإسلامية هو ذلك الشغف بالحقيقة والتي حمل لواءها الأنبياء الذين تعاقبوا .

يقول مالك بن نبي :

"فكان رواد الأولى وحملة لوائها زعماء الفنّ من فيدياس إلى ميخائيل أنجلو، بينما قادة الأخرى الأنبياء من إبراهيم إلى محمد . ومن هنا لم يكن من محض الصدفة أو من لغو الحديث أن مؤرخي النهضة الأوروبية يحددونها بأنها رجوع إلى الحضارة الرومانية اليونانية، ولقد كان لهذا الاختلاف في الأصول البعيدة للحضارتين، أثر فيما ينتجه الفكر في كل واحدة منهما . فالعبقرية الأوروبية أنتجت مناهج أدبية كتبت على رايتها خلال القرون أسماء لامعة منذ أسشيل وسوفوكل إلى راسين وبالزاك ودستويفسكي حتى برناردشو. غير أن هذه العبقرية بعيدة عن وحي التوراة والإنجيل والفرقان، وعلى العكس من ذلك فإن الأدب العربي والأدب الإسلامي بصفة عامة لم ينتج التراجيدية ولا القصة، بل لم يحاول أن ينتجهما إلا في القرن العشرين وفي صور تدعو أحيانا للأسف " .

يدلل مالك بن نبي  على الاتجاه الحضاري الذي يحكمه ترتيب أحد العنصرين وتقدّمه على العنصر الآخر بالاستعمار كظاهرة ثقافية جعلت علاقة الأوروبي بالإنسانية تطبع بطابع تقدّم فيه الذوق الجمالي على المبدأ الأخلاقي وتسمّى (ثقافة سيطرة ) . 
كذلك فإنّ اتجاه الأدب يحدّد تعارف قومِ مجتمعات الاتجاه الجمالي بنزعة (الفن للفن) بينما يحدد تعارف قوم مجتمعات الاتجاه الأخلاقي بنزعة (الأدب الملتزم).

هذه في مجملها صور للرابط الذي يجمع بين المبدأ الأخلاقي والذوق الجمالي في شكل تغلّب واحد منهما على الآخر .
وكذلك المناهج السياسية للاتجاه الحضاري الجمالي تهدف لتحرير الفرد، بينما المناهج السياسية  للاتجاه الحضاري الأخلاقي تهدف لتحقيق سعادة المجتمع .
وهكذا يؤكد مالك بن نبي على أهمية العلاقة بين مركبات الثقافة المختلفة بالقدر الذي تمثله أهمية وجود هذه العناصر المركبة للثقافة والدور الفردي لكل واحدة في تشكيلها .
يقول مالك بن نبي :
"وبهذا فإنه يتبين لنا من هذه الأسطر أن أي خلل يحدث في هذه العلاقات فإنه قد ينتهي في آخر المطاف إلى خلل في توازن الحضارة وفي كيانها"



(http://www.ayamnal7lwa.net/forum/index.php?action=dlattach;topic=3054.0;attach=4258;image)(http://www.ayamnal7lwa.net/forum/index.php?action=dlattach;topic=3054.0;attach=4258;image)

العنوان: رد: شـــــــــروط النـــــهضة (مالك بن نبي)
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2009-08-15, 17:52:37
والآن بعدما وصلنا إلى المرحلة التي أراها توضّح ما أرادته ماما هادية من تساؤلاتها، أطرح ما عندي  emo (30):

ولكن اسمحي لي أختي أسماء ان اناقش الفكرة التالية:

مناقشة:

اقتباس
ووفق هذا يتحدّث يبين أنّ  الحضارة المسيحية سارت على نفس الطريق الذي سارت عليه الحضارة الإسلامية، رغم أنّ المسيحية قد سبقت الإسلام بقرون عديدة ،

كنت قد حضرت من زمن طويل محاضرة لأستاذة استشهدت بهذا الكلام لمالك بن نبي، ولكنني من وقتها وللآن أرى أن تحليله في هذه النقطة قد جانبه الصواب، لأنه ليس هناك تاريخياً ما يسمى بحضارة مسيحية انبعثت من الفكرة الدينية المسيحية. كذلك فإن هذا الكلام لا يفسر لنا قيام كثير من الحضارات المادية رغم تخلف فكرتها الدينية، كالفرعونية والهندية واليونانية والصينية والفينيقية والآشورية وغيرها... وحضارات الأقوام الكافرة التي قص علينا القرآن قصصها كعاد وثمود مثلاً، فهي لاشك حضارات لم تنبعث من فكرة دينية إطلاقاً.

وعودة لما أسماه الكاتب بالحضارة المسيحية، وهو مصطلح منتشر في كتابات الأوروبيين رغم كذبه وبهتانه...

فتاريخيا أتباع المسيحية الحقيقية لوحقوا واضطهدوا وتفرقوا في البلاد، ثم اعتنقت الدولة الرومانية المسيحية، ولكن بعد أن حرفتها وجعلتها أقرب للوثنية منها للديانة السماوية، فأدخلت فيها فكرة الثالوث والمخلص والفداء، وألغت التشريع تماما، وجعلت الجزاء في اليوم الاخر مرتبطا بالإيمان بعقيدة الثالوث والمخلص الفادي، لا مرتبطا باتباع الشرائع، وبهذا فرغت المسيحية تماماً من معناها، والحضارة التي تبنت هذه العقيدة الجديدة ونشرتها هي حضارة مادية وثنية كانت قائمة بالفعل، وهي الحضارة الرومانية، ثم مع ازدياد انتشار الفكرة المسيحية واتساع نفوذ القساوسة والرهبان دخلت أوروبا عصورها الوسطى المظلمة، ثم كان البعث والنهضة مرتبطا بتطليق الفكرة المسيحية المحرفة والتحرر منها، والاتجاه نحو الإلحاد
هذا ما يحكيه لنا التاريخ، وهو مختلف تماما –في هذه الجزئية- عن تحليل مالك بن نبي... وإن كان لا يتناقض مع استنتاجه النهائي من ان التاريخ يترجم القاعدة القرآنية {إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم}..

 ألا ترين هذا؟


يقول مالك بن نبي :
"فكان رواد الأولى وحملة لوائها زعماء الفنّ من فيدياس إلى ميخائيل أنجلو، بينما قادة الأخرى الأنبياء من إبراهيم إلى محمد . ومن هنا لم يكن من محض الصدفة أو من لغو الحديث أن مؤرخي النهضة الأوروبية يحددونها بأنها رجوع إلى الحضارة الرومانية اليونانية، ولقد كان لهذا الاختلاف في الأصول البعيدة للحضارتين، أثر فيما ينتجه الفكر في كل واحدة منهما . فالعبقرية الأوروبية أنتجت مناهج أدبية كتبت على رايتها خلال القرون أسماء لامعة منذ أسشيل وسوفوكل إلى راسين وبالزاك ودستويفسكي حتى برناردشو. غير أن هذه العبقرية بعيدة عن وحي التوراة والإنجيل والفرقان، وعلى العكس من ذلك فإن الأدب العربي والأدب الإسلامي بصفة عامة لم ينتج التراجيدية ولا القصة، بل لم يحاول أن ينتجهما إلا في القرن العشرين وفي صور تدعو أحيانا للأسف  " .

بعد هذا أحب أن أشير إلى ما أفهمه من تفريق مالك بن نبي بين مصطلحي "الحضارة المسيحية" و "الحضارة الغربية" فالحضارة المسيحية كما بين في فصل "تأثير الفكرة الدينية في الحضارة" قوامها الفكرة المسيحية والتي لم تتمكن من النفوس ساعة ميلادها، وإنما ساعة انبعاثها من جديد في النفوس في مرحلة متأخرة من بعد ظهور المسيحية، ويبين كما رأينا، مراحل هذه الحضارة التي انتقلت من مرحلة "الروح" إلى مرحلة "العقل" ومرحلة العقل بالنسبة لهذه الحضارة هي مرحلة ما اصطلح عليه بمرحلة  "النهضة الأوروبية" أو "عصر التنوير" التي سادها المنهج العقلاني الديكارتي ،وتدهور فيها دور الروح،  وهي كما بينّا مرحلة تنتشر فيها الحضارة وتتوسع، وفيها يتناقص دور (الروح) المنبثة من الفكرة الدينية وتكون في مسارها إلى السقوط .
كما بين مالك بن نبي ما وضعه كُتّاب ومحللون ومؤرخون أروبيون يتنبؤون بذلك نظرا لطغيان الغريزة على العقل والروح، إذ أن مرحلة السقوط هي مرحلة موت العقل والروح معا . وبالتالي فإن الحضارة بمعناها الحقيقي هي التي تحركها الفكرة الدينية لأنها تكون حضارة مؤسسة يؤدي فيها الشعب دوره ورسالته التاريخية، أما ما عدا ذلك فلا يعتبر حضارة وإن بدا ما بدا من المدنية لأنها في الحقيقة مظهر يخبئ الكوارث .

ثم أستحضر حديثه أيضا عن المبدأ الأخلاقي كمركب من مركبات الثقافة إذ يُرجع كل مظهر مدني في مرحلة متقدمة من التاريخ إلى أصله النابع من المبدأ الأخلاقي الذي تحدده الفكرة الدينية كالمثال الذي ضربه عن حضانة الأطفال ذات السلطة المدنية بفرنسا وأصلها الديني، وكذلك مثال اختراع الراديو كأصل علاقات ربطت بين علماء جمعتهم الرابطة المسيحية .

ثم أيضا تجدر الإشارة والتذكير بتغلب أحد العنصرين على الآخر (المبدأ الأخلاقي والذوق الجمالي) والذي وفقه يتحدد اتجاه الحضارة فإما أن تكون حضارة أخلاقية الاتجاه، أو حضارة جمالية الاتجاه، أو ما نعبر عنه بالحضارة المادية.
وكذلك مالك بن نبي يعبر عن المبدأ الأخلاقي بالحقيقة ، وضمنيا يعني أنّ الذوق الجمالي هو التعلق بالمظهر .

وبالتالي فإن مالك بن نبي في هذا- ونجد أنفسنا نتكلم بوقع عنوان الكتاب- يحدد شروط النهضة الصحيحة، فيبين التوازن الذي يجب أن يكون بتحقيق كل تلك العناصر وتلك الشروط وفق الفكرة الدينية كمحرك يوجه الحضارة توجيها صحيحا، يحافظ عليها ويحقق ديمومتها .


اقتباس
هذه في مجملها صور للرابط الذي يجمع بين المبدأ الأخلاقي والذوق الجمالي في شكل تغلّب واحد منهما على الآخر .
وكذلك المناهج السياسية للاتجاه الحضاري الجمالي تهدف لتحرير الفرد، بينما المناهج السياسية  للاتجاه الحضاري الأخلاقي تهدف لتحقيق سعادة المجتمع .
وهكذا يؤكد مالك بن نبي على أهمية العلاقة بين مركبات الثقافة المختلفة بالقدر الذي تمثله أهمية وجود هذه العناصر المركبة للثقافة والدور الفردي لكل واحدة في تشكيلها .
يقول مالك بن نبي :
"وبهذا فإنه يتبين لنا من هذه الأسطر أن أي خلل يحدث في هذه العلاقات فإنه قد ينتهي في آخر المطاف إلى خلل في توازن الحضارة وفي كيانها"

إذن فحضارة الغرب ذات الاتجاه الجمالي سعت مناهجها السياسية إلى تحقيق تحرر الفرد من المجتمع، أما ذات الاتجاه الحضاري الأخلاقي فتسعى لتحقيق سعادة المجتمع في إطار احترام المبادئ الأخلاقية المنبثقة من الفكرة الدينية، ودائما بهذا يضع مالك بن نبي الموازنة اللازمة والشروط الواجب توفيرها لتحقيق حضارة يؤدي فيها المجتمع رسالته التاريخية .
العنوان: رد: شـــــــــروط النـــــهضة (مالك بن نبي)
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2009-08-15, 18:07:38
(http://www.ayamnal7lwa.net/forum/index.php?action=dlattach;topic=3054.0;attach=4258;image)(http://www.ayamnal7lwa.net/forum/index.php?action=dlattach;topic=3054.0;attach=4258;image)

عرفنا من مالك بن نبي أنه بفكرة التوجيه التي عنى بها توحيد الجهود وحسن استغلالها وتأليفها في إطار تحقيق الهدف الواحد للمجتمع الناشئ الذي يريد بناء حضارة، أنّه في مشكلة الإنسان يحدد توجيه قِواه المؤثرة الأساسية : فكره، عمله، ماله.
فأما فيما يخصّ توجيه فكره، وهو توجيه الثقافة فقد بينه بتوجيه مركّبات الثقافة الأساسية (المبدأ الأخلاقي، الذوق الجمالي، توجيه العمل، الصناعة) وبعد ما أنهى توجيه كل مركب على حِدة، ها هو ينتقل بنا إلى توجيه القوة المؤثرة الثانية في دراسة مشكلة الإنسان:

تـــــوجيه العــــــمل

 يفتتح مالك بن نبي هذا العنصر بحديث لرسول الله صلى الله عليه وسلم :
"ما أكل أحد طعاما قط خيرا من عمل يده وإن نبي الله داود كان يأكل من عمل يده"
رواه البخاري 2/730 الحديث1966-  كنز العمال 4/8 الحديث 9223

ثم يواجه مالك بن نبي كعادته في تحديد الأمور بدراسة صورتها الواقعية الموجودة ، وكعادته في كسر جدار الصمت والمواجهة بالحقيقة ، يتحدث عن مدى الجدوى من الحديث عن توجيه شيء يكاد يكون معدوما(ويقصد به الثقافة) ، فيقول أنه لا بأس من توجيه شيء غير موجود، لأن هذا الحديث محاولة لخلقه، ومساهمة في تكوينه، وأنّ الذين يقفون عند هذا الحد لا يعملون، بل ينظرون إلى الأشياء في وضعها لا في مصيرها (وهي دعوة من مالك بن نبي إلى التفاؤل رغم كل صعوبة والعمل على إحداث التغيير، وعدم الاكتفاء بالتفرّج، وتعليق الكسل وحبّ القعود على مشجب المجتمع وسوء حاله ).

يقول مالك بن نبي أنّ العمل إنما هو وليد العناصر الأساسية المكونة للحضارة(الإنسان والتراب والوقت) ولا يكون إلا منها، وليست الخطب السياسية والوعظية هي مولّدته.
ثم يعود بالشيء إلى أصله مع بداية ظهور الفكرة الدينية (الإسلام) ببعثة محمد صلى الله عليه وسلم، حيث الصحابة يبنون أول مسجد بالمدينة، وكل وسائلهم من البساطة بحيث جسدوا فعليا الانطلاق من الزاد البسيط (التراب والوقت) وهي كما عرفناها معه باسم (العدّة الدائمة)

التي عرفها :.



اقتباس
العــــــــدّة الدائــــــمة

كما بيّن مالك بن نبي من قبل فإنّ زاد منطلق الإنسان الذي يسميه رجل الفطرة والذي يرنو لأن يصبح رجل حضارة  ليس الأملاك ولا العلماء ولا الجامعات ولا المعاهد العلمية وإنما هو تلك العناصر الأساسية الثلاثة البسيطة ،هو (الإنسان) والتراب والوقت، وقد تبيّن ذلك جليا حينما كانت تقدّر الدول المتقاتلة في الحرب العالمية خسائرها بساعات العمل وبالجهود البشرية وبمنتجات التراب ، وهكذا كلما دقّت ساعات الخطر وأذنت بالرجوع إلى القيم الأساسية استعادت الإنسانية مع عبقريتها قيمة الأشياء البسيطة التي كوّنت عظمتها .

يقول مالك بن نبي عن ذلك :
"تلك هي القيم الخالدة التي نجدها كلما وجب علينا العودة إلى بساطة الأشياء، أي في الواقع كلما تحرك رجل الفطرة وتحركت معه حضارة في التاريخ ."

(http://www.ayamnal7lwa.net/forum/index.php?action=dlattach;topic=3054.0;attach=4258;image)

يقول مالك بن نبي:"فلو أننا نظرنا إلى هذه الساحة في بساطتها، وقلة شأنها في ذلك الوقت لدعانا المشهد إلى الابتسام ، ولكن، أليس هناك قد تلقى بنّاؤو الحضارة الإسلامية دروس العمل ؟ أوليسوا هناك قد قبضول لأول مرة على عصا التاريخ؟  "

ثم يؤكد مالك بن نبي على أنّ المجتمع الناشئ لا بدّ أن يركز على الناحية التربوية في العمل ، ولا يركّز على الناحية الكسبيّة، لأن الخلط بينهما في هذه المرحلة يشكّل خللا على مجتمع في بداياته، إذ يحمّل نفسه فوق ما يطيق، ذلك أن المجتمع الذي يريد بناء حضارة انطلاقا من العدّة الدائمة ، عليه أن يلتحم شعور أفراده ويتقاسموا بؤسه ونَعماه ، ويعملوا متكاتفين متعاونين ، لا أن يكون سعيهم على المصلحة الفردية التي شعارها (كل جهد يستحق أجرا)، وهو شعار مرحلة متطورة من مسيرة حضارة المجتمع .

يقول مالك بن نبي : "إن توجيه العمل في مرحلة التكوين الاجتماعي عامّةً يعني سير الجهود الجماعية في اتجاه واحد ، بما في ذلك جهد السائل والراعي وصاحب الحرفة ، والتاجر والطالب والعامل والمرأة والمثقف والفلاح، لكي يضع كل منهم في كل يوم لبنة جديدة في البناء. فإعطاء ثلاثة حروف في الأبجدية عمل، وتقبّل هذه الحروف عمل، وإزالة أذى عن الطريق عمل، وإسداء نصح عن النظافة أو الجمال -دون أن يغضب الناصح حين لا يُصغَى لنصحه- عمل، وغرس شجرة هنا عمل، واستغلال أوقات فراغنا في مساعدة الآخرين عمل، وهكذا...     " .

فهو يرى أن توجيه العمل في المجتمع الناشئ يعني تأليف الجهود لتغيير وضع الإنسان وخلق بيئته الجديدة، التي يصبح شعارها (كسب العيش لكل فرد) ، وعلى قدر تكاثر الحِرف، والحرفيّين والفنون والفنيّين تتحسن أحوال الفرد، وكل من الشقّين مرتبط بالآخر ، وكلما تقدم التوجيه الثلاثي (توجيه الثقافة وتوجيه العمل وتوجيه رأس المال) كلما تغيّر وجه الحياة .

كما يصف مالك بن نبي اليد بأنها هي التي شقّت للإنسان طريق فكره، بعالم الأشياء التي صنعتها، وهي الوسيلة التي انبثقت منها المعجزة في صورة ما يحقّقه الإنسان لتحسين حال معيشته


(http://www.ayamnal7lwa.net/forum/index.php?action=dlattach;topic=3054.0;attach=4258;image)(http://www.ayamnal7lwa.net/forum/index.php?action=dlattach;topic=3054.0;attach=4258;image)
العنوان: رد: شـــــــــروط النـــــهضة (مالك بن نبي)
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2009-08-15, 18:23:06
(http://www.ayamnal7lwa.net/forum/index.php?action=dlattach;topic=3054.0;attach=4258;image)(http://www.ayamnal7lwa.net/forum/index.php?action=dlattach;topic=3054.0;attach=4258;image)


تــــوجيه رأس المال :

يبدأ مالك بن نبي بتوضيح نظرته إلى رأس المال من حيث كونه آلة اجتماعية تغاير بذلك نظرة ماركس له من حيث كونه آلة سياسيّة بين يدي طبقة بورجوازيّة اضطهدت به الطبقة العاملة، وفي الوقت ذاته يبين أن مشكلة العالم الإسلامي في وقت كتابته هذا الكتاب (عام 1948) غير حالة أوروبا في تلك الفترة، إذ أنّ العالم الإسلامي لم يكوّن رأس المال بعد، وعليه فإن المشكلة فيه ليست هي المشكلة التي خلّفها رأس المال في أوروبا .

ثم يرى ضرورة التمييز بين مصطلَحَي (ثروة ورأس مال) واللذَين غالبا ما يُخلَط بين مفهومَيهما ، إذ أن الثروة هي ما يملكه الفرد ويديره في إطاره الخاص المحدود ليقضي به حاجاته الشخصية غير متحرّك ولا داخل في الدورة الاقتصادية من إقامة للصناعات الواسعة وتمويلها، وتلقّب الثروة بلقب صاحبها ، بينما ينفصل رأس المال اسما عن صاحبه ، ويعرَّف بأنه المال المتحرك الذي يتسع مجاله الاجتماعي إلى محيط أكبر من محيط الفرد وإلى حاجات أوسع من حاجاته الخاصة، وحركته هذه تتمثل في استيراد المواد الأولية من دول، والتصنيع بدول أخرى، والتوزيع في دول غيرها، مقيما بذلك شبكة العلاقات الاقتصادية ، فيخلّف حركة ونشاطا وتشغيلا للأيادي العاملة أينما حلّ .

وقد نتج عن رأس المال في أوروبا ظاهرتان هما :

1-طبقة العمّال .
2-الاستعمار للاستيراد والتصدير .

وهكذا نتج من هذا التوسع وهذه الحركة مفهوم اجتماعي سمي (الرأسمالية)، وإن ظاهرة تحويل الثروة من مفهومها الجامد البسيط إلى المفهوم المتحرك المتّسع (رأس المال) لم تحدّده من حيث الكمّ بل من حيث الكيف إذ أنّ الملايير التي لا تتحرك تبقى (ثروة)، بينما القليل المتحرك يدعى (رأس مال).

وبعد تعريفه لرأس المال، ونظرته له على أنه آلة اجتماعية لا سياسية ، وبعد التمييز بين مفهومي الثروة ورأس المال يبيّن مالك بن نبي ما يريده من فكرة توجيه رأس المال إلى جانب ما بيّنه من توجيه الثقافة وتوجيه العمل،ثم  يشير إلى ضرورة اتخاذ الحيطة في توجيه رؤوس الأموال حتى لا يقع العالم الإسلامي في مشكلة الإقطاعية التي وقعت بها أوروبا .

فيقول :
"فالقضية إنما هي قضية منهاج يحدد لنا تخطيطا مناسبا نبني عليه حياتنا الاقتصادية ، ولا يكون فيه مكان لتركيز رؤوس الأموال في أيدي فئة قليلة ، تستغل السواد الأكبر من الشعب ، بل يجب أن يتوافر فيه إسهام الشعب مهما كان فقيرا، وبذلك يتم التعادل بين طبقات المجتمع وتنسجم مصلحة الجماعة مع مصلحة الفرد  "

ويختم بضرورة تكوين مجلس لتوجيه الثروة حتى تتحول إلى رأس مال .


ونكمل لاحقا فانتظرونا قريبا جدا بإذن الله  emo (30):

(http://www.ayamnal7lwa.net/forum/index.php?action=dlattach;topic=3054.0;attach=4258;image)(http://www.ayamnal7lwa.net/forum/index.php?action=dlattach;topic=3054.0;attach=4258;image)


العنوان: رد: شـــــــــروط النـــــهضة (مالك بن نبي)
أرسل بواسطة: أبو بكر في 2009-08-15, 20:27:45
تسجيل مرور سريع و عودة للقراءة إن شاء الله  emo (30):
العنوان: رد: شـــــــــروط النـــــهضة (مالك بن نبي)
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2009-08-15, 21:25:42
أهلا وسهلا بك يا أبا بكر ...أكمل بإذن الله  emo (30):

(http://www.ayamnal7lwa.net/forum/index.php?action=dlattach;topic=3054.0;attach=4258;image)(http://www.ayamnal7lwa.net/forum/index.php?action=dlattach;topic=3054.0;attach=4258;image)

كنا قد عرفنا مع مالك بن نبي الصيغة التي وضعها عن تكوين الحضارة :

حضارة = إنسان + تراب + وقت

وقد بيّن أن مشكلة الحضارة بالتالي هي مشكلة هذه العناصر الأساسية الثلاثة ، مشكلة الإنسان ومشكلة التراب ومشكلة الوقت، فأما مشكلة الإنسان فهي التي عرض لها بالتفصيل، فعرفنا فيها ارتكازه على فكرة التوجيه لتوجيه الثقافة بتوجيه كل مركب من مركباتها على حدة (المبدأ الأخلاقي، التوجيه الجمالي، التوجيه العملي، الصناعة) ثم بتوجيه العمل وأخيرا بتوجيه رأس المال ، وبهذا يكون قد استوفى حيثيات التوجيه لندخل معه الآن عنصرا جديدا يسميه :

مشكلـــــة المــــــــرأة :

في إطار تحليل مشكلات الإنسان ضمن مشكلات الحضارة يخصص مالك بن نبي فصلا عن المرأة ، ويؤكد مع هذا أنه لا يعني دراستَها بمعزل عن مشكلة الرجل، إذ أن كليهما يكونان مشكلة الفرد، ويقدم لهذا الفصل بتوضيح رؤيته إزاء الذين نصّبوا أنفسهم ذادةً عن حقوق المرأة، وأنه ليس من المجد في شيء ولا من المُجدي بمكان أن نخرج بنتائج تعطي للمرأة قيمة فوق قيمة الرجل أو أدنى منها، كما يرى في دوافع المنتصبين حماة عن حقوقها ودعاة لتحررها كما في دوافع الذين ينادون بإبعادها عن المجتمع شأنا غريزيا تمثله دعوة أدعياء تحريرها بدفعها للسفور وإبراز مفاتنها وفي ذلك ما فيه من الأسباب الظاهرة المثيرة للغرائز كما تمثله أيضا دعوة المنادين إلى إبعادها عن أداء رسالتها الاجتماعية لما في ذلك من نزعة تملّك الأنثى ، فهو بهذا التحليل لا يرى من رأيي كلا الفريقين أملا في حل مشكلة المرأة .

 أما الطريق البديل الذي يراه لحل مشكلة المرأة هو أن تصفّى من مثل هذه النزعات المتطرفة التي تنبع من سبب واحد على اختلاف طرقها، وأن يُنظَر إليها في إطار مصلحة المجتمع وليس على النطاق الفردي . فالمرأة شقّ الفرد كما أن الرجل شقّه الآخر ، وهكذا فكلاهما قطبا الإنسانية ولا غنى عن شق منهما، يقول مالك بن نبي :"فلئن كان الرجل قد أتى في مجال الفن والعلم بالمعجزات، فإن المرأة قد كونت نوابغ الرجال"

وهكذا يرى مالك بن نبي أن المشكلة تتعلق بتقدم المجتمع وتحديد مستقبله وحضارته وأنّ ما يجب أن يكون عليه حالها من تقدم لا يجب أن ينظر إليه من زاوية مصلحتها بل من زاوية مصلحة المجتمع كله ، وأن إعطاءها حقوقها على حساب المجتمع يؤدي إلى تدهورها هي ذاتها .

ثم يتطرق مالك بن نبي إلى حال المرأة المسلمة وهي تقلّد وتسير على خطى المرأة الأوروبية، ترى في ذلك حلا لمشكلتها ولتعريف دورها وأثرها في المجتمع، بينما ذلك خطأ كبير.... إذ أن مشكلتها لا محالة متعلقة علاقة عضوية بباقي مشكلات المجتمع المختلفة ثم يتساءل : هل من المفيد نزع الحجاب ؟ أو تدخين المرأة ؟ ...وغيرها من مظاهر سلوك المرأة الأوروبية فيقول : "ولكننا بشيء من النظر نرى أن انتقالنا بالمرأة من امرأة متحجبة إلى امرأة سافرة، تطالع الصحف وتنتخب وتعمل بالمصنع ، لم يحل المشكلة فهي ما تزال قائمة ، وكل الذي فعلناه أننا نقلنا المرأة من حالة إلى حالة ، وسنرى عما قريب أن انتقالنا هذا عقّد المشكلة بعد أن كانت بسيطة ، فليست حالة المرأة الأوروبية بالتي تحسد عليها ، فظهور المرأة الأوروبية في مظهر لا يخاطب في نفس الفرد إلا غريزته، أثار أخطارا جديدة كنا نود أن يكون المجتمع بمنجاة منها  ..."

ثم يعرض حالين من الإفراط  والتفريط ممثَّلين في المرأة الأوروبية التي تبالغ في السفور والعُري ممثلة بذلك حال مجتمع ساده الغرام باللذة العاجلة، وفي المرأة المسلمة التي تبالغ في الانكماش والانطواء في بعض البلاد الإسلامية فيقول :

"فالأمر يجري في كلتا الحالين بين تفريط وإفراط، ومن الواجب أن توضع المرأة هنا وهناك حيث تؤدي دورها خادمة للحضارة، وملهمة لذوق الجمال وروح الأخلاق، ذلك الدور الذي بعثها الله فيه أما وزوجة للرجل   ".

ثم يلحّ مالك بن نبي على ضرورة عقد مؤتمر للمرأة يُحدَّد فيه دورها في المجتمع الإسلامي. يسيّره ويخطط له وللحلول اختصاصيون من علماء دين واجتماع ونفس وتربية ...
يقول : "وحينئذ نستطيع أن نقول أننا وضعنا المنهج الأسلم لحياة المرأة، ولسوف يكون هذا التخطيط حتما في صالح المجتمع ، لأن علماءه والمفكرين فيه هم الذين وضعوه  "

ثم يتطرق إلى عمل المرأة واصفا المرأة الأوروبية التي تقلدها المرأة المسلمة وقد ألقيت في أتون المصنع والمكتب وقيل لها :"كلي من عرق جبينك" بالصورة المشوّهة للرجل دون أن تبقى امرأة ، مع ما فقدته من شعور بالعاطفة نحو الأسرة وهي المخلوقة مخزنا من العواطف .
ويقول في ذلك : "وهكذا حرم المجتمع من هذا العنصر الهام في بناء الأسرة وهو العنصر الأساسي فيها  "

ويقول مالك بن نبي أنه رغم تطور المرأة وخروجها للدراسة وللأعمال المختلفة إلا أنه لا يوجد بعد تخطيط لمراحل تطوّرها ، وأنه رغم العجز عن هذا التخطيط إلا أنه لا يجب إغفال ضرورة حضور المرأة في المجتمع ، وحضورها هو درايتها بمشاكل مجتمعها وبمجريات أحداثه ، ثم يطرح السؤال : "كيف، وبأي أسلوب يمكن للمرأة المسلمة أن تقوم بدورها ؟"

ويبين أن المثقفين والعلماء والنساء كلهم مسؤولون عن إيجاد الجواب وأنه ليس بالموضوع الذي يَفصِل فيه قلم كاتب أو محلل مهما بلغت قيمة نظرته، وأن انتظار الكثيرين للجواب عن هذا السؤال تجاوزا لحدود  اقتراح عقد المؤتمر إنما هو في الحقيقة عدم تفريق بين الجانب الفنّي للمشكلة وبين جانبها الاجتماعي الذي لا يسوغ النظر والتنظير والتحليل بقدر ما يلزم التنفيذ والوصول إلى وسائل عملية لذلك .

فالمؤتمر الذي يجمع متخصصي المجتمع الإسلامي هو وسيلة من وسائل التنفيذ، إذ يتطلب (إجماع) الاختصاصيين لا وجهة نظر فردية مهما كانت قيمتها .
يقول مالك بن نبي : "والإجماع يكون إما بطريق مسايرة الظروف، وإما بتسيير الظروف نفسها، فأما الطريق الأولى فهي الطريق التي يتبعها العالم الإسلامي اليوم، لا بالنسبة لمشكلة المرأة فحسب، بل لكل مشكلاته. وأما الطريق الثانية فيكون بدَرس المشكلات ، وتعيين وسائل حلها، فوسائل حل مشكلة المرأة يجب أن تقرر في مؤتمر عام ، تصبح مقرراته دستورا لتطور المرأة في العالم الإسلامي  ".


خــــــــــــــلاصــــة :

1- قضية المرأة ومشكلتها ليست بمعزل عن مشكلة الرجل .
2- التنديد بالمنادين بتحرير المرأة والمنادين بإبعادها عن المجتمع سواء بسواء .
3- طريق فريقي كل من المفَرّطين والمفرطين نابعة من دافع غريزي يحصر المرأة وقيمتها في الغريزة والجنس .
4- ضرورة حل مشكلة المرأة في نطاق مصلحة المجتمع ورسالتها فيه، لا في نطاق المصلحة الفردية للمرأة ، فمصلحة المرأة على حساب المجتمع إهدار لقيمة المرأة ذاتها .
5- خطأ وخطورة اقتفاء المرأة المسلمة لخطى المرأة الأوروبية .
6- مشكلة المرأة تسير منسجمة مع مختلف مشكلات المجتمع الأخرى واستيراد حلول لها من بيئة مغايرة خلخلة لصفوف المجتمع كله .
7- حضور المرأة المسلمة في مجتمعها بإحاطتها بمجرياته وأحداثه وفعلها فيه يكفي المجتمع تبديلها بامرأة أخرى غريبة عنه .
8- اقتراح حل مشكلة المرأة وإيجاد سبل إنفاذ طاقتها لفائدة المجتمع وتفعيل دورها فيه بإجماع اختصاصيين لا  بوجهة نظر فردية .

ونكمل قريبا جدا بإذن الله تعالى فانتظرونا  emo (30):


(http://www.ayamnal7lwa.net/forum/index.php?action=dlattach;topic=3054.0;attach=4258;image)(http://www.ayamnal7lwa.net/forum/index.php?action=dlattach;topic=3054.0;attach=4258;image)
العنوان: رد: شـــــــــروط النـــــهضة (مالك بن نبي)
أرسل بواسطة: Al-Muslim في 2009-08-16, 07:26:06
هذه المداخلة هي مسودة شخصية أضع فيها ملاحظات هامشية حتى لا أنسى شيئاً مما أريد التعليق عليه في هذا الموضوع الأكثر من رائع:

1- تبتدئ الصحوة ببطل يجرؤ على قول كلمة الحق وتتوج ببطل يقود جهود أفراد الصحوة لتحقيق التغيير، لكن البطل الحقيقي هو الأول.

2- المطالبة بالحقوق عن طريق القيام بالواجبات ومعالجة الأخطاء لا بالخطب الرنانة.

3- الحضارة تلد منتجاتها ولا تلد المنتجات الحضارة.

4- الحضارة لا تبيع منتجاتها مفرغة من روحها (أثر ذلك)

وصلت لغاية "مطابقة التاريخ للمبدأ القرآني"......
العنوان: رد: شـــــــــروط النـــــهضة (مالك بن نبي)
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2009-08-18, 19:00:17
أهلا وسهلا بك أخي المسلم  في هذا الموضوع الذي أسأل الله تعالى أن ننتفع به  emo (30):

لي عودة قريبة جدا بإذن الله فلم يبق من التلخيص إلا القليل
العنوان: رد: شـــــــــروط النـــــهضة (مالك بن نبي)
أرسل بواسطة: إيمان يحيى في 2012-01-26, 10:35:02

متابعة
العنوان: رد: شـــــــــروط النـــــهضة (مالك بن نبي)
أرسل بواسطة: ماما هادية في 2014-04-10, 14:29:19
عزيزتي اسماء
كنت اقوم بجمع ملخصك على ملف وورد لأنسقه وادرجه في موضوع ملخصات الكتب، فوجدته غير مكتمل
فهل هو مكتمل عندك لكنك لم تنشريه؟ ام ماذا؟ وكم بقي منه؟
العنوان: رد: شـــــــــروط النـــــهضة (مالك بن نبي)
أرسل بواسطة: زينب الباحثة في 2014-04-11, 14:26:11
بأي لغة تقرئين كتب مالك؟
قرأت له كتابين بالعربية ولم يعجبني الأسلوب أعتقد أن الترجمة ركيكة
العنوان: رد: شـــــــــروط النـــــهضة (مالك بن نبي)
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2014-04-12, 06:37:32
عزيزتي اسماء
كنت اقوم بجمع ملخصك على ملف وورد لأنسقه وادرجه في موضوع ملخصات الكتب، فوجدته غير مكتمل
فهل هو مكتمل عندك لكنك لم تنشريه؟ ام ماذا؟ وكم بقي منه؟


هذا الكتاب بالذات، دون غيره قمت بتلخيصه على كراسة، ثم كنت أنقل منها إلى المنتدى، ثم وعندما أوشكت على إنهاء النقل، حدث أن انهمكت في أمر صرفني عنه بالكلية، ولا أدري حتى الساعة أين ذهبت الكراسة للأسف الشديد ... sad:( :blush::  لو كنت في غير انشغالي الحالي لعملت على إتمامه ولكن لا أستطيع الآن، إلا أن أؤجله لوقت غيرمحدّد .

بأي لغة تقرئين كتب مالك؟
قرأت له كتابين بالعربية ولم يعجبني الأسلوب أعتقد أن الترجمة ركيكة

نعم الترجمة لا تعطي الروح الحقيقية للكتاب، حتى أن قراءة المترجم من كتبه تستدعي تركيزا كبيرا وكثيرا ما كنت أعيد القراءة لاستوعب من فرط عدم قدرة الترجمة على إيصال روح المعنى الأصلي .
العنوان: رد: شـــــــــروط النـــــهضة (مالك بن نبي)
أرسل بواسطة: ماما هادية في 2014-04-16, 10:38:30
الا يمكنك اذا وجدت الكراسة ان تصوري الصفحات الباقية؟ ثم نرى من يتطوع لطباعتها ؟
كم بقي من تلخيص الكتاب لم ينشر؟
العنوان: رد: شـــــــــروط النـــــهضة (مالك بن نبي)
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2014-04-17, 09:15:20
الا يمكنك اذا وجدت الكراسة ان تصوري الصفحات الباقية؟ ثم نرى من يتطوع لطباعتها ؟
كم بقي من تلخيص الكتاب لم ينشر؟


الكراسة حتى الساعة لا وجود لها. أسأل الله التيسير
العنوان: رد: شـــــــــروط النـــــهضة (مالك بن نبي)
أرسل بواسطة: ماما هادية في 2014-04-18, 15:12:24
 :emo: :emo: