المحرر موضوع: في ظلال القرآن  (زيارة 106526 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6545
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
رد: في ظلال القرآن
« رد #80 في: 2013-02-13, 10:52:57 »
سبحان مالك المُلك، سبحان الملِك ، سبحان المالك، له المِلك وله المُلك ...سبحانه ...تابعوا:

تعدد قراءات القرآن - لمسات بيانية د.فاضل السامرائي
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6545
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
رد: في ظلال القرآن
« رد #81 في: 2013-02-14, 05:33:18 »
من صفحة الدكتور مجدي الهلالي:

أخي أين أثرك؟؟

إن الأثر الذي يحدثه اللقاء الدائم بالقرآن يتعدى الفرد إلى المحيط الذي يتعامل معه ، ،
وعندما يجفو المؤمن عن القرآن يضعف هذا الأثر ويغيب ..
يؤكد على هذا قوله صلى الله عليه وسلم (المؤمن الذي يقرأ القرآن ويعمل به "كالأترجة" ، طعمها طيب وريحها طيب
والمؤمن الذي لا يقرأ القرآن ويعمل به كالتمرة ؛ طعمها طيب ولا ريح لها ..الحديث)
فالطعم يخص صاحبه
والريح يخص من حوله ،، وهذا يدل أن المنشغل بالقرآن ، غير الجافي عنه هو الأكثر تأثيرا في الآخرين و تغييرا للمجتمع
يقول ابن حجر:
الحكمة في تخصبص الأترجة دون غيرها من الفاكهة التي تجمع طيب الطعم والريح؛ لأنه يتداوى بقشرتها
ولأن الجن لا تقرب البيت الذي فيه الأترج ؛ فناسب أن يمثل به القرآن الذي لا تقربه الشياطين ، وغلاف حبه أبيض ؛ فيناسب قلب المؤمن .. و فيه أيضا من المزايا كبر حجمه وحسن منظره ، وتفريح لونه ، ولين ملمسه
وفي أكل الأترج طيب نكهة ، ودباغ معدة ، وجودة هضم ، ومنافع أخرى .. !!
فلنكن كالأترجة في هذه المرحلة العصيبة التي تمر بها الأمة

فما أكثر الأمراض ، وما أكثر الشياطين من الإنس والجن
وما أكثر احتياج الدعوة لمن يترك ذلك الأثر الطيب الذي تتركه الأترجة ..

أخي
أين أثرك؟؟
« آخر تحرير: 2013-02-14, 08:31:16 بواسطة حازرلي أسماء »
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6545
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
رد: في ظلال القرآن
« رد #82 في: 2013-02-19, 17:03:23 »
من أهداف قراءة القرآن :
معظم الناس لا يستحضر هدفا واضحا لقراءة القرآن .. لذلك فهو لا يستشعر أهميته .

وقراءة القرآن يجتمع فيها مقاصد خمسة ونيات كلها عظيمه , وأهداف قراءة القرآن مجموعة في قولك ( ثمّ شعّ ) :
(الثاء ) : ثواب , ( الميم ) : مناجاة .. ( الميم ) : مسأله , ( الشين ) : شفاء , ( العين ) : علم .. عمل .

فمتى قرأ المسلم القرآن مستحضراً المقاصد الخمسة معاً كان انتفاعه بالقرآن أعظم وأجره أكبر .
ومن قرأه يريد العلم رزقه الله العلم , ومن قرأه يريد الثواب فقط أعطي الثواب .
قال ابن تيمية ( من تدبر القرآن طالباً الهدى منه تبين له طريق الحق )

الإبداع في إتقان حفظ القرآن‎
« آخر تحرير: 2013-02-19, 17:05:17 بواسطة حازرلي أسماء »
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل زينب الباحثة

  • أحلى شباب
  • *****
  • مشاركة: 1938
  • الجنس: أنثى
  • إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم
رد: في ظلال القرآن
« رد #83 في: 2013-02-19, 21:23:54 »
 ::ok::

باركَ الله فيك

غير متصل ماما هادية

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 15899
  • الجنس: أنثى
  • احفظ الله يحفظك
رد: في ظلال القرآن
« رد #84 في: 2013-02-20, 07:46:09 »

ومن قرأه يريد العلم رزقه الله العلم , ومن قرأه يريد الثواب فقط أعطي الثواب .
قال ابن تيمية ( من تدبر القرآن طالباً الهدى منه تبين له طريق الحق )


جميل جدا ويجب التنبيه له ... جزاك الله خيرا
*رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ*

غير متصل زينب الباحثة

  • أحلى شباب
  • *****
  • مشاركة: 1938
  • الجنس: أنثى
  • إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم
رد: في ظلال القرآن
« رد #85 في: 2013-02-20, 17:49:44 »
"(قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُم بِوَاحِدَةٍ أَن تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا) [سبأ 46].

فقوله (مثنى وفرادى) يشير إلى ما أكده علم النفس الحديث من تأثير الغوغائية أو ما يسمى "العقل الجماعي" على سلامة الإدراك، وسداد الحكم على الأشياء، لذا طلب من الإنسان أن يفكر وحده، أو مع صديق مخلص له، في هدوء وإخلاص، حتى يصل إلى الحقيقة.


القرضاوي، العقل والعلم في القرآن الكريم

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6545
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
رد: في ظلال القرآن
« رد #86 في: 2013-02-21, 09:55:24 »
"(قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُم بِوَاحِدَةٍ أَن تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا) [سبأ 46].

فقوله (مثنى وفرادى) يشير إلى ما أكده علم النفس الحديث من تأثير الغوغائية أو ما يسمى "العقل الجماعي" على سلامة الإدراك، وسداد الحكم على الأشياء، لذا طلب من الإنسان أن يفكر وحده، أو مع صديق مخلص له، في هدوء وإخلاص، حتى يصل إلى الحقيقة.


القرضاوي، العقل والعلم في القرآن الكريم

 ::ok::   جزاك الله خيرا emo (30):
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6545
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
رد: في ظلال القرآن
« رد #87 في: 2013-02-22, 10:05:36 »
 تأملت صفحتين اثنتين من سورة البقرة،وهما اللتين وردت بهما قصة طالوت وجالوت ،فخرجت من تأملي وقد مررت في السياق القرآني للقصة بمحطات تصفية ثلاث
 في عجالة أذكر أصل القصة ....ذلك أن قوما من بني إسرائيل بعد سيدنا موسى مع واحد من الأنبياء الكثر الذين أنزلوا عليهم طلبوا من نبيهم أن يسأل الله سبحانه أن يعيّن لهم ملكا يكون قائدهم للقتال في سبيل الله ....ولنتأمل جيدا عبارتهم الحرفية في سبيل الله وذلك يقينا منهم أنهم إنما يريدون القتال في سبيله من أثر إيمانهم وتصديقهم فسألهم نبيهم عندها مباشرة أنه إن كتب عليهم القتال ربما لن يقاتلوا وذلك من وحي حكمته وتمام عقله بأن الكلام أيسر بكثير من الفعل عندما يجدّ الجدّ فأجابوه من توّهم أن كيف لا يقاتلون وقد أخرجوا من ديارهم وأبنائهم
هنا لنتأمل أنهم قوم متيقنون أنهم على حق وأن لهم كل الحق في الذود عن حقهم بعدما سلبت أراضيهم وسبي أبناؤهم
فلما كتب عليهم القتال إذا بهم يتولون...ولنتأمل الفرق بين الموقف القولي والموقف الفعلي ، وأن نبوءة النبي بسؤاله قد تحققت وخاصة بني إسرائيل الذين عرفوا عبر التاريخ بنقضهم لكل عهد، وهذا الحال لا يخصهم وحدهم وإنما يخص كل أمة لا تقدّر مواقفها الحقيقية إلا بقدر إقدامها على الفعل وليس بمجرد التشدق القولي...

تولوا إلا قليلا منهم وهذه محطة التصفية الأولى التي وقفتُ عندها فالعدد الذي كان قد تناقص وانتهى إلى عدد الصادقين المقبلين على الفعل...
ثم يخبرهم نبيهم أن الله قد بعث لهم طالوت ملكا فإذا بهم يحاجون كعادة اليهود في المحاججة...ولكم أن تتذكروا معي هنا قصة البقرة إذ أمرهم الله بذبح بقرة بلا ألف ولام التعريف فإذا بهم يسألون ويمعنون في السؤال حتى شقوا على أنفسهم فشق الله عليهم ...يحاجون في اختيار الله لهم....

ثم وبعدما يرسل لهم الله التابوت آية تحمله الملائكة وبعد تصديقهم واطمئنانهم لهذه الآية العينية يقبلون مع طالوت مقاتلين فيأتي دور محطة التصفية الثانية ها هنا وهي مع قصة النهر الذي ابتلاهم الله به فيخبرهم ملكهم أنه من شرب منه لن يكون معه ولن يتبعه وأن من لم يشرب فسيتم معه المسير إلى القتال في سبيل الله بعدما يكون قد اختبر في صدقه وإقدامه على الله تعالى باختبار شهوة نفسه وهم في أشد حالات الظمأ ولنتأمل كيف أنه سبحانه لا يسد كل منافذ الرحمة على طبيعة البشر وإنما يقول سبحانه إلا من اغترف غرفة بيده وهذه الغرفة يعني بها شربة تذهب حرارة الظمأ المستعرة ولا يراد بها أن يغرق الشارب بالماء فيشرب حتى يرتوي .....فيأتي قوله سبحانه "فشربوا منه إلا قليلا منهم" وبالعبارات القرآنية نفسها وبذات الاستثناء "إلا قليلا منهم" هم الذين نجحوا بالاختبار فكانوا في زمرة المؤمنين الصادقين المختبرين في صدقهم باختبار صعب ها نحن أمام تناقص جديد في عدد المؤمنين المكملين المسير معه.....

أراه وكأنما هو الغربال الذي يطرح الزائد الذي لا معنى له ويبقي على الأصلح بين الأصلح ....فلما جاوز طالوت النهر هو والذين آمنوا معه بعبارة "هو والذين آمنوا معه " وكأن درجة الإيمان قد استحقت لهم بعد هذين الاختبارين وهاتين المحطتين ثم في آخر القصة يستعظم الباقون معه ، (الفئة القليلة الباقية معه) يستعظمون جيش جالوت المقبلين عليه فيقولون "لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده"

فيأتي في السياق قوله سبحانه
"فقال الذين يظنون أنهم ملاقو الله كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين"
لنتأمل وصفه سبحانه الجديد للفئة الصادحة بهذه الحكمة وهذا اليقين
وصفهم بالذين يظنون أنهم ملاقو الله وهنا الظن ليس بمعنى الظن وإنما هو بمعنى اليقين. يعني هذه محطة التصفية الأخيرة

حيث نطق الذين يتيقنون من لقاء الله ومن وعد الله بالنصر للذين على حق وأنه مع صبرهم وإن كانوا قلة

من هذه القصة ألا نستنتج أن الفئة القليلة الصادقة المختارة من فعل صدقها وتصديقها وإقبالها الفعلي لا القولي وتحملها للشدائد كلها وصبرها على كل عائق وكل شدة هي التي يكون وزن الواحد منها بوزن العشرات أو المئات ، وأن نصر الله للأمة برمتها قد يأتي على يد هذه القلة الصادقة؟؟ هذه الفئة القليلة المختبرة في صدق إيمانها وإقبالها على الله ؟؟؟

    ولكم أن تتــــــــــــأملوا
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6545
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
رد: في ظلال القرآن
« رد #88 في: 2013-02-23, 09:59:41 »
في  قوله تعالى من سورة المائدة :

يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ(67)

هذه الآية من سورة تكاد تكون آخر ما نزل من القرآن الكريم إن لم تكن آخر ما نزل، يأتي فيها الأمر من الله سبحانه لنبيه صلى الله عليه وسلم أن يبلغ ما أنزِل إليه .... إنها لم تكن في بدايات النزول، لم تكن في أوائل ما أنزِل، بل كانت في أواخر ما أنزِل !!

سبحان الله !! إنها آية قاطعة كل القطع أنّ ما أنزله الله سبحانه على نبيه إنما يقتضي أن يبلّغ كله، إلى آخره، إلى آخر حرف نزل، ومع آخر الآيات نزولا من رب العزة، ينزل هذا التحضيض وهذا الأمر وهذا التأكيد على وجوب إتمام التبليغ إلى آخر حرف ينزل من الله سبحانه... وللتأكيد على أنه صلى الله عليه وسلم قد بلّغ ما قبله وها هو يحثّ على إتمام التبليغ .

--------------------------------------

ويقول في ذلك الطاهر بن عاشور قولا نضعه هنا فيه تفصيل لكثر من الأمور في هذه النقطة، أرجو أن تقرؤوه فيه الفائدة والنفع :

يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِى الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ ).
إنّ موضع هذه الآية في هذه السورة معضل ، فإنّ سورة المائدة من آخر السور نزولاً إن لم تكن آخرها نزولاً ، وقد بلّغ رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) الشريعة وجميعَ ما أنزل إليه إلى يوم نزولها ، فلو أنّ هذه الآية نزلت في أوّل مدّة البعثة لقلنا هي تثبيت للرسول وتخفيف لأعباء الوحي عنه ، كما أنزل قوله تعالى : ( فاصْدَعْ بما تؤمر وأعرض عن المشركين إنّا كفيناك المستهزئين ( ( الحجرات : 94 ، 95 ) وقوله : ( إنّا سنلقي عليك قولاً ثقيلاً إلى قوله واصبِر على ما يقولون ( ( المزمل : 5 10 ) الآيات ، فأمّا وهذه السورة من آخر السور نزولاً وقد أدّى رسول الله الرسالة وأُكْمِل الدّينُ فليس في الحال ما يقتضي أن يؤمر بتبليغ ، فنحن إذنْ بين احتمالين :

أحدهما : أن تكون هذه الآية نزلت بسبب خاصّ اقتضى إعادة تثبيت الرسول على تبليغ شيء ممّا يثقل عليه تبليغه .
وثانيهما : أن تكون هذه الآية نزلت من قبللِ نزول هذه السورة ، وهو الّذي تواطأت عليه أخبار في سبب نزولها .
فأمّا هذا الاحتمال الثّاني فلا ينبغي اعتباره لاقتضائه أن تكون هذه الآية بقيت سنين غير ملحقة بسورة ، ولا جائز أن تكون مقروءة بمفردها ، وبذلك تندحض جميع الأخبار الواردة في أسباب النزول الّتي تَذْكُر حوادث كلَّها حصلت في أزمان قبل زمن نزول هذه السورة . وقد ذكر الفخر عشرة أقوال في ذلك ، وذكر الطبري خبرين آخرين ، فصارت اثني عشر قولاً .
وقال الفخر بعد أن ذكر عشرة الأقوال : إنّ هذه الروايات وإن كثرت فإنّ الأوْلى حمل الآية على أنّ الله آمنَه مكر اليهود والنّصارى ، لأنّ ما قبلها وما بعدها كان كلاماً مع اليهود والنّصارى فامتنع إلقاء هذه الآية الواحدة في البين فتكونُ أجنبية عمّا قبلها وما بعدها اه . وأمّا ما ورد في الصّحيح أنّ رسول الله كان يُحرَس حتّى نزل ) والله يعصمك من النّاس ( فلا يدلّ على أنّ جميع هذه الآية نزلت يومئذٍ ، بل اقتصر الراوي على جزء منها ، وهو قوله : ( والله يعصمك من النّاس ( فلعلّ الّذي حدّثت به عائشة أنّ الله أخبر رسوله بأنّه عصمه من النّاس فلمّا حكاه الراوي حكاه باللّفظ الواقع في هذه الآية .

فتعيّن التعويل على الاحتمال الأوّل : فإمّا أن يكون سبب نزولها قضية ممّا جرى ذكره في هذه السورة ، فهي على وتيرة قوله تعالى : ( يأيّها الرسول لا يحزنك الّذي يسارعون في الكفر ( ( المائدة : 41 ) وقوله : ( ولا تتّبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك ( ( المائدة : 49 ) فكما كانت تلك الآية في وصف حال المنافقين تليتْ بهذه الآية لوصف حال أهل الكتاب . والفريقان متظاهران على الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) فريق مجاهر ، وفريق متستر ، فعاد الخطاب للرسول ثانية
بتثبيت قلبه وشرْح صدره بأن يدوم على تبليغ الشريعة ويجهد في ذلك ولا يكترث بالطاعنين من أهل الكتاب والكفّار ، إذ كان نزول هذه السورة في آخر مدّة النّبيء ( صلى الله عليه وسلم ) لأنّ الله دائم على عصمته من أعدائه وهم الّذين هوّن أمرهم في قوله : ( يأيّها الرسول لا يحزنك الّذين يسارعون في الكفر ( ( المائدة : 41 ) فهم المعنيّون من ) الناس ( في هذه الآية ، فالمأمور بتبليغه بعض خاصّ من القرآن .

وقد علم من خُلق النّبيء ( صلى الله عليه وسلم ) أنّه يحبّ الرفق في الأمور ويقول : إنّ الله رفيق يحبّ الرفق في الأمر كلّه ( كما جاء في حديث عائشة حين سلَّم اليهود عليه فقالوا : السامُ عليكم ، وقالت عائشة لهم : السامُ عليكم واللّعنة ) ، فلمّا أمره الله أن يقول لأهل الكتاب ) وأنّ أكثركَم فاسقون قل هل أنبّئكم بشرّ من ذلك مثوبة عند الله مَن لعنه الله وغضب عليه ( ( المائدة : 59 ، 60 ) الآية ، وكان ذلك القول مجاهرة لهم بسوءٍ أعلمه الله بأنّ هذا لا رفق فيه فلا يدخل فيما كان يعاملهم به من المجادلة بالّتي هي أحسن ، فتكون هذه الآية مخصّصة لما في حديث عائشة وتدخل في الاستثناء الّذي في قوله تعالى : ( لا يحبّ الله الجهر بالسوء من القول إلاّ من ظُلم ( ( النساء : 148 ) .
ولذلك أعيد افتتاح الخطاب له بوصف الرسول المشعِر بمنتهى شرفه ، إذ كان واسطة بين الله وخلقه ، والمذكِّر له بالإعراض عمّن سوى من أرسله .
ولهذا الوصف في هذا الخطاب الثّاني موقع زائد على موقعه في الخطَاب الأول ، وهو ما فيه من الإيماء إلى وجه بناء الكلام الآتي بعده ، وهو قوله : ( وإن لم تفعل فما بلّغت رسالاته ( ، كما قال تعالى : ( ما على الرسول إلاّ البلاغ ( ( المائدة : 99 ) .
فكما ثبّت جَنَانُه بالخطاب الأوّل أن لا يهتمّ بمكائد أعدائه ، حُذّر بالخطاب الثّاني من ملاينتهم في إبلاغهم قوارع القرآن ، أو من خشيته إعراضهم عنه إذا أنزل من القرآن في شأنهم ، إذ لعلّه يزيدهم عناداً وكفراً ، كما دلّ عليه قوله في آخر هذه الآية ) وليزيدنّ كثيراً منهم ما أنزل إليك من ربّك طغياناً وكفراً فلا تأس على القوم الكافرين ( ( المائدة : 68 ) .

ثم عُقّب ذلك أيضاً بتثبيت جنانه بأن لا يهتمّ بكيدهم بقوله : ( والله يعصمك من النّاس ( وأنّ كيدهم مصروف عنه بقوله : ( إنّ الله لا يهدي القوم الكافرين ). فحصل بآخر هذا الخطاب ردّ العجز على الصدر في الخطاب الأوّل الّتي تضمّنه قوله : ( لا يحزنك الّذين يسارعون في الكفر ( ( المائدة : 41 ) فإنّهم هم القوم الكافرون والّذين يسارعون في الكفر . فالتّبليغ المأمور به على هذا الوجه تبليغُ ما أنزل من القرآن في تقريع أهل الكتاب . وما صدق ) ما أنزل إليك من ربّك ( شيء معهود من آي القرآن ، وهي الآي المتقدّمة على هذه الآية . وما صدقُ ) ما أنزل إليك من ربّك ( هو كلّ ما نزل من القرآن قبل ذلك اليوم .
والتّبليغ جعل الشيء بالغاً . والبلوغ الوصول إلى المكان المطلوب وصوله ، وهو هنا مجاز في حكاية الرّسالة للمرسل بها إليه من قولهم : بَلَغ الخبر وبلغَت الحاجة . والأمر بالتّبليغ مستعمل في طلب الدّوام ، كقوله تعالى : ( يأيّها الّذين آمَنوا آمِنوا بالله ورسوله ( ( النساء : 136 ) . ولمّا كان نزول الشريعة مقصوداً به عمل الأمّة بها ( سواء كان النّازل متعلّقاً بعمل أم كان بغير عمل ، كالّذي ينزل ببيان أحوال المنافقين أو فضائل المؤمنين أو في القصص ونحوها ، لأنّ ذلك كلّه إنّما نزل لفوائد يتعيّن العلم بها لحصول الأغراض الّتي نزلت لأجلها ، على أنّ للقرآن خصوصية أخرى وهي ما له من الإعجاز ، وأنّه متعبَّد بتلاوته ، فالحاجة إلى جميع ما ينزل منه ثابتة بقطع النّظر عمّا يحويه من الأحكام وما به من مواعظ وعبر ) ، كان معنى الرّسالة إبلاغ ما أنزل إلى مَن يراد علمه به وهو الأمّة كلّها ، ولأجل هذا حذف متعلِّق ) بلِّغ ( لقصد العموم ، أي بلّغ ما أنزل إليك جميع من يحتاج إلى معرفته ، وهو جميع الأمّة ، إذ لا يُدرى وقت ظهور حاجة بعض الأمّة إلى بعض الأحكام ، على أنّ كثيراً من الأحكام يحتاجها جميع الأمّة .

والتّبليغ يحصل بما يكفل للمحتاج إلى معرفة حكممٍ تَمكُّنَه من معرفته في وقت الحاجة أو قبله ، لذلك كان الرسول عليه الصّلاة والسّلام يقرأ القرآن على النّاس عند نزول الآية ويأمر بحفظها عن ظهر قلب وبكتابتها ، ويأمر النّاس بقراءته وبالاستماع إليه . وقد أرسل مصعباً بن عُمير إلى المدينة قبل هجرته ليعلّم الأنصار القرآن . وكان أيضاً يأمر السامع مقالتَه بإبلاغها مَن لم يسمعها ، ممّا يكفل ببلوغ الشّريعة كلّها للأجيال من الأمّة . ومن أجل ذلك كان الخلفاء مِن بعدِه يعطون النّاس العطاءَ على قدر ما معهم من القرآن . ومن أجل ذلك أمر أبو بكر بكتابة القرآن في المصحف بإجماع الصّحابة ، وأكمل تلك المزيّة عثمان بن عفّان بانتساخ القرآن في المصاحف وإرسالها إلى أمصار الإسلام ، وقد كان رسول الله عيَّن لأهل الصّفَّة الانقطاع لحفظ القرآن .

والّذي ظهر من تتبّع سيرة رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أنّه كان يبادر بإبلاغ القرآن عند نزوله ، فإذا نزل عليه ليلاً أخبر به عند صلاة الصّبح . وفي حديث عمر ، قال رسول الله : ( لقد أنزِلت عليّ اللّيلة سورة لَهِي أحبّ إليّ ممّا طلعتْ عليه الشّمس ) ثمّ قرأ : ( إنّا فتحنا لك فتحاً مبيناً ( ( الفتح : 1 ) . وفي حديث كعب بن مالك في تخلّفه عن غزوة تبوك ( فأنزل الله توبتنا على نبيّه حين بقي الثلثُ الآخر من اللّيل ورسُولُ الله عند أمّ سلمة ، فقال : يأمّ سلمة تِيب على كعب بن مالك ، قالت : أفَلا أرْسِلُ إليه فأبشِّرَهُ ، قال : ( إذاً يَحطمُكم النّاسُ فيمنعونَكم النّومَ سائر اللَّيلة . حتّى إذا صلّى رسول الله صلاة الفجر آذَنَ بتوبة الله علينا ) . وفي حديث ابن عبّاس : أنّ رسول الله نزلت عليه سورة الأنعام جملة واحدة بمكّة ودعا رسول الله الكتَّاب فكتبوها من ليلتهم .
وفي الإتيان بضمير المخاطب في قوله : ( إليك من ربّك ( إيماء عظيم إلى تشريف الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) بمرتبة الوساطة بين الله والنّاس ، إذ جَعل الإنزال إليه ولم يقل إليكم أو إليهم ، كما قال في آية آل عمران ( 199 ) ) وإنّ من أهل الكتاب لَمَنْ يؤمن بالله وما أنزل إليكم ، وقوله : لتُبيّن للنّاس ما نُزّل إليهم ( ( النحا : 44 ) .

وفي تعليق الإنزال بأنّه من الرّب تشريف للمنزّل .
والإتيان بلفظ الرّب هنا دون اسم الجلالة لما في التذكير بأنّه ربّه من معنى كرامته ، ومن معنى أداء ما أراد إبلاغه ، كما ينبغي من التعجيل والإشاعة والحثّ على تناوله والعمل بما فيه .
وعلى جميع الوجوه المتقدّمة دلّت الآية على أنّ الرسول مأمور بتبليغ ما أنزل إليه كلِّه ، بحيث لا يتوهّم أحد أنّ رسول الله قد أبقى شيئاً من الوحي لم يبلِّغه . لأنّه لو ترك شيئاً منه لم يبلّغه لكان ذلك ممّا أنزل إليه ولم يَقَع تبليغه ، وإذ قد كانت هذه الآية من آخر ما نَزَل من القرآن علمنا أنّ من أهمّ مقاصدها أنّ الله أراد قطْع تخرّص من قد يزعمون أنّ الرسول قد استبقى شيئاً لم يبلِّغه ، أو أنّه قد خصّ بعض النّاس بإبلاغ شيء من الوحي لم يبلِّغه للنّاس عامّة . فهي أقطع آية لإبطال قول الرافضة بأنّ القرآن آكثرُ ممّا هو في المصحف الّذي جمَعه أبو بكر ونسخَه عثمان ، وأنّ رسول الله اختصّ بكثير من القرآن عليّاً بن أبي طالب وأنّه أورثه أبناءه وأنّه يبلُغ وقرَ بعير ، وأنّه اليوم مختزن عند الإمام المعصوم الّذي يلقّبه بعض الشيعة بالمهدي المنتظر وبالوصيّ .

وكانت هذه الأوهام ألَمَّتْ بأنفس بعض المتشيّعين إلى عليّ رضي الله عنه في مدّة حياته ، فدعا ذلك بعض النّاس إلى سؤاله عن ذلك . روى البخاري أنّ أبا جُحَيْفة سأل عليّاً : هل عندكم شيء ما ليس في القرآن وما ليس عند النّاس ، فقال : ( لا والّذي فلق الحبّة وبرأ النّسمة ما عندنا إلاّ ما في القرآن إلاّ فهما يُعطَى رجل في كتاب الله وما في الصحيفة ، قلت : وما في الصّحيفة ، قال : العقل ، وفَكاك الأسير ، وأن لا يقتل مسلم بكافر ) . وحديث مسروق عن عائشة الّذي سنذكره ينبىءُ بأنّ هذا الهاجس قد ظهر بين العامّة في زمانها . وقد يخُصّ الرّسولُ بعض النّاس ببيان شيء من الأحكام ليس من القرآن المنزّل إليه لحاجة دعت إلى تخصيصه ، كما كَتب إلى عليّ ببيان العَقْل ، وفَكَاك الأسير ، وأن لا يُقتل مسلم بكافر ، لأنّه كان يومئذٍ قاضياً باليمن ، وكما كتب إلى عمرو بن حزم كتاب نصاب الزّكاة لأنّه كان بعثه لذلك ، فذلك لا ينافي الأمر بالتّبليغ لأنّ ذلك بيان لما أنزل وليس عين ما أنزل ، ولأنّه لم يقصد منه تخصيصه بعلمه ، بل قد يخبر به من تدعو الحاجة إلى علمه به ، ولأنّه لمّا أمَرَ مَنْ سَمِع مقالته بأن يَعيها ويؤيّديها كمَا سمعها ، وأمَر أن يبلِّغ الشّاهدُ الغائبَ ، حصل المقصود من التّبليغ ؛ فأمّا أن يدع شيئاً من الوحي خاصّاً بأحد وأن يكتمه المودع عنده عن النّاس فمعاذَ الله من ذلك .
وقد يَخُصّ أحداً بعلم ليس ممّا يرجع إلى أمور التّشريع ، من سرّ يلقيه إلى بعض أصحابه ، كما أسرّ إلى فاطمة رضي الله عنْها بأنّه يموت يومئذٍ وبأنّها أوّلُ أهله لحاقاً به . وأسرّ إلى أبي بكر رضي الله عنه بأنّ الله أذِنَ له في الهجرة . وأسرّ إلى حذيفة خبر فتنة الخارجين على عثمان ، كما حدّث حذيفةُ بذلك عمرَ بن الخطّاب . وما روي عن أبي هريرة أنّه قال : حَفِظت من رسول الله وِعائيْن ، أمّا أحدهما فبثثته ، وأمّا الآخر فلو بثثته لقطع منّي هذا البلعوم .

ومن أجل ذلك جزمنا بأن الكتاب الّذي هَمّ رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بكتابته للنّاس ، وهو في مرض وفاته ، ثمّ أعرض عنه ، لم يكن فيما يرجع إلى التشريع لأنّه لو كان كذلك لمَا أعرض عنه والله يقول له : ( بَلّغْ ما أنزِل إليك من ربّك ). روى البخاري عن عائشة رضي الله عنها أنّها قالت لمَسْروق : ( ثلاث من حدّثك بهن فقد كذبَ ، من حدّثك أنّ محمّداً كتم شيئاً ممّا أنزل عليه فقد كذَب ، والله يقول : ( يأيّها الرّسول بلّغ ما أنزل إليك من ربّك وإن لم تفعل فمّا بلغت رسالاته ( الحديث .
وقوله : ( وإن لم تفعل فما بلغت رسالاته ( جاء الشّرط بإنْ الّتي شأنها في كلام العرب عدم اليقين بوقوع الشرط ، لأنّ عدم التّبليغ غيرُ مظنون بمحمدّ ( صلى الله عليه وسلم ) وإنّما فُرض هذا الشّرط ليبني عليه الجوابُ ، وهو قوله : ( فمَا بَلَّغْتَ رسالاته ( ، ليستفيق الّذين يرجون أن يسكت رسول الله عن قراءة القرآن النّازل بفضائحهم من اليهود والمنافقين ، وليبكت من علم الله أنّهم سيفترون ، فيزعمون أنّ قُرآناً كثيراً لم يبلّغه رسول الله الأمَّةَ .

ومعنى ) لم تفعل ( لم تفعل ذلك ، وهو تبليغ ما أنزل إليك . وهذا حذف شائع في كلامهم ، فيقولون : فإن فعلت ، أو فإن لم تَفعل . قال تعالى : ( ولا تَدْعُ من دون الله ما لا ينفعك ولا يضرّك فإن فَعَلْتَ فإنّك إذاً من الظّالمين ( ( يونس : 106 ) أي إن دعوتَ ما لا ينفعك ، يَحذفون مفعول فعلتَ ولم تَفْعَل لدلالة ما تقدّم عليه ، وقال تعالى : ( فإن لم تَفْعَلوا ولن تفعلوا في سورة البقرة ( 24 ) . وهذا ممّا جرى مجرى المثل فلا يتصرّف فيه إلاّ قليلاً ولم يتعرّض له أيمّة الاستعمال .
ومعنى تَرَتّب هذا الجواب على هذا الشّرط أنّك إنْ لم تُبلّغ جميع ما أنزل إليك فتركت بعضه كنت لم تبلّغ الرّسالة ، لأنّ كتم البعض مثل كتمان الجميع في الاتّصاف بعدم التّبليغ ، ولأنّ المكتوم لا يدري أن يكون في كتمانه ذهاب بعض فوائد ما وقع تبليغه ، وقد ظهر التّغاير بين الشّرط وجوابه بما يدفع الاحتياج إلى تأويل بناء الجواب على الشّرط ، إذ تقدير الشّرط : إنْ لم تبلّغ مَا أنزل ، والجزاءُ ، لم تُبلّغ الرّسالة ، وذلك كاففٍ في صحّة بناءِ الجواب على الشرط بدون حاجة إلى ما تأوّلوه ممّا في الكشاف ( وغيره . ثمّ يعلم من هذا الشّرط أنّ تلك منزلة لا تليق بالرسل ، فينتج ذلك أنّ الرسول لا يكتم شيئاً ممّا أرسل به . وتظهر فائدة افتتاح الخطاب ب ) يأيّها الرسول ( للإيماء إلى وجه بناء الخبر الآتي بعده ، وفائدة اختتامه بقوله : ( فما بلّغتَ رسالته ).
وقرأ نافع ، وابن عامر ، وأبو بكر ، وأبو جعفر ) رسَالاته ( بصيغة الجمع . وقرأه الباقون ) رِسالته ( بالإفراد . والمقصود الجنس فهو في سياق النّفي سواء مفرده وجمعهُ . ولا صحّة لقول بعض علماء المعاني استغراق المفرد أشمل من استغراق الجمع ، وأنّ نحو : لا رجال في الدار ، صادق بما إذا كان فيها رجلان أو رجل واحد ، بخلاف نحو لا رجُلَ في الدّار . ويظهر أنّ قراءة الجمع أصرح لأنّ لفظ الجمع المضاف من صيغ العموم لا يحتمل العهد بخلاف المفرد المضاف فإنّه يحتمل الجنس والعهد ، ولا شكّ أن نفي اللّفظ الّذي لا يحتمل العهد أنصّ في عموم النّفي لكن القرينة بيّنت المراد .
وقوله : ( والله يعصمك من النّاس ( افتتح باسم الجلالة للاهتمام به لأنّ المخاطب والسّامعين يترقّبون عقب الأمر بتبليغ كلّ ما أنزل إليه ، أن يلاقي عنتاً وتكالباً عليه من أعدائه فافتتح تطمينه بذكر اسم الله ، لأنّ المعنى أنّ هذا ما عليك . فأمّا ما علينا فالله يعصمك ، فموقع تقديم اسم الجلالة هنا مغن عن الإتيان بأمَّا . على أنّ الشيخ عبد القاهر قد ذكر في أبواب التّقديم من ( دلائل الإعجاز ) أنّ ممَّا يحسن فيه تقديم المسند إليه على الخبر الفعلي ويكثرُ ؛ الوعدُ والضّمانُ ، لأنّ ذلك ينفي أن يشكّ من يُوعَد في تمام الوعد والوفاءِ به فهو من أحوج النّاس إلى التّأكيد ، كقول الرّجل : أنا أكفيك ، أنا أقوم بهذا الأمر آه . ومنه قوله تعالى حكاية عن يوسف ) وأنَا به زعيم ( ( يوسف : 72 ) . فقوله : ( والله يعصمك من النّاس فيه هذا المعنى أيضاً . والعصمة هنا الحفظ والوقاية من كيد أعدائه .

والنّاس ( في الآية مراد به الكفّار من اليهود والمنافقين والمشركين ، لأنّ العصمة بمعنى الوقاية تؤذن بخوف عليه ، وإنّما يَخاف عليه أعداءَه لا أحبّاءه ، وليس في المؤمنين عدوّ لرسوله . فالمراد العصمة من اغتيال المشركين ، لأنّ ذلك هو الّذي كان يهمّ النّبيء ( صلى الله عليه وسلم ) إذ لو حصل ذلك لتعطّل الهدي الّذي كان يحبّه النّبيء للنّاس ، إذ كان حريصاً على هدايتهم ، ولذلك كان رسول الله ، لمّا عرض نفسه على القبائل في أوّل بعثته ، يقول لهم ( أنْ تمنعوني حتّى أبيّنَ عننِ الله ما بعثني به أو حتّى أبلِّغ رسالات ربّي ) . فأمّا ما دون ذلك من أذى وإضرار فذلك ممّا نال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ليكون ممّن أوذي في الله : فقد رماه المشركون بالحجارة حتّى أدْموه وقد شُجّ وجهه . وهذه العصمة الّتي وُعد بها رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قد تكرّر وعدُه بها في القرآن كقوله : ( فسيكفيكهم الله ( ( البقرة : 137 ) . وفي غير القرآن ، فقد جاء في بعض الآثار أنّ رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أخبر وهو بمكّة أنّ الله عَصمه من المشركين . وجاء في الصّحيح عن عائشة أنّ رسول الله كان يُحرس في المدينة ، وأنّه حَرَسه ذَاتَ ليلة سعدُ بن أبي وقّاص وحذيفة وأنّ رسول الله أخرَج رأسهُ من قُبّة وقال لهم : ( الحَقُوا بملاحقكم فإنّ الله عصمني ) ، وأنّه قال في غزوة ذات الرقاع سنة ستّ للأعرابي غَوْرَثٍ بننِ الحارث الّذي وجد رسول الله نائماً في ظلّ شجرة ووجد سيفَه معلّقاً فاخترطه وقال للرسول : مَن يمنعك منّي ، فقال : اللّهُ ، فسقَط السيف من يد الأعرابي . وكلّ ذلك كان قبل زمن نزول هذه الآية . والَّذين جعلوا بعض ذلك سبباً لنزول هذه الآية قد خلطوا . فهذه الآية تثبيت للوعد وإدامة له وأنّه لا يتغيّر مع تغيّر صنوف الأعداء .
ثمّ أعقبه بقوله : ( إنّ الله لا يهدي القوْمَ الكافرين ( ليتبيّن أنّ المراد بالنّاس كفّارهم ، وليؤمي إلى أنّ سبب عدم هدايتهم هو كفرهم . والمراد بالهداية هنا تسديد أعمالهم وإتمام مرادهم ، فهو وعد لرسوله بأنّ أعداءه لا يزالون مخذولين لا يهتدون سبيلاً لكيدِ الرّسول والمؤمنين لطفاً منه تعالى ، وليس المراد الهداية في الدّين لأنّ السياق غير صالح له .


الطاهر بن عاشور -التحرير والتنوير-
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6545
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
رد: في ظلال القرآن
« رد #89 في: 2013-02-24, 09:29:05 »
في قوله تعالى :" يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ(67)" -المائدة-
"والله يعصمك من الناس"، هنا الله سبحانه عنى بها عصمة رسول الله صلى الله عليه وسلم من أن تناله أيدي الكائدين من مشركين ومنافقين وأهل كتاب حاقدين بالقتل، لا بالأذى، لأن الأذى قد طاله صلى الله عليه وسلم، إذ ضربوه حتى أدميت قدماه، وشجّ رأسه، وكسرت رباعيته ...، وكانوا يعيرونه ويكذبونه ويكيلون له ألوان الأذى صلى الله عليه وسلم......

فهو سبحانه ينبئ نبيه صلى الله عليه وسلم أنه قد عصمه من أن تصل إليه أياديهم بالقتل حتى يتمّ تبليغ رسالة الله سبحانه ويؤدي ما عليه منه حتى آخره يستوجب بقاءه حيا.... وهذا ما كان يعنيه رسول الله صلى الله عليه وسلم حينما كان يدعو القبائل للإسلام بمكة وهو يقول لهم : "أن تحموني مما تحمون منه أنفسكم حتى أبلّغ رسالة ربي" لأن حمايته هي حماية للرسالة حتى تبلّغ للناس .

ثم وفي السياق القرآني ذاته وبعد آيتين فقط يأتي قول الله تعالى :
"لَقَدْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَأَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ رُسُلاً كُلَّمَا جَاءهُمْ رَسُولٌ بِمَا لاَ تَهْوَى أَنْفُسُهُمْ فَرِيقاً كَذَّبُواْ وَفَرِيقاً يَقْتُلُونَ(70)"

وهنا نلاحظ جليا كيف يصف الله سبحانه فعل اليهود برسلهم إذ كانوا فوق تكذيبهم لهم يقتلونهم، وجاء فعل القتل هنا مضارعا "يقتلون" خلاف مجيئ فعل التكذيب ماضيا "كذبوا"، وذلك لتمثُّل شناعة قتلهم للأنبياء والتي هي أفظع من تكذيبهم، وإشارة إلى أنّ سعيهم هذا مستمر وكيدهم بالقتل مستمر مع وجود الرسول صلى الله عليه وسلم بينهم .

وقد كُذب رسول الله صلى الله عليه وسلم من المشركين ومن أهل الكتاب، ولكنهم لم يصلوا إليه بقتل، لم يصل إليه حتى اليهود بالقتل، رغم أن دأبهم مع الأنبياء كان القتل، مما يؤكد عصمة الله له من أن تناله يد بقتل، ومما يؤكد أن أكثر من قُصد بلفظ "الناس"، إنما هم اليهود، هؤلاء الذين مردوا على قتل الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم جميعا . دون أن نلغي محاولات المشركين لقتل رسول الله، ولكن السورة مدنية ونزلت أكثر ما نزلت في أهل الكتاب وهم حول رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة .
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6545
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
رد: في ظلال القرآن
« رد #90 في: 2013-03-02, 09:11:46 »
1- ما اللمسة البيانية في تذكير كلمة عاقبة  مرة وتأنيثها مرة أخرى في القرآن الكريم؟

تذكير الفاعل المؤنث له أكثر من سبب وأكثر من خط في القرآن الكريم. فإذا قصدنا باللفظ االمؤنّث معنى المذكّر جاز تذكيره وهو ما يُعرف بالحمل على المعنى. وقد جاء في قوله تعالى عن العاقبة تأتي بالتذكير مرة وبالتأنيث مرة ، وعندما تأتي بالتذكير تكون بمعنى العذاب وقد وردت في القرآن الكريم 12 مرة بمعنى العذاب أي بالتذكير. والأمثلة في القرآن كثيرة منها قوله تعالى في سورة الأنعام (قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (11)) و(وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ (84) الأعراف) و(فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ (73) الصافّات) وسورة يونس (فَكَذَّبُوهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَمَن مَّعَهُ فِي الْفُلْكِ وَجَعَلْنَاهُمْ خَلاَئِفَ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنذَرِينَ {73}) المقصود بالعاقبة هنا محل العذاب فجاء الفعل مذكراً ، وعندما تأتي بالتأنيث لا تكون إلا بمعنى الجنّة كما في قوله تعالى (وَقَالَ مُوسَى رَبِّي أَعْلَمُ بِمَنْ جَاءَ بِالْهُدَى مِنْ عِنْدِهِ وَمَنْ تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّارِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (37) القصص) وفي قوله تعالى في سورة الأنعام (قُلْ يَا قَوْمِ اعْمَلُواْ عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدِّارِ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ {135}).

د.فاضل السامرائي

2-(وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لأُنذِرَكُم بِهِ وَمَن بَلَغَ (19)) يعالج الله عباده بأسلوبي الإنذار والتبشير لكن هذه الآية اقتصرت على الإنذار فما حكمة ذلك؟

اقتصر ربنا على جعل علة نزول القرآن بالإنذار دون البشارة لأن المخاطبين كانوا في حالة مكابرة وهذه الحال والمقام لا يناسبه إلا الإنذار.
(أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللّهِ آلِهَةً أُخْرَى (19)) هذا هو كلام الله تعالى كلامه المعجز اذي يفحم أرباب البيان ويرغمهم على لوقوف أمامه مشدوهين. انظر كيف يصور هذا الإستفهام المشركين ويسبغ عليهم جلباب الاستهانة والحماقة فقد جعل ربنا الاستفهام في الآية (أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ) داخلاً على إنّ المؤكدة ولام التأكيد ولم يكتف بأداة الاستفهام (أتشهدون أن مع الله آلهة أخرى) لأن دخول همزة الاستفهام (أئنكم) يفيد أن شهادتهم هذه مما لا يكاد يصدق السامعون أنهم يشهدونها لاستبعاد صدورها من عقلاء. فأنت لو سألت صديقك عن أمر تستبعده فتقول (أئنك لتغدر بي) فإذا أردت الإثبات أجابك بالأسلوب نفسه (نعم إنني لأغدر بك) فأدخل في الإجابة (إنّ واللام) ليؤكد ما تستبعده وكذلك الآية تحتاج إلى التأكيد في الإجابة (نعم إنهم ليشهدون أن مع الله آلهة أخرى).

ورتل القرآن ترتيلا

ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6545
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
رد: في ظلال القرآن
« رد #91 في: 2013-03-05, 08:55:50 »
نرى الله يقول لليهود الماديين : " اتقوا النار " .

ويقول للمؤمنين أولي الألباب : " اتقوني يا أولي الألباب "

لأن العقليات المادية لا تخاف إلّا النار المادية . أما أولوا الألباب فإنهم يعرفون أن خالق النار أخطر شأناً من النار ، ولهذا نراه يضيف الضمير فيقول :
...
" اتقوني يا أولي الألباب " .

وهكذا نرى أن الحروف في القرآن لا ترد اعتباطاً وإنما تأتي بحساب ولحكمة .

د.مصطفى محمود رحمه الله .
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6545
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
رد: في ظلال القرآن
« رد #92 في: 2013-03-06, 11:36:46 »
كلمات القرآن كلمات منفردة بذاتها وبخصائصها ، لا تستطيع أن تغيّر كلمة أو تبدل عبارة أو تقدم جملة ، فكل كلمة تمسك بالأخرى مثل الذرات في مجال مغناطيسي محكم ..

حتى الحرف لا يأتي في القرآن إلا لضرورة ، ولا يمكنك أن ترفع حرفاً من مكانه أو تستبدله بحرف آخر ..

نرى القرآن يقول:

[ أَلْهَاكُمُ التَّكاثُرْ ( 1 ) ،حَتىَّ زُرْتُمُ الَمقاَبِر ( 2 ) ]

من سورة التكاثر

فلماذا .. زرتم .. لماذا لم يقل سكنتم المقابر ، أو دخلتم المقابر ، أو حللتم في المقابر أو ملأتم المقابر ؟

ولماذا قال " زرتم "

ليلفت النظر إلى أن المقام في القبر مقام مؤقت وأن الدخول إلى القبر دخول زيارة لا دخول سكني .

وتدل على ذلك آية ثانية عن الموت:[ قُل لَّوْ كُنتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ ]

من سورة آل عمران - من آية ١٥٤

فيصف رقدة الموت بأنها مجرد ضجعة وأن القبر مجرد مضجع ، والضجعة بعدها انتباه وقيام ، وتلك دقة بالغة في التعبير تجعل كل كلمة مقصودة لضرورة ولا يمكن استبدالها .

د.مصطفى محود
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6545
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
رد: في ظلال القرآن
« رد #93 في: 2013-03-08, 10:56:46 »
قرأت من سورة الأنعام قول الله تعالى:  وَلَهُ مَا سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ(13)

فتساءلت: "سكن"، تفيد سكون الحركة، فكيف يذكر النهار معطوفا على الليل، ولا تكون هناك صفة مغايرة للسكون، تابعة للنهار، بل جاءت "سكن في الليل والنهار"

فوجدت في أغلب التفاسير أنها بمعنى ملك الله لكل ما في الليل والنهار، ولكل ما يسكن، أي لكل ما يحلّ في الليل والنهار، أو بمعنى يحصل في الليل والنهار...

حتى بحثت قليلا، فوجدت ما رأيته أدق في التفسير، فكان شيء منه للطاهر بن عاشور، وشيء آخر لزغلول النجار...

يقول الطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير:

وله ما سكن في الليل والنهار وهو السميع العليم .

جملة معطوفة على لله من قوله قل لله الذي هو في تقدير الجملة ، أي ما في السماوات والأرض لله ، وله ما سكن .
والسكون استقرار الجسم في مكان ، أي حيز لا ينتقل عنه مدة ، فهو ضد الحركة ، وهو من أسباب الاختفاء ، لأن المختفي يسكن ولا ينتشر . والأحسن عندي أن يكون هنا كناية عن الخفاء مع إرادة المعنى الصريح . ووجه كونه كناية أن الكلام مسوق للتذكير بعلم الله تعالى وأنه لا يخفى عليه شيء من أعمالكم ومحاسبكم عليها يوم يجمعكم إلى يوم القيامة ، فهو كقوله تعالى : الله يعلم ما تحمل كل أنثى إلى أن قال : ومن هو مستخف بالليل . فالذي سكن الليل والنهار بعض ما في السماوات والأرض ، فلما أعلمهم بأنه يملك ما في السماوات والأرض عطف عليه الإعلام بأنه يملك ما سكن من ذلك لأنه بحيث يغفل عن شمول ما في السماوات والأرض إياه ، لأن المتعارف بين الناس إذا أخبروا عن أشياء بحكم أن يريدوا الأشياء المعروفة المتداولة . فهذا من ذكر الخاص بعد العام لتقرير عموم الملك لله تعالى بأن ملكه شمل الظاهرات والخفيات ، ففي هذا استدعاء ليوجهوا النظر العقلي في الموجودات الخفية وما في إخفائها من دلالة على سعة القدرة وتصرفات الحكمة الإلهية .

و في للظرفية الزمانية ، وهي ظرف مستقر ، لأن فعل السكون لا يتعدى إلى الزمان تعدية الظرف اللغو كما يتعدى إلى المكان لو كان بمعنى حل واستقر وهو ما لا يناسب حمل معنى الآية عليه . والكلام تمهيد لسعة العلم ، لأن شأن المالك أن يعلم مملوكاته . وتخصيص الليل بالذكر لأن الساكن في ذلك الوقت يزداد خفاء ، فهو كقوله : ولا حبة في ظلمات الأرض . وعطف النهار عليه لقصد زيادة الشمول ، لأن الليل لما كان مظنة الاختفاء فيه قد يظن أن العالم يقصد الاطلاع على الساكنات فيه بأهمية ولا يقصد إلى الاطلاع على الساكنات في النهار ، فذكر النهار لتحقيق تمام الإحاطة بالمعلومات .

وتقديم المجرور للدلالة على الحصر ، وهو حصر الساكنات في كونها له لا لغيره ، أي في كون ملكها التام له ، كما تقدم في قوله : قل لمن ما في السماوات والأرض قل لله .

وقد جاء قوله : وهو السميع العليم كالنتيجة للمقدمة ، لأن المقصود من الإخبار بأن الله يملك الساكنات - التمهيد لإثبات عموم علمه ، وإلا فإن ملك المتحركات المتصرفات [ ص: 156 ] أقوى من ملك الساكنات التي لا تبدي حراكا ، فظهر حسن وقع قوله : وهو السميع العليم عقب هذا .

و السميع العالم العظيم بالمسموعات أو بالمحسوسات . و العليم الشديد العالم بكل معلوم . انتهى


ويقول د.زغلول النجار، ما يوحي إلى أمر علمي وهو نوم بعض الكائنات نهارا، ونوم الأخرى ليلا في هذا الفيديو :

{ وله ما سكن في الليل والنهار } الأنعام 13 6 10 2010 التفسير العلمي للقرآن الكريم
« آخر تحرير: 2013-03-08, 10:58:57 بواسطة حازرلي أسماء »
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6545
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
رد: في ظلال القرآن
« رد #94 في: 2013-03-14, 11:41:44 »
ﺳئل أﺣﺪ اﻷﺋﻤﺔ ،!

ما اﻟﺬي أوﺻﻞ ﺣﺎل اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ إﻟﻰ ﻫﺬﻩ اﻟﺪرﺟﺔ ﻣﻦ اﻟﺬل واﻟﻬﻮان وتكالب الاعداء ،!!!

ﻓﺮد اﻟﺸﯿﺦ :: (ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻓﻀﻠﻨﺎ اﻟﺜﻤﺎﻧﯿﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﺜﻼﺛﺔ)،!

فسأل:ﻣﺎﻫﻲ اﻟﺜﻤﺎﻧﯿﺔ وﻣﺎﻫﻲ اﻟﺜﻼﺛﺔ ؟

ﻓﺄﺟﺎب:: اقرأها ﻓﻲ ﻗﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ::

"قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ(24)" -التوبة-

اللهم أعزّ الاسلام و المسلمين


من على صفحة "ذكر الله"
« آخر تحرير: 2013-03-14, 11:43:16 بواسطة حازرلي أسماء »
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6545
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
رد: في ظلال القرآن
« رد #95 في: 2013-03-21, 09:39:07 »
اليهود في توراتهم اليوم (المحرّفة)، يتهمون سيدنا داوود بأشنع التهم، بأنه -عياذا بالله وحاشاه- قد زنا بامرأة واحد من قادة جيوشه، بل وقد جعل يبحث عن ميتة لهذا القائد "أُورْيَا" هذا حتى يتخلّص منه ويظفر بزوجته ....

قد جاء ما جاء في قدحهم أنبياءهم، من مثل اتهامهم سليمان بعبادة الأصنام-حاشاه-

والقرآن الكريم جاء فيه قوله تعالى : "لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ(78) كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ(79)" -المائدة-

إن سيدنا داوود الذي سبق سيدنا عيسى عليهما السلام بأكثر من ألف سنة قد لعن الذين كفروا من بني إسرائيل من فرط عصيانهم، وأنهم لم يكونوا يتناهون عن المناكر ....وكذلك بقي حالهم بعد ألف سنة، ليلعنهم بعدها سيدنا عيسى عليه السلام .

هذه حقيقة هؤلاء مع أنبيائهم، وها هُم أولاء من فرط حَنَقِهم على أنبيائهم وحقدهم عليهم وبوئهم باللعنة من ألسنتهم يلصقون بهم التهم الشنيعة التي لا تليق حتى بالرجل العادي فكيف بأنبياء الله المصطفين !!

إنهم قد حرّفوا وبدّلوا، ودسوا السم دسا فيما يسمونه كتابهم المقدّس، فمن جهة هُم يذكرون أنهم أنبياء مرسلون من الله بأمر الله لإقرار أمر الله فيهم، ومن جهة أخرى يصفونهم بأبشع ما يوصف به إنسان من فُحش ورذيلة.... لا لشيء إلا لعلمهم بما لحِقهم من لعن على ألسنة أنبيائهم الذين كذبوهم وعذبوهم وقتلوهم ولم يتبعوهم ........وهكذا ينتقم اليهود ممّن لعنهم من أهل الحق، من الأنبياء أصوات الحق في الأرض،بأن يلصقوا به الرذيلة والفُحْش ....
بل ومِن موجبات التناقض والسخرية واللهو والعبث الإبقاء على ذكر لعنة داوود عليه السلام لبني إسرائيل في توراتهم اليوم،-وإن بألفاظهم- ففي المزمور 109" قد انفتحَ عليّ فم الشرّير وتكلّموا معي بلسان كذب أحاطوا بي وقاتلوني بلا سبب ثمّ قال ينظرون إليّ ويُنغِضُون رؤوسهم ثمّ قال أمَّا هُم فيُلعنون وأمَّا أنتَ فتُبارك ، قاموا وخُزُوا أمّا عبدك فيفرح "...

أي لهو وعبث هذا في كتابهم؟؟ وكيف لمَن بحث عن الحق منهم متجرّدا للحق ألا يكتشف كل هذا العبث فيهتدي إلى سواء السبيل ؟!!

--------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
ولكم أعجبني ما وضع ابن عاشور في التحرير والتنوير وهو يفسر قول الله تعالى : "كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ" :

وجملة ) كانوا لا يتناهَوْن عن منكر فعلوه ( مستأنفة استئنافاً بيانياً جواباً لسؤال ينشأ عن قوله : ( ذلك بما عَصوا ( ، وهو أن يقال كيفَ تكون أمّة كلّها مُتمالئة على العصيان والاعتداء ، فقال : ( كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه ). وذلك أن شأن المناكر أن يبتدئها الواحد أنّ النّفَر القليل ، فإذا لم يجدوا من يغيِّر عليهم تزايدوا فيها ففشت واتّبَع فيها الدّهماءُ بعضهم بعضاً حتّى تعمّ ويُنسى كونها مناكرَ فلا يَهتدي النّاس إلى الإقلاع عنها والتّوبةِ منها فتصيبهم لعنة الله . وقد روى التّرمذي وأبو داوود من طرق عن عبد الله بن مسعود بألفاظ متقاربة قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( كانَ الرجل من بني إسرائيل يلقَى الرجل إذا رآه على الذنب فيقول : يا هذا اتّققِ الله ودَع ما تصنع ، ثمّ يلقاه من الغد فلا يمنعه ذلك أن يكون أكيلَه وخليطَه وشريكَه ، فلما فعلوا ذلك ضرب الله قلوب بعضهم ببعض ولعنهم على لسان داوود وعيسى ابن مريم ، ثُمّ قرأ : ( لُعن الّذين كفروا من بني إسرائيل إلى قوله : فَاسقون ( ( المائدة : 78 81 ) ثُمّ قال : والّذي نفسي بيده لتأمُرُنّ بالمعروف ولَتَنْهَوُنّ عن المنكر ولتأخُذُنّ على يد الظّالم ولتأطُرُنَّهُ على الحقّ أطْرا أوْ لَيضربَنّ الله قلوبَ بعضكم على بعض أو ليلعنُكم كما لَعنهم ) .

يا رب سلم سلم .... فلننظر ما يحدث من فشوّ عدم التناهي عن المناكر !!
« آخر تحرير: 2013-03-21, 09:50:51 بواسطة حازرلي أسماء »
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل ماما هادية

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 15899
  • الجنس: أنثى
  • احفظ الله يحفظك
رد: في ظلال القرآن
« رد #96 في: 2013-03-21, 11:55:57 »
جزاك الله خيرا
*رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ*

غير متصل أم عبد الله

  • شباب نشيط
  • **
  • مشاركة: 413
رد: في ظلال القرآن
« رد #97 في: 2013-03-21, 12:01:51 »
جميل هذا النقل
بارك الله فيك يا أسماء

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6545
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
رد: في ظلال القرآن
« رد #98 في: 2013-03-22, 09:02:06 »
جزانا خيرا وإياك يا هادية، وفيك بارك الله يا أم عبدِهِ  emo (30):
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6545
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
رد: في ظلال القرآن
« رد #99 في: 2013-03-22, 10:25:02 »
دقيقة أشار إليها الفخر الرازي أعجبتني جدا جدا، أضعها هنا:

يقول الفخر الرازي في التفسير الكبير :
ههنا دقيقة نافعة في طلب الدين وهو أن كفر النصارى أغلظ من كفر اليهود ; لأن النصارى ينازعون في الإلهيات وفي النبوات ، واليهود لا ينازعون إلا في النبوات ، ولا شك في أن الأول أغلظ ، ثم إن النصارى مع غلظ كفرهم لما لم يشتد حرصهم على طلب الدنيا بل كان في قلبهم شيء من الميل إلى الآخرة شرفهم الله بقوله ( ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى ) وأما اليهود مع أن كفرهم أخف في جنب كفر النصارى طردهم وخصهم الله بمزيد اللعن ، وما ذاك إلا بسبب حرصهم على الدنيا ، وذلك ينبهك على صحة قوله صلى الله عليه وسلم : حب الدنيا رأس كل خطيئة " .

ثم يقول :
 فإن قيل : كيف مدحهم الله تعالى بذلك مع قوله : ( ورهبانية ابتدعوها ) [الحديد : 27] وقوله عليه الصلاة والسلام : لا رهبانية في الإسلام .

قلنا : إن ذلك صار ممدوحا في مقابلة طريقة اليهود في القساوة والغلظة ، ولا يلزم من هذا القدر كونه ممدوحا على الإطلاق .
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب