المحرر موضوع: عن كتاب "دستور الأخلاق في القرآن" -محمد عبد الله دراز-  (زيارة 21454 مرات)

0 الأعضاء و 2 ضيوف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6545
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
تم التصحيح بهي. شكرا لك .

اقتباس
شعرت أنه بالمقارنة هنا يعمل عمل أصحاب الإعجاز العلمي وذلك بإسقاط العلم على الآيات لإثبات أن تلك الاكتشافات العلمية موجودة في القرآن ..ودراز هنا يريد أن يثبت أن نظريات الاخلاق الوضعية تتفق مع نظرية  الاخلاق في القرآن  وان مصدر الوحي يتفق مع عقل الإنسان الفطري الذي تجرد من الدين !!!! ما رأيك؟؟

طيب   emo (30):

هنا دراز لا يعتسف الأمر فيسقط النظرية الغربية على القرآن ليجد التوافق، بل بالعكس تماما، هو ينتقد جعل القرآن محكوما بالنظريات، وهدف كتابه كله جعل القرآن حاكما ليُخرج النظرية منه لا محكوما.
ما فعله هنا أنه وقف موقف الذي يفتح عقله لغير المسلمين، فيناقشهم من منطلق إنساني، وهو يوضح جيدا كيف أنّ التفريق بين الخير والشر أصلا مركوز في الإنسان في جزئه الفطري قبل حتى أن ينزّل التشريع، وجزؤه الفطري هذا هو ما عبر عنه بالنور الفطري الذي هو "العقل"، كما بيّن أن العقل مع تباين التصورات وطرق التفكير والحكم من عقل لعقل لن يستطيع وحده فرض القانون الأخلاقي القويم، وهو بهذا مستوى من مستويات "الإلزام الأخلاقي" مصدره الله سبحانه، وهو المستوى المسيَّر من المستوى الأعلى وهو الوحي المشرّع الحقيقي للقوانين والواجبات الأخلاقية ... يعني هنا ليست قضية مساواة بل أن العقل خُلق وقد أودِع نورا هاديا ما لم يغلّفه الهوى.
دراز يبحث في قضية الإلزام الأخلاقي، وهو يبين بأريحية وبتقبل وعدم رفض معتسف لغير المسلمين علو وسموّ النظرية الأخلاقية القرآنية وتميزها عن التي عندهم بتحليل منطقي دقيق يجعلهم يذعنون لذلك التحليل ... تأملي ما قاله الفيلسوف "كانت"  وما قابله دراز بالنقد رغم سلامة منطقه، يعني يحتاج الأمر قراءة مفصلة ... والكتاب دسم جدا جدا، ويحتاج حتى عند قراءته إلى تأمل وتدقيق وفكر مركز جدا ... لذلك أمشي معه الهُوينى، وأعيد تصميم وتلخيص ما قرأت لاستيعاب أفضل .

أيضا يجب أن تمشي مع كتابه نقطة بنقطة، لأنني أرى أن أسلوبه هو طرح الأمر كسؤال مجرد هكذا، ثم يبدأ نقطة إثر نقطة بتحليله والتساؤل حوله ليخلص إلى التعريف الأسلم والتحديد، تأملي مثلا هذا الذي كتبته :

اقتباس
ثم يخلص دراز إلى أنّ  : الإنسان قد أودِع الوسائل العقلية والعاطفية الكافية لللتمييز بين ما يفعل وما لا يفعل .
فيسأل :

هل بذلك يكون الإنسان من ذاته المشرّع للخير والشر ؟ ولكن يبقى : هل كل ما تراه العقول حسنا أو قبيحا هو بالضرورة كذلك ؟ ويسأل : هل نحن مدينون على ذلك أمام الله حتى قبل أن نتلقى أوامر بوساطة رسله ؟

وبعد هذا التساؤل يوضح الحاجة إلى تشريع أعلى .. هكذا بالتدريج بطريقة أراها رائعة جدا جدا تأخذك عقليا إلى حدّ من الاقتناع بالتحليل والتفسير المنطقي..

تأملي مثلا هذه الفقرة لتفهمي أيّ فرق يراه :


واقرئي هاتين :



حتى يخلص إلى ضرورة تشريع أعلى إلزامي أخلاقي ..


اقتباس
**القرآن لا ينظر للطبيعة الإنسانية أنها شريرة في الأصل :"لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم" وينجو من الهلاك المؤمنون العاملون للصالحات)
هل كان معنى أحسن تقويم للشكل والجسد فقط ام للنفس و الاخلاق أيضا؟؟

الأمر يحتمل الاثنين، ولا غبار على فهمه هذا ..

بالمناسبة بهي، الكتاب في أكثر من 800 صفحة :emoti_351: وهو ما يزال بعد يحدّد المعالم الأولى :emoti_64: فأنا معه ما أزال في مرحلة تحديد مصادر التشريع ومناقشة حجيتها كما ترين، وقد أعجبني أن أقرأ عن هذه المصادر معه وهو يَعرِض لشبهات من يقول بالطعن في حجية الإجماع مثلا أو القياس، فيفصّل في تحديد معانيها وخصائصها، وكل هذا لنصل إلى قضية الإلزام الأخلاقي، ومصادر الإلزام الأخلاقي في الإسلام .
« آخر تحرير: 2018-01-28, 21:13:41 بواسطة حازرلي أسماء »
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6545
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
القيــــــــــــــــــــاس


ماذا عن القياس ؟
هل تنزع نظريته إلى صفة الاستقلال العقلي الذي رُفض في قضية الإجماع ، بل ولم يكن حتى في النبوة ؟

إن تسمية القياس أصلا تعني الاستناد إلى حالة سبق وأن كانت لتُقاس عليها الحالة الجديدة، بمعنى أنها كانت إما في القرآن أو السنة، أو الإجماع.

** علة التشريع هي السبب الذي من أجله طُبّق على الحالة الجديدة حل الحالة القديمة.
**بعض الفقهاء المغالين في العقلية أساؤوا استخدام القياس في حالة صعوبة وجود العلة المشتركة، باستخراجها بطرق معقدة من البرهنة والتدقيق إذ لم توجد صريحة في النص.

وما جهود الفقهاء والعلماء برهنة وتقصيا وقياسا إلا الاستقاء من المنبع الوحيد وهو حكم الله تعالى.

يقول دراز: ((وإذا لم يرد الحكم في نص الكتاب أو السنة فإن القياس يحاول أن يكشف عنه في روحهما وفي مفهومهما العميق، ويأتي أخيرا دور الإجماع محاولا إدراك هذا الحكم في فحوى مجموعهما ))

وبعد المصادر الأربعة للتشريع والتي تعرض لها الكاتب بشيء من التعريف والتفريق ليُرفع اللبس عن قضية "أحادية المصدر مع ذكر أربعة" :


« آخر تحرير: 2018-01-28, 12:40:04 بواسطة حازرلي أسماء »
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6545
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
إذن حتى الآن فقد فصّل دراز في مصادر الشريعة لرفع اللبس عن قضية أحادية المصدر من جهة ووجود أربعة مصادر من جهة أخرى ... فعرفنا أن المصادر الأربعة : قرآن، سنة، إجماع، قياس كلها إنما تصدر من مشكاة واحدة من أمر الله تعالى وتشريعه وحكمه لا من اجتهادات عقول محضة هكذا دون استنباط أو برهنة من وحي النصوص.

كل هذا إنما هو مدخل لنتعرّف قضية "الإلزام الأخلاقي" التي منبعها القرآن... وكما عرفنا متجسدة في "أمر" و"فرض" و "مكتوب"

عرفنا أنّ التمييز بين الخير والشر أصل مركوز في النفس البشرية، في نور فطريّ مودَع فيها على هيئة "العقل" المزوّد بهذا التمييز، ولكنّ العقل لن يكون مشرّع القوانين لأنّ حلوله ستكون على ضروب، فأنت بحثا عن حلّ مشكل بعينه ستجد أقوالا مختلفة وآراء متباينة وكلّ يرى نفسه على حق، ولو وُكِل للإنسان أن يجعل لشعائر العبادة شكلا فإما أن يتوقف بالكلية وفا يفعل شيئا، وإما أن يجعل عددا لا حدّ له من الأشكال ... وغيرها...

وبالتالي فالحاجة إلى تشريع وتقنين وإلزام أعلى ضرورية لأنه سيتسم بالشمول والحسية والكمال ...
وعلى هذا فالعقل نور فطري مودَع فيه قانون من صانعه يمكّنه من التبصّر بالحق والفضيلة ولكن بشكل نسبي، يحتاج إلى فصل وكمال يكمّله النور الإلهي أو ما عبر عنه ب"العقل الإلهي"...
نور العقل مع نور الوحي مستويان من مصدر واحد ... ولا يتعارض عقل مع نقل في حال إبعاد الهوى ...

وكما أشرنا.. دراز يَعرض لدراسة مقارنة بين النظرية القرآنية والنظريات الإنسانية الأخلاقية بموجب التفريق بين عقل -وهو النور الفطري الذي وصفنا بعض خصائصه في التمييز بين الخير والشر والحق والباطل- وبين عقل وهو النور الفطري مزوّد بالنور الإلهي هاديا ومرشدا ومقننا ومشرعا ...

والآآآآن ....

نتعرف إلى بعض خصائص التشريع الإلهي، والإلزام الأخلاقي في القرآن :

 emo (13): المبدأ الأساسي الذي صدرت عنه الشريعة الإلهية "إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ"  "إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ"

emo (13):  القرآن لا يكتفي بتصدير شكل الأمر وجعله سلطة مطلقة هي الأساس لسلطان الواجب على الإنسان، بل يتبعه بما يسوّغه، ويربطه بالقيمة الخلقية التي تُبنى عليه .

كيف ذلك ؟؟
emo (16):  "وَالصُّلْحُ خَيْرٌ"  من بعد الأمر بالصلح تسويغا للأمر وإنزالا له منزل القبول بتبيين الحكمة من ورائه .
emo (16):  عندما يأمر بغض البصر وهو سبحانه يعلم جنوح النفس لشهوتها "ذَٰلِكَ أَزْكَىٰ لَهُمْ" .
emo (16): الأمر بالتبين من النبأ، يوضح سبحانه الحكمة من وراء التبين لتسويغه : "أن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ".
emo (16): الأمر بالإشهاد عند التداين : "ذلِكُمْ أَقْسَطُ عِندَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَىٰ أَلَّا تَرْتَابُوا"

وبالتالي فالأمر الإلهي يحيلنا إلى الجوهر ... يعبر دراز بهذا اللفظ "جوهر الواجب"، والذي لا أراه إلا الحكمة التي قد تظهر نسبيا للعقل وقد تبقى خفية على الإنسان .

جوهر الواجب
  لا نستطيع تمييزه كله، بل فقط نلمح ملمحا منه عن طريق النور الفطري المركوز والمتمثل في العقل، ولكن النور غير المحدود والذي يُجلي لنا حقيقة الجوهر كلها هو نور الوحي ...

يقول دراز : (ففي فكرة القيمة يكمن المنبع الحق للإلزام، فهي عقل العقل وهي المرجع الأخير للحاسة الخُلُقية.)

---------------------------

خصائص التكليف الأخلاقي

1- الشمــــــــــــــــــــــولية :


 emo (16):  أمر القرآن  للإنسانية جمعاء لا ريب، وذلك من نصوصه الصريحة : " يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا" . "تبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَىٰ عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا"

 emo (16):  الكلّ يؤمَر بالأمر -فضيلة كان أو قاعدة عدل مثلا- على نسق واحد، بمعنى أوضح :
 على نفسه : "أتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ ۚ أَفَلَا تَعْقِلُونَ"
 emo (16): على الناس: "ويْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ *الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ"
 emo (16): على الأغنياء والفقراء والأقرباء والبعداء سواء : "يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ ۚ إِن يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَىٰ بِهِمَا ۖ فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَىٰ أَن تَعْدِلُوا ۚ"
 emo (16): خارج الجماعة وداخلها : " ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ* بلَىٰ مَنْ أَوْفَىٰ بِعَهْدِهِ وَاتَّقَىٰ فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ"
 emo (16):  على الأعداء : "لَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُوا ۚ اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ".

emo (13):  من جهة أخرى أيضا الشمول يتمثل حتى في الأمر الذي نزل في فرد بعينه، يطبّق على الحالات المماثلة
emo (13):  الشمولية أيضا تكون بتطبيق الأمر في مختلف الظروف، وهو ما يشبه مصطلح "الضرورة المطلقة" necessite absolue ولكن بفرق جوهري يكمن في أن الأمر القرآني يُطبّق في حال يكون ممكنا تطبيقه، وهذا بدوره لا يعني التعلّل كيفما كان وكيفما اتفق للتهرب من التطبيق، بل هو ملزِم ولكن لا ينحني أمام حالاتنا الذاتية ولا أمام مصالحنا الشخصية

أراها رائعة هذه الدقة في تأمل دراز في القانون الأخلاقي في القرآن الكريم emo (30): فهو يجمع من هنا وهناك مدار الحكمة في الأمر الإلهي، ومعنى إحاطة نور الوحي بجوهر الواجب من كل جهاته ...

طيب قد يسأل سائل ليستوضح، ما معنى الحالات الذاتية والمصالح الشخصية التي ينأى بموجبها إنسان ما عن تطبيق الأمر الإلهي ؟؟

مثال :   



 emo (16): الارتياب  emo (16): مرض القلوب :  "وإذا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُم مُّعْرِضُونَ *وَإِن يَكُن لَّهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ*أَفِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَن يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ ۚ بَلْ أُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ*إنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ "

طيب... على عكس هذه النفس المتململة والمضطربة -ونعلم أنها نفس منافق- هناك النفس "المحسنة" وهي التي تبلغ المدى في الامتثال، والقرآن يمتدحها : "الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ ۗ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ" 
وحتى إذا تأملنا الآية الموالية لهذه الآية، نلاحظ أنها الأنفس المحسنة وهي المرتّبة أولا ...

 emo (16): ومثل هذا أيضا في امتداحه سبحانه لمن يتحدون بالشجاعة الجوع والعطش في سبيل الله :"ذلِكَ بِأَنَّهُمْ لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلَا نَصَبٌ وَلَا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَّيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُم بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ ۚ إِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ"

وأواصل لاحقا بإذن الله تعالى، وإني لأعيد قراءة الصفحات من الكتاب من فرط دسامتها من جهة وأنها النسخة المعربة لا الأصلية، ولأنّ تحليلاته عقلية منطقية تستدعي انتباه العقل بشدة  emo (30):
« آخر تحرير: 2018-01-30, 11:56:18 بواسطة حازرلي أسماء »
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل ابنة جبل النار

  • شباب إيجابي
  • ***
  • مشاركة: 618
  • الجنس: أنثى
شكرا أسماء..جميل ما وضحت.. متابعة ان شاء الله   :)
سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن ﻻ إله إﻻ أنت أستغفرك وأتوب إليك[/co

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6545
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
شكرا أسماء..جميل ما وضحت.. متابعة ان شاء الله   :)

أهلا بك دائما بهي  :emoti_317:
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6545
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
نواصل مع خصائص التكليف الأخلاقي  emo (30):

وقد عرفنا سمات من مثل الشمولية التي تمثل شمول المخاطَبين وشمول الظروف .

من خصائصه أيضا :

 emo (13): عندما يتكلم القرآن لا كلام لأحد : "ومَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ۗ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا "

وبالتالي فالأمر ضرورة أخلاقية، ولكنها ليست كالضرورة المادية القاهرة ولا كالضرورة المنطقية التي إن رآها العقل فلا يمكن رؤية غيرها .
فالضرورة المادية هي التي تقهر أجسادنا مثلا فلا نجد من قهرها فكاكا، وكذلك الضرورة المنطقية تحكم على تصوراتنا العقلية .

أما الضرورة الأخلاقية فسمتها الاختيار ذلك بالقبول أو بالرفض، بالطاعة أو بالعصيان، بالامتثال أو بالتمرد. وهي في القرآن القاعدة الأساسية لكل من الإيمان والواجب  : "مَّن يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ ۖ وَمَن تَوَلَّىٰ فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا" . "لا إِكْرَاهَ فِي الدِّين"
"وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَن فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا ۚ أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّىٰ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ"

ولكن هذا الاختيار حسب الواقع لا حسب الشرع، وبالتالي :
 emo (13):فالضرورة الأخلاقية ضرورة مثالية لا ضرورة وجودية

أي أنها تتحقق ممن يؤمن ويعتقد بها ويقبلها ويلتزم بإلزامها، ولا تتحقق ممن لا يقبل ولا يلتزم

المنطق مثلا يفرض نفسه على العقل، بينما الملزِم أخلاقيا يفرض نفسه على الإرادة، على أنه لم يكن ويجب أن يكون. أي أن الملزم الأخلاقي ينتج من حكم على قيمة لا من حكم على واقع.

على ذكر هذه النقطة تحديدا  يلوح لي مبدأ أن القرآن يظل حاكما على الواقع، لا محكوما به، لذلك فقِيمه تُراد لذاتها وإن قضى الواقع بقلة انتشارها بين الناس أو بندرة وجودها ...

الإلزام الأخلاقي، والضرورة الأخلاقية لا تقهر الجوارح ولا تُكره المدارك بل قضيتها قضية اختيار، وهذا ما يُفرض على الضمير .

« آخر تحرير: 2018-01-31, 12:12:38 بواسطة حازرلي أسماء »
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6545
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
القيمة الأخلاقية لذاتها وسمة تطبيقها عمليا

يستمر دراز في عرض بعض النظريات الغربية، إحداها للفيلسوف "كانت" يقرر فيها ما مفاده أنّ المبدأ الخاطئ لا يكون قانونا يعمّم إلا وظهر التناقض عند استخدامه .وأن اللاأخلاقي عنده يساوي اللاعقلي واللامنطقي.

يحلّل دراز -وكما أوضحنا بتفريقه بين الضرورة الأخلاقية والضرورة المادية والضرورة المنطقية- أنّ وديعة ما وقد استودِعت عند أحدهم يصرّح بداية أنه سيؤديها إلى صاحبها، ثم يعود ليتملكها، وأن هذا التبديل في الموقف لا يُعد حتما دليلا على الخطأ الأخلاقي، فأن يتنازل المالك الأصلي للمستأمَن عن تلك الوديعة عندها يُخوّل له تملكها دون أن يُلام ولا أن يُعدّ متمردا أو متناقضا...

بينما لو افترضنا أن مبدأ لا أخلاقيا يُراد له أن يكون قانونا شاملا من مثل "الوعد الكاذب" والذي يُستخدم بحجة حاجة صاحبه للكذب، فمن يشرّع هذا لن يحبّ أن يُخدع مَن لا يريد له أن يُخدع بهذا القانون، وبالتالي فالتعارض قد حلّ بالصعيد التشريعي ذاته.

ورغم ذلك ففكرة الوعد لا تُعد بهذا متناقضة ، وإنما التناقض يطرأ على اليقين بنهايتها بمعنى تتحقّق أو لا تتحقّق، وبالتالي فهي ليست ضرورة منطقية، كما يرى "كانت" مثلا.

المنطق يمثل حقيقة تحليلية ساكنة بينما الأخلاق ذات طابع متحرك، يحققها من يحققها ويدع تحقيقها مَن يدع، وهذا سعي الفكرة الأخلاقية نحو كينونتها الإيجابية أو السلبية، بمعنى نحو نهايتها، ولن تتحقق بذاتها، بل بفاعل مريد حر، وتكون حافزة لإرادته على تحقيقها.

يصفها دراز بقوله : (هي الإلحاح على مثال أعلى عملي يطلب حقه في الوجود الفعلي.)

والحياة تقتضي الفعل والحركة لهدف محبب للإنسان يسعى لتحقيقه، بمعنى عن طريق وسائل لتحقيق غايات، بينما القانون الأخلاقي وحده هو الذي يفرض نشاطه لأجل القيمة ذاتها لا لأجل مآلاتها. لذلك أمر الواجب يسمى حقا إلزاما . بينما الأوامر الأخرى تنفيذها يؤدي لغايات محببة.

القانون الأخلاقي يكتفي بأن العمل به إلزامي وحسن في ذاته دون أي علاقة بالنتيجة التي يوصل إليها حسنة كانت أو سيئة .


هنا أستحضر قول الكثيرين جدا من المسلمين بطريقة يحسبونها زيادة في الإسلام وفي بيان حقه وعلوّ شأنه، أنّ تطبيق الأمر القرآني ينتج عنه لا محالة حياة طيبة، أو رزق وفير، أو عاقبة حسنة في الدنيا، بينما النظر في الواقع يعطينا حالات معيشة صعبة يكابدها مسلمون ملتزمون، من فقر أو مرض أو تعرض لظلم، بل وحتى ما يتعرض له بعضهم من التزامهم بقول كلمة الحق مثلا، أو شهادة حق، أو رفض أن يشهد زورا، وغيرها ... وعلى هذا فلنلاحظ دقة دراز هنا، وهو يحلل ويمشي نقطة نقطة وبمقارنة بين القانون الأخلاقي وباقي القوانين، ليصل إلى أن الإلزام الأخلاقي سِمَتُه أن قيمة الملزِم أخلاقيا في ذاته، ويطبّق لذاته بغض النظر عن النتائج المترتبة عن تطبيقه...

-----------------------------------
والقرآن في تعليمه الأخلاقي قد سار بتدرج يقضي بالتعويد على أن تكون القيمة الأخلاقية مستهدفة التطبيق لذاتها ولجوهرها  لا لأغراض تحصل من ورائها .

 emo (13):كما أن من سمات القانون الأخلاقي أن يكون تطبيق القيمة الأخلاقية بالنظر إلى الإلزام ذاته لا تطبيقا مجردا من النظر إلى الناحية الإلزامية، وإلا أصبحت أعمالا تطبق آليا بلا روح .

إذن فقانون الواجب الأخلاقي يتميز بـأنه : 

 emo (13):قانون حرية
 emo (13):قانون عقل
 emo (13):قيمته ذاتية
 emo (13):نشاطه ذو طابع روحي.

نواصل لاحقا بإذن الله ... ولله دَرّ الدراز !!  فقد جعلني أتحدى لأقتطف من بساتين كتابه ::)smile:

ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6545
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
إذن قد عرفنا أن القانون الأخلاقي في القرآن إلزامي، وضروري وشامل... وما يميزه أن القيمة الأخلاقية في ذاتها لا من نتائجها ... وتحركها إرادة حرة ...

هل القانون الأخلاقي مشروط أم غير مشروط ؟

هذا القانون مشروط، ومن أهم شروطه :

أولا: إمكان العمل :


 emo (16): من حيث الطبيعة الإنسانية
 emo (16): من حيث الواقع المادي
 emo (16): من حيث تدرج الأعمال

جاء قوله تعالى : "لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا" "لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا ۚ"

وقد نزل قوله تعالى: "وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله" ففزع الصحابة من ثقلها عليهم، فأرشدهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أن يسمعوا ويطيعوا، فأنزل الله على إثر ذلك قوله : "لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا" ليُعلم منها أن ما لم يخضع للإرادة في النفس لم يكن ضمن دائرة التكليف

تحدث دراز بحديث أعجبني عن الحالات اللاإرادية التي تكون عليها النفس، مثل العواطف، وضرب مثلا العاطفة السلبية "الغضب" وأن الأوامر المرتبطة بهذه الحالات جاءت لا لتحكمها في ذاتها بل لتحكم أثرها ... يحلل مثلا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا تغضب" بأنه جاء ليحكم ما يترتب عن الغضب وأن يتحكم الإنسان بفعله بعده لا بألا يكون أصلا، لأنه عاطفة لا إرداية تحدث للبشر ...
يقول بعبارته أن أمره وكأنه يعني : (لا تخلّوا بين أنفسكم وبين الانزلاق في نتائج الغضب الطائشة، وقاوموا الحركات التي تسير في اتجاه فاسد بتوجيهها وجهة أخرى)

إذن فهي الطبيعة البشرية، ويقتضي الأمر عدم وجود تكليف فيما هو خارج الإرادة بل في الإرادي، وفيما ينتج عن اللاإرادي لا في اللاإرادي ذاته

ذهبت فِرق إلى أن الله تعالى يكلف بالمحال، أي بما هو فوق وسع النفس ...

طيب هنا تعرض دراز للاختلاف بين المعتزلة والأشاعرة، المعتزلة حملة لواء النظام العقلي الخالص، والأشاعرة الذين تصدوا لهم ...

المعتزلة التزموا المعنى الحرفي لـ : "لا يكلف الله نفسا إلا وسعها" بينما الأشاعرة تخبطوا ...

المعتزلة شطوا وشطحوا حتى رأوا أن النظام العقلي وحده قادر على التوصل لذات الله، وللشرائع الأخلاقية، وإلى ما يُفرض علينا، وأن الكتب والرسل لم يكن لها إلا أن أثبتت الآراء العقلية . وأن الله لا يتدخل في أعمالنا الإرادية. وأن الواجبات الأخلاقية صادرة أساسا من معرفة فطرية تفرق بين الخير والشر.
أصل الخلاف القائم بين المعتزلة والأشاعرة، أن المعتزلة لما أغرقوا وغالوا في إطلاق العنان لدور العقل، الأشاعرة تصدوا لطرحهم، ورفضوا الاعتماد على العقل في هذه المشكلات الوجودية  حتى شطوا هم أيضا وتطرفوا ...

المعتزلة لم يؤكدوا على القدرة الكاملة، بينما أكدوا الحكمة من وراء أوامر الله .
الأشاعرة   أكدوا القدرة الكاملة وألغوا الحكمة تقريبا. جعلوها إرادية غير متعلقة بغاية.

والأشاعرة هنا قالوا بأنه من إرادة الله وقدرته المطلقة يكلف بالمحال ...

ما معتمَدهم في ذلك ؟؟

** أبو لهب، والوليد كل منهما بين الله مصيره .... "سيصلى نارا ذات لهب" و "سأصليه سقر"

إذن فقد كُلّفا بالمستحيل يعني أن يؤمنا بينما :

1- سابق علم الله أنهما لن يؤمنا، ويكلّفان بالإيمان .----->  كيف يمكن أن يوجد ما يعلم الله أنه لن يوجد .
2- تكليف بالإيمان بما تقرر فيه أنهما لن يؤمنا .----> تناقض أن يحدث تكليف بإيمان بعدم الإيمان .

الرد على ذلك .... أنها استدلالات فاسدة ...
ذلك أن العلم بعدم الوجود لا يستلزم عدم إمكانية الوجود، فهذا خلط بين الممكن والواقع، وبين الجوهر والوجود. من ناحية، ومن ناحية أخرى إيمانه بأنه لن يؤمن يحسه من نفسه ويعرفه بالتجربة الشخصية، ولا يُجبره عليه ما جاء عنه من عدم إيمانه .

** بل يغالي الأشاعرة أكثر فيقولون أن القدرة تصاحب العمل، بمعنى أنه لا يفعل إلا والقدرة مصاحبة لأحد أمرين إما لطاعته أو لمعصيته، فإن كان على طاعة فالقدرة هنا، فقد استطاع، فإن عصا، فالقدرة مع المعصية ولم تكن له مع الطاعة، فهو مع الطاعة غير مستطيع ...!!!  :emoti_209: فالعاصي وهو يعصي غير قادر على الطاعة، بينما وهو يعصي يؤمر بالطاعة، وبالتالي فهنا تكليف بالمستحيل، يعني يفسرونها بانه غير قادر على الطاعة وهو منشغل بالمعصية، اي بالضد، فهنا يكون تكليفا بالمستحيل بما لا يُطاق !!! وهذا من البدع والغرائب والعجائب إذ لا توعز معصيته لعدم القدرة ولعدم الطاقة ...وهذا خلاف الكتاب والسنة، وخلاف ما عليه عامة العقلاء ...
وهنا الأشاعرة بهذا لم يجعلوا التكليف بالمستحيل في حالات خاصة، بل لقد زادوا فعمموه، بينما المعتزلة يقدمون الحرية على العمل .

والحل الوسط، من روح القرآن ذاته ..... حل قرآني


** يقول  تعالى: "إن الله يحكم ما يريد" هي ليست تسلطا  بل تبين معناها   --قوله تعالى--  : "والله يقضي بالحق" .
** قوله تعالى: "عذابي أصيب به من أشاء" -- يقابله تتمة الآية-- "ورحمتي وسعت كل شيء" .

وإلى ملتقى قريب بإذن الله مع هذا الكتاب الذي على دسامته أجده ساحرا  emo (6):
« آخر تحرير: 2018-02-08, 09:39:13 بواسطة حازرلي أسماء »
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6545
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
أين كنت مختبئا عني أيها الكتاب الرائع ؟!  ::ok:: أقضي معه وقتا ولا أروع   :emoti_277:
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6545
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
قد عرفنا أن القانون القرآني، وهو إلزام ولكنه مشروط، وعرفنا من شروطه "إمكان العمل" .. أي أن يخرج من دائرة التكليف حالات النفس اللاإرادية، وهو لا يكتفي بهذا ... بل إنه فوقه ينفي المشقة وإن كانت في حدود الطاقة ... إذن سنتعرف على "تيسير العمل"

ثانيا : تيسيـــــر العـــــمل:


يقول سبحانه : "يرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ".
ويقول سبحانه : "مَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ۚ".
ويقول أيضا : "وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ".

يؤكد دراز أن هذه مزيّة الرسالة المحمدية دون الشرائع السابقة، ولا يذهب في التاريخ البشري أبعد من تاريخ بني بني إسرائيل مع أنبيائهم، ليؤكد أن عصرهم هو عصر التعسير..

طيب كيف ذلك ؟

ذلك من أوجه :

**يقول سبحانه : " رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا" ...
إذن هناك إصر ... فما هو، وفي أي شريعة كان ؟

**حوار الله تعالى مع موسى حينما أخِذ السبعون بالرجفة عند جبل الطور، جاء فيه قوله تعالى : "وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ۚ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ(156)الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ ۚ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ ۙ أُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ(157)" -الأعراف-

** دين إبراهيم عليه السلام اتسم بالرحمة أيضا : "وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ۚ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ ۚ".

** السبت وتحريم الطيبات خُصّ بها بنو إسرائيل : "نَّمَا جُعِلَ السَّبْتُ عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ" و "فَبِظُلْمٍ مِّنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَن سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا".

** خلق الله الإنسان ضعيفا، "خُلِقَ الْإِنسَانُ ضَعِيفًا"، وما كان وقد كتب على نفسه الرحمة أن يبتدئه بنظام ضاغط شديد.

بعض مظاهر التيسير

 emo (16):يضرب دراز مثلا قيام الليل، وكيف خُفف على المؤمنين فلم يصبح فرضا بعد إذ كان كذلك، إذ أن العمل العبادي لا ينبغي أن يتحول إلى عمل آلي لا يعلم معه الإانسان ما يقول أو مايفعل من شدته عليه. يقول صلى الله عليه وسلم :"إذا نعَس أحدُكم في الصلاة ، فلْيَرْقُدْ حتى يذهبَ عنه النومُ . فإنَّ أحدَكم إذا صلَّى وهو ناعسٌ ، لعلَّه يذهبُ يستغفرُ فيسُبُّ نفسَه" -صحيح مسلم-  كما قال صلى الله عليه وسلم : " لِيُصَلِّ أحدكم نشاطَهُ ، فإذا فَتَرَ فليَقْعُدْ ." -صحيح البخاري-

أعجبتني هذه الفقرة عند دراز : (فالقيام بأي نشاط تعبدي ينبغي إذن أن يستغرق الزمن الذي يحتفظ فيه القلب بنشاطه وسروره فحسب، إذ من الواجب علينا ألا نحول عبادة الله إلى عمل بغيض إلى قلوبنا)

كما يقول أيضا في ملاحظة دقيقة رائعة :
emo (16): كما أن الطابع الرحيم للشريعة يظهر عند تبدّي ظروف يشق فيها العمل المتعوّد عليه، فيتم تعديل الواجب " وِفق الواقع" "وِفق الظروف الجديدة" إما بتغيير، أو بتخفيف، أو بتأجيل، أو بإلغاء .

مثال:
في الإسلام تقرر أن الكم العددي للجنود الذين يقابلون العدو 10 مقابل 100 : "إن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ ۚ وَإِن يَكُن مِّنكُم مِّائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَفْقَهُونَ" 

ثم خُفّف: "الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا ۚ فَإِن يَكُن مِّنكُم مِّائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ ۚ وَإِن يَكُن مِّنكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ" ... هنا نلاحظ أن التخفيف جاء عقِب الأمر، بينما الغالب والعادة أن يأتي في الوقت ذاته مع الأمر، إذ نقرأ الأمر ونلمح الاستثناء خلال التشريع.
فيكون إما بإعفاء كامل أو جزئي أو بتغيير .من مثل :

** "ليْسَ عَلَى الْأَعْمَىٰ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ "---->  إعفاء كامل.
** "فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِّإِثْمٍ ۙ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ" الاضطرار حفظا للنفس---> إعفاء كامل
** التقصير في الصلاة عند السفر ----> إعفاء جزئي.
** قضاء الصوم على المريض أو الكبير العاجز أو المسافر ---> إرجاء.
** التيمم عند غياب الماء أو المرض المانع ---> استبدال.

ملاحظة مهمة :

على ألا تكون العقبة المانعة مصطنعة من الإنسان، بل طبيعية... وهناك عقبات صنعها الإنسان واستفحلت فيه وتمكنت منه مع تطاول الزمن وإِلفها ومنها الخمر مثلا. فما الحل من الشريعة، القبول بها على فسادها ؟؟

الحل معها هو التدرج ...
يقول دراز :


« آخر تحرير: 2018-02-08, 09:48:12 بواسطة حازرلي أسماء »
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6545
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
وبمناسبة التدرج في القرآن تحت عنوان "تيسير العمل"، كان لي تأمل حول تحريم الخمر، والتدرج البديع في ذلك منذ أكثر من عام كتبتُه، هو التالي:

-------------------------------
اليوم في لقائنا الأسبوعي مع سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، بلغنا مرحلة تحريم الخمر... العام الرابع للهجرة

تأملنا المراحل الثلاث لتحريمها، فإذا أول مرحلة فيها كانت بعد خمسة عشر عاما من البعثة... وآخر مرحلة كانت بعد سبعة عشر عاما من البعثة...!!!

سبعة عشر عاما والخمر غير محرمة، وشاربها لا يؤثم...
سبعة عشر عاما، تأسست فيها عقيدة المؤمنين في مكة، وبدأت فيها معالم الدولة الإسلامية في المدينة، وأصبح للمسلمين قوة مُهابة، ونُصروا على المشركين نصرا مؤزرا في معركة الفرقان، وأصبحت لهم هيبة، وعرفت لهم شوكة... وعرفوا الهزيمة في أُحد، واعتبروا بدروسها العظيمة... وأرغموا أنوف اليهود المخادعين...

والمؤمنون ما يزالون يشربون الخمر....
وأول مرحلة من مراحل التحريم كانت عبر السؤال:
"يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما"
لقد تركهم الله تعالى عليها حتى سألوا عنها بأنفسهم...

لقد آمنوا وهم يشربونها، وتأسست عقيدتهم وهم يشربونها، وخُلّيت أنفسهم من موروثات الجاهلية وهم يشربونها، وحُلّيت بالإيمان وبالهدى وهم يشربونها...

وتزكوا، وعملوا الصالحات، وتنافسوا على الخيرات، وتدارسوا القرآن وعملوا به وهم يشربونها...
وجاهدوا وهم يشربونها، واستشهدوا وفي بطونهم منها... !!!

ثم سألوا عنها بعد كل هذا، بعدما عاينوا حياتهم الجديدة والخمر ملازمة لهم، بعدما أُخرجوا من غيابات الجاهلية إلى نور الحق وهي ما تزال ملازمة لهم...

إنهم لم يفكروا يوما بشأنها من قبل إسلامهم، لقد كانوا يشربونها ويعشقونها ويتغنون بها في أشعارهم، حتى استغنى كثير منهم عن الماء بها... فكانت سقياهم...
أما اليوم، فقد سألوا عنها...
لقد تركهم الله حتى سألوا عنها...
لقد جعلهم الإسلام يفكرون... يتساءلون، يستخدمون العقل لغاياته التي لأجلها خُلق...

لقد عرفوا أنه دين لا يستقيم معه تغييب العقل، لقد عرفوا بما عاينوا أنه دين العقل، دين الصحوة، واليقظة والفكر والتفكير لا دين الخرافة والخيال والتغييب واللاعقل...
لقد دلهم على التفكير ...على إعمال العقل، وعلى تقديره، وعلى صونه، وعلى الحفاظ على الكيان المسلم بالحفاظ على عقل سليم، صاح، مفكر، واع...
لقد عاينوا بأنفسهم الفرق بين ما يكونون عليه ويكون عليه إيمانهم وهم بعقل حاضر، وما يكونون عليه وهم بعقل مغيّب...

لقد عرفوا بما عاينوا أن أحسن حالاتهم مع عقل صاحٍ وأن أسوأها مع عقل مخمور مغيّب

لقد سألوا هم أنفسهم عن شيء كانوا يرونه حياة من الحياة... هواء مع الهواء، ماء فوق الماء...
هكذا كان فعل الثورة العقلية في الإسلام، هكذا هو عهد الصحوة والرقي بالعقل إلى مرتقاه الذي لأجله خُلق...

ها هم اليوم يسألون..... ليفتح السؤال أول باب التحريم... وقد تهيأت العقول السائلة والنفوس الراقية لقبول الجواب، للأمر في شأن الخمر...

فكانت البداية ببيان إثم فيها هو أكبر من نفع، لتتهيأ النفوس للتوجس مما كان ملازما وقطعة من الحياة...

وهكذا تبيّن لهم بعدها كيف يسوق إثمها إلى الخلط في الصلاة... في لقاء الله، في الصلة بالخالق...

فيأتي أمر صارم بئلا يقرب الصلاةَ سكران: "يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سُكارى حتى تعلموا ما تقولون" ليزداد التوجس، ويقوى الاحتراس، وتتسع دائرة التضييق...

إلى أن يصل الأمر إلى التحريم النهائي وقد قرنت بالأنصاب فكانت عِدلا للشرك، ووصفت بالرجس، وأنها من عمل الشيطان، وتقرر الأمر باجتنابها لتحصيل الفلاح :" إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه"

نعم لقد كانت البداية من سؤالهم... من سؤال العقل الذي عرف أن هذا الدين لا يستقيم مع عقل مُغيّب، بل هو دين العقل... العقل الحاضر الواعي، الصاحي...

فترك أصحابه ليسألوا، وكان السؤال أول باب التحريم، ...تحريم تغييب العقل بسؤال العقل في ساعة عقل...


ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6545
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
إذن قد عرفنا التدرج مندرجا تحت التيسير، وأنه كان يُعالَج به التعود على فساد لتخليص الإنسان منه شيئا فشيئا، فكان مثال تحريم الخمر ... فكان على مراحل أربع.
* أولاها :إشارته تعالى مجرد إشارة بقوله : "ومِن ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا ۗ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ". فحدث توجس وتحرج من هذه الصفة التي يعرفونها .
* نزلت : "يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ ۖ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا ۗ" وها هم أولاء قد سألوا بعدما تحرجوا من الوصف الأول. فجاء الجواب مقرّبا المعنى أكثر لعقول كثيرة ستستوعبه.
* بقي الغالبية على شربه، فوجبت كلمات أكثر وضوحا لتقتنع كل العقول فنزلت : "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنتُمْ سُكَارَىٰ حَتَّىٰ تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ". فكانت "لا تقربوا" منهجا علميا لتوسيع فترات الانقطاع، وحتى لتقليل تداولها من السوق بالتدريج .
* جاء الأمر النهائي بالتحريم : "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ".

وهكذا التدرّج نجده سِمة الأخلاق القرآنية كلها ... كيف ذلك ؟؟

 emo (16):  القرآن لم ينزل جملة واحدة، بل نزل منجّما، وكانت المرحلة المكية والمرحلة المدنية، فأما المكية فنزلت فيها آيات تدعيم الإيمان وتثبيت المبادئ والقواعد العامة للسلوك، وأما المدنية فنزلت فيها القواعد العملية لحل المشاكل الخاصة أخلاقية كانت أو شرعية.

 emo (16): كل أمر جديد كان يُحدث تقدما بالنسبة إلى الحالة السابقة، كما كان هو انطلاقة نحو حالة لاحقة.

 emo (16): التباعد الذي كان بين نزول الأوامر، مثل منهجا تربويا خاصا، إذ لو نزل جملة واحدة ليُفرض على النفس مرة واحدة لما كان له من محلّ، ولذلك تقبلته الأنفس بارتياح، وهي تتربى الهُوينى، وتألفه شيئا فشيئا، كما كانت تلاحظ أثر كل تربية منه وامتثال لأمر منه عن كثب، فكانت تستعد في كل مرة لتلقي المزيد.

وها هنا تحديدا عند هذه النقطة أستحضر ما فهمته مرة من آية في سورة المائدة في قوله تعالى : "لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوا وَّآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَوا وَّآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوا وَّأَحْسَنُوا ۗ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ" وهي قد نزلت فيمَن مات في غزوة أحد قبل تحريم الخمر، مات شهيدا منهم مَن مات وفي بطنه من الخمر ... فجاء فيها أن الله تعالى لا يؤاخذهم بذلك وتحريم الخمر جاء تاليا لموتهم، فهم قد اتقوا وآمنوا وعملوا الصالحات .... ثم من جاءه أمر تال مخالف لما كان عليه، -وهنا هو التحريم قبل النهائي- وامتثل له فهذا ضمن : "ثم اتقوا وآمنوا"  ولم يرفضوا أو يتمردوا، ثم من عاش إلى أن نزل أمر التحريم النهائي فامتثل وحرم على نفسه ما حرمه الله، هذا ضمن : "ثم اتقوا وأحسنوا"

وهكذا نلاحظ كما قال دراز أن النفوس تتلقى تباعا الأوامر وتمتثل للأمر تلو الأمر ... حتى يحصل الترقي شيئا فشيئا ... إلى أن يبلغ درجة الإحسان .

يقول دراز أن الكفار لم يفهموا الحكمة من هذا التنجيم، فطفقوا يتبجحون قائلين : "وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً ۚ " ... والعلة والحكمة نجدها فيما بقي من الآية : "كَذَٰلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ ۖ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا" كما يقول سبحانه في محل آخر: "وقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَىٰ مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلًا".

أما عائشة رضي الله عنها ففهمت الحكمة، حتى قالت : "حتى إذا ثابَ الناسُ إلى الإسلامِ نزَلَ الحلالُ والحرامُ ، ولو نزَلَ أولُّ شيءٍ : لا تشربوا الخمرَ لَقالوا : لا نَدَعُ الخمرَ أبدًا ، ولو نزَل : لا تَزْنُوا ، لقالوا : لا نَدَعُ الزنا أبدًا " -من حديث في صحيح البخاري-

وهكذا نرى جليّا كيف أن الأوامر القرآنية، والأخلاق القرآنية عموما اتسمت بالتدريج في ولوجها على النفوس.
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6545
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
إذن حتى الآن عرفنا أن القانون الأخلاقي القرآني قانون مشروط، تحدّه "الطبيعة الإنسانية" و "الواقع" و "ن تدرج الأعمال" ... فعرفنا أنه يجب أن يكون :

1- يسيرا على الطبيعة (ممكن)
2- يسير واقعيا، بحسب مقتضيات الواقع (عملي)

الآن سنخوض عنصرا أخيرا هو ضمن الشروط .

ثالثا : تحديد الواجبات وتدرجها :

يتساءل دراز هل "الخير"  و "الواجب"  وجهان لعملة واحدة ؟
هل هناك حد يُكتفى به، ودرجات عليا يمكن تجاوزها في الواجب؟

الإجابة نجدها مختلفة، متفاوتة من واحد إلى آخر:
**فأصحاب العزائم يرون أن الخير مساو للواجب، بحيث أن الواجبات عندهم يجب تأديتها على أكمل وجه، بدرجات كمال ..

** العامة يرون أن الواجب هو الحد الأدنى من الإنسانية .

أصحاب العزائم نسألهم، بهذا هل كل مجالات الخير يجب أن تكون بدرجات عليا، وكلها ملزمة ؟ أم أن يكون الملزم والمُؤدى بدرجات كمال مجال خير دون آخر ؟

الإجابة المنطقية ستكون أن الحالة الأولى عصيّة على الطاقة البشرية، والحالة الثانية لا تشبع الحاجة الأخلاقية.

يقول دراز أن الإنسان تركيب من العلاقات، مع نفسه، مع الأسرة، مع المجتمع، مع ربه ...
ويجب أن يتحقق تناسب بينها كلها.
الحاسة الخلقيــــــــــــــــــة -----> ازدهار مجموع علاقات الإنسان .
المفهوم الإسلامي للواجب -----> ان تتربى النفس على تنمية كل تلك العلاقات، قال سلمان الفارسي لأبي الدرداء: "إن لربِّكَ عليك حقًّا، ولنفسِك عليك حقًّا، ولأهلِك عليك حقًّا، فأَعْطِ كلَّ ذِي حقٍّ حقَّه"، ولما أُخبِر رسول الله صلى الله عليه بقوله له، صدّق عليه بقوله : "صدق سلمان" -صحيح البخاري-

وبالتالي فالواجب فرع من فروع الخير الذي في الحياة، ولا يشغله كله.

والحد الأعلى من الواجب يحدده كلٌّ حسب ضميره، فالتقصير مثلا في أداء واجب يستتبع عند أحدهم تأنيبا قاسيا، وعند آخر عتبا رقيقا، وعند ثالث لا يثير أدنى رد فعل في ضميره.

ومن هذا نستنتج أن الإنسان قد أدرك أن فكرة "الخير" تتضمن حدا أدنى إلزاميا وإضافات ذات إغراء بثواب أكبر.

وهنا  التفاوت الإنساني في تقدير حد الواجب طبيعي، بينما يخطئ إذ يقول أنه الحد الأدنى .

وعلى هذا التفاوت، مَن له تحديد الحد الأدنى الضروري ؟ ووِفق أي مقياس ؟

 emo (16):الأخلاق الإسلامية تحدد درجتين للعمل :
1- الخير الإلزامي الذي ما دونه يكون إخلالا بالواجب .
2- الخير المرغوب فيه .


 emo (16): القرآن يحضّ دائما على الرقيّ وعدم الركون إلى المرحلة المشتركة، إلى المستوى المشترك بين الجميع (الحد الأدنى، الخير الإلزامي)

أمثلة:

* يقول تعالى : "فمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ ۚ وَأَن تَصُومُوا خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ"
* يقول تعالى : "وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا"
* يقول تعالى : "وَأَن تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ ۚ وَلَا تَنسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ ۚ"
*  إمهال المَدين واجب إن كان عاجزا عن الدفع، ولكن إعفاءه خير يقول تعالى : "وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَىٰ مَيْسَرَةٍ ۚوَأَن تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ".
* أداء الفرائض واجب، ولكن الزيادة خير : "وَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ".
-----------------------------
وهكذا ونحن ننتقل مع دراز ألاحظ أنه يصل بنا إلى الحقيقة القرآنية والإسلامية بطريقة عقلية، بتحليلات عقلية، شيئا فشيا، نجد أنفسنا أمام حقائق وأنظمة نعرفها من القرآن، نعرفها من ديننا، ولكن تعريفه لها يليق جدا بمَن يخاطب عقلانيين، بمَن يخاطب غير المسلمين، فضلا عن تعريف المسلمين بما يعرفون وهو يمشي الهُوينى، وينتقل بالمدارك من شيء إلى شيء، لنكتشف مدى دقة التشريع القرآني ... ومدى مواءمته للحق، وللأنفس البشرية، ومدى ما كان له عظيم الدور في تفادي التخبطات والاختلافات العقلية والتفاوتات في ميدان العقل والضمير ... لقد بلغءنا معه الآن إلى :

لكل عمل درجات إيجابية ودرجات سلبية وبينهما أمور، وعلى هذه الصورة قمت بتصميم مُجمل ما وضعه من التحديد القرآني للواجب ودرجاته :


وبالتالي هنا لم يكن الغرض من لطف الشريعة إلغاء الجهد والخضوع للموقف هكذا سريعا، بل قُصِد منه إرساء الجهد على أساس عقلي، أي عقلنته
« آخر تحرير: 2018-02-10, 09:35:38 بواسطة حازرلي أسماء »
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6545
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
تناقضات الإلــــــــــــزام

يتطرق دراز الآن لتناقضات الإلزام .... بمعنى أن الإلزام على أرض الواقع يَعرض له مجموعة من التناقضات التي لا يجب إغفالها، ونريد أن نفهم كيف يتمكن القانون الأخلاقي من تحقيق الموازنة فيها ...

يبدأ بـــ :

1- الوحدة والتنوع  :

نقاط دقيقة جدا جدا، ورائعة يَعرض لها دراز ... وأهم ما في الأمر بيان الصراع بين "المثالية" و "الواقع"، وبيان واقعية هذا التشريع، وهذا القانون الأخلاقي القرآني .... بلغ إعجابي مداه لتركيز دراز على هذه النقطة بالغة الأهمية، مع ما نعرف من خبط وخلط سببه الخلط بين ما يفرضه الكثيرون جدا من الدعاة المتشددين والوعاظ الذين لا يرون في الدين إلا قالبا يُصب، مُغفلا أن الدين راعى الواقع، وراعى الطبيعة البشرية وطاقتها، فجعل هذا التحديد للواجب ودرجاته ...

** هذا القانون الأخلاقي القرآني ، يجب أن تكون له فاعلية عند تطبيقه في الواقع، فيستدعي مرونة مناسبة .
** إذا كانت الأخلاق علما، فيجب أن يُبنى على أساسا من قوانين شاملة وضرورية
** موضوعها تنظيم النشاط الإنساني، وبالتالي لا يمكن أن تكون مجموعة نُظُم لا تطبق إلا على أفراد قليلين، هنا الشمولية تُكسر. ويجب أن يكون تطبيقها ضروريا .
** الحياة متنوعة ومتبدلة، فهل يكون نموذج السلوك الأخلاقي الذي يطرحه هذا القانون ثابتا وعاما، أم قابلا للتنويع والتبديل بحسب طبيعة حركة الحياة وتبدلها ؟

أن يكون ثابتا وعاما، هنا يُلغي حركة الحياة، وتبدلها، ويُختصر الزمان في برهة، والمكان في نقطة،(وسوف تُمحى الحياة ذاتها، لتحل محلها فكرة مجردة لا توجد إلا في تخيّل عالِم الأخلاق le moraliste )

أنقل هنا كلمات دراز، لدقتها وأهميتها :
« آخر تحرير: 2018-02-10, 09:53:58 بواسطة حازرلي أسماء »
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6545
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
عرفنا ضمن "تناقضات الإلزام" عنصر الوحدة والتنوع.. هل يكون نموذجا واحدا ثابتا غير قابل للتغيير، أم ينزل إلى ساحة الحياة التي تتسم بالحركة والتبدّل والجدة ؟

والآن يعرض دراز إلى عنصر ثان هو من تناقضات الإلزام :

2- سلطة وحريــــــــة  :

الإلزام يجمع طرفين بإرادتني مختلفتين :
** المشرّع الحريص على أمره وسلطته.
** الفرد الذي يعمل وهو يدافع عن حريته .

emo (16): القوانين التي يسنّها المشرّع تحافظ على بقائها ما احتفظت بمعناها كاملا، دون أن تخضع لوطأة الظروف. وبالتالي يصبح القانون مسيطرا يسلب حريّة المطبَّق عليه، ويكون منه الخضوع التام . فأي جدوى لضمير كهذا ؟

emo (16): من ناحية أخرى إن مُتّع الفرد بالحرية الكاملة، فسيصبح الأمر الملزم مجرد نصيحة، يأخذ بها من يأخذ، ويُعرض عنها مَن يُعرض.

فما الحل ؟؟ الانحياز لطرف دون آخر ؟ أم التوفيق ؟؟ وإن كان الجواب "التوفيق" فكيف يتحقق؟؟

الحل القرآني قد حقق التوفيق بخلاف النظريات الوضعية التي انحازت لطرف دون آخر ...
--------------------

أحب هنا أن أشير إلى أهمية المقارنة التي يُجريها دراز بين النظرية الأخلاقية القرآنية والنظريات الوضعية، إذ هو هنا عقليا ومنطقيا وبرهانيا يوضح الفرق بين هذه وتلك، هو هنا يحلل النظريات الوضعية، فيُنصف ويبين الحسن فيها، ثم يحلل فيبيّن العَوار فيها والنقص والسلبيات، وعدم صلاحيتها للتطبيق العام من منطلق منطقي.. يناقشها في ذاتها، وينقدها من ذاتها، ثم يَعرض بالمقابل للنظرية القرآنية، وكيف حققت سد الثغرات التي لم تتمكن النظريات الوضعية من سدّها ....  والقارئ بإزاء هذا العرض لا يُقهَر بالعاطفة الدينية مثلا ليُصدر حكما، بل هذا العرض مُقنع حتى لصاحب الدين الآخر، أو لصاحب اللادين بالكلية ...

هنا دراز سيعرض نظريتين مختلفتين، إحداهما للفيلسوف "كانت" والأخرى للفيلسوف "روه"، وهما على طرفي نقيض في عملية الانحياز للطرف المشرّع أو للفرد المتلقي للتشريع ...

وقد مشيتُ معه الهُوينى مع عرضه لنظرية كانت حول الواجب الأخلاقي وكيف يعرّفه، وكيف يصيغ تعريفه. الأمر فلسفة، ولكن لنحاول مع دراز الوصول إلى ما وصل إليه كانت ... لنتعرف إلى جهد العقل البشري المحض، وأين يصل به ...  emo (30):

--------------------------------

نظرية كانت(بين سلطة المشرع أو حرية الفرد؟)

يعرف كانت الواجب بالطريقة التالية : (الواجب قانون شامل لجميع الإرادات، هو كل سلوك يمكن أن يُصاغ في قاعدة عامة دون أن يكون عرضة لنقد العقل أو تسخيفه .)

** يقيّم كانت العمل بأنه أخلاقي أو غير أخلاقي بمقياس عمومية تطبيقه، بمعنى أنه إن كان يصلح للتطبيق العام فهو أخلاقي، ولا يقيمه بمقياس النتيجة حسنة كانت أم سيئة .
** يتلخص فِكره في نظرية الواجب في ثلاث مراحل :
1- إثبات حدث أولي بالنظر في السلوك الذي يصدر من الإنسان .
2- تحليل السلوك للارتقاء به إلى العمومية.
3- هبوط لوضع القواعد الأساسية للأخلاق.

طيب كيف يعمم كانت السلوك كقاعدة وقانون عام... نمشي معه مرحلة بمرحلة ؟؟

1- إثبات حدث أولي بالنظر في السلوك الذي يصدر من الإنسان .

يقول بأنه قبل أن نكيّف قاعدة السلوك وأحوالنا الشخصية نقيسها على ما نتطلبه من الآخرين ..
وفي الحقيقة هذه الإدانة للأنانية هي التي استخرج بها الضمير الإنساني مبدأ شمولية الواجب وتبادليته . وهذا حسن، والقرآن ينصّ عليه مثلا في قوله تعالى : "لَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ وَلَسْتُم بِآخِذِيهِ إِلَّا أَن تُغْمِضُوا فِيهِ ۚ ".  وبينها صلى الله عليه وسلم بيانا دقيقا في قوله : "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه"

كانت انطلق من الإدراك العادي في تعريف الواجب، وتعميمه ... يقول مثلا : "سلْ نفسك إذا هممت بعمل هل يمكن أن يحدث  في قانون الطبيعة التي تعيش فيها ؟"
مثلا إن كنت تسمح لنفسك بالخداع، فهذا ليس حتما أن يقع من غيرك، إن كنت  لا تبالي ببؤس الناس، فليس حتما ألا يبالي غيرك ...

2- تحليل السلوك للارتقاء به إلى العمومية.

طيب ... من أين يأتي هذا العمل المثالي الذي لا يوجد في التجارب ؟؟

** يجعله كانت مستقلا عن القانون التجريبي . يستمده من عالم ذهني صرف.
** لا يجعله مستقلا عن قانون الطبيعة وحسب بل يجعل الإرادة مستقلة عن أي مؤثر لتضع هي قانونها.
** يجعله قانون عقل محض.
** يجعلها عمومية مطلقة.
** يجعله حكما جازما ضروريا وقبليا .


وهذا منه قمة قمة التجريـــــــــــــــــــــد


ثم يبدأ دراز بنقد النظرية مرورا بمراحلها الثلاث...

السؤال : هل فعلا التعميم، أن يصبح قانونا عاما يستلزم أنه أخلاقي ؟؟؟
السؤال : هل ما أرى أنني لا أحب أن يُفعل بي يرتقي إلى قانون عام ؟؟

مثال :

من يُجاري أهواءه البريئة التي لا حرج في إرضائها، ماذا سيصنّف ؟؟ سيعمّم حسب كانت، وهنا :
1- سيتساوى الحَسَن أخلاقيا بالمُحايد أخلاقيا .
2- سينحصر الواجب بهذا في حدود "المُباح" والذي عرفناه في تقسيماتنا الإسلامية .
3- هنا يحدث خلط بين : هذا يمكن أن يكون عاما و هذا يجب أن يكون عاما .

وليس هذا وحده الالتباس الحاصل، بل يحصل ما هو أخطر حسب قاعدة كانت، سيُطلق وصف الخير الأخلاقي على كل سلوك يرتقي ليصبح قانونا عاما وإن كان أكثر الأعمال تهمة .
كيف ذلك ؟؟

** الطبيب الذي يخدع مريضه ليشفيه .
** الإنسان المرهَف الذي يؤثر الانتحار على تحمل العار .

هنا هل يُعمّم على كل من وُضع بظرفه ؟؟؟

** التبتل أي الإعراض عن الزواج وهذا لو عُمّم فإن النتيجة البدهية أن ينقرض جيل بأكمله !! ولا نستطيع تجريم عمل من يتبتل .. فهل يُعمّم ؟؟ !
** وأبعد من كل هذا ... من ينادي بأن الفسق، والدعارة والعُري أخلاق، وينادي بالعتراف بها، وتُقنّن كما نعرف اليوم، فهل هذا قانون يعمّم ؟؟ وأخلاقي ؟؟؟ !!

وبهذا تبطل المقابلة بين الأخلاقي والعام

أيــــــضا :

** كانت يجعل من القانون الأخلاقي شاملا بشكل بالغ التجريد، ذلك بالنظر إلى القيمة الأخلاقية التي لا تكمن في النتيجة ولا في التوافق مع ميولنا، يقول أنه يبتعد عن المذهب الأمبيريقي الذي يحصر الخير في النتائج، ويبتعد عن النزعة الصوفية التي تتوه في العالم العلوي، فيرى المنهج العقلي الأنسب للقانون الأخلاقي.
ويضيف : (تجريده يعتمد على استقلالية الإرادة عن كل الدوافع الحسية، وأن عمومية القانون هي محرك الإرادة)

** من ناحية كيف له أن يصل إلى شكل محض وهو لم يستنفذ كل الحلول باستبعاده لكل الدوافع الحسية، أي الظروف .
** ما يراه كانت أن كل عام واجب، والصحيح أن كل واجب عام، ولكن ليس كل عام واجب.
** ليست كل القيم بإمكانها أن تُعمّم كالتي لا تكون يسيرة على الكل، ولا ممكنة من مثل التبتل، فإن عُمّم ما لا يستطيع أن يتحقق من الكل، كيف له أن يكون واجبا وإن كان عاما .

** العمومية في القانون لا تعفي من النظر في شرعيته، إذ أن القانون العام لا يستلزم أن يكون شرعيا، وكانت يقضي بأن الشكل والتعميم كاف، وهنا يصعب تمييز الفضيلة من الرذيلة .

إذن فالتناقض الأكبر في نظريته يكمن في أنه يرى القانون الشكلي أساسا للخير ولا يرى الخير أساسا للقانون الشكلي .

يرى أن الخير بالضرورة ناتج عن قانون يسبقه، ولا يرى أن القانون ينتج عن خير ...
مثلا أن يُنشد السلام أليس نابعا من حب تنمية الحياة الإنسانية ؟
ماذا لو عُمّم وفُرض مثلا القضاء على الضعفاء لإتاحة الحياة والنماء للأقوى ؟  أي خير سينتجه هذا القانون ؟

نظرية كانت تغير حتى مفهوم الإرادة الإلهية ... إذ أن أمر الله على هذا هو حق لأن الله أمر به وحسب، ، وليس لانه حق في ذاته .
رجال اللاهوت يقولون : "هذا أمر علوي من الله" وكانت يقول: "هذا أمر حتمي من العقل المحض"
رجال اللاهوت أمر الله ضمان لهم ضد الباطل والظلم، ولكن كانت أي ضمان لديه من حتمية أمر عقل بشري ؟ أي ضمان لديه فيه ضد الظلم والباطل ؟؟ إلا إذا ساوينا بين العقل الإلهي والعقل البشري !!!

إذن فأي تحليل مما رأينا يؤدي إلى ترقية القانون الذي يُستنبط من العقل المحض بهذا التجريد وبهذه الشكلية إلى قانون عام ؟؟ هذا القانون لأنه عام فهو واجب كيفما كان حكمه، كيفما كان مضمونه... وكما رأينا أن تُعمم المطالبة بالعُري والفسق ... !!




« آخر تحرير: 2018-02-11, 12:46:11 بواسطة حازرلي أسماء »
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6545
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
فيما رأينا عرفنا بعض تناقضات قضية "الإلزام"... عرفنا 1- الوحدة والتنوع كما عرفنا 2- السلطة والحرية  بمعنى التناقض الذي يُحدثه هذا المفهوم بين أن يكون واحدا ثابتا لا يتغير متماثلا عبر الأزمنة، أو أن يكون منوعا متبدلا بتبدل حركة الحياة وطبيعتها، وأن تكون فيه السلطة مطلقة صارمة واحدة شاملة لا حِياد عنها لاستثناءات، وبين أن تسيطر الحرية الفردية ...
وفي نقطة "السلطة والحرية"  تطرق دراز كما رأينا إلى عرض نظريات غربية، ماذا يعني القانون الأخلاقي، أن يكون ذا سلطة صارمة شاملة أو أن يكون بمحض إرادة خاصة لكل فرد ...

فعرض نظرية "كانْت" الذي يرى أن القانون الأخلاقي هو المسيطر على كل الإرادات بشكل تجريدي مُغرق في التجريد، بحيث لا يتأثر بأي محسوس، وبأي ظرف وبأي تجربة في الواقع، ولا يراعي من الواقع تبدلا، وحتى وصل أنّ مجرد تعميمه يحكم بنفاذه على الكل، ويحكم بخيريته، إذ هو لأنه عام فهو خير، وليس لأنه خير فيُعمّم ....

**وهنا تعرض دراز لنقد نظريته، فوصل إلى إمكانية الإصغاء للمنادين بالعُري والفسق أخلاقا، وبتقنين ما يريدون، يصبح القانون عاما وملزما وأخلاقيا ... ! وإن كان ظالما أيضا ... !

** كما يعرض في نقده له إلى قضية صراع الواجبات، إذ هي كثيرة ومتنوعة، ولا يجوز امتداد أحدها على الآخر، فمثلا الواجب نحو الوالدين، هو غير الواجب نحو الزوجة، غير الواجب نحو الجار، غير الواجب نحو رئيس العمل، بل إن تعدي واجب على حدود واجب قد ينقلب جريمة، ولذك عرف الإسلام تحديد الواجبات وترتيب درجاتها (فرض، مباح، مكروه، محرم).

بعض الواجبات لا تتصارع...

مثلا :
*لا أكذب ولا أقتل، عادي وجودهما سويا، ولكن أواجه بالحقيقة من لا يحبها لمرارتها وأكون مؤدبا، ذلك هو الصراع...
* أصدق في قول يعرّض أحدهم للخطر أو أكذب لإنقاذ حياته.
*  أعود في وعد وعدته لأنني اكتشفت أنني أشارك به في ظلم أحدهم، أم أوفي بوعدي .

ومن ثمّ كانت الضرورة لتضييق مجال عمل أحد الواجبات على حساب الآخر....

ولنتأمل ....
وهذا ما يهدم نظرية كانت الذي جرّد وجرّد حتى عزل القانون الأخلاقي عن الواقع وملابسات الواقع، وعن المحسوس، وعن الاستثناءات، فجعل الإرادة محكومة بالقانون الجامد . بمعنى مثلا : أصدق وإن تعرض أخي للموت . أوفّي بوعدي وإن اكتشفت أنه في سبيل شرّ ...

يقول دراز :



انطلاقا من هذا تُنقض نظرية كانت التجريدية عن القانون الأخلاقي، والتي تفرض سيطرة كليّة للإلزام وللمشرّع بسلطة مُطلقة لا تُراعي الواقع، وكون القانون معمم فيكفي لا نقاش، وكونه معمم لا استثناء ...
من هنا  ينتقل دراز إلى نظرية مخالفة كل المخالفة وهي للفيلسوف "رُوهْ"

نضع عن نظرية روه في المداخلة الموالية  emo (30):

ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6545
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
نظرية رُوه (بين سلطة الإلزام أو الحرية الفردية ؟)

روه على النقيض من كانْت يدافع عن الحرية الفردية الكاملة ...

** الأخلاق عنده = الشعور بالجمال أو الشعور بإرادة الحياة .

** يرى أن القيمة الأخلاقية من صنع الإنسان، وما عداه يراه التلبس بفوق الإنسان surhomme .
**  يُلقي بالإلزام بل بالأخلاق عرض الحائط .
**  ولقد كان محقا حينما خالف كانْت وأعلن  عجز القواعد المجردة عن حكم الواقع المادي، ورأى أن رجل الأخلاق لا يجب أن يغفل عامل المكان والزمان (الظروف)
** كما كان محقا في أن السلوك واقعي، ولا يكفي أن يكون منطقيا، بل يجب أن يكون قابلا للتحقق عمليا .

** الواقع + العوامل النفسانية في تحديد رود الأفعال + أن التاريخ لا تتماثل فيه لحظتان عبر امتداد الزمن = الصفة النسبية للحياة الأخلاقية .

وبالتالي فإن روه يركز على عامل الزمن، فيتخلى عن المبادئ والمُثل، ويرى وجوب إخضاعها للظروف لا أن نخضع لها ... يرى أن الفرد يضع مبادئه ويهدمها متى شاء حسب التجرية التي يحياها ...

وعلى هذا فإن رُوه على عكس كانْت يرى أن الواقع هو السيد على كل شيء، ولقد نجح في تفادي التجريد الكانْتي وإعطاءَه السلطة الكاملة للعقل المحض، ولكنه سقط في فخّ عدم التماثل بين لحظتين في التاريخ، ذلك أنه أبعد  إمكانية التشابه بين لحظَتَيْن ...
روه هنا يرى أن العنصر الفردي ينفي تأثير العنصر الجنسي عبر الزمن ... 

طيب أنا هنا سأوضح ... emo (30):

بمعنى أن ما مرّ به الأسبقون نعم لن يتماثل تماثلا كاملا مع ما يمر به اللاحقون عبر الزمن، ولكن لماذا يُستبعَد التشابه ؟؟ وهنا ما دور التاريخ ؟؟؟ إن لكم يكن من تأثير للأعمال الماضية  يدعو إلى الاعتبار والتعلم والتقليد والتمثّل ... ؟! نعم التماثل لا يكون، ولكن التشابه كائن ...

وفي رؤيته لسيادة عنصر الزمن اللحظي على السلوك، بمعنى الظرف وأنه الذي يحكم السلوك بشكل كلي، ينقد دراز بقوله أن الحكم القِيَميّ لا يُبنى على الواقع وحده، إذ أن الحدث(وهو المرتبط بالزمن، وهو التجربة) مناسَبة لوقوع العمل، وليس في حد ذاته سيئا أو حسنا، والقيمة مطلقة وغير مرتبطة بالزمن.

إن مجرد الاختيار بين ممكنات كثيرة بتفضيلنا بينها اتجاها على آخر ينبع من وجود "المثل الأعلى" لا من الواقع وحده .
وحسب روه ستحدث إشكالية أن المثل الأعلى وهو يربطه بالزمن  فذلك إما أنه يولد مع العمل ويموت بعده، أو أن الإرادة تحتاج مبدأ ثابتا يحكمها بصفاته العليا وهو بذلك ليس إلا القانون الأخلاقي ...
إذن فقد عرض لنظريتين مختلفتين تماما، وكل منهما تنحاز لجهة دون أخرى، فتغالي في دور السلطة حدّ الشطط، أو تغالي في حرية الفرد حدّ الشطط أيضا ... إذ تمسّك كل منهما بما يراه شرطا ضروريا وسببا كليا، بينما هو واحد من الأسباب، وواحد من الشروط ...

وعلـــــــــــــــــــــيه :


 emo (16):  إن القانون الجامد الواحد الثابت لا يستطيع أن يُطبَّق على الواقع المتغير، به يبلغ العالَم مرحلة المتماثل.
 emo (16): وبالمقابل مع عدم وجود قانون ثابت العقل لا يعمل، إذ أن عمله يكون وِفق قوانين .

 emo (16): عندما نريد أن تتجدد البداية في كل مرة، ولا نستند إلى أصل، لن يتحقق تقدم في الخطوات، ولن تكون هناك حقيقة .

ما يُستساغ هو :

لقاء الفكرة   بـــــــــــــــــــــــــــــالموضوع
لقاء الشكل   بـــــــــــــــــــــــــــــالمادة
لقاء الفرض  بــــــــــــــــــــــــــــالتجربة

لتنتج : شرارة المعرفة

وألخّص تفريعات دراز، وما فهمتُ منها في هذا الذي صممتُه :


إذن فالقرآن يدعونا للنظر إلى السماء وهو يُثبت على أًسس واقع متينة، يحقق خضوعا للقانون مع حرية للذات .

ونكمل في مداخلة تالية بإذن الله  ....  emo (30):
« آخر تحرير: 2018-02-18, 10:54:19 بواسطة حازرلي أسماء »
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6545
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
خاتمة فصل الإلزام

نكمل بعد إذ عرّفنا دراز على ما يليق بالإرادة الإنسانية من توفيق بين السلطة الإلزامية والحرية الفردية ...
وهو ما حققه القانون الأخلاقي القرآني ...

تساؤلات :


 emo (16): ألا يجوز أن يتعارض الطرفان، والإنسان يجد له مندوحة وحرية، فينساح بتلك المندوحة ...
يجيب دراز بــ : لا ... فهذا الضمير المعني فيه شرطان لا يجتمعان في غيره، فهو من جهة مستنير بواجبات محددة ومرتبة (تحديد الفرض من المحرم وغيره)ومن جهة هو مواجه لواقع مراعًى وما ذاك إلا ضمير المؤمن

فالله سبحانه يقول للمؤمن بما معناه : افعل هذا إلا المحرم، ولا تفعل هذا إلا إذا كنتَ مكرها بضرورة، ولا يتركه دون أن يحصنه ضد دوافع خفية يخالف فيها الأمر بضرورة زائفة مصطنعة : "فمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِّإِثْمٍ ۙ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ".

هنا النفس هي الملومة، حينما ترى المخالفة البسيطة حراما، أو حينما ترى النهي إكراها وحجرا، بينما هي تعلم أنه ليس مراد الله تعالى.

** في قضية المشتبه الذي يلتبس فيه الفهم أو التصرف، ما على المؤمن إلا أن يبذل جهده ويميز باتباع وإخلاص، فإن أخطأ بعد هذا فلا إثم : "وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُم بِهِ وَلَٰكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ ۚ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا".

قال صلى الله عليه وسلم : "إنَّ الحَلالَ بيِّنٌ وإنَّ الحَرامَ بيِّنٌ وبينَهمَا مشْتَبَهَاتٌ لا يعْلَمُهُنَّ كثيرٌ من الناسِ . فمنْ اتَّقَى الشبهَاتِ استَبرَأَ لدينِهِ وعِرضِهِ . ومن وقعَ في الشبهَاتِ وقعَ في الحرامِ " -صحيح مسلم-
وقال صلى الله عليه وسلم : "دعْ ما يريبُك إلى ما يريبُك" -صحيح-
وقال صلى الله عليه وسلم : "ستفْتِ قلبَك والبرُّ ما اطمأنَّت إليه النَّفسُ واطمأنَّ إليه القلبُ والإثمُ ما حاك في القلبِ وتردَّدُ في الصَّدرِ وإن أفتاك النَّاسُ وأفتَوْك" -الترغيب والترهيب: إسناده حسن-

 emo (16): مادام الشرع قد نظم كل الحالات، بالتحديد والدرجات، ما عدا الحالات المشتبهة النادرة، فأين دور الضمير الفردي في تقرير الواجب ؟؟

الجواب أن أغلب القواعد المُصاغة في القانون الأخلاقي ليس فيها التحديد لكل الجوانب، فبين المحدد وغير المحدد مسافة للعمل الفردي، ولا يقتصر الأمر هنا على ذوي الاختصاص من المشرعين .

أيضا الانتقال من المفهوم الأخلاقي نحو العمل الأخلاقي، هل ما سيُحقق موافق لشروط القاعدة ؟

أمثلة :

** رعاية اليتامى قاعدة أخلاقية، لم يُحدد لها كمّ ولا وزن ولا كيفية .
** التوجيه للقبلة عند الصلاة، هل حُدّد لكل اتجاه من كل مكان السهم الذي يوجِّه ؟

إذن فهناك بُعد عن التحديد الصارم + صمت ملازم لكل قاعدة +  مسافة بين المفهوم الأخلاقي والعمل الأخلاقي.

وهذه التركيبة دعوة لاستمرار العمل التشريعي الذي بدأ من القاعدة الملزِمة، ومن حيث تنتهي المهمة المحددة للقاعدة يبدأ نشاط الفرد في ممارسة حريته .

طيب.... كيف ذلك ؟؟ ما معناه ؟؟  emo (30):

القاعدة الأخلاقية وُضعت لتنمية حريتنا لا لتقييدها، ففوائدها :

1- توفّر علينا ترددنا وحيرتنا .
2- تقلل من فرص الأخطاء.
3- تحصر التفكير بدل تركه تائها مشتتا بحثا عن الصائب.
4- تزيد الفاعلية وتقوي النشاط بحصر مجاله مثل تيار الماء يُحفر مجراه وتُدعم ضفّتاه، فما تفقده الحرية في الامتداد تكسبه في العمق وهي تبحث عن أفضل الطرق لأداء الواجب.

وأيضا :

ظروف الحياة المتبدلة + كثرة الواجبات ------> تؤلف بينها قاعدة  .

وأحسن وصف، وأدقه هو وصف دراز الأكثر من رائع، أنقله بحرفيّته على التوالي :












« آخر تحرير: 2018-02-18, 14:45:12 بواسطة حازرلي أسماء »
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6545
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون

1- فكرة المسؤولية :

** الإلزام والمسؤولية والجزاء ثلاثة أفكار متلازمة ومتسقة ومتصل بعضها ببعض، إذ أنّ المُلزَم مكلّف بتقديم حساب عما كُلّف به للجهة المُلزِمة(مسؤولية)، والملزِم المُحاسِب يكون منه أيضا الجزاء على ما ألزَم به ...

** الخالق سبحانه مسؤول عن أعماله، لا يُسأل عنها ولا يجيب.

** المسؤول أمام وجهين للمسؤولية: علا قته بالعمل ذاته، وعلاقته بالحاكم على العمل.

** المسؤولية استعداد فطريّ في الإنسان، أن يلزم نفسه سواء كان الإلزام من خارج ذاته : من الله أو من إنسان غيره ويوفي بالتزاماته .

** المخلوقات غير العاقلة تخضع لقانون الطبيعة دون أن يكون لها أدنى دخل في تغيير أو تعديل، بينما القانون الأخلاقي الذي يخضع له الإنسان، يجعله أمام إمكانات يختار بينها، فإما احترم القاعدة أو اخترمها .

غير العاقل ------------> أمام ضرورة.
العاقــــــــل ------------> أمام إمكانات .

يقول سبحانه وتعالى في هذا : "إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ ۖ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا " -الأحزاب:72-

**المسؤولية بين لحظتَين ...
1- اللحظة الأولى (القدرة والاستطاعة، وهنا -وجه العمل-) -------> الإمكانات بين أداء أو نكوص.
2- اللحظة الثانية (الخضوع، وواجب تقديم التقرير-وجه العلاقة بالذي يحكم العمل- ).

**أنواع المسؤولية : دينية وأخلاقية واجتماعية .
** كل مسؤولية تصبح أخلاقية، القانون القرآني يجعل حتى المسؤولية الدينية أخلاقية، بمعنى أنها على عاتق النفس، يقول تعالى : "علِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتَانُونَ أَنفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنكُمْ ۖ "، ويقول سبحانه : "وَمَا لَكُمْ لَا تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ۙ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ لِتُؤْمِنُوا بِرَبِّكُمْ وَقَدْ أَخَذَ مِيثَاقَكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ"، ويقول سبحانه : "إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا ۖ" .

إذن فالمؤمن المسؤولية عنده مزدوجة، فهي تصدر عن خارج ذاته مقرونة بمسؤولية ضميره الخاص على غير حال غير المؤمن .

** الأخلاق القرآنية تُضفي الصفة الدينية على مسؤولية. كأن يكون أقل وعد يُعطيه المؤمن مسؤولية : " وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ ۖ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا" .
يقول صلى الله عليه وسلم : "آيةُ المنافِقِ ثلاثٌ : إذا حدَّثَ كذَبَ ، وإذا وعَدَ أخلَفَ ، وإذا اؤتُمِنَ خانَ" -صحيح البخاري-

** الإنسان حر ومختار، فهو الذي يجعل نفسه مسؤولا، فهو إن يشأ لا يفعل... ولكن هذا الإلزام الذاتي مشروط بأن يكون نابعا من خير في قاعدة شرعية .

مثلا :

*طاعة الوالدين واجب مقدّس، ولكنه مشروط بألا يأمروا بمعصية، وكذلك ولي الأمر : "يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ" ولكن "فإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۚ ذَٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا". والتنازع يكون في الأمر الملتبس، ولكن في المخالفة الواضحة الرفض يكون صريحا .

** يُفترض ألا يوجد تصادم بين "مواطن صالح" و "مسلم صالح، إلا إذا صدرت من المسؤول أو الحاكم أوامر جامحة، هنا القاعدة فيما قال صلى الله عليه وسلم : "لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق"

** المسؤولية تتسم بالشمول من نواحٍ :

1- الكل مسؤول، الصالح من الناس وعامّتهم . "فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ". "فلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ" . "إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَٰنِ عَبْدًا "
2- من ناحية الفرد، في القرآن محكمة الضمير مُقَدّمة في المسؤولية الأخلاقية : "وكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ ۖ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنشُورًا" .  "عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ ".
3- من ناحية الموضوع، تُعرَض كل الأعمال : "وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا(47) وَعُرِضُوا عَلَىٰ رَبِّكَ صَفًّا لَّقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ ۚ بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّن نَّجْعَلَ لَكُم مَّوْعِدًا(48) وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَٰذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا ۚ وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا ۗ وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا(49)" -الكهف-

4- من ناحية الملكات والقدرات التي يستخدمها الإنسان : " إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا" .  قال صلى الله عليه وسلم : "لا تزول قدما عبدٍ حتى يُسألَ عن عمُرهِ فيما أفناهُ، وعن علمِه فيما فعل، وعن مالِه من أين اكتسَبه وفيما أنفقَه، وعن جسمِه فيما أبلاهُ"

ويجمع كل هذه النواحي في الشمولية قوله صلى الله عليه وسلم : "كلُّكم راعٍ فمسؤولٌ عن رعيتِه ، فالأميرُ الذي على الناسِ راعٍ وهو مسؤولٌ عنهم ، والرجلُ راعٍ على أهلِ بيتِه وهو مسؤولٌ عنهم ، والمرأةُ راعيةٌ على بيتِ بعلِها وولدِه ، وهي مسؤولةٌ عنهم ، والعبدُ راعٍ على مالِ سيدِه وهو مسؤولٌ عنه ، ألا فكلُّكم راعٍ وكلُّكم مسؤولٌ عن رعيتِه" -صحيح البخاري-

ونكمل عن المسؤولية بإذن الله لاحقا   emo (30):
« آخر تحرير: 2018-02-20, 09:01:55 بواسطة حازرلي أسماء »
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6545
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
2- شروط المسؤولية الدينية والمسؤولية الأخلاقية


أ-) الطابع الشخصي للمسؤولية :

تتسم المسؤولية حسب الدستور القرآني بالطابع الشخصي المحض ...
 
*"لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ۚ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ ۗ "
*"وَمَن يَكْسِبْ إِثْمًا فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ عَلَىٰ نَفْسِهِ ۚ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا"
* "مَّنِ اهْتَدَىٰ فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ".
* "يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَّا يَجْزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِ شَيْئًا ۚ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ ۖ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ"
* "الْيَوْمَ تُجْزَىٰ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ ۚ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ ۚ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ"
* "وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَىٰ"

** الآباء والأجداد لايتحمل الأولاد خطأهم، تبِعة خطيئة الإنسان الأول لا توجد : "تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ ۖ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُم مَّا كَسَبْتُمْ ۖ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ".

لا مخلّص من خطيئة آدم غير نفسه. كان يكفيه أن يعترف بخطيئته ويظهر ندمه ليُرَبّى هذا التائب الجديد، ويُرفع إلى درجة المُصطفَين : "ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَىٰ"

والفطرة الإنسانية عموما أصلها الخيرية : "لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم"

وحتى يستوفي دراز، عرض إلى حالتَيْن تبدوان مستثناتَيْن من المبدأ العام (الطابع الشخصي للمسؤولية):

أولا: "وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَّعَ أَثْقَالِهِمْ ۖ وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ" -العنكبوت:13-
ثانيا: "وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُم مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ ۚ "-الطور: من الآية 21-  : وهنا أنّ ذريات المؤمنين يُعاملون معاملة آبائهم الصالحين.

أولا نلاحظ أن المسؤوليات الفردية تبقى كاملة : "وَمَا أَلَتْنَاهُم مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ" و "مَا هُم بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُم مِّن شَيْءٍ" .

ما في الأمر أن هناك ما يأتي من خارج العمل الفردي فضلا على ما يلحق صاحب العمل من عمله .

نقف مع أولا :

**الذين يضلّون غيرهم من الناس : "لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۙ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُم بِغَيْرِ عِلْمٍ ۗ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ "

** الراعي الذي يُهلك القطيع له مسؤولية إضافية.
إذن فالمسؤولية هنا من وجهَيْن لإذنابهم من وَجهَين: "الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْقَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُوا يُفْسِدُونَ".

بل إن دراز يحاول أن يناقش كل التساؤلات في مجال الطابع الشخصي للمسؤولية ...

 emo (16): إن الأمر لأوسع وأكثر امتدادا من أن يحمل المُضلّ ذنوبه ومعها ذنوب الذين أضلهم، فسواء كان العمل دعوة إيجابية أو سلبية فإن المسؤولية تتضاعف وتتمدّد عبر القرون والأجيال. قال صلى الله عليه وسلم : "من سنَّ في الإسلامِ سُنَّةً حسنةً ، فله أجرُها ، وأجرُ مَن عمل بها بعدَه . من غير أن ينقص من أجورِهم شيءٌ . ومن سنَّ في الإسلامِ سُنَّةً سيئةً ، كان عليه وزرُها ووزرُ مَن عمل بها من بعده . من غير أن يَنقصَ من أوزارهم شيءٌ " -صحيح مسلم-   كما قال صلى الله عليه وسلم : "ليس من نفسٍ تُقتلُ ظلمًا ، إلا كان على ابنِ آدمَ الأولُ كِفلٌ منها " -صحيح البخاري-  وذكر الرسول صلى الله عليه وسلم بعدها قول الله تعالى : "مِنْ أَجْلِ ذَٰلِكَ كَتَبْنَا عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا".

 emo (16): بل إن الأمر لأوسع، إذا عرفنا أننا نُسأل حتى عن غيرنا. إذ أن اللامبالاة بالآخر، وبعدم دعوته وتنبيهه ونصحه يُعدّ امتناعا ومشاركة سلبية في الجريمة . ولقد لُعِن قوم عبر الأجيال لأنهم لم يكونوا يأمرون بمعروف ولم يكنونوا ينهون عن منكر : "عِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَىٰ لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ۚ ذَٰلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُوا يَعْتَدُونَ" -المائدة:78-

 emo (16): بل وأكثر من ذلك، فحتى إن لم تظهر للعمل نتيجة إلا بعد موت صاحبه، فهو معدود :قال صلى الله عليه وسلم: "إذا مات الإنسانُ انقطعَ عملُه إلا من ثلاثةٍ : من صدقةٍ جاريةٍ ، وعلمٍ يُنتفعُ به ، وولدٍ صالحٍ يدعو لهُ" -صحيح النسائي-.

إذن بهذا يُردّ الاستثناء الأول إلى المبدأ العام الذي هو الطابع الشخصي للمسؤولية، فما حمل المضل لأوزار الذين أضلهم مع أوزاره إلا نتيجة مزدوجة لإذناب مزدوج . وكذلك فإن التابعين الذين أضلوهم ليسوا بمعفَيْن من المحاسبة، غير أنها درجات تتفاوت بين ضال وحسب، وضال ومضلّ ...

نتوقف الآن مع ثانيا :

"وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُم مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ ۚ "-الطور: من الآية 21-
قيل أن الأمر فيها فضل من الله تعالى يمنّ به على من يشاء، وإلا فإن القاعدة لا محالة :
**"فمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ(7)وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ(8)" -الزلزلة-
**"وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا ۖ وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا ۗ وَكَفَىٰ بِنَا حَاسِبِينَ" -الأنبياء:47-

 emo (16):وهنا قد يُقال كيف يُلحق الأدنى بالأعلى درجة؟ ماذا عن كرامة الأعلى درجة وهو يُساوى بمن لم يعمل عمله ؟ هنا الجواب هو أن الجنة بخلاف الدنيا، ليست فيها النفس التي تحقد .

 emo (16): من المشروع هنا التساؤل عن إكرام يكون بالمُحاباة ... هنا دراز يفسر الآية بمعنى آخر مُتاح جدا لُغويا، ذلك أنّ إلحاق الذرية بهم هنا إنما هو بمعنى "الضم" "الجمع" مما لا يُحتّم مساواة، مستشهدا بقوله تعالى : "وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَٰئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ ۚ وَحَسُنَ أُولَٰئِكَ رَفِيقًا" -النساء:69- وهي فقط معية واجتماع مع تفاوت في الجزاء، كأعضاء جمعية واحدة ولكل منهم مسؤولية ودرجة وميزة .  وبهذا نصل حتى مع هذه النقطة الثانية إلى أنه لا تضارب مع مبدأ الطابع الشخصي المحض للمسؤولية في القرآن .

 emo (16): تبقى نقطة الشفاعة ...

نستخلص من نصوص القرآن في الشفاعة الشروط التالية:

1- الشفيع ليس هو من يطلب التدخل والتوسط، بل الله هو الذي يأذن لمن يشاء .
2- لا يتدخل إلا من يرتضي سبحانه قبوله.
3- لا يتوسط الشفيع عند الحاكم على أساس جاه عنده، بل يتوسل له بفضائل المشفوع له.

بل إن الشفيع لينسحب في حالات يجهل فيها ما كان من المشفوع له، وقد ثبت ذلك في حديث صحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه سيشفع في أصحاب له حتى يُقال له : "لا تدري ما أحدثوا بعدك" فيتوقف، ويقول : "سحقا سجقا بعدا بعدا ".
و "لا تدري ما أحدثوا بعدك"  تؤكد أنه بناء على فضائل المشفوع له تصح الشفاعة .

تبقى نقطة ... أن الله تعالى يفرّق في القرآن الكريم بين عطاء منه وعطاء، بين فضل منه وفضل، فضل عام وفضل محدود .
**فأما العام فهو لكل من خلق خيّرهم وشريرهم : "رحمتي وسعتْ كل شيء "-----> تندرج تحت "نظام الوجود"---->  فجاء الفعل في صيغة الماضي تأكيدا على وقوعه للكل .

** وأما المحدود فهو الذي خُصّصت به أمة دون أخرى : "فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ" -----> تندرج تحت "نظام القيم" -----> فجاء الفعل في المستقبل.

والحكمة الإلهية في قوله تعالى : "إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ" -الحجرات : من الآية13-

نواصل مع شرط جديد من شروط المسؤولية فيما يلي بإذن الله  emo (30):







« آخر تحرير: 2018-02-21, 13:36:34 بواسطة حازرلي أسماء »
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب