أيامنا الحلوة

أجيال وراء أجيال => :: أحلى شباب :: => الموضوع حرر بواسطة: حازرلي أسماء في 2018-01-09, 21:11:53

العنوان: نشدان الحكمة
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2018-01-09, 21:11:53
بسم الله الرحمن الرحيم

"نشدان الحكمة"...

 هو عنوان أدرجت تحته مجموعة مقالات كتبتها العام الفارط (2017) ، وكنت أنشرها على صفحتي على الفيسبوك ... كتبت عددا لا بأس به من التأملات والتعمقات والإسقاطات في بعض الأحاديث التي كنت وما أزال أخصص لها حصة أسبوعية واقعية بالجمعية مع الأخوات، يكون فيها خوض عباب بحر الحديث والتأمل في طياته ومراميه البعيدة ودروسه المديدة، وما تنطوي عليها تصريحاته كما إيحاءاته من فكر وتربية وإرشاد وهداية، تبسط في مجملها للإعجاز الذي يميز الحديث النبوي الصحيح  ووالذي يجعلك تميز أنه وحي من الوحي يحمل الإعجاز كما يحمل القرآن الإعجاز ... ولا تحمل نصوص أخرى مهما بلغت بلاغتها ومهما بلغ بيانها وحسنها هذه الميزة التي محلها أعماق بحر الحديث، لا تظهر للسطح إلا إذا وجدت من يغوص لتبلغ يده القاع حيث تقبع اللآلئ والدرر ...

كانت تأملات أثيرة عندي... وددت لو أنني واصلت فكتبت منها المزيد... ولكن توقفت بعد سلسلة جاوز عددها عشر مقالات ... !

سأحاول نقلها هنا ... واحدة إثر أخرى ... لعلي أثابر فأضع جديدا منها ...  emo (30):

العنوان: رد: نشدان الحكمة
أرسل بواسطة: ماما هادية في 2018-01-10, 06:03:57
جميل
امضي على بركة الله وأفيدينا
جزاك الله خيرا
العنوان: رد: نشدان الحكمة
أرسل بواسطة: سيفتاب في 2018-01-10, 06:45:07



في انتظارك


 :emoti_123: .
العنوان: رد: نشدان الحكمة
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2018-01-10, 11:32:52
أهلا وسهلا بكما هادية وسيفتاب ::)smile:

والله زمان على هذه المتابعات المفيدة  emo (30):
العنوان: رد: نشدان الحكمة
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2018-01-10, 11:35:45
(http://www.ayamnal7lwa.net/forum/index.php?action=dlattach;topic=6813.0;attach=12164;image)
2017/02/12

الحكمة هي ما ينشد صاحب العقل الراجح، لتكون رأس تفاعلاته وتصرفاته إزاء ما يعرِض له من أحداث ..

خاصة عندما يجد الإنسان نفسه في قلب حدث تندفع له العاطفة، (وهنا أحب أن أنبه أنني لا أقصد الخوف الهستيري من العاطفة بحيث يترصد صاحب هذا الخوف لها وكأنها العدو، فيُصيّر من نفسه عبثا آلة لا إحساس فيها بدعوى "التعقّل" وهذا بحد ذاته شطط ومُجانبة للحكمة إذ أن العاطفة جزء من تركيب النفس البشرية ولا نريد إلغاءها بالمغالاة، ما نريده هو ترشيدها، وألا تكون الحَكَم في التصرفات، وكلّنا نريد أن نتربى على هذا)

أقول عندما يجد الإنسان نفسه في قلب حدث تسارع العاطفة لتكون فيه الحكَم، فإن كان ممن ينشد الحكمة تروّى، وتأنّى وتمهّل حتى لا يكون حكمه عاطفيا بعيدا عن ميزان العقل ..
وإن هذا التأني والتروي يُحيله إلى العقل، فيسمح له بالتفكير في عواقب الأمر، ويسمح له بالنظرة البعيدة الثاقبة، ويسمح له برؤية الأمر على حقيقته وبجوهره لا على مظهره ...
فلنتأمل بعضا من الأحداث ... وتفاعلات أصحابها ..

عائشة رضي الله عنها حينما رُمِيت بأخطر وأصعب وأشنع ما تُرمى به المرأة العفيفة في حادثة الإفك، حينما انتهى إلى علمها خوض الناس بعِرضها وعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم بخوضهم لشهر كامل، قضت ليلتين في بيت أبيها لا يرقأ لها دمع ولا تكتحل عينها بنوم من هول الصدمة وألم الجرح في نفسها وهي العفيفة الطاهرة المحبة لزوجها العظيم، تخشى على علاقتها به نسيم الهواء العابر...

هي ذي لأول مرة بعد شهر كامل ويزيد من خوض الناس في عرضها ترى رسول الله صلى الله عليه وسلم يجلس إليها، فيضعها بين أمرين، فإن كنتِ بريئة فسيبرئك الله، وإن ألممتِ بذنب فتوبي واستغفري...
وتُصعَق عائشة وهي التي تسمع من زوجها ما يشي بأنه يحتمل منها وقوعها في الذنب... !!
وأي صدمة أشد عليها وقعا من سماعها هذا الكلام منه بعد شهر لم تكن تدري فيه أنه يدري، ولكنها عرفت فيه جفوة منه لم تتعودها وإن كان يسأل عن حالها "كيف تيكم؟"

عائشة عند سقوط الصاعقة الكبرى على قلبها، حكّمت عقلها... في قلب المصيبة، وفي قلب مرارتها، في أوج مرارتها حكّمت عقلها... وجنحت للحكمة، فرشّدت عاطفتها، وعلمت أنها لن تكون الحَكَم الصحيح في أمرها، ولن تُجديها نفعا ...

في قلب المصيبة وتَداعي أهوالها تقول عائشة :"قَلَصَ دمعي" بمعنى أنها لم تعُد تجد منه قطرة، عندما صُعقت بالصدمة الكبرى من فم زوجها الحبيب نبي الأمة العظيم رقأ دمعها، وحكّمت عقلها، فالتفتت إلى أمها، إلى أبيها تسألهما أن يجيبا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم يقولا شيئا يدفع عنها التهمة...

عندها ..عرفت أن الأمر قد وقع في نفوس الجميع موقع التصديق... فلم تزد على أن تكلمت تخبرهما بما فهمت من أحوالهم، أنهم قد صدّقوا، ولو أنها قالت لم أفعل لكذّبوها، ولو أنها قالت فعلتُ لصدقوها، واعتزلتهم بعد كلماتها القليلة ... ولجأت إلى الله وحده، وقد قوي يقينها أن الله مدافع عنها دون كل خلقه، دون أقربهم إليها، دون زوجها النبيّ صلى الله عليه وسلم، ودون أبويها...!
هكذا بكلمات قليلة، وبجَلَد ظاهر، وبقوة، تحسم عائشة أمرها، فلا تندب حظا، ولا تشق جيبا(حاشاها)، ولا تُبِحّ صوتا بالعويل والصراخ، واستصراخ النجدة، وتوسل التصديق من هول التهمة التي رُمِيت بها... ولترَ كل امرأة في نفسها ... فإذا هي الأقرب من هذا منها إلى حكمة عاشئة ... ! :)

لم نعرفها تستجدي زوجها وهو مَن هو، ليصدقها باكية ملوَّعة، لم تقسم أيمانا، ولم تُقم الدنيا لتدلّل على براءتها من أفظع تهمة تُرمى بها المرأة العفيفة ...
بل لقد قالت كلمات معدودات من بعد ما عرفت حال مَن حولها... ثم فرّت إلى ربها مستيقنة ... !!
وعندها ... عندها تحديدا ...في تلك اللحظات ينزل الوحي مبرئا لها، وكم استبطأه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ينتظر نزوله شهرا كاملا، ولم ينزل ... عندما تصرفت عائشة بالحكمة في أمرها لا بالعاطفة...

فكان رأس الحكمة يقينها بربها جلّ في عُلاه، وفِرارها إليه وحده في ساعة عُسرتها وهي زوج النبي، كما حكّمت عقلها في ردّة فعلها ولم تدَعْ للعاطفة من مجال للإكثار من غير ما فائدة تُرجى ...
وهذا موقف من المواقف التي أحببت مشاركتكم تأملها ....

عندي مواقف أخرى تصبّ في مجرى الحكمة في التصرف إزاء ما نَعرض له ...و حتى لا أطيل عليكم وأُكثر أرجو المتابعة مع المنشور الموالي قريبا بإذن الله  emo (30):
العنوان: رد: نشدان الحكمة
أرسل بواسطة: جواد في 2018-01-10, 13:35:56
تسجيل متابعة،

جزاكم الله خيرا.
العنوان: رد: نشدان الحكمة
أرسل بواسطة: سيفتاب في 2018-01-11, 05:37:39
تحليل رائع لنشدان الحكمة عند عتئشة رضي الله عنها.
.
.بارك الله لك يا فراشتنا.
العنوان: رد: نشدان الحكمة
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2018-01-11, 16:45:33
أهلا وسهلا بمتابعتك أخي جواد
وبارك لك يا سيفتاب  emo (30):
العنوان: رد: نشدان الحكمة
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2018-01-11, 16:48:42
في نِشداننا للحكمة وللتعقّل والتفكير بعواقب الأمور قبل الاندفاع العاطفي، عرفنا في منشور سابق حكمة عائشة رضي الله عنها في حادثة الإفك، وهذا رابطه :


http://www.ayamnal7lwa.net/forum/index.php?topic=6813.msg115238#msg115238


(http://www.ayamnal7lwa.net/forum/index.php?action=dlattach;topic=6813.0;attach=12166;image)
2017/02/13


أما اليوم فمع الموقف الثاني...
في صلح الحديبية، حينما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرسل سفيرا إلى قريش يُعلمها غاية النبي صلى الله عليه وسلم من زيارته، وأنه ما جاء إلا مسالما لا مُحاربا، وأنه يريد أن تُمدّه وتُخلّي بينه وبين الناس، وقد ندب رسول الله صلى الله عليه وسلم لهذه المهمّة عمر بن الخطاب رضي الله عنه .

فأما ابن الخطاب فكان له من هذا الاختيار موقف، إنه لم يقل هذا اختيار النبي صلى الله عليه وسلم ومالي حِياله إلا التسليم والطاعة دون أن أنبس ببنت شفة، بل لقد أفصح لرسول الله صلى الله عليه وسلم أنه ليس بالرجل المناسب لهذه المهمة، وأرشده إلى عثمان بن عفان بديلا عنه، بل قال عنه أنه الأصلح لها ... !

قال :"يا رسول الله، ليس لي أحد بمكة من بني عَدِي بن كعب يغضب لي إن أوذيت، وقد عرفتْ قريش عداوتي إياها وغلظتي عليها، ولكني أدلك على رجل أعزّ بها مني عثمان بن عفان، فإن عشيرته بها، وإنه مبلّغٌ ما أردتَ."

أولا : لم يكن رأيه المخالف لاختيار رسول الله صلى الله عليه وسلم له عن عصيان لأمره، بل عن إشارة عليه، وقد علمهم المعلم الأعظم أن الأمر شورى بينهم في غير ما هو وحي.

ثانيا: لنتأمل فإذا عمر رضي الله عنه يقول : "ليس أحد بمكة من بني عَدِي بن كعب يغضب لي إن أوذيت" .

فهل خاف عمر رضي الله عنه على نفسه الموت ؟ وهو الذي كان من أوائل المقتحمين في كل خطب، في كل غزوة من الغزوات، لا يخاف موتة في سبيل الله تعالى، بل يتمناها غير هيّاب ..

ولكنه يعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد صلحا، ويقرأ عمر بعين فاحصة متعقّلة أن هذا الصلح يستدعي مظاهرة ومساندة وتقوية وتعزيزا، وهو لا يريد أن تفتقر الخطوة لهذا فيكون الضعف بدل القوة، ويحلّ الريب من جدواها بدل بذل الجهد المتاح في تعزيزها وتوكيدها من كل جانب ..

 emo (13):لنتأمل، إنه لم يفرح بالبعث، وبنَدْب رسول الله صلى الله عليه وسلم له دون كل الصحابة، فيفخر بها ويسارع إليها مسارعة من يقتنص فرص الأجر والثواب، ويسارع إليها مسارعة من همُّه إرضاء الرسول صلى الله عليه وسلم دون تفكير وتمحيص، ودون إشارة بما هو أجدى وأنفع للرسالة وللإسلام وللمسلمين وعزّهم، قبل أن يفكّر بنفسه ...

لم يكن عمر رضي الله عنه ذلك الرجل الذي لا يفكّر بالعواقب....
وقوله أنه لن يجد بمكة من يغضب له إن هو أوذي، أراد بها أن يبيّن لرسول الله صلى الله عليه وسلم نقطة بالغة الأهمية ليست في صالح ما يريد من هذه المهمة . ذلك أنه وهو يغدو هناك المطارَد والمُبغَض الذي لا يُرحَّب به، بل يُترصّد له لن يساهم في تحقيق الغاية التي نشدها رسول الله صلى الله عليه وسلم من بعثه، بل سينقلب الأمر عكس ما أراد، وهو لا يريد أن يهِمّ المسلمين بهمّ رجل تؤذيه قريش، بل يريد أن ينتقل المسلمون في الخطوات بما يعود على الإسلام بالفتح لا أن ينكصوا على أعقابهم...

 emo (13): لنتأمل أيضا ... يقول أن قريش قد عرفت عداوته إياها وغلظته عليها، وعمر بهذه زعيم، وغير مُنكِر لها، ولكنه في هذا الموقف تحديدا لا يرى في حالته تلك مناسِبة لبعثة يُراد بها الصلح، وعمر كما نعرف، لا ينفكّ شديدا في الحق، وعرفنا له مواقف كان يقضي فيها بالأشد، فهو يخشى أن يكون على تلك الحال في بعثة يُراد منها صلح ومسالمة ...

فلننظر إلى هذا الرجل المفكّر، إلى هذا الرجل المتعقّل، والذي تُتاح له فرصة فيها مما يحب من الأجر والثواب وخدمة الإسلام، ولكن تفكيره لا ينحصر بنفسه، ولا بعاطفة تستبق الثواب، بل يحكّم عقله لصالح الإسلام ولصالح الرسالة، ولصالح ما يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم من بعث السفير. ولئِن يُؤجر على إشارة يشير بها ليس له فيها من حظّ أعظم وأوفر عند الله من مسارعته لأجر فرد واحد تكون العواقب بعدها وخيمة على الجماعة ...! فلنتأمل :)

 emo (13): لا بل ويزيد، فيشير على رسول الله صلى الله عليه وسلم بغيره، يقول أنه أعزّ بها منه، عثمان بن عفان، ويوضّح ويُبين أنّ عشيرته بها وهي من المكانة في قريش بحيث تكون المُظاهرة والمؤازرة، وأنه مبلّغ ما أراد ...

لم يفكر بأنانية، ولا باندفاعية، ولا بحبّ سبق-لا على وجه المراءاة وعمر أبعد ما يكون عنها-، بل حتى على وجه العمل الخالص الذي يجني به الثواب، لم يقل أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وما أدراك ما هو يختاره، ويكفيه هذا ليكفّ عن كل محاججة...
بل هو يعرف من نفسه ومن مكانة قومه في مكة، ومن موقفه من رجال قريش ما يجعله يشير بغيره وهو يراه أكثر أهلية للسلام، ولتبليغ رسالة سلام ... فلا يندفع، ولا يجدها فرصة ليشفي شيئا من غليله من قريش... بل يشير بالرجل الأنسب ...

فلننظر كيف لا يدّعي "عظيم" فيهم أنّه الأهل لكل شيء دون منازع، وكيف لا تسبقه العاطفة الدينية من حب الثواب والأجر فتغلب على عقله، بل لقد حكّمه فتبصّر لصالح الإسلام ولصالح المسلمين.
وأخيرا، هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم المعلم الأعظم، يرى في كلام عمر حكمة وتعقلا، فينزل عند رأيه وإشارته، ولا يصرّ على بعثه هو، بل يبعث عثمان بن عفان رضي الله عنه وأرضاه ...

وهكذا ... نعرف فيهم تحكيم العقل، والتفكير، الذي يوصلهم لحسن التدبير بعيدا عن عاطفة سرعان ما تهزّهم، ولا تكون إلا وبالا على الإسلام ...حتى الأجر والثواب لا يُسارع إليه على حساب هَلَكة قد تحلّ بالإسلام ... نعرف فيهم التروّي والتفكير والنظر في عواقب الأمور قبل أن يُقدموا على ما يفعلون....فلنتعلم ....  emo (30):

وفي منشور قريب بإذن الله موقف جديد من مواقف الحكمة، فانتظرونا  emo (30):
العنوان: رد: نشدان الحكمة
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2018-01-13, 11:57:08
(http://www.ayamnal7lwa.net/forum/index.php?action=dlattach;topic=6813.0;attach=12186;image)

2017/02/15

الآن مع موقف جديد من مواقف الحكمة والتفكير، والنظر في عواقب الأمور قبل أن يكون الفعل، التعقّل والتدبّر قبل أن تسبق العاطفة فتكون الحَكَم، ومن بعدها يحصل الندم، وفي كثير من الأحيان لا ينفع النّدم...

كنا قد عرفنا موقِفَيْن من قبل، أوّلهما : ردّة فعل عائشة رضي الله عنها إزاء الإفك الذي افتُرِي عليها ، وثانيهما تصرف عمر بن الخطاب رضي الله عنه عند اختيار رسول الله صلى الله عليه وسلم له مبعوث سلام لقريش من الحديبية ...

أما اليوم فمع عثمان بن عفان رضي الله عنه، وقد عرفنا أن عمر بن الخطاب قد أشار به على رسول الله صلى الله عليه وسلم بديلا عنه رسولا وسفيرا إلى قريش يبلّغها عزم رسول الله صلى الله عليه وسلم على السلام ، ونيّته في إنفاذه ...

نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم عند مشورة عمر، وحمّل عثمان رسالته إلى قريش قائلا: "اذهب إلى قريش فادعُهم إلى الإسلام‏ وأخبرهم أنّا لم نأتِ لقتال أحد، وإنما جئنا زوّارا لهذا البيت معظّمين لحُرمته، معنا الهَدْيُ ننحره وننصرف".

وامتثل عثمان، وذهب إلى قريش، فكان ما توخّى عمر بن الخطاب من بعثته، فلقد رُحِّب به وهو على مشارف مكة، ودخلها مُعزَّزا بقومه، وأبلغ قريش رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم إليها...

ثم دعتْ قريش عثمان أن يطوف بالبيت...

 emo (13): تأملوا ...  emo (30):

عثمان يدخل مكة سفيرا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، بعد ستة أعوام كاملة، هُجِّروا فيها من موطنهم، من مسقط الرأس، من موطن أحبوه، وعاشوا فيه، ورَوَوْا من مياهه، وأكلوا من ثماره، ورتعوا في ربوعه، وزَهوا فيه بزهرات أعمارهم، وكانت مكة حاضرة البلاد كلها في الجزيرة العربية...

أذاقوهم ألوان العذاب، والتنكيل، وحاصروهم، وجوّعوهم، وقاطعوهم، ليرجعوا عن دينهم، وطال صبرهم، حتى طُرِدوا، وشُرِّدوا، ونُهبت أموالهم، وهُدّمت بيوتهم، وأُخرِجوا من مكة مستضعفين مسلوبين، محزونين، لا يُسْليهم، ولا يعزّيهم إلا أنهم يتّبعون نبيهم الهادي فيهاجرون حيث أمرهم هجرةً لله ولرسوله...

تلك كانت خَلَجاتُ نفس عثمان، وأشجانه ودواخله، وهو واحد من أولئك المحرومين من هواء مكة، ومن ماء مكة... بل من موطن أول بيت وُضع للناس، مباركا وهُدى للعالمين، وهم يعرفون هذا بنزوله آيات تُتلى وهم في المدينة ...

ها هو اليوم أمام الكعبة ...!!
ها هو اليوم يُعرض عليه الطواف بها، وهو وأصحابه وعلى رأسهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أمنيتهم أن يطوفوا بها ...!!

** ها هي الفرصة تُعرض بين يديه عرضا من أكابر قريش، وهو في أمان من أمره، لا يخشى على نفسه منعا أو دفعا ...

** ها هو والحنين يشقّ عُباب نفسه شقّا، وتعظيمه للكعبة دين من دينه، وحبّه لها قديم وجديد قد كبُر وكبُر ...
وعثمان اليوم رسول آمن، مؤمَّن... فماذا كان من عثمان ؟؟ !

لقد رفض عرضهم، وأبى أن يطوف بالكعبة حتى يطوف رسول الله صلى الله عليه وسلم ... !

 emo (13): لنتأمل ... ولنتأمّل ... ولنتفكّر، ولنتفكرّ فيما فكّر فيه عثمان ...  emo (30):

إن عثمان رضي الله عنه لو فعل ذلك لما أُثِم، ولكنه يرفض، ولا يرضى أن يطوف بالبيت قبل أن يطوف رسول الله صلى الله عليه وسلم...

يرفض أن يطوف بالبيت وهو غاية أمنياته وزهرتها، وهو يتوق لذلك توقا، ويهزّه إليه الشوق هزّا ...!!
يرفض ونفسه تجيش وتفيض حنينا إلى ما عُرض عليه ...

 emo (13): تأملوا، وهو بكلماته، وبإبائه، وبرفضه عرضهم، قد فكّر، قد أحال نفسه إلى عقله، رغم كمّ العواطف التي يحملها بين جَنَباته لهذا البيت العظيم، رغم ما تجيش به نفسه من ذكريات، وآلام، وأوجاع، وظلم مسّه ومسّ حبيبه المصطفى صلى الله عليه وسلم، وأصحابه، وأنهم ما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد...

رغم ما تنطوي عليه نفسه من حنين وشوق للطواف، للطواف بكلمات التوحيد يردّدها، يُلقيها على بيت الله كما يحب الله ويرضى، وهو البيت الذي ما يزال يرزح تحت نَيْر الوثنيين وأوثانهم ...

 emo (13): لنتأمل... كيف طوى عثمان كل تلك العواطف، وخبّأها لساعتها المناسبة، وهو لا يرى تلك ساعتها بعدُ ...!

وساعتها عنده : "حتى يطوف رسول الله صلى الله عليه وسلم"

لقد تعقّل، وفكّر، وقدّر ... ولله درّه كيف قَدّر .... !

حتى يطوف رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى تكتحل عين رسول الله صلى الله عليه وسلم بالكعبة، وتقَرّ بالطواف...

وليس هذا فحسب، بل إن عثمان لَيَرى بعين عقله، ما لا تُريه إياه عاطفته المتلهّفة للكعبة وللطواف...
إنه يرى طواف رسول الله صلى الله عليه وسلم بها "فتحا"...!!

أجل كان يراه الفتح... وذلك هو الطواف الذي يريد، طواف الفتح ....

لا بأس بالصبر ... لا بأس بالتريّث... لا بأس بانتظار الوقت المناسب لفعل ما يحبّ...
إنه الوقت الذي يُعَزّ فيه الإسلام، ولا يُعَزّ فيه عثمان وحده ...!

هذا ما أراد عثمان .... أراد العزّة للإسلام والمسلمين قبل أن يريدها لنفسه ...

أراد مظهر القوة والقيادة والنصر والفتح ورسول الله صلى الله عليه وسلم يطوف بألف وأربعمائة من أصحابه جاؤوا الحديبية ....!

رأى أن الحكمة كل الحكمة في مظهر الفتح والقوة وإن تأخّر... وإن كان على حساب حبّ وشوق وتَوق، وحنين، لا يُؤثم إن هو أشبعه بطوافه ... وإن لم يكن ضامنا بعدُ أنهم داخلون البيت ومطوّفون به عامهم هذا ... لا بأس أن يتأخر وإنْ بعد عامهم هذا ...

رأى أن الحكمة في إنفاذ مُراد رسول الله صلى الله عليه وسلم من فتح مكة مهبط الوحي، ومن إعزازها بالإسلام، ومن تطهير بيت الله الحرام من الأوثان والأصنام المحيطة به، والأنصاب المنصوبة لها ... في دخول مكة جماعة عظيمة عزيزة تُظهر القوة، وتُحقق القوة ...

يُريد مظهر العزّ وجوهر العزّ في آن .... !  emo (13):

إن عثمان اليوم وهو السفير، وهو الرسول، وهو حمامة السلام الطوّافة .... لا يذهب عن خَلَدِه أنه ما جاء إلا تمهيدا لفتح عظيم ... فتح لن يخفى عليه وهُو وأصحابه يرنون إليه خلف قائدهم ... وإن لم يَبُح به القائد بَوْحا، فإن ملامحه لَتَرتسم لعقل عثمان ... فلا يغادرها، ولا يخرج عن خطها، ولا يبتعد عن الهدف الذي يفهم أنه لأجله قد بُعِث .... وأنهم لأجله يسعون، وأنهم لأجله يمهّدون ...

نعم إنهم جاؤوا زُوّارا ... جاؤوا معتمرين، جاؤوا ليطوفوا، ثم يعودوا، ولكنّ عثمان يفهم أنه الفتح قبل الفتح ... وكيف لا يكون فتحا ...وهم قد خرجوا مستضعفين مطرّدين، ويعودون أضعافا معزّزة قوية، ذات شأن وبال وحال ....

وهكذا يؤجِّل عثمان فرحته، ليقيسها بميزان الجماعة، بميزان الفتح، بميزان العزّة للإسلام ...
بميزان الاتباع للقائد الذي يدينون له بإخراجهم من الظلمات إلى النور ...

 emo (13): فلا يسارع ملبّيا نداء عاطفته الجيّاشة ...

بل يأوي إلى ركن شديد، هو رُكن عقله الممحّص، المفكّر، المُقدّر أحسن التقدير، فيؤخّرتحقيق أمنيته وحاجته الفردية ويؤثر على نفسه وبه الخصاصة ليتحقق العزّ للإسلام بالجماعة تغشى مكة بفتح يُبهِت العدوّ ويُبهِره، ويُحيله هو الآخر إلى عقله ليفكّر بميزان هذه الجماعة وبميزان الفتح .....!

 emo (13): يُعرِض عن الفرصة الثمينة رُنُوّا للفرصة الأثمن ...
يفكر بمظهر الفتح وأثره على نفوس الناس أكثر مما يفكر بقضاء حاجة في نفسه التوّاقة المشتاقة...

فلنتعلّم ....  emo (30):

العنوان: رد: نشدان الحكمة
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2018-01-17, 11:00:45
(http://www.ayamnal7lwa.net/forum/index.php?action=dlattach;topic=6813.0;attach=12485;image)
2017/02/18

عرفنا حتى الآن ثلاثة مواقف نشدنا منها الحكمة والتعقل...

واليوم سنعرض لموقف من مواقف رسول الله صلى الله عليه وسلم، رأس الحكمة ومعلّمها...

مشكلتنا يا إخوتي أننا لا نحاول التدبر العميق، والعيش مع كلمات النبوة في حديثه صلى الله عليه وسلم، نعم قد نقع على المعنى العام الذي يريد، وقد نفهم ما أراد من رسالة وتوجيه، ولكن الغفلة عن تفاصيل صغيرة تنطوي عليها توجيهاته، وتربيته، عن كلمات نحلّلها ونحلّل أبعادها العميقة هو ما يجعلنا نتعلم شيئا ونفوّت أشياء ...

الحديث الواحد ينطوي على تربيات لا على تربية واحدة، ينطوي على معان لا على معنى، بعض الكلمات فيه قد تأخذنا لعمق جديد بعيد ...
اليوم مع موقف من مواقفه نِشداناً منا للحكمة ... نشدانا منا لتحكيم العقل قبل سَوْرة العاطفة، حتى لا تكون الحَكَم على تصرفاتنا فنخسر حتى ربما دون أن نشعر بالخسارة ... حتى ربما ونحن نحسب أننا نحسن صنعا ...

التعقل في السيرة النبوية، التعقل عند الصحابة...
التعقل هو ما لم يصِلنا بالشكل الكافي ونحن نأخذ الدين عن كثيرين (دون تعميم) كان تركيزهم على استمطار العاطفة الدينية أكثر من بيان مواقف التعقّل وعدم التسرع في الرسول صلى الله عليه وسلم وفي صحابته، وعدم تحكيم العواطف الجيّاشة ...

ربما عرَّفْنا أو عرّفوا لنا الكثير من مواقفه صلى الله عليه وسلم ب "اللّين" ولا غُبار على هذه الصفة في كثير جدا من تصرفاته، ولكن غاب عنا أنْ نصفها أيضا ب "التعقّل" وهي في حقيقتها إحالة على العقل نظرا وتدقيقا، وتحليلا وتفكيرا في البعيد لا في القريب، وقراءة في الواقع مع العواقب وفي الغاية المُرادة ...

اليوم أضع بين أيديكم ما ورد في الصحيح من مجيئ شاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم يسأله الإذن له بالزنا...!
لنتأمل ... ماذا يسأله ؟ يسأله الإذن ... فيمَ ؟ .... في الزنا ... !!
وإنه ما سأله ذلك إلا وهو يعلم حُرمة الأمر، بل وأنه من الكبائر، ولكنه جاءه بكل قوة، مُظهرا، مُجهرا بما يريد، لا يخفي: " يا رسولَ اللهِ ائذنْ لي بالزِّنا"...انظروا وهو يصفه ب: "يا رسول الله"، فهو من المسلمين لا من غيرهم، من المؤمنين لا من غيرهم ...

ماذا كان ردّ فعل الرجال وهم يسمعونه ؟!

هلعوا، فزعوا... "زجروه" ... وأرادوا إسكاته بقولهم : "مَهْ مَهْ" وهي عبارة تقال لمن يراد إسكاته ...
فهل تركهم رسول الله صلى الله عليه وسلم لما يفعلون به؟؟ هل أقرّ إسكاتهم إياه ؟ وربما لو تركهم لتطوّر الأمر إلى من يضربه أو يعنّفه، لا يُستبعد ذلك...
بل إنه سيعلمهم ...

 emo (13): لننظر.... إنه يطلب أن يدنو منه ... قرّبه منه ...
لنتابع ... لنتابع وكأنّنا لا نعرف ما سيفعل ... أو ونحن نتوقع تصرفا آخر...

فهل ناداه ليعنّفه شخصيا، وهو يعرف طريقة التعنيف اللازمة ؟ هل ناداه ليضربه ضربة يفيق بها من تجرئه على مقام النبوة وهو يسأل الإذن بما يعلم حُرمتَه ؟
ها هنا مكمن التعقّل ... لقد أدناه منه ....

لقد زوى ذلك الانفعال العاطفي الذي اسمُه "الغضب"... وزوى ذلك الانفعال العاطفي الذي اسمه "الجزع "
كما زوى كل انفعال عاطفيّ ينطوي على الاندهاش والتحيّر والتذمّر ...
وأحال تصرفه إلى العقل .... فتعقّل ...
أدناه منه ... والكل يراقب تصرّفه معه ... وشرع في مخاطبته ...

ولم تكن كلماته تقريعا، ولا تأنيبا، ولا وعظا، ولا تذكيرا بالآخرة، ولا تخويفا من غضب الله، ولا ترهيبا من النار.... لا بل ولا تذكيرا حتى بالآيات التي تحرّم الزنا، والتي تذكر أنه كبيرة من الكبائر، لا بل ولا تذكيرا بأنّك تخاطب النبي الذي جاء بتحريم هذه الفاحشة...

 emo (13): بل تأملوا  emo (30): تأملوا ..... ونحن أول ما نبدأ نبدأ بالوعظ والترهيب ...  emo (30): تأملوا ونحن نحسبها الطريق الوحيدة الموصِلة ... ونحن لا نراعي حالة من نخاطب، ولا حتى مستوى فهمه ...

 emo (13): لقد شرع في مخاطبته العقل للعقل ... وبما هو أقرب لفهمه ...

"قال : أَتُحبُّه لِأُمِّكَ ؟ قال : لا واللهِ جعلني اللهُ فداءَك قال : ولا الناسُ يُحبونَه لأُمهاتِهم "
وسأله السؤال نفسه، عن ابنته، ثم عن أخته، ثم عن عمته، ثم عن خالته ... ولم يكتفِ مثلا بأمه وابنته، أو بأمه وابنته وأخته، بل خرج حتى إلى الأبعد من القرابة المقرّبة ...

وفي كل مرة كان يجيبه السائل بتلك الطريقة ... "لا والله جعلني الله فداءك"
وفي كل مرة رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يُسقط من جوابه على الناس فيقول له : "ولا الناس يحبونه لبناتهم.... لأخواتهم... لعماتهم .... وهكذا ....
أترون؟؟! كيف جعله يستشنع ما قد طلب ؟ أترون كيف أقنع عقله ؟ إنه لم يسفِّه عقله، بل لقد خاطبه... نعم خاطبه باللّين ... ولا عقل مع العنف ... لا عقل مع الغضب ... لا عقل مع الضرب والتجريح الشخصي ...
كلّ من سارع لهذا ابتعد عن التعقّل، وابتعد عن الحكمة ....

لا يلتقي عمل للعقل مع عنف ...

 emo (13): لقد سمع منه، لقد وعى، لقد اقتنع، لقد استشنع لنفسه ما قد طلب الإذن به ليفعله مع غيره ...
لقدر عرف أن للناس حقا كما أنّ لنفسه حقا ... لقد جعله يضع نفسه بموضع الناس أولا ليفهم مشاعر الناس من حوله وهُم يُفعل بهم ذلك ... ففهم فظاعة الأمر أكثر... فاستشنعه ...

 emo (13):تأملوا.... هل كفّره ... ؟! إنه لم يعنّفه ولم يقرّعه بَلَهْ أن يكفره ! ولكن هذا حالنا نحن والخطأ الصغير تقوم عليه الدنيا تقريعا ووعظا، ويصل الأمر بالكثيرين إلى المسارعة للتكفير على ذنوب..
هل ترك المجال للصحابة أن يفعلوا ؟! ولو أنه ترك لهم المجال لنمتْ أجيال تضرب وتعنّف وتزوي العقل وتعمل باليد واللسان سلاحا للتحقير والانتقاص والإذلال ....!

بعيدٌ هو ديننا عن هذا الذي نراه من حولنا .... بعيد هو فهمه الصحيح عن هذا الذي نراه من حولنا، في البيوت، في الأسر، من الآباء، من الأمهات الذين يسارعون أول ما يسارعون للتقريع والتعنيف والضرب...

نعود، والعود أحمد فالشاب قد تبدّل من كلمات  emo (30):
كيف أصبح حاله ؟؟ لقد خرج وهو غير الفتى الذي دخل ... من كلمات ... من خطاب العقل للعقل ... ليس من ضرب اليد، ولا من إذاء اللسان ...

اليوم تحديدا، هذا الصباح، كنت في حوار مع طفل من أقاربنا ... رأيتُه يُكثر على شقيقه الأصغر سنا بالضرب في النازلة وفي غير النازلة، حتى تعوّد معه تلك الطريقة، فأصبح يخوّفه، وأصبح الآخر يخافه ... ولقد عُنّف على هذا، وزُجر، وضُرب وووو... ولكنه لم يَرْعوِ، بل بقي على حاله ...

فأدنيتُه مني، وقلت له : إنك وأنت تستخدم يدك تضرّ بعقلك ... والقوة ليست قوة الضرب، بل قوة العقل ... حاول أن تغير أسلوبك معه ليس رفقا به أولا، بل رفقا بنفسك، وحرصا على عقلك من الضمور، كلما رأيت يدك تسارع لضربه، ارفق بنفسك أنت... وتذكر ما ينفعك قبل ما ينفعه، عقلك حينها سيتعوّد الركود... وستتعود أن الآلة الأولى التي عليك استخدامها هي يدك لا عقلك ... وكيف لعقل يضمر بهذه الطريقة أن يحصّل علما كما يجب، أو يحصّل فهما كما يجب، أو أن يعرف لنمو الذكاء سبيلا ... ؟ وضربت له مثالا طريقة رسول الله صلى الله عليه وسلم في المحاورة، وأنه لم يجئ ليضرب ويعنّف، وأنه أصلح الأرض وجاء لها دواء باستخدام عقله وبالحكمة لا بالضرب والتعنيف ...

وأنا أعرف في هذا الطفل ذكاء، وسرعة بديهة وفهم، وهو يحب هذا في نفسه ... فخاطبته من منطلق ما يحب، وما يحرص على أن يبقى فيه ...
ولقد رأيته يُصغي، ويستسيغ، ويفهم، بل ويعدني أن يغيّر أسلوبه ....
مازلت سأرقب التطبيق منه لأعرف مدى ما وعى   emo (30):
جاءني قبل قليل، وأخبرني أنه عندما رأى نفسه مُقدِما على ضربه، تريّث، وتذكر كلامي فأحجم  emo (30):

فلماذا نضيّع على أولادنا فرص الفهم، والاقتناع، وتبادل التفكير ونحن نسارع للتعنيف، والضرب والتقريع ...

ولماذا نرى أن الوعظ والترهيب والتخويف هي السبيل الوحيدة، وهي الوصفة التي لا حياد عنها ... لماذا لا نفكّر فيما يكون أجدى وأقرب ... لماذا لا نستلهم التعقّل من مواقف رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟

نعود لذلك الشاب السائل .... أخيرا دعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم، بعد أن أخذ بأسباب المخاطبة والحوار والإقناع العقلي ... بعد أن عرف في الرجل اقتناعا وتحصيلا لما لن يكون مكثه في نفسه ساعة ثم يتلاشى، بل لما سيكون مُكثه في نفسه مكث القناعة في القرار المكين ...

فلنتعلم ... ولنتعلّم ....  emo (30):

العنوان: رد: نشدان الحكمة
أرسل بواسطة: ماما هادية في 2018-01-18, 07:36:57
قرأت الأخيرة عن التعقل وعن تطبيقك مع ذلك الصبي
بارك الله بك ونفع بك وأجرى الخير على يديك
العنوان: رد: نشدان الحكمة
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2018-01-18, 09:44:35
قرأت الأخيرة عن التعقل وعن تطبيقك مع ذلك الصبي
بارك الله بك ونفع بك وأجرى الخير على يديك

أهلا بك يا هادية  emo (30):  سعيدة بقراءتك لها، وأتمنى أن تقرئي ما قبلها أيضا  ...
وبك بارك الله  emo (30):
العنوان: رد: نشدان الحكمة
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2018-02-01, 09:37:21
(http://www.ayamnal7lwa.net/forum/index.php?action=dlattach;topic=6813.0;attach=12313;image)
207/02/22

صلح الحديبية ...


هو واحد من أهم أحداث السيرة النبوية، تفاصيله ومُجرياته منهل من مناهل الحكمة والتعقّل التي لا تنضب والتي يُذهلك تصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها، ويجعلك تتأمل نظره البعيد الثاقب، ليس تأمّل من يسارع لقولة : "إنه النبي وأين نحن منه ؟" ... فتلك المقولة التي يفرّ بها من يفرّ، ويهرب بها من يهرب عن منبع الحكمة يجعل دروسها إعجازا من الإعجاز الذي لا يجوز للبشر أن يقربوه...!!

وإنما نريد تأملها على سبيل التعلم والتأسّي من أسوتنا صلى الله عليه وسلم ...
لن أركز على الحنكة السياسية لرسول الله صلى الله عليه وسلم، بقدر ما سأحاول تأمّل مدى استيعابه لمَن حوله من أصحابه الذين لم يستسيغوا التنازلات التي أبداها بإزاء إملاءات المشركين...

سهيل بن عمرو كان مبعوث قريش إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لعقد الصلح، وقد أُودِعَ في خلَدِه وهم يبعثونه أن يبلّغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أول ما يبلّغه أنّ قريشا لن تسمح له بدخول مكة عامه هذا...

هذا سهيل بن عمرو مقبل، وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لأصحابه : "قد سهل لكم أمركم‏ أراد القوم الصلح حين بعثوا هذا الرجل"...
يبدأ الأمر بالاستبشار، بالتفاؤل، يفهم أن قريشا كانت قادرة على بعث أبي سفيان ولم تفعل، وعلى بعث صفوان بن أمية، ولم تفعل... "سهيل" ربما هو اسم لم يدرج كثيرا في أحداث السيرة السابقة، ولكن اليوم جاء دوره...

رسول الله صلى الله عليه وسلم كما كان بَعثُه لعثمان بن عفان عن احتكام للعقل، وأخذ بمشورة عمر بن الخطاب رضي الله عنه من أجل تحقيق هدف المسالمة والمصالحة، رأى أنّ قريشا لم تَعدَم حيلة وفِكرا إذ بعثت بسهيل، يسهل الأمر معه، هو الأصلح لهذه المهمة...

 emo (13):تأملوا... لقد قدّر حكمة عدوّه ...  emo (30):

لقد عرف في اختيارهم لسهيل حِكمة، وليس تقدير رسول الله صلى الله عليه وسلم للحكمة في العدو بغريب عنه، وقد عرفناه يقول عن عتبة بن ربيعة حينما حاول ردّ القوم يوم بدر وقد نجت عيرُ أبي سفيان، أنه أرشدهم، وإن يطيعوه يرشدوا ...
يعرف كيف يُنصف حتى في قلب الغثاء واختلاطه وتراكمه، يُنصف ويَميز بين حق وباطل حتى مع عدوّه... وحتى وهو في حرب معهم ...! فلنتعلم كيف نقرّ بالحق حتى لأعدى أعدائنا...

يُقبل سهيل، ويبدأ علي بن أبي طالب بكتابة العهد، فيبدأ ب "بسم الله الرحمن الرحيم"، فيعترض سُهيل، مستنكرا "الرحمن"، وأنه لا يعرف إلا "باسمك اللهم" ...

وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو اليوم في مَنعة، وفي قوة لا في استضعاف مع أصحابه كما كان من قبل، اليوم هو في ألف وأربعمائة منهم، اليوم هو صاحب النصر المظفر في الغزوة تلو الغزوة تلو الغزوة، حتى اهتزت أركان قريش أخيرا في "الأحزاب" وقد جمعت كل جموعها وعادت تجرّ أذيال الخيبة والخسران، واهتزت أركان اليهود وقد أُجلي منهم من أُجلي، وقُتل منهم من قُتل ...

اليوم وهو تأتيه قريش صاغرة، تعترف بقوته، تعترف بنِدِّيّته وأنهم القوة التي أضحتْ تُعاهَد، ويُعقَد معها الصلح اعترافا لا مَحيد عنه ولا مَحيص ...
يقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم ... يقبل أن تُكتب "بسمك اللهم" ولا تكتب "بسم الله الرحمن الرحيم"
يتنازل لسهيل ويحقق له مطلبه، نعم فلن يفرق أن تُكتب هذه بدل تلك..

 emo (13): إنه صلى الله عليه وسلم :

 emo (16): لن يركّز على الشكل ليضيّع به الجوهر...
 emo (16): لن يركّز على الوسيلة ليضيّع بها الغاية...
 emo (16): لن يخلط فيجعل الوسيلة غايته ..

إنه صلى الله عليه وسلم قد رسم هدفا، إنه يريد صلحا، يريد إمدادا لعشر سنوات من السلام تأمن فيها الدعوة لتنتشر، تأمن فيها لتعمّ الربوع، تأمن فيها ليدخل في الإسلام من كان يهاب الحرب، وغائلة قريش فيُعرض ...
وإنه لن يبيع هذه "الغاية" بالإصرار على "شكل الوسيلة" ...

فليهنَأ سهيل بما يطلب، بما يحسبه مُعجِزا، بما يحسبه علوّا وإملاء ...لن يضير... ففي سبيل الغاية لك هذا "الشكل" يا طالب الشكل، يا ناشِد الشكل ...  emo (30):

 emo (13): تأملوا إخوتي .... تأمولوا ونحن نصرّ على الشكليات حتى نضيّع بها الحياة ...
تصرّ على أن يأتيها العريس هي الأخرى بما أُتِيت به صديقتها من حُليّ وأشياء و"شْوَيّات" حتى تصل في أحيان كثيرة إلى إفساد العلاقة، وإلغاء الزيجة برمّتها من أجل أنها لم تُؤتَ بما أتِيت به فلانة وعلانة !!! فهي التي لا يليق أن تُعامَل هذه المعاملة الدنيّة ...!!

وقد يصرّ الآخر على شكل يراه للتربية وكأنه الوحي المنزّل، فيضرب ابنَه، وينعم بعدها بصمْته وذلّه بين يديه، ويرى نفسه القاهر فوقه الذي لا يُغلَب، ولا يتجرأ عليه ابنُه، وينسى أنه يضحّي بشخصيته في قابل الأيام... أنه يجعل منه مسخا بلا شخصية ...!

فلا يفكر بالغاية البعيدة، لا يفكر بمصلحة ابنه على المدى البعيد، فيُؤثر عندها أن يتعب هو ويبحث عن طرق التربية، ويغير من أساليبه المتحجرة لغاية كسْب ابنه، وليُشيع السلام في نفسيته، فتنمو شخصيته كما يجب دون عوائق وعقبات ...بل يصرّ على "الوسيلة"، فتصبح هي "الغاية"... بل يغفل أنّ الغاية أسمى من أن تكون : "عزّة بعصاه تُحقق قهره فوق أولاده"...!!

 emo (13): تأملوا ... إن سهيل لا يكتفي بهذا، بل يزيد، ويرفض أن يكتب : "محمد رسول الله" قائلا: "لو صدقنا أنك رسول الله لما صددناك عن البيت ولا قاتلناك"
يصرّ أن يُكتب : "محمد بن عبد الله" ... ويبلغ عند علي بن أبي طالب السيل الزُّبى، ويفيض عنده الكيل، فيأبى أن يمحوها، فيسأله رسول الله أن يُريَه مكانها، فيمحوها بنفسه .. ولكنه هذه المرة يعقّب قائلا: "ولكني رسول الله حقا وإن كذبتموني" ...ثم يمحوها :)

لا يفوّت أن يصدع بهذا الحق الذي هو حقّ وإن أبوا، وإن تنازل ومحاها من الورقة، فإنها في واقع الحياة لن تُمحى ...

إنه صلى الله عليه وسلم يصرّ على "الغاية" ... يصرّ عليها وإن غلت أنفس الصحابة كغلي المِرجَل، وإن فاضت كؤوس صبرهم ... وإن هزّتهم الغيرة على نبيهم وعلى دينهم وعلى عزّته أعنف هزّ...
رسول الله صلى الله عليه وسلم يصرّ على تحكيم عقله .... يصرّ على التنازل عن "شكليات" يعلم أنها هنا لن تؤخر ولن تقدم، وأنّ الجوهر الذي يريد يستحق هذه التضحيات ...

 emo (13): فلنتأمل... ولنتعلم ....  emo (30):

وحتى لا أطيل بإذن الله موعدي معكم المرة القادمة لنواصل تأملاتنا مع حال الصحابة مِن حول رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكيف يتصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم وسُهيل يُملي شروطه من جهة، والصحابة يكادون يَهلكون من الغيظ من جهة أخرى ...
كيف سيفعل ؟؟؟

كيف نفعل نحن بإزاء ما يُملى علينا من تنازلات عن "شكليات" لأجل تحقيق "الغاية" السامية..؟؟

كيف نتعلم ألا نخلط بين الوسيلة والغاية فنُصيّر الوسيلة غاية ...

قريبا بإذن الله ملتقانا نِشْدانا للحكمة  emo (30):
العنوان: رد: نشدان الحكمة
أرسل بواسطة: ماما هادية في 2018-02-04, 11:21:23
وقرأت الأخيرة أيضا  ::)smile:
بارك الله بقلمك يا أسماء وزادك فهما وعلما
العنوان: رد: نشدان الحكمة
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2018-02-04, 20:01:59
وقرأت الأخيرة أيضا  ::)smile:
بارك الله بقلمك يا أسماء وزادك فهما وعلما

اللهم آمين يا رب. وزادك تألقا ونفع بك دوما يا هادية  ::)smile:

أسعد دائما بقراءتك لهذه السلسلة خاصة، يهمني رأيكم بها ..
مازال منها عدد بإذن الله .. فأتمنى أن تقرئيها كلها   emo (30):
العنوان: رد: نشدان الحكمة
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2018-02-13, 10:00:52
(http://www.ayamnal7lwa.net/forum/index.php?action=dlattach;topic=6813.0;attach=12487;image)
2017/02/26


ما يزال منهل الحديبية يَفيض علينا بزُلاله، ما تزال سياسته فيه صلى الله عليه وسلم تربينا لا تربية السياسة للسياسة فحسب، بل تربية السياسة للحياة، وما السياسة إلا أن تسوس، وما أن تسوس إلا أن توجّه وترشّد وتربّي وتقود...

عرفنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بين جبهَتَين، كلتاهما شاقّة، وعرةالمسلك، صعبة، وإن كانت جبهة بإيمان واتباع وجبهة بكفر وكِبر ...!

هو ذا صلى الله عليه وسلم ما يزال مع سهيل بن عمرو، يتفاوضان، وسهيل مبعوث قريش المقرّة بقوة لم تعد تُنكر أنها التي أصبحت تُفاوَض، وأصبحت تُهادَن، وأصبحت تُسالَم... !

سهيل وهو ممثل المفاوضات، عرفناه يصرّ على الشكليات يحفظ بإصراره عليها شيئا من ماء وجه قريش، يظنّ أنه بإملاءاته يُبقي على شيء من هيبتها، وقد قصر نظره عن بعيدٍ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرنو إليه، بعيد بلغه نظره الثاقب، وبلغته حكمته السامقة ...

فأعطاه مما أحب أن يجني في توّه، ليأخذ هو مما أحبّ أن يجني لعمر الدعوة كله ...
تسرُّعُ المندفع بعاطفة، الذي يحكمه "الكِبر"، وتروّي المُعمِل لعقله الذي تحكمه "الحكمة"...

ولقد انتهى الأمر بين الطرفَين وانتهى إلى ألا يدخل المسلمون مكة من عامهم هذا، وأن تُعقد الهدنة لعشر سنوات بين المسلمين وبين قريش، وأنّ من دخل في حلف قريش آمن لا يحاربه المسلمون، ومن دخل في حلف محمد صلى الله عليه وسلم آمن لا تحاربه قريش ...وأن من جاء محمدا من المشركين من غير إذن وليّه ردّه المسلمون إلى قريش، ومن جاء قريش ممن مع محمد لم تردّه إليه قريش ...

أما سهيل فيعود أدراجه مزهوّا بإملاءات انصاع لها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأما الصحابة فيكاد الغيظ يفتّت أكبادهم... يكادون يَهلكون ... يغلون كغَلي المِرجل...

لم يبلغ بهم الغيظ والأسى ما بلغه بهم يومها ...
ورسول الله صلى الله عليه وسلم كان المجيب، وكان المفاوِض، وكان المتنازل لسهيل، وكان الذي رضي أن تُكتب : "بسمك اللهم" لا "بسم الله الرحمن الرحيم"، ورضي أن تُمحى "رسول الله"، وتُكتب "محمد بن عبد الله"...
ورضي أن يعود المسلمون المُحْرِمون من عامهم هذا، ويُصدّون عن البيت، ورضي أن يردّ على قريش من جاءه منها مسلما من غير إذن أهله، ورضي ألا تردّ قريش عليه من جاءها ممن معه ...

بكل هذا قد رضي ....  emo (30):

والصحابة تتفتّت أكبادهم، ويعقد ألسنَتَهم أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي آمنوا به، وصدقوه واتبعوه ... ويردعهم عن الصدع برفضهم أنه قائدهم ونبيّهم ...

ما كل هذا التسهال، وكل هذا التنازل الظاهر ؟ وهم قد بايعوه هناك، تحت الشجر ة على الموت، على أن يدخلوا مكة بسلاح المسافر لا يهابون الموت، يحاربون قريشا... مبايعة الصادقين المقبلين...
ما بالُهُ صلى الله عليه وسلم وقد توفّرت بين يديه تضحياتهم، وإقبالهم، وفرحهم بالموت في سبيل الله وألا يعودوا عما أرادوا من دخول البيت والطواف به عُمّارا أقوياء... وهو لا يأبه لكل ذلك، ويصرّ على التنازل، وعلى الصلح ؟!

كلّ هذا كان يقتلهم بدل المرة مرات .... !! ولكنّ عمر نطق ...  emo (30): وإننا لا نستبعد أن ينطق عمر  emo (30):

 emo (13): تأملوا محاججته لرسول الله صلى الله عليه وسلم ...
 emo (16): "ألستَ نبي الله حقا ؟"... يردّ عليه صلى الله عليه وسلم : "بلى"
 emo (16):"ألسنا على الحق، وهم على الباطل؟" يرد عليه : "بلى"

 emo (13):فلنتأمّل ردّ فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم على من نطق من مئات الصامتين، على عمر الذي لا يُحسن أن يُبقي بنفسه شيئا وهو الشديد في الحق، القوي فيه...
هل كان جوابه رادعا ؟ هل كان شديدا، هل كان فيه إفاقة لعمر لينتبه أنه يُحاجج النبي المُحدّث من ربه، وأنه يسأل أسئلة أضحت الأجوبة عليها عقيدة لا انحلال لها في قلوبهم ...؟!!

هل قال له : يا عمر أفِق من سَوْرتك ! انتبه من تُحدّث ! كُفّ عن غضبك ! أوَ تشكّ فيما عنه تسأل؟
بل لقد أجابه على قدر السؤال وكأنه يجيب من لا يعرف عنه إجابة : "بلى"...

 emo (13): لقد أعمل عقله صلى الله عليه وسلم ليستوعب ثورة عمر ... ولقد استوعبها...

لم يثُر عليه لثورته، لم يؤنّبه، لم يعنّفه ... بل لقد قبله، لقد قرأ فيما قرأ دوافع نفسه المُهتاجة لدَنيّة ظهرت لعينه، ولنظر منه قصُر عن رؤية أبعد كانت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ..

 emo (13): تأملوا، هل نبّهه لقصر نظر حالت ثورته دون أن يبعد ؟ هل سفّهَ حالته وثورته، ورأيه الذي رأى؟
تأملوا إنه لم يزد على أن أجابه : "بلى" ... !
ولكنه لم يُرد للّبس أن يبقى في نفسه ساعة سأله : أَولَيس كنتَ تُحَدِّثُنا أَنّا سنأتي البيتَ فنَطُوفُ به ؟ قال : بلى، فأَخْبَرْتُك أَنَّا نَأْتِيه العامَ ؟ قال : لا. قال: فإنك آتيه ومُطَوِّفٌ به .
وليس فوق هذا التوضيح من شيء من تقريع أو تأنيب أو تسفيه ...

 emo (13): لنتأمل ... كم من حالة غضب تعتري مَن حولنا لا نعرف سبيلا لتفهّمها ؟!

لا نُحسن قراءة الدوافع، ولا الحالة التي عليها الغاضب، ولا محاولة امتصاصها بهدوء وروية وتعقّل ... فإذا الغضب يقابله الغضب، وإذا الثورة تقابلها الثورة... وإذا العناد يقابله العناد ... والعقل...أين العقل في كل هذا ؟! إنه المُزوَى المهجور ... إنه الذي تطغى عليه الانفعالات العاطفية فلا تُبقي له من أثر ...!

كم من زوج لا يُحسن قراءة عذر بين الأعذار لزوجته الغاضبة مرة ... الشاكرة مرات، الحزينة مرة والمبتسمة مرات ... فيُنسى كل ماضٍ لها جميل من غضبة ...!

كم من زوجة لا تُحسن تفهّم حال زوجها الغاضب وهو العائد منهكا، متعبا، من لأواء العمل، ومُعترك الحياة ...فتجدها المتذمّرة المتأفّفة التي لا تريد غير الابتسامة المرسومة ...

كم من أب لا يُحسن غير التنبيه على أنّ مقام "الأبوة" لا تجوز معه المُحاججة، ولا السؤال، ولا المعارضة ولا الرأي الآخر المخالِف لرأيه ؟!

 emo (13): فلنتأمل .... أفَمَقام "الأبوة" أو "الأمومة" أجلّ أم مقام "النبوة" ؟! وهو المُحدَّث من السماء ... الموحَى إليه من رب العزة ...!

كم من أب، وكم من أمّ يضجرون من سؤال أبنائهم، ومن تساؤلاتهم، بل من أسئلتهم البسيطة، الساذجة ربما بالنسبة إليهم ... يضجرون من أسئلة غاضبة لهم، يريدون منهم جمادا بلا حِراك..

بل كم ممّن يُحاور ويناقش قد يستهزئ بفهم من يحاوره، ويسفّه عقله ... بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقرّع عمر أنه لم يبلغ فهم الغاية التي لأجلها كانت كل تلك التنازلات ...وعمر مَن هو حكمةً وعقلا وذكاء ...

نعم رَفَعَ اللُّبس عن فهمه حتى لا يبقى، ولكنه أجاب على أسئلته البديهية بالإجابات البديهية ولم يستنكر سؤاله إياها ... ولم يشكّك بإيمانه ... ولم يسفّه تفكيره بتلك الطريقة ...

وعمر هو الناطق بين المئات، ولكنّ المئات أيضا مغتاظون، لم يعودوا يملكون زِمام أنفسهم وإن خيّم الصمت عليهم ...!

والرسول صلى الله عليه وسلم يستوعب، ويمتصّ، ويجيب، وهو الذي أقرّ أمره، ونفذه...ومعالم القوة كل القوة في تصرفاته ... ولكنّ نفسه "البشرية" تحمل وتحمل، وتجتاز مرحلة صعبة، صعبة … !!

فأولاء هم الصحابة كلهم من حوله يُبينون عن حالة من شاكلة حالة عمر ...ذلك أنه حينما أمرهم الرسول صلى الله عليه وسلم أن يتحللوا من إحرامهم بذبح الهَدْي والحلق لم يستجب منهم أحد ...

هو النبي، هو القائد، هو الآمر فيهم ... لم يأمرهم مرة واحدة أن ينحروا ويحلقوا، بل أمرهم الثانية... بل أمرهم الثالثة ....! ولا حياة لمن تنادي ...
الصحابة يعصون أمر رسولهم صلى الله عليه وسلم ... !!

الصحابة يسمعون أمره، ثم يسمعونه الثانية، ثم الثالثة ولا يأتمرون، ولا ينفذون، ولا يفعلون ما أمرهم ....!!

أيّ جبهة عصيّة هي هذه على الرسول صلى الله عليه وسلم أن يواجهها، وهو لتوّه قد انتهى من جبهة "سُهيل" وإن كانت الأولى بكفر كافر، والثانية بإيمان مؤمنين ...

لن أطيل ... سأترك البقية للمرة القادمة بإذن الله تعالى ...لنتأمل ونتعلم كيف يمتصّ غضب مَن حوله ويتفهّم غضبهم ...بل ويقبل محاججتهم ..بينما لا يقبل الأب محاججة من ابنه، ولا تقبل الأم محاججة من ابنها ...  emo (30):
العنوان: رد: نشدان الحكمة
أرسل بواسطة: ماما هادية في 2018-02-21, 06:49:49
التفاتة جميل إلى هذا الدرس البليغ في الحديبية: كيفية امتصاص الغضب واستيعاب حال الغاضب بحكمة
بارك الله بك
ومازالت السيرة النبوية تفيض علينا من معينها الذي لا ينضب
العنوان: رد: نشدان الحكمة
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2018-02-21, 09:28:45
التفاتة جميل إلى هذا الدرس البليغ في الحديبية: كيفية امتصاص الغضب واستيعاب حال الغاضب بحكمة
بارك الله بك
ومازالت السيرة النبوية تفيض علينا من معينها الذي لا ينضب

وبك بارك الله . نعم تحتاج منا تأملات وتعمقات. نسأل الله تعالى أن يبصّرنا بكنوزها .
ومازلت أضع المزيد بإذن الله تتمّة  emo (30):
العنوان: رد: نشدان الحكمة
أرسل بواسطة: جواد في 2018-02-21, 16:47:56
جزاكم الله خيرا أختي أسماء، وقوية للغاية تلك اللفتة الأخيرة عن تعامل المصطفى صلى الله عليه وسلم مع الفاروق رضي الله عنه،

اقتباس
هل قال له : يا عمر أفِق من سَوْرتك ! انتبه من تُحدّث ! كُفّ عن غضبك ! أوَ تشكّ فيما عنه تسأل؟
بل لقد أجابه على قدر السؤال وكأنه يجيب من لا يعرف عنه إجابة : "بلى"...

الرسول صلى الله عليه وسلم لا يتعامل فقط مع غضب عمر رضي الله عنه، إنما يرسي مبدأ أنه ليس لأحد أن يحجر النقاش معه في موضوع لأن المتحدث أقل منزلة أو أقل علما !
هذه كارثة في زماننا هذا، فكل من حصل علما أو خبرة في مجال ما لا يقبل النقاش ممن هم دونه في هذا المجال!
وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يناقش فكرة عمر رضي الله عنه بالمنطق والحقائق، لا يشكك في نواياه ولا يتهمه بتخطي الحدود أو يحمل كلامه على أنه خروج عن الصف مثلا !

وكم تخسر الأمة الكثير من الآراء السديدة بسبب هذه النقطة تحديدا..
العنوان: رد: نشدان الحكمة
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2018-02-21, 21:32:47
جزاكم الله خيرا أختي أسماء، وقوية للغاية تلك اللفتة الأخيرة عن تعامل المصطفى صلى الله عليه وسلم مع الفاروق رضي الله عنه،

اقتباس
هل قال له : يا عمر أفِق من سَوْرتك ! انتبه من تُحدّث ! كُفّ عن غضبك ! أوَ تشكّ فيما عنه تسأل؟
بل لقد أجابه على قدر السؤال وكأنه يجيب من لا يعرف عنه إجابة : "بلى"...

الرسول صلى الله عليه وسلم لا يتعامل فقط مع غضب عمر رضي الله عنه، إنما يرسي مبدأ أنه ليس لأحد أن يحجر النقاش معه في موضوع لأن المتحدث أقل منزلة أو أقل علما !
هذه كارثة في زماننا هذا، فكل من حصل علما أو خبرة في مجال ما لا يقبل النقاش ممن هم دونه في هذا المجال!
وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يناقش فكرة عمر رضي الله عنه بالمنطق والحقائق، لا يشكك في نواياه ولا يتهمه بتخطي الحدود أو يحمل كلامه على أنه خروج عن الصف مثلا !

وكم تخسر الأمة الكثير من الآراء السديدة بسبب هذه النقطة تحديدا..

تمام أخي جواد .. وذاك فنّ الإنصات بتواضع ونحن البشر العاديون لرأي الآخر لعل فيه حكمة تخفى عليّ، بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مدرك تمام الإدراك أنه على حق وعلى حكمة من تصرفه لا يُعرض عن عمر، بل يسمعه ويجيبه إذ يسأل ...
العنوان: رد: نشدان الحكمة
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2018-02-25, 13:01:14
(http://www.ayamnal7lwa.net/forum/index.php?action=dlattach;topic=6813.0;attach=12446;image)
2017/03/02

في نشداننا للحكمة، وللتعقل يحكم تصرفاتنا وحياتنا...
اليوم مع حديث صحيح، لرسول الله صلى الله عليه وسلم...
يأتيه رجل وهو بالمسجد والصحابة حوله، فيَبْتدره قائلا: "يا رسول الله إنّي أصبت حدا فأقمه عليّ" ...

ربما نتوقع أن يسأله رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ماهية الذنب الذي أتاه، وحُقّ له أن يفعل، ليجيبه بما يكون فتوى لمسألته...

وحُقّ له وهو النبي المعلّم الذي يلجأ إليه جميعهم مستفتين، مستفسرين، متعلمين...

وحُقّ له أن يفعل وهو الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يُوحى، وهو المُحدَّث من السماء وهو الذي جاء بالشرع وبالحدود وبالأحكام يبيّنها للناس...

ولكننا نُفاجَأ برسول الله صلى الله عليه وسلم يسكت عن الرجل، فلا يجيبه...!

ثم ها هو الرجل مرة ثانية يعيد عليه ما قال : " يا رسول الله إنّي أصبت حدا فأقمه عليّ "...

وربما نسمع لرسول الله صلى الله عليه وسلم جوابا وهو يرى الرجل يسأل من جديد، ويصرّ على إقامة الحد عليه، مستعدّ لأن يُقام عليه كائنا ما كان...
وهو يطلب أن يُقام عليه، ولو شاء أن يخفيه أخفاه، ولكنه يأتي رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، ولا يبالي بمَن حوله من الرجال وهم يسمعون عنه ما كان بإمكانه إخفاؤه...

لا يبالي بمَن حطّ من شأنه أو بمن رفعه بينهم...
لا يبالي بمَن حدّث عنه الناس بما سمعه مِن فيهِ...
لا يبالي إلا بأن يطهّره الحدّ، تغشاه خشية الله، وخشية غضبه وسخطه ...

نعم...ربما نتوقع أن يجيب رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجل وهو يعرف منه كل هذا، فهو ذاك الجزِع، الوَلِع، الخائف من ربه، الذي يُثقله حِمله... الذي ناء بحمله ويريد أن يتخفّف منه لا يبالي ما يكلّفه التخفّف ...
ولكنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم يسكت عنه للمرة الثانية ...!  emo (30):

لا شكّ أنه صلى الله عليه وسلم ليس بالذي لايقيم وزنا لواحد من المؤمنين، ليس بالذي يسكت عنه غضبا، أو بالذي يسكت عنه تجاهلا، أو بالذي يريد أن يتخلّص منه ... حاشاه صلى الله عليه وسلم...

فلنتأمّل إنه يسكت .... !!   emo (13):

كثيرا ما نؤوّل الصمت تأويلاتٍ ونبني عليها بنايات وهي من محض آرائنا وأوهامنا، وليست من الحقيقة في شيء..
فقد نرى الساكت عنا ضعيفا لا يملك بما يردّ، وقد نراه متجاهلا، أو قد نراه موافقا، أو قد نراه معارضا، بينما صمت الحكيم ينطوي على "حكمة" ... ينطوي على بعد نظر...

فلنتأمل emo (13):

إنه صلى الله عليه وسلم يسكت عنه...
ويحدث أن تُقام الصلاة والرجل يسأل المرة الثانية، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يسكت عنه للمرة الثانية...
ويقوم الناس للصلاة، ورسول الله صلى الله عليه وسلم إمامُهُم، وينصرف المصلون، وينصرف رسول الله...
والرجل ... أين الرجل ؟؟!

لنتأمّل... emo (13):
إنه صلى الله عليه وسلم زيادة على سكوته عنه، لم يطلب منه أن يصلي الجماعة معهم قبل أن يفارِقَه، لم يحضّه على ذلك، لم يطلب منه أن يشهد الصلاة معهم ثم يعود إليه ...

بل قاموا إلى الصلاة، وصلوا، وانصرفوا عنها ...
أمِنَ السهل أن يُترك الرجل، لا يُدرى أيعود أم لا يعود ؟!
أمن السهل أن نتصور أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد قام للصلاة وهو على حاله من الصمت والسكوت عن الرجل...

ألا نتوقع أن يذهب الرجل، ولا يعود ... يذهب وقد باء بسكوت رسول الله عنه، فيحمل مع حمله الثقيل حِملا أثقل ؟! أو ربما ذهب وقد فهم أنّه لا أمل له في حلّ، وأنه قد هلك ...!!

الرجل .... ها هو ذا يلحق برسول الله صلى الله عليه وسلم بعد انفضاض جماعة الصلاة...
لقد عاد ... رغم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لم يواعِده بعد الصلاة ! عاد من نفسه ...
عاد دون أن يحضّه، عاد دون أن يدعوه لحضور صلاة الجماعة، ودون أن يواعده بعدها ؟

لقد عرف فيه الإصرار فلم يحتج إلى أن يأمره بالذهاب إلى الصلاة، ولا حتى لأن يواعده... عرف أن مثله لا ينفك مصرا على التوبة... فكان صمته صلى الله عليه وسلم وهو هذه حاله أبلغ من الكلام...

أين نحن من تقليل كلام مع من نفهم أنه قد "فَهِم"...
أين نحن من التربية بالصمت في حال استدعاء الصمت...حتى لا يستثقل صاحب الحِمل فوق حِملِه...مِنَ التربية بترك المجال للمربَّى أن يفعل مع نفسه بدل أن نفعل له كل شيء... حتى العيش مع نفسه ! ... فلنتعلم  emo (30):

عاد يسأله السؤال ذاته : "يا رسول الله إني أصبت حدا، فأقمه عليّ"...
وهذه المرة ينطق رسول الله صلى الله عليه وسلم... يجيب ...
ولكنه يجيبه سائلا إياه ...  emo (30):

آه ... إنه يسأله الآن إذن ... !
لا بدّ أنه سائله عن ذنبه، ليعرف أحدٌّ حقا هذا الذي أصابه، أم أنّ نفسَه أرته لنفسه حدا من فرط خوفه من غضب الله، لربما كان أقلّ مما حسِب ...

آه ... إنه يسأله ....!
إذن فهو سيستفهم عن ذنبه ليفتيه بما يناسب، بما يكون وِفاقا لما أتى ...
لا ...لا ... لا هذا ولا ذاك .... إنه لا يسأله عن ذنبه البتّة ...!  emo (30):

بل يسأله عن أمر آخر : "أرأيت حين خرجتَ من بيتك، أليس قد توضأت فأحسنت الوضوء ؟" فيجيب الرجل: بلى يا رسول الله...
ثم يسأله الثانية : "ثم شهدت الصلاة معنا ؟" ...قال: نعم يا رسول الله ...
فيرد عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم : "فإن الله قد غفر لك ذنبك "...

انتهى الأمر....!
تكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأوان المناسب، بالطريقة المناسبة...
انتهى الأمر...وأفتى له رسول الله صلى الله عليه وسلم دون أن يعلم ذنبه... دون أن يسأله عنه..!
انتهى الأمر ... !

ولكن حذارِ !!

تأملوا .... تأملوا ...  emo (13):

لا نريد أن نخرج منه بذلك الفهم الذي يطفو على السطح، بالذي سيصدع به الكثيرون...
الصلاة تغفر الذنوب، الجماعة تغفر الذنوب، إسباغ الوضوء يغفر الذنوب ...

لا لا .... ليس هذا هو السليم ... ولو كان الأمر كذلك ... لاستسهل كل مستسهل أن يأتي الذنب، وراءه الذنب وراءه الذنب، وهو يحدّث نفسه أن الصلاة ستغفر له، سيأتي ليقوم، ويركع ويرفع ويسجد، فإذا صلاته قد محتْ كل ما كان منه ....

ما أسهلها من وصفة.... كم هي سحريّة هذه الوصفة ... هكذا هو الإسلام فعلُه فعل السحر في النفوس ... تصلي فيُغفَر لك، تتوضأ فيُغفَر لك ... !! فما أسهل أن يعود للذنب والدواء صلاة هي عنده " حركات"...!!

من أجل ألا يكون هذا الفهم السطحي، تأملنا سؤال الرجل المرة، ثم المرة... ومع سؤاله سكوتُ رسول الله صىل الله عليه وسلم عنه المرة ثم المرة ...
بل وانصرافه مع مَن معه للصلاة، دون أن يحضّه على حضور الجماعة ... دون أن يواعِده ...

وما تأملتُ هذا اعتباطا ... وإنما نظرا في ثنايا الحديث، وسبرا لأغواره، وغوصا في أعماقه
أليس الرجل مصرا على التوبة ؟؟
أليس هو ذاك الذي لا يبالي بحديث الناس فيه بقدر ما يبالي بتطهير نفسه من ذنبه، بقدر خوفه من غضب الله ...؟

أليس هو ذاك الذي جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم وكلّه استعداد لأن يُقام عليه الحد... وإن كان ثمنه نفسه ؟ أليس الذي جاء ليكون طَوع أمر وحكم رسول الله فيه ؟

أليس هو الذي عاد من غير مواعدة ؟؟ أليس الذي كان له ألا يعود... ولكنه عاد ؟
بل أليس هو الذي كان له أن يخفي أمره ولكنه أعلنه، يريد أن يطهّره رسول الله بالحد ؟
ويأتنس بالحد يُقام عليه ليرتاح، ولا يأتنس بتوبة سريّة ...لا يرتاح... لا يأمن.. لا يطمئن أن الله عنه قد رضي ...

كل هذا قد نظر فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم الحكيم، المُعمِل عقله، الناظر به في أمر الرجل... وكان له أن يسأله عن الذنب، ويُفتي له وكفى ...

ولكنه صلى الله عليه وسلم ينظر إلى أبعد من "العقاب" ... إلى أبعد من "الوسيلة" ...إلى غاية أبعد ...
ثم وقد عاد الرجل وقد فهم منه أنه قد صلى معهم، أنه قد وقف بين يدي الله وهو على تلك الحال، وقف يناجي ربه وهو على تلك الحال، وقف وقد سكت عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكنّ باب الله وهو يطرقه بقيامه بين يديه مصليا لا يُغلَق...

يقف في صلاته وقفة التائب، وقفة النادم، وقفة الخائف من غضب ربه، وقفة الذي يريد أن يلقاه طاهرا مُطهَّرا مما أصابه من الدنس... يقف ويزيده حضور لقاء ربه ما يزيد خيرا ونماء في نفسه
عاد الرجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ونفسه الصادقة، المقبلة على الله، التوّاقة لرضاه قد استوفَتْ ما بها من صدق ومن إقبال، ومن توبة ... عاد وإصراره على التوبة في ازدياد ...
فبشّره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الله قد غفر ذنبه ...

هذا هو الذي غفرت له الصلاة ذنبَه... هذا الذي سكت عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم مرة، ثم سكت عنه أخرى... وفي صمته قمة التعقّل، قمّة القراءة لما عليه حال الرجل...

لنتأمل....   emo (13):
إن سكوته صلى الله عليه وسلم حكمة قرأ بها ما قرأ من إصرار الرجل، وإن عدم سؤاله عن ذنبه لحكمة أخرى...

إنه يعلمنا صلى الله عليه وسلم كم أن الإسلام يرحّب بالتائب الصادق، وأن إقبال التائب صادقا أولى من اجترار ماضيه كان ما كان، وإنما العبرة بالتوبة والصدق في التوبة، ليُفتَح لصاحب الذنب باب الدخول في رحمة الله لا أن يُزاد عليه بالتقريع والتهويل والتأنيب والتعنيف فيُنفّر بدل أن يُقرَّب ...لا بل لا يحتاج الأمر حتى أن يُعرف ماضيه ما دام هذا هو حاضره...

لنتأمل... emo (13):
إنه لتعقّل بالغ يرشّد الانفعالات العاطفية من غضب وتحسّر وقلق، ويعترف للمذنب بالبداية الجديدة، ويفتح له أبواب القبول، وإنه لاعتراف بالنقص البشري الذي لا يحلّه الزجر والتعنيف بقدر ما يحلّه مراعاته والاعتراف بوجوده، ومحاولة التجاوز عنه ما كان إلى ذلك من سبيل...

فأنت أيها التائب تستحقّ أن تُعرّف مدى سعة تلك الرِّحاب التي جئت مقبلا عليها... لا تُسأل عن ماضيك، بل يُراد حاضرك... لا تُذلّ بماضيك، لا تُقهَر به ....
وهكذا فلنتأمل حكمة "صمت" الحكيم ... ولنتأمل دور الصمت حينما يكون أبلغ من الكلام ... ولنتعلم فإنّ من سكت ليس بالضرورة ضعيفا، ولا بالضرورة متجاهلا ... بل صمت الحكيم "تعقّل" وإعمال للعقل ...
ولنتأمّل كيف لا يقضي مأربا أن نُذلّ الناس بماضيهم السيئ، بقدر ما يقضي مآرب أن نستغلّ حسن حاضرهم ....

ولنتأمل... emo (13): ولنتعلم ... ثم لنتعلم ...  emo (30):
العنوان: رد: نشدان الحكمة
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2018-03-13, 10:48:30
(http://www.ayamnal7lwa.net/forum/index.php?action=dlattach;topic=6813.0;attach=12489;image)
2017/03/09

مازلنا مع الحُديبية ... وإنني ما اخترتُ المكوث بها بعدُ إلا للاستزادة من دروسها الفيّاضة لا حبا في الإطالة ...  emo (30):

أنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم كتابة ما عاهد عليه قريش ممثّلة في سهيل بن عمرو، وبدأ بتنفيذ أول بند، فأمر أصحابه بالتحلّل من إحرامهم وقد مُنِعوا من دخول مكة ...!
والصحابة يسمعون أمره، ثم يسمعونه الثانية، ثم الثالثة ولا يأتمرون، ولا ينفذون، ولا يفعلون ما أمرهم ....!! لِمَا ما بهم من غيظ وحزن على بنود لم يروا فيها إلا الرضى بالدنيّة في الدين كما أفصح عن ذلك عمر بن الخطاب ...

أيّ جبهة عصيّة هي هذه، على الرسول صلى الله عليه وسلم أن يواجهها وهو لتوّه قد انتهى من جبهة "سُهيل" وإن كانت الأولى بكفر كافر، والثانية بإيمان مؤمنين ...؟!!

لنتأمل ... emo (13):
ربما سيصيح بهم صلى الله عليه وسلم، سيوقظهم من حالتهم التي غشيًتْهم من الرأس إلى أخمص القدم، حتى لم يعودوا يسمعون كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يعودوا يأتمرون بأمره، وهو يعيد أمره فيهم مرة ومرة ومرة ... !

ربما سيستنكر حالهم، ويذكّرهم أنه النبي لا كذب، وأنه الذي أُمِروا أن يطيعوه، وأن طاعته من طاعة الله عز وجل، كما علمهم القرآن...
ربما سيذكّرهم ببضع آيات من آيات كثيرة نزلت تبيّن وجوب طاعة أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم...

لنتأمل ...  emo (13):
إنه لم يفعل شيئا من هذا والأمر جَلَل ...
إنه يدخل إلى خِباء زوجته التي كانت القرعة من حظها في الخروج معه، وهو الذي كان يُقرع بين نسائه إذا ما همّ بسفر أو غزوة ...

يدخل على أم سلمة، يخبرها الخبر، وهو على ما تحمّل وتكبّد من تجرؤات سهيل، وعدم استساغة أصحابه أمر المعاهدة، يزيد فيُفجَع بهم يعصون أمره...!!

يخبرها الخبر، فتشير عليه أن يخرج فيهم، وينحر هو ويحلق أمامهم دون أن يكلّم أحدا، فيعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم بمشورتها، ويخرج فيهم ينحر بُدنَه ويحلق رأسه...
فما يكاد الصحابة يرونه يفعل حتى يفعلوا بمثل فِعلِه لا يتأخرون، بل إنّ الواحد فيهم كان يحلق لأخيه حتى كاد بعضهم يُقتَل غمّا من فرط ما كان يختلج في نفوسهم من الحزن والغضب...
ولكنهم فعلوا ....

فلنتأمل ... وإنها لتأملات ....  emo (30):  emo (13):

 emo (16):رسول الله صلى الله عليه وسلم ماضٍ في أمره، لا يردّه عنه غضب أصحابه ولا تغيُّظهم، ولا اجتماعهم على تلك الحال، كما لم يردّه عنه من قبل تجرؤ سهيل وترفّعه واشتراطه أن يُكتب ما يريد لا ما يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم .

 emo (16):رسول الله صلى الله عليه وسلم ماضٍ في أمره، لا ينفعه الحلّ ، فيبحث عن حلّ آخر، لا يعدَم الحلول، ولا يكتفي بطريقته إذ أمرهم، ولا يجْنح للعنف معهم وهم على ما هُم عليه من همّ وغمّ...بل يستشير وهو مَن هو، ويعمل بالإشارة ... !

 emo (16):رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ يستشير، لماذا لم يذهب إلى صديقه المقرّب أبي بكر الصديق رضي الله عنه، وهو الذي قبل قليل قد أجاب عمر بن الخطاب بالجواب نفسه الذي كان من رسول الله صلى الله عليه وسلم، أبو بكر الذي لم يكن إلا راضيا بما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، يصدّقه كعادته تصديقه، بل وينصح ابن الخطاب أن يستمسك بغِرزه وأن يثق برأيه فهو رسول الله وربه ناصرُه...

لماذا لم يذهب لصاحبه يسأله المشورة في أمره ؟ أو حتى لو افترضنا أنه قد استشاره ولم تُروَ استشارته إياه -وهذا بعيد- لننظر كيف لم يستنكف صلى الله عليه وسلم أن يُشرك زوجته في أمر من أكثر أمور الدولة حساسية... بل أشركها، واستمع إليها، وعمل بمشورتها ...

بل لقد كان لرأيها الوقع والأثر الحَسَن، بل لقد كان الحلّ .... إذ لم يعد للصحابة من بُدّ أن يفروا من "فعل" ما فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم... فلقد تحلّل من إحرامه أمامهم، يبلّغهم بذلك رسالة أنّ الأمر ماض، وأنه وهو النبي المُرسَل الواجب اتباعه قد تحلّل وأن الأمر لا رجعة فيه ... هكذا ليستقرّ في عقولهم أنّ الأمر قُضِي وبُتّ فيه ولا رادّ له ....

ففهموا الرسالة بفعله لما فعل... ولو أنهم لم يتّبعوه، لاختاروا ساعتها أن يتركوا اتباعهم لرسولهم، ولكانت القاضية ...!

لنتأمل... صبر رسول الله عليهم، ومدى استيعابه لحالتهم، فهو لم يعنّفهم، ولم يذكّرهم أنه النبي الآمر فيهم، ولم يخوّفهم من غضب الله، ولم يذكّرهم بآيات وجوب طاعته، وبآيات خسرانهم إن هم عصوه ...

بل لنتأمل....  emo (30): emo (13):
إنه صلى الله عليه وسلم لم يذكّرهم حتى بيوم أحد، وبما باء به المسلمون وبما تعرّض له صلى الله عليه وسلم والدعوة برمّتها من خطر عظيم من عصيانهم أمره يومها ....

بل لنتأمل أيضا ...  emo (30): emo (13):
فإذا هو صلى الله عليه وسلم لم يذكّرهم حتى ببيعة الرضوان التي كانت بينه وبينهم هنا في الحديبية، تلك التي بايعوه فيها على ما أراد، أطاعوا فيها أمره، لم يذكّرهم بها وهي البيعة العظيمة، ليقارنوا بين حالهم الساعة وحالهم ساعتها ...
بل انطلق إلى زوجه متوكلا على ربه، مصرا على المضيّ في أمره، حتى وجد عندها الحلّ العقلي المُجدي النافع ...

نعَم... إنهم قد جعلوا ينحرون كما نحر، ويحلقون كما حلق...
ونعم... إنهم وهم يحلقون كاد بعضهم يُقتَل غما ... ولكنه "فعَلَ" ما "فَعَلَ" الرسول صلى الله عليه وسلم ... لم يعد لهم من خيار ...

لقد فهموا بذلك أن الأمر في هذه الحال ليس موضوع شورى، بل هو وحي من الوحي...
استشار زوجَه في طريقة إقناعهم بالتحلّل، ولم يستشر واحدا منهم أيقبل شروط سهيل أم يرفضها، أيقبل بالمعاهدة وبنودها أم يرفضها، أيعمل بالبند الأول فيها فيتحلّل ويعود أدراجَه أم يعطّله..
ولكنه في كل حال نراه صلى الله عليه وسلم يستوعبهم... يحتويهم، يتقبل تقلّبهم... ويكون التفهّم منه هو الأسبق ...  emo (30):

نعم إنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، نعم إنه المُحدَّث من ربه والمؤيد منه...
ولكنه صلى الله عليه وسلم لم يكن بحكم نبوته يجتاز هذه المِحن بسهولة، لم تكن تمرّ عليه دون أن يتعب، دون أن يتكبّد الآلام ... لم يكن بحكم نبوته يجتازها وهو لا يتعذّب .... بل كان بشرا ...بل كان كل هذا معه يحدث ... كان يتحمّل، وكان يُثقله الحِمل، وكان يُتعبه، ولم يكن أحد غير الله يعلم مقدار ما يتكبده صلى الله عليه وسلم من صِعاب ويتجرّعه من آلام ...

ولذلك ... فإننا هنا ...هُنا مع أحداث الحديبية، غير بعيد ... ورسول الله يعود مع أصحابه إلى المدينة، في الطريق إليها، قريبا منها تنزل عليه سورة "الفتح" ليؤنسه ربُّه، ولن يؤنسه ولن يشدّ من أزره غير الذي يعلم مقدار ما تكبّد ....

فتأتي فواتح "الفتح" هدية له صلى الله عليه وسلم، مُخاطَبَة له، تأكيدا على صحّة ما ذهب إليه من رأي قصرت عنه أنظار أصحابه... تبشيرا له، قبل المؤمنين أنّما صلح الحديبية فتح مبين : "إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُّبِيناً(1) لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطاً مُّسْتَقِيماً(2) وَيَنصُرَكَ اللَّهُ نَصْراً عَزِيزاً(3)"

بل وتأملوا سورة الفتح وما فيها من تبشير للمؤمنين بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليس فيها من عتاب على ما كان منهم ...  emo (30):
بل لقد جاء فيها عنهم : "ليُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَيُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَكَانَ ذَلِكَ عِندَ اللَّهِ فَوْزاً عَظِيماً(5)"

كما جاء إعلان الرضوان من رب العزة على أهل بيعة الشجرة، وهُم هُم الذين كان منهم ما كان ساعة أمرهم الرسول صلى الله عليه وسلم أن يتحللوا من إحرامهم ... emo (30):

فلنتعلم .... !

فلتتعلم الزوجة لزوجها، وليتعلم الزوج لزوجته... ليتعلم كل طرف كيف يبحث عن الحل والحل بدل الحل الواحد، وليصرّ على "التعقّل" ولا يسبِقنّ غضبُه حلمَه ورحمته واحتواءه واستيعابه لحال الطرف الآخر...

لنتعلم أن من عصاه ابنُه مرة، لا ينقلبَنّ عليه من ساعته صاعقةً مُهلكة، بل ليتريث فإن كان في الأمر من طلب رأي، فليطلب منه أن يفسر سبب عصيانه، وإن اقتضت الضروة أن يكون رأي الأب ورأي الأم فليتريث، وليتمهل، وليصبر وليبحث عن حل للإقناع بدل الحل الواحد، ولا يعلِننّ عاصفة غضبه عليه، بل ليسعَ وليبحث عن الحلول العقلية المقنعة... وليستشر إذا ما شحّت ِحيَلُه..

وليخاطب العقلَ في ابنه ولا يقيسنّ ساعة طاعته بساعة عصيانه، فإنه يرى رأيا في أمر ويرى في الأمر الآخر رأيا غيرَه ... ليُخاطب العقلُ فيه العقلَ، وليتسع له صدرُه، وإنه وهو يتحرى التعقّل والاستيعاب وتغيير الحلول سيفتح الله له .... وسيكون له من الأمر ما فيه خير له ولابنه...

ولنتعلم ثم لنتعلم ثم لنتعلم .....  emo (30):