المحرر موضوع: ماشي بنور الله  (زيارة 49967 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل ماما هادية

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 15899
  • الجنس: أنثى
  • احفظ الله يحفظك
رد: ماشي بنور الله
« رد #60 في: 2010-07-15, 22:01:06 »
10

بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


الخطوة الثانية:  اعرف ربك (5)

لو استرسلنا في هذه الفكرة فلن يكون لحديثنا نهاية أبدا
فنعم الله تعالى وأفضاله سبحانه علينا لا تعد ولا تحصى
نسأله جل وعلا أن يجعلنا من عباده الذاكرين الشاكرين المخبتين المنيبين، ويقبلنا خداما لهذا الدين، و,يلحقنا بعباده المقربين الصالحين.

ولكن تلخيصا لهذه الفكرة فإننا نقول:
من أراد ان يتعرف إلى ربه ويجدد إيمانه في قلبه فعليه:
1-   بالتفكر في خلق السموات والأرض، وآيات الله في الطبيعة من حوله
2-   بالدعاء ثم الدعاء ثم الدعاء... ادع الله وأنت موقن بالإجابة.. وادع الله حتى من أجل الملح في طعامك
3-   مناجاة الله سبحانه وتعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العليا، والتفكر فيها، وتمجيده بها.
4-   بالاستماع لكلام الله تعالى وخطابه لنا، من خلال قراءة القرآن والتدبر في آياته.
5-   بصحبة أهل الله..

صحبة أهل الله؟؟؟
نعم!!! ........ صحبة أهل الله، الذين إذا رؤوا ذُكِر الله
هؤلاء الذين أخلصوا حياتهم كلها لله، حتى صارت كل ذرة من كيانهم تهتف باسم الله، وحتى صاروا يفيضون على من حولهم نورا وهداية ومحبة

كان أحد الصحابة يقول: (لساعة مع عُمر أحب إلي من عبادة سنة)

والرسول صلى الله عليه وسلم يخبرنا ان أهل الله لا بد ان ينتفع بهم جليسهم...

(إن لله تبارك وتعالى ملائكة سيارة يتبعون مجالس الذكر . فإذا وجدوا مجلسا فيه ذكر قعدوا معهم . وحف بعضهم بعضا بأجنحتهم . حتى يملؤوا ما بينهم وبين السماء الدنيا . فإذا تفرقوا عرجوا وصعدوا إلى السماء . قال فيسألهم الله عز وجل ، وهو أعلم بهم : من أين جئتم ؟ فيقولون : جئنا من عند عباد لك في الأرض ، يسبحونك ويكبرونك ويهللونك ويحمدونك ويسألونك . قال : وماذا يسألوني ؟ قالوا : يسألونك جنتك . قال : وهل رأوا جنتي ؟ قالوا : لا . أي رب ! قال : فكيف لو رأوا جنتي ؟ قالوا : ويستجيرونك . قال : ومم يستجيرونني ؟ قالوا : من نارك . يا رب ! قال : وهل رأوا ناري ؟ قالوا : لا . قال : فكيف لو رأوا ناري ؟ قالوا : ويستغفرونك . قال فيقول : قد غفرت لهم . فأعطيتهم ما سألوا وأجرتهم مما استجاروا . قال فيقولون : رب ! فيهم فلان . عبد خطاء . إنما مر فجلس معهم . قال فيقول : وله غفرت . هم القوم لا يشقى بهم جليسهم ) (رواه مسلم)

لهذا لم ينزل الله تبارك وتعالى شرائعه ألواحا مرقومة أو صحفا مكتوبة، وأمر الخلق باتباعها، بل اصطفى من خلقه رسلا، أكمل الناس خَلقا وخُلقا، وأكثرهم صبرا ورحمة وعطفا ونُبلاً، جعلهم قدوة للعباد، ومصابيح هداية تشع الانوار الربانية على القلوب الغافلة اللاهية، فتشرق بها أنوار الإيمان، وتتبدد ظلمات الجهل، ويفيض في الارواح الحب واليقين

{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً * وَدَاعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُّنِيراً}  (الأحزاب 45-46)

وأمر المؤمنين بالتزام خطاهم، والتأسي بهم، واتباعهم
{قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}  (آل عمران 31)

ولهذا اتبع الصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم بكل جوارحهم، بعدما أحبوه بكل قلوبهم، حتى صار أحدهم لا يطيق عنه فراقا ولا حتى في جنة الخلد
فجنة الخلد بلا الحبيب المحبوب صلى الله عليه وسلم لا تسعده ولا ترضيه


(جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إنك لأحب إلي من نفسي [ وإنك لأحب إلي من أهلي ومالي ] وإنك لأحب إلي من ولدي وإني لأكون في البيت فأذكرك فما أصبر حتى آتي فأنظر إليك وإذا ذكرت موتي وموتك عرفت أنك إذا دخلت الجنة رفعت مع النبيين وأني إذا دخلت الجنة خشيت أن لا أراك فلم يرد عليه النبي صلى الله عليه وسلم شيئا حتى نزل جبريل عليه السلام بهذه الآية { ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين}  ) أخرجه الهيثمي في مجمع الزوائد وقال: رجاله رجال الصحيح غير عبد الله بن عمران العابدي وهو ثقة

(جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله متى قيام الساعة فقام النبي صلى الله عليه وسلم إلى الصلاة فلما قضى صلاته قال أين السائل عن قيام الساعة فقال الرجل أنا يا رسول الله قال ما أعددت لها قال يا رسول الله ما أعددت لها كبير صلاة ولا صوم إلا أني أحب الله ورسوله فقال النبي صلى الله عليه وسلم المرء مع من أحب ، وأنت مع من أحببت فما رأيت فرح المسلمون بعد الإسلام فرحهم بهذا )
 (رواه الترمذي في سننه وقال صحيح)

وحتى صار أحدهم يبكي صبابة وشوقا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا الذي يبكي صبابة ليس رجلا ضعيفا او فتى يافعا ... إنه قائد محنك، فاتح عظيم، أمين هذه الامة، أبو عبيدة الجراح..
(عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه بعث رهطا وبعث عليهم أبا عبيدة فلما ذهب لينطلق بكى صبابة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فجلس فبعث عليهم عبد الله بن جحش مكانه وكتب له كتابا....)   (قال الهيثمي: رجاله ثقات، وقال ابن حجر العسقلاني اسناده حسن)

صبابة لرسول الله صلى الله عليه وسلم فداه نفسي وأبي وأمي وأبنائي

ومن يستحق أن يشفّنا بوجده، وتذوب قلوبنا له حبا، إن لم يكن أشرف الخلق وأنبلهم وأكملهم وأرحمهم وأرقهم وأرأفهم وأعظمهم... صلى الله عليك يا سيدي يا رسول الله...



من يلمني في غرامي............ طالما عاشق جمالك
كن شفيعي يا تهامي ............ جُد تعطف بنوالك

تعلموا الحب يا من تزعمون الحب.. يا من ضللتم طريقكم في الحب...
تعلموا الحب منا


يا فؤادي زد غرامي ........... في هوى خير الانام
يلهب العذل هيامي............ آه من نار الغرام

زاد وجدي واشتياقي............ لحبيبي واحتراقي
فمتى في الحيّ يوما............ عينيَ السمرا تلاقي
روضة فيها نعيمي ...........  وسروري ورواقي

ومن ثم فاض نور النبوة على الصحابة الكرام، فأصبحوا هم نجوم الهداية لمن جاء من بعدهم
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي ، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ ) (صححه ابن تيمية)


وقال: (النجوم أمنة السماء، فإذا ذهبت النجوم أتى السماء ما توعد، وأنا أمنة لأصحابي، فإذا ذهبتُ أتى أصحابي ما يوعدون، وأصحابي أمنة لأمتي، فإذا ذهب أصحابي أتى أمتي ما يوعدون.)  (أخرجه مسلم)


قال ابن حزم: إنما حكموا بأن مجالسة ساعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، أو مشاهدة لحظة، أو سماع كلمة فما فوقها منه عليه الصلاة والسلام تكسب صاحبها اسم (الصحابي) لشرف منزلة النبي صلى الله عليه وسلم، ولأن لرؤية نور النبوة قوة سريان في قلب المؤمن، فتظهر آثارها على جوارح الرائي في الطاعة والاستقامة مدى الحياة ببركته صلى الله عليه وسلم.


هذا النبي فلا شمس ولا قمر ................. ولا ملاك ولا جن ولا بشرُ
أستغفر الله فالأكوان قاطبة ................... تسير من خلفه خجلى وتعتذرُ

ثم ما زال هذا النور يسري عبر القلوب الطاهرة، يرثه التابعون عن الصحابة، وتابعو التابعين عن التابعين، وكل تلميذ عن شيخه... فلا قطعنا الله عن هذه السلسلة المباركة ولا حرمنا الاتصال بها...

وللحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حظ وافر في رحلتنا هذه إن شاء الله، فبغير نوره صلى الله عليه وسلم لا نقتدي، وبغير هديه لا نهتدي، وبغير الصلاة عليه لا تقبل لنا صلاة، ولا يرفع لنا دعاء

ورضي الله عن شاعر رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ قال:


وأجملُ منك لم ترَ قطُّ عينٌ.........  وأكملُ منك لم تلدِ النساءُ
خُلقت مبرّءاً من كل عيبٍ........... كأنك قد خُلقت كما تشاءُ



اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد
كما صليت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم
وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد
كما باركت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم
في العالمين إنك حميد مجيد

« آخر تحرير: 2010-08-09, 20:53:25 بواسطة ماما هادية »
*رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ*

جواد

  • زائر
رد: ماشي بنور الله
« رد #61 في: 2010-07-16, 11:24:08 »
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما صليت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم
وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما باركت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد.


بارك الله بكم وجزاكم خيرا كثيرا،

ربما من أشد ما عانيت في حياتي أنه دائما ما كنا نسمع عن معاني الجهاد والحماسة ولم نكن نسمع كثيرا عن معاني الحب والتعلق بالمصطفى صلى الله عليه وسلم،

ولما دخلت الجامعة وسكنت في المدينة الجامعية، كان هناك بعض الأخوة السلفيين يضعون ملصقات على الحوائط فيها "لا تبهتوني كما بحث النصارى عيسى ان مريم"

على الرغم أنه لم يكن هناك أصلا من يحدثنا عن النبي صلى الله عليه وسلم فضلا على أن يغالى في ذلك ..

غير متصل رافية

  • شباب جديد
  • *
  • مشاركة: 11
رد: ماشي بنور الله
« رد #62 في: 2010-07-16, 11:33:29 »
اللهم صل على  محمد وعلى آل محمد كما صليت على  إبراهيم وعلى آل  إبراهيم
وبارك على  محمد وعلى آل  محمد كما باركت على  إبراهيم وعلى آل  إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد

غير متصل ماما هادية

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 15899
  • الجنس: أنثى
  • احفظ الله يحفظك
رد: ماشي بنور الله
« رد #63 في: 2010-07-17, 17:14:43 »
جزاك الله خيرا على تفاعلك يا رافية ومتابعتك المستمرة

وشكرا لك على مداخلتك يا جواد

وبالفعل، من مصائب الدعوة والعاملين بها في هذه الأيام ان كثيرا منهم لا يخاطبون الناس بما يحتاجونه وما ينقصهم في حياتهم
فترى داعية منهم ياتي الى ناس تورمت أجسامهم من النوم والكسل ليعظهم بأن لأبدانهم عليهم حقا، وأن قيام الليل ليس فريضا ولا داعي للتنطع في العبادة، ويأتي لأناس لا يعرفون شيئا عن خصال الحبيب المصطفى ليسفه لهم من يغالي في محبته، ويأتي لنساء متمردات على أزواجهن وآبائهن ليحدثهن عن تحرر المرأة في الاسلام، وأناس قتلهم الترف والرفاهية ليكلمهم عن أغنياء الصحابة وأن الاسلام لم يمنع جمع المال وان الزهد بدعة...

ولتجنب هذا أمرنا الله سبحانه وتعالى ان ندعو إلى سبيله بالحكمة والموعظة الحسنة
وقدم الحكمة على الموعظة الحسنة

فليس من الحكمة ان تلين في موضع الشدة، ولا أن تشتد في موضع اللين، ولا ان تخاطب الناس بما يطبطب على أخطائهم ويزيدهم ركونا الى حياتهم الدنيا

نسأل الله سبحانه وتعالى ان يلهمنا الحكمة، ويملأ قلوبنا بالمحبة له ولرسوله صلى الله عليه وسلم ولأحبابه

ولم أنسَ سؤالك، وأنتظر تيسير الله سبحانه وتعالى لأمري لأجيب عليه بعونه وأمره
*رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ*

غير متصل ماما هادية

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 15899
  • الجنس: أنثى
  • احفظ الله يحفظك
رد: ماشي بنور الله
« رد #64 في: 2010-07-18, 11:40:27 »
11
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


الخطوة الثالثة:  تقرب إلى ربك (1)

في الحلقة قبل السابقة طرحنا السؤال التالي:
الله الذي تقرب إليك بكل هذه النعم والأفضال وهو الغني عنك سبحانه
ألا تريد أن تتقرب أنت أيضا إليه ؟


وقد أجيب على هذا السؤال بأن بلى نريد أن نتقرب لربنا سبحانه وتعالى... فكيف؟

يخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث القدسي الذي يرويه عن ربه سبحانه وتعالى:


"إن الله قال : من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب ، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه ، وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه ، فإذا أحببته : كنت سمعه الذي يسمع به ، وبصره الذي يبصر به ، ويده التي يبطش بها ، ورجله التي يمشي بها ، وإن سألني لأعطينه ، ولئن استعاذني لأعيذنه."
(رواه البخاري)

هذا الحديث الشريف يا إخوتي يلخص المنهج الذي سنسير عليه في خطواتنا المقبلة على درب الله عز وجل إن شاء الله.

يعلمنا الله تعالى في هذا الحديث القدسي أنك إذا أردت ان تتقرب إلى الله تعالى فعليك أن تتقرب إليه كما يريد هو، لا كما تريد أنت وتتمنى...
وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه

تتقرب باتباع أوامر الله واجتناب نواهيه، لا بابتداع طرق للسير وفق مزاجك الخاص، وأساليب من اجتهادك الشخصي... اتبعوا ولا تبتدعوا فقد كفيتم..

{قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}  (آل عمران 31)
{إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ المُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ * وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الفَائِزُونَ}  (النور 51-52)


دعونا نتجول قليلا بالكاميرا لنلتقط بضع مشاهد حياتية يومية نراها دوما من حولنا، لعل بعض الأمور تتضح لنا:

-   رحم الله جدتي وآنس وحشتها وجعل قبرها روضة من رياض الجنة... أذكر في طفولتي عندما كان أحد أعمامي يحاول ان يتقرب منها ويرضيها... أمي هل أعمل لك فنجانا من القهوة... فتقول وهي مكتئبة: لا أريد قهوة، من يحبني فليشطف لي الديار....
جدتي كانت مشهورة بنظافتها وحرصها، وكان البيت من البيوت الدمشقية العربية، التي تتوسطها ساحة كبيرة مكشوفة للسماء، تسمى (الديار) وتحيط بها غرف المنزل من كل جانب... وهذا الديار كان بمثابة فسحة داخلية لأهل البيت، يتعرضون فيه للشمس والهواء والطبيعة، نساء ورجالا، دون أن يكشفهم الجيران... (فن عمارة إسلامي يعكس ثقافة الستر ورعاية حقوق المرأة في أخذ حظها من الشمس والهواء دون ان تخل بحجابها) ... وعندما كبرت جدتي وضعفت صحتها، لم تعد قادرة على شطف الديار أي غسله بالماء لتنظيفه... فصارت تجلس فيه وهي متحسرة على التراب والغبار الذي يحيط بها... وتنتظر من يحن عليها ويشطف لها الديار...
بعضهم كان يتكاسل .. فاعداد فنجان القهوة أمر سهل، اما ان يتحول الامر لشطف الديار.. فنقلة بعيدة... فلنكتفِ بفنجان القهوة....  وبعضهم كان يتحامل على نفسه ارضاء للوالدة العجوز ويشمر ويقوم بشطف الديار... فأيهما كان يرضي جدتي ويبعث في قلبها السرور؟


-   بعض الطيبين من المسلمين، يتمنون  فعل الخيرات، ومن الخيرات إسعاد الاطفال عموما والأيتام خصوصا... فكيف يقررون اسعادهم؟ باصطحابهم لحضور حفل راقص، او جلب مطربة رشيقة تتقافز لهم وترقص معهم وتغني.... أو يقررون جمع بعض التبرعات من أحل مشروع خيري فيختارون فتيات جميلات ليذهبن ويبتسمن لرجال الأعمال او يقدمن لهم وردة او زهرة فواحة مع بسمة -أو قبلة ربما- (للوردة يعني) - مقابل ما تجود به ايديهم من تبرعات... وإن قلت لهم هذا لا يجوز يقولون لك هل تريد منع الخير؟ الا يكفي اننا نفكر في فعل الخير وغيرنا لا يفكر بهذا؟ .. نقول: يا جماعة، تريدون ان تتقربوا الى الله، تقربوا اليه كما يريد وكما يشرع لكم، لا كما يملي عليكم عقلكم ورأيكم الشخصي وهواكم.... فهل من مجيب؟

-   رجل زار ابن عمه في بيته تلبية لدعوته للعشاء، ثم اكتشف أهل البيت فجأة أن البيت ينقصه الخبز، وعليهم احضاره فورا... فتعين على الرجل ان يخرج لاحضار الخبز... فقال لابن عمه وضيفه: أعتذر منك لكننا بحاجة للخبز، فهل يمكن ان تصحبني لنذهب ونشتري بعض الخبز... ابن العم يقول له: لا عليك.. اذهب وأحضر ما تشاء وسأنتظرك... يقول له صاحب البيت: ستمل هنا لوحدك، تعال معي نتحدث في الطريق... ابن العم يقول: لا لا تخف... سنتحدث أنا وأم فلان حتى تعود (زوجة صاحب البيت) ... يقول صاحب البيت: يا ابن عمي افهمني ارجوك.. أنا سأخرج من البيت، فتعال معي، عشر دقائق ونعود.. ابن العم: لم يفهم.. صاحب البيت: يا ابن عمي أنا خارج من البيت، ولن يبقى به إلا زوجتي، ولا يجوز لك أن تبقى معها بمفردكما، فتفضل وتعال معي... ابن العم يغضب: ماذا؟ أين الثقة؟ الا تثق بي أن أمكث في بيتك في غيابك عشر دقائق؟ هذه تهمة فظيعة؟؟؟ لن أغفرها لك... يا ابن عمي ليست قلة ثقة، انها طاعة لامر الله تعالى، وأمر الله لا يغضب أحدا لانه يمشي على الجميع ويسري على الجميع...

-   فتاة في عائلتنا بلغت سن الحجاب فتحجبت.. ابن عمتها يقول لها ثائرا: هل ستتحجبين مني أيضا؟ قالت: نعم.. قال: ماذا؟ لكنني لم أبلغ بعد ولا زلت صغيرا.. قالت: أمي علمتني أن الحجاب يكون من الطفل المميز وليس البالغ لقوله تعالى في الأصناف المسموح لها بالاطلاع على زينة المرأة {أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ} ولم يقل الذين لم يبلغوا الحلم... قال غاضبا: إن تحجبت مني فهذا يعني أنك لا تشعرين أني أخوك، وهذه ستكون قطيعة بيننا!! ونصرته الجدة والجد... لا داعي يا فتاة لهذا التشدد والتزمت، ولا داعي لتفرقة العائلة هكذا... لا تغضبي عمتك منك...


 
تكفينا هذه اللقطات ولنستخرج الجامع بينها ...
فمن يفيدنا بالسبب الذي اخترنا من اجله هذه اللقطات؟



« آخر تحرير: 2010-08-09, 21:00:19 بواسطة ماما هادية »
*رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ*

جواد

  • زائر
رد: ماشي بنور الله
« رد #65 في: 2010-07-18, 12:23:15 »
من يريد التقرب الى الله فعليه أن يفعل ما يأمره الله به مسلما أمره لله تماما، دون أن يملي رأيه على الله.
لكن هذا مستهجن في زماننا لفساد البيئات والكثير من العادات، وهذة سنة طاعة الله،
دوما ما تجابه بالصعوبات والإتهامات بل وأحيانا بالحرب من أصحاب الهوى أو أصحاب العادات والتقاليد.
ولا سبيل للتقرب منه سبحانه الا بإتباع ما أمرنا به، وبالكيفية التي وضحها لنا الله سبحانه وتعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم.
ألا إن سلعة الله غالية، ألا إن سلعة الله الجنة.

غير متصل ماما هادية

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 15899
  • الجنس: أنثى
  • احفظ الله يحفظك
رد: ماشي بنور الله
« رد #66 في: 2010-07-22, 11:02:12 »
من يريد التقرب الى الله فعليه أن يفعل ما يأمره الله به مسلما أمره لله تماما، دون أن يملي رأيه على الله.
لكن هذا مستهجن في زماننا لفساد البيئات والكثير من العادات، وهذة سنة طاعة الله،
دوما ما تجابه بالصعوبات والإتهامات بل وأحيانا بالحرب من أصحاب الهوى أو أصحاب العادات والتقاليد.
ولا سبيل للتقرب منه سبحانه الا بإتباع ما أمرنا به، وبالكيفية التي وضحها لنا الله سبحانه وتعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم.
ألا إن سلعة الله غالية، ألا إن سلعة الله الجنة.

جزاك الله خيرا يا جواد على حسن المتابعة

هل من أجوبة أخرى يا إخوتي حول القاسم المشترك بين هذه المواقف؟


*رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ*

غير متصل سيفتاب

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 7766
  • الجنس: أنثى
  • إِن يَنصُرْكُمُ اللّهُ فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ
رد: ماشي بنور الله
« رد #67 في: 2010-07-22, 15:09:21 »
:emoti_133:

أعتقد يا هادية أنك اخترتها لأنها كلها تدل على اتباع الهوى واختيار أوامر الدين بما يوافق المزاج الشخصي، وكأن القرآن يخاطب هؤلاء بالذات ويقول لهم:

أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاء مَن يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ - من الآية 85 - البقرة


وللأسف لا أبريء نفسي من هذه السقطات، اللهم اغفر لي ولا تجعلني ممن تخاطبهم في هذه الآية، اللهم أنر بصيرتي وقلبي، اللهم أرني الحق حق وارزقني اتباعه وأرني الباطل باطلا وارزقني اجتنابه.

أنا فعلا مرعوبة من هذه الآية.
وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ
وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ

غير متصل نور السماء

  • شباب نشيط
  • **
  • مشاركة: 491
  • الجنس: أنثى
  • اللهم فرج كرب المسلمين
رد: ماشي بنور الله
« رد #68 في: 2010-07-23, 10:55:03 »
الحمد لله ان رجعت الى هذا الموضوع
وتابعت الى اخر الحلقات

اظن ان الرابط بين هذه المواقف ان كثير من الناس لا يعرفون كيفية التقرب الى الله
يريدون التقرب والحب لله
ولكن لايعلمون ان هذا لابد ان يكون كما امرنا الله
فيعبدون الله كما يحبون يحاولون ارضاء انفسهم
فتارة يفعلون هذا وتارة ذاك
احيانا نراعى حق الله اكثر من الناس واحيانا كثيرة العكس

ربنا يعافينا ويعفو عنا ويرحمنا وينجينا

مارايك ياماما هادية ؟؟
طبيعة التعبير الجميل تشب النار المقدسة فى سرائرنا
فتصهر معادن الجمال من هذه الدنيا وتفرغها فى قوالب حسناء من صنع قرائحنا وألسنتنا ،
أو صنع قرائحنا وأيدينا ، أو صنع قرائحنا وأوصالنا ،
تدعونا إلى الحلول من الكون فى متحف كبير .

غير متصل ماما هادية

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 15899
  • الجنس: أنثى
  • احفظ الله يحفظك
رد: ماشي بنور الله
« رد #69 في: 2010-07-31, 21:03:03 »
أعتذر عن تأخري في متابعة هذا الموضوع.. بسبب المشاغل الكثيرة  :blush::

وترقبوا الحلقة المقبلة قريبا ان شاء الله
*رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ*

جواد

  • زائر
رد: ماشي بنور الله
« رد #70 في: 2010-08-01, 06:58:37 »

في انتظار الحلقة القادمة..

أعانكم الله ويسر لكم أموركم

غير متصل ماما هادية

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 15899
  • الجنس: أنثى
  • احفظ الله يحفظك
رد: ماشي بنور الله
« رد #71 في: 2010-08-02, 19:13:04 »
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الحمد لله تعالى أن وفقني للعودة لهذا الموضوع وقراءة ردودكم الجميلة إخوتي الكرام


اقتباس
من يريد التقرب الى الله فعليه أن يفعل ما يأمره الله به مسلما أمره لله تماما، دون أن يملي رأيه على الله.

اقتباس
أعتقد يا هادية أنك اخترتها لأنها كلها تدل على اتباع الهوى واختيار أوامر الدين بما يوافق المزاج الشخصي


اقتباس
اظن ان الرابط بين هذه المواقف ان كثير من الناس لا يعرفون كيفية التقرب الى الله
يريدون التقرب والحب لله
ولكن لايعلمون ان هذا لابد ان يكون كما امرنا الله
فيعبدون الله كما يحبون يحاولون ارضاء انفسهم

جزاكم الله خيرا... وكلكم فزتم معنا، جعلنا الله وإياكم من الفائزين

الاستسلام والانقياد لله... هذا هو جوهر الإسلام وهو ترجمة معنى اسم هذا الدين (الإسلام) وكم يختصر علينا هذا الاستسلام كثيرا من المعارك الجدلية والكلامية والصراعات النفسية والاجتماعية....



*رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ*

غير متصل ماما هادية

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 15899
  • الجنس: أنثى
  • احفظ الله يحفظك
رد: ماشي بنور الله
« رد #72 في: 2010-08-02, 19:27:35 »

12

الجامع بين هذه اللقطات


اللقطات السابقة كلها تنبئنا عن دائين اجتماعيين، أو بالأحرى دينيين، مستشريين بشدة في أوساطنا الاجتماعية المتدينة (ولا أتعرض للبيئات غير المتدينة) ... ألا وهما:
1- التقرب إلى الله على هوانا ومزاجنا الشخصي، لا وفق أمر الله وشرع الله وبما يريده الله منا...
2- غلبة العادات والتقاليد والمفاهيم الاجتماعية في حسنا وشعورنا على ضرورة الالتزام الديني بشرع الله تعالى بحذافيره...
-نصلي ونصوم لكن أن نمتنع عن الخلوة بغير محرم.. عيب.. وهل اختفت الثقة؟

-  أن نقول يا عزيزتي لا تصافحي الأجانب.....
-عيب.. وهل أترك يده معلقة في الهواء؟ ...

-   يا أخي لا تدخل على زوجة أخيك بيتها في غياب أخيك؟
-    ماهذا الكلام الفارغ، انها مثل أختي تماما!!!... توقفوا عن سوء الظن هذا.. يالنفوسكم المريضة... !!


-   يا عزيزتي عليك أن تتحجبي من ابن عمك وتمتنعي عن الاحاديث الضاحكة ورفع التكليف معه..
-   ولماذا؟ إنه مثل اخي تماما ويستحيل أن يفكر بي بأي طريقة مختلفة... بالعكس... انسحابي منه سيفسر بطريقة خاطئة...

علينا ان نتعود على أن طاعة الله ليست عيبا... العيب هو أن نطيع العادات والتقاليد على حساب الدين
العيب ان نغضب الله تعالى خوفا من غضب فلان وعلان

لو قلت لشخص لا أريد أن أتركك في البيت مع زوجتي لأني لا أثق بك، بينما سأترك فلانا لأنني أثق به، فهذا عيب وإهانة له... لكن لو قلت للجميع بلا تفريق: لا أستطيع ان أتركك لأن هذا امر ربي وربك الذي يجب ان نمتثله لما غضب أو شعر بالإهانة أحد..

وإذن علينا أن نتعلم أن اتباع أوامر الله واجتناب نواهيه والاستقامة على ذلك هو الخطوة الاولى في تقربنا لله عز وجل وتحقيق عبوديتنا له واعترافنا بألوهيته وحاكميته...
هو الخطوة الاولى في فهمنا لمعنى (لا إله إلا الله) لا مشرع إلا الله، ولا حاكم إلا الله...
لا يقول هذا حلال وهذا حرام إلا الله...

{وَلاَ تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ} (النحل 116)

ليس من حق أحد أن ينازع الله حاكميته او تشريعه للبشر...
 ليس من حق أحد أن يقول على ما أمرنا الله به وفرضه علينا انه تشدد أو لا يناسب العصر أو لم نقتنع به وأقنعونا...
وليس من حق أحد أن يقول لما لم يأمر به الله أو حرمه إن هذا وسيلة ممتازة لفعل الخير فلا شك ان الله سيقبله منا لان الغاية تبرر الوسيلة...
 إنما نتلقى تشريعاتنا وأحكامنا من الله تعالى وحده، فالحلال ما أحله الله، والحرام ما حرمه الله...

{قُلْ أَرَأَيْتُم مَّا أَنزَلَ اللَّهُ لَكُم مِّن رِّزْقٍ فَجَعَلْتُم مِّنْهُ حَرَاماً وَحَلالاً قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ} (يونس 59)

وهنا نفهم لماذا قال الرسول صلى الله عليه وسلم للاعرابي أنه أفلح إن صدق..
هل تذكرون هذا الحديث؟
لكم كنت أندهش منه، وكنت أتمنى في بداية التزامي لو أن من يستمع لمواعظي لا يعرفه حتى لا يحاججني به ويتخذه ذريعة لترك النوافل والتطوع الذي نحث الناس عليه...
وكم كنت أتمنى لو أنه لم يكن حديثا صحيحا... لكن لخيبة أملي وقتها عرفت انه صحيح ... بل وفي البخاري أيضا...
وها هو الحديث:
روى طلحة بن عبيدالله التيمي   أن أعرابيا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثائر الرأس ، فقال : يا رسول الله ، أخبرني ماذا فرض الله علي من الصلاة ، فقال : الصلوات الخمس إلا أن تطوع شيئا . فقال : أخبرني ما فرض الله علي من الصيام ، فقال : شهر رمضان إلا أن تطوع شيئا . فقال : أخبرني بما فرض الله علي من الزكاة ، فقال : فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم شرائع الإسلام ، قال : والذي أكرمك ، لا أتطوع شيئا ، ولا أنقص مما فرض الله علي شيئا . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أفلح إن صدق ، أو : دخل الجنة إن صدق . (أخرجه البخاري في صحيحه)

يدهشنا هذا الحديث لأن هذا الأعرابي لم يفعل كثيرَ صلاةٍ ولا صيامٍ ولا صدقات، إنه حتى لم يفكر أن يصنع الحياة... ومع ذلك يعده رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة إن هو صدق ...

لماذا؟

لأنه حقق معنى العبودية لله عز وجل والخضوع الكامل لأمره...
إنه لم يندفع بقوة في اول الطريق ثم انحرف في وسطه أو فتر او تقاعس أو تراجع...
لم يبدأ ملتزما بالفرائض والسنن والنوافل والبكاء والخشوع، ثم أغراه المال، او أغرته الشهرة، او ألهاه الزواج او الخطوبة، او أنساه السفر والعمل... فترك ونسي... وبدأ يتساهل في طرق اكتساب المال أو طرق انفاقه، او يتساهل في علاقاته بالناس ويصبح اساسها المصلحة والهوى لا الحب في الله والبغض في الله وطاعة أمر الله...
يبر صديقه ويعق أباه، ويصل أبناء أبناء خاله ويقطع خاله او عمه...

لم يعبد الله على هواه، فيؤدي النافلة ويترك الفريضة...!!!
 تتطوع لصناعة الحياة وهي لم تتحجب بعد..!!!
 أو يخرج لجمع التبرعات وهو لا يستيقظ لصلاة الفجر، ثم يحسب نفسه عظيما وصانعا للحياة...!!!
 
لأنه استقام على الصراط المستقيم
ولهذا قرن رسول الله صلى الله عليه وسلم نتيجة الفلاح أو الجنة بشرط الاستقامة والصدق (أفلح إن صدق)

ولهذا قال للصحابي الذي طلب ملخصا مختصرا لطريق الفلاح:

يا رسول الله حدثني بأمر أعتصم به، قال: قل ربي الله ثم استقم  (أخرجه ابن ماجه وهو صحيح)


فالاستقامة على طاعة الله، والتزام نهجه والتعبد له وحده طول العمر.. والتحري في كل سكنة وحركة من حياتنا مهما طالت ومهما تغيرت ظروفنا أن توافق شرع الله....... ذلكم أمر عظيم لو تعلمون


*نخرج من هذه الحلقة بوجوب البيعة لله عز وجل بالسمع والطاعة في العسر واليسر والمنشط والمكره.....

وتلك كانت بيعة الصحابة الاولى لرسول الله صلى الله عليه وسلم

*نخرج بوجوب التقرب إلى الله عز وجل أولا وقبل كل شيء بأداء ما فرضه الله علينا، واجتناب ما نهانا عنه...

وللحديث بقية إن شاء الله فتابعونا...


*رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ*

غير متصل ماما هادية

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 15899
  • الجنس: أنثى
  • احفظ الله يحفظك
رد: ماشي بنور الله
« رد #73 في: 2010-08-03, 21:10:47 »
13
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


الخطوة الثالثة:
تقرب إلى ربك (3)

سمعنا وأطعنا


(قليل من التفسير)

يفترض بالسائر على درب الله تعالى أن يسلح نفسه بالعلم الشرعي، ليعبد الله على بصيرة، وفق مراد الله، فلا يبتدع ولا ينحرف ولا يفرط ولا يغالي، وسنحاول في رحلتنا هذه ان نقتبس بعض القبسات المضيئة من كل علم من علوم الشريعة... وأما طلب ذلك العلم بالتفصيل، فنأمل أن يوفقنا الله تعالى له ولا يحرمنا منه..

وقفتنا اليوم مع التفسير...

المتأمل في سور القرآن الكريم يرى ان لكل سورة محورا أساسا تدور حوله آياتها وأحكامها وقصصها، ويمثل الرابط بينها، ولو عرفناه لسهل علينا استيعاب السورة وفهمها وحفظها أيضاً..

سورة البقرة على سبيل المثال محورها الأساس هو الميثاق والعهد بين العبد والرب..

تبدأ السورة بتعريفنا بهذا الكتاب العظيم، القرآن الكريم، وأنه منزل من رب العالمين، وأنه الميثاق الذي على المؤمنين ان يتمسكوا به، ثم تستعرض لنا السورة أحوال البشر مع هذا الميثاق منذ عهد أبينا آدم عليه السلام، والذي أخذ الله عليه العهد والميثاق أنه:
{ قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعاً فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ * وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } (البقرة 38-39)

وفي سياق السورة يأتينا وفاء سيدنا إبراهيم عليه السلام بميثاق ربه، وإتمامه الكلمات والاوامر التي كلف بها
{وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ} (البقرة 124)

وتستعرض الآيات أحوال بني إسرائيل، باعتبارهم كانوا الأمة المؤمنة التي أخذ الله عليها العهد والميثاق وأرسل لها كثيرا جدا من الانبياء والرسل، وكانت تكاليفها الشرعية قريبة جدا من التكاليف التي كلفت بها هذه الامة الإسلامية، فكان للتأكيد على قصة بني إسرائيل والتركيز عليها في هذه السورة خصوصا وفي سور القرآن عموما هدفان أساسيان:

- الأول تنبيه هذه الامة المحمدية ألا تقع في العثرات والزلات التي وقعت فيها تلك الامة السابقة لها، وتحذيرها إن هي اقتفت خطا بني إسرائيل الضالة من أن مصيرها سيكون كمصيرها، اللعنة والغضب والذلة والصغار ...
- والهدف الثاني تعريف هذه الأمة بخصائص أمة يهود التي توارثتها أجيالهم (لا بالدماء والجينات، بل بالتربية والتعليم)(1) وتحذيرها منها، لانها الأمة التي سيستمر صراعنا معها حتى قيام الساعة ...

فتتعرض آيات سورة البقرة للميثاق الذي أخذه الله تعالى على بني إسرائيل، وكيفية أخذ هذا الميثاق منهم، ثم نكثهم به مرة إثر مرة...

ثم تصل بنا الآيات إلى الميثاق الذي أخذ على أمة محمد صلى الله عليه وسلم، مستعرضة جملة من هذه التكاليف في مجال الحج والجهاد والزواج والطلاق والرضاع والدين، أي في مجالات الحياة المختلفة : المجال التعبدي، المجال الاقتصادي، المجال العسكري والسياسي، المجال الاجتماعي، وسائر شؤون الحياة...

ثم تختتم السورة بصورة رائعة لصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكيفية وفائهم بالعهد والميثاق الذي أخذ عليهم، في مقابل صورة الغدر والخيانة التي عرضتها لبني إسرائيل...

:::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::

من هذه السورة الجميلة، والتي أتمنى أن يوفقنا الله تعالى للتعاون على حفظها، والاكثار من تلاوتها لما لها من فضل عظيم .. سألتقط لكم لقطتين، لنقارن بينهما... أخذ العهد والميثاق على بني إسرائيل، وأخذه على صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم... والهدف من هذه اللقطة أن نحاسب أنفسنا ونرى ... ترى إلى أي الصورتين نحن أقرب؟؟؟



_________________________________

(1) قلتُ أعلاه [بخصائص أمة يهود التي توارثتها أجيالهم (لا بالدماء والجينات، بل بالتربية والتعليم)] وهذا لان بعض الناس يعتقد ان يهود اليوم هم أحفاد بني إسرائيل الذين يعود اصلهم ليعقوب عليه السلام
سيدنا يعقوب عليه السلام ابن سيدنا إسحاق عليه السلام ابن سيدنا إبراهيم عليه السلام، كان يلقب بإسرائيل، وهي تعني بالعبرانية القديمة (عبد الله)
وأبناؤه الاثنا عشر هم أجداد بني إسرائيل.. وإليهم تنسب الأمة اليهودية..
لكن الديانة اليهودية كسائر الديانات انتشرت في البلاد، واعتنقها كثير من الشعوب والاجناس، فعلى سبيل المثال حصلت حادثة معينة أدت لاعتناق زعيم بلاد اليمن لليهودية قبل البعثة المحمدية، وأدت بالتالي لانتشار اليهودية في بلاد اليمن، وهؤلاء اليهود كلهم ليسوا من بني إسرائيل..
كذلك بعد الاحتلال الروماني للمشرق العربي، واضطهاده لليهود والنصارى، انتشر اليهود في البلاد وانتشرت معهم ديانتهم، ومن ذلك العهد دخلت هذه الديانة لاوروبا..
ولهذا نجد من اليهود الابيض والاسود والاسمر والاشقر .. فهم أجناس واعراق مختلفة، وليسوا جميعا من سلالة نبي الله يعقوب عليه السلام...
ولكن الخصائص التي تجمعهم ليست خصائص دموية وراثية، بل هي خصائص منبثقة من تعاليم ديانتهم –المحرفة- التي تشكل أفكارهم وتطبع سلوكهم وأخلاقهم بسمات مشتركة... ومن اعتنق منهم الإسلام تغيرت اخلاقياته وسلوكياته وفق عقيدته الجديدة...

فيرجى الانتباه لهذا...




« آخر تحرير: 2010-08-03, 21:14:38 بواسطة ماما هادية »
*رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ*

غير متصل ماما هادية

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 15899
  • الجنس: أنثى
  • احفظ الله يحفظك
رد: ماشي بنور الله
« رد #74 في: 2010-08-05, 15:38:40 »
14

الصورة الأولى: بنو إسرائيل..

يذكر الله تعالى لنا أن موسى عليه السلام بعد أن كلمه ربه وألقى إليه الألواح وفيها الوصايا والتكاليف الشرعية التي أمره ان يأخذ عليها عهد بني إسرائيل وميثاقهم أن يوفوا بها ويلتزموا بها، رفض بنو إسرائيل ان يعطوا عهدهم وميثاقهم، واستثقلوا هذه التكاليف وأكثروا الجدال فيها، وحاولوا التملص منها، ولما كان الله تبارك وتعالى يعلم أن في هذه التكاليف سعادتهم في الدنيا والآخرة، أرغمهم على الالتزام بها وعلى إعطاء العهد والميثاق، وذلك بأن رفع فوقهم جبل الطور، حتى صار من فوقهم كأنه غمامة تظللهم، فأصابهم الذعر والهلع، وخروا على وجوههم سجدا لله، خشية منه ان يوقع عليهم الجبل فيسحقهم سحقا
{وإذ نتقنا الجبل فوقهم كأنه ظلة وظنوا أنه واقع بهم خذوا ما آتيناكم بقوة واذكروا ما فيه لعلكم تتقون} (الاعراف 171)


ولهذا خروا على جانب من وجوههم ورفعوا طرف عينهم الاخرى يراقبون بها الجبل خائفين وجلين ان يقع عليهم، وأعطوا العهد والميثاق راغمين مقهورين...
{وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (البقرة 63)
يقول العلامة ابن كثير في تفسير هذه الآية:

يقول تعالى مذكِّراً بني إسرائيل ما أخذ عليهم من العهود والمواثيق، بالإيمان وحده لا شريك له، واتباع رسله، وأخبر تعالى أنه لما أخذ عليهم الميثاق رفع الجبل فوق رءوسهم، ليقروا بما عوهدوا عليه يأخذوه بقوة وحزم وامتثال فالطور هو الجبل، وقال السدي: فلما أبوا أن يسجدوا أمر اللّه الجبل أن يقع عليهم، فنظروا إليه وقد غشيهم، فسقطوا سجداً فسجدوا على شق ونظروا بالشق الآخر، فرحمهم اللّه فكشفه عنهم فقالوا: واللّه ما سجدة أحب إلى اللّه من سجدة كشف بها العذاب عنهم فهم يسجدون كذلك، وذلك قول اللّه تعالى: {ورفعنا فوقكم الطُّور}، {خذوا ما آتيناكم بقوة}، يعني التوراة، قال أبو العالية: بقوة أي بطاعة، وقال مجاهد: بقوة بعملٍ بما فيه، وقال قتادة: القوة: الجد وإلا قذفته عليكم، قال: فأقروا أنهم يأخذون ما أوتوا بقوة، ومعنى قوله وإلا قذفته عليكم أي أسقطته عليكم، يعني الجبل، {واذكروا ما فيه} يقول: اقرءوا ما في التوراة واعملوا به. وقوله تعالى: {ثم توليتم من بعد ذلك فلولا فضل اللّه} يقول تعالى ثم بعد هذا الميثاق المؤكد العظيم، توليتم عنه وانثنيتم ونقضتموه {فلولا فضل الله عليكم ورحمته} أي بتوبته عليكم وإرساله النبيين والمرسلين إليكم {لكنتم من الخاسرين} بنقضكم ذلك الميثاق في الدنيا والآخرة.

وإذن أمرهم الله تعالى لا ان ينفذوا ويطيعوا ما جاء في الكتاب وحسب، بل أن يأخذوه بقوة أيضا.. دون تهاون، دون تساهل، دون تفريط، تارة بحجة التجديد، وتارة بحجة التيسير، وطورا بحجة الوسطية والواقعية ووو....
والقوة لا تعني التشدد
فالتشدد هو تحريم الحلال، أوتحويل النوافل والتطوعات الى فرائض
اما القوة، فتعني التمسك التام بشرع الله سبحانه وتعالى، وعدم التهاون في أي جزئية منه، فلا نؤمن ببعض الكتاب ونكفر ببعض...

فكيف كان وفاء بني إسرائيل لهذه البيعة، وهذا العهد والميثاق... يقول تعالى:
{وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُوا قَالُوا سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ العِجْلَ بِكُفْرِهِمْ قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُم بِهِ إِيمَانُكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} (البقرة93)

يقول ابن كثير:
يعدد سبحانه وتعالى عليهم خطأهم ومخالفتهم للميثاق، وعتوهم وإعراضهم عنه حتى رفع الطور عليهم حتى قبلوه ثم خالفوه: {ولهذا قالوا سمعنا وعصينا}
{وأشربوا في قلوبهم العجل بكفرهم} عن قتادة قال: أشربوا حبه حتى خلص ذلك إلى قلوبهم. "وعن علي رضي اللّه عنه قال: عمد موسى إلى العجل فوضع عليه المبارد فبرده بها وهو على شاطئ نهر، فما شرب أحد من ذلك الماء ممن كان يعبد العجل إلا اصفرّ وجهه مثل الذهب ""رواه ابن أبي حاتم عن عليّ كرّم اللّه وجهه""
وقوله: {قل بئسما يأمركم به إيمانكم إن كنتم مؤمنين} أي بئسما تعتمدونه في قديم الدهر وحديثه من كفركم بآيات اللّه، ومخالفتكم الأنبياء، ثم كفركم بمحمد صلى اللّه عليه وسلم وهذا أكبر ذنوبكم وأشد الأمور عليكم، إذ كفرتم بخاتم الرسل وسيد الأنبياء والمرسلين المبعوث إلى الناس أجمعين، فكيف تدّعون لأنفسكم الإيمان وقد فعلتم هذه الأفاعيل القبيحة من نقضكم المواثيق، وكفركم بآيات اللّه، وعبادتكم العجل من دون اللّه.؟


فنقضوا العهد والميثاق
وتحولوا لعبادة العجل الذهبي المصنوع من الحلي
وصاروا إذا ذكروا بأوامر الله تعالى قالوا بكل وقاحة (سمعنا وعصينا) سواء قالوها بلسانهم، او قالوها بأحوالهم أي بإعراضهم عن منهج الله وأوامر الله وانتهاجهم طرقا أخرى في حياتهم، واتباعهم الهوى، واستحداثهم تشريعات جديدة مخالفة لشريعة الله...
وبلغ من حبهم للكفر ولعبادة العجل، ان تشربته قلوبهم حتى توارثته أجيالهم، فصاروا كلهم عبادا للذهب والفضة...
فرغم أن العجل الأصلي الذهبي برده سيدنا موسى بالمبارد وذرّه في البحر، إلا ان الذهب بقي متربعا في أفئدتهم، تشربت حبَّه شغاف قلوبهم حتى صار إلههم الذي يعبدونه من دون الله، وحتى قتلوا في سبيله الانبياء والرسل، وحاربوا المؤمنين في كل زمان ومكان، من لدن سيدنا موسى عليه السلام، ومرورا بسيدنا يحيى وعيسى عليهما السلام، وصولا لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، واستمرارا إلى عصرنا الحاضر حيث لم يسلم من أذاهم دعوة ولا داعية..
فذلك كان شأن بني إسرائيل مع عهد الله وميثاقه
فكيف كان شأن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم



« آخر تحرير: 2010-08-09, 15:35:37 بواسطة ماما هادية »
*رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ*

غير متصل ماما هادية

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 15899
  • الجنس: أنثى
  • احفظ الله يحفظك
رد: ماشي بنور الله
« رد #75 في: 2010-08-05, 15:45:51 »
15
الصورة الثانية: الصحابة رضوان الله عليهم..

صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما أعطوه عهدهم وميثاقهم، وبايعوه على السمع والطاعة لم تكن تكاليف الشريعة قد اكتملت وعرفوها وعرفوا على ماذا يعطون هذا الميثاق، كما كان شأن بني إسرائيل، بل كانوا يعاهدون على شروط وتكاليف لم يعرفوها بعد، ولا زالت تتنزل أمرا إثر امر، وتكليفا إثر تكليف... أي أنهم عاهدوا على السمع والطاعة مقدما لكل ما سيؤمرون به ويكلفون به مهما كان، مدفوعين بإيمانهم العميق بعوديتهم لله تعالى، وبصدق النبي صلى الله عليه وسلم وصدق نبوته...
قال عبادة بن الصامت رضي الله عنه:
 "بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة . في العسر واليسر . والمنشط والمكره . وعلى أثرة علينا . وعلى أن لا ننازع الأمر أهله . وعلى أن نقول بالحق أينما كنا . لا نخاف في الله لومة لائم ."
(رواه مسلم)

فانظروا إلى هذا الامتحان الذي امتحنهم به الله تعالى ليمحص إيمانهم ويختبر صدق عزمهم ويقينهم، ويبلو وفاءهم بالعهد والميثاق
أنزل الله تعالى قوله:
{لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَإِن تُبْدُوا مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَن يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (البقرة 284)

فانبأهم أنه سيحاسبهم حتى على حديث النفس وما يجري به الفكر من خير او شر..
ولنقرأ تفسير هذه الآيات من ابن كثير:

يخبر تعالى أن له ملك السموات والأرض وما فيهن وما بينهم، وأنه المطلع على ما فيهن لا تخفى عليه الظواهر ولا السرائر والضمائر وإن دقت وخفيت، وأخبر أنه سيحاسب عباده على ما فعلوه وما أخفوه في صدورهم،
ولهذا لمّا نزلت هذه هذه الآية اشتد ذلك على الصحابة رضي اللّه عنهم وخافوا منها ومن محاسبة اللّه لهم على جليل الأعمال وحقيرها، وهذا من شدة إيمانهم وإيقانهم.
روى الإمام أحمد عن أبي هريرة قال: لما نزلت على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : {للّه ما في السموات وما في الأرض وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به اللّه فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء واللّه على كل شيء قدير} اشتد ذلك على أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فأتوا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ثم جثوا على الركب وقالوا: يا رسول اللّه، كُلِّفنا من الأعمال ما نطيق الصلاة والصيام والجهاد والصدقة، وقد أنزلت عليك هذه الآية ولا نطيقها، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : (أتريدون أن تقولوا كما قال أهل الكتابين من قبلكم: سمعنا وعصينا؟ بل قولوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصيرفلما أقرَّ بها القوم وذلَّت بها ألسنتهم أنزل اللّه في أثرها: {آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن باللّه وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير} فلما فعلوا ذلك نسخها اللّه فأنزل قوله: {لا يكلف اللّه نفساً إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا} إلى آخره، ورواه مسلم عن أبي هريرة ولفظه: فلما فعلوا ذلك نسخها اللّه فأنزل الله: {لا يكلف اللّه نفساً إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت، ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا} قال: نعم، {ربنا ولا تحمل علينا إصراً كما حملته على الذين من قبلنا}، قال: نعم {ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به}، قال: نعم {واعف عنا واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين} قال: نعم.


فالصحابة عرفوا ثقل هذا التكليف، وكان وقعه عليهم كالصاعقة، حتى وقعوا من هولها وجثوا على ركبهم خوفا وفَرَقا، إيمانا منهم بالله وبعلمه واطلاعه على سرائرهم، لا أنهم خروا ساجدين خوفا من جبل رفع فوقهم وخافوا ان يقع عليهم... شأن يهود الذين لا يؤمنون إلا بما هو مادي ومحسوس...
وانظروا إلى تربية رسول الله صلى الله عليه وسلم العظيمة لهم، لم يتضرع إلى الله تعالى أن يرفع عنهم هذا التكليف ويخففه، حياء من ربه، وطاعة له، واقراراً بحاكميته المطلقة، واعترافا بعبوديتنا له ووجوب إذعاننا لاوامره مهما كانت... بلا جدال ولا مراء ولا مماحكة ولا مماحلة
فأذعن معه الصحابة
انظروا الى هذه العبودية العظيمة
أطاعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يعترضوا
عرفوا انهم كلفوا بما هو عسير وشاق، لكنهم عبيد ما عليهم الا طاعة سيدهم ومولاهم
وقد اعطوا العهد والميثاق بالسمع والطاعة على ما كان ويكون
فرددوا وراء نبيهم الكريم صلى الله عليه وسلم: سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير
أقروا بها بقلوبهم.. وأخذوا يرددونها خلفه بألسنتهم حتى ذلت لها الألسنة ورضيتها القلوب...
سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير
سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير
سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير

فلما رأى منهم الرب الرحيم الغفور الودود هذا الخضوع والاذعان، والوفاء بالعهد والميثاق، أكرمهم بالتخفيف والتيسير، وجاءت الرخصة الربانية العظيمة، برفع هذا التكليف الشاق والعفو عن حديث النفس
قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : "إن اللّه تجاوز لي عن أمتي ما حدّثت به أنفسها ما لم تكلم أو تعمل". (رواه الستة)
ونزلت الآيات الكريمات، تثني على الصحابة رضوان الله عليهم، وتثني على ايمانهم وطاعتهم، وترفع عنهم العسر والإصر، وتيسر لهم أمرهم، فقد نجحوا في الامتحان...

{آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ المَصِيرُ * لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلانَا فَانصُرْنَا عَلَى القَوْمِ الكَافِرِينَ} (البقرة 285-286)

ترى لو استعرضنا واقع المسلمين اليوم هل سنراه أقرب لواقع الصحابة ام لواقع بني إسرائيل؟
ولو نظرنا لأنفسنا وأحوالنا.... فإلى أي الصورتين نحن أقرب؟
ولو كنا تعرضنا لمثل هذا الامتحان فهل كنا سننجح فيه؟

______________________

الواجب:
1-   جمع الاحاديث التي تدل على فضل سورة البقرة
2-   الاجتهاد في حفظ مطلع السورة وختامها لمن لا يحفظه بعد، ومن حفظه فالاجتهاد في حفظ أول ربع حزب منها..
3-   تجديد البيعة مع الله تعالى على السمع والطاعة في العسر واليسر والمنشط والمكره، لا كلمات تقال باللسان، بل استحضار نية وإخلاص، أن تكون حياتنا كلها منذ هذه اللحظة سائرة على منهج الله، ملتزمة بشرع الله، لا نأل في ذلك جهدا، ولا نتراجع ولا نحيد..
emo (30):


« آخر تحرير: 2010-08-09, 15:34:54 بواسطة ماما هادية »
*رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ*

غير متصل ماما هادية

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 15899
  • الجنس: أنثى
  • احفظ الله يحفظك
رد: ماشي بنور الله
« رد #76 في: 2010-08-07, 13:35:35 »
16
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الخطوة الثالثة:  تقرب إلى ربك (4)
فما لنا إن نحن وفينا

(قليل من السيرة)


من العلوم الشرعية الجميلة جدا والضرورية جدا للمبتدئين السيرة النبوية.

ضرورة هذه المادة يأتي من أنها تكون لدى الإنسان فهما متوازنا للحياة الإسلامية الصحيحة التي ينبغي أن يحياها المسلم ويسعى لإقامتها في الأرض

فالإنسان عندما يقرأ الاحاديث النبوية، قد يسيء فهمها اذا كان قليل الاطلاع، فلو جمع شخصٌ ما كل أحاديث الرفق عن النبي صلى الله عليه وسلم، فلربما يستنكر بعض الحزم والشدة اذا بدت من بعض الدعاة او العلماء، ويعتبرهم غير متبعين لسنة المصطفى صلى الله عليه وسلم، ولربما يرد عليه مخالفه بجمع كل أحاديث القوة والسيف والجهاد ليثبت خطأ الأول...
ولربما يتدخل بينهما شخص معتدل ليقول ان الشدة لها أوقاتها والرقة لها أوقاتها، لكنه يسيء التطبيق فيستخدم الشدة وقت الرفق، او الرفق مكان الشدة، ويحسب نفسه محسنا..

لكن الدارس بعمق وفهم للسيرة النبوية المطهرة، يتكون لديه تصور عام لمواضع الرفق ومواضع الشدة، أوقات الخلوة وأوقات الجلوة، اصول السلم والحرب، متى تكون دعوة ومتى يكون الجهاد، متى يكون اختلاط النساء بالرجال ومتى لا يكون ... إلى غير ذلك من أمور يخطئ كثيرون في تطبيقها ويبتعدون بها كل البعد عن روح الاسلام وطبيعته واسلوب حياة الصحابة ورسول الله صلى الله عليه وسلم، لأنهم أخذوا أحاديث متفرقة واستندوا إليها، ولم ينظروا للحياة الكاملة كيف كانت بمجملها...

وجمال هذه المادة وروعتها تأتي من أن من يقرؤها بحب وفهم يستشعر شخصية رسول الله صلى الله عليه وسلم العظيمة الرحيمة التي بلغت اعلى درجات الكمال البشري، وشخصيات صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم يتفاعلون معه، يحبونه ويتسابقون لمرضاته، ويبتدرون وضوءه ويتبركون بآثار أصابعه، ويتسابقون لإهدائه، ويفدونه بأرواحهم.
 يهابونه حيناً، حتى لا يجرؤون على الكلام في حضرته، ويتباسط لهم حيناً حتى يتمازحون ويضحكون معه...
نراهم في لحظات ضعفهم، فلا نيأس من ضعفنا..
 وتبهرنا مواقف بطولاتهم وفدائهم فنشد عزمنا.
 وتداعب قلوبنا كلمات حبهم وشوقهم للرسول صلى الله عليه وسلم فنشتاق ان نكون معهم قد ظفرنا بما ظفروا به، ونسأل الله تعالى ان يكرمنا ويجمعنا بهم في مستقر رحمته...

حياة كاملة يحياها الانسان في ربوع المدينة الفاضلة، المدينة المنورة، عندما يقرأ السيرة النبوية بقلبه قبل عقله...

أذكر مرة إحدى طالباتي وقد قابلتني بعد انتهاء دروس السيرة النبوية بشهور، وقالت لي: أحسست كأنني كنت أعيش مع إنسان حبيب إلى قلبي ثم لما انتهت دروس السيرة كأنه سافر وغاب عني واشتقت له...

عندما نقرأ السيرة النبوية بهذا الشكل، سنلمس التغيير في قلوبنا وأعمالنا وسلوكياتنا لا مراء..

::::::::::::::::::::::::::::::::

ومن السيرة النبوية المطهرة نختار اليوم لقطات عن البيعة، تعزز مفهوم (سمعنا وأطعنا) وتلحق به مفهوما هاما جدا وهو (فما لنا إن نحن وفينا)

فهيا بنا إلى رحاب السيرة النبوية العطرة...


« آخر تحرير: 2010-08-09, 15:34:28 بواسطة ماما هادية »
*رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ*

غير متصل ماما هادية

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 15899
  • الجنس: أنثى
  • احفظ الله يحفظك
رد: ماشي بنور الله
« رد #77 في: 2010-08-09, 15:31:26 »

17

بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


فما لنا إن نحن وفينا

بعد سنوات من الدعوة السرية ثم الجهرية في رحاب مكة.. وبعد أن يئس رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من إسلام مزيد من أبناء قريش وتأييدهم له، وبعد أن اشتد أذاهم عليه وعلى أصحابه حتى اضطر كثير منهم للهجرة للحبشة فراراً بدينه من جهة، وبحثاً عن نقطة انطلاق أفضل للدعوة الربانية من جهة أخرى...
وبعد صدود أهل الطائف وأذاهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم وردهم القبيح الخبيث عليه... صار رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يتحين المواسم من حج وأسواق وغيرها، ليعرض نفسه على القبائل، لعل قبيلة منها تقبل الإسلام وتقبل أن تحمي أهله وتمنعهم، حتى يتمكن النبي -صلى الله عليه وسلم- من أداء رسالة ربه، وكان هذا من اجتهاد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخذه بالأسباب...

لم يبقَ -صلى الله عليه وسلم- في مكانه ويكتفِ بأن يحلم، ويقول أنا متأكد أن ربنا سيحقق لي حلمي... ولم يكتفِ بأن يرفع يديه إلى الله تعالى ضارعاً سائلاً ان ينصره وينصر الدين وهو دينه وهذا نبيه، ويقول سأجتذب القدر بدعائي...
بل علمنا كيف نأخذ بالأسباب، وكيف نتحمل الأذى المعنوي والمادي من ضرب وإهانة وسخرية وتهم باطلة بالكذب والسحر والكهانة بل والجنون، وهو العزيز في قومه، الذي كان في شبابه سيداً مطاعاً، يحكم ويقضي بينهم، فيطيعه كبارهم قبل صغارهم...

كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يسعى بنفسه للقبائل يعرض عليها أمره ودينه ويطلب منها الحماية والمنعة ليبلغ رسالة ربه، وأبو لهب يتبعه ويقول لهم لا تصدقوه إنه مجنون.... إنه كذاب...

صلى الله عليك يا سيدي يا رسول الله وسلم تسليما كثيرا...

من هذه القبائل كانت بنو عامر بن صعصعة... فلنقرأ خبرهم مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:
قال ابن إسحاق: حدثني الزهري أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أتى بني عامر بن صعصعة، فدعاهم إلى الله وعرض عليهم نفسه فقال له رجل منهم يقال له بيحرة بن فراس: والله لو أني أخذت هذا الفتى من قريش لأكلت به العرب.
ثم قال له: أرأيت إن نحن تابعناك في أمرك ثم أظهرك الله على من يخالفك أيكون لنا الأمر من بعدك ؟
قال: ((الأمر لله يضعه حيث يشاء)).
قال: فقال له: أفنهدف نحورنا للعرب دونك فإذا أظهرك الله كان الأمر لغيرنا ! لا حاجة لنا بأمرك.
فأبوا عليه.

فلما صدر الناس رجعت بنو عامر إلى شيخ لهم، قد كان أدركه السن حتى لا يقدر أن يوافي معهم المواسم، فكانوا إذا رجعوا إليه حدثوه بما يكون في ذلك الموسم، فلما قدموا عليه ذلك العام سألهم عما كان في موسمهم.
فقالوا: جاءنا فتى من قريش، ثم أحد بني عبد المطلب يزعم أنه نبي، يدعونا إلى أن نمنعه ونقوم معه ونخرج به إلى بلادنا.
قال: فوضع الشيخ يده على رأسه، ثم قال: يا بني عامر هل لها من تلافٍ؟ هل لذناباها من مطلب؟(1) والذي نفس فلان بيده ما تقوَّلها إسماعيلي قط، وإنها لحق فأين رأيكم كان عنكم ؟



فذلك كان شأن بني عامر بن صعصة، عرفوا ان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رسول الله حقا، وان دعوته سينصرها الله تعالى وسيظهر على العرب، فأرادوا أن يشركوه في الأمر إذا انتصر... لكنه لم يعدهم بأي شيء من حطام الدنيا،
فمن يريد هذا الدين، فعليه ألا يريد به إلا وجه الله وثواب الله وأجر الاخرة، ولا يشترط على ربه أن يمنحه الدين والدنيا معا، أو تكون نيته الدنيا والاخرة معا...

بل تجرد خالص في طلب الاخرة


فحتى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لا يضمن لهم شيئا من أمر الدنيا... لكنه يضمن لهم رضا الله والفوز بجناته

لكن محبي الدنيا لم يقبلوا الامر.. ففاتهم فضله وأجره

وكان هذا حال كثير جداً من قبائل العرب التي عرض عليها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نفسه...

وهذا أيضا حال كثير من المسلمين، يرجون بتدينهم والتزامهم أن يحظوا بالدنيا والآخرة معا، وتختلط عندهم النوايا، حتى إذا فاتهم من أمر الدينا شيء حزنوا وضجوا واضطربوا، أو استعجلوا ولم يصبروا، فمنهم من يتراجع، ومنهم من يحبط، ومنهم من يغير طريقه... ولا حول ولا قوة إلا بالله...

وكان أن ادخر الله تعالى هذا الفضل والسعادة لنخبة من عباده الصالحين، الذين صاروا أنصار رسول الله صلى الله عليه وسلم..
ألا ليتنا كنا منهم...

وهذا نبأ الأنصار وبيعتهم لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- في العقبة الثانية، يقصه علينا كعب بن مالك رضي الله عنه، يقول:

 قالت الأنصار:  

يا رسول الله، علام نبايعك؟
قال: ((تبايعوني على السمع والطاعة في النشاط والكسل، والنفقة في العسر واليسر، وعلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأن تقولوا في الله لا تخافوا في الله لومة لائم، وعلى أن تنصروني فتمنعوني إذا قدمت عليكم مما تمنعون منه أنفسكم وأزواجكم وأبناءكم ولكم الجنة)).
فقمنا إليه نبايعه وأخذ بيده أسعد بن زرارة - وهو من أصغرهم - وفي رواية البيهقي: - وهو أصغر السبعين - إلا أنا، فقال: رويداً يا أهل يثرب فإنا لم نضرب إليه أكباد الإبل إلا ونحن نعلم أنه رسول الله، وإن إخراجه اليوم مناوأة للعرب كافة وقتل خياركم، وأن تعضكم السيوف.
فإما أنتم قوم تصبرون على ذلك فخذوه وأجركم على الله، وأما أنتم قوم تخافون من أنفسكم خيفة فذروه، فبينوا ذلك فهو أعذر لكم عند الله.
قالوا: أبط عنا يا أسعد فوالله لا ندع هذه البيعة ولا نسلبها أبداً

وقال ابن إسحاق:
وحدثني عاصم بن عمر بن قتادة: أن القوم لما اجتمعوا لبيعة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال العباس بن عبادة بن نضلة الأنصاري أخو بني سالم بن عوف: يا معشر الخزرج هل تدرون علام تبايعون هذا الرجل؟
قالوا: نعم !
قال: إنكم تبايعونه على حرب الأحمر والأسود من الناس، فإن كنتم ترون أنكم إذا أنهكت أموالكم مصيبة، وأشرافكم قتلاً أسلمتموه فمن الآن فهو والله إن فعلتم خزي الدنيا والآخرة، وإن كنتم ترون أنكم وافون له بما دعوتموه إليه على نهكة الأموال وقتل الأشراف فخذوه، فهو والله خير الدنيا والآخرة.
قالوا: فإنا نأخذه على مصيبة الأموال وقتل الأشراف فما لنا بذلك يا رسول الله إن نحن وفينا؟
قال: ((الجنة)).
قالوا: "ابسط يدك" فبسط يده، فبايعوه.


أرأيتم إلى الفرق بين الموقفين؟
أولئك طلبوا الدنيا، الملك والعز والسلطة... فأبى عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمن أراد ان يبايع الله، فعليه ان تكون نيته خالصة لله وحده، لا يشرك فيها شيئا من آمال الدنيا وأحلامها وحطامها الزائل... فإن أتته وهي راغمة، فبها ونعمت، وإن لم تأته ووافاه أجله قبل أن يرى بوادر الثمار وعلائم النصر وبشائر النجاح وثمار الكفاح، فما كان يجاهد من أجلها، بل من أجل الله وحده سبحانه وتعالى...

"  فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله ، فهجرته إلى الله ورسوله ، ومن هاجر إلى دنيا يصيبها ، أو امرأة يتزوجها ، فهجرته إلى ما هاجر إليه" (رواه البخاري)

وأما الأنصار فلم يشترطوا ملكاً ولا مالاً، ولكنهم سألوا:
 ما لنا إن نحن وفينا
فكان الجواب كلمة واحدة:
الجنة
فأجابوا: ابسُط يدك...
وبايعوه..
قبلوا بالجنة، فقبلهم الله في عباده الصالحين، وأكرمهم بأن صاروا أنصار نبيه صلى الله عليه وسلم وأصحابه المقربين، ورضي عنهم وأرضاهم...

ولكن الأنصار اشترطوا شرطاً آخر أيضا، يقصه علينا سيدنا كعب بن مالك أيضاً، فانتبهوا له جيداً:





_________________________
(1) : يا بني عامر هل لها من تلاف؟ يعني هل يمكننا تلافي هذا الخطأ الفظيع الذي فعلتموه
هل لذُناباها من مطلب؟: هل يمكننا أن نتدارك ما فات؟ وهذا مثل يضرب للامر الذي ضاع عليك، وأصلها من ذُنابى الطائر إذا أفلت من الحبالة والشبكة، فيقال هل يمكن ان نطلب هذا الطائر ونمسك بذُنابه من جديد
والذي نفس فلان بيده ما تقوَّلها إسماعيلي قط، : يقسم بالله العظيم الذي يمتلك نفسه وروحه انه لم يسبق ان ادعى النبوة (تَقَوَّلها) أي رجل من نسل اسماعيل عليه السلام (اي العرب) من قبل... اي اننا لم نسمع ابدا اي عربي يدعي النبوة ويزعم لنفسه هذا الشرف، فمادام هذا الرجل ادعى ذلك فهو صادق، ولن يخترع هذه الكذبة التي لم يسبقه إليها احد
وإنها لحق فأين رأيكم كان عنكم ؟ أي اين كان عقلكم وكيف لم تدركوا انه صادق ونبي وسينصره الله فتركتموه واضعتم عليكم هذه الفرصة الذهبية؟
« آخر تحرير: 2010-08-09, 15:33:55 بواسطة ماما هادية »
*رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ*

غير متصل سيفتاب

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 7766
  • الجنس: أنثى
  • إِن يَنصُرْكُمُ اللّهُ فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ
رد: ماشي بنور الله
« رد #78 في: 2010-08-09, 15:49:29 »

ياللا يا هادية

هات هذا الشرط

ما أجمل هذا الموضوع
وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ
وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ

غير متصل ماما هادية

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 15899
  • الجنس: أنثى
  • احفظ الله يحفظك
رد: ماشي بنور الله
« رد #79 في: 2010-08-09, 22:16:40 »

18
بل الدم الدم والهدم الهدم

(معنى هذه العبارة "بل الدم الدم، والهدم الهدم": أي دمكم دمي، وهدم منزلكم هدم لمنزلي، فمن اعتدى عليكم فكأنما اعتدى علي، فأنا وأنتم واحد)

ولكن الأنصار اشترطوا شرطا آخر أيضا، يقصه علينا سيدنا كعب بن مالك أيضا، فانتبهوا له جيداً:

قال: وخرجنا إلى الحج فواعدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم العقبة من أوسط أيام التشريق فلما فرغنا من الحج وكانت الليلة التي وعدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ... قال فنمنا تلك الليلة مع قومنا في رحالنا حتى إذا مضى ثلث الليل خرجنا من رحالنا لميعاد رسول الله صلى الله عليه وسلم نتسلل مستخفين تسلل القطا
حتى اجتمعنا في الشعب عند العقبة ونحن سبعون رجلا معهم امرأتان من نسائهم: نسيبة بنت كعب أم عمارة إحدى نساء بني مازن بن النجار، وأسماء ابنة عمرو بن عدي بن ثابت إحدى نساء بني سلمة وهي أم منيع.
 فاجتمعنا بالشعب ننتظر رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى جاءنا ومعه عمه العباس بن عبد المطلب وهو يومئذ على دين قومه إلا أنه أحب أن يحضر أمر ابن أخيه ويوثق.
 فلما جلسنا كان العباس بن عبد المطلب أول من تكلم فقال:
 ....إن محمدا منا حيث قد علمتم وقد منعناه من قومنا ممن هو على رأينا فيه وهو في عز من قومه ومنعة في بلده
فقلنا قد سمعنا ما قلت فتكلم يا رسول الله فخذ لربك ولنفسك ما أحببت
فتكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم فتلا ودعا إلى الله عز وجل ورغب في الإسلام. قال: أبايعكم على أن تمنعوني مما تمنعون منه نساءكم وأبناءكم.
قال فأخذ البراء بن معرور بيده قال نعم والذي بعثك بالحق لنمنعنك مما نمنع منه أزرنا، فبايـِعْنا يا رسول الله فنحن والله أهل الحروب ورثناها كابرا عن كابر
 
قال فاعترض القول والبراء يكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو الهيثم بن التيهان حليف بني عبد الأشهل فقال:
يا رسول الله إن بيننا وبين الرجال حبالا وإنا قاطعوها -وهي العهود- فهل عسيت إن نحن فعلنا ذلك وأظهرك الله عز وجل أن ترجع وتدعنا
 قال فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: بل الدم الدم ، والهدم الهدم ، أنتم مني و أنا منكم ، أحارب من حاربتم ، وأسالم من سالمتم



صلى الله وسلم على سيدنا رسول الله وآله ورضي عن الانصار...
أرأيتم إلى هذا الشرط...
لم يشترطوا مالا ولا جاها ولا ملكا ولا سيادة ولا نعيما اقتصاديا وازدهارا حضاريا... بل اشترطوا ان يبقى معهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا يتركهم ويعود لقومه وبلده...
وياله من شرط...
وسيأتي وقت يطالب به الانصار بهذا الشرط.. فيحزنون، ويتألمون، ويتهامسون بينهم، عندما يشعرون كأن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد فتح مكة مال لقومه وبدأ يفضلهم عليهم... أحزنهم هذا ووجدوا بسببه في نفوسهم
وهذا بعد غزوة حنين، وفتح ثقيف والطائف، عندما غنم رسول الله صلى الله عليه وسلم من الفيء ما يفوق الوصف، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم يوزع هذا الفيء على رجالات من قريش والعرب، يتألف به قلوبهم ويرغبهم في الإسلام، فحزن الأنصار ان يكون الرسول قد حن لقومه وآثرهم عليهم.... وعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم بحزنهم وجِدَتهم، فجمعهم وحاورهم حوارا من أجمل ما سمعت في هذه الدنيا....


 حدثنا عبد الله حدثني أبي حدثنا يعقوب حدثنا أبي عن ابن إسحق قال وحدثني عاصم بن عمر بن قتادة عن محمود بن لبيد عن أبي سعيد الخدري قال:

-لما أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أعطى من تلك العطايا في قريش وقبائل العرب ولم يكن في الأنصار منها شيء وجد هذا الحي من الأنصار في أنفسهم حتى كثرت فيهم القالة حتى قال قائلهم لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم قومه
فدخل عليه سعد بن عبادة فقال يا رسول الله إن هذا الحي قد وجدوا عليك في أنفسهم لما صنعت في هذه الفئ الذي أصبت، قسمت في قومك وأعطيت عطايا عظاما في قبائل العرب ولم يكن في هذا الحي من الأنصار شيء
 قال فأين أنت من ذلك يا سعد
 قال يا رسول الله ما أنا إلا امرؤ من قومي وما أنا
 قال فاجمع لي قومك في هذه الحظيرة
قال فخرج سعد فجمع الناس في تلك الحظيرة قال فجاء رجال من المهاجرين فتركهم فدخلوا وجاء آخرون فردهم فلما اجتمعوا أتاه سعد فقال قد اجتمع لك هذا الحي من الأنصار
قال فأتاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فحمد الله وأثنى عليه بالذي هو له أهل ثم قال: يا معشر الأنصار ما قالة بلغتني عنكم وجدة وجدتموها في أنفسكم؟ ألم آتكم ضلالا فهداكم الله؟ وعالة فأغناكم الله؟ وأعداء فألف الله بين قلوبكم؟
 قالوا بل الله ورسوله أمن وأفضل
 قال ألا تجيبونني يا معشر الأنصار؟
 قالوا وبماذا نجيبك يا رسول الله؟ ولله ولرسوله المن والفضل
 قال: أما والله لو شئتم لقلتم فلصدقتم وصُدِّقتم: أتيتنا مكذبا فصدقناك ومخذولا فنصرناك وطريدا فأويناك وعائلا فأغنيناك
 أوجدتم في أنفسكم يا معشر الأنصار في لعاعة من الدنيا تألفت بها قوما ليسلموا ووكلتكم إلى إسلامكم؟
 أفلا ترضون يا معشر الأنصار أن يذهب الناس بالشاة والبعير وترجعون برسول الله صلى الله عليه وسلم في رحالكم؟
 فوالذي نفس محمد بيده، لولا الهجرة لكنت امرؤا من الأنصار، ولو سلك الناس شعبا وسلكت الأنصار شعبا لسلكت شعب الأنصار.
 اللهم ارحم الأنصار وأبناء الأنصار وأبناء أبناء الأنصار.
 قال فبكى القوم حتى أخضلوا لحاهم وقالوا: رضينا برسول الله قسما وحظا.
 ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم وتفرقنا.




فهل ترضون إخوتي برسول الله قسما وحظا؟؟




*رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ*