المحرر موضوع: من وحي كتاب  (زيارة 25664 مرات)

0 الأعضاء و 2 ضيوف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6545
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
من وحي كتاب "الإسلام هو الحل"  لرجاء جارودي

اخترت هذه المرة أن أقرأ للمفكر والفيلوسف الكبير "رجاء جارودي" أو روجيه جارودي رحمه الله تعالى، هذا المفكر والفيلسوف الفرنسي الذي اعتنق الإسلام، كان مسيحيا، اعتنق الماركسية في شبابه، تدرج في الحزب الشيوعي حتى صار عضوا باللجنة المركزية للحزب، مما سمح له بمعرفة أغوارها، وقصورها وزيفها، حتى تخلى عنها وألف كتابا ينتقدها فيه، شغل في فرنسا مناصب سامية حتى أصبح رئيسا للمجلس الوطني الفرنسي بين 56و58، وكما تبيّن له فساد الماركسية، اكتشف بعدها ضلال المسيحية والكنيسة وارتباطها بالصهيونية وأهدافها وأضاليلها. اعتنق الإسلام عام 1980، مما أحدث ضجة هائلة في أوروبا. ألف بعدها عدة كتب تعالج قضايا الحضارة الأوروبية والإسلام.

أما هذا الكتيّب الذي اطلعتُ عليه "الإسلام هو الحل"، فهو في حقيقته محتى محاضرة ألقاها بباريس حوالي سنة 1982.

يقع الكتيّب في 34 صفحة، وفي الحقيقة أهم ما استفدته منه بعض الفقرات الدقيقة التي رأيتُها تصدر من مفكر غربي الأصل، يعرف جيدا جدا أصل الحضارة الأوروبية، كما يعرف سوءاتها أكثر من أيّ كان بحكم عيشه في ظلالها، وتقلّبه بين المواقع والمعتقدات  ...

لقد عرض الكاتب لبعض خصائص الحضارة الأوروبية، وأسسها التي بُنيت عليها، وبالمقابل ذكر منهج الإسلام، وبيّن بإدراك الغربي المنتقد المنصف الفرق الشاسع بين المنهجَين، فرق تتحدد وفقه إنسانية الإنسان من حيوانيته ولا قيمته...

لقد بدأ بعرض نتائج الحضارة الغربية، كعرض لنِتاجها وحصيلتها عبر أزمنة تكوّنها وتطوّرها، فكان الوبال على كل الأصعدة، الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، فأما من الناحية الاجتماعية فتسلّح، وحروب مقابل مجاعات، وموت الملايين من أثر المجاعات، وأما على المستوى الاقتصادي فهيمنة للفردية ولمصالح أفراد معينين على العالم وعلى المال، وأما في السياسة  فالعنف، وصراعات دول ضد دول، ومصالح وميكيافيلية قذرة لا تعرف غير لغة المصالح...

**وأما في المجال الثقافي ففقدان المغزى والمعنى من الحياة بالكلية، وذلك لأن الحضارة الغربية ترتكز على نقطة عدم التفريق بين الوسيلة والغاية، فالعلم من أجل العلم، والفن من أجل الفن، والاقتصاد من أجل الاقتصاد، لا هدف، لا معنى لا مغزى للحياة ....!!

**أما العقائد، فيصف الكاتب أنهم قد فقدوا فيها معنى السلطة العلوية التي هي المصدر وهي المآل لكل شيء، والتي بها يعرف الإنسان إنسانيته، ودوره في الحياة، وغاية وجوده فيها، وبهذا فالكوكب الأرضي في طريق مسدود، وفي طريقه للانتحار.

**كما يشير الكاتب إلى جحد أوروبا لدور الحضارة الإسلامية في تكوّن الحضارة الأوروبية من أساسها، والذي هو العلم التجريبي، فادعوا أنهم لم يجدوا في التراث العلمي الإسلامي إلا نقلا عن الحضارات القديمة الإغريقية والرومانية، فيجتهد هنا الكاتب لتبيان جحودهم ونكرانهم، وادعاءاتهم، عائدا إلى أصل العلم التجريبي الذي وفره المسلمون، وقد كان العلم عند اليونانيين قديما نظريات، العلم اليوناني كان تفكيرا، بينما العلم عند العرب كان تجريبا، وأن الغرب نقل علومه ليس من إيطاليا الرومانية، بل من أسبانيا الأندلسية الإسلامية، ولكنهم لما نقلوه نقلوه مجردا عن النظرة الإسلامية التي ترجع كل شيء لله، وتجعل العلم أداة لمعرفة قدرة الله وفعله في الكون، نقلوه مجردا عن العقيدة.

** يرى بجلاء أن الأرض اليوم أحوج ما تكون للإسلام وهي في ظل تنازعات الشيوعية من جهة الاتحاد السوفيتي، والرأسمالية من جهة أمريكا، تماما كما احتاجت الأرض لنور الإسلام أيام مجيئ رسول الله صلى الله عليه وسلم في ظل القوتين العظمتين الرومانية والساسانية.
 
** نقطة دقيقة جدا يذكرها الكاتب هنا، وهو الذي ربي وشب في ظل الحضارة الغربية وتقلب بين المعتقدات، حتى وصل للإسلام واعتنقه عن اقتناع وحب، تلك هي أن القرآن الكريم يعلمنا أن نرى في الأحداث وفيما يجري على الأرض مشيئة الله تعالى، وآية من آيات وجود قوة تسيّر الطبيعة وتسيّرنا، وفعلا لتلك السلطة العلوية.

** أما عن حاجة الغرب للإسلام، فهي ماسة وأكيدة، لتتغير نظرته للحياة، وليعرف لها معنى، وليعرف التفريق بين الوسيلة والغاية، وليجعل غايته من البحث في آيات الله ف يالكون تحقيق مشيئة الله  تعالى في الأرض، ، وحتى لا تبقى الغاية من العلم والتقدم العلمي السيطرة، ومنافسة الإنسان للإنسان إلى درجة عبادة الغلبة والسيطرة، وليتعلم ألا يفصل بين العقيدة والسياسة والاقتصاد والاجتماع، وأن السلطة العلوية قائدة ومسيّرة في الكل .

**وأن الملكية المطلقة والحقيقة في الإسلام هي لله، وليس لأحد غيره، ليس كما قرره منظّرو المسيحية المشوهة من أن لويس الرابع عشر كان الموكل عن الله في الأرض.

**يشير المفكر أن استمرار فعل هذه الحضارة وسيرها في هذه الطريق قد يُودي بنتاج ثلاثة ملايين سنة بشرية.

** يرى أن الحرية في الإسلام أن نفتش عن غاية الله من خلق هذه الحياة، ونسعى لتحقيقها، كما يؤكد على خاصية الإيمان بالغيب والتي يصفها بأنها تبدأ حيث ينتهي  العقل البشري.

**   ثم يأخذ مجتمع المدينة المنورة كنموذج ومثال لالتقاء الإنسانية تحت ظل الرعاية الإلهيّة والحاكمية لله تعالى، وليس أن ما كان يجمعهم عرق، أو مصالح، أو حزب، بل لقد كانت مفتوحة للإنسانية جمعاء.

ويمكن أن أقتبس له هذه الفقرة ليتبين رأيه من أن الإسلام بذاته وقوته كفيل بحل مشاكل البشرية دونما حاجة لدمجه أو مزجه بأي نظام غيره :

"ومن الممكن استنادا إلى الوحي القرآني، أن نجد في الطريق الصحيح للإسلام حلولا للمشاكل التي تفرضها الحياة اليوم دون  أن نمزج ذلك بتقليد النماذج الأمريكية والسوفييتية أو أن نخلط بين الاتجاه نحو العصرية مع الاتجاه نحو الغرب"


 
« آخر تحرير: 2014-11-13, 13:31:27 بواسطة حازرلي أسماء »
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6545
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
من وحي كتاب "هل هو عصر الجنون"  لمصطفى محمود

كنت قد قرأت للكاتب رحمه الله قبل هذا الوقت بقليل حوالي أربعة كتب، يُلمح في اثنين منها بسهولة النزعة الصوفية للكاتب، والتي لم أكن أتصور أن تكون في الدكتور مصطفى محمود باعتباره باحثا في مجال العلوم.

وكذلك في هذا الكتاب الأخير شيء منها، ولكن موضوع الكتاب يستحق الطرق، "هل هو عصر الجنون"، وقد ذكر فيه الكاتب مظاهر عديدة لـ"جنون" هذا العصر الذي نعيشه، بل تشعر وأنت تقرأه أنه ينقّي قلبك من شوك كثير، ويُبرد شيئا من حرّ نار تضطرم داخلك من متناقضات هذا العصر الذي كتب لنا أن نعيشه.

ربما كانت بدايات الكتاب، ومقدمته -تحت عنوان "لحظة حب"- صوفيّة، وفيها من الاستشهاد ببعض شطحات الصوفيّين، ولكن النظرة العامة للكتاب تغيّر الحكم عليه. في هذه المقدّمة يتحدّث عن تجلّي الله تعالى على مخلوقاته، وفيها إغراق لا يُستساغ على أنه التعبير عن الوَجد والحب !! وأعيب على الكاتب الابتداء بمثل هذا، وإن كان يأتي في نهاية الكتاب ليعلن رفضه لشطحاتهم !!

ودعونا نلج باب الكتاب، بولوجنا موضوعه  emo (30):

يبدأ ب"حينما تكون أحبك معناها أكرهك
"

يبدأ مصطفى محمود رحمه الله بذكر مظاهر من جنون هذا العصر، وما جنونه إلا من جنون الإنسان الذي يعيشه ويجسّد مظاهره...
يبدأ بالحديث عن كلمة "أحبك" وكيف تتقلب، ويتقلب معناها من إنسان لآخر، فمن ينتحر لأنه أحب، ومن يقتلها لأنه أحبها، ومن يموت غيرة، ويدمّر حياته ويهدمها لأنه يحبها، ومن تصوّف فمن فرط حبه رأى الله في وجوه الأطفال، وفي جمال الورد ! ومن أحب المرأة لجمالها، وقال أحبها، ومن أحبها لتعينه على الجريمة، ومن أحب "تمثيلها" فقال أنه أحبّها، وكل صاحب ملّة أحب المرأة على ملّته ....ولهذا تعدّدت معاني الكلمة بتعدد أنفاس الخلائق ! فتزوج الرسام "الموديل"، وتزوج المدير السكرتيرة، وتزوج الملحن المطربة، وتزوج المخرج الممثلة .......

وأقصر حب ما كان لهدف اللحظة .



تعدد الزوجات العصري


لأن المرأة هى الرحم و هي أصل الشجرة التى تحفظ الانساب فقد كرمها الله بالوحدانية فى الحب و الزواج فالمرأة السويه لا تختار للحب و الزواج إلا واحدا، وهي إن كانت من أهل الفطرة السليمة فهي تكره التعدد وتكره أن يطأها أكثر من رجل.........أما الرجل فلأنه واضع البذرة و فى سنه الله العمار و الاثمار و الاخصاب فقد خلق الله فيه ميلا الى التعدد ليستطيع ان يبذر فى اكثر من حقل ليعطى أكثر من محصول


يصف الكاتب تبدّل الرجل، إذ رجل اليوم ليس هو رجل ذلك الزمان، ولا امرأة اليوم هي امرأة ذلك الزمان، حيث كان طبيعيا أن يكون للرجل أكثر من زوجة، ويصف امرأة اليوم بالتسلط وبالتقوّي على رجلها، حتى ليبدو أمامها المحكوم عليه، وحتى ليكره أن يفكر مجرد التفكير في تكرار خطأ حياته أن يتزوج ثانية... emo (30):

-وكما يعبر - فالرجل اليوم يكتفي بواحدة ويشبع رغبته بالتعدد بأن يتخذ له مع الواحدة "ثلاثة تلفونات" ! وحتى التلفونات لن تسلم مع امرأة تبحث في شاردته وواردته، ثم يذكر شيئا من جنون امرأة العصر، وانقلاب الحال كل الانقلاب، فتصبح هي صاحبة الهوى ! فالمرأة الثرية المتسلطة بثرائها تجعل زوجها يقبل أن يكون لها شاعر معجب، وزميل عمل، ومستشار مشاكل ...ووو، وإن لم يقبل الزوج فالباب مفتوح أمامه ...!

ويجد الكاتب عذرا للمرأة وهي تتسلط وقد أصبحت زيادة على الولادة، والأمومة والرضاع، تعمل خارج البيت، وتنفق، وتسدّد الديون، فماذا بقي لهذا الرجل إلا ذكورته، والتي يصلح لها أي ذكر غيره !!!

وإننا لنرى هذا في حياتنا رأي العين، ونتبرم منه، ونكرهه، ولكنه ينتشر انتشار النار في الهشيم، والرجل منهم قد بات يبحث عن امرأة عاملة وهو القاعد، تكفيه عناء العمل والإنفاق !

وتغيّر نبض الأسرة، وانقلب حالها، وأصبح الطلاق الشبح الذي يكثر الزيارات، وكلها مظاهر للتأخر الإنساني الذي قابل التقدم التكنولوجي !!!

وهنا يحضرني كلام سيد قطب عن الحضارة وفعلها اليوم، حضارة لا تجعل الإنسان المقياس لكل شيء، بل تجعل الأشياء مقياسا له، فغيّبت إنسانيته وأخلاقه وروحانياته وأحلّت محلّها آلية ومادية لا تليق به، ولا تلائمه ...!!
ثم يذكر أمثلة من نساء حاكمات في العالم، فيذكر أنه يخطئ من يقول أن حكم المرأة ناعم، فالمرأة عنيدة، مثابرة في صوابها وفي خطئها، وطاقتها على الإصرار في الحالين أكبر من طاقة الرجال .

ولا نملك الآن نحن الرجال الضعفاء إلا النظر حولنا في إشفاق، وإلا الدعاء بالتوفيق للعصر الحديدي الجديد، عصر المرأة القوية ربة البيت والمصنع والمجتمع . ونسأل الله الستر واللطف


 emo (30):

النار كامنة في الحجر


تحت هذا العنوان يفصّل نوعا ما في نقطة "العادات"، وأن أخطر عدو للإنسان هذه العادات التي تصبح دما مع دمه الذي يسري بشرايينه، وأن أول ما يدعو إليه المربي على طريق الله الدعوة إلى مجاهدة الإنسان نفسه، وتخليصها من هذه العادات، وركوب شهواتها، رغم ما يصحب ذلك من ألم ومن تقطّع مع الألفة التي تكونت وتراكمت مع الأيام، وفي هذا ترويض للنفس وكبح لشهواتها ولجم لأهوائها، فالمعتاد إذا لم يجد ما اعتاد عليه طار عقله، وإن وجده فهو في بحث دائم متواصل عن التغيير والتبديل والتفنن في ألوانه، الخمر، المخدّر ، المرأة والهوى.....هو دائم القلق، دائم الجوع، أما الذين ابتعدوا بأنفسهم عن الخطوات الأولى فقد نأووا بأنفسهم عن التعوّد، عن هذا المرض العضال...

وهنا يحضرني تنبيه الله تعالى في كتابه العظيم خلقَه وتحذيرهم من "خطوات الشيطان"، لأنه سبحانه يضع الوقاية قبل العلاج، يحذّر من السقوط في الخطوة الأولى، لأن النفس مجبولة على التعود وإلف الخطأ والنظر إليه على أنه العادي، ومن تعوّد فقد غرق... وهو سبحانه ينأى بنا عن الغرق، فيحذرنا من أول خطوة ....
ولا أحب أن أمر دون أن أقتبس لكم هذه الفقرة الرائعة للكاتب، فتأملوها :

إن أقوي الشهوات يمكن أن تموت وتذبل بالترك..
إن النار كامنة في الحجر ولكنها لا تخرج من كمونها إلا بقدح الحجر بالحجر قدح الذكورة بالانوثة هو الذي يولد الشرر..
إبتعد ... واهجر ... واترك ... وغض بصرك
اضرب خيمتك فى فلاة .. فاذا اشتقت .. عض على بنانك .. واصرخ وابكى وانشد الشعر ,وخر على وجهك ساجدا,واطلب من ربك المدد واشتغل بالصلاة واعمل طول يومك فى عمل منتج مفيد .. والغاية تستحق ان تتعب من اجلها و تدمى القدم والبنان , فليس اشرف من الكمال الخلقى وقهر الهوي ورياضة النفس على الحكمة
فهل بدأت معركتك؟؟
ان لم تكن قد بدأت .. فشمر ساعديك , وابدأ من فورك قبل أن يعاجلك الأجل , فتموت حيـــــوانًا وتحشر مع الحيــــوان.


ثم يذكر كيف كان الأولون يجاهدون أنفسهم بفطمها عن الخبز والماء، وأما إنسان هذا العصر فهو يجاهدها ليفطمها عن "الجاتوه" والسجارة، واللذات المختلسة .

ونكمل لاحقا بإذن الله


« آخر تحرير: 2014-11-17, 09:27:47 بواسطة حازرلي أسماء »
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6545
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
من وحي كتاب "هل هو عصر الجنون"  لمصطفى محمود

هل هو عالم مجنون ؟


عالم حبوب منع الحمل، والقفز على كل الأخلاقيات، وفعل أي شيء باسم الحرية والتحرر، وتبدّل الأحلام ذاتها عن أحلام زمان، فمن حلمه أن يقتل رئيسا، فإذا سئل قال لأن العالم لا يسير كما يروق لي !
والإنسان لا يحدد المذهب سلوكه، بل إن طبعه هو الذي يحدد مذهبه. لفت انتباهي جدا هذا التعبير منه، وأراه حقيقة، فالإنسان الميّال للعنف وللإرهاب، سيتذرع لجرائمه وعنفه بمذهب يقول أن إيمانه به هو الذي يملي عليه أفعاله .
فالطبع الدموي الحاقد يختار المذهب الانقلابي، ماركسي مثلا، فيعطي ميوله معنى فلسفيا يغطي به على ميوله الإجرامية، ثم يستدل الكاتب على هذا بما يراه في العالم، والشيوعي يقتل الشيوعي، والماركسي يقتل الماركسي في فيتنام والصين، والمسلم يقتل المسلم . والبعثي يقتل البعثي .... كل هذا دليل واضح على أنهم كاذبون وهم يقولون باعتناقهم بمذاهب يؤمنون بمبادئها، بينما هم بعضهم أعداء بعض، وبينما هم يجعلون لميولاتهم تفسيرات فلسفية ....

ولهذا ما تكاد عصابة من هذه العصابات تنجح في قلب مظام الحكم  حتى تبدا في تصفية بعضها البعض وفي قتل قياداتها في شهوة تصفوية محمومة حتى لا يبقى على القمة الا سفاح هو اكثرهم دهاء وشراسة


انها خصائص عالم مادي وثني لا يؤمن الا باللحظة العاجلة وبما ينهب ويغنم


لقد مشى على القمر وانزل سفنا علي المريخ  وزرع الاجنة في قوارير ونقل قلوب الموتى إلى اجسام الاحياء وقضى علي امراض الجدري وشلل الاطفال والتيفوس وبنى ناطحات السحاب وخضر الصحاري وغزا الفضاء اذن كيف ينفق الوف الملايين كل يوم ليصنع القتابل وقذائف الدمار وغازات الموت ؟؟

ويتساءل عن هذا الجنون، وعن سر هذا التقلب، وهذا التناقض، وهذا الكذب المنتشر، وهل هو لغز؟، ويجيب أن الله تعالى جعل هذه النفس مذبذبة غير مستقرة، فأحيانا ترتقي لمصاف الملائكة، وأخرى تنحدر لدركات الشياطين، وأن الله أرسل أصفياءه وأنبياء بالرسالات هداة، فمن مشى على دربهم وانتهج في دنياه النهج الذي رسمه الله له فقد نجا، ومن أعرض فقد وقع في الوحل .

البواطن التي نجاهد في إخفائها هي حقائقنا وليس ما نلبس من ثياب وما نُدلي من تصريحات .
أنظر في باطنك .. وتفّكر .. وتأمّل .. وتعرّف ما تخفيه .. تعلم أين مكانك في الدنيا ..
وأين مكانك في الآخرة .


ثم يفصل أكثر ، ويضرب أمثلة على الجنون، فإذا الإنسان قد صيّر عقله في خدمة جنونه!!

لا يكفي أن يكون الواحد إسمه في البطاقة أحمد .. و أن يضع في العربة مصحفاً .. و أن يُعلِّق في عنقه سلسلة فيها لا إله إلّا الله .
فكل هذه اللافتات سوف تَشهد ضده يوم لا يُجدي إنساناً إلّا عمله .


ثم يتطرق للحديث عن التلفزيون وآثاره على الإنسان، هذا الجهاز الذي يرى الكاتب الجيد منه آسرا للإنسان، بينما يحرره الكتاب، يراه معتقلا اختياريا، يُذهب حياة المرء سُدى، ويقارن بين شباب أوروبا ذاتها، أجيال حاربت قديما وتصدت، وأجيال اليوم مرفهة ضعيفة قتل رجولتها الترف والرفاه . يتحدث عن توجيه هذا الجهاز للمفاهيم، وللمعتقدات، وللفكر ... وتحكّم الدول  في الناس من خلاله. وكمّ التحرر والخليعة والفساد الذي ينشره ...وتأثيره على أمزجة الناس، ونشره للجريمة في صفوفهم ...ثم يعمَد للحل فيقول:

يجب أن ينتصر كل منا في حربه مع نفسه أولاً ومن يخسر حربه مع نفسه يخسر في كل المياديين ولن ينجيه قانون أو نظام أو عصبة أمم فهو قد خذل جميع القوانين حينما وضع سلاحه واستسلم للهوى من أول معركة .فمن هناك لينصر الذي لم ينصر نفسه

الإنسان ذلك اللغز


يعدد تحت هذا العنوان كمّا من المتناقضات التي تصدر عن الإنسان، ذلك الحنون الذي يقيم الدنيا ولا يقعدها على قطة تُقتل، ثم يصنّع القنابل الذرية والهيدروجينية لنسف العالم، وقتل الناس بالملايين!!
وأقتبس من هذا فقرة معبرة له :

و الأقلية القليلة..
و ربما أقل من القليل.. هم أهل الكمال.. الأطهار في السر و العلن.. الأبرار يداً و قلباً و ضميراً.. أهل الثبات الذين لا يتغيرون و إن تغيرت حولهم الدنيا.. و لا يتبدلون و لو أغرتهم الغوايات و جاذبتهم المغريات.

الواحد منهم حضارة.
لو عثرت عليه في الأدغال و بين البدائيين فهو حضارة و هو قد سبق الذين مشوا على القمر.. فهو صاحب المشوار الأطول و الأشق فهو قاهر نفسه.. و هو مؤشر التقدم الحقيقي.. بين الكثرة الكثيرة التي تفعل ما لا تقول و تقول ما لا تفعل و هو الواحد الفرد المميز الذي له سحنة نفسية بين أغلبية غالبة هي على ما قلنا من الاضطراب.. ليس لها سحنة و لا وجه.. و إنما هي تتقلب مع الأحوال و الأوقات و المصالح و تتبدل مع اللحظات و تنتقل من النقيض إلى النقيض و من الموقف إلى ضدّه.

و هؤلاء هم أهل الهوى.
و أغلب الناس أهل الهوى.
و لا يقر لأهل الهوى قرار.
لأن الهوى لا يقر له قرار.

و هم مؤشر تخلف و إن لبسوا الحرير و تقنعوا بالشهادات و تفاخروا بالتكنولوجيا و الاختراعات.

فالسؤال بالنسبة للإنسان ليس ماذا جمع من مال، و لا ماذا حصّل من علم، و لا ماذا شيّد و لا ماذا اخترع.. و لكن ماذا صنع بنفسه أولا.. ذلك هو الإنجاز الأول.. و هو الأساس الذي سوف يبني عليه كل ما يأتي بعده..و هو الأساس الذي يكون به تقييم كل شيء.. و هو ما نسميه بالأخلاق.

يقول الله تعالى لمحمد عليه الصلاة و السلام في القرآن: ( و إنك لعلى خلق عظيم ). لم يقل له (( و إنك لعلى علم عظيم )).
 

ثم يعدد الكاتب شيئا من ظلمات أوروبا رغم تقدمها العلمي، وكيف أنهم أخطؤوا فهم الدنيا بظنهم أنها حلبة تسابق علمي فحسب، وأنها حلبة صراع على من الأقوى، كما أخطأ كثيرون منا فهم الدين، فزووه عن العلم وعن الدنيا، وكأنه منفصل عنها، فلم تُشفَ الأرض من أسقامها، ولو فهمنا ديننا فهما جيدا، لكنا أساتذة الدنيا نعلم الناس فيها كيف تعيش لله، وتحقق لله، وتنصر دين الله، ولا أن تعيش في الدنيا وللدنيا ....ثم يتساءل هل هو الوقت الذي تحتاج فيه أوروبا دواء الإسلام، وكيف العبور إليهم ؟

ثم تحت عنوان "دواء لكل داء" يفصّل فضل التعلق بالله تعالى، والاتصال به، وأن في ذلك الدواء لكل أدواء الإنسان،

ثم تحت عنوان "خطيئة الصوفية الكبرى"

يتبرأ الرجل من شطحات الصوفية المنحرفة، ويذكر أمثلة على مغالاتهم الشديدة التي يندى لها الجبين، إيمانهم بالحلول والاتحاد، وقولهم برؤية الله في كل شيء، بل وقول بعضهم برؤيته -حاشا جلاله سبحانه- حتى في الباطل ومنها الدعوة إلى عدم محاربة الباطل !!!! وغيرها كثير من شطحاتهم الغريييييبة، بل ويحذر حتى من أمثال ابن عربي وتلاطم أفكاره كالأمواج التي لا تستقر، وذكر عددا من المغالين الذين وصل بهم تجرؤهم على ذات الله للكفر والإلحاد وتأليه أنفسهم.مثل الحلاج الصوفي .

أما آخر عنوان له فلا أحب أن أتركه ولا أقتبسه، وكلماته رائعة تلامس شغاف القلوب :

مسرح العرائس


أشعر بالندم يا إلهي حتى نخاع العظم من أني ذكرت سواك بالأمس و هتفت بغير اسمك و طافت بخاطري كلمات غير كلماتك.
سمحت لنفسي أن أكون مرآة للسراب و مستعمرة للأشباح.
جهلت مقامي و نزلت عن رتبتي و ترجلت عن فرسي الأصيلة لأركب توافه الأمور و لأمشي مع السوقة و أزحف على بطني مع دود الأرض.

خدعني شيطاني و استدرجني إلى مسرح العرائس الذي يديره و إلى تماثيل الطين و الزجاج و الحلي المزيفة.
استدرجني إلى بيوت القماش و قصور الورق و قدمني إلى ناس يبتسمون للمصلحة و يحبون للشهوة و يقتلون للطمع و يتزاوجون للتآمر..
رجال وجوههم ملساء مدهونة و نظراتهم خائنة و لمساتهم ثعبانية و نساء تغطيهن المساحيق فلا تبدو ألوانهن الحقيقية بشرتهن مشدوة و وجوههن مكوية و خطواتهن حربائية و أيديهن تتسلل إلى القلوب يسرقن كل شيء حتى الحقائق.

عالم جذاب كذاب يضوع بالعطور و يبرق بالكلمات.. عالم لزج معسول تغوص فيه الأرجل كما يغوص النمل في العسل حتى يختنق بحلاوته و يموت بلزوجته.
و الأصوات في هذا العالم كلها هامسة مبللة بالشهوة تتسلل إلى ما تحت الجلد و تخترق الضمائر و تأكل الإيمان من الجذور.

تذكرتك يارب و أنا أمشي في هذا العالم فشعرت بالغربة و الانفصال و لم أجد أحدا أكلمه و يكلمني و أفهمه و يفهمني.. نبذوني كلهم و رفضوني كما نبذتهم و رفضتهم.. و أحسست بنفسي وحيدا غريبا مطرودا.. ملقى على رصيف أبكي كطفل يتيم بلا أم.
و سمعت في قلبي صراخا يناديك.
كانت كل خلية في بدني تتوب و تئوب و ترجع و سمعتك تقول في حنان.. لبيك عبدي..
و رأيت يدك التي ليس كمثلها شيء تلتقطني و تخرجني من نفسي إلى نفسك.
و اختفى ديكور القماش و الورق و ذاب مسرح الخدع الضوئية.
و عاد اللا شيء إلى اللا شيء.

و عدت أنا إليك.
لا إله إلا أنت.
سبحانك
و لا موجود سواك
القرب منك يضيف.
و البعد عنك يسلب.
لأنك وحدك الإيجاب المطلق.
و كل ما سواك سلب مطلق.

علمت ذلك بالمكابدة و أدركته بالمعاناة و عرفته بالدم و العرق و الدموع و مشوار الخطايا و الذنوب و أنا أقع في الحفر و أتعثر في الفخاخ.. و كلما وقعت في حفرة شعرت بيدك تخرجني بلطف و كلما أطبق عليّ فخ رأيتك تفتح لي سبيلا للنجاة.. و كلما وضعوني في الأغلال و أحكموا عليّ الوثاق شعرت بك في الوحدة و الظلمة تفك عني أغلالي و تربت على كتفي في حنان و إلهامك يهمس في خاطري.. أما كفاك ما عانيت يا عبدي.
أما اتعظت.. أما اعتبرت.. أما جاء اليوم الذي تثبت فيه قدمك و تستقر خطاك على الطريق.

فأقول باكيا.
سبحانك يارب و هل هناك تثبيت إلا بك و هل هناك تمكين إلا بإذنك.
أنت وحدك الذي أصلحت الصالحين و ثبت الثابتين و مكنت أهل التمكين.
تعطي لحكمة و تمنع لحكمة و لا تسأل عما تفعل.
شفيعي إليك صدقي.
و عذري إليك حبي للحق.
و ذريعتي إلى عفوك رغبتي في الخير.
فمن خطيئاتي نبتت الحكمة كما تنمو أزهار الياسمين من الأرض السبخة.
و من دموع ندمي علمت الناس فصدقوني حينما كلمتهم لأنهم رأوا كلماتي مغموسة بدمي و من عثراتي و سقطاتي أضأت مصباحا هاديا يجنب الناس العثرات.
و كل من عبر طريقي قلت له كلمة صدق و دللته على السلامة.

ربنا ما أتيت الذنوب جرأة مني عليك و لا تطاولا على أمرك و إنما ضعفا و قصورا حينما غلبني ترابي و غلبتني طينتي و غشيتني ظلمتي.
إنما أتيت ما سبق في علمك و ما سطرته في كتابك و ما قضى به عدلك.

رب لا أشكو و لكن أرجو.
أرجو رحمتك التي وسعت كل شيء أن تسعني.
أنت الذي وسع كرسيك السماوات و الأرض.




« آخر تحرير: 2014-11-17, 10:47:03 بواسطة حازرلي أسماء »
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6545
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
من وحي كتاب "البوصلة القرآنية" للدكتور أحمد خيري العمري

هو كاتب عراقي المولد، طبيب أسنان في الأصل، مفكر، مذهبه هو التجديد، والدعوة لقراءة جديدة في القرآن، قراءة عقليّة يربط بها القارئ بين الأسباب والمسببات، ويُسقط بها على واقعه، ولا يُكتفى بالقراءة التي يريد بها الأجر على الحروف، والدعوة لتجديد الفقه الإسلامي، بل يرى الضرورة فوق الملحّة لتجديد الفقه، ويحمل في نفسه الشيء الكثير على ما يسميه "المؤسسة التقليدية"، والتي يعني بها كتابات الفقه الإسلامي والفكر الإسلامي في عصور الانحطاط والتي تبلورت فيها رؤية تأثرت بالظروف السياسية والاجتماعية المحيطة، وجعلت من الرؤية الإسلامية رؤية متقوقعة، منكمشة، لا تقبل التجديد، والرأي الآخر كما يصف هو.

في الحقيقة كانت لي ملاحظات على الأخ الكاتب، وأنا أتابع صفحته على الفيسبوك، ولكنني لم أحبّ الحكم عليه، وعلى فكره، من قبل شيء من الاطلاع على كتاباته، وعلى ما يتمحور حوله فكرُه، فاقتنيت ، مجموعة كتب له، وهي من أهم كتبه، وشرعت بقراءة أولها "البوصلة القرآنية"، وحاولت جاهدة أن أجرّد نظرتي من أي رأي مسبق على الكاتب، وكلما هممت، بكتابة شيء أو رأي، أو نقد لما أقرأ في كتابه، تراجعت، ورأيت مواصلة القراءة لتكوين نظرة منصفة قدر ما يسع نفسي الضعيفة .

كتابه هذا ضخم، يقع في 464 صفحة. استغرق مني وقتا منذ بدأته، وحتى هذه الساعة أنا مع الصفحة 299 منه.

سأحاول إجمالا ذكر أهم ما تطرق له الكاتب، ولو أنّ بُنيته التحتيّة، ومرتَكزَه ومنطلقه ظاهر، بل شديد الظهور والبروز في كل الكتاب.

المحتوى فيه تجديد، فيه جديد، فيه غير معتاد، فيه ما قد يثير الكثيرين، وما قد يُحدث ردات فعل مختلفة حسب توجّهات القارئ، ورؤيته، مجهود واضح، غضب عارم، محاولة منه لترشيد هذا الغضب، وللموازنة رغم صيحات هي أشبه بصيحات المختنق، الذي يريد الفِكاك من يد خانقه ...!

أرضية الدكتور العمري هي الضجر والملل والضج بما يسميه "المؤسسة التقليدية"، يوضّح أن ما يعنيه ب"المؤسسة التقليدية" الدينية ليس ما يشبه سيطرة الكنيسة على الناس في عصر من العصور الأوروبية، فهي ليست مؤسسة بالمعنى الحسي، بل هي رؤية انتقلت من كتب العلماء إلى أفكار الناس، وعليها نشأ العقل والفكر المسلم، هي متوارثة ومستوطنة في العقول من أثر الدعوة لها، والتربية عليها، وهذا ما يعنيه بتأثيرها. الكتاب ثورة على هذه المؤسسة، وهو يقدّم أنّ فكره ليس بالفكر التجديدي التغريبي الذي يدعو للمس بالأصول الدينية واللهو بها، والميل بالعقول نحو التغريب، بل هو التجديد المعقول اللازم والضروري للمجتمع المسلم في عصرنا والذي ينتقد بشدّة رفض المؤسسة التقليدية له، بل ووصم صاحبه أيا كان بالأوصاف التي قد تصل إلى إخراجه من الدين، وتتهمه بالكفر، لا لشيء إلا لأنه حاول أن يخرج عن إطار رسمته، وعن خطوط حدّدتها لا تخرج عنها.

يقول أن تاريخ بداية هذا الانحطاط في الفكر الإسلامي، وفي التقعيد للفقه الإسلامي كان مع القرون التي بدأت فيها الحضارة الإسلامية في الضعف، والأفول، وأصبح للظروف السياسية التي اتسمت بالانحطاط والسيطرة على عقول الناس تأثير كبير، صنعت به لنفسها فقهاء وعلماء خدموها أكثر مما خدموا الإسلام، فقعّدوا لما يرضيها ويرضي تعطشها الدائم للبقاء في القمة.... كما يؤكد على سلامة أفكار ورؤية مَن قبلهم في القرون الأولى للحضارة الإسلامية التي شهدت أوج ازدهارها فيها، ولا ينكر جهود بعض العلماء في التصدّي للتقوقع الذي عمل له الكثيرون، من أمثال ابن تيمية الذي يصف كتاباته بالعقلانية، ولا يفوتني أن أذكر تبرؤه من الخوض في شخوص العلماء، وأنه لا يدخل في نواياهم، بل هو ينتقد الفكر على اعتبار ألا معصوم إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن عاداه يؤخذ عليه ويُرد.

سأحاول في هذه الرحلة مع ما جاء في كتابه، أن أورد رؤيته، ثم أورِد تحفظي أو رأيي أو انتقادي لبعض ما فيها، وتبقى رؤيتي شخصية، لا ألزم أحدا بها . والله المستعان .


ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6545
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
من وحي كتاب "البوصلة القرآنية" لأحمد خيري العمري

يَعرض الكاتب لأول عنصر في كتابه وهو التساؤل، يقول أن القرآن بدأ بطرح التساؤلات، وهو ما يبدو غريبا على دين، ذلك أن التساؤلات منهج الفلسفة كا تعود الناس، ولكنّ ذلك -كما يعبّر الكاتب- ينسجم مع نظرة تقليدية للدين لا تتفق مع الطبيعة التأريخية للإسلام، تتفق مع أديان سواء كانت سماوية أو غيرها ركزت على جانب روحي واستهدفت راحة معينة لأتباعها سواء في الدنيا أو في الآخرة، أما الإسلام فهو حركة حضارة عميقة، استطاعت أن تهز أركان التاريخ الإسلامي، وأن نظرة النوم المطمئن الهادئ لا يمكن أن تنسجم مع الإسلام ومع القرآن، الإسلام كان ثورة الحيوية والنشاط في العقل الإنساني على أداء ترنيمة النوم...

كل هذا جميل وحقيقي، إلى أن يتطرق بعدها إلى "إبراهيم أبو الأنبياء وأبو التساؤلات"

على أن القرآن قد اتخذ التساؤل الإبراهيمي نموذجا عريقا ومدخلا لعقول من أخذ القرآن بقوة من شباب مكة، ذلك التساؤل الإبراهيمي، ويسمي ليلة التساؤل والتي وردت أحداثها في سورة الأنعام المكية النزول "ليلة أشرق فيها العقل"
وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَاماً آلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ(74) وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ(75) فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَباً قَالَ هَـذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لا أُحِبُّ الآفِلِينَ(76) فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغاً قَالَ هَـذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي لأكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ(77) فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَـذَا رَبِّي هَـذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ(78) إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفاً وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ(79) -الأنعام-

يصفه أنه الحوار الذي كان في عمق الوعي الإنساني والتجربة البشرية بأسرها، ويصف هذا الحوار أيضا أنه مثل نضوج العقل الإنساني ومحاولته فك أسرار الخليقة اعتمادا على العقل، وأنه يمثل الحيرة والشك الموجودَيْن أمام الحياة والموت والوجود ككل، وأنه محاولة الاعتماد على العقل للخروج من هذه الحيرة، وهذا الشك .

هكذا يرى الكاتب التساؤل الإبراهيمي، ولي على هذا تعليق، ورأي، حيث أنّ التساؤل الإبرايهيمي لا يلزمني التسليم بكونه تساؤل شك أوصل إلى اليقين، وليس عليّ أن أسلّم بحجج الكاتب هنا، حتى إنه يقول عن "وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَاء إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ(83"-الأنعام- أن الحجة هنا هي "العقل" يقول أنه عقل إبراهيم المنفرد  السابق على نزول الوحي.

الحجّة حتى لغةً لن تكون بشكل من الأشكال "العقل" وإنما هي الدليل والبرهان، هي الدعوى، هي الذريعة، هي البرهان الذي غلب به إبراهيم قومَه، ولم يغلب به نفسَه... الكاتب ضدّ القول بأن إبراهيم عليه السلام هنا كان مناظرا، بل يقول أنه كان ناظرا، أي شاكا، متسائلا، باحثا....

بينما إبراهيم الذي أوتي رشده من قبل هنا مجارٍ لقومه عبدة الكواكب، مُسمِعهم حجّته، وهو ينتقل معهم من حال إلى حال، ينتقل معهم عقليا، يستنهض عقولهم هُم، يحركها، يعطيهم الحجّة، البرهان على ضلال ما هم عليه، لقد قال لأبيه آزر قبل هذه الليلة، قبل قصتها : "وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَاماً آلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ(74)" ....

وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :"نحنُ أحقُّ بالشكِّ من إبراهيمَ إذ قال : { رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي } . "-البخاري- أي أنه صلى الله عليه وسلم لم يشكّ، وإبراهيم عليه السلام أحق ألا يشك. فهل نريد أن نلوي عنق هذا الحديث الواضح ليّا يوصلنا إلى ما نريد أن نفهم نحن لا إلى ما يريد الحديث إيصاله من معنى ؟

لقد نفى الحديث الشكّ عن إبراهيم، وأولى بنا نحن أن نفهم هذا المعنى، وبالتالي فإن فهمنا أن إبراهيم لم يشكّ معزّز بشهادة رسول الله صلى الله عليه وسلم، أما الكاتب فهو يقول أن معنى الحديث، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يثبت الشك لإبراهيم بهذا ولا ينفيه، ويقول أنه بهذا الحديث يعلن أحقية المسلمين بهذا الشك، هذا الشك الإيجابي، التساؤل الذي يقود إلى الإيمان، وأن المسلمين ورثة إبراهيم الذي بدأ إيمانه من التساؤل في المكرّسات التقليدية، وأن المسلمين أحقّ بهذا الميراث من غيرهم .

فمعنى هذا أن أفهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو للشك !!! الرسول صلى الله عليه وسلم يدعو للشك! هل يستقيم هذا في أي عقل؟ هل يحث صلى الله عليه وسلم على الشك، أم أنه جاء ليذهب حيرة الشاكّين ؟ هل يكون دور رسالة الإسلام زرع الشكوك وسط الناس على اختلاف أنفسهم، وعلى تفاوت القوة والضعف في التلقي ؟ فلنتأمل فإن الحديث ورد فيه بالتحديد لفظ "الشك"، ولم يرد فيه حتى لفظ "السؤال" ليقبل على الأقل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو للسؤال ...بل لقد جاء في الحديث لفظ "الشك" تحديدا حتى يُذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كل متسائل عن حال إبراهيم عليه السلام عند سؤاله والذي قد يراه شاكا وهو يسأل، يُذهب عنه أنه شكّ، إنه جاء لينفي عنه الشك، لا ليثبته ويكرّسه، وليدعو أمته إليه وإلى توارثه .....

هذا  أمر غريب حقا لا يتسق ولا يستقيم وِفق هذا المعنى الذي أعطاه الكاتب لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، المعنى الذي يتفق وما يريد من أن إبراهيم عليه السلام كان مفتتح التساؤلات، ومفتتح عمل العقل البشري والإنساني، للخروج من ربقة الموروثات والتقليديات ....!
وأحب أن أورد هنا كلاما لأختي هادية حول هذه النقطة :

سخريته من تفسير قوله النبي صلى الله عليه وسلم (نحن أولى بالشك من إبراهيم) لا مبرر لها.. فعلا التفسير ان النبي لم يشك ولم يشرك وكذلك ابراهيم... لماذا لا يعجبه هذا؟ وهل كون الشريعة اباحت التساؤل، والله تعالى جعل التعقل والتفكر والبحث هو وسيلة الايمان، يعني انه لا بد ان يمر الجميع أولاً بمرحلة الشرك بما في ذلك الانبياء؟!!

ثم يربط تفسير المفسرين لمناظرة إبراهيم عليه السلام بالمراحل التاريخية، فيورد عددا منها، ويربط تاريخ كل مفسر، ومرحلته بما يقدم من تفسير، فيرى أن من فسر  ذلك بالنظر كان في فترة قوية من التاريخ الإسلامي تعرف للخطاب القرآني معناه الأصيل، وتعرف دور العقل في القرآن، وأن من فسرها بالمناظرة إنما كان في الفترة التي بدأت فيها الحضارة الإسلامية في الانحطاط والأفول، وفي سيطرة عوامل سياسية جعلت عددا من علماء الأمة مؤسسين لما يسميه "المؤسسة التقليدية" وهي التي تبعد المسلم عن حقل السؤال وإعمال العقل وتملي عليه الجمود ....

« آخر تحرير: 2014-11-26, 11:24:57 بواسطة حازرلي أسماء »
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6545
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
من وحي كتاب "البوصلة القرآنية" لأحمد خيري العمري.

مازلت لم أنهِ الكتاب بعد، فهو من 464صفحة، وأنا على وشك إنهائه إن شاء الله، حتى الآن أنا مع ص391 .

سأحاول الرجوع إلى الفصول السابقة الأولى في عرضنا هذا...
يستمر الكاتب مع موضوع السؤال والتساؤل، فيذكر أن القرآن مليئ بأسلوب السؤال والتساؤل، وهو قد جاء يكسر في الجاهليّ حاجزا كبيرا بالسؤال، فيضعه أمام سؤال يوم البعث، وهو الذي ينكره ولا يعترف به، فترتبط عقيدة البعث والحساب بالتساؤل، سؤال الله تعالى للإنسان عما قدّم وفعل في حياته الدنيا، سؤال يجعل عقيدة البعث والحساب لا تقتصر على الدافع والحافز في التكوين التربوي للإنسان، بل تتعدى إلى غرس عقيدة البعث والحساب بطريقة تجعل التساؤل ينمو داخل الفرد بطريقة ذاتية، فيصير التساؤل جزءا من تكوينه النفسي والتربوي.

هكذا هي رؤيته لدور السؤال في حياة الفرد المؤمن.
ثم يستطرد في موضوع السؤال، فيذكر أن الله تعالى في الخطاب القرآني، يأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بسؤال العدو" سَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَمْ آتَيْنَاهُم مِّنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ وَمَن يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللّهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُ فَإِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ(211)"-البقرة-

ويراه بهذا انفتاحا على الآخر،وأن السؤال هنا يصبح ميزة للسائل أكثر من المسؤول، لأن الإنسان عندما يستطيع أن يسأل حتى عدوه، فإن السؤال يكون قد تجذر في عمق النفس.

ثم يتقدم في موضوع السؤال ليقول أن الخطاب القرآني وهو يضع الإنسان أمام ضروب السؤال، يوجه خطابه في أحيان كثيرة، ويقدم المعرفة عن طريق السؤال من مثل قوله تعالى : "أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ(17)وَإِلَى السَّمَاء كَيْفَ رُفِعَتْ(18) وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ(19) وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ(20)"-الغاشية-

أو قوله تعالى : "أَفَرَأَيْتُم مَّا تُمْنُونَ(58) أَأَنتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ(59) "-الواقعة-

يقول الكاتب أن القرآن يكسر الرتابة التي يعيشها الإنسان، يكسرها من باب شيء قد ألفه ويعرفه معرفة التعوّد، ولكنه لا يتأمله، فيدعوه لتأمله....
في الحقيقة هنا لديّ تعليق على ما أورده، فهو يقول أن هذا النوع من السؤال تتعرض له -ما يسميها هو ولا أسميها أنا كذلك- "المؤسسة التقليدية" على أنه السؤال الاستنكاري، أو سؤال للتبكيت مستخدمة في ذلك كل الصيغ الممكنة من اللغة العربية لشرح صنف هذا السؤال، وشرح معناه، هو يضع رؤيته وفي الحقيقة لا أرى فيها أي جدّة، وهي أنّ هذه الأسئلة جاءت لتلفت انتباه الإنسان إلى تأمّل ما تعوّده ضمن أطر تجعله وكأنه هو الفاعل فيها، لتكسر له هذا لااعتقاد على أنه محاصر، فليس هو الذي يحقق بل الله تعالى، هذا إجمالا ما يعنيه في نظرته والتي يرى أنها تصدم نظرة المؤسسة التقليدية، أتساءل أنا بالمقابل وهو يدعو للسؤال ويدعو لمحاربة رافضي السؤال : أية صدمة هي هذه؟ أي جديد فيما أورد الكاتب ؟ ألم تطلعنا المؤسسة التقليدية -التي يسميها ولا ينفك يهاجمها- على هذا وأكثر منه، وأعمق ؟ هل اكتفت المؤسسة التقليدية بالجانب اللغوي دون الجانب المعنوي للخطاب القرآني؟!
 
غريب هذا المنطق عند الكاتب حقا ... بل إنك إذا طالعت التفسير الذي يورد بإسهاب عن الجانب اللغوي في التركيبات القرآنية، وجدتَ المعاني المُلفتة، المستنهضة للعقل الإنساني، التي تُبكِت لا من جانب التبكيت اللغوي وتكتفي، وإن كان معنى السؤال الاستفهامي والسؤال التقريري وسؤال التبكيت، كلها دلالات معنوية، وليست دلالات جامدة لا تدخل في صلب معاني الخطاب.

تأملوا معي تفسير ابن عاشور "التحرير والتنوير" لقوله تعالى : "أَفَرَأَيْتُم مَّا تُمْنُونَ(58) أَأَنتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ(59) "-الواقعة-  وهو التفسير الذي يُعرف فيه التطرق بإسهاب للجانب اللغوي :

أفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ (58(تفريع على { نحن خلقناكم } [ الواقعة : 57 ] ، أي خلقناكم الخلقَ الذي لم تَروه ولكنكم توقنون بأنا خلقناكم فتدبروا في خلق النسل لتعلموا أن إعادة الخلق تشبه ابتداء الخلق . وذكرت كائنات خمسة مختلفة الأحوال متحدة المآل إذ في كلها تكوين لموجود مما كان عدماً ، وفي جميعها حصول وجود متدرّج إلى أن تتقوم بها الحياة وابتدىء بإيجاد النسل من ماء ميت ، ولعله مادة الحياة بنسلكم في الأرحام من النطف تكويناً مسبوقاً بالعدم . والاستفهام للتقرير بتعيين خالق الجنين من النطفة إذ لا يسعهم إلا أن يقرّوا بأن الله خالق النسل من النطفة وذلك يستلزم قدرته على ما هو من نوع إعادة الخلق .


وإذا طالعنا تفاسير القُدامى لهذه الآيات وجدناها تزخر بالمعاني، وبالتنبيهات، وباستنهاض العقل لمعرفة عظيم ما بين يديه في قوله تعالى "فَلَا يَنظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ(17)"، لنطالع تفسير القرطبي مثلا:

قال المفسرون : لما ذكر الله عز وجل أمر أهل الدارين , تعجب الكفار من ذلك , فكذبوا وأنكروا فذكرهم الله صنعته وقدرته وأنه قادر على كل شيء , كما خلق الحيوانات والسماء والأرض . ثم ذكر الإبل أولا ; لأنها كثيرة في العرب , ولم يروا الفيلة , فنبههم جل ثناؤه على عظيم من خلقه قد ذلله للصغير , يقوده وينيخه وينهضه ويحمل عليه الثقيل من الحمل وهو بارك , فينهض بثقيل حمله , وليس ذلك في شيء من الحيوان غيره . فأراهم عظيما من خلقه , مسخرا لصغير من خلقه يدلهم بذلك على توحيده وعظيم قدرته . وعن بعض الحكماء : أنه حدث عن البعير وبديع خلقه , وقد نشأ في بلاد لا إبل فيها ففكر ثم قال : يوشك أن تكون طوال الأعناق . وحين أراد بها أن تكون سفائن البر , صبرها على احتمال العطش حتى إن إظماءها ليرتفع إلى العشر فصاعدا , وجعلها ترعى كل شيء نابت في البراري والمفاوز , مما لا يرعاه سائر البهائم . وقيل : لما ذكر السرر المرفوعة قالوا : كيف نصعدها ؟ فأنزل الله هذه الآية , وبين أن الإبل تبرك حتى يحمل عليها ثم تقوم فكذلك تلك السرر تتطامن ثم ترتفع . قال معناه قتادة ومقاتل وغيرهما . وقيل : الإبل هنا القطع العظيمة من السحاب قاله المبرد . قال الثعلبي : وقيل في الإبل هنا : السحاب , ولم أجد لذلك أصلا في كتب الأئمة .

وإنه لا يتسع الأمر هنا لوضع مقتطفات من تفاسير قديمة مختلفة، كلها فيها النفع والإفادة، والتنبيه والإلفات إلى عظيم خلق الله تعالى، وإلى أنّ القرآن قد كسر في عقل العربي الجاهليّ حاجز التعوّد ليدعوه للتأمل، للتأمل فيما تعود عليه خاصة، واستخدمه وكان جزءا من تكوينه وتركيبه، وفي الحقيقة لا يخلو الأمر من الفوائد المركبة أن أجد الشرح اللغوي الذي يعزّز المعنى، ولا يكون حائلا دون التنبيه والمعايشة، واستنهاض العقل بل بالعكس يكون عاملا من عوامل تقوية كل هذا، مع الشرح المعنوي...

وهكذا لا أتفق مع الكاتب في كون ما جاء به جديدا، أو يصدم المؤسسة التقليدية (والتي يعني بها علماء الأمة إجمالا وما قدموه من تفاسير للقرآن الكريم خاصة معاصري القرن السادس الهجري وما بعده)التي قصر مجهودها وعملها على الجانب اللغوي دون الجوانب الاستنهاضية لعمل العقل الإنساني، وتأمّله في ما بين يديه، ليكون على يقين أن الفاعل هو الله سبحانه، وأنه مسخّر كل ذلك للإنسان.
« آخر تحرير: 2014-11-27, 11:11:50 بواسطة حازرلي أسماء »
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6545
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
من وحي كتاب "البوصلة القرآنية" لأحمد خيري العمري.

يعرّف الكاتب الآن "المؤسسة التقليدية" التي يريد بتسميته فيقول:

لكن ما المقصود بالمؤسسة الدينية التقليدية؟ ونحن نعلم جميعا أن لا "إكليروس" في الإسلام، ولا وساطة بين الله وعباده ؟
ليست المؤسسة الدينية التقليدية  إكليروسا طبقيا هرمي الشكل كما في المؤسسات التابعة لبقية الأديان، ولكنها مؤسسة فكر شعبي سائد في المجتمع، ولا تتعلق المؤسسة بأشخاص العلماء أو المشايخ إطلاقا، بل بالفكر المتداول الذي يساهمون أحيانا في تكريسه.

فكر المؤسسة الدينية التقليدية الذي نعني إذن، هو الفكر الذي ساد وانتشر وتعايش مع عصور الانحطاط، وليس الفكر الإسلامي القرآني الأصيل الذي كان أساسا للنهضة الإسلامية في عورها الأولى.

إنه الفكر المفتاحيّ الذي جيّر النصوص الدينية لصالح التعايش مع واقع يجب تغييره وإصلاحه وليس التأقلم معه.

إنها تسكن المكتبات والمجلدات والمدالارس الدينية والمعاهد والأكاديميات التقليدية، لكن الأخطر من هذا أنها تسكن الأعراف والعادات والتقاليد، تسكن عقول الملايين وبصائرهم، وتفرض عليهم رؤية أحادية-سلبية غالبا- للإسلام والقرآن، وكل خروج عن هذه الرؤية هو خروج عن الدين-في رأيها- بدعة، ضلالة، محدثة، في النار دائما.

يقول ما معناه أنها بكل هذه التوليفة من الأدوات بالوعاظ والخطباء والكتب والمكتبات والكتّاب، تشكل جزءا أساسيا من العقل الجمعي المسلم.

وهو يعلن أكثر من مرة أنه لا يعني بما يعني الشخوص متمثلين في العلماء، بل يعني الفكر المتوارث والذي كيّف في عصر ما والحاجات السياسية والاجتماعية بطريق السيطرة واستغلال النصوص للصالح السياسي .

ويبين حرب هذه المؤسسة التقليدية للسؤال، الذي تراه بمثابة القنبلة النووية، وهي تعي أن نشأتها كمؤسسة رسمية تدعمها السلطات لم يتكرس إلا عبر قمع التساؤلات أو قتلها نهائيا.

ويرى بالتالي أن أول ما فعلته هو غضها النظر عن التساؤل الإبراهيمي الذي عرضنا لرأيه فيه في هذا الرابط :
http://www.ayamnal7lwa.net/forum/index.php?topic=6306.msg111644#msg111644

يقول أنها تعرضت أول ما تعرضت للتساؤل الإبراهيمي، فجعلته مناظرة لا نظرا، ذلك الشك الذي أوصل للطمأنينة.

تعليق شخصي على تصدّي المؤسسة التقليدية للتساؤل الإبراهيمي


إذن دعونا نتجرّد، ولا نكيل للكاتب التّهم، ودعونا ننصف ونؤكد على أنه أورد تبرؤه من مهاجمة الشخوص، بل هو يهاجم فكرا تراكميا بدأ من عصور الانحطاط ليلائم ظروفا سياسية بعينها(وعصر الانحطاط حسب الكاتب يبدأ والصحابة على قيد الحياة !!!! فماذا عرف المسلمون من ازدهار؟!!)

إننا إذن أمام عصابة يسميها الكاتب "المؤسسة التقليدية" هذه التي بدأت أول ما بدأت ضمن استراتيجيتها في صدّ التساؤل وتكميم أفواه السائلين الترسيخ لكون التساؤل الإبراهيمي مناظرة لا نظر.
لو توغّلنا قليلا لرأينا أن الكاتب يرى المفاهيم مبنية على الظروف السياسية، وهي نظرة تشبه من زاوية ما اقتصار ماركس في تفسير التاريخ على الناحية الاقتصادية، كذلك هذا الكاتب هنا يُقصر تفسير تاريخ الأمة بأكمله على الدور السياسي، وعلى السلطة السياسية التي صنعت المفاهيم، بل هي قبل أن تصنع المفاهيم والعقل الجمعي كما يسميه، قد طوّعت له نصوصا دينية مجتزأة من سياقها جعلتها على مقاسها السياسي، وعلى مقاس حاجاتها.

ثم ينقل أمثلة من ثلاثة تفاسير لحقب تاريخية إسلامية مختلفة، كلها عن تفسير آيات سورة الأنعام التي فيها التساؤل الإبراهيمي :"وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَاماً آلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ(74) وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ(75) فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَباً قَالَ هَـذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لا أُحِبُّ الآفِلِينَ(76) فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغاً قَالَ هَـذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي لأكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ(77)" -الأنعام-.

يورد واحدا للطبري الذي كان بين القرنين الثالث والرابع الهجري، وابن كثير الذي عاصر القرن الثامن للهجرة، والقرطبي من القرن السابع الهجري . على أنّ الطبري وهو الأقرب للقرون الأولى للهجرة، أورد أن في الخبر إمكانية أن يكون إبراهيم عليه السلام  ناظرا، بينما القرطبي وابن كثير، ولأنهما من القرون البعيدة (قرون الانحطاط والتجريم المكرّس للسؤال) قد أورداه على أنه المناظرة.

الطبري وإن ذكر أن الأمر نظر لا مناظرة، فهو لم يقدح بمن رأى غير رأيه، بل لقد أورد غير رأيه مع رأيه، وابن كثير والقرطبي وإن قالا بأنها المناظرة، لم يسلّا سيوفا قاطعة تقضي بأن من قال غير هذا فقد كفر. ! فأين الحَجْر، والمنع، وتحريم السؤال والتكريس لتجريم السؤال في هذا؟ وأحدهما قد استند لقوله تعالى : "وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِن قَبْلُ وَكُنَّا بِه عَالِمِينَ(51)"-الأنبياء-، فكيف يجوز أن يكون إبراهيم ناظرا وِفق هذا، والآخر يرى أن قوله من باب الاستفهام لا من باب الإخبار أنه ربه .

أحببت أن أورد مثال التساؤل الإبراهيمي في موقف الكاتب من المؤسسة التقليدية، إذ من خلاله تبيّنت لي مبالغته في الترصّد للمفسّرين، وهو يقسمهم بين من عاصر القرون الأولى ومن عاصر القرون التي تلتْها، ويقعد لهم كل مرصد فيما يورِدون، على أنه كله موروث الاجتزاء للنصوص، وموروث تكميم الأفواه وتحريم السؤال .... ولا يستطيع أن يلزمني بنظرته هذه التي أرى فيها الإجحاف الكبير .

فهو يرى أن سبب انحطاط المسلمين هو هذه المؤسسة التقليدية المتأثرة بالظروف السياسية التي وجدت لها من يخدمها بالنصوص الدينية عن طريق التوظيف والاجتزاء، أعيد أن هذا يشبه تمحور الماركسية حول الاقتصاد، والكاتب يُمحور رؤيته حول السياسة ويجعلها العامل الأساسي في انحطاط الأمة. نسأل أين باقي الأسباب؟ أين تفلّت أنفسنا؟ أين ضعفنا؟ أين تولّينا عن أمر الله وركوننا للدنيا ؟ أين الفرقة؟ أين المعصية؟ .......أين كل هذا وغيره كثير؟ أم أصبحنا أبرياء قد فُعل بنا، وقد غُرِس فينا، وإنما نحن ضحايا هذه المؤسسة التي هي من صناعة ظروف سياسية في حقبة تاريخية متقدمة جدا في التاريخ الإسلامي كما يراها الكاتب ويسميها "لحظة معاوية"  (40هـ) !!!





« آخر تحرير: 2014-11-27, 15:52:58 بواسطة حازرلي أسماء »
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6545
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
من وحي كتاب "البوصلة القرآنية" لأحمد خيري العمري.

أنهيت الكتاب منذ أيام بفضل الله تعالى...وقد وجدت نفسي مع هذا الكتاب في كل طور منه بحال، فتارة أملّ اللهجة التهجميّة التي تسوده، وأرى  الكاتب مبالغا، وأنه كان أجدى أن يضع جديده دون كثير هجوم على ما يسميه "المؤسسة التقليدية"، وأمضي قُدُما مع الكتاب، فأجده يسبر غورا، ويقول حقا لا أتسطيع أن أصيّره باطلا أو أن آخذه بجريرة الملل الذي أصابني من كثرة تهجّمه، الذي أسفر عن تعالٍ وتسفيه لجهد الغير رغم أنه يعيد ويكرر أنه لا يقصد الأشخاص، ولكنه يقصد ما نجم عن استغلال النصوص الدينية في ظروف سياسية طوّعت تلك النصوص لها ولأغراضها ... أجده يسلط الضوء على كثير من الصحيح. وتارة أخرى أجد فيه تفكيرا عميقا، ولمسا قريبا لأوجاع في الأمة لا نملك إنكارها...

حتى خلُصت إلى أن هذا الكتاب ليس بالسيئ كله، وليس بالحسن كله، وربما نبرة الكاتب الغاضبة أبدا فيه شكّلت عاملا من عوامل الصدود عنه من الكثيرين الذين ربما كان أجدى أن تُمرّر لهم الفكرة الجديدة  الهُوينى...

حيّدتُ عن حكمي الملل من تهجّمه، ومواجهته الصارخة القوية للمؤسسة التقليدية، وحاولت ألا أجعله حائلا دون رؤية الحسن في هذا الكتاب، ودون التأمل في ما أورده من حقائق... فوجدتُني أهدأ وأتريّث، وأقرأ من زوايا أخرى، ولا أنجرف خلف نقد يجرّني لرؤية الحسن سيّئا يأخذ في سياق واحد كل نقطة من نقاطه ...

نعم... الكاتب أعلنها ثورة ومواجهة قوية لما أسماه "المؤسسة التقليدية"، منطلقا من أنّه لا يعني بها تحديدا كتب العلماء، بل يعني بها ما رسخ في أخلاد المسلمين من رؤية ضيّقة غير متكاملة الأطراف، غير شمولية المقصد للخطاب القرآني، يُرجع ذلك كله إلى ما سماه "لحظة معاوية"، من تاريخ توريث معاوية بن أبي سفيان لابنه يزيد، وما كان من استغلال النصوص الدينية وتجزئتها من سياقها لتخدم الأغراض السياسية... ربما له ما له في هذه النقطة وعليه ما عليه، ولكن هناك طرف من الحقيقة فيما أورد.... ونحن نعرف في عصرنا امتدادا لهذا الأمر، امتدادا لاستغلال النصوص الدينية واجتزائها ليقضي بها السياسيون مآربهم، نعرف علماء السلطان، ونعرف كيف صنع السلطان علماءه ليخدموه ...

نعرف من هذا الكثير، نعرف فتاوى الأهواء السياسية والسلطانية، ونعرف مدى تأثير ذلك على المجريات العامة لأحداث الأمة قاطبة ...

نعم هو يُرجع سبب انحطاطنا الأساسي والرئيس لمثل هذا، ولا يمكن أن نحصر السبب فيه حقيقةً، فانحطاكنا وما نحن فيه من وَهَن يرجع لأسباب كثيرة لا لسبب واحد دون آخر ... تفرّقنا، تفتّح زهرة الحياة الدنيا علينا، عيشنا للدنيا بعيدا عن القرآن لا عيشنا في الدنيا بروح قرآننا، اتخاذنا الكتاب مهجورا من روحه وفعله وحركته في حياتنا .... كلها متلاحمة، لا واحدا دون آخر ...

الكاتب يفصّل في موضوع غياب الفقه المقاصدي، وغياب تطبيقه، وتعوّد الاجتزاء، ويدعو بحرقة إلى إيلاء الاهتمام الأكبر بالنظرة المقاصدية الشمولية للقرآن، ويرى قصورا كبيرا ف يهذا الجانب أدى إلى حياة مجتزأة ليس فيها روح القرآن بالنظرة الشمولية التي تراعي الجوانب كلها، يأتي في آخر فصل من كتابه على سورة الكهف مثالا، ويتأملها وينتقل من قصة فيها إلى أخرى انتقال متأمل متعمق، لم أجد حرجا فيما رآه فيها، وما قرأه من أعماقها، بل صراحة قد أعجبتني قراءته العميقة لها، فهو ينتقل من 1-قصة أهل الكهف على أنهم الفتية الذين يمثلون الشباب الذي احتضن فكرته ومشروعه النهضوي داخل كهف على أنها المرحلة الأولى من تحقيق المشروع، المرحلة الجنينية، والتي فيها يُحرس الجنين ولا يُسرع به إلى الضوء وإلى العلن، حتى تحين الفرصة المواتية.

2-ثم تأتي قصة صاحب الجنتين، وفيها رمزية الرجولة، وقد نضج صاحب الفكرة، وقد أصبح قادرا بل مُلزما بالمواجهة، وتحديد الثوابت، ساعة حاور من بدأ بحواره، وحدد ثوابته، وكان حاسما في رده أنّ ما قاله صاحبه (صاحب الجنتين) كُفر بالذي خلقه وسواه رجلا .... فيسميها الكاتب مرحلة تحديد الثوابت في الفكرة، والصدع بتلك الثوابت في المشروع، في النهضة المرتقبة، حتى لا تكون نهضة مستوردة، نهضة بفكر الغير، بمنطلقات الغير، بل هي بمنطلقاته، بمنطلقات إسلامية إيمانية ربانية ثابتة لا يميّعها التغريب، ولا تُهدهدها "الأسلمة"....

3- ثم مرحلة موسى عليه السلام والعبد الصالح، وما فيها من روح الرؤية المقاصدية والقراءة المقاصدية الشاملة العميقة، بما كان بينهما، ما كان يراه موسى عليه السلام من ظاهر الأمر، وما رآه العبد الصالح من حقيقة الأمر.

3-ثم تأتي مرحلة النهوض والعمل، مرحلة ذي القرنين، مرحلة خروج آسي الأرض، طبيب الأرض للأرض كلها دون تمييز، عالمية الرسالة، جدواها ونفعها للأرض كلها، حضارة إسلامية نقيّة لا تلغي الحضارات الأخرى، ولا ترمي بها، ولكنها تعلم أن عوامل أفولها ترفُها وبعدها عن الأسس السليمة، تعالجها هي بما عندها من دواء.... وتعلن موعد ميلاد الحضارة الأم، الحضارة المنقذة، حضارة الإسلام، حضارة رجل وازن بين العلم والإيمان، بين القوة وما أوتي من أسباب كل شيء وبين الإيمان والصلاح...

وهكذا يرى الكاتب أن سورة الكهف ونحن نقرأها كل أسبوع تتعهّد احتضان تلك الفكرة، وأوان إعلان ثوابتها، ثم أوان إعلان عملها في الأرض... في كل أسبوع لتتجدد في نفوسنا فكرة النهوض، النهوض بديننا، ولديننا، ولإنقاذ الأرض العليلة ....
هكذا هي رؤيته لهذه السورة، والتي لا أرى حرجا فيها، والقرآن العظيم بحرزاخر كلما غصنا في أعماقه تراءى لنا ما لم نره.... في كل مرة يتراءى لنا فيه الجديد....

أراني ملزمة بإنصاف الرجل، رغم ثورته، ورغم أنني لم أكن الوحيدة التي استشفت نبرة متعالية في كتابته، إنصافه من باب أنه يجتهد، ومع استشعار صدق وحرقة وقوة خاصة في أواخر الكتاب، وهو يؤكد على ضرورة النهضة بنظرة شمولية مقاصدية تعطي للخطاب القرآني مداه الذي ضُيّق في كثير من الأحيان، وعوملت النصوص كمُنْجيات لأصحاب السلطان، فوظفوها توظيفا مجتزءا ....
هذه رؤيته، وهو حرّ فيها، ولا حجر على رأيه، مادام لم يأتِ على الأصول ولا على المعتقد، بل يريد نهضة متجددة بالقرآن، بروح القرآن، بشمولية القرآن ....وهو لا يدعو لا لتغريب ولا لتشريق، ولا لتمييع، ولا لانبهار بمنجزات الحضارات، بل يؤكد أنها حضارات بما لها فإن الذي عليها أكبر وأكثر

لقد لمست في نبرته اقتباسا من الروح "العمريّة"، لمحت ذلك، وأحسسته، وجعل إحساسي يتأكد شيئا فشيئا، مرة عندما قرأت له هذه المراحل التي يخطّها للنهضة الراشدة من سورة الكهف، ومرة أخرى، وأنا أجده يجيبني على تساؤلي الذي دام طويلا مع كل صفحات الكتاب "لماذا لا تعرض جديدك بمنأى عن القدح فيما قدّمه غيرك؟!" وجدته في آخر الكتاب يجيب بقبس من الروح العمريّة التي عرفت بحسمها وقوتها ومواجهتها، أنه لا بدّ من المواجهة، ومن الثورة-حتى وإن اختلفنا في نقاط وعارضنا نقاطا من طرحه- إلا أنه يشير إلى ضرورة خروجه ثائرا، مواجها لما أسماه "المؤسسة التقليدية"، والتي -وللأمانة- تبرّأ أكثر من مرة من أن يكون مهاجما لشخوص أصحابها ولنواياهم، بل لما خلّفت من آثار امتدّت إلى يومنا ....

نعم زاد إحساسي قوة أنما الرجل يتدثر بدثار عمريّ، ربما جعله خطّته في المواجهة، وفي الخروج بجديده .... حتى فتحت كتابه الآخر لأقرأه "استرداد عمر من السيرة إلى المسيرة" ليتأكد لي بما أورد في مقدمته أنه الذي يعشق الفاروق حتى النخاع، وأنه الذي يرى وقتنا أحوج ما يكون لعمريّة عملية حاسمة، مواجهة ربما هو ينتهجها أسلوبا أعجب من أعجبه أو أسخط من أسخطه  emo (30):

عموما أجدني في حال مصالحة مع فكر الكاتب حتى وإن عارضته في نقاط أوردها، ولكنه يبقى بمنأى عن تصنيفه ناعقا بنداء خواء، بل أراه عميقا، متأملا، مستندا فيما يطرح إلى القرآن، وإلى اليقين بخصوصية حضارتنا، وبضرورة العمل على إعادتها ضمن إطار هذه الخصوصية لا الاقتباس أو الترقيع أوالأسلمة، أراه مفكرا نهضويا، حضاريا، يتقاطع حقا مع مالك بن نبي في بعض الخطوط وهو يرى بمنظار حضاري المشاكل المحيطة بالأمة....

وإني -حتى الآن ولا نعلم ما قد يستجد  emo (30):-  أجد متعة مع كتابه الجديد "استرداد عمر"


 

« آخر تحرير: 2014-12-10, 12:20:30 بواسطة حازرلي أسماء »
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6545
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
من وحي كتاب"استرداد عمر(من السيرة إلى المسيرة)" د.أحمد خيري العُمري.


هذه الأيام أطالع كتاب "استرداد عمر من السيرة إلى المسيرة" للكات أحمد خيري العمري، صاحب البوصلة القرآنية كتابنا السابق، بعدما عقدتُ مصالحة مع فكر الكاتب، وأعلنت منصفة أنّ معارضتي لبعض ما أتاه لا تحول دون رؤية الحسن والعميق في الكثير الذي قدمه.

كنت قد اقتنيت له أربع كتب، هي "البوصلة القرآنية" و"استرداد عمر" و"سيرة خليفة قادم" و"طوفان محمد"، فاخترت أن يكون الثاني قراءةً "استرداد عمر"
ربما لأنّني أعشق قراءة كل ما له علاقة بالفاروق رضي الله عنه وأرضاه، وأجد تعلّقا كبيرا بأخباره، وهو الذي أشعر أنّنا أحوج ما نكون إلى شخصيته، إلى حسمه في الحق، قوته فيه، إلى عدله، إلى تقواه، كلها صفات قلّما تجتمع في إنسان، فإما أن تجد قويا بمقاييس القوة التي تلغي العدالة والإنسانية، وإما أن تجد تقيا يرى في معنى التقوى "المشي جنب الحيطة" والاكتفاء بالنفس لا يتعدى لغيرها....

وكنت قد أشرت في مداخلتي السابقة أنني لمست في أسلوب الكاتب اقتباسا من الروح العمريّة في قوة ومواجهة صنّف بها متعاليا، ناظرا في جَنب نفسه، مقلّلا من شأن غيره، وكأني به يتعمّدها غير مبال بمن سخط، أو انتقد، يريد أن يكرّس لـ"استرداد عمر"، استرداده في الإيمان بقضيتنا، بما نعمل، وبما نقدّم، يريد أن يرسّخها أسلوبا مباشرا قويا بلا حاجة لدغدغة مشاعر، ولا لاستدرار حبّ عبر اللين والهدهدة، وكأني به يرى مع ما الأمة فيه، أنه لم يعد بدّ من المواجهة، وفتح لملفات لطالما أسدل دونها ستار جعل يزداد سمكا على سمك عبر الأزمنة، حتى غمّيت الرؤية عنا، ولم نعد نرى إلا في إطار الاستسلام للواقع، أو الحزن على المآل، أو القول من غير عمل....

وفتحت كتاب "استرداد عمر"، فإذا الكاتب يفتتحه بكلمات حب عظيمة، تُنبي أنها الضعيفة أمام الوصف الحقيقي لمقدار ما يجلّ الفاروق، ويحبّه...
يقول عنه فيما يقول: "كان عمر نقطة ضعفي، نقطة ضعفي التي تجعلني أحاول أن أستكشف نققاط قوتي، دوما كان عمر معي، بطريقة أو بأخرى، كنت أخبئه مثل صديق سرّي".

زيادة عن كون عمر جزء من كينونة الكاتب، إذ أنّ أسرته تعود جذورها إلى عاصم بن عمر بن الخطاب، فهي الأسرة العُمريّة، يقول أنه اختار عمر بالذات دونا عن غيره لأنه يراه المدخل إلى ما يجب أن نصل إليه من ناحية الفهم العمريّ للقرآن، وللسنّة النبوية، الذي يجب أن نصل له هو النهضة، الحضارة العادلة على قيم وأسس الإسلام، العالم كما يجب أن يكون، والذي يوصلنا للآخرة كما نشتهي، وما سنقوم به في الدنيا هو ما سيحدّد موقعنا في الآخرة.

يقول أننا في هذه المرحلة نحتاج فهما مثل فهم عمر للقرآن والسنة، عمر كصانع للحضارة، بل كصانع لأعظم حضارة: "وِلْ ديورانت مفكّر أمريكي، كتب قصة الحضارة في أحد عشر مجلدا، أكثر من عشرة آلاف صفحة، وأكثر من أربعة ملايين كلمة، عمر اختصر كل ذلك بحياته هو. قدّم قصة الحضارة بتنقلاتها ومراحلها المعددة، قدمها على نحو عملي، فكانت حياته هي الطبعة العملية من قصة الحضارة، بنسختها الإسلامية المشرقة".

ثم يَعرض الكاتب لتساؤل مهم، وهو كيف يُرفع البناء الحضاري على يد عمر، ولا يتم في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم؟

يقول لو أن هذه الحضارة ارتفعت على يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وبوجوده الشخصي، لكنا تصورنا جميعا أنها أشبه بالمعجزة، وبالتالي لا يمكن مواصلة بنائها، أو إعادة بنائها، أو استلهامها، ولكن أن تتحقق على يد عمر الذي كان جزءا من معجزة الإسلام المستمرة، عمر الذي تفاعل مع القرآن فتغيّر جذريا، ففي ذلك رسالة كبيرة لكل واحد منا، فما حدث لعمر، يمكن أن يحدث لمن بعده عبر الأزمنة في هذه الأمة، مادام القرآن موجودا، فيمكن أن يحدث تفاعلنا مع القرآن استلهام تلك النهضة العمريّة، واسترداد تلك السمقات الإسلامية .


« آخر تحرير: 2014-12-10, 14:21:47 بواسطة حازرلي أسماء »
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6545
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
من وحي كتاب"استرداد عمر(من السيرة إلى المسيرة)" د.أحمد خيري العُمري.

وهكذا فأحمد خيري العمري، يمضي في هذا الكتاب، مركزا على الفهم العمريّ للقرآن الكريم، يستلهم منه للحضارة المنشودة، ولكن لماذا عمر بالذات ؟

تحت عنوان ربيع عمر الآخر يسوق العمريّ شيئا من قصة إسلام عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فإذا الذي كان عازما على قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقطع الدروب لتلك الغاية، يبلّغه الله مقتل أحد غيره، نعم لقد قتل عمر "الجديد" بإسلامه عمر "القديم"، عمر الذي دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعزّ الإسلام بأحد العُمرين، فكان هو أحدهما ....

عمر الذي مكّن المسلمين من الصلاة عند الكعبة ظاهرين بعد إسلامه، عمر الذي كان عزّا للإسلام ...
فيعود الكاتب هنا ليضع نظّارته الحضارية، فيربط بين العزّة والحضارة، إذ العزة بطريقة ما هي مظهر من مظاهر الحضارة، فهي غلبة، وهي عكش الذلّ.

وهي لا تعني فقط التفوق العسكري، بل تعني التفوق في كل مجال من مجالات الحياة، في العلم، في العدل، في السلوك، في الأدب، في الاقتراب من القيم المؤسِّسة لهذه الحضارة، من حجرها الأساس وعدم الانحراف عنها، وكما يقول: "في أن تكون نموذجا جاذبا يجعل الناس يعتنقون حجرها الأساس وقيمها حتى دون أن يشعروا بذلك"

عمر لم يسلم وحسب، بل لقد كان إسلامه عزّا للإسلام

ثم تحت عنوان : عمر يختار قالبه

يفصّل الكاتب في قالب عمر، القالب الذي اختاره عمر بعد إسلامه، ليكون عمر العظيم ....
الكاتب هنا يؤكد عن عدم ورود شيء من عمر ، أو من غيره عن أنّ عمر اختار هذا القالب عن عمد، ولكنه يقول أن سيرته وكل ما في حياته يشي أن ذلك كان قالبه... إنه يتحدث عن نزول سورة "ص" تزامنا مع إسلام عمر رضي الله عنه، ذلك أن قريشا لما أسلم عمر، وشقّ عليها إسلامه، ذهبت تساوم رسول الله صلى الله عليه وسلم عبر أبي طالب، تطلب منه أن يقضي بينهم وبينه، فيجيب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم لو قالوا لا إله إلا الله لدان لهم بها العرب، وملكوا بها العجم، ثم أنزل فيهم الله تعالى  آيات من سورة "ص"...
ثم وبدءا من الآية 17 من سورة ص، يذكر المولى عزّ وجلّ أحد أنبيائه، ويأتي بأوصافه وميزاته، وهي متزامنة مع إسلام عمر بن الخطاب، وابن الخطاب ساعتها أشد ما يكون حرصا -كما بقيت عادته مع كل القرآن لاحقا- على تلقف الوحي، وتأمله، وتدبّره والعيش في حنايا معانيه ومراميه....

" اصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ(17) إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْرَاقِ(18) وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَّهُ أَوَّابٌ(19) وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ(20) وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ(21) إِذْ دَخَلُوا عَلَى دَاوُودَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قَالُوا لَا تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ فَاحْكُم بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلَا تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاء الصِّرَاطِ(22) إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ(23) قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ وَإِنَّ كَثِيراً مِّنْ الْخُلَطَاء لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَّا هُمْ وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعاً وَأَنَابَ(24) فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِندَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ(25) يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ(26)
"-ص-

إنه سيدنا داوود ذا الأيد، الأواب...
وهكذا في هذا القالب وضع عمر نفسه، قالب ذي الأيد العادل،صانع الحضارة ....
وفي هذا الشأن يشاء الله تعالى أن يجعل لي فيها قصة يوم أمس تحديدا، وأنا حديثة عهد بقراءة أسطر "العمري" عن قالب عمر، وقد كتبت في هذه القصة التالي:
----------
زارتني بمكتبتي صديقتي يوم أمس، وأخبرتني عن وقوفها عند قوله تعالى "واذكر عبدنا داوود ذا الأيد إنه أواب".
أخبرتني بوقوفها عند "ذا الأيد" ... سيدنا داوود بالذات عليه السلام ... لقد كان ذا الأيد ...
ألسنا جميعا ذوي أيد ؟! فما نبأ هذه الأيدي لسيدنا داوود عليه السلام، إنه يتصف بها "ذا الأيد"
وسرحتْ في أيدي سيدنا داوود عليه السلام .... إنه الذي ألان له الله الحديد، لقد كان عاملا، وهو الذي كان ملكا، وهو الذي كان قاضيا عادلا، وهو الذي أوتي الحكمة، وفصل الخطاب ...
وهو الذي كان له من الذرية سليمان عليه السلام، فكان له في تربيته وتنشئته أيد وأيد ....
وقالت فيما قالت عن "أيد" سيدنا داوود عليه السلام قوله تعالى : "لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ(78)" فلقد كان من أياديه أن ذكر الله تعالى شهادته فيهم، لعنه إياهم... لعنه لمن كفروا من بني إسرائيل، فهو ذو الأيدي، صاحب الثوابت، صاحب "لا إله إلا الله"
لقد كان "ذا الأيد" .... سيدنا داوود عليه السلام، لان الحديد بين يديه، فصنع بالحديد...صنع بيديه، وعمل، ومع عمله كان داعيا لله، كان أوابا، كان ثابتا، لقد حقق المعادلة .... تلك المعادلة التي لا تزدهي الأرض بحق إلا بها ....
أن تتحقق على الأرض حضارة على ثوابت، على توحيد، حضارة عقل يعلم أن الأرض وما فيها قد سخّرت للإنسان، ليصنع، ليعمل، ليتحرك، ليستخدم هذا العقل، ولكن على ثوابت، على أسس من معرفة الله، على أسس إسلامية إيمانية ثابتة راسخة .... حضارة تجمع العقل والروح كلا في خدمة "لا إله إلا الله"....
نعم لقد كان سيدنا داوود عليه السلام ذا أيد.... كان عاملا، وكان مؤمنا، كان داعيا للإيمان ....كان الاثنين معا .... كان صانع حضارة...
هكذا جعلنا نأخذ ونعطي عن أيدي سيدنا داوود عليه السلام .... فلم نكتفِ بالمساحة التي تجمعني وإياها من الأرض ساعتها، بل جعلنا نلتفت يمينا وشمالا إلى مَن حولنا، إلى حالنا... إلى أناس يرون في الدين مظهرا من تقصير أو لحية أو صلاة وذكر، وكأن غير هذا ليس من الدين .... يرون في الدين "شعائر" ولا يكلّفون العقل فيهم بحثا أو تبحرا في علوم الدنيا، وكأنما ذلك ليس لنا، بل لهم وحدهم، لأصحاب التكنولوجيا والعلوم، وقد تعودنا أن نبقى فقط مستهلكين، فقط مستهلكين .....
ثم التفتنا لحضارة الغرب، فإذا هي بنيان، وقفزات، ونفوذ من أقطار السماوات والأرض، ومظاهر أقرب للسحر والخيال .... ولكنها على أسس هشة، على أسس تأليه العقل، وتأليه المادة، وتأليه القوة والقوي ....
نعم سيدنا داوود عليه السلام، كان ذا أيد كان صانع حضارة الأيدي، الأيدي العاملة، والأيدي الداعية.... وكذلك كان قارون ذا أيد ... فجمع بين الأسباب وتوحيد رب الأسباب ....
واستحضرتُ في حديثنا الذي شاء الله أن يكون عن "ذي الأيدي الأواب" حديث العمري في كتابه "استرداد عمر" عن قالب عمر، القالب الذي وضع عمر فيه نفسه، قالب "داوود ذا الأيد إنه أواب" فكان هو أيضا صانع حضارة لم تتحقق على الأرض حضارة مثلها، حضارة "لا إله إلا الله" بأيد عاملة، بنّاءة، متحركة، بعقل عامل ....
وبينما نحن كذلك إذ بداخلة من باب المكتبة تلقي السلام، ثم تسأل عن شيء تريد اقتناءه لابن أختها "داوود"   emo (30):...  فتبسمت صديقتي، وتبسمتُ ونظرت كلتانا للأخرى وقد دخل من يردد اسم "داوود" بالذات ....  emo (30):
« آخر تحرير: 2014-12-16, 13:52:48 بواسطة حازرلي أسماء »
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6545
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
من وحي كتاب"استرداد عمر(من السيرة إلى المسيرة)" د.أحمد خيري العُمري.

نواصل مع "استرداد عمر"
هذا الكتاب لا يقدّم سيرة عمر بالطريقة التي ألفناها، بل يقدّمها على أنها السيرة التي نريد أن تصبح مسيرة لنا، كما يدل العنوان، الكات بين الموقف والموقف من سيرته العظيمة يتوجّه للقارئ بالسؤال، بالإسقاط، يستحثّه على الاستلهام، وعلى الاعتبار، وعلى العبّ من نور سيرته، وعلى الاقتباس منها

وتحت عنوان "مفتاح عمر الإيجابية" يعرض للفهم العمريّ للقرآن، القرآن الذي جعل من عمر "عمر"، القرآن الذي صنعه.
عمر كان مثالا حيا للعمل، للحركة، لم يكن يكتفي بالقول، بل كان يعلم بالعمل، كان يرسّخ أن القرآن عمل، هو الذي وقف خطيبا بالجابية فقال: "تعلّموا القرآن تُعرفوا به، واعملوا به تكونوا من أهله"

هو الذي قال في قصة بني إسرائيل: "إن بني إسرائيل قد مضوا، وإنكم أنتم تُعنَون بهذا الحديث"

القصد منها أن تتجنّب أنت المؤمن منزلقاتهم، وسلوكهم، عندما يحدّث عن البقرة التي ماطلوا أيما مماطلة في ذبحها، إنما يعني الله سبحانه، أن نتعلّم عدم التلهّي بالتفاصيل الصغيرة التي نشغل بها أنفسنا عن المقصد الأساسي ...
هذه إيجابية عمر ...
إيجابية عمر أيضا في فهمه لقوله تعالى "سَيُهْزَمُ الجَمْعُ وَيُوَلُّونََ الدُّبُر"، نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فتساءل عمر أيّ جمع هذا؟ حتى جاءت بدر، وقالها رسول الله صلى الله عليه وسلم، لم يعدّها عمر مجرّد آية، بل عدّها حقيقة ستحصل، وستكون، حتى جاء موعدها في المدينة بعد الهجرة، وكانت قد نزلت في مكة .

ولم يتوقف عمر عن استحضار الآية مرة تلو أخرى، هكذا هو فهمه للقرآن، "سَيُهْزَمُ الجَمْعُ وَيُوَلُّونََ الدُّبُر" جعلها حافزا له ودافعا، وعرف أنها ستتحقق في كل مرة استوفى المسلمون فيها الشروط، وهكذا  حاله حينما أصبح خليفة، هزِمت في عهده جموع وجموع، وولّت الدّبر، في القادسية، في اليرموك. يقول الكاتب في هذا :
"نفهم أنه يأخذ الآيات معه إلى المستقبل...يجعل الآيات محرّكا يقوده إلى هذا المستقبل، ويساهم في صنعه، يجعل إيمانه بأن الجمع سيُهزم وسيلة لهزيمة هذا الجمع، وسيلة لجعله يولّي الدُّبُر."

ويضع الكاتب نظارته الحضارية ليرى أن عمر لم يَهْزِم الجموع في المجال العسكري وحسب، بل هزم الجموع في المواجهة الحضارية أيضا...

وإني لأرى هذا الأمر بالغ الدقّة، فالحضارة التي نعايش اليوم، حضارة الغرب، لا ننكر بأي شكل من الأشكال أنها حضارة تشييد وبناء وقفزات تكنولوجية رهيبة، ولكنّها حضارة تفتقر للإنسانية، الإنسانية التي جاء بها الإسلام على أصولها، حضارة ترتقي بالفرد وبالجماعة، حضارة ترتقي بالسلوك، وبالأفعال والتفاعلات ....
نظرتنا الانهزاميّة لأنفسنا -وقد اعتزلنا الحياة من الناحية العملية والعلمية-، جعلتنا نرى في الغرب آية من آيات الرقيّ في كل شيء...كل شيء...قبل قليل تابعت فيديو لفتاة أمريكية جعلت تمشي في شوارع أمريكا لخمس ساعات، فلم تسلم من تحرشات من كل شكل ولون، ثم جربت هذه الفتاة نفسها تمشي في تك الشواع ذاتها وهي تضع الخجاب الإسلامي، مشت لخمس ساعات فلم يتحرش بها أحد ....
ترى متى نكف عن القول أنهم "متحضرون" وأن المارة لا يهتم أحد منهم بالآخر ولا يقلق أحدهم الآخر، و أن هذا يحصل فقط عندنا !! متى حقا نكف عن انهزاميتنا والنظر إليهم على أنهم أصحاب الحضارة المتفوقون، أو ذلك القول الشائع الغريييييب لتصوير تحضرهم وتربيتهم العالية"ما تنقصهم إلا الشهادة"...!!! .

إنه عمر... عمر الداعي للعمل، كاره القعود .... عمر الإيجابي ...
عندما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "أبشروا وبشّروا من وراءكم  أنه من شهد أن لا إله إلا الله صادقا دخل الجنة"، فخرج من كان معه ليفعلوا، فاستقبلهم عمر، فرجع بهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: "من ردّكم؟" قالوا : عمر، قال: لمَ رددتَهم يا عمر؟ فقال عمر: إذا يتّكل الناس. فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم .

إنه الفاهم بدهاليز النفس البشرية، وأنه يجب أن يُتجنّب الفهم السلبي للبشارة...

وهكذا مضى عمر بإيجابيّته، فكان موقفه من تقسيم أرض السواد بالعراق، فكّر بمن سيأتي من بعدهم من المسلمين، فلم يقسمها غنيمة على الفاتحين، بل جعلها وقفا للمسلمين.
ثم يسأل الكاتب :هل سنسير على درب البناء، أم أننا نتّكل على هذا النص، ونتكلّف عند هذا النص، فقط لكي نبرر القعود
« آخر تحرير: 2014-12-17, 10:35:40 بواسطة حازرلي أسماء »
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6545
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
من وحي كتاب"استرداد عمر(من السيرة إلى المسيرة)" د.أحمد خيري العُمري.

ثم وتحت عنوان "موسم الهجرة إلى الحضارة"
يسوق الكاتب قصة هجرة سيدنا عمر رضي الله عنه من مكة إلى المدينة، وهي القصة التي شاعت، وعرفت، وأن عمر فيها هاجر علانية دون كل المسلمين، بل حتى على خلاف إسرار رسول الله صلى الله عليه وسلم بهجرته وصاحبه أبي بكر الصديق ! استند إليها الكاتب، وتجدر الإشارة إلى أنها قصة لم تثبت في الصحيح، ولمن يريد التفصيل حول ضعفها هذا الرابط:
http://islamstory.com/ar/%D9%82%D8%B5%D8%A9-%D9%87%D8%AC%D8%B1%D8%A9-%D8%B9%D9%85%D8%B1-%D8%A8%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%AE%D8%B7%D8%A7%D8%A8

نتجاوز كل ما علّق به الكاتب على هذه القصة باعتبارها لم ترد في الصحيح، وهي ليست بذات أهمية ترفع من شأن الفاروق رضي الله عنه، وهو الذي كل حياته رفعة وسموّ وشجاعة وإقدام ....

 ولكن تجدر الإشارة إلى اختيار عمر رضي الله عنه التقويم الإسلامي بتاريخ الهجرة، لم يختره بتاريخ البعثة، ولا بتاريخ مولد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكنه اختار الهجرة تاريخا للتقويم لانه عرف وأيقن أنها المحك، أنها الفارقة، أنها مرحلة النزول إلى الواقع لتغييره مباشرة .
يقول الكاتب بالنظارة الحضارية : "لذلك اختار الهجرة لعهد جديد للإنسانية...كما لو كان يذكّرنا رضي الله عنه كلما استخدمنا التقويم، أي كل يوم أن الحضارة ومنجزاتها لا تكون إلا عبر هجرة ما...قد لا يشترط أن تكون هجرة من مكان وجودك،لكنها هجرة مستمرة نحو قيم يجب أن يقام عليها هذا المجتمع لكي يصبح أقوى، كي تثمر حضارته، كي تزدهر"

« آخر تحرير: 2014-12-18, 11:14:23 بواسطة حازرلي أسماء »
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6545
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
من وحي كتاب"استرداد عمر(من السيرة إلى المسيرة)" د.أحمد خيري العُمري.

وإنه ليطيب لي أن أشتمّ العبير العمريّ في كل حين، يزيدني عبيره الفوّاح شوقا لتلك الأيام التي لم تكن خيالا، بل كانت حقيقة الحقيقة !

يزيدني الفهم العمريّ للقرآن، العيش العمريّ بالقرآن، العمل العمريّ بالقرآن، يزيدني يقينا أنّ ظهور الدين لا محالة محقّق، وأنّ هذال الفعل القرآني على الأرض قابل للتحقّق على الأرض من جديد، إنه لم يكن على كوكب آخر، بل كان على الكوكب ذاته الذي نعيش عليه....!
نعم... لا بدّ لهذا الدين من كرّة أخرى يعود فيها السيّد على الأرض كلها...
كل هذا الذي كان، دليل على أنه سيكون مرة أخرى ....قابل لأن يكون مرّة أخرى ما دام القرآن كتاب الله المحفوظ حيا ....

نعم... عمر بحر زاخر.... عمر رجل لا ككل الرجال، عمر صُنع للإسلام وصَنَع للإسلام عزّا...
عمر صنعه القرآن، وجّهه القرآن، فكان خريطته وبوصلته ومشكاته وقائده ....

عمر... لا يكفي أن نقرأ عنه، وفي كل مرة نُشدَه مما نقرأ عنه...بل يستدعي الأمر ويقتضي أن نستلهم العمريّة لهذا العصر الذي نعيش، لما يحيط بنا، نحتاج أن نستلهم العمريّة في العدل، في الحق، في العمل، في حب الدين، في محاسبة النفس، في الأمل الدائم، في العيش بالقرآن... في فهم القرآن ذلك الفهم العمريّ الدقيق الذي جعله حقيقة على الأرض ....

نعم ... نحتاج أن نستردّ عمر لنستحقّ أن نرى عمر رأي العين ....

مازلت مع "استرداد عمر"... استرداده من السيرة إلى المسيرة...

يمضي الكاتب قدُما، فيتطرّق إلى نقطة دقيقة شكّلت الفهم العمريّ للنفسيّات وذلك تحت عنوان "الإخلاص في العمل... الخلاص في العمل"

عمر بن الخطّاب رأى أنه من الواجب أن يتسلّح بفهم للسلوكيات، ولاختلاف النفسيّات، عمر لم يكن سطحيا، ولم يكن يحكم على المظاهر، كان حكيما، ذكيا، لبيبا، وهو كما قال عن نفسه: "لست بالخبّ ولا الخبّ يخدعني" . رجل واضح وضوح عمر، قويّ في الحق قوّة عمر، كان لا بدّ أن يكون عارفا بمظاهر المنافقين، والمتلاعبين، والكاذبين، نعم لن يكون عنده ما يخترق القلوب ليعلم النوايا، ولكنّه كان دقيقا في نظرته لمَن حوله، لم تكن تغرّه مظاهر التديّن، بل هو القائل: "لا تنظروا إلى صلاة أحد ولا إلى صيامه، ولكن انظروا إلى مَن إذا حدّث صدق، وإذا اؤتُمن أدّى، وإذا أشفى ورع"

يقول الكاتب:
الحكم العمريّ يكون مؤلفا من "غربالين" متداخلَيْن.. لا يمكن التخلّي عن الأول، وسنكون في مشكلة كبيرة إن تخلينا عن الثاني.
الغربال الأول: لا يُبقي إلا من يؤدي الشعائر، ويتسرب منه كل من يتكاسل أو يتهاون في أدائها، لن نطلق أحكاما على هؤلاء الآن، لكنّ الغربال العمريّ في التقييم لن يبقيهم حتما
الغربال الثاني: ينتقي من مؤدّي هذه الشعائر على سلوكهم في حياتهم اليومية، هل يصدقون في تعاملاتهم؟ هل يؤدون أماناتهم؟
إن كان الجواب نعم، فقد صدقت شعائرهم إذن، أثمرت سلوكا إيجابيا، يدل على صدقها وصدقهم فيها.


« آخر تحرير: 2014-12-23, 13:41:39 بواسطة حازرلي أسماء »
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6545
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
من وحي كتاب"استرداد عمر(من السيرة إلى المسيرة)" د.أحمد خيري العُمري.

ثم يأتي الكات بتوصيف للحالة العمرية، فيقول أن كل الحكاية في نظام التشغيل، تماما ذلك المصطلح الحاسوبي "نظام التشغيل"، يقول أنّ النظام التشغيل العمري قرآني مئة بالمئة، موافقات عمر رضي الله عنه لآيات نزلت من القرآن الكريم كانت عن نظرة ثاقبة للأحوال، ولما يستقرّ في خلده من مفاهيم الحضارة الممتدة، عمر وهو يقترح على رسول الله صلى الله عليه وسلم اتخاذ مقام إبراهيم مصلى، قد عرف رمزية إبراهيم عليه السلام، عمر أراد أن يكون للرمز المحسوس دور في استشعار معنى الإمامة الإبراهيمية، واستشعار الجذور الأولى لحضارة تمتدّ على نسق واحد وبنظام واحد هي الإسلام والحنيفية السمحة التي تقوم عليها حضارة ذات قيم وثوابت راسخة ... وهو يقترح على رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تحتجب نساؤه، كان ينظر لمقوّمات بقاء الحضارة الإسلامية، وخصوصيتها بحفظها للمرأة، وبصونها لها، وهي عامل أساسي في قيامها إذا ما حصنت، وعامل من عوامل انهيارها إذا ما أهملت وسيبت .

وتحت عنوان "ما لم يقله عم رفي الخمر" يعرض الكاتب قصة عمر معها، كيف كان أشربهم لها قبل إسلامه، وكيف أصبح أكثرهم سؤالا عنها بعد إسلامه، عقل عمر الذي عقِل أمر الله تعالى، فهم أنّ الإسلام والخمر لا يلتقيان، عرف وفهم أن عقل المسلم عقل حرّ، لا يجب أن يكون عبدا لشيء، بل عبد لله وحده، عقل عمر المسلم عرف من قبل أن تحرّم الخمر أنّ إذهاب الخمر للعقل لا يلتقي مع الإسلام الذي يحترم العقل، ويستخدم العقل ... فظل يلحّ على رسول الله صلى الله عليه وسلم المر تو المرة، وفي كل مرة كان يسأله كان ينزل تدريج من تحريم الخمر، إلى أن نزل التحريم النهائي، والذي قال عنده عمر "انتهينا انتهينا" وكأنما عمر الذي كان أشرب الناس لها أصبح أكثر الناس فرحا بتحريمها.

كان الإلحاح العمريّ على البيان الشافي أمثولة عن تعامل عمر، عن ملحمته الداخلية التي رأى من خلالها أن الأمة إلى بيان قاطع واحد وصريح كي تتخلص من مرض متربّص بنهضتها وبقيامها.

ثم عرف عمر فيما بعد أن غير الخمر أيضا وهو مسكر بمثابة الخمر لا فرق، وأن الخمر ما خامر العقل، عرف أن كل مسكر خمر.

ثم يعرض لموقف عمر في السقيفة، يوم موت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورغم صدمته العظيمة بموت رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلا أنه سرعان ما يسترجع رشدَه من أجل الإسلام، كيف لا وعمر وأبو بكر قد صُنعا صنعا بالقرآن، قد صنعهما الرسول صلى الله عليه وسلم بتربية ربانية ولا أرقى، كيف لا يفقه أبو بكر وعمر أنّ رسالة الإسلام باقية وإن مات رسول الإسلام، وأنهم حملة الأمانة بعده، لم يكونا متطابقَين ولكنهما كانا متكاملَيْن .... الشيخان أبو بكر وعمر، أبو بكر كان مديرا استثنائيا للأزمات، وقد كانت منه تلك الإدارة الاستثنائية إثر وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان منقذ الدين، وقائد حروب الردة، وكان عمر يتدرب على هذه الاستثنائية البكريّة.

عمر كان يرى الأزمة قبل وقوعها، وهذا ما كان منه وهو ينبّه أبا بكر الصديق رضي الله عنهما إلى خطورة مقتل حفاظ كُثر لكتاب الله، وأن الأمر يستدعي جمعه، ففتح الله صدر أبي بكر للأمر، واستقدما زيد بن ثابت، وبدأت أهم عملية في التاريخ كله.

وهنا يرى الكاتب عبقرية الشيخَيْن وهما يفرّقان بدقة بين الوسائل المتغيرة والأهداف الثابتة، بين الأدوات والغايات، وقد كان لأبي بكر منجزات عظيمة في فترة استخلافه أهمها على الإطلاق حروب الردة، وجمع القرآن، كما أن من أهمها أيضا "استخلافه عمر"

« آخر تحرير: 2014-12-23, 14:44:39 بواسطة حازرلي أسماء »
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6545
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
من وحي كتاب"استرداد عمر(من السيرة إلى المسيرة)" د.أحمد خيري العُمري.

وهكذا يمضي الكاتب قُدما مع حياة عمر الفاروق رضي الله عنه، وفي كل موقف، لا يكتفي الكاتب بالقصّ، وإنّما يتوجّه لك ولي ولكل قارئ ليستلهم العمريّة في كل موقف، يمضي إلى القادسية، وما كان منه من إدارة عسكرية فذة من بعيد، ومن تتبّعه أخبار الأجناد خطوة بخطوة يوما بيوم، رسائله إلى القادة، توجيهاته، تذكيره الدائم لهم أنّ النصر يأتي من عند الله تعالى متى تخفّف المسلمون من ذنوبهم، وأخبتوا لربهم وأنابوا....
يدعوهم للصلاة الجامعة، ويكتب للقائد كلمة يأمره أن يقرأها على الجنود، ويوصيهم بالدعاء والتضرع لله، هذا وهو لا يغفل البتّة عن الإعداد، الإعداد للقاء العدو، الأخذ الكامل بالأسباب...

وكمّ الفتوحات التي كانت في عهده، والتي لم تكن فتحا للأرض لاستعباد أهلها، واضطهادهم، ولظلمهم وإلحاق الأذى بهم، بل كانوا فاتحين حضاريين بأتم معنى الكلمة، كانوا فاتحين جاؤوا بالخير لأهل البلاد المفتوحة.... جاؤوهم بالعدل، وبالإنصاف، وبرسالة الإسلام التي كان العدل والإنسانية سماتها الملازمة، مما جعل أهل الأراضي المفتوحة راغبين فيهم، فرِحين بفتحهم ....

هزيمته للفرس المعتدّين برفاههم وترفهم، وكسره لشوكتهم، وإعلاؤه لكلمة الله على أراض هي اليوم كلها تدين لعمر ولرجال حول عمر بإسلامها ...

ثم يأتي دور الفتح الأكبر، ذلك الفتح الذي أرسل بشأنه أبو عبيدة رسالة لأمير المؤمنين، يقول له أنه فتح يحتاجه هو شخصيا، فكان عمر الفاتح، فاتح القدس، والمصلي في الأقصى، عمر الذي سأل عن محراب داود، داود الذي نزل فيه في سورة "ص" ما عرفنا، داود عليه السلام ذو الأيد، صانع الحضارة، العادل، وكذلك كان عمر الذي تقولب في قالب داود عليه السلام ذي الأيدي، فكانت أياديه العمريّة .... بحث عن محراب داود أول دخوله الأقصى .... واختار موقع بناء الجامع داخل ساحة الأقصى، الجامع القبلي .... ونظّف باحة الأقصى بنفسه.... عمر الفاتح الذي فتح القدس وهو يخوض المخاضة بأقدامه، ويقود دابته بثيابه المرقّعة ... عمر الذي استقبله أسقف القدس المسيحي وهو يقول : دولة الظلم ساعة ودولة العدل إلى قيام الساعة ...

وكانت العهدة العمرية، ذلك الميثاق العمري العظيم الذي وضعه عمر الفذّ الذي لم يفرِ فريَه أحد ....
فكان العادل، الفاروق، صاحب الحق، الذي أعطى كل ذي حق حقه، وحمى النصارى، وكنائسهم، وطرد اليهود من القدس .

ثم يذكر "الأوائل العمرية" وما أكثرها ...!!

ثم يذكر مدى احترام عمر للمرأة، المرأة كما جاء الإسلام يبين صفاتها، ويعطيها حقوقها، ويحافظ على أنوثتها، وخصوصيتها، ويبعدها عن المسخ الذي تريده بها ما يسمى حضارات الغرب التي ترى في الحرية تحررا من الأخلاق والفضيلة ... تحرر الإنسان من خصوصية جنسه، وتمسّحه بلبوس الجنس الآخر...

عمر الذي يتنادى أعداء الإسلام، والعلمانيون من بني جلدتنا بأنه ظالم المرأة، ومضطهدها، ويعلنون عداوتهم له، لا لشيء إلا لأنه أراد المرأة كما هي حقيقة المرأة التي تكون ركنا ركينا من أركان الحضارة الناجحة العاملة الباقية، ورفض وحارب كل مظهر من مظاهر إهانتها ومسخها، والتلاعب بها وجعلها سلعة تباع وتشترى، وقصرها على المتعة لا غير ....

ثم يأتي موضوع دقيق وبالغ الأهمية بعنوان "مدرسة تجفيف المنابع" وفيه يعرض الكاتب لخطوات عمريّة دقيقة حاسمة، لا يأتيها إلا عمر بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخصّ بهذه النقطة أمرَين أولهما الرقّ، وثانيهما القبيلة، ذلك أن الإسلام جاء حاسما في أمر الشرك والحلال والحرام، فهدم الوثنية وأنهى وجودها، ورسّخ للتوحيد الخالص، وأحل الحلال وحرّم الحرام، وأكمل الله دينه، ولكن بقيت أمور تندرج تحت عنوان تجفيف المنابع، تجفيف المنابع الذي يمتد العمل عليه، فلم يُنتهَ منه في خطوة واحدة، ولم يُنتَهَ منه في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل احتاج الأمر فيه إلى استمرار العمل بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم،
فكان عمر القوي الأمين الذي مضى بنظام الرقّ نحو طريق النهاية، فهو الذي أعتق الجارية إذا ولدت... فقد جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم كل ابن جارية حرا لا يباع ولا يشترى وإن كان أبواه عبدَين،
فأكمل عمر الدرب بعده، ومنع بيع أم الولد منعا للقطيعة .... فكان يأمر بعتقها فور وفاة سيدها، ثم صار يعتقها فور ولادتها،

عمر هو الذي حثّ على المكاتبة بين السيد وعبده، كان لا يسمح لمالك أن يعتدي على مملوكه.
عمر هو الذي أجاز شهادة العبد .
عمر هو الذي أعتق الجواري من تحت أسيادهم فور سماعه بإيذاء سيدها لها .

وكذلك فعل عمر في القبلية، فجعل يعاقب كل من تنادى بها، حتى يجعل اللواء الواحد الجامع هو الإسلام، وحتى يجفف نابع الافتخار بالقبيلة، كان مشروعه تذويب القبيلة، فكانت أهم خطوة خطاها في هذا المجال أن جعل الديّة التي تُدفع عن الرجل يؤديها عنه ديوانه لا قبيلته، فعمر الذي دوّن الدواوين جعل لكل فرد مجموعة ينتمي إليها حسب الديوان، فإن كان من المقاتلين كان في ديوان المقاتلين، وإن كان في سجل الكتّاب كانت الديّة فيهم .... وهكذا أذهب دور القبيلة ....
صارت لانصرة من قبل الإنجاز الشخصي، لا من قبل القبيلة .

وأخيرا


جاء ذكر موت عمر رضي الله عنه ف يالعام 23 هــ... موته الذي لم يكن هيّنا على المسلمين سواء من كان معه، أو من جاء بعده، لم يكن هيّنا علينا جميعا ...!! فنحن نفتقد عمر أكثر منهم .... نحتاج إلى عمريّة تنقذنا ....

ولقد كتب العمريّ في ذلك كلمات أحسبها قوية بما يكفي لتعبّر عن مدى عظمة الرجل، وصعوبة افتقاده ، تأملوا هذه الكلمات .... عمر المطعون غدرا، عمر الشهيد رضي الله عنه وأرضاه عمر الذي عاش في سبيل الله، وإن الحياة في سبيل الله لأصعب من الموت في سبيله لمن يعقل

عمر الذي طعن في المسجد وهو يؤم المسلمين، وكان يومها قد قرأ سورة النحل .... فيقول الكاتب :

وكان هناك أشياء أخرى في ذلك الفجر الحزين في آيات سورة النحل...

وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْاْ مَاذَا أَنزَلَ رَبُّكُمْ قَالُواْ خَيْراً لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَلَدَارُ الآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ(30) جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَآؤُونَ كَذَلِكَ يَجْزِي اللّهُ الْمُتَّقِينَ(31) الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُواْ الْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ(32)

لم يدرِ أحد بينما كان عمر يقرأ تلك الآيات أن الملائكة كانت تستعد لاستقبال واحد ممن كان عمله قد أحدث أثرا كبيرا في العالم، وأنّه سيغادر الأرض وهي مختلفة تماما عن الأرض التي جاءها، لم يكن ذلك محصّلة لعمله وحده، فهو لم يكن سوى واحد من أتباع محمد عليه الصلاة والسلام، لكنّ الأرض في السنوات العشرة التي استُخلف عمر فيها، قد تغيرت كثيرا نحو ما يجب أن تكونه، وكان ذلك يعود له ولما تعلّمه وفهمه من رسالته عليه الصلاة والسلام.
لا أعرف إن كانت الملائكة يمكن لها أن تذرف دموعا بينما هي تؤدّي عملها، لو كان لها ذلك لبكت، لو كان لها حريّة تأخير الأمر لحاولت ...!
لعلها تذكرت يوما ما عند بدء التاريخ، يوم قالت لله عزّ وجلّ "أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء" وقال عزّ وجلّ "إني أعلم ما لا تعلمون" .
كان عمر واحدا من ذلك النوع من البشر الذين علمهم الله ولم تتخيّل الملائكة إمكانية وجودهم ..
كان عرم يقرأ الآيات، وكانت الملاءكة قد حبست أنفاسها، لم يكن بإمكانها ...لم يكن لها الحق أن تفعل شيئا يمنع ما سيحدث بعد لحظات .



وقد أنهى الكاتب كتابه بكلمات جوهرية قوية وجهها للقارئ يستشعر بها كم أنّ الأمر خطر، وكم أن المسؤولية عظيمة ولا تقتصر على قراءة قصة من القصص :

المهمّ في سيرة عمر ألا تكون قصة للتسلية أو قصة لمواساتنا عن حاضرنا المخجِل.. تستنزف دموعنا لترضي ضمائرنا، المهم أن تستثمرها في استرداد عمر ليكون جزءا من مسيرة حياتك، مسيرة خروجنا من هذا الواقع، المهم في سيرة عمر ألا تكون مجرد سيرة كقصص الحكايات والعِير، بل أن تساهم في جعلها عاملا أساسيا في مسيرتك الشخصية، حيث الفرد في داخلك جزء من الكل، وحيث الأنا جزء من النحن.. كل ما أضعناه، كل ما صيعناه، كل ما نريد استرداده، سيمر حتما أولا باسترداد مقوّمات شخصية بعينها يلخّصها عمر ...عندما نسترده، نسترد فهمه وحزمه، وحسمه، وفصل خطابه، سنتمكن من استرداد كل ما ضاع ... وكل ما صيعناه ...
عمر..
لم يخلق من نور..
ولم ينزل عليه وحي..
(مثلنا)
لكنه ساهم في إنارة هذا العالم بالوحي الذي أنزل على محمد عليه الصلاة والسلام.
أهم فصل في سيرة عمر هو الفصل الذي لم يُكتب بعد، رغم كونه فصلا محوريا، إنه فصل لن أكتبه أنا، ولن يستطيع أي كاتب أن يكتبه أيضا..
ولكن ستكتبه أنت..
وسيكون الفصل الأهم..
فصل انتقال عمر من السيرة إلى مسيرتك الشخصية ..بعبارة أخرى : فصل استردادك لعمر..



« آخر تحرير: 2014-12-29, 19:18:42 بواسطة حازرلي أسماء »
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6545
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
من وحي كتاب "عمر يظهر في القدس" لنجيب الكيلاني.

منذ قليل أنهيت قراءة كتاب جديد، هو لنجيب الكيلاني الروائي المعروف، وصراحة لم أشأ القراءة له هكذا دون معرفة مسبقة بخلفياته وأساساته، حتى لا أجدني مضيّعة لوقتي، فليست كل قراءة مفيدة، ولا كل قراءة مكسبة للوقت... فخلفية الكاتب تلعب دورا كبيرا في موضوع الوقت من حيث التضييع أو الكسب ...

نجيب الكيلاني روائي إسلامي، إخواني، عُرف بكتاباته الهادفة، وبتوقه لعزّة الإسلام، وبطرقه لمواضيع في إطار هذا الهدف، وهذه الرؤية ...

كتابه هو "عمر يظهر في القدس" اخترت أن أقرأه بعد كتاب أحمد خيري العمري "استرداد عمر من السيرة إلى المسيرة" حتى أبقى في الجوّ العمريّ، وحتى أرى القالب الذي يصبّ فيه الكيلاني "عمريّته الأدبية" من بعد ما عرفت القالب الذي صبّ فيه خيري العمري "عمريّته الحضارية"، بمعنى أن أقرأ العمرية من أوجه ...

عمر يظهر في القدس، بطلها شاب فلسطيني هو الراوي لأحداث القصة، والتي هي عبارة عن تخيّل الكاتب لظهور عمر من جديد، انبعاثه من موته، فكان صاحبنا الراوي أول من التقاه، ورغم دهشته من أنه أمام عمر بن الخطاب الأصلي منبعثا للحياة، إلا أن عمر يدخل معه حوارا حول مشيئة الله تعالى المطلقة والتي لا يستعضي عليها أمر، مما يجعل صاحبنا وهو يعاين الرجل ويسمع كلماته، ويرى تصرفاته، وجهله بالعالم الجديد الذي خرج له، يصدّق المعجزة...

وهكذا يصبح رفيق عمر، يصطحبه إلى بيته، وهو يرقب تصرفاته العمرية، وقوته، وكلماته الصارمة، ويرى استغرابه من كل أبجديات الحضارة الجديدة، وصاحبنا يشرح له كل ما يستغربه، وشيئا فشيئا، يخرج خبر عمر من حدود الشاب الراوي إلى غيره ....
حينما بدأ عمر المسير معه في شوارع القدس، حينما يرى شابا يهوديّا لاهيا مع رفيقته اليهودية، فيذهل عمر من هول ما يرى، ويبدي امتعاضه، وتقفز روحه العمرية الأبية، التي تأبى الفحش، ومظاهره، ويصدع بكلماته الناهية عن المنكر، ويأخذ صاحبنا في شرح الأمر له الهُوينى، وهو يبرر له أن عالم اليوم، يرى في هذا تحررا وحضارة وتقدما، ولكنّ عمر لا يرضخ لهذه التفسيرات الهوائية، ويبقى الحق عنده هو الحق، والباطل هو الباطل، بل يصرّح بكل قوة أن هذا العصر بهذا الشكل ليس عصر الحرية، بل عصر الكذب، والادعاء وتسمية الأشياء بغير مسمياتها... وشيئا فشيئا يعرف الخليفة كثيرا من مظاهر هذا العصر المجنون، ويزداد يقينا أنه في عصر الضعف، والكذب والفحش...

وهكذا يكون ظهور الخليفة في القدس، بالذات، تلك المدينة التي فتحها، وتكبر قصته، وتخرج للعلن تدريجيا، ويزيد في انتشارها إعجاب تلك الفتاة اليهودية بقوته، وبصرامته، وهو يوبّخها هي ورفيقها، وتتعلق به وبكلامه الذي يجد مسربا إلى نفسها، كما يجد النور سبيلا إلى الأرض المظلمة معلنا أنّه الغالب لا محالة....

ويمرض الخليفة، ويدخل المستشفى، ويفحصه الأطباء، والكل يرى في كلامه هذيانا، ويرى فيه شخصا مريضا يدعي انبعاث الخليفة فيه، ولكن ما تفتأ كلماته ونورانيّته تخترق النفوس، فينقلب التكذيب به تصديقا، واهتماما، وإعجابا بكلامه الموزون، القوي، الصادع بالحق، فيقرّ الكل أنه عمر حقا، فهذا طبيب عاش عمره يحلم بعزّ الإسلام وبنصر المؤمنين، وبتخليص القدس من براثن اليهود المحتلين، فيكون من أوائل المصدّقين، وذاك آخر ماركسي التوجه، يستهزئ بكل مصدّق، ويرى في الأمر مهزلة فكرية، تدفعه ماركسيّته لإنكارأي قدرة، وهو الدكتور "وهيب" ، الذي حصل خصام حاد بينه وبين زميلته "رجاء" التي تربطه بها علاقة حميمة أشعلت جذوة انجذاب خاص من كليهما للآخر، من بعد ما اتضح ميول رجاء لاتباع الخليفة وتصديقه، مع تكذيبه التام منه به، وهو الماركسي الذي حادت به ماركسيته عن الجادة، فلم يعد عنده إيمان ....ولكنّ خصامه مع رجاء كان بوابة انفتاحه على الخليفة، إذ التقى به، وسمع كلماته العظيمة، فخرج من عنده مؤمنا، فأصبح هو ورجاء من ذلك اليوم على درب واحدن يعملان له ولأجله، وأصبحت رجاء تلك الطبيبة الحكيمة الرصينة واحدة من الداعيات بدعوة عمر، وكذلك الدكتور وهيب.

أما تلك اليهودية"راشيل" فقد جعلت تتردد على الخليفة تعبّ من كلماته النورانية، وفي كل مرة جديدة  تتبدّل أكثر من المرة السابقة، وهي أصلا عميلة لدى المخابرات الإسرائيلية، ولكنّها كانت صادقة، وتبدّلت بحق، وقد  نسجت المخابرات الصهيونية حولها وحول علاقتها بالخليفة قصصا من شاكلة تفلّتهم الإعلامي الفاضح، على أنها علاقة مشبوهة...!!

وهكذا يصبح للخليفة صدى كبير في القدس كلها، ويوضع تحت الإقامة الجبرية بالمستشفى، وتعتبره إسرائيل خطرا عظيما على أمنها، وهي ترى عدد المعجبين به، والملتفّين حول دعوته القوية، وشخصيّته الفذة يزداد يوما بعد يوم، حتى أصبح محور اهتمام الناس من كل الفئات، يهودا كانوا أم مسيحيين أم مسلمين ....ويدبر اليهود خطة لمقتل "راشيل" التي اعتبرواها عارا على الشعب اليهودي، وعلى نضاله وكفاحه وهي تغيّر من طبعها، ومن سلوكها، وتغدو مطيعة لأمرالخليفة، متبعة لدعوته، وقد أسلمت، بينما كانت تخدم رسالة إسرائيل الكبرى ....

كان لكلماته وقوة شخصيته الأثر العظيم على النفوس، حتى استنفرت إسرائيل ومخابراتها كل قواها لحبك الأكاذيب والقصص الملفّقة التي من شأنها أن تصور الرجل بصورة المتآمر، بل قد وصل بهم الدهاء والمكر إلى تصويره متعاونا مع الإسرائيليين جاء ليأخذ الناس بكلامه المعسول ومن بعد تعلقهم به يعلن تأييده للسلام بين العرب والإسرائيليين !!

يصوّر الكاتب مكر اليهود، وتآمراتهم، وتخطيطاتهم، بطريقة توحي بذكاء العربي إزاء هذه المخططات، وهذا الدهاء والخبث اليهودي، يصوّر هذا بطريقة تشي بمعرفة العرب لأدوات الإسرائيليين، ولأساليبهم ولتضليلاتهم حق المعرفة....

وهو ما لا أشكّ أن الفلسطينيين اليوم متشبعون به، وليس ذكاء أهل غزة، ومجاهديها ومعرفتهم بدسائس اليهود وطرقهم عنا ببعيد ...

وهكذا تتواصل قصة عمر، حتى يبلغ من الشهرة ما يدفع بمتابعيه وأنصاره لتأسيس جماعة "أنصار عمر" وعمر لا ينقطع عن بثّ القوة والحق في صفوف المُحبطين، فيصنع منهم رجالا أولي عزم وقوة، وعمل....

هكذا يأخذ الكيلاني من عمر المنبعث من الموت للحياة، محورا تدور حوله تغيّرات وتحوّلات في النفوس، وقوة تنبعث بالحق في وجه باطل اليهود، ويدبّر أنصار عمر مخططا لتهريب عمر من القدس إلى أقرب دولة عربية، وينجحون ف يتهريبه من المستشفى حيث يحتجزه اليهود، وفي طريق الهروب، تأخذ الجماعة سنة نوم، يستفيقون على إثرها ولا أثر لعمر .... ويقبض اليهود على الهاربين، ويودعونهم السجن، ويُحكم على صاحبنا الشاب الراوي، والطبيب "وهيب" وغيرهم معه، ويحقق معهم حول اختفاء عمر، فيرد الكاتب بما يحمل معنى تصوير انبعاث عمر للحياة :

"إنه في مكان.. إنه ليس مجرد جسد.. هو فكر وعقيدة..إنه إيمان، مستحيل أن تقبضوا عليه ! إن أردتم فاقبضوا على كل رجل ذي قلب مؤمن، هم هو وهو هم، أقسم لا أعرف مكانا بعينه ذهب إليه، لو علمت أن "شخصه" في أي مكان على ظهر الأرض لطرت إليه.. إنه باعث روحي وحياتي، ومُلهم فكري، كلماته وجودي، لكني واثق أنه سيعود للظهور......"

"سأعيش على أمل اللقاء به.. وسأجده.. إنه لا يكذب.. إنه شعاع من نور النبوة، أتقتلون الشعاع؟ مستحيل ! وعندما يعود ثانية، لن أنام، سأظل يقظا أحرسه بروحي وعني ودمي، وأتشبث بأطراف ثيابه الطاهرة، وأمضي خلفه في أي درب يسير يا شعيب الغيلان والأبالسة، ألم أقل لكم إنه وجودي؟ ما أكثر الذين يموتون، ولكنهم أحياء ..."
« آخر تحرير: 2015-01-06, 13:16:22 بواسطة حازرلي أسماء »
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل ماما هادية

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 15899
  • الجنس: أنثى
  • احفظ الله يحفظك
رد: من وحي كتاب
« رد #56 في: 2015-01-07, 08:23:56 »
قرأت ملخصك الاخير حول "عمر يظهر في القدس"
جزاك الله خيرا
هل أسلوب الرواية مشوق ومناسب للشباب والناشئة؟
وما هي معلومات النشر؟
*رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ*

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6545
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
رد: من وحي كتاب
« رد #57 في: 2015-01-07, 12:31:59 »
قرأت ملخصك الاخير حول "عمر يظهر في القدس"
جزاك الله خيرا
هل أسلوب الرواية مشوق ومناسب للشباب والناشئة؟
وما هي معلومات النشر؟


جزانا وإياك يا هادية.
ربما ما شدّني في الرواية أكثر من أسلوبها أو غيره هي فكرة انبعاث عمر للحياة، والذي رأيت فيه انبعاث العمرية للحياة من جديد بين المسلمين، ومتابعة شيء مما قد يحدث لو أن العمريّة بعثت من جديد .... الأسلوب مشوّق من حيث تفاصيل ما يحدث لعمر، وما يستجد من شهرته ونجاح فكرة تواجده، هو أسلوب بسيط وليس معقدا من حيث اللغة، ربما وجدتُني أحيانا أربأ بأن يذكر -ولو على سبيل الرواية والتخيّل والقياس بمقاييس أفعال أهل عصرنا، وخاصة وهم يهود- أنّ لعمر علاقة مشبوهة بتلك اليهودية التي انجذبت له في البداية انجذاب المرأة لرجل سحرها مقاله، ثم يتبدّل انفعالها نحو التأثر العميق بكلمات الحق التي هي دعوته ....

أيضا آخذ على الكاتب في جزئية محاورة أحد الصحفيين لعمر من باب سؤاله فقط عن رأيه في عدد من آليات عصرنا من بعد ما عرفها، ومن بينها سؤاله عن الموسيقى، وهناك رأيت جوابا على لسان خيال الكاتب، لا أجده عمريّا، فلا أرى أنه يليق بعمر بن الخطاب رضي الله عنه أن يبدي رأيا نسبيا في الموسيقى. وأحب أن أذكر لك هذه اللقطة بالذات حتى تعرفي إن كانت تليق أن يقرأها الناشئة عن عمر المتخيّل انبعاثه .
ولا يمنع ذلك من القول أن الرواية في مجملها ذات معنى جوهري، وتصوّر الحلم بظهور العمريّة بيننا تصويرا جيدا ...

« آخر تحرير: 2015-01-07, 12:43:29 بواسطة حازرلي أسماء »
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6545
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
من وحي كتاب "سيرة خليفة قادم" أحمد خيري العمري

أنهيت يوم أمس كتاب "سيرة خليفة قادم" لصاحبه أحمد خيري العمري، وقد كنت قرأت له قبله كلا من "البوصلة القرآنية"، و"استرداد عمر"، كنت قد وضعت عنهما في موضوعنا هذا، وكنت قد أعلنت المصالحة مع الكاتب بعد إنهائي "البوصلة القرآنية"، والذي بدا لي فيه بعض المبالغة خاصة في اتهام علماء الأمة الذين صنّفهم مؤسسي المدرسة التقليدية-كما يعبر عنها- بأنهم السبب الرئيس لما وصلت له الأمة من تأخر وحال، ذلك بدعوى ترسيخهم مفاهيم عن الدين تجتزأ من سياقاتها ويُبنى عليها، وذلك تأثرا بمراحل سياسية مرت بها الدولة الإسلامية، خاصة ابتداء من عهد معاوية بن أبي سفيان. هكذا رأى الأمر، فغضضت الطرف عنه نوعا ما وأوجدت له تبريرات قد تسوّغ ما يقول من ناحية تأثير السياسة على بعض التوجهات، ولكن أبقيت على رفضي لتحميله علماء الأمة مسؤولية ما نحن فيه ...

ويبدو أن مصالحتي مع الكاتب لم تدم طويلا، أو لنقل أنها لن تكون بعد اليوم-وهذا رأيي الشخصي الذي لا ألزم أحدا به-، ولط بعد إنهائي قراءة كتابه "سيرة خليفة قادم".

هو كتاب من 486 صفحة تقريبا، سأحاول إجمالا أن أضع أسباب قراري وموقفي من الكاتب، من بعد ملاحظات كثيرة جمعتُها من الكتاب، والتي رأيت فيها الكاتب متجاوزا التّخوم العادية إلى ما لا يجوز ...سأحاول بإذن الله تعالى وضع بعضها كأمثلة ...

« آخر تحرير: 2015-02-02, 10:56:39 بواسطة حازرلي أسماء »
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل Asma

  • شباب جديد
  • *
  • مشاركة: 139
  • الجنس: أنثى
  • قَالَ كَلاَّ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ
رد: من وحي كتاب
« رد #59 في: 2015-02-05, 22:10:31 »
سلام علييكم emo (6): emo (6):
 ان شاء الله كل الاعضاء يكونون بالف خير و السلام لكي بالخصوص تيتة هادية
فاتني الكثير والكثير وهذا من نفسي و الان فقط عدنا نسال الله الثبات فقد اخذتني الدنيا و متابعها واول ما لفت نظري موضوع الكتاب و الكاتب لاني شخصيا كنت من الملهوفين على كتبه. و بعد القراءة على بعضها لم اجد ما كنت ابحث عنه او ما كانت توحي به افكاره

اسجل للمتابعة و قراءة ما كتب   :emoti_17: emo (4): emo (4):
الهجرة هجرة القلوب الى الله فاسالك ربي هجرة اليك