المحرر موضوع: في ظلال القرآن  (زيارة 106454 مرات)

0 الأعضاء و 2 ضيوف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل ماما هادية

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 15899
  • الجنس: أنثى
  • احفظ الله يحفظك
رد: في ظلال القرآن
« رد #240 في: 2013-09-21, 10:58:08 »
آمين آمين

أحيانا أشعر اننا نتخيل دوما ان هذه الايات خاصة بالكافرين المجاهرين بكفرهم

لكن بعض من يسمون (مسلمين) تصدر منهم تصرفات، تنبيك ان اليوم الاخر والحساب والعذاب والوقوف بين يدي الله  عز وجل ليست على بالهم اصلا
أو كأنهم يظنون انهم اذا لقوا  الله، سينجون بحيلة او اخرى، كما ظن اليهود حين قالوا : {قَالُوا أَتُحَدِّثُونَهُم بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُم بِهِ عِندَ رَبِّكُمْ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ }

اللهم لا تشغلنا بالدنيا عن الآخرة ، ولا تنسنا ذكرك، ولا تهتك عنا سترك، وقنا عذابك يوم تبعث عبادك
*رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ*

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6545
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
رد: في ظلال القرآن
« رد #241 في: 2013-09-21, 11:24:44 »
آمين آمين

أحيانا أشعر اننا نتخيل دوما ان هذه الايات خاصة بالكافرين المجاهرين بكفرهم

لكن بعض من يسمون (مسلمين) تصدر منهم تصرفات، تنبيك ان اليوم الاخر والحساب والعذاب والوقوف بين يدي الله  عز وجل ليست على بالهم اصلا
أو كأنهم يظنون انهم اذا لقوا  الله، سينجون بحيلة او اخرى، كما ظن اليهود حين قالوا : {قَالُوا أَتُحَدِّثُونَهُم بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُم بِهِ عِندَ رَبِّكُمْ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ }

اللهم لا تشغلنا بالدنيا عن الآخرة ، ولا تنسنا ذكرك، ولا تهتك عنا سترك، وقنا عذابك يوم تبعث عبادك


آمين يا رب.
ورزقنا الله تذكر ضعفنا في كل حين لنلجأ إليه سبحانه نستهديه دوما ونستغفره، لأن الاعتداد بالنفس من أعظم الأدواء.
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6545
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
رد: في ظلال القرآن
« رد #242 في: 2013-09-21, 14:37:29 »
ياللتناقض الذي كان في نفوس الكافرين، وكان من نفوسهم ....!
إنهم كذبوا بالرسل التي أرسلها الله سبحانه تترا....

ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَا كُلَّ مَا جَاء أُمَّةً رَّسُولُهَا كَذَّبُوهُ فَأَتْبَعْنَا بَعْضَهُم بَعْضاً وَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ فَبُعْداً لِّقَوْمٍ لَّا يُؤْمِنُونَ(44)
-المؤمنون-

وإنهم قد كذبوا برسول الله صلى الله عليه وسلم كما كان دأب أسلافهم من الكافرين مع رسل الله تعالى...

وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوٓا۟ إِنْ هَـٰذَآ إِلَّآ إِفْكٌ ٱفْتَرَىٰهُ وَأَعَانَهُۥ عَلَيْهِ قَوْمٌ ءَاخَرُونَ ۖ فَقَدْ جَآءُو ظُلْمًۭا وَزُورًۭا ﴿٤﴾ وَقَالُوٓا۟ أَسَـٰطِيرُ ٱلْأَوَّلِينَ ٱكْتَتَبَهَا فَهِىَ تُمْلَىٰ عَلَيْهِ بُكْرَةًۭ وَأَصِيلًۭا ﴿٥﴾ -الفرقان-

ثم هُم وأهواؤهم تخدعهم فتفضح تناقضهم وقولهم بالقول، ثم قولهم بضدّه وبما يخالفه... هم أولاء يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأتيهم بآية كما جاء بها مَن قبله !!!
بَلْ قَالُواْ أَضْغَاثُ أَحْلاَمٍ بَلِ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ كَمَا أُرْسِلَ الأَوَّلُونَ(5) -الأنبياء-

فهم لا يؤمنون، وهم من ناحية أخرى يقولون أنه كان مِن قبله رُسُل، وأنهم أرسلوا...!فمن ذا الذي أرسلهم ؟!
وأنهم جاؤوا بالآيات، فمن أين جاؤوا بها ؟!
وكيف يكفرون بما بين أيديهم من آيات جاء بها الرسول صلى الله عليه وسلم، ويرون أنها ليست آيات من شاكلة ما جاء به مَن سبقه ؟
كيف عرفوا أن تلك آيات، وأن هذه ليست بآيات؟!
كيف يكفرون بما جاء به مَن هو بين أيديهم، ويستشهدون بما جاء به مَن كفر بهم قومهم؟! أفهم قد آمنوا بهم وهم ليسوا قومهم، ولا في زمانهم... كان أحرى إذن أن يؤمنوا بمن أرسل فيهم وهو منهم، وبما جاء به وهو بينهم ....!!

أي تناقض...!! وأية جُبلة هي جُبلة الكافرين !!
إن هي إلا أهواؤهم تفضح تناقضهم، بقولهم من أفواههم .... !
ولو استسلموا للحق وأذعنوا له لكانوا على صراط مستقيم، ولارتاحت عقولهم، ولما تلاعبت بها الأهواء...ولما تخبطت أقوالهم بين القول وضدّه ....
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6545
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
رد: في ظلال القرآن
« رد #243 في: 2013-09-26, 09:16:40 »
من سورة الفرقان

مقابلة لما وصف سبحانه من حال أهل النار المكذبين الكافرين الذين تطاولوا وتجرؤوا فطلبوا أن يروا الملائكة، فأجاب رب العزة، أن يوم رؤيتهم للملائكة إنما هو يوم لا بشرى لهم فيه، وأعمالهم يجعلها الله يومها هباء منثورا .... وما أدق هذا التصوير القرآني !! إذ يشبه الله أعمالهم بذلك الغبار الدقيق المتطاير في الهواء ذرات، لا ترى إلا إذا نفذ من أشعة الشمس شيء تراها فيه متطايرة منثورة نثرا .... سرعان ما تختفي بعد ذلك ...!!


يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلَائِكَةَ لَا بُشْرَى يَوْمَئِذٍ لِّلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْراً مَّحْجُوراً(22) وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَّنثُوراً(23) أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُّسْتَقَرّاً وَأَحْسَنُ مَقِيلاً(24)

وأصحاب الجنة ؟ كيف حالهم يومها، في اليوم ذاته ؟ ! إنهم خير مستقرا وأحسن مقيلا .... في ذلك اليوم يوم الحساب، يوم تنزل الملائكة تنزيلا، إنه ذلك اليوم العظيم المجموع له الناس من بدء الخليقة إلى آخر من يخلق الله سبحانه وتعالى في هذه الدنيا....

هم يومها خير مستقرا ... فمستقرّهم الجنة، وأحسن مقيلا ....وما المقيل ؟؟ تساءلت.... وهو من القيلولة... تساءلت، وكيف يكون الحديث عن القيلولة في الجنة، وما فيها نوم ؟!

المقيل: موضع القيلولة . و - نوم أو استراحة في الظهيرة .


فإذا معنى الكلمة ذاته يحتمل أن يكون موضع القيلولة، كما يحتمل أن يكون فعل النوم في وقت الظهيرة، أي يحتمل المكان والفعل.
فيكون المعنيّ هنا في الآية أن الأحسن، وهو مكان القيلولة أين؟ في الجنة.

قال ابن مسعود: لا ينتصف النهار يوم القيامة حتى يقبل أهل الجنة في الجنة، وأهل النار في النار

قال ابن عباس في هذه الآية: الحساب ذلك اليوم في أوله، وقال القوم حين قالوا في منازلهم في الجنة. (بمعنى أن يوم الحساب على المؤمنين لا يأتي منه وقت الظهيرة حتى يكون أهل الجنة بالجنة)

قال الأزهري: القيلولة والمقيل: الاستراحة نصف النهار، وإن لم يكن مع ذلك نوم، لأن الله تعالى قال: وأحسن مقيلاً، والجنة لا نوم فيها.

يروى أن يوم القيامة يقصر على المؤمنين حتى يكون كما بين العصر إلى غروب الشمس.

كما أعجبني في ذلك قول للبيضاوي لم أجده في غيره من التفاسير يوضح ضرب المثل بالمقيل والجنة لا نوم فيها  emo (30):

" وأحسن مقيلاً " مكاناً يؤوي إليه للاسترواح بالأزواج والتمتع بهن تجوزاً له من مكان القيلولة على التشبيه ، أو لأنه لا يخلو من ذلك غالباً إذ لا نوم في الجنة وفي أحسن رمز إلى ما يتميز به مقيلهم من حين الصور وغيره من التحاسيس"

ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6545
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
رد: في ظلال القرآن
« رد #244 في: 2013-09-30, 16:03:55 »
وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً(30) -الفرقان-

يالها من شكوى !! يا لها من حقيقة نحياها ...!
إنه صلى الله عليه وسلم عنى بها قومه من قريش الذين كذبوه وكذبوا ما جاء به وقد عرفوا انه الصادق الأمين من قبل أن يصبح رسولا نبيا....
اتخذوه مهجورا... هذا القرآن...لم يؤمنوا به...
فماذا لو علم رسول الله صلى الله عليه وسلم بحال قوم يعرفونه، ويؤمنون به، ويقرؤونه،بل ويحفظه منهم من يحفظه... ولكنه مهجور !! مهجور ما دام حالهم ليس القرآن يمشي على الأرض ...مادام حالهم ليس روح القرآن ...

يقول في ذلك ابن قيم رحمه الله :
هجر القرآن أنواع : أحدها هجر سماعه والإيمان به،والثاني هجر العمل به وإن قرأه وآمن به،والثالث هجر تحكيمه والتحاكم إليه،والرابع: هجر تدبره وتفهّم معانيه. الخامس: هجر الاستشفاء والتداوي به في جميع أمراض القلوب، وكل هذا داخل في قوله تعالى : "وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً"، وإن كان بعض الهجر أهون من بعض ...
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل أسيرة الصفحات

  • شباب إيجابي
  • ***
  • مشاركة: 629
رد: في ظلال القرآن
« رد #245 في: 2013-10-01, 00:35:30 »
سلام عليكم اختي الحبيبه اسماء اشتقت كثيرا الى هذا الموضوع و قرات اليوم ما كتبته عن سورة الماءده و استفدت كثيرا فبارك الله بك
" .
نقطة.  "

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6545
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
رد: في ظلال القرآن
« رد #246 في: 2013-10-01, 07:02:04 »
أهلا وسهلا بك يا سلمي :) أسعدني وجودك.
ولله الحمد والشكر أن نفعك ما قرأت.
تابعي فبإذن الله أضع هنا الجديد كلما استوقفتني آية.
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6545
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
رد: في ظلال القرآن
« رد #247 في: 2013-10-06, 09:41:30 »
سورة الفرقان...
هذه السورة العظيمة من هذا الكتاب العظيم ...القرآن...الفرقان..
إذا ما لامستْ قلوبُنا آياتِها، ردّت آياتها بلمسات أقوى، وأعمق، وبهمسات، وبهزات في حركات هي من حركة الحياة فيها وهي الكلمات...!
"تبارك الذي نزّل الفرقان على عبده"
إنه القرآن... تبارك الذي نزّله على عبده...تبارك الذي كانت هذه مشيئته التي أنفذها... تبارك وتعالى الفعّال لما يريد... الفعّال لما يشاء، وقت ما يشاء، وكيفما يشاء...

المنزّل للفرقان....

"نزّل" على وزن "فعّل"، وهو من التنزيل، أي إنزال على مراحل، فلم يكن إنزالا جملة واحدة...بل كان إنزالا بالتدريج.
الفرقان هو القرآن... هو المفرّق بين الحق والباطل، القرآن الذي نزّله الرحمن مفرّقا بين الحق والباطل، فناسب وصفه بهذا الوصف الدقيق، وهو المرجع الأول والرئيس إذا ما أردنا حقا في كل أمر من أمورنا بدءا من معنى وجودنا على الأرض في هذه الحياة إلى أدق أمورنا فيها.
وإن السورة كلها لمصبوغة بهذه الصبغة ...صبغة التفريق بين الحق والباطل، حقّ الله الحقّ، وباطل البشر الذين يأبون الاهتداء بهَدي خالقهم، فيتخذون أهواءهم آلهة من دونه...
إنها سورة ابتدأت الحديث عن القرآن "الفرقان"... وهي السورة التي نلمس في آياتها دور القرآن في تحديد الأمر الفصل والحياد عن الهزل...
دوره في إظهار الحق وإحقاق قوّته،وإبطال الباطل وإزهاق ضعفه ...
"ليكون للعالمين نذيرا"
رسول الله صلى الله عليه وسلم هو البشير النذير...
إلا أنه في هذه الآية الأولى من سورة الفرقان خُصّ بالنذارة دون البشارة...
فإذا تأملنا وجدنا السورة حافلة بالحديث عن أحوال الكافرين، وموقفهم من الرسول والرسالة، حتى تنوّع وصفهم بين الكافرين، والمشركين، والظالمين والمجرمين...وهُم الذين نزل القرآن وهم على حالهم وموقفهم منه من الصدود، وصد الناس عنه... جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم لينذرهم عاقبة كفرهم وشركهم وإجرامهم وظلمهم، ومحاربتهم للقرآن وللنذير الذي جاء ينذرهم ...
السورة فيها القليل من مآل المؤمنين مقارنة بالكثير من حال المشركين الكافرين ثم مآلهم.
فناسب أن يُخص رسول الله صلى الله عليه وسلم في مطلع السورة بالنذارة دون البشارة. ولو أن الوصفين سيذكران له لاحقا حينما يفصّل شيء من مآل المؤمنين في أواخرها.

الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً(2)
سبحانه مالك السماوات والأرض...فلم يحتج لأن يكون له ولد يعينه على القيام بملكه، وتصريف أمره...سبحانه الحي الذي لا يموت فلا يخلفه ولد في ملكه من بعده...
ولا كان له من شريك في هذا الملك، وخلق كل شيء...
وكل شيء جعل له قدرا مقدورا...قدّره به بحكمته، سبحانه الذي يقدّر بها لكل شيء خصائصه وصفاته ودوره...
سبحانه المالك الواحد الأحد الفرد الصمد، الغني عن الشريك وعن الولد، الخالق الحكيم المقدّر.
وَاتَّخَذُوا مِن دُونِهِ آلِهَةً لَّا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلَا يَمْلِكُونَ لِأَنفُسِهِمْ ضَرّاً وَلَا نَفْعاً وَلَا يَمْلِكُونَ مَوْتاً وَلَا حَيَاةً وَلَا نُشُوراً(3)
كما في الآية السابقة، الذي خلق كل شيء، يتخذ عبادُه –وهم شيء من خلقه- آلهة من دونه، وهذه الآلهة مخلوقة لا تَخْلُق! بل لا تملك ضرا ولا نفعا ولا حياة ولا نشورا...

إنها لا تملك شيئا من هذا فكيف تملك أن تخلق؟ وكيف يعبد الإنسان ما لا يملك شيئا من هذا ؟! بل يعبد مخلوقا مملوكا للخالق، الخالق مالك كل شيء...مالك السماوات والأرض وما فيهما، وما بينهما .
وسواء كان المعبود من دون الله صنما أو ملائكة أو عبدا من العباد...سواء كان حيا أو جمادا من الجمادات...فكلٌّ لا يملك حياة ولا موتا ولا نشورا ...
هكذا بتنكير الموت والحياة "موتا ولا حياة ولا نشورا"
أي نوع من أنواع الموت، وأي نوع من أنواع الحياة ليس المعبود من دون الله لها مالكا...
اما الله جل في علاه فهو خالق الموت والحياة...

تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ(1)الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ(2) -الملك-
هكذا بالتعريف، "الموت" و"الحياة" سبحانه خالق الموت والحياة ومالك النشور ويومه ...
ومقابلةً بين هذا الحقّ المبين المبيّن بالآيتين الأولَيَين...الفرقان( القرآن) الذي هو كلام الله الذي نزّله على عبده، والله المالك الواحد الخالق، القدير القادر المقدّر...
مقابلةً بين هذا الحقّ وبين ما يبينه العلي القدير سبحانه في الآيات الموالية من باطل هو من صنع الإنسان المخلوق، الجحود، الكنود، الذي يكفر بخالقه ويتخذ من دونه آلهة، فيكون ذلك أول باطل يصنعه بهواه...أن يعبد غير الله فيتفرّع عن هذا الباطل باطل يتْرا تباعا ...
وكيف لا يُولَد الباطل ألوانا وضروبا، وقد كان الرحمُ والأساس الباطل الأكبر والظلم الأظهر. ظلم الإنسان نفسه بكفره بربّه !!
فها هو ذا الباطل يتْرا ...

يتبع بإذن الله

ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6545
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
رد: في ظلال القرآن
« رد #248 في: 2013-10-07, 10:47:54 »
سورة الفرقان (2)

وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ فَقَدْ جَاؤُوا ظُلْماً وَزُوراً(4) وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً(5)

إنه الإفك المفترى.... ممّن يا تُراه ؟
من الذي كانوا هُم أنفسهم يسمونه الصادق الأمين...
من الذي كانوا يحكّمونه ويرتضون تحكيمه...
من الذي اعتلى الصفا، ينادي ويصدع بالدعوة، ويجهر كما أُمِر، وهو يسألهم: "أرأيتكم إن أخبرتكم أن خيلا تخرج من سفح هذا الجبل أكنتم مصدقيّ ؟ قالوا : ما جربنا عليك كذبا..."

أصبح اليوم وقد جاءهم بالهدى المفتري إفكا أعانه عليه قوم آخرون !
مَن هؤلاء القوم المعينون في زعمكم؟ أم أنّهم "قوم"  هكذا وانتهى..

أفتُلقون بالكلام جزافا في الهواء بلا تعيين ؟المهم عندكم أن تجعلوه موضع شبهة وتهمة ؟!
قد جئتم الظلم، كل الظلم بما قلتم، وجئتم الزور.
ظلمتموه وأنتم أعرف الناس به، وهو منكم،بل من أشرفكم نسبا ومن أظهركم طهرا وصدقا ورجولة...
 قد عرفتم طفولته النابغة، قد عرفتموه طفلا يُستسقى الغمام بوجهه الصبوح الوضيئ، وقد عرفتموه شابا لا ككُل الشباب.. لم يعرف لَهْوَهُم، ولا سمرهم، ولا خفّتهم...بل كان الطاهر الصادق الأمين.

فأي ظلم ظلمكم إياه اليوم؟ وأي زور قولكم فيه اليوم؟!
ألأنه جاءكم بالهدى من ربكم؟ ألأنه النذير الذي جاء منذِرَكم عاقبة كفركم وبغيكم على أنفسكم ؟

وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً(5)
ها هو الظلم والباطل من أفواههم يَترا... تقطر به ألسنتهم سُمّا يريدونه قاتلا، ولكن هيهات هيهات...هيهات أن يقتل السمّ متحصنا بكل مضادات السموم !
ها هُم أولاء  يرون مجدا وعزّا وجاها وسلطانا ومالا يُهدّد بدعوة محمد صلى الله عليه وسلم وبقوة ما جاء به.
ها هُم -وهم يرون فيما جاء به قوة في ذاته، مع قوّته في تبليغه وثقته بربّه- يخافون أن ينال من جاههم ومكانتهم الاقتصادية والاجتماعية ... يخافون على تجارة عُرفوا بها، وعليها تعارفوا، تجارة الأصنام والأوثان، وأنهم حُماة البيت وخَدَمته..

بيت يطوف حوله الناس عراة، وما طوافهم وعبادتهم إلا مكاء وتصدية! والأصنام من حوله أرباب تُعبد، ولها القرابين تَبذل، يتخذونها شريكا من غير سلطان أنزله الواحد الأحد الذي لا شريك له في الملك ولا ولد.
ها هو الظلم يَتْرا...وها هو الباطل منهم يتتابع...

قالوا أساطير الأولين اكتتبها فهي تملى عليه بكرة وأصيلا ...!!
منذ متى يا قومه، يا مَن هو منكم، عرفتم فيه رُكونه للأساطير وأهلها؟!
أو لو كان هذا ديدنَه وتلك عادته، أما كنتم لتعرفوه بها من قبل؟!
أولم تكونوا تعلمون أنه أبعد الناس عنها، بل أبعدكم أنتم عنها وعن تداولها...
وعن دَنايا الفِعال كلها من قبل أن يأتيكم بما به بُعث؟ أو لم يكن أكرهكم للأصنام وعبادتها، وأنآكم عن حبها والتقرب إليها...
ألم يكن يُعرف بكرهه لها ولذكرها؟ متعففا عن اتخاذ المصنوع المنحوت إلها يعبد؟
أولم تكونوا من عهد قريب تستأمنونه وترضون حكمه؟
أو لم تقولوا فيه ساعة خطب خديجة أشرف نسائكم: "هو الفحل لا يُقرع أنفه" ؟!

منذ متى عرفتم فيه كذبا؟ وهل يصدق على الصادق الذي لا يقول ولا يفعل إلا صدقا أن يكون مصدقا بالأساطير ، ملبّسها لبوس الحق ، داعيا إليها؟!
ها أنتم تصفون الأساطير بـ"الأساطير"، تعرفون أنها الاختلاق والكذب والأوهام، فكيف يليق أن يقع في خاطر الصادق الأمين صلى الله عليه وسلم أنه قد ينجح في الاعتداد بالأساطير، بل ونشرها على أنها الكلام الذي لم يُسبق؟!

أما إن كنتم ترون في الدعوة الأولى والواحدة من كل مَن سبق من الرسل إلى إفراد الله تعالى بالعبادة، وتوحيده أساطير الأولين، فتلك أخيلتكم وأهواؤكم قد قلبت الحق باطلا والباطل حقا...
قلبت توحيد الله تعالى أسطورة، وقلبت اختلاق الآلهة وعبادتها من دون الله الواحد دينا حقا ...! فما يؤخذ من ألسنتكم وإملاءات أهوائكم حقّ، بل يؤخذ الباطل يعمّي على المبصرين الرؤية، ويبحر بهم في دياجير الضلال والظلمة .

إن هي إلا الأباطيل من القول تملونها، وتُملى عليكم بكرة وأصيلا لتصموه صلى الله عليه وسلم بالشبهة ، لتلفقوا له التهمة ليس إلا ...
ولتعلنوا على الله وعلى رسوله وعلى رسالته الحرب شعواء بلا وجه حق .
ولتعلنوا أنكم رافضون، صادون، موصدون كل باب للرويّة والتملّي والتأمّل والبحث والفهم والتبصّر...!

قُلْ أَنزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً(6)
ومقابل الباطل الذي تنضح به أنفسهم لينطلق من ألسنتهم رصاص حرب باطلة، ولتعلنه جوارحهم حربا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورسالة الله سبحانه وأمره في الأرض قاطبة...
الله جلّ في عُلاه يبيّن لنبيه صلى الله عليه وسلم ويعلمه ما يردّ به من حق على باطلهم وتقوّلهم، قولا فصلا، ليس فيه مراوغة ولا مراودة، ولا مداهنة، بكل حزم، وهو الأمر الأهمّ في الرسالة كلها، بل هو رأس الرسالة والدعوة، إنه أمر العقيدة

"قل أنزله الذي يعلم السر في السماوات والأرض"
فهو سبحانه يعلم ما أسررتم أيها المكذبون، فكيف بما أعلنتم وقلتم وأشعتُم؟!
ورغم علمه بكل سركم وبكل تآمركم، وبكل ما تسرونه مكيدةً ومكرا وتخطيط إهلاك لرسول الله وللرسالة... فقد أنزله...
وإذا ما تأملنا لعرفنا القوة كل القوة في هذه الكلمات، كلمات الحق من الله الحق تسرّي عن حبيبه بالحق لا بالأماني ولا بالتمنّي. تقوّيه، تشدّ من أزره وتثبّته أنه على الحق، وأنّ ما بعث به بُعث به هو من عند الله الذي يعلم ما يسرّه المجرمون، وما سيعلنونه من حرب عليه، فلا مجال لأن يحمل همّها ويظن بالدعوة الهلاك وقد أحاط بها المحاربون .

يا محمد إن الله أنزله وهو يعلم كل كيد وكل مكر يعدونه. فهو وقد أنزله يعلم سبحانه قوّته، وأنه ناصر به عبده، هازم ومذلّ وخاذل به عدوّه.
فأي تأييد وأي تثبيت من الله بهذا التحدي الإلهي الحق للباطل وأهله ؟!!
ولننظر كمّ ما تعرضه هذه السورة العظيمة من أباطيل أهل الباطل، وما يقابلها من حق يزهقه ...

وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ لَوْلَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً(7)

وما يزال باطلهم يتتابع، ويترا، وهُم لم يعد يؤُدُهم التصريح به وإن ناقض بعضه بعضا، وإن بدا تلفيقا وظلما صارخا، وكلاما هواء لايُبنَى ولا يبني،كل ما يهمهم تلفيق التهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم، والتشكيك بما جاء به داعيا، ووصمه بكل شبهة، غايتهم أن يعلنوها حربا كيفما كانت الطريقة ..
وها هم وقد قالوا قبل قليل أنه الإفك المفترى، المستعان عليه بقوم آخرين، وأنه الأساطير تملى عليه بكرة وأصيلا، يعودون هنا ليصفوه بـ "الرسول".
فهم بهذا لا ينكرون وصف "الرسول" بحدّ ذاته، ولكنهم يريدون تكذيبه.

إنّ في موروث مما تناقلوا من أخبار مَن قبلهم "الرسالة"، والرسول"
ولكنهم يريدون الإنكار والجحود والتكذيب لغاية في أنفسهم دنيوية تحملهم على الضلال  وارتضائه لقاء متاع من الدنيا قليل.

"وَلَكِن مَّتَّعْتَهُمْ وَآبَاءهُمْ حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ وَكَانُوا قَوْماً بُوراً(18)

إنه يأكل الطعام ويمشي في الأسواق... هذا ما جعلوه حجة لكفرهم وتكذيبهم...!!
"لولا أنزل إليه ملك ليكون معه نذيرا"
إنهم أيضا يعرفون "المَلَك"، في مخزونهم المتوارث. يعرفون هذا، ولكنهم قوم مكذبون بالحق الذي جاءهم كما كذب الذين من قبلهم.
إن الله سبحانه وتعالى قد بعث رسله وأنبياءه بهديه للأرض ولكن أبى أكثر الناس إلا كفورا، ومع كفرهم وجحودهم وتعنّتهم وتجرئهم على الله، مازال ذلك المخزون المعرفيّ متوارثا بالأسماء.يحمل الأسماء، يعي معناها، ولكنه يكفر بها، ولا يؤمن... إنه الإنسان إذ يظلم في الأرض وأكبر الظلم ظلمه نفسه، بأن يبعدها بهواه عن المراد من خلقه وإيجاده على الأرض، عن معرفة ربّه والإذعان لأمره.

أيها المكذبون، المتوارثون للأسماء أسماء، الجاحدون معناها، الكافرون بها، ماذا ينفعكم -وقد توارثتم الكفر والجحود- أن ينزل مع الرسول مَلَك ؟!
ألاّ يأكل الطعام وألاّ يمشي في الأسواق؟! وماذا بعد؟
إن لم يكن قد نفعكم مَن هو منكم، وتعرفونه، بشر مثلكم يريكم إذعانه وطاعته لربه ليكون لكم قدوة وأسوة، وهو البشر مثلكم، أفينفعكم مخلوق من نور لا يأكل ولا يشرب، ولا يمشي في الأسواق؟
ساعتها أكنتم ستؤمنون أم كنتم لتقولوا إنه المَلَك، إنه المخلوق من نور فأنّى لنا ونحن البشر الطينيون أن نصنع صنيع الملائكة ؟!

وَقَالُواْ يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ(6) لَّوْ مَا تَأْتِينَا بِالْمَلائِكَةِ إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ(7) –الحجر-

يالظلمكم الصارخ!تسمّون الأسماء التي بها تكفرون، وتجعلونها طلبكم واقتراحكم الباطل على الملك الحق كيف تكون دعوته إياكم! وإلى عبادته!
بئس الحجة لكفركم، وحاشا لله العظيم الفعّال لما يريد أن ينصاع لرغبة بشر ."لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ(22) لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ(23)"–الإسراء-

أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِن تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلاً مَّسْحُوراً(8)

"أو" .... إنهم يخيّرون إرادة الله تعالى !
يخيرون إرادة الحق بباطلهم الذي لا يستكبرون إعلانه."أويلقى إليه كنز أو تكون له جنة يأكل منها"
أليستغني عن المشي في الأسواق؟ وعن الاسترزاق؟
أليفرض نفسه عليكم بسلطان المال الذي أرداكم في هاوية الدنيا ، فما أنتم واجدون لكم منها الفِكاك.؟! والذي لأجله تحاربون صاحب الدعوة لرب الكون ومالكه ومالككم..ألأنّ سلطان الجاه والمنصب والمال عندكم هو الرب المعبود ؟!

محمد ليس هذا،ولم يكنْه، ولن يكونه يوما...ورسالة محمد صلى الله عليه وسلم جاءت لترقى بروح الإنسان عن دنايا الدنيا وزوائلها إلى ما فيه الخلود والبقاء والدوام، إلى نعيم مقيم غير زائل، ودار دائمة غير فانية.

"وقال الظالمون إن تتبعون إلا رجلا مسحورا"
قالوها وهم يتخيّرون بين الكلام ما يقولون، بين التهم ما يلفقون، بين الأوصاف ما به يصفونه...
فتحيروا ولم يجدوا فيه شيئا مما اجتمعوا عليه ليختاروه وصفا له...
لقد علموا أن الذي جاء به الحق القوي الذي يستميل القلوب، ويشفيها من عللها وأدوائها، فإذا الآية والآيتان، أو السورة تفعل فعلها بالقلوب، فتقلبها من حال إلى غير حال، من كفر إلى إيمان، من خرافة وخيال إلى واقع وحقيقة كائنة ومحققة، ولعلّ أجمل تعبير عما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم من وحي رب العزة وكلامه، ما قاله واحد من كفارهم وكبرائهم، كان الوليد بن المغيرة حينما اجتمعوا إليه يتباحثون الرأي في وصف محمد صلى الله عليه وسلم لمَن سيؤمّون البيت حجاجا من بقاع العرب في موسم الحج، ليقرروا الوصف الذي سيبلّغونهم عنه ...
فقال وهو لا يجد له نظيرا بين السحار ولا بين الكهان ولا بين الشعراء
"والله إن لقوله لحلاوة ، وإن أصله لعذق ، وإن فرعه لجناة..."
ويقررون وصفه بالساحر الذي يفرق بين المرء وزوجه ....

يتبع بإذن الله
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6545
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
رد: في ظلال القرآن
« رد #249 في: 2013-10-08, 16:28:22 »
سورة الفرقان (3)

انظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثَالَ فَضَلُّوا فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلاً(9)

انظر يا محمد كيف ضربوا لك الأمثال، فهم تارة يصفون ما جئت به بالإفك الذي أنت مفتريه،وتارة يصفونه بالأساطير التي تملى عليك، وأخرى يتحججون فيها لكفرهم بمشيك في الأسواق، وأكلك الطعام كما يأكلون ..وأخرى يشترطون لك فيها الجاه والمال والسلطان بالكنوز والجنة ماثلة لأعينهم.
فأي أمثال هي من وحي باطلهم، وحقدهم وضعفهم أمام قوة القرآن وقوة تأثيره في النفوس ؟!
إن هي، هيَ إلا الإفك المفترى الذي تظاهروا عليه،والظلم البين، والتلفيق والاتهام، والوصم بالأكاذيب المختلقَة ..
تعاونوا وتظاهروا عليه لمحاربة الله ورسوله،فضلّوا كل الضلال، فليست لهم أدنى قدرة على تبيّن سبيل الحق.

وهنا أورِدُ كلاما جميلا للدكتور حسام النعيمي، قارن فيه بين ورود كلمة "سبيل" معرّفة بالألف واللام مرة واحدة في سورة الفرقان، وورودها نكرة فيها ست مرات:
"كلمة السبيل عندما تقف  عليها تقف على السكون. والسكون فيه معنى الاستقرار والسكون و السبيل المعروف هو الإسلام. عندما تأتي كلمة السبيل بالألف واللام وهي لم ترد في القرآن إلا في ثلاثة مواضع منها الآية في سورة الفرقان محل السؤال (وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَقُولُ أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلَاءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ (17)) والسبيل هنا يعني سبيل الإسلام (أل) مع "سبيل" تعني الإسلام والآيات الست الأخرى في سورة الفرقان ليس فيها أل: ثلاث منها ليس فيها مجال إلا أن تُنصب والمنصوب في الآخر يُمدّ لأنه جاء تمييزاً آخر الآية منصوب فمُدّت الفتحة (أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا (44)) تمييز(الَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلَى وُجُوهِهِمْ إِلَى جَهَنَّمَ أُولَئِكَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضَلُّ سَبِيلًا (34)) تمييز (إِنْ كَادَ لَيُضِلُّنَا عَنْ آَلِهَتِنَا لَوْلَا أَنْ صَبَرْنَا عَلَيْهَا وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ الْعَذَابَ مَنْ أَضَلُّ سَبِيلًا (42)) تمييز وفي الآية (وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا (27)) .
لم يأت بـ(أل) وجاء بكلمة سبيل منكرة وهنا حتى يشير إلى أي سبيل يعني يتمنى لو اتخذ مع الرسول سبيلاً أيّ سبيل: سبيل المجاهدين، سبيل المنْفقين، سبيل الملتزمين بالفرائض، سبيل المحافظين على النوافل، أو غيرهم وكلها تصب في سبيل الله. وعندما قال سبيلاً جعله نكرة بما يضاف إليه. وعندما يقول "السبيل" فهو يعني الإسلام خالصاً فالظالم يعض على يديه يتمنى لو اتخذ مع الرسول أي سبيل منج له مع الرسول وليس سبيلاً محدداً. والآية الأخرى (انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثَالَ فَضَلُّوا فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا (9)) ايضاً لا يستطيعون أي سبيل خير أو أي سبيل هداية.
"

تَبَارَكَ الَّذِي إِن شَاء جَعَلَ لَكَ خَيْراً مِّن ذَلِكَ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَيَجْعَل لَّكَ قُصُوراً(10)

تبارك سبحانه وتعالى وهو الذي يجعل لرسله ما شاء إن شاء.
مشيئته هي التي تمضي لأنها الحكمة التامة والعلم الكامل الدقيق بكل دقائق الأمور، دون أن ينتظر سبحانه اقتراح مقترح أو رأي بشر ممن خَلق...ولكنه سبحانه يفعل ما يشاء،في الوقت الذي يشاء،ولو شاء لجعل له بدل الجنة جنات، وبدل الكنز والقصر قصورا،فملكه عظيم ولا ينقص منه شيء وإن أعطى لكل من خلق ما أراد وما أحب، وفوقه...ولكنه سبحانه بعث عبده بما هو أسمى ولما هو أسمى من كل هذا وأبقى من كل هذا، سبحانه منزّل الفرقان عليه مفرّقا بين الحق والباطل ليكون للعالمين نذيرا ...

بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ وَأَعْتَدْنَا لِمَن كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيراً(11)

وتأتي هذه الآية بالسبب الذي يفصل به المولى عز وجل في حالهم ، وهو السبب الآكَد والرئيس لكل تراهاتهم، وتخرصاتهم وأباطيلهم. إنه تكذيبهم بالساعة.
هذا التكذيب الذي جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم لينذر الناس عاقبته، ويصف حالهم  في السعير وهم ملقون في مكان ضيق منها ينادون بالثبور والويل وهم متيقنون ألا محيص لهم ساعتها ولا مهرب.

إِذَا رَأَتْهُم مِّن مَّكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظاً وَزَفِيراً(12)

مَن الذي يرى؟ ومن الذي يسمع ؟
إن الذي يرى هي النار ذاتها، هي جهنم -عياذا بالله منها-، جهنم تراهم من مكان بعيد، فيشتد غضبها، وهي المأمورة بإنزال العذاب بهم، بها زبانية يفعلون ما يؤمرون، ولما يشتد غضبها لله وهي أمَته المطيعة، يُسمع لها صوت غضب  عظيم، وهُم الذين يسمعونه... !
يسمعون صوت تغيظها، كما صوت زفيرها( أي صوت إخراج النَّفَس)... والعياذ بالله... من فرط تغيظها يصدر هذا الزفير !
وكما أن لها زفيرا فإن لها شهيقا أيضا ... فأما زفيرها فحين تراهم من بعيد، وأما شهيقها فحين يلقَون فيها ...
إِذَا أُلْقُوا فِيهَا سَمِعُوا لَهَا شَهِيقاً وَهِيَ تَفُورُ(7)-الملك-

وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَاناً ضَيِّقاً مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُوراً(13)


وَإِذَآ أُلْقُوا۟ مِنْهَا مَكَانًۭا ضَيِّقًۭا مُّقَرَّنِينَ دَعَوْا۟ هُنَالِكَ ثُبُورًۭا ﴿١٣﴾

هؤلاء الكافرون المكذبون بالساعة، فإذا جاءت الساعة، ها هو مصيرهم -عياذا بالله وثباتا منه-...
إذا ألقوا منها مكانا ضيقا، إن المكان الذي سيلقون فيه لهو منها ضيّق !! ضيّق .... ليس فيه حتى السعة، وإن كانت السعة لن تغني عما فيها شيئا.... مقرّنين، مجموعين جماعات بالسلاسل والأغلال، يلقون إلقاء !!

فما دعواهم ساعتها، وقد كذبوا وهم آمنون ؟!! كذبوا ساعة هم ضاحكون منعّمون، حسبوا أن نعيمهم ذاك دائم، وأن ضحكهم دائم!! حسبوا أن الساعة غير آتية، وأن الدنيا قرارهم ومستقرّهم، بل حتى إذا أخرجوا منها لن ينالهم من شيء .... إن هي إلا حياتهم الدنيا وما هم بمبعوثين !

ها هم أولاء ساعة الساعة يُلقون في نار جهنّم إلقاء، بمكان ضيّق منها ! فما تُراها دعواهم؟ أهي "الخلاص الخلاص" ؟ أهي "أخرجنا منها يا ربنا" ؟ أهي "النجدة النجدة" ؟ أهي "الغوث الغوث" ، أهي "المغفرة المغفرة" ؟!!

إنها ليست ذلك من شيء، ولا من ذلك في شيء ! لقد علموا وأيقنوا ألا مفر.... ألا محيص... ألا مهرب.... ألا منجي من عذابه سبحانه، ألا مبدل لكلماته ووعده
إنهم علموا أنه الهلاك .... الهلاك ....فكانت دعواهم ساعة وهم يُلقَون "ثبورا"....!! والثبور هو الهلاك ....

هل لنا بتخيل الهول؟ ! هل بتخيل من يهلك وهو يدعو بالهلاك والخيبة والويل ؟؟!! من يملك أن يدعو بالهلاك والويل وهو يساق إليه؟ إنها ساعة لا بصيص فيها لأمل أو نجاة .... إنها الهلاك .... فلا محلّ إلا للهلاك حتى في دعاء الهالك ....!! "الهلاك الهلاك" "الثبور الثبور"........!!

فيقول لهم المولى الحق، وهو العليم الخبير، هو العالم بهول ما هم فيه، وبهول ما سيلقون حيث ألقوا :

لَّا تَدْعُوا۟ ٱلْيَوْمَ ثُبُورًۭا وَ‌ٰحِدًۭا وَٱدْعُوا۟ ثُبُورًۭا كَثِيرًۭا

اللهم ثبتنا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة... اللهم نجنا برحمتك... اللهم عافنا من غضبك وعذابك ...

وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ فَيَقُولُ أَأَنتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلَاء أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ(17)

ويصف سبحانه كيفية حشرهم، وسؤال معبوديهم "أأنتم أضللتم عبادي هؤلاء أم هم ضلوا السبيل"
ياللهول !! إنه لا حجة لأحد يومها أنه بريئ وأن الجُرم والإثم على من أضله...!!

أفلا نتأمل هذا الكلام الدقيق العميق؟! أفلا ندرك قوته؟
إنه لا حجة لإنسان أنه مُضلَّل، مغرر به مسكين، فربّ العزة ما خلق له هذا العقل إلا ليستخدمه أول استخدامه في معرفة ربه وإدراك عظمته. وليس لأحد على أحد وصاية، لا يُبرؤ عقل خلقه الله ليفكر ويعقل فيعرف ربه...
ليس يتبرأ يومها أحد من جرم نفسه، فيلقيه على غيره ليتخلص أو ليرى نفسه ناجيا ويرى مضلّه معذّبا بما أضله !
يا إلهي إنه لا مهرب لصاحب نفس يومها من جرم نفسه ومن فعل نفسه بنفسه!!

إنهم قد ضلّوا السبيل إذ لم يتبعوا الحق ولم يكونوا مسلمين، سواء أكان ذلك من عمل المضلّين أو من غيره.
 فمالهم إذن وهم يتبعون لم يتبعوا الهدى؟ لم يتبعوا الرسل، لم يتبعوا داعي الحق؟ بل اتبعوا داعي الباطل واتبعوا كل ناعق بهوى، واتبعوا كل مضلّ، واتبعوا آباءهم وما تركوهم عليه، أو لو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون ؟!
وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللّهُ قَالُواْ بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ(170) وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُواْ كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لاَ يَسْمَعُ إِلاَّ دُعَاء وَنِدَاء صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ(171)-البقرة-

ليس ذلك إلا من أنفسهم ومن أهوائهم التي مالت عن الحق إلى الباطل...
كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ(38) -المدثر-

ويأتي الجواب الأصعب على هذا السؤال الصعب، وأي جواب؟ وكيف هو الجواب ؟!
جواب الذين عبدوهم، وكانوا يتمنون رضاهم، ثم سمّوهم المضلّين يوم الحشر واللقاء برب العزة.
قالوا: سبحانك ما كان ينبغي لنا أن نتخذ من دونك من أولياء
فلنتأمل: قد كان السؤال"أأنتم أضللتم عبادي هؤلاء؟"، فكان الجواب:"ما كان ينبغي لنا أن نتخذ من دونك من أولياء".
وكأنه سبحانه قد سأل المعبودين ذاتهم، لا العابدين، وكأنه سأل المعبودين عما إذا كانوا عبدوا هُم غير الله .

يأتي جواب المعبودين، أنهم هُم ذاتهم عباد الله، مذعنون لخالقهم، هُم ذاتهم عابدون لله الذي خلقهم، لا معبودون، وأنهم خلق من خلقه...
أفلا نرى من هذا الجواب الدقيق كيف هُم قد اتخذوا من خُلِق ولا يَخلق، حتى يأتي يوم اللقاء ليسمعوهم يقرون بأفواههم بأنهم المخلوقون العابدون لخالقهم، يقرّون ما قد أقرّه الله تعالى عليهم في قوله : "وَاتَّخَذُوا مِن دُونِهِ آلِهَةً لَّا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلَا يَمْلِكُونَ لِأَنفُسِهِمْ ضَرّاً وَلَا نَفْعاً وَلَا يَمْلِكُونَ مَوْتاً وَلَا حَيَاةً وَلَا نُشُوراً(3)"

لقد كانوا قوما بورا...وصفة "بورا" من البوار...
البُور : الفاسد لا خيْر فيه ( للمفرد وغيره ) .و البُور الأَرض البائرة .
الأرض التي لا تُنبت، ينزل الماء عليها ولكنها لا تُنبت، تماما كحالهم، والقرآن قد نزّل، وهدى الله بين ظهرانيهم في شخص رسول الله صلى الله عليه وسلم قرآنا يمشي على الأرض.
فإذا أنفسهم أرض بور، لا تعرف هدى، ولا تُنبت هدى...

يتبع بإذن الله

« آخر تحرير: 2013-10-10, 13:30:24 بواسطة حازرلي أسماء »
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6545
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
رد: في ظلال القرآن
« رد #250 في: 2013-10-10, 13:26:54 »
سورة الفرقان (4)

وَما أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيراً(20)

ويأتي الفرقان ليفرق بين الحق وبين باطلهم...وهو صبغة هذه السورة العظيمة، إذ يأتي قولهم الباطل، ويليه قول الله الحق ليُزهقه، وليعلم نبيّه الرد على باطلهم بالحق، وليعلّمنا مقدار تخرّصهم وعظمة حق كلمات الله تعالى ...

هنا يثبّت المولى عز وجل نبيّه الكريم عليه صلوات الله وسلامه،بذكر حال كل من كان قبله من الرسل، وأن أكله الطعام، ومشيه في الأسواق لم يكن بدعة فيه، وما كان هو بدعا من الرسل، بل كان كلهم يمشي في الأسواق،ويأكل الطعام، وهكذا شاء الله، وهكذا مضت مشيئته وسنّته فيهم جميعا، وهكذا كان المكذبون من الناس يكذّبون سنّة من سنن الله تعالى ماضية.قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللّهِ يَجْحَدُونَ(33) -الأنعام-

وفعلا إننا لنعلم أنهم أكثر الناس معرفة بصدق محمد صلى الله عليه وسلم، وقد كان فيهم وليدا ثم شبّ بينهم، ثم أرسل إليه من رب العزة بين ظهرانيهم وهم أعرف الناس بأمانته وصدقه، وأنه أبعدهم جميعا عن الكذب والنفاق والتخرّص وعن كل خوارم المروءة.
ولكنهم رغم ذلك كله، ولما جاءهم بالحق من الله تعالى، جعلوا يتهمونه بالكذب والاختلاق، وجعلوا يستهزئون به، ويصفونه بأبشع الأوصاف وأبعدها عن شخص محمد الذي يعرفونه . وبالتالي فهم يجحدون بآيات الله تعالى، كما جحد بها الذين من قبلهم. فالجحود غير التكذيب.تكذيبهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم في حقيقة أمرهم، وفيما بين بعضهم بعضا، وفي خاص مجالسهم غير متحقق ما داموا متيقنين من أنه لا يكذب، ولكن آفتهم الكبرى أنهم يجحدون بآيات الله تعالى، والجحود هو إنكار المعروف من الأمر مكابرة .

وبالتالي فمشيئة الله الماضية أن كل رسله يمشون في الأسواق ويأكلون الطعام، وهم بشر ممن خلق ولم يكونوا ملائكة، ومشيئة الله هذه هي التي يجحدونها، وينكرونها تكبرا ومكابرة .

" وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيراً "

فالسقيم مبتلى بالصحيح ، والتعيس مبتلى بالسعيد ، والفقير مبتلى بالغني، والرسل فتنة للمرسلين، والكفار فتنة للرسل،وهكذا...
هي امتحانات من الله تعالى ليرى مدى صبر الواحد منا في كل امتحان يوضع فيه.

وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءنَا لَوْلَا أُنزِلَ عَلَيْنَا الْمَلَائِكَةُ أَوْ نَرَى رَبَّنَا لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنفُسِهِمْ وَعَتَوْ عُتُوّاً كَبِيراً(21)

وقد عرفنا فيما سبق اعتراض الكافرين على القرآن، ووصفه بالإفك المُفتَرَى، وأنه الأساطير، واعتراضهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكيف يكون بشرا كما البشر، وكيف لا ينزل إليه ملك يؤيده، وكيف لا يُخصّ بالمال والزينة العظيمة.
ثم ينتقل باطلهم بكل وقاحة وسفاقة إلى ذات الله عز وجل، فمِن التكذيب برسول الله صلى الله عليه وسلم،وبمشيئة الله التي يمضيها، إلى التجرؤ على الله سبحانه:وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءنَا لَوْلَا أُنزِلَ عَلَيْنَا الْمَلَائِكَةُ أَوْ نَرَى رَبَّنَا لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنفُسِهِمْ وَعَتَوْ عُتُوّاً كَبِيراً(21)

و "الرجاء" هنا بمعنى الخوف، فهم لا يخافون يوم لقاء الله تعالى، ولا يحسبون لذلك اليوم حسابا، فانتقلوا من رسول الله والرسالة إلى باعث الرسول ومكلّفه بالرسالة ، فمن انعدام خوفهم لقاءه هم يسألون تنزيل الملائكة عليهم، لا يستكثرون على أنفسهم هذا،بل يرون أنفسهم أعلى منزلة من الأنبياء والرسل... وفعلا كان هذا اعتقادهم حتى قالوا، كما جاء في قوله سبحانه وتعالى عنهم:وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِّنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ(31)-الزخرف-

كما لا يخافون طلب رؤية الله عيانا، شأنهم شأن كل متكبر من قبلهم، شأن بني إسرائيل الذين طلبوها من سيدنا موسى عليه السلام:وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ(55)-البقرة-

أفئن كنتم أصحاب عقول-وأنتم قبل قليل استكثرتم أن يكون الرسول بشرا- كيف تستسهلون بعدها رؤية الخالق، مرسل الرسل، ومالك الملك؟!!
أو كيف تتخيلون تنزّل الملائكة عليكم، وأنتم قبل قليل تستكثرون أن يكون الرسول بشرا يأكل الطعام ويمشي في الأسواق؟! أم أنها حلال عليكم تليق بكم، حرام على غيركم لا تليق بهم؟! يا أبناء كِبركم... ويالهول ما يصنع الكِبر بصاحبه!

ثم سألتم ما هو أكبر... أمعنتم في الكِبر والاستكبار حتى سألتم رؤية الله جلّ في عُلاه. سبحانه الذي يدرك الأبصار ولا تدركه الأبصار.
لنتأمل...لندقق... فإذا الاستكبار داء يجعل الإنسان يؤلّه نفسه، يؤلّه عقله، فلا يعود يرى فوق نفسه شيئا ...

لنتأمل فإذا الآيات السابقة بدءا من الآية 4فـ 5 فـ 7 فـ 8 ، كانت تصف أباطيل الكافرين بتقوّلهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى القرآن الباطلَ والزور والمنكر والكذب تلفيقا واتهاما.
أما في هذه الآية (21) فقد وصفهم الله تعالى بـ "الذين لا يرجون لقاءنا"
الذين لا يخافون لقاء الله، ولا يؤمنون به، ودفعهم استكبارهم ونكرانهم يوم حساب بين يدي الله أن سألوا رؤية الله، وتنزّل الملائكة عليهم فهؤلاء المستكبرون تأتي الآية الموالية تصفهم بــ:المجرمين :

يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلَائِكَةَ لَا بُشْرَى يَوْمَئِذٍ لِّلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْراً مَّحْجُوراً(22)

وتصف هول ما ينتظرهم وشُؤمه...يوم يرون الملائكة حقا،ولكن أي رؤية وأي نذارة لهم يوم رؤيتهم لا بشارة... يوم الحساب، يوم الحشر...
يوم يجعل الله أعمالهم هباء منثورا، يوم لا يمضي ذلك اليوم على أصحاب الجنة كمضيّه على الكافرين، يوم مقداره خمسون ألف سنة، فإذا هو على المؤمنين أهل الجنة كصلاة مكتوبة.
"أنَّهُ يُخفَّفُ الوقوفُ عنِ المؤمنِ حتى يكونَ كصلاةٍ مكتوبةٍ."    الراوي: أبو سعيد الخدري المحدث: ابن حجر العسقلاني - المصدر: فتح الباري لابن حجر - الصفحة أو الرقم: 11/456 خلاصة حكم المحدث: إسناده حسن

أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُّسْتَقَرّاً وَأَحْسَنُ مَقِيلاً(24)

مقابلة لما وصف سبحانه من حال أهل النار المكذبين الكافرين الذين تطاولوا وتجرؤوا فطلبوا أن يروا الملائكة، فأجاب رب العزة، أن يوم رؤيتهم للملائكة إنما هو يوم لا بشرى لهم فيه، وأعمالهم يجعلها الله يومها هباء منثورا .... وما أدق هذا التصوير القرآني !! إذ يشبه الله أعمالهم بذلك الغبار الدقيق المتطاير في الهواء ذرات، لا ترى إلا إذا نفذ من أشعة الشمس شيء تراها فيه متطايرة منثورة نثرا .... سرعان ما تختفي بعد ذلك ...!!


يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلَائِكَةَ لَا بُشْرَى يَوْمَئِذٍ لِّلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْراً مَّحْجُوراً(22) وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَّنثُوراً(23) أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُّسْتَقَرّاً وَأَحْسَنُ مَقِيلاً(24)

وأصحاب الجنة ؟ كيف حالهم يومها، في اليوم ذاته ؟ ! إنهم خير مستقرا وأحسن مقيلا .... في ذلك اليوم يوم الحساب، يوم تنزل الملائكة تنزيلا، إنه ذلك اليوم العظيم المجموع له الناس من بدء الخليقة إلى آخر من يخلق الله سبحانه وتعالى في هذه الدنيا....

هم يومها خير مستقرا ... فمستقرّهم الجنة، وأحسن مقيلا ....وما المقيل ؟؟ تساءلت.... وهو من القيلولة... تساءلت، وكيف يكون الحديث عن القيلولة في الجنة، وما فيها نوم ؟!

المقيل: موضع القيلولة . و - نوم أو استراحة في الظهيرة .


فإذا معنى الكلمة ذاته يحتمل أن يكون موضع القيلولة، كما يحتمل أن يكون فعل النوم في وقت الظهيرة، أي يحتمل المكان والفعل.
فيكون المعنيّ هنا في الآية أن الأحسن، وهو مكان القيلولة أين؟ في الجنة.

قال ابن مسعود: لا ينتصف النهار يوم القيامة حتى يقبل أهل الجنة في الجنة، وأهل النار في النار

قال ابن عباس في هذه الآية: الحساب ذلك اليوم في أوله، وقال القوم حين قالوا في منازلهم في الجنة. (بمعنى أن يوم الحساب على المؤمنين لا يأتي منه وقت الظهيرة حتى يكون أهل الجنة بالجنة)

قال الأزهري: القيلولة والمقيل: الاستراحة نصف النهار، وإن لم يكن مع ذلك نوم، لأن الله تعالى قال: وأحسن مقيلاً، والجنة لا نوم فيها.

يروى أن يوم القيامة يقصر على المؤمنين حتى يكون كما بين العصر إلى غروب الشمس.

كما أعجبني في ذلك قول للبيضاوي لم أجده في غيره من التفاسير يوضح ضرب المثل بالمقيل والجنة لا نوم فيها  emo (30):

" وأحسن مقيلاً " مكاناً يؤوي إليه للاسترواح بالأزواج والتمتع بهن تجوزاً له من مكان القيلولة على التشبيه ، أو لأنه لا يخلو من ذلك غالباً إذ لا نوم في الجنة وفي أحسن رمز إلى ما يتميز به مقيلهم من حين الصور وغيره من التحاسيس"

يوم يُرى الملائكة وينزّلون، هو يوم تشقق فيه السماء بالغمام:وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاء بِالْغَمَامِ وَنُزِّلَ الْمَلَائِكَةُ تَنزِيلاً(25)
هو اليوم الموعود، نعم ستتنزّل الملائكة حقا في هذا اليوم، وسيرونها حقا، ولكن لا بشرى يومئذ للمجرمين، لا بشرى لهم وقد تنزّلت الملائكة في يوم تمنوا لو أنه لم يحن أوانُه، يتمنون ساعتها لو لم يروا الملائكة !!
وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُؤُوسِهِمْ عِندَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً إِنَّا مُوقِنُونَ(12) -السجدة-

يتبع بإذن الله


ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل زينب الباحثة

  • أحلى شباب
  • *****
  • مشاركة: 1938
  • الجنس: أنثى
  • إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم
رد: في ظلال القرآن
« رد #251 في: 2013-10-10, 15:25:14 »
السلام عليكم ^_^

(وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله وادعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين)

ما معنى من مثله
ولماذا لم يقل "مثله" مثل بقية آيات التحدي؟

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6545
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
رد: في ظلال القرآن
« رد #252 في: 2013-10-11, 09:34:01 »
السلام عليكم ^_^

(وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله وادعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين)

ما معنى من مثله
ولماذا لم يقل "مثله" مثل بقية آيات التحدي؟

هناك عدد من آيات التحدي كلها جاء فيها "مثله"، إلا هذه من سورة البقرة، فقد جاءت "من مثله"

هذه الآيات نوردها هنا للفائدة:

أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ  فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّثْلِهِ وَادْعُواْ مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ(38) -يونس-

أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُواْ بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ  وَادْعُواْ مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ(13) -هود-

قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَـذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً(88)-الإسراء-

أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَل لَّا يُؤْمِنُونَ(33) فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِّثْلِهِ إِن كَانُوا صَادِقِينَ(34) -الطور-

وآية البقرة موضوعنا :

وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (23) - البقرة-

ما أعرفه أن "من" تستخدم للتبعيض، وغرض التبعيض هو الإغراق في التحدي، كقولنا: "ليس عندي من مال" هنا ليتبين مقدار افتقاره الشديد للمال، وهي غير "ليس عنده مال"

وبالتالي أراها هنا للإمعان في التحدي، يعني بشكل أكبر وآكد...ثم ما أراه أيضا أنها بين آيات التحدين الوحيدة التي تتوجه بالخطاب مباشرة للكافرين، ولا تحدث عنهم، كباقي ىيات التحدي. وبالتالي استدعى الأمر تحديا أقوى.

طيب لن أكتفي بما عندي، وقد بحثت فوجدت كلاما قيما لكل من اللغويَّيْن: الدكتور حسام النعيمي، والدكتور فاضل السامرائي:
---------------------

*ما الفرق بين (وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (23) البقرة) و (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (38) يونس) و(قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (13)هود )؟(د.حسام النعيمى)

التحدي كان بأكثر من صورة، كان هناك تحدي في مكة وتحدي في المدينة. السور المكية جميعاً جاءت من غير (من) ( فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ (34) الطور)، الحديث يمكن أن يكون آية أو عشر آيات أو سورة كاملة، بحديث مثله: الحديث مطلق. (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (38) يونس) بسورة مثله، (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (13) هود) بعشر سور، (قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآَنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا (88) الإسراء) حكاية حالهم بأسلوب القرآن الكريم. فكان أحياناً يطالبهم بحديث، أحياناً يقول لهم: فإتوا بقرآن مثله، أحياناً عشر سور، أحياناً سورة مثل الكوثر أو الإخلاص، هذا كان في مكة. سورة واحدة فكان يقول (مثله)في المدينة (في سورة البقرة) المكان الوحيد الذي قال (وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (23) البقرة). هنا القرآن إنتشر وأسلوبه صار معروفاً، الآن يقول لهم (بسورة من مثله) لو قال : بسورة مثله كما قال سابقاً يعني سورة مثل سور القرآن الكريم. (من) هذه للتبعيض، هو هل له مثل حتى يطالَبون ببعض مماثله؟ هو لم يقل : فاتوا بمثله وإنما ببعض ما يماثله أو بعض ما تتخيلونه مماثلاً ولا يوجد ما يماثله فما معناه؟ هذا معناه زيادة التوكيد. لما تأتي (مثل) ويأتي عليها حرف في شيء ليس له مثل معنى ذلك توكيد كما قال تعالى (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (11) الشورى) الكاف للتشبيه، ومثل للتشبيه معناه أنه لو تخيلتم لو أن تصوّركم أنجدكم بأن تتخيلوا مثالاً لهذا القرآن فحاولوا أن تأتوا بمثل ذلك المثال ، بجزء من ذلك المثال الذي تخيلتموه فهذا أبعد في التيئيس من قوله (مثله) مباشرة.
هذا إمعان في التحدي وأبعد لأنه صار القرآن منتشراً. وهذا غير ممكن لأنه سبق وقال تعالى (لا يأتون بمثله) فإتوا ليس بمثله وإنما بجزء من مما تتخيلونه مماثلاً له.

*ما الفرق البياني بين قوله تعالى (من مثله) و(مثله)؟(د.فاضل السامرائى)
تحدّى الله تعالى الكفار والمشركين بالقرآن في أكثر من موضع فقال تعالى في سورة البقرة (وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (23)) وقال في سورة يونس (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (38)) وفي سورة هود (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (13)).
*أولاً ينبغي أن نلحظ الفرق في المعنى بين (من مثله) و(مثله) ثم كل آية تنطبع بطابع الفرق هذا. فإذا قلنا مثلاً : إن لهذا الشيء أمثالاً فيقول: ائتني بشيء من مثله فهذا يعني أننا نفترض وجود أمثال لهذا الشيء أما عندما نقول : ائتني بشيء مثله فهذا لا يفترض وجود أمثال لكنه محتمل أن يكون لهذا الشيء مثيل وقد لا يكون فإن كان موجوداً ائتني به وإن لم يكن موجوداً فافعل مثله. هذا هو الفرق الرئيس بينهما.
هذا الأمر طبع الآيات كلها . أولاً قال تعالى في سورة البقرة (وإن كنتم في ريب) وفي آيتي سورة يونس وهود قال تعالى (افتراه) وبلا شك (إن كنتم في ريب) هي أعمّ من (افتراه) أن مظنة الإفتراء أحد أمور الريب (يقولون ساحر يقولون يعلمه بشر يقولون افتراه) أمور الريب أعم وأهم من الإفتراء والإفتراء واحد من أمور الريب.
**والأمر الآخر أننا نلاحظ أن الهيكلية قبل الدخول في التفصيل (وإن كنتم في ريب) أعمّ من قوله (افتراه) و(من مثله) أعمّ من (مثله) لماذا؟ لو لاحظنا المفسرين نجد أنهم وضعوا احتمالين لقوله تعالى (من مثله) فمنهم من قال من مثله أي من مثل القرآن وآخرون قالوا أن من مثله أي من مثل هذا الرسول الأمي الذي ينطق بالحكمة أي فاتوا بسورة من القرآن من مثل رجل أمي كالرسول . وعليه فإن (من مثله) أعمّ لأنه تحتمل المعنيين أم (مثله) فهي لا تحتمل إلا معنى واحداً وهو مثل القرآن ولا تحتمل المعنى الثاني. الإحتمال الأول أظهر في القرآن ولكن اللغة تحتمل المعنيين. وعليه فإن (إن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فاتوا بسورة من مثله) أعم من (أم يقولون افتراه فاتوا بسورة مثله) لأن إن كنتم في ريب أعمّ من الإفتراء و(من مثله) أعمّ من (مثله).
***ثم هناك أمر آخر وهو أنه حذف مفعولين الفعلين المتعديين (تفعلوا) في قوله تعالى (فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا) والحذف قد يكون للإطلاق في اللغة كأن نقول: "(قد كان منك ما يؤذيني" هذا خاص و" قد كان منك ما يُؤذي" وهذا عام. وإن كان المعنى في الآية هنا محدد واضح لكن الحذف قد يعني الإطلاق عموماً (سياق التحديد ظاهر جداً والحذف قد يأتي في مواطن الإطلاق فحذف هنا).


ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل زينب الباحثة

  • أحلى شباب
  • *****
  • مشاركة: 1938
  • الجنس: أنثى
  • إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم
رد: في ظلال القرآن
« رد #253 في: 2013-10-11, 10:13:22 »
جزاك الله خيرا أستاذة  ::ok::

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6545
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
رد: في ظلال القرآن
« رد #254 في: 2013-10-11, 15:22:41 »
جزاك الله خيرا أستاذة  ::ok::
وإياك يا زينب .
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6545
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
رد: في ظلال القرآن
« رد #255 في: 2013-10-11, 15:25:48 »
سورة الفرقان (5)

الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ وَكَانَ يَوْماً عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيراً(26)

إن الملك يومئذ الحق للرحمن.

لا صوت لملك من ملوك الدنيا يومها، لا صوت لرئيس من رؤسائها، ولا لكبير من كبرائها... انتهت أيامهم كلها...
وجاء اليوم الحق، جاء اليوم الفصل، جاء يوم الحساب والجزاء والعقاب... جاء يوم ظنه جلّهم لا يأتي، ولا يكون، كذبوا به،حتى أتاهم اليقين....
جاء اليوم الذي لم يحسبوا له حسابا..." وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءنَا لَوْلَا أُنزِلَ عَلَيْنَا الْمَلَائِكَةُ أَوْ نَرَى رَبَّنَا لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنفُسِهِمْ وَعَتَوْ عُتُوّاً كَبِيراً(21)"
جاء اليوم الذي تتنزل فيه الملائكة، فلا بشرى فيه للمجرمين...يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلَائِكَةَ لَا بُشْرَى يَوْمَئِذٍ لِّلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْراً مَّحْجُوراً(22)

جاء اليوم الذي لا رئيس فيه ولا مرؤوس، بل يوم يعض الظالم فيه على يديه ندما وحسرة، وهيهات أن ينفع الندم !!
جاء اليوم الذي يعطي فيه المولى الملك عز وجل لكل ذي حق حقه، ولا يبخس الناس حقوقهم، فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره، ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره...
جاء اليوم الذي يخذل الشيطان فيه أولياءه، وتشرئب عنقه عسى تطاله رحمة الرحمن .....!

جاء يوم سيلقى فيه كل مجرم حسابه، وسيلقى فيه كل ملك جزاء ما كان منه لما كلّف بمسؤولية ظنها التشريف الذي ألّهه والنعيم الذي سيدوم له...
وسيلقى فيه كل رئيس عاقبة عتوّه وظلمه، وتكبره في الأرض، وقوله للناس في الدنيا أنه ربهم الأعلى، فعذب فيها من كفر به وآمن بالواحد الديان أشد العذاب... جاء اليوم ليقتص كل مظلوم من ظالمه ....
فأي يوم هو عليكم يا أصحاب المُلك والرياسة ؟!!

إلا من خشي الرحمن وقال صوابا، إلا من خشى الله في رعيته، إلا من كان على درب المصطفى صلى الله عليه وسلم والراشدين من بعده ... وقليل ما هم ...!
أين أنتم أيها الرؤساء يومئذ؟ أين أصواتكم المجلجلة بالباطل؟ أين رصاصكم الغاشم الظالم؟ أين ما صددتم عن سبيل الله، وعتوتم وظننتم الدنيا دارا دائمة لكم، حتى تخطفتكم الموت لتمتثلوا اليوم بين يدي الديان الجبار المتكبر، المنتقم ....

أين جنودكم وحاشيتكم؟ أين رجال كنتم ترونهم أصحاب الدعوة لله، فظننتم جبروتكم وظلمكم سيسكت صوت الحق فيهم بطلقة نار، أو بسجن، أو بتعذيب ؟!
أين أطفال ونساء رششتموهم بالمبيدات، كما يرش الذباب وترشّ الحشرات، وظننتم أنّكم بذلك الأقوى والأبقى؟ بينما الحق حق لا يقتله الباطل وإن انتفش، لا يغلبه وإن بدا صاحب العتاد والعدة، وإن بدا الحق مهيضا ضعيفا ....

أين تنكيلكم بكل صاحب دعوة لله؟ أين ما فعلتم بهم رجالا ونساء؟ أين حربكم لله ولرسوله ولدعوته وللمخلصين من الدعاة ؟! وما تظاهرتم عليهم بالقوى الغربية، أو بالقوة الأمريكية، أو بهيئة الأمم المتحدة الظالمة المتعدية؟ أو بسلاح الجو أو بسلاح الفضاء، أو بسلاح البحر أو بسلاح الهواء .......؟!!
أين خدمتكم لأعداء الدين وأنتم بنو الجلدة الواحدة؟ !!
أين هُم أولياؤكم من دون الله ومن دون المؤمنين ؟ فلينقذوكم من هول هذا اليوم الحق... من هول يوم فيه المُلك الحق للرحمن .....!!
"يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ(26)" -ص-

الحكم بالحق، ومن لم يحكم بالحق واتبع الهوى، يضل عن سبيل الله، ومن يضل عن سبيل الله ينتظره عذاب شديد بما نسي يوم الحساب ولم يعمل له من حساب.
هكذا هي المعادلة، معادلة الحق. ومن لم يفهمها أو تجاهلها، يضل عن سبيل الله الذي يرتضي، ومن يضلّ عن السبيل ينتظره العذاب يوم يكون الملك الحق للرحمن
لقد تركهم الله في الدنيا يحكمون، ويأمرون، لقد أمهلهم في الدنيا، فذاق من ذاق من محكوميهم  شرا وظلما وطغيانا. لقد مدّ لهم الله في الدنيا، فظلموا وعتوا عتوا كبيرا.... ونسوا الله...

واليوم يوم الانتقام، اليوم يوم الملك الحق فيه للرحمن، فهو عليهم يوم عسير ... "وكان يوما على الكافرين عسيرا..."
ملك مصائر العباد كلها بين يديه سبحانه، الرحمن.
ولنتأمل فإذا هذا الاسم العظيم لله سبحانه "الرحمن" يرفّ بنسماته في ظلال هذا اليوم العظيم، هذا اليوم الذي ستيسره على المؤمنين رحمة الرحمن الرحيم...ولكنه على الكافرين يوم عسير.

إنه سبحانه في ظل ما يتوعد الكافرين والظالمين والمجرمين والذين لا يرجون لله لقاء، يبعث الطمأنينة في قلوب المؤمنين، بذكر هذا الاسم تحديدا من أسمائه الحسنى سبحانه، في ظل الوعيد، ترف نسائم الطمأنة لعباده المؤمنين الذي يرجون رحمة الله تعالى ولا يقنطون منها، والتي لا يقنط منها إلا القوم الضالون.
قَالَ وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ الضَّآلُّونَ(56) -الحجر-

هذه سورة الفرقان، الفرقان المفرّق بين الحق والباطل،وهذا اليوم الحق، وفيه الملك للملك الحق، ملكُ حق، وما عداه باطل. إنه يوم إحقاق الحق وإعطاء كل ذي حق حقه، وإزهاق الباطل، والاقتصاص من كل ظالم وتوفيته حسابه.

وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً(27) يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَاناً خَلِيلاً(28) لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنسَانِ خَذُولاً(29)

هذا حال الظالم في ذلك اليوم، يعضّ على يدين اثنتين لا على واحدة !
يالهول هذا اليوم! يالعُسره على الكافرين.. على الظالمين..!"...وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ"- من(254) من البقرة-

ويا ليت "ياليت" منهم يومها تنفع ! ولات حين مناص!
"ياليتني اتخذت مع الرسول سبيلا" "يا ويلتى ليتني لم أتخذ فلانا خليلا"
ولننظر فإذا "الرسول" معرّفة، وإذا "فلانا" نكرة، هكذا كما هو حال الحق والباطل، والحق معرّف معروف لا ريب فيه، ظاهر، والباطل لاقيمة له ولا دور، زاهق
إنه يعض على يديه...
إنه يعلم أن هذا من صنع يديه، إنه يعلم أنه -وما دام قد اتبع- كان قادرا على اتباع الحق، واتخاذ سبيل إليه مع داعي الحق، وعلى عدم اتخاذ خليل مضلّ...
إنه يعلم أن نفسه ساعتها هي التي ظلمته، وهي التي أجرمت بحقه:" أَأَنتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلَاء أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ(17) "

إنهم يعلمون أنهم هُم الذين ضلوا السبيل.. لقد ضلوا ولا حجة لهم تكفيهم يومها هول ما هُم فيه، لا حجة لهم بأنهم مُضلَّلون قد أضلّهم غيرهم.
لقد عرفهم الله في الفرقان كيد الشيطان "إ نَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ(6)"-فاطر-

ولقد عرّفهم في الفرقان أيضا أن من يتبع الهوى يبوء بالخسران المبين
"...وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ" -من(26)  من ص-

ولقد عرّفهم أنه الله الواحد الأحد الملك الفرد الصمد الذي يُفرَد بالعبادة، وأن إليه الرجعى.
"وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِن قَبْلُ وَرُسُلاً لَّمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللّهُ مُوسَى تَكْلِيماً(164) رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللّهُ عَزِيزاً حَكِيماً(165) لَّـكِنِ اللّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنزَلَ إِلَيْكَ أَنزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلآئِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفَى بِاللّهِ شَهِيداً(166)"-النساء-

فأي حجة سيجدون ؟!
إنهم لا يجدون كيف يُلقون باللائمة على غيرهم، بل هم يقرون ويعترفون،ويعلنون الندامة...! بل ولا يجدون غير الدعاء بالثبور وهم قد باؤوا بالثبور...!
"وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَاناً ضَيِّقاً مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُوراً(13) لَا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُوراً وَاحِداً وَادْعُوا ثُبُوراً كَثِيراً(14)"-الفرقان-
ليتنا فعلنا وليتنا لم نفعل...
ليتنا اتبعنا الرسل، وليتنا لم نتخذ فلانا خليلا...
لن ينفعه أن يذكر فلانا وإن لم يعيّنه!
عرف أنه وإن ذكره فلا مفرّ له من مصيره الذي هو ملاقيه...إنه يرى تحقق الوعيد الذي جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، فأعرض عنه يومها وكذّب...
وها هو الشيطان الذي يعِد ويمنّي وما يعد إلا غرورا، وما كان للإنسان إلا خذولا، يعد ويمنّي ويوم الحساب هو الخذول...


يتبع بإذن الله

ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6545
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
رد: في ظلال القرآن
« رد #256 في: 2013-10-17, 11:55:50 »
سورة الفرقان (6)

وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً(30)

يعود بنا سبحانه في سياق الآيات التي تأخذنا تارة إلى هناك، إلى ذلك اليوم الحق المتحقق بلا أدنى ريب، وتارة أخرى إلى يوم الناس الذي عاشه رسول الله صلى الله عليه وسلم، عاشه صاحب الرسالة حاملا للرسالة، مبلغا لها، صابرا على أشواك طريقها الصبرَ الجميل. "....وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيراً(20)" –من الآية 20 من الفرقان-

ولنتخيل حال رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي يتحمّل لأواء الدعوة، ويتنزّل عليه القرآن نديّا مُؤنسا مثبتا، كيف يصير حاله وربّه يعرّفه بتلك المآلات، ويحدّثه عن الوعد والوعيد اللذين سيتحققان،بل وكأنهما قد تحقّقا وقضي الأمر..

لنتخيل كيف يصير حاله وهو يعرف كل هذه الحقائق في ظل ما يلقاه من الكافرين الصادين عن دعوة الحق..ثم يُنزّل عليه المولى عزّ وجلّ كلمات كانت منه صلى الله عليه وسلم، ناجى بها ربّه، سأله بها، وبثه بها شكواه وحزنه...

إنه يُسمَع كلماته التي قالها، ولا يعلم أحد غيره سبحانه به إذ قالها،يُسمَعُها عبر جبريل عليه السلام من ربّ العزة الذي يعلم السرّ في السماوات والأرض،وتصبح قرآنا يتلى إلى يوم الدين، يسمع كلماته من وحي كلمات ربّه ! ما أحلاها، ما أسماها، ما أرقّها، وما أعظمها كلمات رسول الله صلى الله عليه وسلم تُعاد بكلمات الله !

الله جلّ في علاه ينقلها إلينا وإلى كل من يقرأ هذا القرآن إلى يوم الساعة، ينقل لنا بثا وحزنا وشكوى كانت من رسول الله صلى الله عليه وسلم لربّه :وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً(30)

إنه صلى الله عليه وسلم لا يشتكي مصابه من قومه،لا يشتكي تكذيبهم شخصه،ولا تعذيبه ولا تعذيب أصحابه، ولا يشتكي استهزاءهم به، ولا يشتكي كمّ الأقاويل التي نسجوا حول شخصه وهو الصادق الأمين...

لا يشتكي كل إساءاتهم له...بل يشتكي هجرهم للقرآن...!

لم يكن صلى الله عليه وسلم همّه نفسه، لم يكن يغضب لنفسه،ولم يكن يريد الانتصار لنفسه وهو القريب الحبيب مجاب الدعوة، بل إنّ الله أرسل إليه جبريل ومعه ملك الجبال يأذن له أن يأمر ملك الجبال إن شاء فيُطبق الأخشبين على الكفار من قومه، ولكنه يأبى والفرصة بين يديه، ولا ييأس منهم، ولا من دعوتهم...! "لعل الله يخرج من أصلابهم من يوحد الله لا يشرك به شيئا"....

لقد بُعث للعالمين رحمة... بعث ليكون للعالمين نذيرا ...
لم يكن يشتكي شيئا من إيذاء قومه، بل قد اشتكى هجرهم القرآن...

اشتكى تكذيبهم بالقرآن، وهذا منه صلى الله عليه وسلم إنما هو دليل أمرَيْن اثنَيْن:
فأما الأول: وعْيُه صلى الله عليه وسلم كل الوعي أنهم لا يكذّبونه، بل يكذبون بآيات الله، وأن تجرؤهم عليه إنما هو تجرؤ على الله جلّ في عُلاه وعلى آياته.
وبأنهم يختلقون ويصطنعون، ويفتعلون الحُجج الواهية، ويضربون الأمثلة الممجوجة الممروجة التي ليس للعقل فيها من نصيب، كل ذلك لأنّ علّتهم تكذيب بآيات الله، وبالساعة قبل التكذيب به صلى الله عليه وسلم، ويصدّق هذا الوعي والفهم الربانيّ الذي عند رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله سبحانه : " قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللّهِ يَجْحَدُونَ(33)"-الأنعام-.

وأما الثاني: أن كان القرآن أنفاس رسول الله صلى الله عليه وسلم التي تُحييه، كان روحه،كان كل شيء في حياته، بل كان حياته كلها...
فلم يكن يأبه لنفسه وما يلحقه، بل كان يأبه للقرآن وما يلحقه من هجر قومه...!
إنه صلى الله عليه وسلم لم يقل : "يا رب إن قومي اتخذوني مهجورا"، بل قال: "يا ربّ إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا".
لم يكن صلى الله عليه وسلم يرسّخ لتقديس شخصه وإن كان هو خير خلق الله كلهم، بل كانت رسالته تقديس القرآن واتباع القرآن، واتخاذه منهج حياة...
لقد كان قرآنا يمشي على الأرض بشهادة أقرب الناس إليه عائشة زوجه رضي الله عنها، وها هو صلى الله عليه وسلم يعلّمنا كيف حُزنه لهجر القرآن، وغضبه للقرآن، وهمّه كل همّه القرآن.
وكم نستشعر نحن أمة محمد عليه الصلاة والسلام من أهل هذا الزمان قوة هذه الشكوى وأوجاعها في نفوسنا،ونحن أيضا قومه، وأتباعه، وأمّته ...!
ماذا كنت لتقول يا رسول الله فيمَن آمنوا بالقرآن وصدّقوا به، ولكنهم هجروه إذ هجروا العمل به ؟!

ماذا كنت لتقول فيمَن جعله كتابا يُتبرّك به، ويوضع للسقيم تحت وسادته عساه يُشفى من علّته، ويُقدّم هدية لمَن يُهدى إليهم على أنه الأجلّ والأول ولكنه فقط بالاسم والعنوان، لا للمعنى ولا للعيش بما فيه ...
ماذا كنت لتقول يا رسول الله في قوم بالاسم هم المسلمون، وبالفعل والتطبيق هم المقلّدون المتهربون من دينهم، الباحثون عن الدنيا والحياة في معنى آخر من معاني البشر لا من معاني خالق البشر ؟! الذي خلق كل شيء فقدرّه تقديرا، وقد اتخذوا من دونه آلهة لا يخلقون شيئا وهم يُخلقون، قد اتخذوا إلههم هواهم ....

وكلّه في هذه السورة العظيمة مذكور... كلّه قد بينه الله سبحانه فيمَن غرّتهم الدنيا، وغرّهم متاعها، حتى نسوا الذكر فكانوا قوما بورا ....
كلّه من هذه السورة التي بين أيدينا.... كله على حالنا يُسقط وإن كنا قوما مسلمين، فإذا هو من حالنا...فإذا خالقنا سبحانه يصف حالا من أحوالنا اليوم....
كيف كانت لتكون شكواك ؟ وكيف كانت ستكون زفراتك لأجل القرآن المهجور عملا، المهجور حياة، المهجور روحا، فإذا المسلم ونفسه كالبيت الخرِب، ظاهره قصر وهيلمان، وباطنه غبار على رُكام؟!

ورغم ما في هذه الشكوى من قوة ومن زفرة حزينة، ورغم ما نستشعره معها وحالنا هو حالنا اليوم، إلا أنها تبقى كلمات الله سبحانه ينقل بها كلام رسوله وحبيبه صلى الله عليه وسلم، يُسمعنا مناجاته له، يُسمعنا إلى يوم الدين كلمات توجه بها إلى ربه الذي كان يبثه شكواه وما أهمّه ....!

يتبع بإذن الله
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6545
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
رد: في ظلال القرآن
« رد #257 في: 2013-10-21, 11:06:01 »
سورة الفرقان (7)

وكَذَ‌ٰلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِىٍّ عَدُوًّۭا مِّنَ ٱلْمُجْرِمِينَ ۗ وَكَفَىٰ بِرَبِّكَ هَادِيًۭا وَنَصِيرًۭا(31)

والله سبحانه في قرآنه... في فرقانه، يؤسّي حبيبه وصفيّه، وهو يسمع شكواه، وهو يعلم غضبه وسبب غضبه،وأنه للقرآن لا لنفسه، وأن حزنه على القرآن لا على ما يلحق نفسه من أذاهم وتكذيبهم واستهزائهم.
يؤسّيه سبحانه ويذكّره حال من كان قبله من الرسل، والذين كانوا أكثر خلق الله ابتلاء وهم أكرم خلق الله .
إنها سنّة المجرمين على مدى العصور والأزمان، وكلما جاء نبي يدعو قومه، كان له منهم أعداء، أعداء الرسالات السماوية والتربية الربانية، والهدي الإلهي لأهل الأرض من خلق الله سبحانه الرب المربي...

هكذا في كل زمان وفي كل مكان، يترصد أعداء الدعوة للدعوة وأهلها، للدعاة إلى سبيل الحق...
فيكون رئيس البلاد عدوا لدودا للدعاة المخلصين من أهل البلاد، ويكون ملك البلاد خصما خصيما  للدعاة المخلصين من أهل تلك البلاد...

ويكون كل ذي سلطان وجاه ومال عدوا لدودا للدين وأهله والدعاة إليه ... هكذا هم أولئك الذين كان الشيطان وليا لهم، عدوٌّ هم لمن كان الله وليهم...

وها نحن نعيش هذا الزمان، وسمة هذا الزمان، وكل زمان، بل سمة أزمنة الأنبياء وهم بين ظهراني أقوامهم، أعداء من المجرمين المترصدين لدعوة الحق بباطلهم وبغيهم، وكيدهم للدين وأهله ....
وهكذا يتبين الصادق من الكاذب، ويتبين صاحب الفعل من صاحب القول، ويتبين الصابر على لأواء الطريق وأشواكها من الذي يفرّ منها ساعة يجدّ الجدّ...

وقد عرف تاريخ الدعوة على مدى العصور الصابرين من أهلها الصامدين، أهل العزم والإصرار والثقة بالله ووعده رغم كل ما لاقوا، كما عرف الجبناء، الأسود عند الأقوال الجرذان  عند الأفعال...
كما عرف المجرمين المصرين على إجرامهم، المترصدين للدعوة بكل القوة الموجودة والمتوفرة، بل ويعدّون لها العدة لكل احتمالاتها واحتياطاتها، كما يعدّون لها وحوش الإنس وشياطين الإنس الذين يربونهم على كُره الدعوة وأهلها، ونصرة أعدائها ...!! فيشبّون وأكثر ما يكبر بنفوسهم حقدهم على الإسلام وأهله ودعاته ....

وعلى قدر عزم الدعاة المخلصين وصبرهم، وجدّهم، وثقتهم بالله، على قدر استئساد العدو المجرم، واختراعه لكل وسيلة محاربة للدعوة وأهلها :"أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء وَزُلْزِلُواْ حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللّهِ قَرِيبٌ(214)"-البقرة-

وبقدر ما يبدو المجرمون أقوياء، ويبدو أهل الدعوة ضعاف العدة والأسباب المادية، تلحقهم الآلام والأتعاب والأنصاب في سبيل الدعوة، بقدر ما يأخذ الألم مأخذه من أهل الباطل والإجرام أيضا، وهم كلما ظنوا أنهم قادرون عليها وعليهم، وأنهم مهلكوهم كلما ولد لهم من المخلصين من يقضّ مضاجعهم ويضرب بكل حساباتهم وتخطيطاتهم عرض حائط صلب متماسك لا تهزّه زلازل ولا براكين ....!"وَلاَ تَهِنُواْ فِي ابْتِغَاء الْقَوْمِ إِن تَكُونُواْ تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللّهِ مَا لاَ يَرْجُونَ وَكَانَ اللّهُ عَلِيماً حَكِيماً(104)"-النساء-

"...َوجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيراً(20)" -الفرقان-
هكذا هي حكمة الله تعالى، وإرادته ومشيئته، أن يجعل لكل نبي عدوا من المجرمين، وكذلك لكل أتباع نبي، ولكل أصحاب دعوة لله على درب الأنبياء، يجعل لهم الله سبحانه أعداء من المجرمين ألدّاء، ولو شاء الله تعالى لما كان ذلك، ولكن حكمته اقتضت أن يكون هذا، ليبتلي الله ما في الصدور، وليمحّص ما في القلوب، وليُعلم الصادق الصابر الثابت من الكاذب المتشدق بالكلام، الجبان الذي لا يثبت على حال، وليُعلم أن هذه الدعوة لا يقوم بها ولا ينصرها إلا الثابتون الذين ابتلي ما في صدورهم، ومحّص ما في قلوبهم، فخلصوا لله، كما أخلصوا كل أمرهم لله ....

وعن خباب بن الأرت رضي الله عنه وأرضاه  :شكونا إلى رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، وهو متوسِّدٌ بُردةً له في ظلِّ الكعبةِ، فقلنا : ألا تستنصرُ لنا، ألا تدعو لنا ؟ فقال : ( قد كان مَن قبلكم، يؤخذ الرجلُ فيحفرُ له في الأرضِ، فيجعل فيها، فيجاء بالمنشارِ فيوضع على رأسِه فيجعلُ نصفين، ويمشط بأمشاطِ الحديدِ ما دون لحمه وعظمه، فما يصدُّه ذلك عن دينه، واللهِ لَيُتمَّنَّ هذا الأمرَ، حتى يسير الراكبُ من صنعاءَ إلى حضرمَوتٍ، لا يخاف إلا اللهَ، والذئبَ على غنمِه، ولكنكم تستعجِلون ) .-صحيح البخاري-

"ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لانتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ(4)"-محمد-

أجل إن أمرا من الله العلي القدير الفعال لما يريد بـ "كن" يكون بها النصر للأنبياء وللمؤمنين دون تعب ولا نَصَب، ولكنّ الله تعالى جعل الكافرين والمجرمين وترصدهم للدعوة امتحانا للمؤمنين على صبرهم وإيمانهم وتحمّلهم كل عذاب في سبيل الدعوة لله، الدعوة للحق....

...وَكَفَىٰ بِرَبِّكَ هَادِيًۭا وَنَصِيرًۭا
هو سبحانه الذي أراد بحكمته ومشيئته وعلمه المحيط بكل دقائق الأمور، وبمن خلق، أن يكون لكل نبي ولكل أصحاب دعوة حق لله أعداء، وصفهم سبحانه بالمجرمين...
الذي مضت مشيئته هذه، فجعل لأهل الحق قوة في الصبر والتصدي لأهل الباطل، حيّرت أهل الباطل أنفسهم، وجعلتهم يضربون كفا بكف وهم لا يجدون لعزم أهل الإيمان ولثباتهم من تفسير...!

هو سبحانه الذي جعل من عباده المؤمنين مجاهدين صابرين ثابتين على الحق وإن لحقهم من المجرمين أعداء الدين ما لحقهم، هو سبحانه هو هاديهم، وهو سبحانه نصيرهم، كما يثبت حبيبه وصفيه صلى الله عليه وسلم هنا، ويقوّيه، ويعده أنه كما هداه فسينصره...

الهادي الذي إذ هداهم، وعرّفهم كَأْد الطريق، ومشقة سلوكه، وكمّ الأشواك والمكاره التي تحفّه، وجزاهم لقاء إيمانهم وثقتهم بوعده صبرا وجلدا، وثباتا، هو سبحانه نصيرهم بعد هذا منهم، نصيرهم جزاء ثباتهم وصبرهم على صعوبة الطريق، وكيد الكائدين ....

فأنّى لمن كان الله هاديه ونصيره أن يخاف كيد المجرمين الكافرين المكذبين ؟!
وأي تسلية هي من الله سبحانه لحبيبه صلى الله عليه وسلم في كلمتين ثقيلتين كل الثقل !! فهو لن يخاف والله هاديه الذي لن يضيّعه... ولن يلتبس عليه السبيل وهو سبحانه هاديه، ولن يخيفه صاحب قوة ولا صاحب عدة ولا سلاح ولا بطش ولا جند ولن يخيفه كيدهم، ولو اجتمع عليه كل المتآمرين في الأرض من كل حدب وصوب وكما هو هاديه فهو سبحانه نصيره...!

وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلاً(32)

ويعود الكذابون الأفاكون المتقوّلون على رسول الله صلى الله عليه وسلم، يعود الله سبحانه في هذه الآية لعرض أقاويل جديدة من افتراءاتهم وأمثلة ضلالهم، فبعدما رموه بأنه الذي يفتري إفكا،وأنما جاء بأساطير الأولين، وبعدما عرفنا تخرّصات المستكبرين المجرمين الذين بلغ بهم التجرؤ أن طلبوا رؤية الله عز وجل،وأن تتنزّل الملائكة عليهم...
يأتي الآن باطل جديد من أباطيلهم، وتخرّص جديد من تخرصاتهم،وتجرؤ آخر من تجرؤاتهم...إنهم يقترحون على الله !!

نعم يقترحون كيفية نزول القرآن، فانتقلوا من كونه إفكا، وهم بذلك ينفون عنه أي صفة إذ يصفونه بالإفك الذي لا أساس له من صحة ولا من سلامة،إلى تسميتهم له "قرآنا"...!

فما بالكم قبل قليل لم تعترفوا به قرآنا؟ولم تعترفوا به منزّلا من عند الله؟ بل لم تروه إلا الأساطير تُملى ؟! ولم تروه إلا الإفك المفترى الذي أعانه عليه قوم آخرون؟!  أوَأصبح الآن قرآنا ومنزّلا ؟! بل وتقترحون على منزّله سبحانه كيفية نزوله!
عجبا لكم وأفّ لعقولكم كيف هي العقول وهي لا تعقل ؟! وأصبح همّكم الآن الكيفية؟!

سبحان الله ! في عقول تستخدم في الباطل فلا تصبح تعقل !  سبحان الله والحق دليل العقل وقائده إلى أن يعقل...
إنه التحايل والمراودة والكلام الهباء، والذي أخفّ هو من الهواء، الكلام لغاية الوصم والتقوّل، فيناقض بعضه بعضا،ولا يحترم أساسا بعينه ليُبنى عليه، إنه كلام منهم بلا أساس، وهل لما لا أساس له ولا مبنى أن يكون له من معنى ؟!

أم أنكم أيها القوم تعلمون أنه الحق، ولكنكم تستكبرون أن تعلنوا علمكم رغم حربكم ؟! أم تراها هي هي لا غيرها : "قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللّهِ يَجْحَدُونَ(33)" -الأنعام-

كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلاً

هكذا هي مشيئة الله سبحانه أن ينزّل القرآن، مشيئة الحكيم المقدّر، مشيئة الذي خلق كل شيء فقدّره تقديرا، والتي تقابلها اقتراحات المخلوقين المكذبين بخالقهم، رؤية قاصرة لا ترتقي لأن ترى إلا بعين الدنيا التي يعيشون، لا بعين الله الذي خلق الدنيا وأنزل لأهلها منهاجا يسيرون فيها وفقه ....

هكذا كانت مشيئة الله أن ينزّل القرآن...
بهذا التفرّق جزءا إثر جزء، آيات إثر آيات على أوقات متفرقة بأسباب مقدّرة عند الله في علم الغيب عنده، مسطرة وفق أحداث.
هكذا شاء الله سبحانه ليثبّت رسوله صلى الله عليه وسلم، ليؤسّيه، وليسرّي عنه، وليقوي قلبه، وليجدد عزمه كلما اشتدت عليه حرب الكفار، فيكون الوحي النديّ من السماء ماء  يُحيي قلبه وينعشه، ويمدّه بأسباب الحياة، وهكذا كان القرآن أنفاسَه وحياته صلى الله عليه وسلم ...


وأحب أن أضيف هنا قولا لغويا للدكتور حسام النعيمي في وجود "كذلك" مقابل "نزّل"

يردّ القرآن (كذلك) أي هكذا أنزل (لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا) أي جعلناه رَتَلاً يتبع بعضه بعضاً كما يقال سار الجُند رتَلاً وهذا رَتَل من السيارات وليس رتْْل بالسكون وإنما رَتَل بالفتح. لو قيل في غير القرآن : لولا أنزل عليه القرآن جملة واحدة لا تستقيم كلمة (كذلك). الفرق بين أُنزِل ونزّل أن أنزل كأنه مرة واحدة ولذلك أنزل التوراة والإنجيل ونزّل من معانيها التدرّج. قوله تعالى (إنا أنزلناه في ليلة القدر) أي جملة واحدة من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا ثم بعد ذلك نزل مفرّقاً؟ نزّل (فعّّل) تأتي للتدرج كما تقول علّمه، التعليم لا يكون جملة واحدة وإنما يكون بتدرّج، أعلّمه مرة واحدة تعلّمه شيئاً معيناً. لكن نزّل (فعّل) لا تأتي دائماً للتدرج وقد تأتي لمعنى التكثير والمبالغة وقد تأتي بنفس معنى أنزل: عندما تقول: كرّمت الجامعة المتفوق الأول لا يعني التدرج وإنما مرة واحدة، نوع من التكريم والتعظيم والمبالغة، قدّمت زيداً وأخّرت عمرواً ليس فيه تدرجاً قد يكون المعنى للتكثير أنه للمبالغة.
هم قالوا: لولا نُزّل هذا القرآن جملة واحدة: كأنما يريدون أن يؤكدوا أن الإنزال جملة واحدة، أنه للتكثير، والأمر الثاني هم يعلمون أنه نزل مفرّقاً فكأنهم استعملوا هذا اللفظ مع العرض والتحضيض لأنه (لولا) للعرض والتحضيض يعني لولا كان هذا التفريق جملة واحدة – كانوا يريدونه جملة واحدة – (لولا نُزّل) هذا الذي نُزّل مفرقاً لولا جاء جملة واحدة. فإذن لمعرفتهم بإنزاله مفرّقاً استعملوا اللفظة وسبقوها بالعرض أوالتحضيض: (لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً ) أي لولا كان هذا التدرج جملة واحدة فإذن التدرج مراد. فإما أن يكون مراداً وإما أن يكون مبالغاً وفي الحالين ينبغي أن يكون (نزّل) لينسجم مع قوله (كذلك) يعني نزلناه مدرّجاً. ولو قيل في غير القرآن لولا أنزل ما كان تستقيم (كذلك) لأنه ما أنزله جملة واحدة. لأن (كذلك) أي كذلك نزل بهذه الصورة.

ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل Asma

  • شباب جديد
  • *
  • مشاركة: 139
  • الجنس: أنثى
  • قَالَ كَلاَّ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ
رد: في ظلال القرآن
« رد #258 في: 2013-11-08, 15:55:23 »
عن حذف حرف من المفردة في القرآن الكريم وكيف أن ذلك لا يكون اعتباطا، بل له مدلولاته، ومن أهمها زمن الحدث، إذ أن حذف حرف من الفعل مثلا يدل على قصر زمن حدوث الفعل، كما يدل على الإيجاز في مقام الإيجاز، بينما يذكر الفعل بكل حروفه في مقام التفصيل ومثال على ذلك كما يورده الدكتور فاضل السامرائي :

في قوله تعالى :"فَمَا اسْطَاعُوا أَن يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْباً(97)" –الكهف – 97

وذلك في ال
سد الذي صنعه ذو القرنين من زبر الحديد والنحاس المُذاب، فالصعود على هذا السد أيسر من إحداث نقب فيه لمرور الجيش،فحذف من الحدث الخفيف، فقال: "فَمَا اسْطَاعُوا أَن يَظْهَرُوهُ"، بخلاف الفعل الشاق الطويل،فإنه لم يُحذف بل أعطاه أطول صيغة له،فقال: "وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْباً"، فخفف بالحذف من الفعل بخلاف الفعل الشاق الطويل .

هل هذا في القرآن فقط أم نستطيع أن نقول "اسطاع" في العربية التي نستخدمها؟؟
لم افهم كثيرا الفرق بين الكلمتين
الهجرة هجرة القلوب الى الله فاسالك ربي هجرة اليك

غير متصل سلمى أمين

  • أحلى شباب
  • *****
  • مشاركة: 2671
  • الجنس: أنثى
  • و مالنا ألّا نتوكل على الله، وقد هدانا سُبلَنا ..
رد: في ظلال القرآن
« رد #259 في: 2013-11-08, 21:35:14 »
عن حذف حرف من المفردة في القرآن الكريم وكيف أن ذلك لا يكون اعتباطا، بل له مدلولاته، ومن أهمها زمن الحدث، إذ أن حذف حرف من الفعل مثلا يدل على قصر زمن حدوث الفعل، كما يدل على الإيجاز في مقام الإيجاز، بينما يذكر الفعل بكل حروفه في مقام التفصيل ومثال على ذلك كما يورده الدكتور فاضل السامرائي :

في قوله تعالى :"فَمَا اسْطَاعُوا أَن يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْباً(97)" –الكهف – 97

وذلك في ال
سد الذي صنعه ذو القرنين من زبر الحديد والنحاس المُذاب، فالصعود على هذا السد أيسر من إحداث نقب فيه لمرور الجيش،فحذف من الحدث الخفيف، فقال: "فَمَا اسْطَاعُوا أَن يَظْهَرُوهُ"، بخلاف الفعل الشاق الطويل،فإنه لم يُحذف بل أعطاه أطول صيغة له،فقال: "وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْباً"، فخفف بالحذف من الفعل بخلاف الفعل الشاق الطويل .

هل هذا في القرآن فقط أم نستطيع أن نقول "اسطاع" في العربية التي نستخدمها؟؟
لم افهم كثيرا الفرق بين الكلمتين

ضيفة جديدة ..

الشاي يا جماعة :)

أتعلمين ما هو الوطن يا صفيّة ؟

- الوطن هو ألّا يكون هذا كلَّه .. [/