المحرر موضوع: الكتاب الورقي: هل بدأ رحلته إلى متحف التاريخ؟  (زيارة 3467 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

ماما فرح

  • زائر




الكتاب الورقي: هل بدأ رحلته إلى متحف التاريخ؟

لوقت قريب مضى كانت المكتبة الخاصة تعني رفوفاً تملأ جدران الغرفة قد يصل ارتفاعها إلى السقف، تحتوي على كتب متنوعة ومجلدات ضخمة متراصة، وربما نجد بينها بعض الكتب بحجم الجيب أو بعض المجلات.
وبأحد أركان الحجرة مكتب أنيق عليه بعض الأوراق وأدوات الكتابة، وربما نجد في ركن آخر مدفأة وكرسي هزاز أيضاً.

ولكن في السنوات الأخيرة تغير الوضع قليلاً، لا، بل في الحقيقة تغير كثيراً، فقد ظهرت أشكال وتعريفات جديدة للمكتبة غير ما اعتدنا عليه واستمر لقرون مضت ..

فبدلاً من جدران كاملة تنوء بحملها الثقيل الثمين من الكتب، أصبح بالإمكان جمع مكتبة ضخمة في مجموعة صغيرة من الأقراص المضغوطة (CDs) حجمها أكبر قليلاً من حجم الكف ويقل وزنها عنه كثيراً، نضعها في حقيبة اليد أو جيب المعطف ونحملها معنا حيث نريد . .
وكل المطلوب لبدء تصفح الكتب هو جهاز حاسب شخصي pc يشغل حيزاً صغيراً في أحد الأركان بأي غرفة بالمنزل أو مقر العمل أو الدراسة.

وإن لم تف هذه المكتبة الضخمة بالغرض، يمكننا الذهاب في جولة سريعة عبر مكتبات العالم بضغطة على الفأرة (الماوس) لبدء الاتصال بشبكة الإانترنت.
ومن خلال الشبكة يمكن شراء الكتب بشكلها الإلكتروني باستخدام بطاقات الاعتماد عبر مواقع بيع الكتب الإلكترونية أو يمكن تحميل بعض الكتب مجاناً من خلال مواقع خاصة بذلك.

والكتاب الإلكتروني e.book هو ملف طبق الأصل عن الكتاب الورقي ويمكن قراءته- بالإضافة إلى أجهزة الحاسب الشخصي - باستخدام حاسب محمول يرافقنا حيث ذهبنا أو حتى باستخدام الهواتف الخلوية الحديثة التي تحتوي على شاشات عرض كبيرة نسبياً ..

وفي حال لم يكن بإمكاننا الحصول على أي مما سبق فمازال بإمكاننا تصفح ما نريد من الكتب الإلكترونية وقتما نريد بقضاء ساعة أو ساعتين بأحد مقاهي الإنترنت التي انتشرت انتشاراً واسعاً مؤخراً.

ولم يتغير شكل وحجم المكتبات فقط، وإنما تغير أيضاً أسلوب البحث عن المعلومة.
ففي الماضي كان البحث عن معلومة يتطلب فتح عشرات الكتب والغوص في أعماق صفحاتها لاصطياد فقرة من هنا وأخرى من هناك ..
أما البحث الآن فلا يعدو إلقاء شبكة تعود لنا بعد لحظات بصيد ثمين ..
فالأمر يتلخص في كتابة كلمة أو كلمتين في مربع ثم الضغط على زر "بحث" لنجد أمامنا في ثوان معدودة مئات الروابط لموضوعات تتعلق بالمعلومة المطلوبة.
وما علينا إلا الانتقاء ثم نسخ ما نريد وحفظه في ملف بالحاسب أو على قرص مضغوط للرجوع إليه متى نريد.

هذا الانتشار الواسع لاستخدام الحاسب الآلي وشبكة الإنترنت والسهولة والسرعة الفائقة والرخص النسبي في الحصول على المعلومات وبخاصة من الموسوعات الضخمة، هل يعني أن كفة الكتاب الإلكتروني هي الراجحة؟
وأن على الكتاب الورقي التقليدي أن يلملم أوراقه ويستعد للرحيل إلى حيث يستقر بمتحف التاريخ؟
أم أنه مازال بجعبة الكتاب الورقي بعض السهام يدفع بها عن نفسه هجمات الكتاب الإلكتروني؟

برغم المزايا الهائلة للكتاب الإلكتروني والتطور المستمر في تقنيات الحاسب الآلي التي تفاجئنا كل يوم بجديد، إلا أن ذلك كله لم يتمكن من هز عرش الكتاب الورقي - إلى الآن على الأقل -  فمازالت هناك بعض النقاط الشاغرة لم يملأ فراغها الكتاب الإلكتروني.

فالنشر الإلكتروني على الإنترنت أو الأقراص المضغوطة لا يغطي إلا نسبة بسيطة من الكتب والموسوعات والمطبوعات عموماً بسبب حقوق التأليف والنشر من جهة، وبسبب ارتفاع تكلفة تحويل المطبوعات إلى كتب إلكترونية من ناحية أخرى.

 كما أن المحتوى غير مضمون وهذا يقلل من قيمة وجودة النشر الإلكتروني، فكل شخص يمكنه بتكاليف زهيدة نشر ما يريد على الإنترنت بلا رقابة ولا تقييم لعمله، بعكس الكتاب الورقي الذي يكافح صاحبه إلى أن تقبله إحدى دور النشر بعد التأكد من استحقاقه للنشر.

والباحث الأكاديمي مثلاً لا يمكنه الاستغناء عن الكتاب الورقي المعتمد من الناحية العلمية كأساس للبحث، واستخدام الحاسب في البحث لا يتعدى الحصول على مؤشرات مساعدة.

وهناك جانب آخر يتعلق بعادات القراءة، فالكتاب الإلكتروني يحتاج لجلسة خاصة لا تناسب هواة القراءة باسترخاء قبل النوم أو القراءة في السفر الطويل.
كما أن القراءة على الحاسب تسبب الصداع وتعب العينين بعد فترة وجيزة.

أضف إلى كل ذلك أن القاريء بعد البحث في الإنترنت وجمع ما يريد قد يقوم بطباعة فقرات أو أجزاء من الكتاب أو أحياناً الكتاب كله باستخدام الطابعة الملحقة بالحاسب، أي أن الكتاب الإلكتروني يعود من جديد إلى كتاب ورقي.

وبنظرة لمعارض الكتاب وإقبال القراء على شراء الكتاب الورقي بالإضافة إلى عدم انتشار أجهزة الحاسب بشكل واسع في بعض البلدان، نرى بوضوح أنه مازال أمام الكتاب الإلكتروني معارك شرسة طويلة قبل أن يتمكن من طرد الكتاب الورقي من الميدان.

والأمر قد لا يعدو الانبهار بالجديد لفترة من الوقت، والمبالغة في تقدير حجمه وتأثيره، ثم تستقر الأمور وتنتهي كالعادة بهدنة واتفاقية تعاون وشراكة بين القديم والجديد.
فقديماً قيل أن التلفاز سيقضي على المذياع ولم يحدث ذلك إلى الآن، بل على العكس نرى المذياع الآن أصبح من الخيارات المضافة لابتكار العصر: الهاتف الخلوي.

وقيل أن الميكروفيلم سينهي عصر الكتاب ويختصر حجم المكتبة إلى خزانة صغيرة تحوي أشرطة الميكروفيلم ولم يحدث ذلك أيضاً، وبقيت المكتبة الورقية لها الدور الأكبر بينما تقلص دور الميكروفيلم إلى مساعدتها في حفظ كنوزها.

فلا بديل إذاً عن استخدام كل من الوسائل التقليدية والحديثة، بحسب احتياجاتنا لكل منهما، فالتعايش والتكامل بين التقنيات الحديثة والأدوات التقليدية للمعرفة ليس ممكناً وحسب، بل وهام وضروري أيضاً.