المحرر موضوع: نشدان الحكمة  (زيارة 9042 مرات)

0 الأعضاء و 2 ضيوف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6545
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
رد: نشدان الحكمة
« رد #20 في: 2018-02-21, 21:32:47 »
جزاكم الله خيرا أختي أسماء، وقوية للغاية تلك اللفتة الأخيرة عن تعامل المصطفى صلى الله عليه وسلم مع الفاروق رضي الله عنه،

اقتباس
هل قال له : يا عمر أفِق من سَوْرتك ! انتبه من تُحدّث ! كُفّ عن غضبك ! أوَ تشكّ فيما عنه تسأل؟
بل لقد أجابه على قدر السؤال وكأنه يجيب من لا يعرف عنه إجابة : "بلى"...

الرسول صلى الله عليه وسلم لا يتعامل فقط مع غضب عمر رضي الله عنه، إنما يرسي مبدأ أنه ليس لأحد أن يحجر النقاش معه في موضوع لأن المتحدث أقل منزلة أو أقل علما !
هذه كارثة في زماننا هذا، فكل من حصل علما أو خبرة في مجال ما لا يقبل النقاش ممن هم دونه في هذا المجال!
وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يناقش فكرة عمر رضي الله عنه بالمنطق والحقائق، لا يشكك في نواياه ولا يتهمه بتخطي الحدود أو يحمل كلامه على أنه خروج عن الصف مثلا !

وكم تخسر الأمة الكثير من الآراء السديدة بسبب هذه النقطة تحديدا..

تمام أخي جواد .. وذاك فنّ الإنصات بتواضع ونحن البشر العاديون لرأي الآخر لعل فيه حكمة تخفى عليّ، بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مدرك تمام الإدراك أنه على حق وعلى حكمة من تصرفه لا يُعرض عن عمر، بل يسمعه ويجيبه إذ يسأل ...
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6545
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
رد: نشدان الحكمة
« رد #21 في: 2018-02-25, 13:01:14 »
2017/03/02

في نشداننا للحكمة، وللتعقل يحكم تصرفاتنا وحياتنا...
اليوم مع حديث صحيح، لرسول الله صلى الله عليه وسلم...
يأتيه رجل وهو بالمسجد والصحابة حوله، فيَبْتدره قائلا: "يا رسول الله إنّي أصبت حدا فأقمه عليّ" ...

ربما نتوقع أن يسأله رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ماهية الذنب الذي أتاه، وحُقّ له أن يفعل، ليجيبه بما يكون فتوى لمسألته...

وحُقّ له وهو النبي المعلّم الذي يلجأ إليه جميعهم مستفتين، مستفسرين، متعلمين...

وحُقّ له أن يفعل وهو الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يُوحى، وهو المُحدَّث من السماء وهو الذي جاء بالشرع وبالحدود وبالأحكام يبيّنها للناس...

ولكننا نُفاجَأ برسول الله صلى الله عليه وسلم يسكت عن الرجل، فلا يجيبه...!

ثم ها هو الرجل مرة ثانية يعيد عليه ما قال : " يا رسول الله إنّي أصبت حدا فأقمه عليّ "...

وربما نسمع لرسول الله صلى الله عليه وسلم جوابا وهو يرى الرجل يسأل من جديد، ويصرّ على إقامة الحد عليه، مستعدّ لأن يُقام عليه كائنا ما كان...
وهو يطلب أن يُقام عليه، ولو شاء أن يخفيه أخفاه، ولكنه يأتي رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، ولا يبالي بمَن حوله من الرجال وهم يسمعون عنه ما كان بإمكانه إخفاؤه...

لا يبالي بمَن حطّ من شأنه أو بمن رفعه بينهم...
لا يبالي بمَن حدّث عنه الناس بما سمعه مِن فيهِ...
لا يبالي إلا بأن يطهّره الحدّ، تغشاه خشية الله، وخشية غضبه وسخطه ...

نعم...ربما نتوقع أن يجيب رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجل وهو يعرف منه كل هذا، فهو ذاك الجزِع، الوَلِع، الخائف من ربه، الذي يُثقله حِمله... الذي ناء بحمله ويريد أن يتخفّف منه لا يبالي ما يكلّفه التخفّف ...
ولكنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم يسكت عنه للمرة الثانية ...!  emo (30):

لا شكّ أنه صلى الله عليه وسلم ليس بالذي لايقيم وزنا لواحد من المؤمنين، ليس بالذي يسكت عنه غضبا، أو بالذي يسكت عنه تجاهلا، أو بالذي يريد أن يتخلّص منه ... حاشاه صلى الله عليه وسلم...

فلنتأمّل إنه يسكت .... !!   emo (13):

كثيرا ما نؤوّل الصمت تأويلاتٍ ونبني عليها بنايات وهي من محض آرائنا وأوهامنا، وليست من الحقيقة في شيء..
فقد نرى الساكت عنا ضعيفا لا يملك بما يردّ، وقد نراه متجاهلا، أو قد نراه موافقا، أو قد نراه معارضا، بينما صمت الحكيم ينطوي على "حكمة" ... ينطوي على بعد نظر...

فلنتأمل emo (13):

إنه صلى الله عليه وسلم يسكت عنه...
ويحدث أن تُقام الصلاة والرجل يسأل المرة الثانية، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يسكت عنه للمرة الثانية...
ويقوم الناس للصلاة، ورسول الله صلى الله عليه وسلم إمامُهُم، وينصرف المصلون، وينصرف رسول الله...
والرجل ... أين الرجل ؟؟!

لنتأمّل... emo (13):
إنه صلى الله عليه وسلم زيادة على سكوته عنه، لم يطلب منه أن يصلي الجماعة معهم قبل أن يفارِقَه، لم يحضّه على ذلك، لم يطلب منه أن يشهد الصلاة معهم ثم يعود إليه ...

بل قاموا إلى الصلاة، وصلوا، وانصرفوا عنها ...
أمِنَ السهل أن يُترك الرجل، لا يُدرى أيعود أم لا يعود ؟!
أمن السهل أن نتصور أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد قام للصلاة وهو على حاله من الصمت والسكوت عن الرجل...

ألا نتوقع أن يذهب الرجل، ولا يعود ... يذهب وقد باء بسكوت رسول الله عنه، فيحمل مع حمله الثقيل حِملا أثقل ؟! أو ربما ذهب وقد فهم أنّه لا أمل له في حلّ، وأنه قد هلك ...!!

الرجل .... ها هو ذا يلحق برسول الله صلى الله عليه وسلم بعد انفضاض جماعة الصلاة...
لقد عاد ... رغم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لم يواعِده بعد الصلاة ! عاد من نفسه ...
عاد دون أن يحضّه، عاد دون أن يدعوه لحضور صلاة الجماعة، ودون أن يواعده بعدها ؟

لقد عرف فيه الإصرار فلم يحتج إلى أن يأمره بالذهاب إلى الصلاة، ولا حتى لأن يواعده... عرف أن مثله لا ينفك مصرا على التوبة... فكان صمته صلى الله عليه وسلم وهو هذه حاله أبلغ من الكلام...

أين نحن من تقليل كلام مع من نفهم أنه قد "فَهِم"...
أين نحن من التربية بالصمت في حال استدعاء الصمت...حتى لا يستثقل صاحب الحِمل فوق حِملِه...مِنَ التربية بترك المجال للمربَّى أن يفعل مع نفسه بدل أن نفعل له كل شيء... حتى العيش مع نفسه ! ... فلنتعلم  emo (30):

عاد يسأله السؤال ذاته : "يا رسول الله إني أصبت حدا، فأقمه عليّ"...
وهذه المرة ينطق رسول الله صلى الله عليه وسلم... يجيب ...
ولكنه يجيبه سائلا إياه ...  emo (30):

آه ... إنه يسأله الآن إذن ... !
لا بدّ أنه سائله عن ذنبه، ليعرف أحدٌّ حقا هذا الذي أصابه، أم أنّ نفسَه أرته لنفسه حدا من فرط خوفه من غضب الله، لربما كان أقلّ مما حسِب ...

آه ... إنه يسأله ....!
إذن فهو سيستفهم عن ذنبه ليفتيه بما يناسب، بما يكون وِفاقا لما أتى ...
لا ...لا ... لا هذا ولا ذاك .... إنه لا يسأله عن ذنبه البتّة ...!  emo (30):

بل يسأله عن أمر آخر : "أرأيت حين خرجتَ من بيتك، أليس قد توضأت فأحسنت الوضوء ؟" فيجيب الرجل: بلى يا رسول الله...
ثم يسأله الثانية : "ثم شهدت الصلاة معنا ؟" ...قال: نعم يا رسول الله ...
فيرد عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم : "فإن الله قد غفر لك ذنبك "...

انتهى الأمر....!
تكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأوان المناسب، بالطريقة المناسبة...
انتهى الأمر...وأفتى له رسول الله صلى الله عليه وسلم دون أن يعلم ذنبه... دون أن يسأله عنه..!
انتهى الأمر ... !

ولكن حذارِ !!

تأملوا .... تأملوا ...  emo (13):

لا نريد أن نخرج منه بذلك الفهم الذي يطفو على السطح، بالذي سيصدع به الكثيرون...
الصلاة تغفر الذنوب، الجماعة تغفر الذنوب، إسباغ الوضوء يغفر الذنوب ...

لا لا .... ليس هذا هو السليم ... ولو كان الأمر كذلك ... لاستسهل كل مستسهل أن يأتي الذنب، وراءه الذنب وراءه الذنب، وهو يحدّث نفسه أن الصلاة ستغفر له، سيأتي ليقوم، ويركع ويرفع ويسجد، فإذا صلاته قد محتْ كل ما كان منه ....

ما أسهلها من وصفة.... كم هي سحريّة هذه الوصفة ... هكذا هو الإسلام فعلُه فعل السحر في النفوس ... تصلي فيُغفَر لك، تتوضأ فيُغفَر لك ... !! فما أسهل أن يعود للذنب والدواء صلاة هي عنده " حركات"...!!

من أجل ألا يكون هذا الفهم السطحي، تأملنا سؤال الرجل المرة، ثم المرة... ومع سؤاله سكوتُ رسول الله صىل الله عليه وسلم عنه المرة ثم المرة ...
بل وانصرافه مع مَن معه للصلاة، دون أن يحضّه على حضور الجماعة ... دون أن يواعِده ...

وما تأملتُ هذا اعتباطا ... وإنما نظرا في ثنايا الحديث، وسبرا لأغواره، وغوصا في أعماقه
أليس الرجل مصرا على التوبة ؟؟
أليس هو ذاك الذي لا يبالي بحديث الناس فيه بقدر ما يبالي بتطهير نفسه من ذنبه، بقدر خوفه من غضب الله ...؟

أليس هو ذاك الذي جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم وكلّه استعداد لأن يُقام عليه الحد... وإن كان ثمنه نفسه ؟ أليس الذي جاء ليكون طَوع أمر وحكم رسول الله فيه ؟

أليس هو الذي عاد من غير مواعدة ؟؟ أليس الذي كان له ألا يعود... ولكنه عاد ؟
بل أليس هو الذي كان له أن يخفي أمره ولكنه أعلنه، يريد أن يطهّره رسول الله بالحد ؟
ويأتنس بالحد يُقام عليه ليرتاح، ولا يأتنس بتوبة سريّة ...لا يرتاح... لا يأمن.. لا يطمئن أن الله عنه قد رضي ...

كل هذا قد نظر فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم الحكيم، المُعمِل عقله، الناظر به في أمر الرجل... وكان له أن يسأله عن الذنب، ويُفتي له وكفى ...

ولكنه صلى الله عليه وسلم ينظر إلى أبعد من "العقاب" ... إلى أبعد من "الوسيلة" ...إلى غاية أبعد ...
ثم وقد عاد الرجل وقد فهم منه أنه قد صلى معهم، أنه قد وقف بين يدي الله وهو على تلك الحال، وقف يناجي ربه وهو على تلك الحال، وقف وقد سكت عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكنّ باب الله وهو يطرقه بقيامه بين يديه مصليا لا يُغلَق...

يقف في صلاته وقفة التائب، وقفة النادم، وقفة الخائف من غضب ربه، وقفة الذي يريد أن يلقاه طاهرا مُطهَّرا مما أصابه من الدنس... يقف ويزيده حضور لقاء ربه ما يزيد خيرا ونماء في نفسه
عاد الرجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ونفسه الصادقة، المقبلة على الله، التوّاقة لرضاه قد استوفَتْ ما بها من صدق ومن إقبال، ومن توبة ... عاد وإصراره على التوبة في ازدياد ...
فبشّره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الله قد غفر ذنبه ...

هذا هو الذي غفرت له الصلاة ذنبَه... هذا الذي سكت عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم مرة، ثم سكت عنه أخرى... وفي صمته قمة التعقّل، قمّة القراءة لما عليه حال الرجل...

لنتأمل....   emo (13):
إن سكوته صلى الله عليه وسلم حكمة قرأ بها ما قرأ من إصرار الرجل، وإن عدم سؤاله عن ذنبه لحكمة أخرى...

إنه يعلمنا صلى الله عليه وسلم كم أن الإسلام يرحّب بالتائب الصادق، وأن إقبال التائب صادقا أولى من اجترار ماضيه كان ما كان، وإنما العبرة بالتوبة والصدق في التوبة، ليُفتَح لصاحب الذنب باب الدخول في رحمة الله لا أن يُزاد عليه بالتقريع والتهويل والتأنيب والتعنيف فيُنفّر بدل أن يُقرَّب ...لا بل لا يحتاج الأمر حتى أن يُعرف ماضيه ما دام هذا هو حاضره...

لنتأمل... emo (13):
إنه لتعقّل بالغ يرشّد الانفعالات العاطفية من غضب وتحسّر وقلق، ويعترف للمذنب بالبداية الجديدة، ويفتح له أبواب القبول، وإنه لاعتراف بالنقص البشري الذي لا يحلّه الزجر والتعنيف بقدر ما يحلّه مراعاته والاعتراف بوجوده، ومحاولة التجاوز عنه ما كان إلى ذلك من سبيل...

فأنت أيها التائب تستحقّ أن تُعرّف مدى سعة تلك الرِّحاب التي جئت مقبلا عليها... لا تُسأل عن ماضيك، بل يُراد حاضرك... لا تُذلّ بماضيك، لا تُقهَر به ....
وهكذا فلنتأمل حكمة "صمت" الحكيم ... ولنتأمل دور الصمت حينما يكون أبلغ من الكلام ... ولنتعلم فإنّ من سكت ليس بالضرورة ضعيفا، ولا بالضرورة متجاهلا ... بل صمت الحكيم "تعقّل" وإعمال للعقل ...
ولنتأمّل كيف لا يقضي مأربا أن نُذلّ الناس بماضيهم السيئ، بقدر ما يقضي مآرب أن نستغلّ حسن حاضرهم ....

ولنتأمل... emo (13): ولنتعلم ... ثم لنتعلم ...  emo (30):
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6545
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
رد: نشدان الحكمة
« رد #22 في: 2018-03-13, 10:48:30 »
2017/03/09

مازلنا مع الحُديبية ... وإنني ما اخترتُ المكوث بها بعدُ إلا للاستزادة من دروسها الفيّاضة لا حبا في الإطالة ...  emo (30):

أنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم كتابة ما عاهد عليه قريش ممثّلة في سهيل بن عمرو، وبدأ بتنفيذ أول بند، فأمر أصحابه بالتحلّل من إحرامهم وقد مُنِعوا من دخول مكة ...!
والصحابة يسمعون أمره، ثم يسمعونه الثانية، ثم الثالثة ولا يأتمرون، ولا ينفذون، ولا يفعلون ما أمرهم ....!! لِمَا ما بهم من غيظ وحزن على بنود لم يروا فيها إلا الرضى بالدنيّة في الدين كما أفصح عن ذلك عمر بن الخطاب ...

أيّ جبهة عصيّة هي هذه، على الرسول صلى الله عليه وسلم أن يواجهها وهو لتوّه قد انتهى من جبهة "سُهيل" وإن كانت الأولى بكفر كافر، والثانية بإيمان مؤمنين ...؟!!

لنتأمل ... emo (13):
ربما سيصيح بهم صلى الله عليه وسلم، سيوقظهم من حالتهم التي غشيًتْهم من الرأس إلى أخمص القدم، حتى لم يعودوا يسمعون كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يعودوا يأتمرون بأمره، وهو يعيد أمره فيهم مرة ومرة ومرة ... !

ربما سيستنكر حالهم، ويذكّرهم أنه النبي لا كذب، وأنه الذي أُمِروا أن يطيعوه، وأن طاعته من طاعة الله عز وجل، كما علمهم القرآن...
ربما سيذكّرهم ببضع آيات من آيات كثيرة نزلت تبيّن وجوب طاعة أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم...

لنتأمل ...  emo (13):
إنه لم يفعل شيئا من هذا والأمر جَلَل ...
إنه يدخل إلى خِباء زوجته التي كانت القرعة من حظها في الخروج معه، وهو الذي كان يُقرع بين نسائه إذا ما همّ بسفر أو غزوة ...

يدخل على أم سلمة، يخبرها الخبر، وهو على ما تحمّل وتكبّد من تجرؤات سهيل، وعدم استساغة أصحابه أمر المعاهدة، يزيد فيُفجَع بهم يعصون أمره...!!

يخبرها الخبر، فتشير عليه أن يخرج فيهم، وينحر هو ويحلق أمامهم دون أن يكلّم أحدا، فيعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم بمشورتها، ويخرج فيهم ينحر بُدنَه ويحلق رأسه...
فما يكاد الصحابة يرونه يفعل حتى يفعلوا بمثل فِعلِه لا يتأخرون، بل إنّ الواحد فيهم كان يحلق لأخيه حتى كاد بعضهم يُقتَل غمّا من فرط ما كان يختلج في نفوسهم من الحزن والغضب...
ولكنهم فعلوا ....

فلنتأمل ... وإنها لتأملات ....  emo (30):  emo (13):

 emo (16):رسول الله صلى الله عليه وسلم ماضٍ في أمره، لا يردّه عنه غضب أصحابه ولا تغيُّظهم، ولا اجتماعهم على تلك الحال، كما لم يردّه عنه من قبل تجرؤ سهيل وترفّعه واشتراطه أن يُكتب ما يريد لا ما يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم .

 emo (16):رسول الله صلى الله عليه وسلم ماضٍ في أمره، لا ينفعه الحلّ ، فيبحث عن حلّ آخر، لا يعدَم الحلول، ولا يكتفي بطريقته إذ أمرهم، ولا يجْنح للعنف معهم وهم على ما هُم عليه من همّ وغمّ...بل يستشير وهو مَن هو، ويعمل بالإشارة ... !

 emo (16):رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ يستشير، لماذا لم يذهب إلى صديقه المقرّب أبي بكر الصديق رضي الله عنه، وهو الذي قبل قليل قد أجاب عمر بن الخطاب بالجواب نفسه الذي كان من رسول الله صلى الله عليه وسلم، أبو بكر الذي لم يكن إلا راضيا بما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، يصدّقه كعادته تصديقه، بل وينصح ابن الخطاب أن يستمسك بغِرزه وأن يثق برأيه فهو رسول الله وربه ناصرُه...

لماذا لم يذهب لصاحبه يسأله المشورة في أمره ؟ أو حتى لو افترضنا أنه قد استشاره ولم تُروَ استشارته إياه -وهذا بعيد- لننظر كيف لم يستنكف صلى الله عليه وسلم أن يُشرك زوجته في أمر من أكثر أمور الدولة حساسية... بل أشركها، واستمع إليها، وعمل بمشورتها ...

بل لقد كان لرأيها الوقع والأثر الحَسَن، بل لقد كان الحلّ .... إذ لم يعد للصحابة من بُدّ أن يفروا من "فعل" ما فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم... فلقد تحلّل من إحرامه أمامهم، يبلّغهم بذلك رسالة أنّ الأمر ماض، وأنه وهو النبي المُرسَل الواجب اتباعه قد تحلّل وأن الأمر لا رجعة فيه ... هكذا ليستقرّ في عقولهم أنّ الأمر قُضِي وبُتّ فيه ولا رادّ له ....

ففهموا الرسالة بفعله لما فعل... ولو أنهم لم يتّبعوه، لاختاروا ساعتها أن يتركوا اتباعهم لرسولهم، ولكانت القاضية ...!

لنتأمل... صبر رسول الله عليهم، ومدى استيعابه لحالتهم، فهو لم يعنّفهم، ولم يذكّرهم أنه النبي الآمر فيهم، ولم يخوّفهم من غضب الله، ولم يذكّرهم بآيات وجوب طاعته، وبآيات خسرانهم إن هم عصوه ...

بل لنتأمل....  emo (30): emo (13):
إنه صلى الله عليه وسلم لم يذكّرهم حتى بيوم أحد، وبما باء به المسلمون وبما تعرّض له صلى الله عليه وسلم والدعوة برمّتها من خطر عظيم من عصيانهم أمره يومها ....

بل لنتأمل أيضا ...  emo (30): emo (13):
فإذا هو صلى الله عليه وسلم لم يذكّرهم حتى ببيعة الرضوان التي كانت بينه وبينهم هنا في الحديبية، تلك التي بايعوه فيها على ما أراد، أطاعوا فيها أمره، لم يذكّرهم بها وهي البيعة العظيمة، ليقارنوا بين حالهم الساعة وحالهم ساعتها ...
بل انطلق إلى زوجه متوكلا على ربه، مصرا على المضيّ في أمره، حتى وجد عندها الحلّ العقلي المُجدي النافع ...

نعَم... إنهم قد جعلوا ينحرون كما نحر، ويحلقون كما حلق...
ونعم... إنهم وهم يحلقون كاد بعضهم يُقتَل غما ... ولكنه "فعَلَ" ما "فَعَلَ" الرسول صلى الله عليه وسلم ... لم يعد لهم من خيار ...

لقد فهموا بذلك أن الأمر في هذه الحال ليس موضوع شورى، بل هو وحي من الوحي...
استشار زوجَه في طريقة إقناعهم بالتحلّل، ولم يستشر واحدا منهم أيقبل شروط سهيل أم يرفضها، أيقبل بالمعاهدة وبنودها أم يرفضها، أيعمل بالبند الأول فيها فيتحلّل ويعود أدراجَه أم يعطّله..
ولكنه في كل حال نراه صلى الله عليه وسلم يستوعبهم... يحتويهم، يتقبل تقلّبهم... ويكون التفهّم منه هو الأسبق ...  emo (30):

نعم إنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، نعم إنه المُحدَّث من ربه والمؤيد منه...
ولكنه صلى الله عليه وسلم لم يكن بحكم نبوته يجتاز هذه المِحن بسهولة، لم تكن تمرّ عليه دون أن يتعب، دون أن يتكبّد الآلام ... لم يكن بحكم نبوته يجتازها وهو لا يتعذّب .... بل كان بشرا ...بل كان كل هذا معه يحدث ... كان يتحمّل، وكان يُثقله الحِمل، وكان يُتعبه، ولم يكن أحد غير الله يعلم مقدار ما يتكبده صلى الله عليه وسلم من صِعاب ويتجرّعه من آلام ...

ولذلك ... فإننا هنا ...هُنا مع أحداث الحديبية، غير بعيد ... ورسول الله يعود مع أصحابه إلى المدينة، في الطريق إليها، قريبا منها تنزل عليه سورة "الفتح" ليؤنسه ربُّه، ولن يؤنسه ولن يشدّ من أزره غير الذي يعلم مقدار ما تكبّد ....

فتأتي فواتح "الفتح" هدية له صلى الله عليه وسلم، مُخاطَبَة له، تأكيدا على صحّة ما ذهب إليه من رأي قصرت عنه أنظار أصحابه... تبشيرا له، قبل المؤمنين أنّما صلح الحديبية فتح مبين : "إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُّبِيناً(1) لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطاً مُّسْتَقِيماً(2) وَيَنصُرَكَ اللَّهُ نَصْراً عَزِيزاً(3)"

بل وتأملوا سورة الفتح وما فيها من تبشير للمؤمنين بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليس فيها من عتاب على ما كان منهم ...  emo (30):
بل لقد جاء فيها عنهم : "ليُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَيُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَكَانَ ذَلِكَ عِندَ اللَّهِ فَوْزاً عَظِيماً(5)"

كما جاء إعلان الرضوان من رب العزة على أهل بيعة الشجرة، وهُم هُم الذين كان منهم ما كان ساعة أمرهم الرسول صلى الله عليه وسلم أن يتحللوا من إحرامهم ... emo (30):

فلنتعلم .... !

فلتتعلم الزوجة لزوجها، وليتعلم الزوج لزوجته... ليتعلم كل طرف كيف يبحث عن الحل والحل بدل الحل الواحد، وليصرّ على "التعقّل" ولا يسبِقنّ غضبُه حلمَه ورحمته واحتواءه واستيعابه لحال الطرف الآخر...

لنتعلم أن من عصاه ابنُه مرة، لا ينقلبَنّ عليه من ساعته صاعقةً مُهلكة، بل ليتريث فإن كان في الأمر من طلب رأي، فليطلب منه أن يفسر سبب عصيانه، وإن اقتضت الضروة أن يكون رأي الأب ورأي الأم فليتريث، وليتمهل، وليصبر وليبحث عن حل للإقناع بدل الحل الواحد، ولا يعلِننّ عاصفة غضبه عليه، بل ليسعَ وليبحث عن الحلول العقلية المقنعة... وليستشر إذا ما شحّت ِحيَلُه..

وليخاطب العقلَ في ابنه ولا يقيسنّ ساعة طاعته بساعة عصيانه، فإنه يرى رأيا في أمر ويرى في الأمر الآخر رأيا غيرَه ... ليُخاطب العقلُ فيه العقلَ، وليتسع له صدرُه، وإنه وهو يتحرى التعقّل والاستيعاب وتغيير الحلول سيفتح الله له .... وسيكون له من الأمر ما فيه خير له ولابنه...

ولنتعلم ثم لنتعلم ثم لنتعلم .....  emo (30):
« آخر تحرير: 2018-03-13, 10:50:20 بواسطة حازرلي أسماء »
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب