المحرر موضوع: شـــــــــروط النـــــهضة (مالك بن نبي)  (زيارة 40172 مرات)

0 الأعضاء و 2 ضيوف يشاهدون هذا الموضوع.

حازرلي أسماء

  • زائر
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

هذا الكتاب واحد من سلسلة كتب منضوية تحت الهدف ذاته سماها صاحبها المفكر الإسلامي الجزائري مالك بن نبي  
"مشكلات الحضارة" ، والتي حفر فيها حول مشاكل العالم الإسلامي، كاشفا النقاب، كاسرا حاجز الصمت والخوف، واللامبالاة، منطلقا إلى المواجهة والبحث والتنقيب، معتمدا المنهجية الفكرية والبحثيّة، والتحليلية، والواقعية والموضوعية في الطرح،  محاولا  بتحليله المنهجي، وتشريحه العلمي للوضع الاجتماعي ، تبيين الأسباب الجذرية لما آل إليه حال العالم الإسلامي، ومحاولا وضع الحلول بأسلوب منهجي، وطرح فكري عميق ....

جاء من ضمن كتب هذه السلسلة، كتابه هذا الذي بين أيدينا "شروط النهضة " والذي يعتبر من أهمّ كتب السلسلة، ومن أثقلها وزنا، والذي سأحاول بإذن العلي القدير وضع ملخّص عن فصوله.

أعود قريبا بإذن الله تعالى  emo (30):

غير متصل نور السماء

  • شباب نشيط
  • **
  • مشاركة: 491
  • الجنس: أنثى
  • اللهم فرج كرب المسلمين
منتظراكى يا ابلة اسماء
حقاً انى لا اعرف شيئاً عن المفكر الاسلامى "مالك بن نبى"
لكن اشتقت ان اعرف اسلوبه من وصفك .
emo (30):
طبيعة التعبير الجميل تشب النار المقدسة فى سرائرنا
فتصهر معادن الجمال من هذه الدنيا وتفرغها فى قوالب حسناء من صنع قرائحنا وألسنتنا ،
أو صنع قرائحنا وأيدينا ، أو صنع قرائحنا وأوصالنا ،
تدعونا إلى الحلول من الكون فى متحف كبير .

زينب الباحثة

  • زائر
كااان نفسي أقرئه منذ زمن .. وإن شاء الله سأشتري كتبه ما إن أتيحت لي الفرصة (مغتربة أختكم)

جزاك الله كل خير أختي أسماء ..


حازرلي أسماء

  • زائر
أهلا وسهلا بكما نور السماء وزينب... تسعدني متابعتكما  ::)smile:

زينب هل لي أن أعرف في أي بلد أنت ؟؟ emo (30):

في المداخلة الموالية الجزء الأول من التلخيص  emo (30):

حازرلي أسماء

  • زائر
 

بوّب مالك بن نبي  كتابه ببابين اثنين :

الباب الأول: الحاضر والتاريخ .
الباب الثاني : المســــتقبل


وذلك في علاقة بيّنة لا تُغفَل بين الأبعاد الثلاثة ، البعد التاريخي، والبعد الحاضر والبعد المستقبلي، وعن ذلك يقول مالك بن نبي:

"ما الحضارات المعاصرة، والحضارات الضاربة في ظلام الماضي، والحضارات المستقبلة إلا عناصر للملحمة الإنسانية منذ فجر القرون إلى نهاية الزمن، فهي حلقات لسلسلة واحدة تؤلف الملحمة البشرية منذ أن هبط آدم على الأرض إلى آخر وريث له فيها، ويالها من سلسلة من النور ..."

الباب الأول : الحاضر والتاريخ

في هذا الباب يبيّن  أدوار ثلاثة عوامل وتأثيرها في تاريخ الشعوب وحاضرها  :

دور الأبــــــــــــــــــطال.
دور الفكرة والسياسة.
دور الوثــــــــــــــــــنيّة .



دور الأبــــــــــــــــطال : في هذا العنصر يبين مالك بن نبي أنّ العهود التي كانت فيها الملاحم والبطولات المختلفة لم تكن هي العهود التي وجهت فيها الشعوب طاقاتها نحو أهدافها الواقعية ونحو تقدمها وبروز دورها الحضاري، وأن جهود أبطال تلك الملاحم لم تكن في غالبها إلا ابتغاء اكتساب مجد شخصي، أو ابتغاء تحقيق طموح، أو لإرضاء عقيدة، فلم يكن طريق الخلاص الواقعي لشعوبهم  بيّنا في طريقهم البطولي الذي شقّوه، ثم يُسقط مالك بن نبي طبيعة هذا الدور البطولي الذي في عادته لا يبحث عن السبب الجذري للمشكلة لإيجاد الحل الأصيل على حال الشعوب الإسلامية إبان القرن التاسع عشر والربع الأول من القرن العشرين أمام الزحف الاستعماري، فلا يراه إلا دورا بطوليا لم يبحث في الأسباب الرئيسة والواقعية التي مهّدت للاستعمار ليواجهها ويجد حلّها، ويرى أنّ هذه الملاحم في حقيقتها إذ لم تؤدّ رسالة ولم تترك رسالة فهي أقرب للأسطورة والحلم منها إلى الحقيقة والتاريخ، لأن العمل التاريخي تصنعه الرسالة المؤداة .

وعلى هذا يرى مالك بن نبي أنّ مشكلة الشعوب في جوهرها هي مشكلة حضارتها، وحتى يفهم الشعب مشكلته وأسبابها ويعرف حلها الصحيح، لا بدّ من تطلّع فكره إلى فهم العوامل التي تبني الحضارات أو تهدّها، بتطلعه إلى الأحداث الإنسانية المتعاقبة، ذلك أنّ حلقات الماضي والحاضر والمستقبل لا تنفصم في سلسلة متصلة تشكل الملحمة الإنسانية منذ بدء الخلق إلى نهايته ونهاية الدنيا، وبذلك وجَبَ تطلّع الفكر إلى دراسة التاريخ ومعرفة وتحليل أحداثه، واستقراء الحاضر على ضوئه، واستشراف المستقبل .

وهو قوله الذي أسلفنا :
"ما الحضارات المعاصرة، والحضارات الضاربة في ظلام الماضي، والحضارات المستقبلة إلا عناصر للملحمة الإنسانية منذ فجر القرون إلى نهاية الزمن، فهي حلقات لسلسلة واحدة تؤلف الملحمة البشرية منذ أن هبط آدم على الأرض إلى آخر وريث له فيها، ويالها من سلسلة من النور ..."

وبهذا التطلع الفكري إلى الأحداث الإنسانية المتعاقبة، وبهذا التعمق في دراسة عوامل قيام حضارة، وعوامل سقوط أخرى، يؤدي الشعب دوره بانبعاثه حلقة في سلسلة الحضارات، وتدقّ ساعة البعث معلنة عن قيام حضارة أو مؤذنة بسقوط أخرى .

ويضرب الكاتب مثلا قريبا عايشه بالجزائر، عام 1830 مع بداية عهدها بالاستعمار الذي سبقه نوم عميق غطّ فيه شعبها لزمن طويل، والتاريخ لا يلتفت للأمم النائمة، وإنما يتركها لأحلامها التي تَطْرَبُ لها باستحضار بطولات أبطالها الذين كانوا يظهرون بين الحين والحين مثل فرس الأمير عبد القادر الوثّاب الذي كان أشبه بالشبح الذي ما يكاد يظهر حتى يختفي، وعدد من الأبطال الذين قاموا واتحدوا فيما يشبه وحدة رسالة تجمعهم الرابطة القبلية والتي لم تكن كافية لأن يؤدي الشعب رسالة تاريخية، ويصدر التاريخ قراره بأن الشعب الذي لا يقوم بدوره التاريخي في السلسلة الإنسانية لا بدّ أن يخضع ويذلّ .

ولكنّ هؤلاء الأبطال والمجاهدين من أبناء القبائل التي كتب لها الخلود بما أوتيت من روح رفعتها فوق الهاوية، كانت أبقى من تلك القبائل الأمريكية التي كانت قبل كرستوف كولومب والتي أضحت طيّ النسيان، واندحرت، وذهبت ريحها، فكانت أكبر دليل على أنّ الإسلام بقوته الروحية كان درعا واقيا لكل من تمسّك به ، فحافظ عليهم من معاول الأيام الهدّامة ومن دوامة المستعمر أن تبتلعهم وتذيبهم في بوتقته وينصهروا في شخصيته .


الخـــــــــــــــــــلاصة :

1- الأدوار البطولية أصوات فردية لا ترتقِي لتسجيل دور شعب في صناعة حضارة .
2- حتى يؤدي الشعب رسالته التاريخية لا بدّ أن يتطلع بفكره إلى الأحداث الإنسانية وأن يدرس عوامل قيام الحضارات وعوامل سقوطها في سلسلة الملحمة الإنسانية التي هي الأبعاد الثلاثة متصلة التاريخ، والحاضر والمستقبل.
3- العمل التاريخي الذي يسجّل للشعوب هو ما يكون عن رسالة.
4- الشعب الذي يغطّ بالنوم ولا يستفيق لدوره التاريخي  لا  يلتفت إليه التاريخ.
5- الشعب الذي لا يؤدي دوره التاريخي لا بد أن يخضع ويذلّ .
6- الإسلام وقوته الروحية درع واق ضدّ السقوط والذوبان في شخصية المستعمر .

وفي المرة القادمة نعرض لدور الفكرة والسياسة بإذن الله  فانتظرونا  emo (30):


 
« آخر تحرير: 2009-07-12, 10:01:37 بواسطة حازرلي أسماء »

غير متصل نور السماء

  • شباب نشيط
  • **
  • مشاركة: 491
  • الجنس: أنثى
  • اللهم فرج كرب المسلمين
متابعون
طبيعة التعبير الجميل تشب النار المقدسة فى سرائرنا
فتصهر معادن الجمال من هذه الدنيا وتفرغها فى قوالب حسناء من صنع قرائحنا وألسنتنا ،
أو صنع قرائحنا وأيدينا ، أو صنع قرائحنا وأوصالنا ،
تدعونا إلى الحلول من الكون فى متحف كبير .

غير متصل hasbo

  • شباب نشيط
  • **
  • مشاركة: 288
  • الجنس: ذكر
متابع باهتمام
يارب نفسى كبت مماألم فزكها ياكريم انت هاديها
هامت اليك فلما اجهدت تعبا رنت اليك فحنت قبل حاديها
ان لم تجد برشد منك فى سفر فسوف أبقى ضليلا فى الفلا تيها
فان عفوت فظنى فيك يا أملى وان سطوت فقد حلت بجانيها
[/size]



زينب الباحثة

  • زائر
مقيمة بكندا ..

لي عودة للقراءة :)

حازرلي أسماء

  • زائر
أهلا بك يا نور السماء، إذا استعصى عليك شيء فاسأليني وأنا في الخدمة لأشرح لك  ::)smile:

أهلا بمتابعتك أخي hasbo

زينب ألا توجد مكتبات تبيع كتبا عربية بكندا ؟ أعرف أختا سورية تعرفنا عليها من خلال منتدى عمرو خالد، افتتحت مكتبة ما شاء الله هناك من خلال تبرعات الإخوة من مختلف الأقطار لها بكتب إسلامية مختلفة، ووافتنا بصور المكتبة أول افتتاحها، ماما هادية تذكر موضوعها معي، ربما نبحث عن عنوانها ونزودك به يا زينب لربما استطعت الوصول إليها emo (30): 

غير متصل نور السماء

  • شباب نشيط
  • **
  • مشاركة: 491
  • الجنس: أنثى
  • اللهم فرج كرب المسلمين
أهلا بك يا نور السماء، إذا استعصى عليك شيء فاسأليني وأنا في الخدمة لأشرح لك  ::)smile:

أهلا بمتابعتك أخي hasbo

زينب ألا توجد مكتبات تبيع كتبا عربية بكندا ؟ أعرف أختا سورية تعرفنا عليها من خلال منتدى عمرو خالد، افتتحت مكتبة ما شاء الله هناك من خلال تبرعات الإخوة من مختلف الأقطار لها بكتب إسلامية مختلفة، ووافتنا بصور المكتبة أول افتتاحها، ماما هادية تذكر موضوعها معي، ربما نبحث عن عنوانها ونزودك به يا زينب لربما استطعت الوصول إليها emo (30): 

شكراً لك يا ابلة اسماء.
قد اعجبتنى هذه الافكار التى طرحها الكاتب فى كتابه
حقاً ان المصالح الشخصية لا تعمق الاصالة والكمال والعظمة لكنها الخلال التى ينفرد بها الله سبحانه وتعالى.
طبيعة التعبير الجميل تشب النار المقدسة فى سرائرنا
فتصهر معادن الجمال من هذه الدنيا وتفرغها فى قوالب حسناء من صنع قرائحنا وألسنتنا ،
أو صنع قرائحنا وأيدينا ، أو صنع قرائحنا وأوصالنا ،
تدعونا إلى الحلول من الكون فى متحف كبير .

زينب الباحثة

  • زائر
والله؟ أهي موجودة بمونتريال ؟؟

زينب الباحثة

  • زائر
جزاك الله كل خير ..

هل البامكان اعادة شرح هذه النقطة :

- الأدوار البطولية أصوات فردية لا ترتقِي لتسجيل دور شعب في صناعة حضارة

غير متصل أبو بكر

  • شباب إيجابي
  • ***
  • مشاركة: 705
  • الجنس: ذكر
  • إن تنصروا الله ينصركم و يثبت أقدامكم
:emoti_133:

ما شاء الله لا قوة إلا بالله ..
يبدو أن الكتاب رائع و المؤلف أيضاً

أكملي أخت أسماء بارك الله فيكم
اللهم انصر الأحرار في كل مكان، و أهلك كل فرعون وهامان....اللهم نصراً لليبيا وسائر بلاد المسلمين

حازرلي أسماء

  • زائر
مرحبا أهلا وسهلا بك يا أبا بكر emo (30):، نعم يا أبا بكر الكتاب رائع والمؤلف أيضا، مالك بن نبي صاحب نظريات اجتماعية تعمق في دراستها وفي تطبيقها مَن بعده من علماء الاجتماع، ولك أن تحكم بما سيأتي من مضمون الكتاب بإذن الله، أسأل الله أن ينفعنا به

زينب بخصوص المكتبة ماما هادية لم تعد لديها معلومات عنها، سأسأل لك مصدرا آخر ربما آتيك منه بالعنوان بإذن الله

طيب يا زينب بخصوص:

- الأدوار البطولية أصوات فردية لا ترتقِي لتسجيل دور شعب في صناعة حضارة...

إذا تتبعنا خَطرات الكاتب وما يطرحه من فكره، فهو يقول : "إن مشكلة كل شعب في جوهرها هي مشكلة حضارته" ، والأدوار البطولية والمتمثلة في ثورات مسلحة على نطاق صغير أو كبير مع نوم الفكر يا زينب أصوات فردية، ونهضات فردية لا تكفي لاضطلاع شعب بأكمله برسالة، ولا تكفي ليؤدي هذا الشعب رسالته،  ذلك أنّ الأدوار البطولية الكفاحية المسلحة سرعان ما تندثر مع بقاء خمول وركود ونوم عقلي، وجمود الفكرة، أما شعب تنمو الفكرة الإصلاحية بين أفراده، ويكون الصوت بانتشارها صوت شعب بأكمله، فهو شعب لا يذل ولا يخضع، ويريد مالك بن نبي أن يصل أيضا إلى القول بأنّ الأدوار البطولية هي بطبيعتها لا تحل المشكلة الأساسية للشعب، وهي لا تضرب بالجذور لتبحث في السبب الرئيس للاستعمار، وهو ما يسميه مالك بن نبي وسنراه فيما هو آت "القابلية للاستعمار" وهو يراه سببا داخليا من أنفسنا في دراسته الواقعية التي فيها المواجهة وكسر جدار الصمت وعدم الركون إلى لصق الأسباب بالمستعمر مع الغفلة عن نوم الفكرة فينا،وعدم اضطلاعنا بالرسالة. فهو يبحث عمّا يكون عامل نهضة حقيقية جذرية للشعب ، تنمحي به قابليته للاستعمار،شعب له رسالة، شعب مستيقظ، شعب لا يغطّ بالنوم يريد نهضة فكرية، أما هبّة فرد لا يزرع الفكرة الإصلاحية فيمن حوله، فهي مناجاة فردية لا تنتقل عدواها الحميدة لتصنع ثورة فكر، فما أن يظهر حتى يختفي، وكأنه الحلم الذي يظهر ويختفي... وهذه البلدان الإسلامية التي استعمرت يا زينب بين أيدينا، وبعد استقلالها، هل هي مستقلة فعلا؟؟ أي استقلال والتبعية عندنا في أدق الأمور كما في أجلّها؟؟ أما شعب له فكر، وله استقلالية فكرية، ولا يستغني عن شخصيته وثقافته، فهل سيتمسّح بثقافة غيره؟ هل سينصهر في بتوقة الآخر ؟ هل سيبقى ملاحَقا مستحمَرا (بحرف الحاء على قول محمد قطب)  ؟؟ وفيما سيأتي بإذن الله توضيح أكبر لهذه النقطة

هل توضّحت لك يا زينب ؟

نور السماء أرجو أيضا أن تستفيدي مما وضعت لزينب  emo (30):
« آخر تحرير: 2009-07-11, 16:04:47 بواسطة حازرلي أسماء »

زينب الباحثة

  • زائر
رااائع باارك الله فيك :)

غير متصل hasbo

  • شباب نشيط
  • **
  • مشاركة: 288
  • الجنس: ذكر
متابع بشدة
 
يارب نفسى كبت مماألم فزكها ياكريم انت هاديها
هامت اليك فلما اجهدت تعبا رنت اليك فحنت قبل حاديها
ان لم تجد برشد منك فى سفر فسوف أبقى ضليلا فى الفلا تيها
فان عفوت فظنى فيك يا أملى وان سطوت فقد حلت بجانيها
[/size]



حازرلي أسماء

  • زائر
أهلا بكم جميعا إخوتي ، نكمل مع الجزء الثاني من تلخيصنا بإذن الله  emo (30):

 

دور السيـــــــاسة والفــــــــــكرة :

يبدأ مالك بن نبي بتوضيح دور الكلمة إذ هي أصل الفكرة، فيرى أنّ لها دورا هاما في خلق الظاهرة الاجتماعية، فهي إذ يطلقها أحدهم، يتلقاها أفراد تستقرّ معانيها بأعماقهم، فتحوّل أصحابها إلى أفراد ذوي مبادئ ورسالة ....وهكذا كان وقع كلمة جمال الدين الأفغاني يقول مالك بن نبي :
"فقد شقّت كالمحراث في الجموع النائمة طريقها، فأحيت مَواتها، ثم ألقت وراءها بذورا لفكرة بسيطة، فكرة النهوض... "

فغيّرت كلمته ما بالشعوب الإسلامية التي أنكرت ما كانت تستحسن من أمرها، وأفاقت  تنفض عن جفونها ثقل النوم الذي غطّت فيه طويلا، فغدا الناس حتى في مظهرهم  صورة لتغيّر مخبرهم، إذ نبذوا النرجيلة والطربوش والحرز1 والزردة 2

وكعادة مالك بن نبي يضرب مثلا بالجزائر بما عايشه من مراحلها، فيرى أن مأساة الجزائر حتى سنة 1918 بقيت طيّ الصمت، وما كانت تلك الأدوار البطولية إلا مناجاة فرد لضميره لم تتعدّ لتوقظ الضمائر الأخرى فتصبح صيحات شعب بأكمله، بل كانت قصصا ممتعة ولم تكن أحداثا سجلها التاريخ، إلا أنّ مناجاة قلّة من المصلحين الذين قاموا ضدّ الخرافيين (الدراويش) كادت توقظ مَن حولها، لولا تدخّل الحكومة الاستعمارية العاملة على التصدّي "لمقلقي النوم العام" كما يراهم  المستعمر المحافظ على الهدوء لئلا يستيقظ النائمون !!!!!
فعملت على إبعادهم، ومصادرة أملاكهم وتحويلهم من مناصبهم، وظلت الأوضاع كذلك حتى إذا ظهرت الفكرة الإصلاحية حوالي عام 1925 على أيدي قادة جمعية العلماء المسلمين الجزائريين يرأسهم رائد النهضة الإسلامية بالجزائر "عبد الحميد بن باديس" تحركت المشكلة الجزائرية وقد أوتيت لسانا ينطق وفكرة تنير لها الطريق...

وبدأ شعاع الفجر ينساب بين نجوم الليل من قمة الجبل إذ بدأت معجزة البعث تتدفق من كلمات ابن باديس، فتحوّلت مناجاته الفردية إلى نقاشات ،ومحادثات وجدل وتحوّلت إلى حـــــــــــديث الــــــــــــــــشعب ...
وكأن صوت ابن باديس رجع لصدى جمال الدين بالجزائر....

ثم يستطرد الكاتب في تبيينه لدور الفكرة، ودور السياسة، وفي العلاقة الكائنة بين الفكرة والسياسة، وفي منزل كل واحدة من الأخرى، ومنزل كل واحدة من الأحداث، فيذكر موقف الحكومة الاستعمارية من جديد، كما ذكره مع القلة المصلحة قبل قليل، فيتحدث عن تكيّفها البطيئ مع الظروف الجديدة، إذ لم تفقْ لساعة يقظة الشعب، فهذا حاكم الجزائر حينها يصف الشعب بالخمول بينما واقع  أرجاء الوطن يعجّ ويموج بنشاط أفراده وحيويتهم بفعل الفكرة الإصلاحية .

يقول مالك بن نبي :
"وانطلقت الأفكار وتصارعت فمنها ما انفجر شأن فقاقيع الهواء على سطح الغلاية، وأحيانا أخرى تتحول من   حالة الجمود إلى حالة التبخّر والشيوع  في صورة مدرسة أو مسجد أو مؤسسة إصلاحية "

كما ظهر تبني النظريات الاجتماعية المختلفة التي تنمّ عنها هيئات معتنقيها، فحامل لقبعة يقفو بها أثر أتاتورك، مناديا بتحرير المرأة، ونشر التعليم المدني (اللاديني)، وبتبديل الشريعة بالقانون الوضعي، كما برزت عمائم الإصلاح  التي اتخذ أصحابها العقيدة الصحيحة منهجا، والسلف الصالح قدوة، ورغم تباين النزعات الفكرية إلا أنها جميعها توحّدت في الفرار من الخرافة إلى مكاتب العلم، ومن الخمّارات إلى أماكن أكثر طهارة ...

وكانت حركة الإصلاح بقيادة جمعية العلماء المسلمين تتخذ شعارا لها "إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ "-الرعد من الآية 11- ، فكانت مع دأب روادها على تشريبها للشعب في كل خطوة وفي كل مقال، و في كل مقام الأكثر تأثيرا في النفوس، وأصبحت شعار كل منخرط في سلك الإصلاح بمدرسة ابن باديس، فهذا يردّد في الأوساط  ضرورة تبليغ الإسلام، وهذا يدعو إلى نبذ الخرافة وما ألصق بالدين من شعوذات،وذاك يدعو إلى تعليم الدين وضرورة اقتفاء أثر السلف الصالح...

يقول مالك بن نبي أنّه تفكير سديد ذاك الذي يرى أن الحضارة كظاهرة اجتماعية تقوم في ظل الشروط والظروف نفسها التي قامت فيها الحضارة الأولى (وهنا نستحضر قوله بأنّ الشعب الذي يفهم مشكلته ويعرف حلها هو الشعب الذي يتطلع بفكره للعوامل التي أدت إلى قيام حضارات، والتي أدت إلى سقوط أخرى، وهذا أساس الفكرة الإصلاحية التي رأت ضرورة اقتفاء أثر السلف الصالح).

يبيّن مالك بن نبي من جديد ومن وحي التجربة التي عايش أحداثها ومراحلها بالجزائر أنّ الحركة الإصلاحية بقيادة جمعية العلماء المسلمين وعلى رأسهم عبد الحميد بن باديس، جنحت  إلى اللامنهجية  ساعة تركت الحكمةُ مكانها للانتهازية السياسية، ويقول في ذلك :

"على أنّ من الممكن أن يؤدي هذا التفكير غير المنهجي إلى انتهازية خطيرة، وخاصة في العصور المضطربة عندما تؤدي كل خطوة خاطئة إلى الموت أحيانا. فليس للإنحراف طرق مرسومة نظريا،ولكن له دروبا مظلمة يتعثّر فيها السائر في كل خطوة"

وقد كان الجنوح إلى اللامنهجية السبب الرئيس الذي دعا قادة الحركة إلى الانضمام للقافلة السياسية التي ذهبت إلى باريس،هذا الذهاب الذي كان السبب الأكبر الذي جرّ الحركة إلى الإنحراف، يطرح مالك بن نبي حول ذلك تساؤلا عميقا هو الجواب ضمنيا :

"فبأي غنيمة أرادوا أن يرجعوا من هناك، وهم يعلمون أنّ مفتاح القضية في روح الأمة لا في مكان آخر؟"

ومالك بن نبي إذ يذكر تجربة الجزائر، فهو يتخذها مثالا قريبا، ويقول أنّ العالم الإسلامي أصيب بما أصاب الجزائر بنشأة التيارات الحزبية وانعكاس روح السموّ وقوة الصعود إلى عاطفة سفلية وجاذبية سطحية، وكان هذا الحال الذي عرف به العالم الإسلامي قبيل عام 1939 عندما أرعدت سحب الحرب في أفق العالم،  تلك الفترة التي استسلم فيها العالم الإسلامي لنوم عميق وضيّع فرصة يقظة في ساعات تاريخ فاصلة تخلصه من الاستعمار .

الـــــــــــــــــخلاصـــة :

1- للكلمة تأثيرها العميق في النفوس التي تتحول بها إلى ذوات بمبادئ ورسالة .
2- الفكرة الإصلاحية إذ تنتشر بين الناس يستفيقون بها من نومهم العميق، ويتغير ما بهم ، فينتبه الشعب إلى ضرورة أدائه لرسالته.
3- الدور البطولي مناجاة ضمير لصاحبه يشكل قصة ممتعة،ولا يشكل حدثا تاريخيا ولا يساوي صيحة شعب مستفيق ينتبه لتسجيل دوره التاريخي.
4- الحكومة الاستعمارية هيئة تسهر على عدم إقلاق النوم العام، وتتخذ إجراءاتها القمعية ضد مقلقي النوم العام من أصحاب الفكر المستيقظ والفكرة المتوثّبة.
5- نور الفكرة إذ يشعّ في الأوساط أقوى من السياسة القمعية العاملة على تخدير الشعوب، فيعمل عمله وينبثّ فيما تفشل السياسة في تقدير وفهم أثره .
6- الفكرة الإصلاحية بنورها المبثوث في النفس تخلع مسوح الخرافة والدروشة وتزيّن أصحابها بحلة العلم .
7- الفكرة الإصلاحية الإسلامية ذات القوة الروحية هي الفكرة الرائدة القائدة التي تؤثر في النفوس أكثر من كل فكرة أخرى .
8- عزم النفس على تغيير ما بها يلقي بأنواره على الجماعة ليتغير حالها من النوم إلى اليقظة ومن الذل إلى العزة، ومن الوهم إلى الحقيقة، ومن القصة الأسطورية إلى الدور التاريخي ذي الرسالة .
9- الحضارة كظاهرة اجتماعية تقوم في الظروف والشروط نفسها التي قامت فيها الحضارة الأولى ، وهذه قاعدة الظاهرة كحالة تعيد نفسها.
10- الحكمة في توسع عمل تغييرالنفوس من الداخل، ومعرفة أن موطن الداء الحقيقي هو النفس والانحراف في استجداء الحل من الخارج .


في المرة القادمة بإذن الله نعرض للعنصر الثالث "دور الوثنية"    emo (30):


_________________________________________________________________

(1) هو ما يكتبه الدراويش والمشعوذون للناس ليعلقوهم بصدورهم بدعوى انها تذهب العين أو الحسد أو الألم
(2) وليمة يقيمها رجال الطرق في حفلاتهم .



 

« آخر تحرير: 2009-07-12, 09:38:08 بواسطة حازرلي أسماء »

غير متصل hasbo

  • شباب نشيط
  • **
  • مشاركة: 288
  • الجنس: ذكر
متاااااااااااااااااااااااااااااااااااااااابعة
يارب نفسى كبت مماألم فزكها ياكريم انت هاديها
هامت اليك فلما اجهدت تعبا رنت اليك فحنت قبل حاديها
ان لم تجد برشد منك فى سفر فسوف أبقى ضليلا فى الفلا تيها
فان عفوت فظنى فيك يا أملى وان سطوت فقد حلت بجانيها
[/size]



غير متصل راجية رحمة الله

  • شباب جديد
  • *
  • مشاركة: 67
  • الجنس: أنثى
متابعون
إذا ما خلوت بريبة في ظلمة ..و النفس داعية إلى العصيان
فاخش من نظر الإله و قل لها ..إن الذي خلق الظلام يراني

غير متصل نور السماء

  • شباب نشيط
  • **
  • مشاركة: 491
  • الجنس: أنثى
  • اللهم فرج كرب المسلمين
جزاك الله خيرا ابلة اسماء emo (30):
يبدو اننى فهمت الجزء الاول فهما خطأ
ولكن فهمت الان
متابعة ان شاء الله.
طبيعة التعبير الجميل تشب النار المقدسة فى سرائرنا
فتصهر معادن الجمال من هذه الدنيا وتفرغها فى قوالب حسناء من صنع قرائحنا وألسنتنا ،
أو صنع قرائحنا وأيدينا ، أو صنع قرائحنا وأوصالنا ،
تدعونا إلى الحلول من الكون فى متحف كبير .