المحرر موضوع: شـــــــــروط النـــــهضة (مالك بن نبي)  (زيارة 40167 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

حازرلي أسماء

  • زائر
أهلا وسهلا بك ماما هادية emo (30): ... بارك الله فيك على إثارتك هذه النقطة المهمّة

ولكن في الحقيقة عند فهمنا المعمّق لكتابه "شروط النهضة " نجد إجابات عن أسئلتك ...

اسمحي لي أولا أن أنظم النقاط التي أثرتها ثم أعود لإجابتك عليها :

1- مصطلح "الحضارة المسيحية" بينما هي في الحقيقة موروث وثني عن الحضارة الرومانيّة والحضارة اليونانية  المحرّفتين .
2- نظرية أن الفكرة الدينية أساس الحضارة  بينما العديد من الحضارات المادية  قامت مع تخلّف الفكرة الدينية .

لو صبرت حتى الجزء القادم من التلخيص الذي سأنشره لربما وجدت الجواب، خاصة منه "المبدأ الأخلاقي والذوق الجمالي في بناء الحضارة"، ... لذلك أفضّل أن أنشره أولا  ثم أعود للنقاش والإجابة  . فتابعينا  emo (30):
 
« آخر تحرير: 2009-07-29, 09:29:51 بواسطة حازرلي أسماء »

غير متصل ماما هادية

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 15899
  • الجنس: أنثى
  • احفظ الله يحفظك
جزاك الله خيرا يا أسماء
ومتابعون إذن

فلا تتأخري علينا
*رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ*

حازرلي أسماء

  • زائر
ماما هادية بإذن الله سأعود قريبا للموضوع ...فالفقرات مكتوبة عندي، وأريد فقط أن أكمل كتابة كل التلخيص على الوورد ثم أنقله هنا بإذن الله ، وأنا على وشك .... قريبا فانتظرونا emo (30):

غير متصل أبو بكر

  • شباب إيجابي
  • ***
  • مشاركة: 705
  • الجنس: ذكر
  • إن تنصروا الله ينصركم و يثبت أقدامكم
بارك الله فيكم
منتظرون .... emo (30):
اللهم انصر الأحرار في كل مكان، و أهلك كل فرعون وهامان....اللهم نصراً لليبيا وسائر بلاد المسلمين

غير متصل ازهرية صغيرة

  • شباب إيجابي
  • ***
  • مشاركة: 995
  • الجنس: أنثى
منتظرون ...

بفارغ الصبر

ولاكن اخشو ان ينفز الصبر
اللهم كم عاهدناك بألا نعود.. فما كان منا إلا نقض العهود
وهانحن نعاهدك على ألا نعود، فإن عدنا فعد علينا بالمغفرة يا ودود

حازرلي أسماء

  • زائر
أهلا وسهلا بكما أبا بكر وأزهرية

لا اصبري قليلا أيضا يا أزهرية لأنّه حسب البرنامج الذي سطرت فبإذن الله تعالى قبيل بداية شهر رمضان أكون قد أكملت الموضوع

فكما أخبرتكم اخترت أن أكمل كتابة التلخيص على الوورد، ثم أنقله هنا... إضافة إلى أنني أقدمه للأعضاء بالجمعية، وسبحان الله قد أثار نقاشات مهمة جدا

أنا آتية بإذن الله فلا تقلقي يا أزهرية   ::ok::

غير متصل ازهرية صغيرة

  • شباب إيجابي
  • ***
  • مشاركة: 995
  • الجنس: أنثى
السلام عليكم

منتظرين ...

بس يريت بسرعة عشان انا بزهق

وهمشى من الموضوع لو مكملتوش
اللهم كم عاهدناك بألا نعود.. فما كان منا إلا نقض العهود
وهانحن نعاهدك على ألا نعود، فإن عدنا فعد علينا بالمغفرة يا ودود

حازرلي أسماء

  • زائر
إذن أيها الإخوة نكمل مع هذا الموضوع ... وكنا قد بلغنا فيه التفصيل حول العنصر الأول من التركيبة الحضارية (حضارة=إنسان+تراب+وقت) وهو "الإنسان"، أي دراسة مشكلة الإنسان. وقد حدّد مالك بن نبي فيه الدراسة بفكرة التوجيه التي بيّنها، وأنّ الإنسان له ثلاث قوى تأثير بالمجتمع (فكره، ماله، عمله) ولذلك هو سيبدأ بتوجيه الفكر أي "توجيه الثقافة" ثم "توجيه العمل" ثم "توجيه رأس المال"
وللاستذكار طالعوا الرابط التالي فضلا : emo (30):
http://www.ayamnal7lwa.net/forum/index.php?topic=3077.msg41920#msg41920

ماما هادية تابعي فإن لي ردا على تساؤلاتك سيأتي بمحلّه  emo (30):

ونكمل : emo (30):



يبدأ مالك بن نبي بشرح فكرة

توجـــــــــــــيه الثقافة :

قبل أن يفصّل مالك بن نبي في توجيه الثقافة يرى أنه من الضروري أولا تسليط الضوء عليها وتعريفها تعريفا يحدّدها في إطار 1-الحالة الراهنة و 2-حسب المصير المستقبلي .

1- فهو يبيّن أنّ اللحظة التي مرّ عليها خمسون عاما (الأولى من القرن العشرين) قُضيت في جهود محمودة أيقظت العالم الإسلامي من السبات وبدأت تسعى في سبيل البحث عن دوره التاريخي، وهي الفترة التي أسماها (بادرة الحضارة)  هي في الحقيقة اللحظة التي يخرج فيها الشعب من ظلمات الانحطاط ومن ثقل النوم الذي جثم على أجفانه إلى انتباهات اليقظة وأنوار المستقبل، وهي الفترة التي يسجل فيها التاريخ منعطفا هاما في دورة الحضارة، وعلى هذا يتحتم تصوّر النهضة بتخلِية العادات والتقاليد والإطار الخُلُقي الاجتماعي من كل عوامل الانحطاط والسبات لتحليتها بالعوامل الباعثة على الحياة.

ووفق هذا يقول مالك بن نبي أن الأوضاع تُحدَّد بطريقتين :

1-سلبية تفصل ن رواسب الماضي .
2-إيجابية تصل بمقتضيات المستقبل .

وهذه هي النظرية مزدوجة التحديد التي طبّقت في الحضارة الغربية ساعة حدث التحديد السلبي بالثورة ضدّ كل ما يمثّل أثرا للفكرة الإسلامية أو أثرا للكنيسة البيزنطية، كما حدث بعده التحديد الإيجابي على يد ديكارت ببعثه للمنهج التجريبي الذي طبع عصر النهضة . وكذلك طبقت الحضارة الإسلامية هذه النظرية في الوقت نفسه إذ اجتثت براثن الجاهلية، وبعثت بالمقابل الفكرة الإسلامية النقيّة، وتلك هي التخلية والتحلية .
ثم يتدرج مالك بن نبي في توضيح معالم توجيه الثقافة بادئا  بالخطوات التالية :

1- يبين أنه لا يراد بما ذكر وضع منهج جديد للتفكير وإنما المراد تحديد جوهر العناصر الضرورية للثقافة ، والتي يذكر أنها :
أ-   الدستور الخُلُقي ، ب-  الذوق الجمالي ، ج- المنطق العملي ، د- الصناعة .

2- يشير مالك بن نبي إلى أنّ الضرورة ملحّة إلى التمييز والتفريق بين معنى كلمتي "ثقافة" و"علم" لما يعرفه العالم الإسلامي من خلط كبير بين المفهومين .

ففي الغرب يعرّفون الثقافة على أنها تراث الإنسانية أي فلسفة الإنسان، بينما تُعرّف في البلاد الاشتراكية على أنها فلسفة المجتمع، وهذا ما لا يعطيها معناها العميق وإنما يطفو على السطح ويلوّح بفكرة عامة عنها، بينما يريد مالك بن نبي ربطها ربطا وثيقا بالحضارة ،  فهي نظرية في السلوك أكثر من أن تكون نظرية في المعرفة ، فيتضح بذلك الفرق بينها وبين العلم .

وحتى يلقي الضوء على ما أراده من أنها نظرية في السلوك  يضرب مثالا لرجلين من بيئة واحدة  أحدهما طبيب والآخر راع، ولرجلين آخرين يشتركان في الوظيفة الاجتماعية ذاتها ولكنهما من بيئتين مختلفتين ، فإذا سلوك الأوّلَين تجاه مشكلات الحياة متماثل، بينما يختلف سلوك الآخَرين إزاء مشكلات الحياة ، وعليه فالتماثل أو الاختلاف في السلوك ناتج عن الثقافة لا عن العلم .

3- ثم يَخلُصُ من هذا  إلى تعريف الثقافة على أنّها : "مجموعة من الصفات الخُلُقية والقيم الاجتماعية التي يتلقاها الفرد منذ ولادته، كرأسمال أولي في الوسط الذي ولد فيه، والثقافة على هذا هي المحيط الذي يشكّل فيه الفرد طباعه وشخصيته "

ويقول : "فهي المحيط الذي يعكس حضارة معيّنة، والذي يتحرك في نطاقه الإنسان المتحضّر"

وهكذا يحذّر مالك بن نبي من الحشو الحادث حتّى يستبينَ معنى الثقافة في السلوك الشخصي وأسلوب حياة المجتمع .

الحرفيّة في الثـــقافة :

تحت هذا العنوان يحذّر مالك بن نبي من حالة متفشّية مظهرها خير، ومخبرها شرّ، (وهو كعادته كما عرفناه يضرب بالعمق ولا يطفو على السطح فيبحث في جذور المشكلة ولا يغترّ بالمظهر بل يبحث عن سلامة جوهر الشيء )، وهي حالة من يسمّيهم (المتعالِمين) أو(المتعاقلين) إذ يرى أنّ داءهم على الأمة أشدّ وطءا من داء الجَهَلة والأمّيين، ذلك أنّهم يحرفون معنى الثقافة بما يرفعون من ألوية المعرفة الزائفة ، فهم لا يبتغون من طريقهم تفعيل الضمائر وإنما يتسلّقون للفوز بمناصب عليا وليصبحوا شخصيات يشار إليها بالبَنان، فقد استهدفوا بعلمهم نيل مطامعهم الشخصية ولم يستهدفوا به خدمة مجتمعهم .(وكم هو كثير هذا في وقتنا sad:()

ويقول في هؤلاء مالك بن نبي : "وجاهلُ هذا النوع لا يقوّم الأشياء بمعانيها ولا يفهم الكلمات بمراميها، وإنما بحسب حروفها، فهي تتساوى عنده إذا ما تساوت حروفها، وكلمة (لا)تساوي عنده (نعم) لو احتمل أنّ حروف الكلمتين متساوية، وكلام هذا المتعالم ليس كتهتهة الصبيّ فيها صبيانيّة وبراءة، فهو ليس متدرّجا في طريق التعلم كالصبي، وإنما تهتهة يتمثّل فيها شيخوخة وداء عضالا، فهو الصبيّ المزمن  ."

ثمّ يرى مالك بن نبي أنّ من أوليات إنزال مفهوم  الثقافة منزلته الصحيحة تحديدها كعامل يصنع التاريخ، وكنظام تربويّ لنشره في أوساط المجتمع .

نكمل في المداخلة المقبلة بإذن الله  emo (30):





« آخر تحرير: 2009-08-15, 16:41:29 بواسطة حازرلي أسماء »

حازرلي أسماء

  • زائر


تحديد معنى الثقافة في إطار التاريخ وفي الإطار التربوي :

يحدّد معناها التاريخي بأنها المحيط الذي يحيط بالإنسان والإطار الذي يتحرّك داخله، يغذي الحضارة في أحشائه، وأنّها هي الوسط الذي تتكوّن فيه جميع خصائص المجتمع المتحضّر شاملا كل فئاته ومستويات أفراده، وهي بذلك جملة العادات المتجانسة، والعبقريّات المتقاربة، والتقاليد المتكاملة، والأذواق المتناسبة، والعواطف المتشابهة، فهي سمة الحضارة، وهكذا يتركب التاريخ .

أما معناها في التربية فيحدّد مالك بن نبي هدفها ووسائل نشرها وتطبيقها، فأما هدفها فهو وجوب صنعها لدستور تتطلبه الحياة العامة في إطار واحد يجمع بين راعي الغنم والعالِم، وهذا دورها على مستوى المجتمع، وأما دورها على المستوى الفردي، فهو اهتمامها بكل طبقة بما يناسب وظيفتها ، ثم يضرب مثالا لوظيفتها ودورها التربوي بالدم المركّب أساسا من كريّات حُمر وكريات بيض، تسبح كلها في سائل البلازما ذاته، فكذلك الثقافة هي ذلك الدم الذي يغذي جسم المجتمع (حضارته) فيحمل (أفكار النخبة) كما يحمل (أفكار العامة) لتنسجم كلها في نطاق من الاستعدادات والاتجاهات الموحّدة والأذواق المتناسبة .

ثم يقسم مركبها الاجتماعي إلى عناصر أربعة أساسية هي :

1- عنصر الأخلاق لتكوين الصلات الاجتماعية .
2- عنصر الجمال لتكوين الذوق العام .
3- منطق عملي لتحديد أشكال النشاط العام .
4- الفن التطبيقي الموائم لكل نوع من أنواع المجتمع أو بتعبير (الصناعة ) الذي وضعه ابن خلدون .

وهكذا وكما رأينا لم يتطرق مالك بن نبي إلى تطبيق فكرة التوجيه التي شرحها على الثقافة حتى مرّ بنقاط أساسية تعرفها، وتبيّن معناها الصحيح :

الخــــــلاصـــــــة :

1- نظرية التحديد المزدوج، التحديد السلبي والتحديد الإيجابي، وهي نظرية التخلية من الرِِّمم القاتلة في عادات المجتمع وأسلوب حياته الماضية في عهد النوم والسبات ، وبعث معنى الحياة في أسلوب حياته الحضاري المستقبلي .
2- ضرورة التمييز بين معنيي كلمتي (علم وثقافة) ونزع اللبس الواقع بينهما، ومحاربة الخلط الحاصل في فهمهما في العالم الإسلامي .
3- انتهاؤه إلى تعريف الثقافة على أنها المحيط الذي يعكس حضارة معيّنة، والذي يتحرك في نطاقه الإنسان المتحضّر أي أنها سلوك شخصي وأسلوب حياة مجتمع .
4- التحذير مما سماه الحرفية في الثقافة وهي داء المتعالمين الذين لا يرنون إلا لمطامعهم، ولا يبتغون بمعرفتهم تحريك الضمائر من حولهم .
5- تحديد معنى الثقافة في إطار التاريخ كعامل يصنع التاريخ، وفي إطار التربية كطريقة لنشرها وتطبيقها في أوساط المجتمع لصنع إنسان مثقف متحضر .
6-الثقافة من الناحية التاريخية هي جملة العادات المتجانسة، والعبقريّات المتقاربة، والتقاليد المتكاملة، والأذواق المتناسبة، والعواطف المتشابهة، فهي سمة الحضارة .
7-معنى الثقافة التربوي أنها انسجام أفكار الفئات المختلفة لتغذية حضارة المجتمع في نطاق من الاستعدادات والاتجاهات الموحّدة والأذواق المتناسبة .
8- عناصر المركّب الثقافي الأساسية هي : أ-عنصر الأخلاق لتكوين الصلات الاجتماعية،  ب-عنصر الجمال لتكوين الذوق العام ، ج-منطق عملي لتحديد أشكال النشاط العام ،د- الفن التطبيقي الموائم لكل نوع من أنواع المجتمع أو بتعبير (الصناعة ) الذي وضعه ابن خلدون .

ثم وليطبق مالك بن نبي  فكرة التوجيه التي شرحها، يحدّده بتحديد توجيه كل عنصر من العناصر المركّبة للثقافة  كل واحد منها على حدة ، أي وكما عرفنا من فكرة التوجيه والتي هدفها تفادي تضييع الجهود والأوقات واستغلال الطاقات المتاحة وتسييرها بأحسن الطرق وفي أحسن الظروف بما يوائم كل طاقة .

فيَعرِض أول ما يَعرِض للتوجيه الأخلاقي ...والذي سنفصّله في مداخلتنا المقبلة . emo (30):

« آخر تحرير: 2009-08-15, 16:55:31 بواسطة حازرلي أسماء »

حازرلي أسماء

  • زائر




إذن ليطبق مالك بن نبي  فكرة التوجيه التي شرحها، يحدّده بتحديد توجيه كل عنصر من العناصر المركّبة للثقافة  كل واحد منها على حدة ، أي وكما عرفنا من فكرة التوجيه والتي هدفها تفادي تضييع الجهود والأوقات واستغلال الطاقات المتاحة وتسييرها بأحسن الطرق وفي أحسن الظروف بما يوائم كل طاقة .

فيَعرِض أول ما يَعرِض للتوجيه الأخلاقي ...والذي سنفصّله في مداخلتنا المقبلة .

التوجيـــه الأخلاقي :

يريد مالك بن نبي  بحديثه عن الأخلاق أن يوضّح القوة التي يتحقق بها التماسك بين أفراد المجتمع، والإنسان بالغريزة الكامنة فيه، غريزة (الحياة في جماعة) يكوّن المجتمع ، أما المجتمع الذي ينشد حضارة فهو يهذّب هذه الغريزة بالروح الخُلُقية السامية ، وهذه الروح الخلقية مصدرها ميلاد الحضارات بالدين .

يقول تعالى : " وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مَّا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ" الأنفال -63-

ثم يؤكد مالك بن نبي على أن هذا التماسك الذي تحققه الروح الخُلُقية التي تبعثها الفكرة الدينية إنما هو أساس المظاهر المدنيّة للحضارة الغربية، مبينا قصور النظرة التي تحكم على تلك المظاهر وكأنها وليدة تلك اللحظة التي التفتت إليها الأنظار فيها، بينما الأصل أن التاريخ يتطور والرجوع بالمظهر إلى أصل نشأته يبين أثر الفكرة الدينية والعلاقات الاجتماعية المبنيّة على الأساس الخلقي المنبث من روحها في بداية نشأتها .

فيتناول بالدراسة كمثالين "الراديو" الذي ما هو في حقيقته إلا أصل جهود علماء مجتمعين من بلاد مختلفة ألفت بينهم الرابطة المسيحية التي بعثت الحضارة الغربية منذ عهد شارلومان، وأيضا مثال حضانة الأطفال المدنية بفرنسا وما جذورها إلا دينية أرساها قديس كفكرة مهتمّا بإنقاذ الأطفال المشرّدين ...

ويعود إلى الحضارة الإسلامية ليذكر قوة التماسك التي عُرِفت من الأخلاق الإسلامية الداعية إلى الوحدة والترابط .
يقول مالك بن نبي : "إن قوة التماسك الضرورية للمجتمع الإسلامي موجودة بكل وضوح في الإسلام ، ولكن أي إسلام ؟ الإسلام المتحرك في عقولنا وسلوكنا والمنبعث في صورة إسلام اجتماعي . وقوة التماسك هذه جديرة بأن تؤلف لنا حضارتنا المنشودة ، وفي يدها –ضمانا لذلك- تجربة عمرها ألف عام، وحضارة ولدت على أرض قاحلة، وسط البَدو رجال الفطرة والصحراء ".



التوجــــــــيه الجمالي :

يستهلّ مالك بن نبي توضيحه لفكرة توجيه هذا العنصر من المركب الثقافي بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم :
"لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كِبر . قال رجل : إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنا ونعله حسنة، قال: إن الله جميل يحبّ الجمال . الكبر بطر الحقّ وغمط الناس " رواه مسلم 1/193 الحديث 147 أحمد 1/399 واللفظ لمسلم .

ثم يقول :

"لا يمكن لصورة قبيحة أن توحي بالخيال الجميل ، فإن لمنظرها القبيح ف يالنفس خيالا أقبح، والمجتمع الذي ينطوي على صور قبيحة ، لا بدّ أن يُظهِر أثر هذه الصور في أفكاره وأعماله ومساعيه " .

ومن هذه الفقرة نتمثل ما أراده مالك بن نبي من أنّ الأفكار وهي روح الأعمال تتولّد من الصور المحَسَّة في الإطار الاجتماعي  . يقول :
"فالجمال الموجود في الإطار الذي يشتمل على ألوان وأصوات وروائح وحركات ، وأشكال، يوحي للإنسان بأفكاره، ويطبعها بطابعه الخاص من الذوق الجميل أو السّماجة القبيحة "
كما يبين ترجمة علماء الإسلام للإحسان على أنه الصورة النفسية للجمال، ثم يضرب مثلا بطفل يلبس أسمالا بالية وثيابا مرقّعة متّسخة، ويصفه أنه يحمل في المجتمع صورة القبح والتعاسة معا، ويقول أنه واحد من ملايين السواعد والعقول التي تحرك التاريخ ولكنه لا يحرك شيئا لأن نفسه قد دفنت في أوساخه، أي أنها لم تعد جرابا للوسخ فقط بل أضحت سجنا لنفسه .

يقول مالك بن نبي : "لقد أراد الطفل من الوجهة الخُلُقية ستر عورته ، ولكنّ مرقّعاته قتلت كرامته"

وأنّ الحلّ إزاء حالته، أن نأخذه ليغتسل، ونعلمه أن الاغتسال ضرورة، وكيف يغسل ثيابه، ويحلق شعره، وكيف يقصد في مشيه، ولا يطأطئ رأسه حتى لا يظل كومة متحركة من الأوساخ بل نجد فيه صورة للفقر  والكرامة لا للقبح والمهانة .

وها هو التوجيه الجمالي، ولنقل أيضا أنه ما عناه مالك بن نبي من المعنى التربوي للثقافة من ضرورة نشرها وتطبيقها، والعنصر الجمالي قطب من أقطابها.
يرى مالك بن نبي أن تأثير الذوق الجمالي عام، يمسّ كل دقيقة من دقائق الحياة كذوقنا في الملابس والعادات وأساليب الضحك، والعطاس، وطريقة تنظيم بيوتنا وتمشيط أولادنا، ومسح أحذيتنا، وتنظيف أرجلنا .

ثم يضرب مثلا بقانون أصدر في مدينة موسكو يقضي بتغريم كل من يتسبّب في اتساخ البيئة ، فإذا إجابات كل فرد على سؤال "ما الهدف من القانون ؟ " تختلف باختلاف الوظيفة الاجتماعية، إذ يقول الطبيب أنه (الحفاظ على الصحة )، ويقول السياسي أنه (النظام)، ويقول الفنان أنه (جمال المدينة)، وكل الأجوبة صادقة على النطاق الفردي كما أنها تعبّر عن الثقافة الشيوعية أي المحيط .

يقول مالك بن نبي : "والإطار الحضاري بكل محتوياته متصل بذوق الجمال، بل إنّ الجمال هو الإطار الذي تتكوّن فيه أية حضارة ، فينبغي أن نلاحظه في نفوسنا، وأن نتمثّل في شوارعنا وبيوتنا ومقاهينا مسحة الجمال نفسها، التي يرسمها مخرج رواية في منظر سينمائي أو مسرحي. يجب أن يثيرنا أقل نشاز في الأصوات، كما يثيرنا منظر مسرحي سيئ الأداء. إن الجمال هو وجه الوطن في العالم، فلنحفظ وجهنا لكي نحفظ كرامتنا ، ونفرضَ احترامنا على جيراننا الذين نَدين لهم بالاحترام نفسه "





حازرلي أسماء

  • زائر


المنـــطق العملي :

يريد مالك بن نبي بالمنطق العملي كعنصر من عناصر الثقافة استخراج أقصى ما يمكن من الفائدة من وسائل معيّنة، فيرى أن العقل المجرّد متوافر عندنا ، بينما العقل العملي التطبيقي يكاد يكون مفقودا وقَوام العقل التطبيقي الإرادة والانتباه، ويقدّر أن حياة المسلمين تكتنفها  اللافاعليّة من خلال تضييع الوقت وعدم استغلاله لعمل مثمر، فيقول في ذلك قولا دقيقا :

"وإذا ما أردنا حصرا لهذه القضية فإننا نرى سببها الأصيل في افتقادنا الضابط الذي يربط بين عمل وهدفه ،بين سياسة ووسائلها، بين ثقافة ومُثُلها، بين فكرة وتحقيقها،فسياستنا تجهل وسائلها، وثقافتنا لا تعرف مُثُلَها العليا، وإنّ ذلك كله ليتكرّر في كل عمل نعمله وفي كل خطوة نخطوها ".

ويرى مالك بن نبي أنّ الرجل الأوروبي  يتّسم بالحركة والنشاط ، بينما الرجل المسلم لا يعرف هذه الحركة رغم أنّ القرآن يأمر بذلك في قوله : "واقصد في مشيك" "ولا تمش في الأرض مرحا "، ويرى السبب الرئيس لذلك في أنّ المجتمع المسلم لا يعيش طبقا لمبادئ القرآن ،ولا يعمل به بل الأصحّ أن يقال أنه يتكلم طبقا لمبادئ القرآن ، فالمنطق العمليّ في السلوك الإسلامي مفقود.
كما يستنتج مالك بن نبي أن المسلم لا ينقصه منطق الفكرة بل ينقصه منطق العمل إذ هو يفكّر ليتكلم ولا يفكّر ليعمل .
وهذا هو سبب العقم الاجتماعي الذي يسود المجتمع المسلم الحالم الذي لا يعتمد في حياته المنطق العمليّ .




الصّنـــــــــــــاعة :

يقول مالك بن نبي أنّ كل الفنون والمهن والقدرات وتطبيقات العلوم تدخل في مفهوم الصناعة الذي يريده، فهي للفرد وسيلة لكسب عيشه، وللمجتمع وسيلة للمحافظة على كيانه واستمرار نموّه.
أي أن "الصناعة" التي أرادها هي الفنّ التطبيقي الموائم لكل نوع من أنواع المجتمع .
كما يرى ضرورة إقامة الصناعة بما تقتضيه حاجات البلاد بإنشاء مجلس للتوجيه الفني ليحل نظريا وعمليا المشكلة الخطيرة للتربية المهنيّة ، ويرى ضرورة تكوين الفرد صاحب الرسالة وعدم اعتماده على ما يتلقى في المدارس ليقبع بين أسواره لا يعرف عن المستجدّات شيئا. يقول مالك بن نبي :
"وإن الإمكانيات البسيطة في البلاد الإسلامية لَتَسمح لنا ، بأن نصبّ هذا التحديد سريعا في واقع التاريخ وأن نكوّن القيادة الفنية التي نحتاج إليها الآن  "

وفي المداخلة المقبلة "المبدأ الأخلاقي والذوق الجمالي في بناء الحضارة " emo (30):





« آخر تحرير: 2009-08-15, 17:24:03 بواسطة حازرلي أسماء »

حازرلي أسماء

  • زائر


المبدأ الأخلاقي والذوق الجمالي في بناء الحضارة :

يبيّن مالك بن نبي دور الذوق الجمالي والمبدأ الأخلاقي في العلاقة بين الرجل والمرأة، كما في العلاقة بين الرجل والرجل، إذ أن الأولى غالبا ما تنبني على أساس سعي المرأة لأن تظهر بمظهر الجمال، وسعي الرجل على أن يظهر بمظهر القوة، وكلا المظهرين تعبير عن ذوق الجمال .

أما الثانية فتنبني على أساس من المبدأ الأخلاقي .
ويضرب للعلاقة الأولى مثالا بالمرأة من (الكونغو) إذ تشقّ شفتيها وتركب فيهما قرطا، وتلك الصينية التي تضع قدمها وهي صغيرة بقالب من حديد حتى تبقى قدمها صغيرة، وكلاهما –ورغم ما فيهما من عذاب- تجمّل وتعبير جمالي يتواءم ومنطق وسط  كل واحدة .

ومن ثمة يَخلُص مالك بن نبي إلى أنّ المجتمع مهما تكن درجة تطوّره أو بساطته فإنه ينتج بذورا أخلاقية وجمالية تتمثل في عرفه وعاداته وتقاليده ، أي فيما يسمّى (ثقافته) حتى تصبح هذه البذور الدستور الذي تقوم عليه حضارة المجتمع .

ويشير إلى أنّ الثقافة في صورتها الحيّة وحدة ذات أجزاء متماسكة تشدّها روابط تطابق أخلاق المجتمع وذوقه وتاريخه . فينطبع سلوك الفرد وأسلوب حياة المجتمع بطابع هذه الروابط .

وفي إطار هذه الروابط بين أقسام الثقافة فإن الذوق الجمالي والمبدأ الأخلاقي يجمعهما رابط يحدّد طابع الثقافة واتجاه الحضارة ، مترجما سلوك الفرد وأسلوب حياة المجتمع ، وحياة المجتمع في حقيقتها متعلقة أساسا بالمبدأ الأخلاقي وبذوق الجمال.
ثمّ يحدّد مالك بن نبي نموذج المجتمع وفقا لترتيب كل من المبدأ الأخلاقي والذوق الجمالي في الصورة الجبريّة التي وضعها:

                                    مبدأ أخلاقي + ذوق جمال = اتجاه الحضارة

وبهذا فالمجتمع الذي يتقدم فيه المبدأ الأخلاقي  هو الذي يجسّد نموذج مجتمع أخلاقيّ التوجّه (يقوم على الدوافع الأخلاقية أولا)، والمجتمع الذي يتقدم فيه الذوق الجمالي يكون مجتمعا جماليّ التوجه(يقوم على الدوافع الجمالية أولا) .

وبالتالي فإنّ تناقضات كبيرة تنشأ بين مجتمعين مختلفي الاتجاه الحضاريّ ، فهذا الذي يحقق أمرا وفق غلبة اتجاهه لا يستطيع الآخر بالمقابل تحقيقه وفق غلبة الاتجاه الآخر المعاكس للمجتمع الأول، ويدلّل على ذلك مالك بن نبي بالثقافة الغربية التي يغلب فيها الذوق الجمالي المبدأ الأخلاقي ليسوّغ مثلا تجسيد عُري المرأة في الفنّ بينما يرتدع عن ذلك المجتمع الإسلامي بحكم توجّهه الأخلاقي ، كما أنّ المجتمع الغربيّ الذي يبرز جمال المرأة في الشارع بسفورها، يعاكسه المجتمع الإسلامي الذي يسعى لستر المرأة في الشارع .

ويحلل مالك بن نبي تحليلا ثاقبا عري المرأة المسلمة على الشواطئ بتفسيره على أنه تغيير في الاتجاه الحضاري الأصيل لا تغيير للملبس .

وهكذا تكون الوراثة الاجتماعية لهذه الاتجاهات التي يحدّدها احتلال أحد العنصرين (المبدأ الأخلاقي، الذوق الجمالي) الصدارة .

تنبيه :  (هذه الآن إجابة عن سؤالك ماما هادية بخصوص مصطلح "الحضارة المسيحية" )

كما يبيّن مالك بن نبي أن الحضارة الغربية قد ورثت ذوق الجمال لا من التوراة والإنجيل بل من الحضارتين الرومانية واليونانية اللتين أدخلتا الاعتقادات الوثنية وعكّرتا صفو الفكرة الدينية المسيحية،  بينما ميراث الحضارة الإسلامية هو ذلك الشغف بالحقيقة والتي حمل لواءها الأنبياء الذين تعاقبوا .

يقول مالك بن نبي :

"فكان رواد الأولى وحملة لوائها زعماء الفنّ من فيدياس إلى ميخائيل أنجلو، بينما قادة الأخرى الأنبياء من إبراهيم إلى محمد . ومن هنا لم يكن من محض الصدفة أو من لغو الحديث أن مؤرخي النهضة الأوروبية يحددونها بأنها رجوع إلى الحضارة الرومانية اليونانية، ولقد كان لهذا الاختلاف في الأصول البعيدة للحضارتين، أثر فيما ينتجه الفكر في كل واحدة منهما . فالعبقرية الأوروبية أنتجت مناهج أدبية كتبت على رايتها خلال القرون أسماء لامعة منذ أسشيل وسوفوكل إلى راسين وبالزاك ودستويفسكي حتى برناردشو. غير أن هذه العبقرية بعيدة عن وحي التوراة والإنجيل والفرقان، وعلى العكس من ذلك فإن الأدب العربي والأدب الإسلامي بصفة عامة لم ينتج التراجيدية ولا القصة، بل لم يحاول أن ينتجهما إلا في القرن العشرين وفي صور تدعو أحيانا للأسف " .

يدلل مالك بن نبي  على الاتجاه الحضاري الذي يحكمه ترتيب أحد العنصرين وتقدّمه على العنصر الآخر بالاستعمار كظاهرة ثقافية جعلت علاقة الأوروبي بالإنسانية تطبع بطابع تقدّم فيه الذوق الجمالي على المبدأ الأخلاقي وتسمّى (ثقافة سيطرة ) . 
كذلك فإنّ اتجاه الأدب يحدّد تعارف قومِ مجتمعات الاتجاه الجمالي بنزعة (الفن للفن) بينما يحدد تعارف قوم مجتمعات الاتجاه الأخلاقي بنزعة (الأدب الملتزم).

هذه في مجملها صور للرابط الذي يجمع بين المبدأ الأخلاقي والذوق الجمالي في شكل تغلّب واحد منهما على الآخر .
وكذلك المناهج السياسية للاتجاه الحضاري الجمالي تهدف لتحرير الفرد، بينما المناهج السياسية  للاتجاه الحضاري الأخلاقي تهدف لتحقيق سعادة المجتمع .
وهكذا يؤكد مالك بن نبي على أهمية العلاقة بين مركبات الثقافة المختلفة بالقدر الذي تمثله أهمية وجود هذه العناصر المركبة للثقافة والدور الفردي لكل واحدة في تشكيلها .
يقول مالك بن نبي :
"وبهذا فإنه يتبين لنا من هذه الأسطر أن أي خلل يحدث في هذه العلاقات فإنه قد ينتهي في آخر المطاف إلى خلل في توازن الحضارة وفي كيانها"






حازرلي أسماء

  • زائر
والآن بعدما وصلنا إلى المرحلة التي أراها توضّح ما أرادته ماما هادية من تساؤلاتها، أطرح ما عندي  emo (30):

ولكن اسمحي لي أختي أسماء ان اناقش الفكرة التالية:

مناقشة:

اقتباس
ووفق هذا يتحدّث يبين أنّ  الحضارة المسيحية سارت على نفس الطريق الذي سارت عليه الحضارة الإسلامية، رغم أنّ المسيحية قد سبقت الإسلام بقرون عديدة ،

كنت قد حضرت من زمن طويل محاضرة لأستاذة استشهدت بهذا الكلام لمالك بن نبي، ولكنني من وقتها وللآن أرى أن تحليله في هذه النقطة قد جانبه الصواب، لأنه ليس هناك تاريخياً ما يسمى بحضارة مسيحية انبعثت من الفكرة الدينية المسيحية. كذلك فإن هذا الكلام لا يفسر لنا قيام كثير من الحضارات المادية رغم تخلف فكرتها الدينية، كالفرعونية والهندية واليونانية والصينية والفينيقية والآشورية وغيرها... وحضارات الأقوام الكافرة التي قص علينا القرآن قصصها كعاد وثمود مثلاً، فهي لاشك حضارات لم تنبعث من فكرة دينية إطلاقاً.

وعودة لما أسماه الكاتب بالحضارة المسيحية، وهو مصطلح منتشر في كتابات الأوروبيين رغم كذبه وبهتانه...

فتاريخيا أتباع المسيحية الحقيقية لوحقوا واضطهدوا وتفرقوا في البلاد، ثم اعتنقت الدولة الرومانية المسيحية، ولكن بعد أن حرفتها وجعلتها أقرب للوثنية منها للديانة السماوية، فأدخلت فيها فكرة الثالوث والمخلص والفداء، وألغت التشريع تماما، وجعلت الجزاء في اليوم الاخر مرتبطا بالإيمان بعقيدة الثالوث والمخلص الفادي، لا مرتبطا باتباع الشرائع، وبهذا فرغت المسيحية تماماً من معناها، والحضارة التي تبنت هذه العقيدة الجديدة ونشرتها هي حضارة مادية وثنية كانت قائمة بالفعل، وهي الحضارة الرومانية، ثم مع ازدياد انتشار الفكرة المسيحية واتساع نفوذ القساوسة والرهبان دخلت أوروبا عصورها الوسطى المظلمة، ثم كان البعث والنهضة مرتبطا بتطليق الفكرة المسيحية المحرفة والتحرر منها، والاتجاه نحو الإلحاد
هذا ما يحكيه لنا التاريخ، وهو مختلف تماما –في هذه الجزئية- عن تحليل مالك بن نبي... وإن كان لا يتناقض مع استنتاجه النهائي من ان التاريخ يترجم القاعدة القرآنية {إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم}..

 ألا ترين هذا؟


يقول مالك بن نبي :
"فكان رواد الأولى وحملة لوائها زعماء الفنّ من فيدياس إلى ميخائيل أنجلو، بينما قادة الأخرى الأنبياء من إبراهيم إلى محمد . ومن هنا لم يكن من محض الصدفة أو من لغو الحديث أن مؤرخي النهضة الأوروبية يحددونها بأنها رجوع إلى الحضارة الرومانية اليونانية، ولقد كان لهذا الاختلاف في الأصول البعيدة للحضارتين، أثر فيما ينتجه الفكر في كل واحدة منهما . فالعبقرية الأوروبية أنتجت مناهج أدبية كتبت على رايتها خلال القرون أسماء لامعة منذ أسشيل وسوفوكل إلى راسين وبالزاك ودستويفسكي حتى برناردشو. غير أن هذه العبقرية بعيدة عن وحي التوراة والإنجيل والفرقان، وعلى العكس من ذلك فإن الأدب العربي والأدب الإسلامي بصفة عامة لم ينتج التراجيدية ولا القصة، بل لم يحاول أن ينتجهما إلا في القرن العشرين وفي صور تدعو أحيانا للأسف " .

بعد هذا أحب أن أشير إلى ما أفهمه من تفريق مالك بن نبي بين مصطلحي "الحضارة المسيحية" و "الحضارة الغربية" فالحضارة المسيحية كما بين في فصل "تأثير الفكرة الدينية في الحضارة" قوامها الفكرة المسيحية والتي لم تتمكن من النفوس ساعة ميلادها، وإنما ساعة انبعاثها من جديد في النفوس في مرحلة متأخرة من بعد ظهور المسيحية، ويبين كما رأينا، مراحل هذه الحضارة التي انتقلت من مرحلة "الروح" إلى مرحلة "العقل" ومرحلة العقل بالنسبة لهذه الحضارة هي مرحلة ما اصطلح عليه بمرحلة  "النهضة الأوروبية" أو "عصر التنوير" التي سادها المنهج العقلاني الديكارتي ،وتدهور فيها دور الروح،  وهي كما بينّا مرحلة تنتشر فيها الحضارة وتتوسع، وفيها يتناقص دور (الروح) المنبثة من الفكرة الدينية وتكون في مسارها إلى السقوط .
كما بين مالك بن نبي ما وضعه كُتّاب ومحللون ومؤرخون أروبيون يتنبؤون بذلك نظرا لطغيان الغريزة على العقل والروح، إذ أن مرحلة السقوط هي مرحلة موت العقل والروح معا . وبالتالي فإن الحضارة بمعناها الحقيقي هي التي تحركها الفكرة الدينية لأنها تكون حضارة مؤسسة يؤدي فيها الشعب دوره ورسالته التاريخية، أما ما عدا ذلك فلا يعتبر حضارة وإن بدا ما بدا من المدنية لأنها في الحقيقة مظهر يخبئ الكوارث .

ثم أستحضر حديثه أيضا عن المبدأ الأخلاقي كمركب من مركبات الثقافة إذ يُرجع كل مظهر مدني في مرحلة متقدمة من التاريخ إلى أصله النابع من المبدأ الأخلاقي الذي تحدده الفكرة الدينية كالمثال الذي ضربه عن حضانة الأطفال ذات السلطة المدنية بفرنسا وأصلها الديني، وكذلك مثال اختراع الراديو كأصل علاقات ربطت بين علماء جمعتهم الرابطة المسيحية .

ثم أيضا تجدر الإشارة والتذكير بتغلب أحد العنصرين على الآخر (المبدأ الأخلاقي والذوق الجمالي) والذي وفقه يتحدد اتجاه الحضارة فإما أن تكون حضارة أخلاقية الاتجاه، أو حضارة جمالية الاتجاه، أو ما نعبر عنه بالحضارة المادية.
وكذلك مالك بن نبي يعبر عن المبدأ الأخلاقي بالحقيقة ، وضمنيا يعني أنّ الذوق الجمالي هو التعلق بالمظهر .

وبالتالي فإن مالك بن نبي في هذا- ونجد أنفسنا نتكلم بوقع عنوان الكتاب- يحدد شروط النهضة الصحيحة، فيبين التوازن الذي يجب أن يكون بتحقيق كل تلك العناصر وتلك الشروط وفق الفكرة الدينية كمحرك يوجه الحضارة توجيها صحيحا، يحافظ عليها ويحقق ديمومتها .


اقتباس
هذه في مجملها صور للرابط الذي يجمع بين المبدأ الأخلاقي والذوق الجمالي في شكل تغلّب واحد منهما على الآخر .
وكذلك المناهج السياسية للاتجاه الحضاري الجمالي تهدف لتحرير الفرد، بينما المناهج السياسية  للاتجاه الحضاري الأخلاقي تهدف لتحقيق سعادة المجتمع .
وهكذا يؤكد مالك بن نبي على أهمية العلاقة بين مركبات الثقافة المختلفة بالقدر الذي تمثله أهمية وجود هذه العناصر المركبة للثقافة والدور الفردي لكل واحدة في تشكيلها .
يقول مالك بن نبي :
"وبهذا فإنه يتبين لنا من هذه الأسطر أن أي خلل يحدث في هذه العلاقات فإنه قد ينتهي في آخر المطاف إلى خلل في توازن الحضارة وفي كيانها"

إذن فحضارة الغرب ذات الاتجاه الجمالي سعت مناهجها السياسية إلى تحقيق تحرر الفرد من المجتمع، أما ذات الاتجاه الحضاري الأخلاقي فتسعى لتحقيق سعادة المجتمع في إطار احترام المبادئ الأخلاقية المنبثقة من الفكرة الدينية، ودائما بهذا يضع مالك بن نبي الموازنة اللازمة والشروط الواجب توفيرها لتحقيق حضارة يؤدي فيها المجتمع رسالته التاريخية .
« آخر تحرير: 2009-08-15, 17:56:43 بواسطة حازرلي أسماء »

حازرلي أسماء

  • زائر


عرفنا من مالك بن نبي أنه بفكرة التوجيه التي عنى بها توحيد الجهود وحسن استغلالها وتأليفها في إطار تحقيق الهدف الواحد للمجتمع الناشئ الذي يريد بناء حضارة، أنّه في مشكلة الإنسان يحدد توجيه قِواه المؤثرة الأساسية : فكره، عمله، ماله.
فأما فيما يخصّ توجيه فكره، وهو توجيه الثقافة فقد بينه بتوجيه مركّبات الثقافة الأساسية (المبدأ الأخلاقي، الذوق الجمالي، توجيه العمل، الصناعة) وبعد ما أنهى توجيه كل مركب على حِدة، ها هو ينتقل بنا إلى توجيه القوة المؤثرة الثانية في دراسة مشكلة الإنسان:

تـــــوجيه العــــــمل

 يفتتح مالك بن نبي هذا العنصر بحديث لرسول الله صلى الله عليه وسلم :
"ما أكل أحد طعاما قط خيرا من عمل يده وإن نبي الله داود كان يأكل من عمل يده"
رواه البخاري 2/730 الحديث1966-  كنز العمال 4/8 الحديث 9223

ثم يواجه مالك بن نبي كعادته في تحديد الأمور بدراسة صورتها الواقعية الموجودة ، وكعادته في كسر جدار الصمت والمواجهة بالحقيقة ، يتحدث عن مدى الجدوى من الحديث عن توجيه شيء يكاد يكون معدوما(ويقصد به الثقافة) ، فيقول أنه لا بأس من توجيه شيء غير موجود، لأن هذا الحديث محاولة لخلقه، ومساهمة في تكوينه، وأنّ الذين يقفون عند هذا الحد لا يعملون، بل ينظرون إلى الأشياء في وضعها لا في مصيرها (وهي دعوة من مالك بن نبي إلى التفاؤل رغم كل صعوبة والعمل على إحداث التغيير، وعدم الاكتفاء بالتفرّج، وتعليق الكسل وحبّ القعود على مشجب المجتمع وسوء حاله ).

يقول مالك بن نبي أنّ العمل إنما هو وليد العناصر الأساسية المكونة للحضارة(الإنسان والتراب والوقت) ولا يكون إلا منها، وليست الخطب السياسية والوعظية هي مولّدته.
ثم يعود بالشيء إلى أصله مع بداية ظهور الفكرة الدينية (الإسلام) ببعثة محمد صلى الله عليه وسلم، حيث الصحابة يبنون أول مسجد بالمدينة، وكل وسائلهم من البساطة بحيث جسدوا فعليا الانطلاق من الزاد البسيط (التراب والوقت) وهي كما عرفناها معه باسم (العدّة الدائمة)

التي عرفها :.



اقتباس
العــــــــدّة الدائــــــمة

كما بيّن مالك بن نبي من قبل فإنّ زاد منطلق الإنسان الذي يسميه رجل الفطرة والذي يرنو لأن يصبح رجل حضارة  ليس الأملاك ولا العلماء ولا الجامعات ولا المعاهد العلمية وإنما هو تلك العناصر الأساسية الثلاثة البسيطة ،هو (الإنسان) والتراب والوقت، وقد تبيّن ذلك جليا حينما كانت تقدّر الدول المتقاتلة في الحرب العالمية خسائرها بساعات العمل وبالجهود البشرية وبمنتجات التراب ، وهكذا كلما دقّت ساعات الخطر وأذنت بالرجوع إلى القيم الأساسية استعادت الإنسانية مع عبقريتها قيمة الأشياء البسيطة التي كوّنت عظمتها .

يقول مالك بن نبي عن ذلك :
"تلك هي القيم الخالدة التي نجدها كلما وجب علينا العودة إلى بساطة الأشياء، أي في الواقع كلما تحرك رجل الفطرة وتحركت معه حضارة في التاريخ ."



يقول مالك بن نبي:"فلو أننا نظرنا إلى هذه الساحة في بساطتها، وقلة شأنها في ذلك الوقت لدعانا المشهد إلى الابتسام ، ولكن، أليس هناك قد تلقى بنّاؤو الحضارة الإسلامية دروس العمل ؟ أوليسوا هناك قد قبضول لأول مرة على عصا التاريخ؟ "

ثم يؤكد مالك بن نبي على أنّ المجتمع الناشئ لا بدّ أن يركز على الناحية التربوية في العمل ، ولا يركّز على الناحية الكسبيّة، لأن الخلط بينهما في هذه المرحلة يشكّل خللا على مجتمع في بداياته، إذ يحمّل نفسه فوق ما يطيق، ذلك أن المجتمع الذي يريد بناء حضارة انطلاقا من العدّة الدائمة ، عليه أن يلتحم شعور أفراده ويتقاسموا بؤسه ونَعماه ، ويعملوا متكاتفين متعاونين ، لا أن يكون سعيهم على المصلحة الفردية التي شعارها (كل جهد يستحق أجرا)، وهو شعار مرحلة متطورة من مسيرة حضارة المجتمع .

يقول مالك بن نبي : "إن توجيه العمل في مرحلة التكوين الاجتماعي عامّةً يعني سير الجهود الجماعية في اتجاه واحد ، بما في ذلك جهد السائل والراعي وصاحب الحرفة ، والتاجر والطالب والعامل والمرأة والمثقف والفلاح، لكي يضع كل منهم في كل يوم لبنة جديدة في البناء. فإعطاء ثلاثة حروف في الأبجدية عمل، وتقبّل هذه الحروف عمل، وإزالة أذى عن الطريق عمل، وإسداء نصح عن النظافة أو الجمال -دون أن يغضب الناصح حين لا يُصغَى لنصحه- عمل، وغرس شجرة هنا عمل، واستغلال أوقات فراغنا في مساعدة الآخرين عمل، وهكذا...    " .

فهو يرى أن توجيه العمل في المجتمع الناشئ يعني تأليف الجهود لتغيير وضع الإنسان وخلق بيئته الجديدة، التي يصبح شعارها (كسب العيش لكل فرد) ، وعلى قدر تكاثر الحِرف، والحرفيّين والفنون والفنيّين تتحسن أحوال الفرد، وكل من الشقّين مرتبط بالآخر ، وكلما تقدم التوجيه الثلاثي (توجيه الثقافة وتوجيه العمل وتوجيه رأس المال) كلما تغيّر وجه الحياة .

كما يصف مالك بن نبي اليد بأنها هي التي شقّت للإنسان طريق فكره، بعالم الأشياء التي صنعتها، وهي الوسيلة التي انبثقت منها المعجزة في صورة ما يحقّقه الإنسان لتحسين حال معيشته



« آخر تحرير: 2009-08-15, 18:16:02 بواسطة حازرلي أسماء »

حازرلي أسماء

  • زائر



تــــوجيه رأس المال :

يبدأ مالك بن نبي بتوضيح نظرته إلى رأس المال من حيث كونه آلة اجتماعية تغاير بذلك نظرة ماركس له من حيث كونه آلة سياسيّة بين يدي طبقة بورجوازيّة اضطهدت به الطبقة العاملة، وفي الوقت ذاته يبين أن مشكلة العالم الإسلامي في وقت كتابته هذا الكتاب (عام 1948) غير حالة أوروبا في تلك الفترة، إذ أنّ العالم الإسلامي لم يكوّن رأس المال بعد، وعليه فإن المشكلة فيه ليست هي المشكلة التي خلّفها رأس المال في أوروبا .

ثم يرى ضرورة التمييز بين مصطلَحَي (ثروة ورأس مال) واللذَين غالبا ما يُخلَط بين مفهومَيهما ، إذ أن الثروة هي ما يملكه الفرد ويديره في إطاره الخاص المحدود ليقضي به حاجاته الشخصية غير متحرّك ولا داخل في الدورة الاقتصادية من إقامة للصناعات الواسعة وتمويلها، وتلقّب الثروة بلقب صاحبها ، بينما ينفصل رأس المال اسما عن صاحبه ، ويعرَّف بأنه المال المتحرك الذي يتسع مجاله الاجتماعي إلى محيط أكبر من محيط الفرد وإلى حاجات أوسع من حاجاته الخاصة، وحركته هذه تتمثل في استيراد المواد الأولية من دول، والتصنيع بدول أخرى، والتوزيع في دول غيرها، مقيما بذلك شبكة العلاقات الاقتصادية ، فيخلّف حركة ونشاطا وتشغيلا للأيادي العاملة أينما حلّ .

وقد نتج عن رأس المال في أوروبا ظاهرتان هما :

1-طبقة العمّال .
2-الاستعمار للاستيراد والتصدير .

وهكذا نتج من هذا التوسع وهذه الحركة مفهوم اجتماعي سمي (الرأسمالية)، وإن ظاهرة تحويل الثروة من مفهومها الجامد البسيط إلى المفهوم المتحرك المتّسع (رأس المال) لم تحدّده من حيث الكمّ بل من حيث الكيف إذ أنّ الملايير التي لا تتحرك تبقى (ثروة)، بينما القليل المتحرك يدعى (رأس مال).

وبعد تعريفه لرأس المال، ونظرته له على أنه آلة اجتماعية لا سياسية ، وبعد التمييز بين مفهومي الثروة ورأس المال يبيّن مالك بن نبي ما يريده من فكرة توجيه رأس المال إلى جانب ما بيّنه من توجيه الثقافة وتوجيه العمل،ثم  يشير إلى ضرورة اتخاذ الحيطة في توجيه رؤوس الأموال حتى لا يقع العالم الإسلامي في مشكلة الإقطاعية التي وقعت بها أوروبا .

فيقول :
"فالقضية إنما هي قضية منهاج يحدد لنا تخطيطا مناسبا نبني عليه حياتنا الاقتصادية ، ولا يكون فيه مكان لتركيز رؤوس الأموال في أيدي فئة قليلة ، تستغل السواد الأكبر من الشعب ، بل يجب أن يتوافر فيه إسهام الشعب مهما كان فقيرا، وبذلك يتم التعادل بين طبقات المجتمع وتنسجم مصلحة الجماعة مع مصلحة الفرد "

ويختم بضرورة تكوين مجلس لتوجيه الثروة حتى تتحول إلى رأس مال .


ونكمل لاحقا فانتظرونا قريبا جدا بإذن الله  emo (30):





غير متصل أبو بكر

  • شباب إيجابي
  • ***
  • مشاركة: 705
  • الجنس: ذكر
  • إن تنصروا الله ينصركم و يثبت أقدامكم
تسجيل مرور سريع و عودة للقراءة إن شاء الله  emo (30):
اللهم انصر الأحرار في كل مكان، و أهلك كل فرعون وهامان....اللهم نصراً لليبيا وسائر بلاد المسلمين

حازرلي أسماء

  • زائر
أهلا وسهلا بك يا أبا بكر ...أكمل بإذن الله  emo (30):



كنا قد عرفنا مع مالك بن نبي الصيغة التي وضعها عن تكوين الحضارة :

حضارة = إنسان + تراب + وقت

وقد بيّن أن مشكلة الحضارة بالتالي هي مشكلة هذه العناصر الأساسية الثلاثة ، مشكلة الإنسان ومشكلة التراب ومشكلة الوقت، فأما مشكلة الإنسان فهي التي عرض لها بالتفصيل، فعرفنا فيها ارتكازه على فكرة التوجيه لتوجيه الثقافة بتوجيه كل مركب من مركباتها على حدة (المبدأ الأخلاقي، التوجيه الجمالي، التوجيه العملي، الصناعة) ثم بتوجيه العمل وأخيرا بتوجيه رأس المال ، وبهذا يكون قد استوفى حيثيات التوجيه لندخل معه الآن عنصرا جديدا يسميه :

مشكلـــــة المــــــــرأة :

في إطار تحليل مشكلات الإنسان ضمن مشكلات الحضارة يخصص مالك بن نبي فصلا عن المرأة ، ويؤكد مع هذا أنه لا يعني دراستَها بمعزل عن مشكلة الرجل، إذ أن كليهما يكونان مشكلة الفرد، ويقدم لهذا الفصل بتوضيح رؤيته إزاء الذين نصّبوا أنفسهم ذادةً عن حقوق المرأة، وأنه ليس من المجد في شيء ولا من المُجدي بمكان أن نخرج بنتائج تعطي للمرأة قيمة فوق قيمة الرجل أو أدنى منها، كما يرى في دوافع المنتصبين حماة عن حقوقها ودعاة لتحررها كما في دوافع الذين ينادون بإبعادها عن المجتمع شأنا غريزيا تمثله دعوة أدعياء تحريرها بدفعها للسفور وإبراز مفاتنها وفي ذلك ما فيه من الأسباب الظاهرة المثيرة للغرائز كما تمثله أيضا دعوة المنادين إلى إبعادها عن أداء رسالتها الاجتماعية لما في ذلك من نزعة تملّك الأنثى ، فهو بهذا التحليل لا يرى من رأيي كلا الفريقين أملا في حل مشكلة المرأة .

 أما الطريق البديل الذي يراه لحل مشكلة المرأة هو أن تصفّى من مثل هذه النزعات المتطرفة التي تنبع من سبب واحد على اختلاف طرقها، وأن يُنظَر إليها في إطار مصلحة المجتمع وليس على النطاق الفردي . فالمرأة شقّ الفرد كما أن الرجل شقّه الآخر ، وهكذا فكلاهما قطبا الإنسانية ولا غنى عن شق منهما، يقول مالك بن نبي :"فلئن كان الرجل قد أتى في مجال الفن والعلم بالمعجزات، فإن المرأة قد كونت نوابغ الرجال"

وهكذا يرى مالك بن نبي أن المشكلة تتعلق بتقدم المجتمع وتحديد مستقبله وحضارته وأنّ ما يجب أن يكون عليه حالها من تقدم لا يجب أن ينظر إليه من زاوية مصلحتها بل من زاوية مصلحة المجتمع كله ، وأن إعطاءها حقوقها على حساب المجتمع يؤدي إلى تدهورها هي ذاتها .

ثم يتطرق مالك بن نبي إلى حال المرأة المسلمة وهي تقلّد وتسير على خطى المرأة الأوروبية، ترى في ذلك حلا لمشكلتها ولتعريف دورها وأثرها في المجتمع، بينما ذلك خطأ كبير.... إذ أن مشكلتها لا محالة متعلقة علاقة عضوية بباقي مشكلات المجتمع المختلفة ثم يتساءل : هل من المفيد نزع الحجاب ؟ أو تدخين المرأة ؟ ...وغيرها من مظاهر سلوك المرأة الأوروبية فيقول : "ولكننا بشيء من النظر نرى أن انتقالنا بالمرأة من امرأة متحجبة إلى امرأة سافرة، تطالع الصحف وتنتخب وتعمل بالمصنع ، لم يحل المشكلة فهي ما تزال قائمة ، وكل الذي فعلناه أننا نقلنا المرأة من حالة إلى حالة ، وسنرى عما قريب أن انتقالنا هذا عقّد المشكلة بعد أن كانت بسيطة ، فليست حالة المرأة الأوروبية بالتي تحسد عليها ، فظهور المرأة الأوروبية في مظهر لا يخاطب في نفس الفرد إلا غريزته، أثار أخطارا جديدة كنا نود أن يكون المجتمع بمنجاة منها ..."

ثم يعرض حالين من الإفراط  والتفريط ممثَّلين في المرأة الأوروبية التي تبالغ في السفور والعُري ممثلة بذلك حال مجتمع ساده الغرام باللذة العاجلة، وفي المرأة المسلمة التي تبالغ في الانكماش والانطواء في بعض البلاد الإسلامية فيقول :

"فالأمر يجري في كلتا الحالين بين تفريط وإفراط، ومن الواجب أن توضع المرأة هنا وهناك حيث تؤدي دورها خادمة للحضارة، وملهمة لذوق الجمال وروح الأخلاق، ذلك الدور الذي بعثها الله فيه أما وزوجة للرجل  ".

ثم يلحّ مالك بن نبي على ضرورة عقد مؤتمر للمرأة يُحدَّد فيه دورها في المجتمع الإسلامي. يسيّره ويخطط له وللحلول اختصاصيون من علماء دين واجتماع ونفس وتربية ...
يقول : "وحينئذ نستطيع أن نقول أننا وضعنا المنهج الأسلم لحياة المرأة، ولسوف يكون هذا التخطيط حتما في صالح المجتمع ، لأن علماءه والمفكرين فيه هم الذين وضعوه "

ثم يتطرق إلى عمل المرأة واصفا المرأة الأوروبية التي تقلدها المرأة المسلمة وقد ألقيت في أتون المصنع والمكتب وقيل لها :"كلي من عرق جبينك" بالصورة المشوّهة للرجل دون أن تبقى امرأة ، مع ما فقدته من شعور بالعاطفة نحو الأسرة وهي المخلوقة مخزنا من العواطف .
ويقول في ذلك : "وهكذا حرم المجتمع من هذا العنصر الهام في بناء الأسرة وهو العنصر الأساسي فيها "

ويقول مالك بن نبي أنه رغم تطور المرأة وخروجها للدراسة وللأعمال المختلفة إلا أنه لا يوجد بعد تخطيط لمراحل تطوّرها ، وأنه رغم العجز عن هذا التخطيط إلا أنه لا يجب إغفال ضرورة حضور المرأة في المجتمع ، وحضورها هو درايتها بمشاكل مجتمعها وبمجريات أحداثه ، ثم يطرح السؤال : "كيف، وبأي أسلوب يمكن للمرأة المسلمة أن تقوم بدورها ؟"

ويبين أن المثقفين والعلماء والنساء كلهم مسؤولون عن إيجاد الجواب وأنه ليس بالموضوع الذي يَفصِل فيه قلم كاتب أو محلل مهما بلغت قيمة نظرته، وأن انتظار الكثيرين للجواب عن هذا السؤال تجاوزا لحدود  اقتراح عقد المؤتمر إنما هو في الحقيقة عدم تفريق بين الجانب الفنّي للمشكلة وبين جانبها الاجتماعي الذي لا يسوغ النظر والتنظير والتحليل بقدر ما يلزم التنفيذ والوصول إلى وسائل عملية لذلك .

فالمؤتمر الذي يجمع متخصصي المجتمع الإسلامي هو وسيلة من وسائل التنفيذ، إذ يتطلب (إجماع) الاختصاصيين لا وجهة نظر فردية مهما كانت قيمتها .
يقول مالك بن نبي : "والإجماع يكون إما بطريق مسايرة الظروف، وإما بتسيير الظروف نفسها، فأما الطريق الأولى فهي الطريق التي يتبعها العالم الإسلامي اليوم، لا بالنسبة لمشكلة المرأة فحسب، بل لكل مشكلاته. وأما الطريق الثانية فيكون بدَرس المشكلات ، وتعيين وسائل حلها، فوسائل حل مشكلة المرأة يجب أن تقرر في مؤتمر عام ، تصبح مقرراته دستورا لتطور المرأة في العالم الإسلامي ".


خــــــــــــــلاصــــة :

1- قضية المرأة ومشكلتها ليست بمعزل عن مشكلة الرجل .
2- التنديد بالمنادين بتحرير المرأة والمنادين بإبعادها عن المجتمع سواء بسواء .
3- طريق فريقي كل من المفَرّطين والمفرطين نابعة من دافع غريزي يحصر المرأة وقيمتها في الغريزة والجنس .
4- ضرورة حل مشكلة المرأة في نطاق مصلحة المجتمع ورسالتها فيه، لا في نطاق المصلحة الفردية للمرأة ، فمصلحة المرأة على حساب المجتمع إهدار لقيمة المرأة ذاتها .
5- خطأ وخطورة اقتفاء المرأة المسلمة لخطى المرأة الأوروبية .
6- مشكلة المرأة تسير منسجمة مع مختلف مشكلات المجتمع الأخرى واستيراد حلول لها من بيئة مغايرة خلخلة لصفوف المجتمع كله .
7- حضور المرأة المسلمة في مجتمعها بإحاطتها بمجرياته وأحداثه وفعلها فيه يكفي المجتمع تبديلها بامرأة أخرى غريبة عنه .
8- اقتراح حل مشكلة المرأة وإيجاد سبل إنفاذ طاقتها لفائدة المجتمع وتفعيل دورها فيه بإجماع اختصاصيين لا  بوجهة نظر فردية .

ونكمل قريبا جدا بإذن الله تعالى فانتظرونا  emo (30):




Al-Muslim

  • زائر
هذه المداخلة هي مسودة شخصية أضع فيها ملاحظات هامشية حتى لا أنسى شيئاً مما أريد التعليق عليه في هذا الموضوع الأكثر من رائع:

1- تبتدئ الصحوة ببطل يجرؤ على قول كلمة الحق وتتوج ببطل يقود جهود أفراد الصحوة لتحقيق التغيير، لكن البطل الحقيقي هو الأول.

2- المطالبة بالحقوق عن طريق القيام بالواجبات ومعالجة الأخطاء لا بالخطب الرنانة.

3- الحضارة تلد منتجاتها ولا تلد المنتجات الحضارة.

4- الحضارة لا تبيع منتجاتها مفرغة من روحها (أثر ذلك)

وصلت لغاية "مطابقة التاريخ للمبدأ القرآني"......

حازرلي أسماء

  • زائر
أهلا وسهلا بك أخي المسلم في هذا الموضوع الذي أسأل الله تعالى أن ننتفع به  emo (30):

لي عودة قريبة جدا بإذن الله فلم يبق من التلخيص إلا القليل

غير متصل إيمان يحيى

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 3597
  • الجنس: أنثى
  • لا يأس مع الحياة

متابعة