المحرر موضوع: طِــيــب القــــــــلوب  (زيارة 43701 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6545
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
رد: طِــيــب القــــــــلوب
« رد #80 في: 2013-10-25, 11:53:11 »
وأنا في معرض مراجعة السيرة النبوية، أحببت أن أضع هذه الصورة التي صممتها بالأمس القريب عن الحبيب طبّ القلوب وطيبها، أهديها لكل إخوتي بالمنتدى في يوم عيد المنتدى السابع  :rose:::

« آخر تحرير: 2013-10-25, 11:59:04 بواسطة حازرلي أسماء »
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل زينب الباحثة

  • أحلى شباب
  • *****
  • مشاركة: 1938
  • الجنس: أنثى
  • إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم
رد: طِــيــب القــــــــلوب
« رد #81 في: 2013-10-25, 12:44:42 »
اللهم صل وسلم على سيدنا محمد

غير متصل ماما هادية

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 15899
  • الجنس: أنثى
  • احفظ الله يحفظك
رد: طِــيــب القــــــــلوب
« رد #82 في: 2013-10-25, 17:44:19 »
اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
*رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ*

غير متصل سيفتاب

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 7766
  • الجنس: أنثى
  • إِن يَنصُرْكُمُ اللّهُ فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ
رد: طِــيــب القــــــــلوب
« رد #83 في: 2013-10-27, 02:20:01 »
اللهم صلي وسلم وبارك على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين
وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ
وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ

غير متصل ماما هادية

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 15899
  • الجنس: أنثى
  • احفظ الله يحفظك
رد: طِــيــب القــــــــلوب
« رد #84 في: 2013-10-27, 12:05:28 »
بسم الله الرحمن الرحيم




و حلمت أني قد أتــيــت رحابــــــــــــــه....و يــــسوقني شوق إلى لقــيـــــــاه
فلَعمر من أهـــــــــــواه كـيـــــف لـقـاؤه....أو يـــرتـــــــوي قـلــبــي و قـــد واراه
عنـــي و عـــن عـشاق هذا المصطفى....قبر فـــصـــار الـقـبـر ما أبــــــــــــهاه
فنظرت هل أبكي لحالي في الــــنوى؟....أم أن عينـــــي تــكـتفي بسـنـــــاه!!
فرأيت عيني قد تسلت بالسـنـــــــــــا .... و رأيت قلـــبـــي الصب لا يســــلاه
و رأيتني أبكي دموعـــــــاً لا تـــفـــــي ... إطفـــاء نار الـحـب أو سقـــيـــــــــاه
و احترت في طعم العذاب لأنــــــــــــه ... مر لذيذ الطعم ما أحــــــــــــــــــــلاه
و وددت أن دموعه لا تـــــنـــــقضـــــي ... يــــــــا لـــيـــت شعري هكذا القــاه
يـــــــا بــقعة شـــرفـت بالــنــور الــذي .... أهــــداك ربـــك فاشـكـري نعمـــاه
فحويت من ســـــــاد الورى خلف الثرى .... يا لــيـــت شـعــر الـقـبر حين حواه


 ::)smile:
*رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ*

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6545
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
رد: طِــيــب القــــــــلوب
« رد #85 في: 2013-10-28, 10:14:21 »
أهلا وسهلا بكن جميعا أخواتي.

جزاك الله خيرا يا هادية. لله در أبي بكر.نذكره بكل خير وقد كان للخير أهلا.أصلح الله باله وجعله كما يحب الله ويرضى
اللهم صلّ وسلم على الحبيب المصطفى وعلى آله وصحبه أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6545
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
رد: طِــيــب القــــــــلوب
« رد #86 في: 2013-10-30, 10:10:49 »
"الأمر لله يضعه حيث يشاء"...

هكذا كان رد رسول الله صلى الله عليه وسلم على من اشترط لنصرته من القبائل أن يكون له الملك والجاه والسلطان...
وتوجّه صلى الله عليه وسلم إلى عدد كبير من أكبر قبائل العرب في العام العاشر للبعثة بعد عودته من الطائف، وأخذ بكل الأسباب وهو يدعو...
فصاحبه أبو بكر الصديق الذي كان أعرف العرب بالعرب حتى يكون دليله إلى الأقوام وإلى أشرافهم وأصحاب الرأي فيهم...
وأخذ بكل الأسباب وهو يدعوهم ليلا حتى يتجنب ما استطاع تتبّع قريش له وإفسادها الأمر عليه بمثل ما كان يفعل أبو لهب وأبو جهل وهما يتتبعانه ويلقيان للقبائل بالأكاذيب والافتراء أنما هو مجنون يحدثهم حتى كانت القبائل تنفر منه بدعوى أن أهل الرجل أعرف الناس به...
وأخذ بالأسباب وهو يأتي القبائل في منازلهم تفاديا لتشويش قريش على دعوته ...
وأخذ بالأسباب وهو يتحرى في دعوته أن تستجيب القبيلة له على نحو يحمي الدعوة من كل جوانبها، فتحيط بها إحاطة كاملة، فرفض نصرة بني شيبان وهم قد مالوا لدعوته إلا أنهم استثنوا من حمايته جهة الفرس...فكان واضح الرأي محدد الرؤية في أي موقف يقفه الحلفاء من الدعوة، ومن ضرورة الاستعداد الحقيقي لتحمّل تبعاته،لا أن يرمي بثقلها في مكان، ثم تكون بعد ذلك لقمة سائغة للعدو فيه ...

وأخذ بالأسباب وهو إذ يدعو يبين للقوم أنه لا يكرههم على شيء ....
نعم أخذ بكل هذه الأسباب، ولكنّ الدعوة أخيرا فيمَن نجحت؟!
لقد نجحت في أفراد على عد أصابع اليد الواحدة وزيادة بواحد...
نجحت فيهم وهُم أفراد مترافقون لا يمثلون القبيلة ولا البلدة إذ دعاهم ...
ولا يمثلون القول الفصل عن أهلهم ...
نجحت فيمن شاء الله أن يكون الأمر...
فجعله فيهم دون قبائل معتدّة بممثليها وبخيامها المنصوبة بأسواق الحج، وبأصحاب الرأي الفصل في أمرها ...
نجحت في ستة أفراد لاقاهم .... وشاء الله أن يلقاهم بعد كل ما لاقاه من صدود القبائل التي دعاها كلها ...

في الستة اليثربيّين الذين لم يعدوه بالمناصرة والحماية من ساعتهم، ولكنهم استبشروا بدعوته الخير لأشتات العرب في يثرب بعد ما نالهم من ويلات الحرب بين الإخوة ما نالهم ....
ستة وعدوه بموافاته بعد عام كامل ....
وكان الوعد موفيّا ...
وكانت العودة بعد عام... فكانت بيعة العقبة الأولى والستة قد أصبحوا اثني عشر رجلا ...
ثم أعقبتها البيعة الثانية ....
ثم أعقبتها الهجرة إلى بلاد النصرة ....!
فهل كان الأمر في قبيلة واحدة من قبائل كلها اجتمعت في موسم الحج وكلها ذات شوكة وقوة ومنعة ؟!

الأمر لله يضعه حيث يشاء....

وكذلك أمرنا اليوم لله يضعه حيث يشاء...!
ومن يدري أي موضع هو ذاك ؟!
ربما ما يغيب عن أذهان الجميع هو الذي يكون ...
فلا تعلق بالأسباب وفعلها بل بإرادة المسبب سبحانه التي لا تكون إلا هي ...!
وربما يخفى عن كل آخذ بالأسباب موضع المشيئة الإلهية الحكيمة لأمره سبحانه ...!
فليذكر كل عامل وهو يعمل :"الأمر لله يضعه حيث يشاء"...ولا يغترنّ بآلاف الأسباب يأخذ بها حتى تنسيه فعل المسبب ومشيئته سبحانه !
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6545
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
رد: طِــيــب القــــــــلوب
« رد #87 في: 2014-01-12, 10:57:52 »
إنه ذلك القائد العظيم الذي تذوب عنده الأنا لتصبح جماعته وأصحابه وإخوانه أعلى منها وأولى،فلا يهنأ له بال حتى يطمئن على أصحابه، ويكون هو آخر من يخرج من مكة بمعية صاحبه الصديق رضي الله عنه.
ودخل المدينة، وكانت قباء بوابته إليها، فأقام بها مسجد قباء فور وصوله،كأول عمل يفتتح به صلى الله عليه وسلم حلوله بالمدينة، في دلالات اجتماعية قوية تبين أن هذا الدين العظيم جاء لتوحيد الكلمة ولجمع الشّتات ولتأسيس الدولة على أسس من علاقة الأرض بوحي السماء لا تنفصم ولا تنقطع، وأن هذا الوحي هو المنهج  القويم الوحيد القادر على إقامة حياة الإنسان على النحو الذي خلق لأجله . لعبادة الله الواحد، وقد كانت مكة بأعوامها الثلاثة عشر مرحلة أساسية لبناء الإنسان المسلم بعقيدته، عقيدة التوحيد، وإفراد الله وحده بالعبادة، والكف عن إشراك غيره في التحكيم، والتحليل والتحريم ...

لقد كان المشركون مقرّين أن الله هو الخالق، وأنه سبحانه المالك "قُلْ مَن رَّبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ قُلِ اللّهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُم مِّن دُونِهِ أَوْلِيَاء لاَ يَمْلِكُونَ لِأَنفُسِهِمْ نَفْعاً وَلاَ ضَرّاً قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ أَمْ جَعَلُواْ لِلّهِ شُرَكَاء خَلَقُواْ كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ(16)" -الرعد-
ولكنهم لم يحكّموا أمر الله فيهم، بل حكّموا أهواءهم، وحُكْم البشر، حتى عبدوا الأصنام،وبذلوا لها العطايا، وبنوا لها النّصب، وسخّروا لها السدنة والخَدمة، وابتدعوا، وحلّلوا وحرموا... واحتلّ ربحهم من تجارة الأصنام المرتبة الأولى في قلوبهم، فلم يرضوا أن يكون فوق سلطانهم وما تدرّه عليهم تلك التجارة من أرباح سلطان يُذهب ريحها، ويسحق أباطيلها....

فكانت مكة أرض العقيدة... كانت مصنع القلوب المؤمنة التي شكلت العقيدةُ اللبنة الأساسية في تكوينها، وفي صناعة رجال تركوا المال والأهل والأصحاب ومسقط الرأس مهاجرين في سبيل دين عظيم ملك عليهم شِغاف قلوبهم، وربأ بعقولهم عن السَّفه والضلال، فأخرجهم من الظلمات إلى النور... وليس أجمل ولا أشمل من كلمات جعفر بن أبي طالب لملك الحبشة يعرّفه بالإسلام وبما جاء به محمد عليه من الله أفضل الصلاة والسلام :

"كنا قوماً أهل جاهلية، نعبد الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام، ونسيء الجوار، ويأكل القوي منا الضعيف، فكنا على ذلك، حتى بعث الله إلينا رسولاً منا، نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه، فدعانا إلى الله لنوحده ونعبده، ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان، وأمرنا بصدق الحديث، وأداء الأمانة، وصلة الرحم، وحسن الجوار، والكف عن المحارم والدماء، ونهانا عن الفواحش، وقول الزور، وأكل مال اليتيم، وقذف المحصنات، وأمرنا أن نعبد الله وحده، لا نشرك به شيئاً، وأمرنا بالصلاة والزكاة والصيام، فصدقناه وآمنَّا به، واتبعناه على ما جاء به من الله، فعبدنا الله وحده، فلم نشركْ به شيئاً، وحرمنا ما حرم علينا، وأحللنا ما أحل لنا"

وهكذا خلّى الإسلام  أنفس العرب الجاهليين من كل ما تعلق ببراثن الجاهلية الظلماء، ثم حلاّها بضياء الإسلام، وأحكم عقدة الإيمان في قلوبهم، حتى لم يجدوا –ساعة جدّ الجدّ واختبر الإيمان فيهم-، من ضير في ترك كل ما لهم في مكة، في سبيل الله، وفي سبيل إعلاء كلمته، وتأسيس دولة الإسلام .

فكان المسجد الذي أسس في قباء أول عمل وأول رمز للدولة الإسلامية التي سيكون هو أساس مجتمعها الذي يراد له التوحيد، والاجتماع على أمر الله تعالى .
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6545
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
رد: طِــيــب القــــــــلوب
« رد #88 في: 2014-01-12, 10:58:54 »
وكما كان المسجد أول رمز من رموز الوحدة والاجتماع على كلمة التوحيد،فكان مسجد قباء، ثم أمر صلى الله عليه وسلم ببناء مسجد بقلب المدينة المنورة، عَمَد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أساس آخر من أسس هذا المجتمع المرتقب، وهذه الدولة التي ستتخذ من المدينة مركز إشعاع، وكان هو الآخر رمزا من رموز الوحدة ولمّ الشتات وتوحيد الصفوف...
 
فكان أول عَمْده إلى توحيد صفوف الأنصار الذين قدِم عليهم هو وأصحابه مهاجرين...
فقد يسأل سائل وهو متحيّر عن حال قوم كانوا أعداء ألِدّاء، لم تكن بينهم إلا الحروب التي أرهقتهم، وقضت على زهراتهم، وعلى أشرافهم، كيف أصبح الأعداء إخوة في ظرف من الزمان قياسيّ ؟ كيف نجح الإسلام من قبل وصول رسول الله صلى الله عليه وسلم في جمع كلمة الأوس والخزرج أعداء الدهر؟

كان الأنصار في المدينة المنوّرة ينقسمون إلى قبيلتين كبيرتين، هما قبيلتا الأوس والخزرج، وكانت قبيلة الخزرج تفوق الأوس عددًا (ثلاثة أضعاف تقريبًا)، وكانت العلاقة بينهما قبل الإسلام في منتهى الشراسة والعنف، آثار الدماء لم تجفّ بعد من سيوف هؤلاء وهؤلاء، والحرب التي قامت بينهم حرب مشهورة جدًّا في التاريخ ، حرب بُعاث التي كانت قبل بيعة العقبة الأولى بسنتين فقط.

خلال عام واحد  كيف تمكّن مصعب بن عمير مبعوث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة إثر بيعة العقبة الأولى من إذابة الجليد بين الأوس والخزرج؟
فلنعد بالذاكرة إلى أولئك الستة من الخزرج الذين التقاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة،من بعد ما طاف على القبائل في مواسم الحج،لا تستجيب إلى دعوته واحدة منها،ففاتحهم بأمر الإسلام، فقبلوه، وأخبروه ساعتها أنّ قومهم  أعداء متنافرون، وأنْ عسى أن يكون هو جامعَ شملهم .

نعم لقد نجح الإسلام في تصالح المتخاصمين، ونسيان عداوات الدهر، وفي التسامي عن دواعي الاقتتال والتناحر، لمّا سما بقلوبهم وعقولهم إلى علاقة السماء بالأرض، لما اتخذوا وحي السماء مشكاة دلتهم على طريقٍ الرجل فيه أخو الرجل وقد صارت العقيدة الواحدة الرحِم الذي أخرجهما أخوين، جمعت بينهما العقيدة، آخت بينهما العقيدة، وأصبحت الأخوة في الله أقوى العُرى، وأوثق الصلات التي تذوب معها كل الفوارق، ولا يبقى إلا أنّ ما يدين به الأوسي هو الذي يدين به الخزرجي، وما يعيش عليه الأوسي هو ذاته الذي يعيش عليه الخزرجي، وأن السلطان الكامل والتام على كليهما هو سلطان الله الواحد الأحد الذي يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وأنّ المؤمن أخو المؤمن حرام عليه دمه وماله وعرضه.  وفي المدينة نزلت : "وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ(103) "–آل عمران-

لقد نجح مصعب بن عمير بعد مرور أكثر من اثني عشر عاما على بعثة رسول الله صلى الله عليه وسلم في ترسيخ العقيدة في قلوب الأوس والخزرج من خلال القرآن المكي الذي كان -إلى يوم حلوله بينهم بالمدينة- قد نزل ثلثاه، فعمل القرآن عمله الفريد فيهم... وأذاب أكوام الجليد إلى أن حلّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أخيرا بينهم ....ليؤكد على توحيد الأنصار من أوس وخزرج تحت راية الإسلام.

ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6545
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
رد: طِــيــب القــــــــلوب
« رد #89 في: 2014-02-23, 13:13:04 »
بادر رسول الله صلى الله عليه وسلم بمعاملة اليهود المعاملة الحسنة أول دخوله المدينة، فلما وجدهم يصومون عاشوراء قاسمهم صيامه، وكانت قبلة المؤمنين تجاه بيت المقدس إعلانا لهم أنهم والمسلمين يعبدون إله واحدا، ويتوجهون له وحده، وأنّ الإسلام يعترف بكل الأنبياء ولا ينكر منهم أحدا، كما وادعهم في صحيفة ضمّت بنود معاملتهم معاملة عادلة، لم يقم على الأرض دستور كفل حقوق الآخر على مر الأزمنة كما كان فيها، وإعطائهم حرية العبادة لا يُرغمون على الإسلام، بل وكفلت لهم حق المواطنة، كما بدأ بدعوتهم فرادى وجماعات، فكانوا يظهرون القبول والموادعة أول الأمر، وما لبثوا أن جهروا بما كان يعتلج بصدورهم من غلّ وكره وحقد وعِداء لرسول الله صلى الله عليه وسلم وللإسلام .

والآن سنعرف غيضا من فيض وسائلهم وطرائقهم في التعامل مع الإسلام .
فاليهود الآن فئة -كما وجدهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة-، فئة ذات جاهٍ، ومال وسلطة اقتصادية بارزة بما انتهجوا من سُبل التحايل على المسلمين وسلبهم مالهم وأرضهم وأملاكهم بالمراباة...

هكذا هو دَيْدَن اليهود...
قوم غضب الله عليهم ولعنهم بما كفروا، وبما عذبوا أنبياءهم وكذبوهم، قوم جُبلوا على الخداع والمكر والغدر، ولم يكونوا يذعنون لأمر الله الواحد، بل كانوا يعيشون وِفق أهوائهم، وما تمليه عليهم جبلّتهم المتمردة التي لا تقبل الخير، بل ترفضه وتستبدله بالذي هو أدنى ، وقد بين القرآن كل عَوارهم، وكشف مكرهم وما طُبعوا عليه من صفات الخداع والالتواء، والغدر والكيد : "وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَن نَّصْبِرَ عَلَىَ طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنبِتُ الأَرْضُ مِن بَقْلِهَا وَقِثَّآئِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُواْ مِصْراً فَإِنَّ لَكُم مَّا سَأَلْتُمْ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَآؤُوْاْ بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَواْ وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ(61)" -البقرة-

"بِئْسَمَا اشْتَرَوْاْ بِهِ أَنفُسَهُمْ أَن يَكْفُرُواْ بِمَا أنَزَلَ اللّهُ بَغْياً أَن يُنَزِّلُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ عَلَى مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ فَبَآؤُواْ بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُّهِينٌ(90)"-البقرة-

وهذه هي حقيقتهم التي كشفها الله للمسلمين في القرآن عبر الأزمنة، كما كشفها في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما كان منهم نحوه ونحو أصحابه، ولم يكن ذلك إلا للاعتبار ولأخذ الدرس الذي بموجبه يتعامل المسلمون مع اليهود في كل زمان، فلا يؤخذوا بمكرهم. ولكن المسلمين عرفوا أنها الدروس يوم كانوا الأقوياء الممكّنين بطاعتهم لله وبإعلائهم لكلمته فوق كل كلمة، أما اليوم فإنهم يتيهون في الأرض، يخطبون ودّ اليهود ويسترضونهم وهم لهم كارهون، بهم مستخفّون، لا ينسون ما هزموهم به ، ولا ما كشفوا من شرهم، ينتقمون منهم اليوم والمسلمون سادرون في غيّ الغفلة يسمّونهم الأصدقاء والأخلاء...

وكأن الجاهلية الظلماء تعيد قصتها من جديد، وكأن استغلال اليهود لغيرهم، وسيطرتهم الاقتصادية بالتحايل والتلاعب والمراباة التي كانت سائدة بالمدينة، واليهود ممكّنون فيها، وكأنّ كل ذلك من غيابات الجاهلية ودامس أيامها يعيد نفسه اليوم في غياب قوة كشفتهم وفضحتهم وأحلّت العدل مكان جَوْرهم، والرحمة مكان استبدادهم، والحق مكان باطلهم ... تلكم كانت قوة الإسلام وقوة محمد صلى الله عليه وسلم ، وقوة رجال صنعهم بالقرآن وبالإيمان، فلم يجد اليهود حيال الحق الذي حملوه مخلصين وجههم لله من قوة ولا من شوكة، بل لقد دُحضوا وأُهلكوا رغم كل كيدهم ومكرهم ....
أما اليوم فها هم يرتعون في ديار الإسلام أسيادا وقد غابت شمس الرجولة التي تدحرهم دحرا، وتُذيب جليدهم البائس، غابت شمس رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه وتلبّدت سماء الأمة بغيوم الذلّ والهَوان والتلّ للجبين بين يدي العدو الغاصب...

نعم إنّ هؤلاء اليهود قوم مشرّدون في الأرض،باؤوا بغضب من الله، فهم لا قرار لهم، بل هُم متطفّلون على الشعوب وعلى أراضيهم، فكما عاثوا في يثرب فسادا وهضما لحقوق العرب،من طلوع بدر محمد على أهلها، أعادوا فأعلنوها قبل نكبة فلسطين "أرض بلا شعب لشعب بلا أرض"، هذا الشعب الذي كان يرى نفسه  ومازال شعب الله المختار، بينما هم المغضوب عليهم من الله، مغتصبو الحقوق ومُذلّو أهلها بالربا وشطحات الخداع والاستيلاء، لا يرقبون في مؤمن إلاّ ولا ذمّة، هكذا كانوا في المدينة من قبل حلول رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورغم علمه بما هُم عليه إلا أنه آثر أن يقيم عليهم الحجة بالمسالمة ومدّ يد الأمن والأمان ....فكيف يا ترى كان ردّ فعلهم ؟
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل زمرد

  • شباب إيجابي
  • ***
  • مشاركة: 994
  • الجنس: أنثى
رد: طِــيــب القــــــــلوب
« رد #90 في: 2014-02-24, 06:22:45 »
صدقتِ
اللهم اهلك الطغاة واتباعهم اللهم اهلكهم وأرنا فيهم عجائب قدرتك اللهم اليوم اليوم اليوم ولا تؤخرهم يارب .. ياااارب ارزقنا الشهادة واذقنا حلاوتها انك على كل شيء قدير ...

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6545
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
رد: طِــيــب القــــــــلوب
« رد #91 في: 2014-05-06, 16:22:53 »
وهكذا، نجدنا ونحن نفتح ملفّ اليهود لا نكاد نجد له مغلاقا، ونحن نرى أنوفهم تزجّ في كل فتنة، وشر ومكر وخديعة، فيجدر بنا أن نعرف عنهم ما يكفي لما لا يدع لنا مجالا للريب في أنهم العدوّ الذي لا يبطن لنا إلا الكره والحقد والضغينة، والذي علينا أن نحذر .... فكما كان دأبهم هو إلى اليوم مقيم ...
ولكننا نتعامى عمّا بصّرنا به القرآن، عما بصّرنا به رب السماوات والأرض، الذي فضحهم بين أيدينا أكبر فضيحة، فلم يترك أمرا سعوا في إخفائه ومداراته إلا أظهره لنا من وحي مكرهم وزيفهم وخداعهم وافترائهم الكذب على الله وعلى رسله .

حقيق بنا أن نصدع باللّوم على أنفسنا ونحن نعرف من القرآن،كلام الله ووحيه الحقَّ والحقيقة، ثم نصمّ آذاننا، ونُغشي على أبصارنا، وندّعي عدم الفهم، ونتنادى حتى تبحّ أصواتنا بالسلم والمسالمة والموادعة والتعايش والأمان مع مَن نعلم علم اليقين أنهم عدونا الأكبر الذي يضمر لنا من الحقد والكره ما علّمنا الله إياه، وما هو من محض جبلّتهم وتواطئهم واجتماعهم عليه، لا يألون في سبيل إمضائه والإتيان على مَن  ناصبوا العِداء والكُره جهدا،ولا يستصعبون سبيلا  ....

حقيق بنا أن نلقي باللائمة على تنادينا ببهتان نفتريه بين أيدينا، نصنع من خيوط ضعفنا نسيجا لا يلبسنا بل يُلبسهم ويعرّينا ، ونزرع من شوك ذلّنا ما لا ينالنا ريعُه بل ينالهم ... نُحقّ باطلهم، ونبطل حقّنا، حتى اشتكت الأرض كلها من صنع أيدينا، وكأنها التي لا تشفى ولا يقوم لها عود، ولا تعرف للحياة معنى إلا بعودتنا إلى حقنا الذي هو حقّها، وبفهمنا لمنهجنا الذي هو قَوامُها ....

نعم لقد بدأنا ولم ننتهِ من حديثنا عنهم، بل لن ننتهي منه حتى ننتهي عما نهانا الله  وحتى نأتمر بما أمرنا، وحتى نوقن أنّ العدوّ اللدود لن ينقلب صديقا إلا وهو يشتري لنا الموت بأيدينا، وبمالنا وبحبّات العرق تقطر منّا نُعليه وندنّي أنفسنا .لن ينقلب الصديقَ حتى تنقلب حروف "الصداقة" حروف "العداوة" وهيهات هيهات...
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6545
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
رد: طِــيــب القــــــــلوب
« رد #92 في: 2014-05-06, 16:27:33 »
عرفنا كيف أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يبيت إلا في حرس، وكيف بات الصحابة يخشون عليه غائلة  من قريش وهي التي أقدمت على إثارة الفتنة الطائفية بالمدينة بين المسلمين والمشركين من أوس وخزرج،بعد تقربها من عبد الله بن أبي بن سلول الذي لم تذهب عنه حرقته على ملك كاد يصير إليه في قوم لم يعقدوه لغيره،ليسودهم أوسا وخزرجا، هذا الملك الذي طار عرشه، وانكسر صولجانُهُ فور وصول محمد صلى الله عليه وسلم المدينة، ثم التفاف الأنصار من حوله نبيا وقائدا وحاكما . بل لقد خطّ لهم أول دستور يسيّر شؤون مختلف الطوائف فيها من مؤمنين ومشركين ويهود.

وهكذا التقت مصالح قريش التي لم تنسَ عداءها لرسول الله صلى الله عليه وسلم بمصالح عبد الله بن أبيْ الذي أرسلت إليه تُنِيبُه عنها في المدينة لتأليب مشركيها على رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أعْمَتْ الغيرة والحقد قلوبهم، فلم يعودوا يذكرون ثارات الزمن القريب وعداواته،والتحم مشركو الأوس والخزرج ضدّ إخوانهم ممّن أسلم والتفّ حول دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم...
وهكذا بقي دأب المترصدين للإسلام في كل زمان وفي كل مكان،أعداء بُعَداء في غير وجهه ، أصدقاء حلفاء في هدف الإطاحة به واستئصال شأفته ،فإن لم يكن بإمكانهم غاية المُنى، رضوا بإضعاف شوكته وإيهانه بإضعاف أهله وإبعادهم عن دورهم السياديّ والريادي في الأرض. وتلك حرب أحمى وطيسا من حروب السلاح وقد تبيّن فيها الخيط الأبيض من الأسود، تبيّن فيها فريق الإيمان من فريق الكفر، والتقى كلاهما ندا بند يتحاربون، فأما أهل الكفر فأشدّ الناس حرصا على حياة، وأما أهل الإيمان فنُصب أعينهم نصر بإعلاء كلمة الله أو شهادة في سبيله هي مُرتقى الآخرة عند نائليها،وهي مطلب كل طالب يُقبل متمنّيها، فلا يدبر إلا نائلها أو نائل النصر من إقباله وقوّة إيمانه...

أما حروب على الفكر بغزو يُفرغها من حِلْيتها ويُخليها للخفافيش ترتع في ظلمة لا تأخذ إلا لظلمة فيها، وحروب على العقل تأخذه من الولاء للإيمان وأهله والبراء من الشرك وعُصبته إلى الانبهار بتفتّح الدنيا على أهل الكفر من بعد قعود المؤمنين وتمكّن الانهزامية من أنفسهم،فيغدو العدوّ صديقا، بل يغدو الآلهة المعبودة دون الإله الواحد،ولا يعود للولاء والبراء من معنى عند المحارَب الظانّ بنفسه وبحياضه الحياة الآمنة والعيش الرغيد... لم يعد يعنيه دينه، بل قد انقلبت دنياه له دينا، وقد انقلب زخرف الدنيا وبهرجها ربه المعبود. فتِلْكُم الحرب التي لا تجد لها جبهة واحدة ولا ساحة واحدة، ويختلط فيها حابل بنابل، ويلتبس فيها الحال،فيصبح الواحد مؤمنا ويمسي كافرا،أو يمسي مؤمنا ويصبح كافرا ... فتصعب المواجهة، وتتعدد الجبهات، ويقع فيها المحظور الذي تبتغيه الأعداء، فيقاتل الأخ أخاه وينشغل الداخل بالداخل، وأعداء الخارج متربّصون يُكفَوْن المؤونة وتُبسط لهم الفُرُش، وتمهّد لهم الدروب ليسلكوها إلينا ونحن تُلهينا الألْهيّات، ويشغلنا اللّعب عن الجِدّ...

بهذا المنطق يجب أن تفعل فينا السيرة المطهرة للحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم فعلها، على هذا النحو يجب أن نقرأها، فهي لم تكن حياة وقصة للسرد على مسامع المعجَبين، أو لاستمطار دموع المتأثرين، أو لزيادة معرفة المتطلعين، لقد جُعِلت لنا مرآة تعكس حقيقة الإسلام في كل زمان، حقيقة حركته، وكينونته،وحقيقة وجوده، حقيقة مواجهاته، وحقيقة أعدائه وما يريدون به، وها نحن في زماننا نرى الأحداث تعيد نفسها، نرى تربّص أعداء الإسلام بالإسلام وأهله، ونراهم يشترون لهو أهله ولعبهم،لينقضوا بنيانه بأيديهم.

لقد كانت حكمة رسول الله صلى الله عليه وسلم هي الرادع، وهي الحائل دون نجاح قريش فيما أثارته من فتنة، إذ خاطب القوم بما يلزم مخاطبتهم به، ولولا حكمته وتذكيرهم بالعزة القبلية وأنهم مقبلون على إهلاك أنفسهم بأيديهم، لكانت الحرب التي يقتل فيها الأخ أخاه وهو صلى الله عليه وسلم ما جاء إلا ليطفئها، وليجعلها رمادا تذروه الرياح... ولو أنّه أسعر نارها، لالتفّ حوله المقاتلون، ولكانت الحرب، ولكانت الهلكة، ولقال القوم من بعدها: أهذا الذي قلنا سيصلح ويجمع قد زاد في تشتيتنا وفساد أمرنا ؟! ولكنه قرأ كل هذا، و رأى بعين بصيرته كل هذا، فكفاهم الحرب بكلمات منه معدودة فعلت فيهم ما لا تفعله الخطب الجارّة أرديتها الفاخرة الممتدة ...

ولكنّ حكمته العظيمة لم تقف عند هذا، بل لقد أدرك صلى الله عليه وسلم أن قريشا لن ترتدع، ولا تكفي رؤيتها تعود القهقرى في هذه، فهي التي لن تنثني، ولن يؤدها أن تقتنص كل فرصة لقتل رسول الله صلى الله عليه وسلم. فجعل لا ينام إلا والصحابة حَرَسٌ عليه، حتى نزلت عصمة الله له من الناس آية كفاهم بها الحراسة، واليقين يملأه أن الله عاصمه من كل كيد يكيدونه، أو مكر يمكرونه.

قريش لم تقنع بابتعاد رسول الله صلى الله عليه وسلم 500كم عن أرضها،فهي قد عرفت قوة دعوته، وفهمت أنّها ستمتد ولن تنكفئ على نفسها بالمدينة وتقنع بالعيش في كنف آمن محدود،ليست تلك رسالة الإسلام، ليست بحثا عن مغنم،وراحة وهدوء، ليست غايتها التنعّم بالسيادة، وليس ذلك لرسول الإسلام صلى الله عليه وسلم، إنما قد بعث رحمة للعالمين، قد بعث مطهرا للأرض قاطبة، قد بعث دواء لأسقامها،وترياقا لعللها ...قد بعث ليسود الحق والعدل،ولتكون كلمة الله هي العليا على الأرض كلها، وهي لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين . وبمكة قد نزل قوله سبحانه : "إِنَّ الأَرْضَ لِلّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ(128)"-الأعراف- تلك هي رسالة الإسلام .وقد عرفت قريش هذه الآية وعرفت الكثير غيرها،وعلى هذا فقريش ما تزال مترصدة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، تبذل كل وسائلها، ولا تألو جهدا
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل Asma

  • شباب جديد
  • *
  • مشاركة: 139
  • الجنس: أنثى
  • قَالَ كَلاَّ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ
رد: طِــيــب القــــــــلوب
« رد #93 في: 2014-05-09, 16:54:37 »
سلام عليكم اسجل للمتابعة


ساعود لاقرأ من الاول
الهجرة هجرة القلوب الى الله فاسالك ربي هجرة اليك

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6545
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
رد: طِــيــب القــــــــلوب
« رد #94 في: 2014-05-10, 19:02:09 »
سلام عليكم اسجل للمتابعة


ساعود لاقرأ من الاول
أهلا وسهلا بك يا أسماء ::happy:. في هذا الموضوع أضع مجموعة خواطر حول ما يستوقفني من محطات السيرة المطهرة،  تجدينها أيضا على أوراق السيرة، وأيضا أعرضها عبر الباوربوينت.تأمل، انبهار، تشوف،تشوق، إسقاط ، تعلم، اعتبار، اتعاظ... كله يحدث والمؤمن يسبر أغوار أعظم سيرة.
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6545
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
رد: طِــيــب القــــــــلوب
« رد #95 في: 2016-05-01, 09:38:23 »
تأملات في موعد  الإذن بالقتال

ها نحن بعد كل هذا نرى المشركين يُعَرْبدون-وخاصة منهم مشركي مكة قريش- فهي التي ألّبت مشركي المدينة على رسول الله صلى الله عليه وسلم في محاولة منها لإثارة الفتنة الطائفية باءت بالفشل بعد تصدّي حكمة رسول الله صلى الله عليه وسلم لها، ثم هي ذي قريش لا تدع سبيلا من سبل إظهار العداوة إلا سلكته، ومع كل هذا ما يزال رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ممتثلين لأمر الله تعالى :"وأعرض عن المشركين"...

ولكن يبلغ السيل الزُّبى، ويحين أوان الحزم، والفصل وتغيير الطريقة، وله سبحانه أمره وحكمته في الوقت الذي يشاء فيه أن يأذن للمسلمين بالقتال، فبعد كل هذا الاعتداء والعداء الصارخ من المشركين للمسلمين،إذ لم يكتفوا بإيذائهم وتكذيبهم وتعذيبهم بل وبتشريدهم وإخراجهم من ديارهم، وطردهم، والكيد لرسول الله صلى الله عليه وسلم بالقتل بضربة أربعين سيفا،والمؤمنون بين مفتون في دينه،وبين معذّب في أيديهم، وبين هارب في البلاد فرارا،منهم مَن بأرض الحبشة، ومنهم مَن بالمدينة، وفي كل وجه . لم ترَ قريش في خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة مع أصحابه نهاية ما بينها وبينه، بل هي تعلن عداءها، واستعدادها لحربه وإن بعدت به الشُقّة، وغادر أرض مكة .وكما عرفنا سابقا ذلك دَيدن أهل الكفر يتتبعون الإسلام في كل دار صغرت دائرة أتباعه أو كبرت، ليس إلا من الرعب المُلقى في قلوبهم من قوته وحقه الظاهر.

فإننا ونحن نتابع الأحداث على ورق، نشعر بحشرجة في الصدر وغصة في الحلق، وحرقة في القلب ، نجدنا نبحث عمّا يسوّغ للمسلمين الثأر من أعداء الله... عمّا يسوّغ لهم طريقة لاسترداد حقوقهم، ولردع هؤلاء الطغاة ...

وفي الوقت  الذي قدّره الله سبحانه بحكمته أنه الأنسب للإذن، أذن لنبيه صلى الله عليه وسلم وللمؤمنين بالقتال، والامتناع والانتصار ممن ظلمهم وبغى عليهم، فكانت أول آية نزلت في الإذن له في الحرب وإحلاله له الدماء والقتال لمن بغى عليهم، قول الله تبارك وتعالى :
"أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ(39) الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ(40) الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ(41)" -الحج-

لقد أذن الله تعالى لنبيّه صلى الله عليه وسلم بالقتال، من بعد مرحلة طويلة في مكة دامت ثلاثة عشر عاما، عُرف فيها أمر الله سبحانه لعباده المؤمنين بالصفح والعفو والإعراض عن المشركين، وبتحمّل الأذى، والصبر على تبِعات الدعوة من تعذيب وتكذيب، حتى بلغ بهم المدى أن دبّروا لقتل رسول الله صلى الله عليه وسلم قتلة جماعية، عندها بدأ الانخلاع من أهل الشرك، وبدأ اليأس من البقاء بين ظهرانيهم  فأذن الله تعالى لنبيّه صلى الله عليه وسلم بالهجرة، بدءا بصحابته أرسالا، وانتهاء به صلى الله عليه وسلم وبأبي بكر الصديق رضي الله عنه . ثم لما وجد رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأنصار النصير والمُعين، والمَنعة، بدأ بتأسيس الدولة، فكان أول فعله أن أقام المسجد، ثم آخى بين الأوس والخزرج، ثم آخى بين المهاجرين والأنصار، ثم وضع صحيفة الموادعة، ذلك الدستور الذي نظّم العلاقة بين الفئات المختلفة بالمدينة من مؤمنين ومشركين ويهود ...

ولما التفّ الأنصار حول رسول الله صلى الله عليه وسلم نبيا وقائدا ومسيّرا لشؤونهم، انتهض الرماد من تحت التراب، يريد أن يبعث أول الشّرر بمشركي المدينة يرأسهم عبد الله بن أُبي بن سلول الذي يخبّئ الحقد والكُره لمن سلبه ملكا كاد أن يصير إليه فيها،إذ تآمر مع قريش على حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم جامعا مشركي الأوس والخزرج لحرب المؤمنين منهم، فكانت حكمة رسول الله صلى الله عليه وسلم الحائل دون بُعاث جديدة...

تفنّنت قريش في سُبُلها، فنوّعتها، وعدّدتها لتنال مأربها، وعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه أنها لم ولن تنطفئ نارُها حتى تطفئ نور الإسلام،وتمحو ذكر رسوله صلى الله عليه وسلم، وهيهات هيهات أن تنال ما تريد، والله متمّ ما يريد،:"يُرِيدُونَ أَن يُطْفِؤُواْ نُورَ اللّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ(32)"-التوبة-
 وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان قرآنا يمشي على الأرض، يربي أصحابه عليه ويصنعهم به على عينه، فكانوا يأتمرون بأمره، وينتهون عن نهيه.صبروا ما أمرهم الله أن يصبروا ويترقبوا أمره، حتى أتى أمرُه:"أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ(39) "-الحج-


« آخر تحرير: 2016-05-01, 09:43:15 بواسطة حازرلي أسماء »
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6545
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
رد: طِــيــب القــــــــلوب
« رد #96 في: 2016-05-01, 09:57:10 »
في غزوة بدر، استفتح أبو جهل حين التقى الناس ودنا بعضهم من بعض فقال: "اللهم !  أقطعُنا للرّحِم، وآتانا بما لا يُعرف فأحِنْه الغداة، اللهمّ أولانا بالحق فانصره، اللهم أيُّنا كان أحبَّ إليك، وأرضى عندك، فانصره اليوم" ...!!!

وفي ذلك أنزل الله تعالى قوله : "إِن تَسْتَفْتِحُواْ فَقَدْ جَاءكُمُ الْفَتْحُ وَإِن تَنتَهُواْ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَإِن تَعُودُواْ نَعُدْ وَلَن تُغْنِيَ عَنكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئاً وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ(19)"-الأنفال-

وأحب أن أقف مع استفتاح أبي جهل وقفة، فلا أظنّ أن قارئا متأملا سيمرّ بقوله هذا مرور الكرام، وأكاد أجزم استغرابه واستهجانه، وتساؤله عن سرّ دعاء رأس الشرك والكفر بهذا الدعاء ! وفي هذا قدّر الله أن أقع على كلام للدكتور راغب يحلل فيه كلامه، أضعه بين أيديكم:


ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل جواد

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 244
  • الجنس: ذكر
رد: طِــيــب القــــــــلوب
« رد #97 في: 2016-05-01, 10:02:07 »
السلام عليكم ورحمة الله،

معذرة أختي الكريمة، ما الفائدة من هذا الكلام؟

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6545
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
رد: طِــيــب القــــــــلوب
« رد #98 في: 2016-05-01, 10:09:23 »
السلام عليكم ورحمة الله،

معذرة أختي الكريمة، ما الفائدة من هذا الكلام؟

أفصح أخي، ماذا تعني بسؤالك؟
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6545
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
رد: طِــيــب القــــــــلوب
« رد #99 في: 2016-05-01, 10:10:11 »
حول غزوة بدر


أحب أن أنقل كلاما نفيسا لسيد قطب رحمه الله عن غزوة بدر:

لقد كانت غزوة بدر - التي بدأت وانتهت بتدبير اللّه وتوجيهه وقيادته ومدده - فرقانا .. فرقانا بين الحق والباطل - كما يقول المفسرون إجمالا - وفرقانا بمعنى أشمل وأوسع وأدق وأعمق كثيرا ..

1- كانت فرقانا بين الحق والباطل فعلا .. ولكنه الحق الأصيل الذي قامت عليه السماوات والأرض، وقامت عليه فطرة الأشياء والأحياء .. الحق الذي يتمثل في تفرد اللّه - سبحانه - بالألوهية والسلطان والتدبير والتقدير وفي عبودية الكون كله: سمائه وأرضه، أشيائه وأحيائه، لهذه الألوهية المتفردة ولهذا السلطان المتوحد، ولهذا التدبير وهذا التقدير بلا معقب ولا شريك .. والباطل الزائف الطارئ الذي كان يعم وجه الأرض إذ ذاك ويغشي على ذلك الحق الأصيل ويقيم في الأرض طواغيت تتصرف في حياة عباد اللّه بما تشاء، وأهواء تصرف أمر الحياة والأحياء! .. فهذا هو الفرقان الكبير الذي تم يوم بدر حيث فرق بين ذلك الحق الكبير وهذا الباطل الطاغي وزيل بينهما فلم يعودا يلتبسان!

2-لقد كانت فرقانا بين الحق والباطل بهذا المدلول الشامل الواسع الدقيق العميق، على أبعاد وآماد: كانت فرقانا بين هذا الحق وهذا الباطل في أعماق الضمير .. فرقانا بين الوحدانية المجردة المطلقة بكل شعبها في الضمير والشعور، وفي الخلق والسلوك، وفي العبادة والعبودية وبين الشرك في كل صوره التي تشمل عبودية الضمير لغير اللّه من الأشخاص والأهواء والقيم والأوضاع والتقاليد والعادات ... وكانت فرقانا بين هذا الحق وهذا الباطل في الواقع الظاهر كذلك .. فرقانا بين العبودية الواقعية للأشخاص والأهواء، وللقيم والأوضاع، وللشرائع والقوانين، وللتقاليد والعادات ... وبين الرجوع في هذا كله للّه الواحد الذي لا إله غيره، ولا متسلط سواه، ولا حاكم من دونه، ولا مشرع إلا إياه .. فارتفعت الهامات لا تنحني لغير اللّه وتساوت الرؤوس لا تخضع إلا لحاكميته وشرعه وتحررت القطعان البشرية التي كانت مستعبدة للطغاة .

3-وكانت فرقانا بين عهدين في تاريخ الحركة الإسلامية: عهد الصبر والمصابرة والتجمع والانتظار. وعهد القوة والحركة والمبادأة والاندفاع .. والإسلام بوصفه تصورا جديدا للحياة، ومنهجا جديدا للوجود الإنساني، ونظاما جديدا للمجتمع، وشكلا جديدا للدولة .. بوصفه إعلانا عاما لتحرير «الإنسان» في «الأرض» بتقرير ألوهية اللّه وحده وحاكميته، ومطاردة الطواغيت التي تغتصب ألوهيته وحاكميته .. الإسلام بوصفه هذا لم يكن له بد من القوة والحركة والمبادأة والاندفاع، لأنه لم يكن يملك أن يقف كامنا منتظرا على طول الأمد. لم يكن يستطيع أن يظل عقيدة مجردة في نفوس أصحابه، تتمثل في شعائر تعبدية للّه، وفي أخلاق سلوكية فيما بينهم. ولم يكن له بد أن يندفع إلى تحقيق التصور الجديد، والمنهج الجديد، والدولة الجديدة، والمجتمع الجديد، في واقع الحياة وأن يزيل من طريقها العوائق المادية التي تكبتها وتحول بينها وبين التطبيق الواقعي فى حياة المسلمين أولا ثم في حياة البشرية كلها أخيرا .. وهي لهذا التطبيق الواقعي جاءت من عند اللّه ..

4-وكانت فرقانا بين عهدين في تاريخ البشرية .. فالبشرية بمجموعها قبل قيام النظام الإسلامي هي غير البشرية بمجموعها بعد قيام هذا النظام .. هذا التصور الجديد الذي انبثق منه هذا النظام. وهذا النظام الجديد الذي انبثق من هذا التصور. وهذا المجتمع الوليد الذي يمثل ميلادا جديدا للإنسان. وهذه القيم التي تقوم عليها الحياة كلها ويقوم عليها النظام الاجتماعي والتشريع القانوني سواء .. هذا كله لم يعد ملكا للمسلمين وحدهم منذ غزوة بدر وتوكيد وجود المجتمع الجديد. إنما صار - شيئا فشيئا - ملكا للبشرية كلها تأثرت به سواء في دار الإسلام أم في خارجها، سواء بصداقة الإسلام أم بعداوته! .. والصليبيون الذين زحفوا من الغرب، ليحاربوا الإسلام ويقضوا عليه في ربوعه، قد تأثروا بتقاليد هذا المجتمع الإسلامي الذي جاءوا ليحطموه وعادوا إلى بلادهم ليحطموا النظام الإقطاعي الذي كان سائدا عندهم، بعد ما شاهدوا بقايا النظام الاجتماعي الإسلامي! والتتار الذين زحفوا من الشرق ليحاربوا الإسلام ويقضوا عليه - بإيحاء من اليهود والصليبيين من أهل دار الإسلام! - قد تأثروا بالعقيدة الإسلامية في النهاية وحملوها لينشروها في رقعة من الأرض جديدة وليقيموا عليها خلافة ظلت من القرن الخامس عشر إلى القرن العشرين في قلب أوربا! ..
وعلى أية حال فالتاريخ البشري كله - منذ وقعة بدر - متأثر بهذا الفرقان في أرض الإسلام، أو في الأرض التي تناهض الإسلام على السواء».

5- وكانت فرقانا بين تصورين لعوامل النصر وعوامل الهزيمة. فجرت وكل عوامل النصر الظاهرية في صف المشركين وكل عوامل الهزيمة الظاهرية في صف العصبة المؤمنة، حتى لقال المنافقون والذين في قلوبهم مرض: «غر هؤلاء دينهم» .. وقد أراد اللّه أن تجري المعركة على هذا النحو - وهي المعركة الأولى بين الكثرة المشركة والقلة المؤمنة - لتكون فرقانا بين تصورين وتقديرين لأسباب النصر وأسباب الهزيمة ولتنتصر العقيدة القوية على الكثرة العددية وعلى الزاد والعتاد فيتبين للناس أن النصر للعقيدة الصالحة القوية، لا لمجرد السلاح والعتاد وأن أصحاب العقيدة الحقة عليهم أن يجاهدوا ويخوضوا غمار المعركة مع الباطل غير منتظرين حتى تتساوى القوى المادية الظاهرية، لأنهم يملكون قوة أخرى ترجح الكفة وأن هذا ليس كلاما يقال، إنما هو واقع متحقق للعيان.

6- وأخيرا فلقد كانت بدر فرقانا بين الحق والباطل بمدلول آخر. ذلك المدلول الذي يوحي به قول اللّه تعالى في أوائل هذه السورة: «وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّها لَكُمْ، وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ، وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ وَيَقْطَعَ دابِرَ الْكافِرِينَ، لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْباطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ».
لقد كان الذين خرجوا للمعركة من المسلمين، إنما خرجوا يريدون غير أبي سفيان واغتنام القافلة. فأراد اللّه لهم غير ما أرادوا. أراد لهم أن تفلت منهم قافلة أبي سفيان (غير ذات الشوكة) وأن يلاقوا نفير أبي جهل (ذات الشوكة) وأن تكون معركة وقتال وقتل وأسر ولا تكون قافلة وغنيمة ورحلة مريحة! وقال لهم اللّه - سبحانه - إنه صنع هذا: «لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْباطِلَ» ..
وكانت هذه إشارة لتقرير حقيقة كبيرة .. إن الحق لا يحق، وإن الباطل لا يبطل - في المجتمع الإنساني - بمجرد البيان «النظري» للحق والباطل. ولا بمجرد الاعتقاد «النظري» بأن هذا حق وهذا باطل .. إن الحق لا يحق ولا يوجد في واقع الناس وإن الباطل لا يبطل ولا يذهب من دنيا الناس. إلا بأن يتحطم سلطان الباطل ويعلو سلطان الحق، وذلك لا يتم إلا بأن يغلب جند الحق ويظهروا، ويهزم جند الباطل ويندحروا ..
فهذا الدين منهج حركي واقعي، لا مجرد «نظرية» للمعرفة والجدل! أو لمجرد الاعتقاد السلبي! ولقد حق الحق وبطل الباطل بالموقعة وكان هذا النصر العملي فرقانا واقعيا بين الحق والباطل بهذا الاعتبار
الذي أشار إليه قول اللّه تعالى في معرض بيان إرادته - سبحانه - من وراء المعركة، ومن وراء إخراج الرسول - صلى الله عليه وسلم - من بيته بالحق ومن وراء إفلات القافلة (غير ذات الشوكة) ولقاء الفئة ذات الشوكة ..
ولقد كان هذا كله فرقانا في منهج هذا الدين ذاته، تتضح به طبيعة هذا المنهج وحقيقته في حس المسلمين أنفسهم .. وإنه لفرقان ندرك اليوم ضرورته حينما ننظر إلى ما أصاب مفهومات هذا الدين من تميع في نفوس من يسمون أنفسهم مسلمين! حتى ليصل هذا التميع إلى مفهومات بعض من يقومون بدعوة الناس إلى هذا الدين!
وهكذا كان يوم بدر «يوم الفرقان يوم التقى الجمعان» بهذه المدلولات المنوعة الشاملة العميقة .. «وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ» .. وفي هذا اليوم مثل من قدرته على كل شيء .. مثل لا يجادل فيه مجادل، ولا يماري فيه ممار .. مثل من الواقع المشهود، الذي لا سبيل إلى تفسيره إلا بقدرة اللّه. وأن اللّه على كل شيء قدير.
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب