أيامنا الحلوة

الساحة الإسلامية => :: قرآن ربي :: => الموضوع حرر بواسطة: حازرلي أسماء في 2008-10-13, 09:07:39

العنوان: تعالوا نـــــَـــعــــــــش مع صفحة .........
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2008-10-13, 09:07:39
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

في الحقيقة أردت أن أضع شيئا من التأمل والتدبر والعيش مع القرآن العظيم على منتدانا الهادف ... فرحت أكتب في موضوع "قرآننا حياتنا أفلا نتدبر حياتنا ؟؟" فوجدت مني فتورا عنه .... ووجدتني أميل إلى أن أضع بعضا من هذه التأملات ، والبحث في التفاسير ، والبحث في الإعجاز العلمي في القرآن الكريم ....وأردت لهذا كله موضوعا أزوره بانتظام فأضع فيه ....سائلة المولى عز وجل أن يعينني وأن يقوي عزيمتي وأن يجعلني من الموفين بعهودهم إذا عاهدوا .....

ذلك لأننا أسبوعيا نعيش مع صفحة من صفحات كتابنا العزيز الحكيم ضمن حصة أسبوعية ننظمهافي الجمعية لعدد من الأخوات الفضليات ....وأردت أن أضع هنا شيئا من عيشنا مع هذه الصفحة الشريفة المطهرة ، وقد بلغنا حتى يومنا هذا مع المعدل الأسبوعي الصفحة السادسة والعشرين من سورة البقرة العظيمة بدءا من قوله تعالى :

"وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا  أولو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون   " البقرة 170

إذن سأحاول بإذن الله تعالى أن أشرككم العيش مع الصفحات الكريمات  بدءا من هذه الصفحة الكريمة ..... فـــ........تعالوا نعش مع صفحة ....
العنوان: رد: تعالوا نـــــَـــعــــــــش مع صفحة .........
أرسل بواسطة: ماما هادية في 2008-10-13, 09:41:23
 :emoti_133:

تسجيل متابعة

جزاك الله خيرا
العنوان: رد: تعالوا نـــــَـــعــــــــش مع صفحة .........
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2008-10-13, 09:57:22
نبدأ على بركة الله مع هذه الصفحة التي جاء فيها من محكم التنزيل العظيم :

وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَ لَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ (170)وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لاَ يَسْمَعُ إِلاَّ دُعَاءً وَنِدَاءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ(171) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ(172)  إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ المَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ(173) إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ الكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَناًّ قَلِيلاً أُوْلَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلاَّ النَّارَ وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ القِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ(174) أُوْلَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالهُدَى وَالْعَذَابَ بِالْمَغْفِرَةِ فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ نَزَّلَ الكِتَابَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ(175)
 

نبدأ مع هذه الآيات الكريمات البينات المطهرات بإخباره سبحانه وتعالى عن حال الذين إذا قيل لهم "اتبعوا ما أنزل الله"-ويأتي هذا في سياق منتظم وتتابع بالمعنى لما جاء قبل هذه الكلمات السماوية -، من قوله تعالى "يا أيها الناس كلوا مما في الأرض حلالا طيبا ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين   إنما يأمركم بالسوء والفحشاء وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون "

فقد جاء أمره تعالى للناس بألا يتبعوا خطوات الشيطان الرجيم وكما يقول الفخر الرازي في تلخيص البيان "وهي أبلغ عبارة عن التحذير من طاعته فيما يأمر به ، وقبول قوله فيما يدعو إلى فعله  "  فهو الآمر بالسوء والفحشاء ، ويأتي بلاغيا العطف بين السوء والفحشاء من قبيل عطف الخاص على العام إذ أن السوء يتناول جميع المعاصي ، والفحشاء أقبح وأفحش المعاصي .....فهو بين سيئ وأسوأ يتردد لا يعدو عنهما نعوذ بالله منه ومن شره ....

وهو الموحي لأوليائه بأن يقولوا على الله ما لا يعلمون وذلك بتحليل ما حرم سبحانه وتحريم ما أحل ، وذلك مبلغ من مبالغ إرضاء الهوى وتطلعات النفس وإبلاغها مبلغ الإله الذي يعبد من دون الله تعالى ، يقول سبحانه "ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله والذين آمنوا أشد حبا لله ....إلى آخر الآية الكريمة " ....
فيأتي النسق المنتظم ليخبر فيه الله تعالى عن حال من يؤمر باتباع ما أنزل الله تعالى بعدما بيّن سبحانه أن الشيطان للناس عدو مبين ، وأنه يوحي لأوليائه كل سوء وفحشاء وتقوّل على الباري جل وعلا ....فمنهم من يقول "بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا " هكذا كان جوابهم .... وسواء هنا أكانوا المشركين الذين دعاهم الحبيب صلى الله عليه وسلم للدخول في دين الله ونبذ الشرك وحطامه ، أم اليهود الذين ما ينفك الجزء الكبير من سورة البقرة العظيمة يحدثنا عنهم ويأتي بأخبارهم ويفضح حالهم وأحوالهم وتقلباتهم ، وأهواءهم وشركهم ، وكفرهم ، وتكذيبهم لرسل الله سبحانه ولما أنزل عليهم وتعذيبهم لهم ، وتكبرهم وتعنتهم وتجبرهم وتحريفهم وتبديلهم للكلام الإلاهي بكلمات من نسج أهوائهم الواهي ومن كتابة أيديهم الظالمة المتعدية ......

سواء أكان المعنيون هم المشركون أو اليهود الذين يملؤون المدينة المنورة ويحيطون برسول الله صلى الله عليه وسلم ويتربصون به وبدعوته الدوائر ، فإن الأمر سيّان .... وجوابهم لو تأملنا جواب أبله غبي .........أنّما نتبع ما وجدنا عليه آباءنا من الطرق التي ننتهجها ونرثها وراثة من غير تدبر ولا تعقل ولا تفكر ولا برهان ولا دليل ...... فيقول سبحانه وتعالى عزّ من قائل "أولو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون "   استفهام للإنكار والتوبيخ ..... وتأتي لفظة "يعقلون " لو نتدبر  فنرى أنّما ديننا دين يوائم الفطرة ويسايرها ، تلك الفطرة التي خصت بالعقل، بتلك النعمة التي اختص بها سبحانه عباده من البشر ليتدبروا ويعقلوا ويفقهوا ويفهموا ويدركوا ويعرفوا .....  لا يعقلون  ....إن العقل وإعماله وإنفاذ عمله لهْو الهدى إلى اليقين ولهو الهدى إلى سواء السبيل ، ولهو بلوغ اليقين والحق والنور ، وإن تعطيله لهو الضلال وهو الظلام وهو الهوى وهو التكبر والإلحاد ...... فما جعل العقل في بني البشر إلا ليهتدوا إلى أكبر اليقينيات ، اليقين بالله تعالى وبوجوده وعينه الرقيبة التي لا تأخذها سنة وحكمه المطلق وطلاقة قدرته وعظمته واتصافه بالصفات العُلى .....

لا يعقلون شيئا ولا يهتدون ....العقل في تعريفاته المختلفة تحوم حول معنى واحد فهو قُوَّةُ الإِدْرَاكِ وَالتَّمْيِيزِ وَالتَّفْكِيرِ   ، وعقل عقلا أي أدرك الأشياء على حقيقتها .....وأنه العلم بصفات الأشياء حسنها من قبيحها  ....وفي مجمله هو معرفة الحق... الحق الذي له وجه واحد ولا أكثر من وجه للحق ، والحق  والحقيقة الكبرى معرفة الباري عز وجل ، والتيقن من وجوده ومن حاكميّته في الأمور كلها ومن كمال تشريعاته ....
لا يعقلون شيئا ولا يهتدون ، وهل من لم يعقل بعقله وجود الله وربوبيته وألوهيته عرف شيئا وإن بدا له معرفته بكل شيء؟؟؟؟

من لم يعقل لم يهتد ومن لم يهتد لم يعقل والعلاقة بين كليهما على هذه الشاكلة لنعلم علم اليقين أن العقل بالفطرة وحقيقة العقل اهتداؤه لخالق العقل والنّهى وحقيقة الاهتداء هي العقل السليم ، الحر ، العقل المنطلق يعمل وفق مقتضيات العقل  وما عداه هوى ولا شيء غير الهوى ....

ينكر سبحانه وتعالى على هؤلاء الذين يقولون باتباعهم لما وجدوا عليه آباءهم ويوبخهم استفهاما .... يعرفنا أنما جعل العقل لمعرفة الدين الحق دين البرهان ،دين ليست المزيّة فيه وراثة فحسب وإنما هي فهم وإدراك ويقين ورسوخ إيمان وتبيّن بالعقل وتوضّح بالبرهان ، أما الاتباع فلا يكون فيما هو باطل مشرّع من هوى الناس وإنما يكون لما يشرّع المشرع الخالق البارئ المصور المتعال .....

ولنتدبر قوله تعالى بالفعلين  : "اتبعوا " أمرا منه كاملا متسقا فيه الحكم والحكمة ، وقوله تعالى على ما قالوا : "نتبع"  فالاتباع الحق هو اتباع الهدى واتباع ما أنزل الله تعالى ، وليس اتباع ما ترك الآباء وما وُجد عليه الآباء من الطقوس والطلاسم التي لا معنى لها وإن كانوا لا يعقلون ....

ثم ينتقل النور الإلهي بكلماته سبحانه إلى وصف الذين كفروا وضرب المثل ، والمثل في القرآن العظيم كثير ، وإنما هو للتقريب لذهن الإنسان وللتشبيه وليقترب المعنى ، فبالمثال يتضح المقال ، وضرب المثل في القرآن كثير الورود ، حتى تتضح الصورة للعقل أكثر وهو يراها قريبة مما يعرف من الأشياء
وهنا يحضرني منهج التثبّت العلمي من الحقائق ، إذ يكون بالاستقراء والاستقراء والقياس وهما التركيز والمشاهدة وجمع الأدلة في الأحوال المشابهة المقاربة للوصول إلى دليل التلازم في الحال ليحكم بعدها على الحقيقة من حيث الاستقراء التام أو القياس للشواهد والأمثال من الأحوال .... فيأتي المثال ها هنا مقربا للمعنى ومجليا له ....

وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لاَ يَسْمَعُ إِلاَّ دُعَاءً وَنِدَاءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ(171)

ما أدق هذا المثل وما أبلغه ، وما أكثر ما يتضمن من صور البلاغة ومن إعجاز اللغة ....

يقول ابن القيم في أعلام الموقعين عن قوله تعالى : وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لاَ يَسْمَعُ إِلاَّ دُعَاءً وَنِدَاءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ ....
لك أن تجعل هذا من التشبيه المركب ، وأن تجعله من التشبيه المفرّق ، فإن جعلته من المركب كان تشبيها للكفار في عدم فقههم وانتفاعهم بالغنم التي ينعق بها الراعي فلا تفقه من قوله شيئا غير الصوت المجرّد ، الذي هو الدعاء والنداء ، وإن جعلته من التشبيه المفرّق فالذين كفروا بمنزلة البهائم ، ودعاء داعيهم إلى الطريق والهدى بمنزلة الذي ينعق بها ، وإدراكهم مجرد الدعاء والنداء كإدراك البهائم مجرد صوت الناعق .والله أعلم  
لنتدبر هذا المثل ، ولنبحر سويا في أعماق اللغة ....والكلمات ......

بحثت عن الدعاء فإذا هو : الصوت مجرد عن المعنى من الكلام
وعن النعق فإذا ينعق : يصيح يقال نعق الراعي بغنمه ينعق بكسر العين  نعيقا إذا صاح بها وزجرها قال الأخطل :

 فانعق بضأنك يا جرير فإنما *****منّتك نفسك في الخلاء ضلالا


أي أنه سماع الكلام من غير بلوغ معناه إدراكا ، فهنا العقل مغمور ، محجوب لا دور له ، وإنما هو سماع بالجارحة ولا يمرّ المعنى عبر مصفاة العقل والإدراك والفهم ، بل يقبع بمكانه كمثل من ؟؟؟ كمثل من وإن سمع وإن بلغه الصوت ولكنه الصوت مجرّدا عن المعنى ........ يأتي قوله تعالى : صم بكم عمي فهم لا يعقلون .....
الصمم عن سماع المعنى وبلوغه القلب وتشرّب النفس له ، البكم عن قول المعنى وهو قول الحق والصدح به ، والعمى ....عمى البصيرة فسبحانه القائل والقرآن يصدق بعضه بعضا :
أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو آذان يسمعون بها فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور  

فالقلوب التي بها يعقلون ، والآذان التي بها يسمعون إنما هي مردّ تأمل بصيرتهم ، وتأمل قلوبهم المستنيرة ، أما إذا عميت عليهم فلا قلب يبصر ولا بصيرة تستنير فالصمم والبكم والعمى حالهم وإن كانت أعينهم ترى وآذانهم تسمع وألسنتهم تتحرك بالكلام ....
ويقول تعالى في محكم تنزيله : أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلا  

بل هم أضل سبيلا ...........

ولنلاحظ كيف أنه لا وجود حتى لأداة التشبيه فلم تكن : كالصم ، كالعمي ، كالبكم .....بل جاء تشبيها بليغا لا مكان للأداة فيها لأنه محل ومقام مساواة وهو أعلى من التشبيه .....


العنوان: رد: تعالوا نـــــَـــعــــــــش مع صفحة .........
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2008-10-13, 10:41:45
أهلا وسهلا بك ماما هادية  emo (30):....تسعدني متابعتك .....

نكمل بإذن الله في الرد الموالي ....وأرجو إعادة قراءة الرد السابق لأنني أكتب وأرسل تباعا أي أعدل وأرسل المزيد على الرد الواحد
العنوان: رد: تعالوا نـــــَـــعــــــــش مع صفحة .........
أرسل بواسطة: سيفتاب في 2008-10-13, 11:16:54
ما شاء الله ولا قوة إلا بالله

موضوع رائع ورحاب عالية تأخذينا إليها يا أسماء.

لله درك من أخت.
العنوان: رد: تعالوا نـــــَـــعــــــــش مع صفحة .........
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2008-10-13, 11:21:36


أهلا وسهلا بك سيفتاب  بارك الله فيك من أخت  ::)smile:

******************
وقد تساءلت عن سرّ ورود التشبيه بهذه الطريقة ولله في كل حرف من حروف القرآن العظيم حكمة بالغة :

وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لاَ يَسْمَعُ إِلاَّ دُعَاءً وَنِدَاءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ.....
فالمراد ضرب المثل لهم في هذه الآية هم الذين كفروا ، فنتساءل لماذا لم يأت المضروب لهم مثلا  بما يساويهم بل ضرب المثل بالذي يدعوهم :
ففي "تاج العروس " جاء :

قولُه تَعالى: (ومَثَل الذين كفروا كمَثَل الذي ينْعِقُ بما لا يسْمعُ إلا دُعاءً ونِداءً) قال الفرّاء: أضاف المثَل الى الذين كفَروا، ثم شبّهَهم بالرّاعي ولم يَقُل كالغَنَم. والمَعْنى - والله أعلَم -: مثلُ الذين كفَروا كالبَهائِم التي لا تفْقَهُ ما يقولُ الرّاعي أكْثَرَ من الصّوتِ فأضافَ التّشبيه الى الرّاعي، والمَعْنى في المرْعِيِّ قال: ومثلُه في الكَلام: فلانٌ يخافُك كخوْفِ الأسَد، المعْنى كخَوْفِه الأسد؛ لأنّ الأسَدَ معْروفٌ أنّه المَخوفُ

فهم لا يعقلون  في ختام هذه الآية ....تتكرر صفةً لهم كصفة من سبقهم من آبائهم الذين اتبعوهم وهم لا يعقلون شيئا ....فإذا هم لا يعقلون كما لم يعقل آباؤهم من قبل...لأنهم أبوا إلا أن يعرضوا عن اتباع الهدى واتباع ما أنزل الله تعالى ، وهو الأحق أن يتبع .....واتباع الظن لا يغني من الحق شيئا

ديننا ليس دين اتباع وتقليد أعمى ، بل هو دين تستنير فيه البصيرة ، وتعطّل دواليب العقل لغاية في النفس يقضيها متشكك أو مرتاب أو حاقد ناقم ....

ثم ننتقل مع آي القرآن العظيمة السَنيّة إلى هذه الآية العظيمة :
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ

هذه ثالث آية في سورة البقرة ، وفي القرآن العظيم كله يكون فيها النداء للمؤمنين ، وذلك بعد كل من الآيتين 104 و 153 من سورة البقرة  :
يا أيها الذين آمنوا لا تقولوا راعنا وقولوا انظرنا واسمعوا وللكافرين عذاب أليم
يا أ]ها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة إن الله مع الصابرين  

فهي أولا دعوة لهم لئلا يقلدوا اليهود فيما يأتونه حتى في كلمات رددوها خبثا وتواريا ، ووجوب السماع لما يأتيهم به محمد صلى الله عليه وسلم ، ثم دعوة للاستعانة بعماد الدين الصلاة وقرنها بالصبر فالصبر مفتاح المغاليق فإن فاض الكيل ولم تعد النفس تطيق صبرا لجأت إلى صلتها بربها تمدها بالعون ليتجدد الصبر وتقوى العزيمة من جديد ، ثم يأتي النداء الثالث بأن يأكل المؤمنون من طيبات ما يرزق الرزاق الوهاب الكريم ، وقد سبقه نداء للناس كافة على هذا القياس في قوله تعالى : يا أيها الناس كلوا مما في الأرض حلالا طيبا .....إلى آخر الآية .....فيأتي التخصيص بالتوجه للمؤمنين ، الذين تربطهم بخالقهم هذه العلاقة الوثيقة الوطيدة ، علاقة الإيمان به سبحانه وتوحيده واليقين بوجوده وبعظمته وبأنه المدبر لأدق دقائق الأمور كلها ....

نداء فيه المحبة والمودة والقرب ، والعزة والشرف وهل أشرف من الإيمان والإسلام سمة وسمتاً ؟؟؟ كلوا من طيبات ما رزقناكم ....فهم يتلقون منه سبحانه تشريعاتهم والتحليل والتحريم ، ويتبعون ما أنزل ، فهم الخاضعون الطائعون الذين يقولون سمعنا وأطعنا ...... فيأمرهم ليطيعوا أمره ، أن يأكلوا مما رزقهم ، فيشعرهم -كما يقول سيد قطب في الظلال - أنه  لم يمنع عنهم طيبا من الطيبات ، وأنه إذا حرم عليهم شيئا فلأنه غير طيب ، لا لأنه يريد أن يحرمهم أو يضيق عليهم وهو الذي أفاض عليهم الرزق ابتداء ويوجههم للشكر إن كانوا يريدون أن يعبدوه وحده بلا شريك ، فيوحي إليهم بأن الشكر عبادة وطاعة يرضاها الله من عباده  


تحضرني هنا وقفة مع آية كريمة من هذه السورة العظيمة قوله تعالى :
وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا بلدا آمنا وارزق أهله من الثمرات من آمن منهم بالله واليوم الآخر قال ومن كفر فأمتعه قليلا ثم أضطره إلى عذاب النار وبئس المصير      126

وهنا يتأمل بعض المفسرين أدب سيدنا إبراهيم مع الله عز وجل في دعائه أن يرزق الذين يؤمنون به وباليوم الآخر ، فيجيبه الله تعالى بقوله : ومن كفر فأمتعه قليلا تدليلا وتبيينا له أن الرزق يعمّ كل الخلائق ، المؤمن منهم والكافر ، الجاحد منهم والشاكر ، ولكنه للكافر متاع الدنيا وما يلبث يزول وما له بعده من نعيم يذكر ، وقد دعا سيدنا إبراهيم بهذا الدعاء مخصصا المؤمنين ، بعدما دعاه سبحانه في قوله : وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال إني جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتي  قال لا ينال عهدي الظالمين  .....

فهنا أجابه سبحانه أن من كان من نسله ظالما لن ينال عهد الله ولن يكون أهلا لحمله ، فيتأدب سيدنا إبراهيم عليه السلام بعدها وهو يسأل رب العالمين في الكلمات المواليات لهذه الآية ، فلا يكرر الدعاء لكافة دون تخصيص ، وإنما يدعو للمؤمنين خاصة ، فيبين الله عز وجل له أنما الرزق لا يكون للمؤمنين خاصة وإنما للناس كافة ....

وهنا ، وبعد هذه الوقفة نتأمل فإذا الدعوة الأولى لكل الناس من رب العاليمن بأن يأكلوا حلالا طيبا ، ثم تتلوها دعوة للمؤمنين خاصة الذين يسمعون ويطيعون بأن يأكلوا مما رزقهم الله حلالا طيبا ولكن تضاف ها هنا دعوة لهم خاصة دون سواهم بأن يشكروا إن كانت عبادتهم له صادقة خالصة ....ليتميز حال المؤمنين الطائعين عن حال كل الناس .......فمن لم يكن مؤمنا بالله ، أكل مما رزقه وغفل عن شكره .......

ثم ننتقل إلى ما حرم الله على المؤمنين بعدما دعاهم لأن يأكلوا مما رزقهم حلالا طيبا ، وما حرم أمور معدودوة وليست بالكثيرة ، وما أحل سبحانه كثير ، يتواءم والنفس البشرية وحبها للخير الكثير ، فلم يضيق على فطرتها ، ولم يجعل المحرّم كثيرا يضيّق الخناق .....
إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ المَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ(173)

فكانت الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل به لغير الله هي المحرمات في المأكل .....
أما ما أهل به لغير الله فهو المتوجه به صاحبه لغير الله ، فلم يكن اسم الله هو المذكور عليه ....وفي هذا المضمار  الجديد من العلم الذي كشف الخبايا ووضع الفروق البينة وأوضح البون الشاسع بين ذبيحة يكبّر عليها وبين أخرى لم يكبّر عليها ولم يذكر اسم الله عليها ، فتأتي التحاليل بالعجب العجاب ، فإذا تلك التي كبر عليها ، سليمة معافاة ، لا ضرر فيها ، وإذا التي لم يذكر اسم الله عليها ، بها من الضرر العدد ......فلا لونها ولا شكلها ولا ما بها هو ذاته الذي عليه المذكور عليها اسم الله تعالى ....

أما الميتة والدم ولحم الخنزير فإني أفضل أن أنتقل بكم إلى العلم وما ينقل لنا العلم وما يروي لنا من مشاهداته وتجاربه وهذا في المقال التالي الذي أستقيه من موقع موسوعة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة وهو من أوثق المواقع وأوكدها في هذا المجال الرحب .....

في الرد الموالي بإذن الله تعالى أكمل .......
العنوان: رد: تعالوا نـــــَـــعــــــــش مع صفحة .........
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2008-10-13, 12:42:48
تابعوا معي أيها الإخوة هذا الكم الهااااائل من الإعجاز الذي تنقله كلمات معدودة من كلمات ربي سبحانه عن حيوان كحيوان الخنزير .....راقبوا مع يأيها الأفاضل هذا الكم من التقززات التي تتملكنا ونحن نقرأ عن حيوان كهذا الذي يأكله غير المسلمين ....راقبوا معي أيها الإخوة وزن هذا الدين العظيم وهذه الكلمات الحبيبة العظييييييمة ..........بالله عليكم ....وإن كان في المقال ما يكون من كلمات مقززة ، ولكن سبحان الله العلي القدير الذي يربأ بالمسلمين أن ينحطوا حتى فيما يأكلون ..........ولله الحمد من قبل ومن بعد


ولنعش مع الآية الحبيبة  : إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ المَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (173)

تحريم القرآن لأكل لحم الخنزير

حول أهمية تحريم لحم الخنزير شهادة للطبيب الألماني هانس ريكفينغ إذ يقول (9) : لابد أن أشير إلى التراث   القديم عند بعض الأمم  حيث كان للتعاليم التي أرساها النبيان محمد وموسى أكبر الأثر في التزام المسلمين واليهود بقوانين الله الطبيعية.

ففي إفريقيا حيث يعيش المسلمون وغيرهم في ظروف مناخية واحدة، نجد بالمقارنة، أن الشعوب الإسلامية تتمتع بصحة جيدة لأن لحم الخنزير محرم في شريعتها، بينما نجد أن الشعوب الأخرى التي تعتمد النظام الغربي في تغذيتها تصاب بأمراض ترتبط كل الارتباط بتناولها لحم الخنزير.

ويتابع فيقول : في دراسة جرت في الهيمالايا حيث تعيش قبائل الهونزا التي اعتنق معظم أفرادها الإسلام ويمتنعون عن أكل لحم الخنزير ، وجد أنهم يتمتعون بصحة جيدة ومتوسط أعمارهم مرتفع ويعملون حتى سن متقدمة لتحصيل أرزاقهم في حين أن القبائل التي تجاورهم من غير المسلمين تصاب بعدد من الأمراض الشائعة بينهم لتناولهم لحم الخنزير، ومتوسط أعمارهم وفعاليتهم أقل بكثير من القبائل المسلمة .

وهكذا فإني ارى أن الكتب السماوية التي جاء بها محمد وموسى كان معها الحق، كل الحق، في تحريم تناول لحم الخنزير.

ولكن ماذا نعرف عن الخنزير:  
الخنزير حيوان لاحم عشبي تجتمع فيه الصفات السبعية والبهيمية، فهو آكل كل شيء، وهو نهم كانس كنس الحقل والزريبة فيأكل القمامات والفضلات والنجاسات بشراهة ونهم، وهو مفترس يأكل الجرذ والفئران وغيرها كما يأكل الجيف حتى جيف أقرانه(10،11).

يقول الإمام الدميري : إن الخنزير شرس الطباع شديد الجماع شبق تكتنف حياته الجنسية الفوضى ولا يخصص لنفسه أنثى معينة.

ويروي د. هانس هايترش قصة طريفة جرت في أحد المشافي العسكرية حيث كانت هناك حظيرة للخنازير ملحقة بالمشفى وتعيش على النفايات والفضلات ويذبح أحدها كل شهر طعاماً للمرضى، والعاملين في المشفى. وفي أحد الأيام تدافعت الخنازير على الفرن المملوء بالضمادات المضمخة بالقيح والمهيأة للحرق فاللتهمتها.

وتوفيراً للعلف قررت إدارة المشفى من ثم أن يصبح نصف الضمادات المبللة بالقيح طعاماً للخنازير، وهكذا أصبحت دماء تلك الخنازير مفعمة بالسموم والذيفانات. ولنتصور الآن مرضى هذا المشفى وأكثرهم مصابون بنواسير كعقابيل للكسور الناجمة عن الطلقات النارية، إنهم يغذون بلحم خنزير مشبع بالسموم، فبدلاً من الشفاء يولد عندهم هذا اللحم هجمة جديدة من الالتهاب والتقيح.

ومن هنا نفهم كيف أن معاني الرجس قد استقر في أذهاننا التصاقها جميعاً بالخنزير، فهو لا يكاد يرى إلا وأنفه في الرغام. وإن نفورنا وتقززنا من هذا الحيوان ليس قاصراً عليناـ نحن المسلمين ـ ففي كل من أوربا وأمريكا، ورغم أن تجارة الخنازير عندهم وتربيتها رائجة، ويتخذون منه دمى لأطفالهم ومع ذلك فأسماؤه، على اختلاف لغاتهم، تعد سبة لا يقذفون بها إلا كل زري ذميم ..‍

وتثبت الأبحاث أن الخنزير يأكل الجيف والقاذورات وحتى فضلاته ولو ربي في أنظف الحظائر، كما تطالعنا الأنباء من حين لآخر عن افتراس الخنازير للأطفال الصغار، ففي مرة غفلت فيها إحدى الأمهات عن ابنها الصغير الذي تسلل إلى حظيرة الخنازير، والتي أسرعت بدورها لتمزيقه والتهامه دون أن تترك قطعة واحدة منه، وهذه النزعة لا توجد إلا في الحيوانات المتفرسة .

الأضرار الصحية لتناول لحم الخنزير
الفرق بين لحم الخنزير و غيره من اللحوم :<!--[endif]-->

يحتوي لحم الخنزير على كمية كبيرة من الدهون و يمتاز باندحال الدهن ضمن الخلايا العضلية في اللحمة علاوة على تواجدها خارج الخلايا في الأنسجة الضامة بكثافة عالية، في حين أن لحوم الأنعام تكون الدهون فيها مفصولة عن النسيج العضلي ولا تتوضع    ضمن خلاياه وإنما تتوضع خارج الخلايا و في الأنسجة الضامة .

و قد أثبتت الدراسات العلمية أن الإنسان عندما يتناول دهون الحيوانات آكلة العشب فإن دهونها تستحلب في أمعائه و تمتص، وتتحول في جسمه إلى دهون إنسانية، أما عندما يأكل دهون الحيوانات آكلة اللحوم أو الخنزير فإن استحلابها عسير في أمعائه وإن جزيئات الغليسريدات الثلاثية لدهن الخنزير تمتص كما هي دون أن تحول وتترسب في أنسجة الإنسان كدهون حيوانية أو خنزيرية .

ومن المدهش حقاً ملاحظة  د. هانس هايترش أن الذين يأكلون شحم الخنزير من منطقة ما من جسمه فإنها تترسب في المنطقة ذاتها عند الآكل وهكذا وجد أن النساء اللواتي يأكلن فخذ لحم الخنزير  يشاهد لديهن تشوه واضح في الفخذين والإليتين .

و الكولسترول الناجم عن تحلل لحم الخنزير في البدن يظهر في الدم على شكل كولسترول جزئي كبير الذرة يؤدي بكثرة إلى ارتفاع الضغط الدموي وإلى تصلب الشرايين و هما من عوامل الخطورة التي تمهد لاحتشاء العضلة القلبية.

و قد وجد البروفيسور Roff  12 أن الكولسترول المتواجد في خلايا السرطان الجوالة يشابه الكولسترول المتشكل عند تناول لحم الخنزير

و لحم الخنزير غني بالمركبات الحاوية على نسب عالية من الكبريت(10) و كلها تؤثر على قابلية امتصاص الأنسجة الضامة للماء كالإسفنج مكتسبة شكلاً كيسياً واسعاً و هذا يؤدي إلى تراكم المواد المخاطية في الأوتار و الأربطة والغضاريف ويجعلها رخوة مما يؤهب للإصابة بالتهاب المفاصل التنكسي وخاصة المفاصل بين الفقرات، و إلى تنكس في العظام .

والأنسجة الحاوية على الكبريت تتخرب بالتعفن والتخمر منتجة روائح كريهة فواحة لانطلاق غاز كبريت الهدروجين.

 وقد لوحظ أن الآنية الحاوية على لحم الخنزير، على الرغم من أنها محكمة السد إلا أنه يتعين إخراجها من الغرفة بعد عدة أيام نظراً للروائح الكريهة النتنة وغير المحتملة الناجمة عنها .

و بالمقارنة فإن لحوماً أخرى مختلفة خضعت لنفس التجربة ، فإن لحم البقر كان أبطأ تعفناً من لحم الخنزير ولم تنطلق منه تلك الروائح النتنة، ويحتوي لحم الخنزير على نسبة عالية من هرمون النمو والتي لها تأثير أكيد للتأهب للإصابة بخامة النهايات علاوة على تأثيره في زيادة نمو البطن ( الكرش)  وزيادة معدل النمو و خاصة نمو الأنسجة المهيأة للنمو والتطور السرطاني.

و حسب دراسات Roff   فإن تلك الوجبة المسائية الدسمة الحاوية على لحم الخنزير تعتبر الأساس في التحول السرطاني للخلايا لاحتوائها على هرمون النمو علاوة على أثرها في رفع كولسترول الدم .

كما تؤكد أبحاث د.هانس هايترش احتواء لحم الخنزير على كمية عالية من الهستامين تؤهب عند آكليها لحدوث الأمراض التحسسية الجلدية مثل الأكزيمة والشرى والتهاب الجلد العصبي وغيرها بكثرة.

وقد وجد أن الشرى والحكة المعندة عند آكلي لحم الخنزير تتلاشى عند الامتناع عن أكله بشكل مطلق، بما في ذلك السجق المصنوع منه.

الأمراض التي ينقلها الخنزير  
لقد حرمت الشريعة الإسلامية لحم الخنزير، و نفذها المتدينون امتثالاً لأمر الله الخالق سبحانه و طاعة له دون أن يناقشوا العلة من التحريم ، لكن العلماء المحدثين توصلوا إلى نتائج مدهشة في هذا المجال : أليس من المدهش أن نعلم أن الخنزير مرتع خصب لأكثر من 450 مرضاً و بائياً ، و هو يقوم بدور الوسيط لنقل 57 منها إلى الإنسان، عدا عن الأمراض التي يسببها أكل لحمه من عسرة هضم و تصلب للشرايين و سواها.

 و الخنزير يختص بمفرده بنقل 27 مرضاً وبائياً إلى الإنسان و تشاركه بعض  الحيوانات الأخرى في بقية الأمراض لكنه يبقى المخزن والمصدر الرئيسي لهذه الأمراض : منها الكلب الكاذب و داء وايل و الحمى اليابانية والحمى المتوهجة و الحميرة الخنزيرية غيرها.

هذه الأوبئة يمكن أن تنتقل من الخنزير إلى الإنسان بطرق مختلفة  :  
الأول : عن طريق مخالطته أثناء تربيته أو التعامل مع منتجاته (وتعتبر أمراضاً مهنية) وهي لا تقل عن 32 وباء تصيب في الأغلب، عمال الزرائب والمجازر والبيطريون منها أنواع من الفطور العميقة والزحار والديدان والزحار الزقي والحمى اليابانية الدماغية والتهاب الفم البثري الساري.

الثاني : عن طريق تلوث الطعام والشراب بفضلاته وهي لا تقل عن 28 مرضاً منها الزحار والأسكاريس والانسمام الوشيقي والديدان القنفذية والكبدية والمفلطحة وشوكية الرأس والدودة المسلحة الخنزيرية والشعيرات الحلزونية وغيرها.

الثالث: عن طريق تناول لحمه ومنتجاته وهي أكثر من 16 مرضاً منها داء المبيضات ـ داء الحويصلات الخنزيرية، الحمى المالطية ـ الدودة الكبدية وداء وايل والدودة الشعرية الحلزونية والشريطية والسل وغيرها .وهذا يؤكد ما ذهب إليه العالم كرول من أن الحظر المفروض على المسلمين بعدم ملامسة الخنازير ليس بحاجة إلى تبرير.

طفيليات الخنزير
رأينا كيف أن الخنزير يأوي في بدنه عدداً كبيراً من الطفيليات وأكثر من 50 نوعاً منها يصيب الإنسان (6) فهي داخلة فيما يسمى بالأمراض الحيوانية البشرية Zoonosis ويمكن أن نقسمها ضمن المجموعات التالية :

الأمراض الفيروسية والجرثومية :  
منها داء الكلب والحمى الصفراء والمالطية والسل، لكن أهمها ما يخص الخنزير بنقله وهي :

1.   الالتهاب السحائي المخي وتسمم الدم الناجم عن الإصابة بالمكورات السبحية الخنزيرية المكتشفة عام 1968 والتي فسرت الحالات الغامضة من الوفيات التي حصلت حينئذ في الداينمارك وهولندا.

وقد تبين أن هذه الجراثيم شديدة الفتك بالإنسان مسببة التهاب السحايا المغلفة للمخ وبإفراز سموم معينة في دم المصاب، والذين أصيبوا بهذا المرض ونجو من الموت بعد علاج شاق أصيبوا بالصمم الدائم وفقدان التوازن.

2.   جائحات الكريب حيث يؤكد د.هانس هايترش إن فيروس الكريب الذي ينقله الخنزير هوالعامل الأكثر سمية وينقل عن معهد الأبحاث الفيروسية (9) في لندن أن فيروس الكريب يتوضع بكثرة في رئة الخنازير التي تدخل في صنع السجق، وتمكن الفيروسات في الأماكن الحيوية للبدن إلى أن تتاح لها الفرصة في ظروف مواتية من البرد وقلة الشمس لتأتي بشكل جائحة انتانية كالتي حدثت في المانيا بعد الحرب العالمية الثانية حينما تناول الشعب الألماني هدايا الولايات المتحدة من اللحوم ومشتقاتها مصنوعة من لحم الخنزير.

3.   انفلونزا الخنزير  ينتشر هذا المرض على هيئة وباء يصيب الملايين من الناس ومن مضاعفاته الخطيرة التهاب المخ، وتضخم القلب والوهط الدوائي، وآخر جائحة أصابت العالم عام 1918 حيث أصيب بها أكثر من 20 مليوناً من البشر .

4.   الحمرة الخنزيرية  وينتقل من الخنزير إلى اللحامين والدباغين وسواهم وتكون بشكل لوحة محمرة مؤلمة جداً، وحارقة على الأيدي مع أعراض عامة من ترفع حروري وقشعريرة والتهاب العقد والأوعية اللمفاوية.

الأمراض الناجمة عن الحيوانات الأوالي (6ـ11):

يعتبر الخنزير العائل الخازن لنوعين من المثقبات Trypanosoma أولاهما هو طفيلي داء النوم الإفريقي وثانيهما يحدث داء شاغاس المستوطن في أمريكا الجنوبية، كما يعتبر الخنزير العائل الأكبر لنوع من الزحار الأميبي، لكن أخطر هذه الطفيليات هي المتحول الأميبي الهدبي المسمى بالزقيات الكولونية Balantidium Coli يتطفل في الأمعاء الغليظة للخنزير والقردة، لكن فرص الاتصال النادرة بين القردة والإنسان تجعل الخنزير المصدر الوحيد لعدوى الإنسان وإصابته بما يسمى بالزحار الزقي.

والزحار الزقي من الأمراض المهنية التي يصاب بها العاملون على تربية الخنازير أو زبحها أو الاتجاه بها حيث تتلوث أيديهم بمفرغات الخنزير ومنها تنتقل بالطعام إلى أمعائهم فيصاب بحالات من الإسهال الشديد والمتكرر مع مغص ودوار وهزال أحياناً ويمتد الأمر لظهور تقرحات في الأمعاء، قد تثقب وقد تؤدي إلى وفاة المصاب.

الأمراض الناجمة عن الحشرات والحلم:
حيث يعتبر الخنزير عائلاً لعدد من الطفيليات الخارجية للإنسان منها أنواع من البعوض والبراغيث والقمل، ومنها ذبابة تسي تسي الناقلة لطفيلي داء النوم وأنواع من ذباب الجلد تصيب يرقاتها الفم والعين والأنف والجروح المكشوفة ومنها أنواع من الحلم قريبة من طفيلي الجرب.
الأمراض الناجمة عن الديدان المفلطحة :

1.   صنف المثقوبات : التي تصيب الدم حيث يصاب الخنزير بديدان البلهارسيا اليابانية والتي تنزل بويضاتها مع برازه، كما يصاب بنوع من المثقوبات يصيب الرئتين وتنتقل للإنسان في كثير من بلدان العالم، أما عن المثقوبات المعوية والكبدية فللخنزير منها نصيب غير قليل وأهمها:
المتوارقة البسكية Fasciolopsis Buski من الديدان المعوية ـ الكبدية وهي تنتشر في آسيا من الصين إلى البنغال وتعيش الديدان البالغة في الأمعاء محدثة التهابات موضعية ونزوف وتقرحات في جلد المعي الدقيق مع إسهال مزمن وفقر دم وقد تحدث استسقاء البطن مؤدية إلى الوفاة.

ومنها الدودة الكبدية الصينية Chlonorihis Sineasis وتنتشر في بلدان الشرق الأقصى كاليابان والصين، والخنزير العائل الرئيسي بها. تعيش هذه الديدان في القنوات الصفراوية وإذا كثرت أعدادها عند المصاب أحدثت تضخماً في الكبد وإسهالاً مزمناً ويرقاناً شديداً ينتهي بالوفاة.

2.   صنف الديدان الشريطية : ويصيب الخنزير منها نوعان : الشريطية العوساء العريضة D.Latum ويصاب كالإنسان بالطور البالغ منها. والنوع الأهم هو الشريطية المسلحة Taenia Solium والمسماة الدودة الوحيدة المسلحة وهي تعيش في طورها البالغ في أمعاء الإنسان، طولها من 2ـ3 أمتار، لها رأس أصغر من الدبوس مزود بأربع ممصات ويطوق قمته طوق من الأشواك، يلي الرأس عنق قصير ينمو منه باستمرار قطع أو أسلات صغيرة تنمو كلما بعدت عن الرأس مكونة جسم الدودة الذي يشبه الشريط والذي يحتوي أكثر من 1000 قطعة وتمتلئ القطع الناضحة بآلاف البيوض، حتى تصبح في النهاية مجرد كيس مثقل بذلك البيض الوبيل والذي ينمو في كل واحدة منها جنين كروي مسدس الأشواك.
وتنفصل الأسلات النهائية لتخرج مع براز المصاب،وتعيش في التربة الرطبة زمناً طويلاً حتى يأتي خنزير فيلتهمها مع ما فيها من بيض وفي أمعاء الخنزير تعمل عصاراته الهاضمة على حل غلاف هذه البيوض لتنطلق منها الأجنة مخترقة جدار الأمعاء إلى الدورة الدموية للحيوان، وبواسطة الدم تستقر في عضلات الخنزير مكونة حويصلات كروية أو بيضاوية بطول 6ـ 18 ملم، في كل منها يرقانة لها رأس صالح لكي يكون دودة جديدة كاملة ويحدث هذا إذا ما تناول الإنسان من اللحم المصاب دون أن ينضج تماماً لقتل ما فيه من تلك اليرقانات .

والخنزير هنا يقوم بدور العائل الوسيط والذي يعتبر المصدر الوحيد لعدوى البشر.



وقد يحدث أن يحل الإنسان محل الخنزيرليصبح العائل الوسيط في دورة تنتهي بطريق مسدود وذلك عندما يصدف أن يبتلع الإنسان لطعاماً ملوثاً بتلك الأسلات (أو بالبيض)، سواء من فضلاته هو أو من مصدر خارجي، فيفقس البيض في أمعائه وتنطلق، من ثم ، الأجنة مسدسة الأشواك في أمعائه مخترقة جدارها إلى دورته الدموية وتجول مع الدم لتستقر بأي جزء من أعضائه سواء في العضلات أو الرئتين أو الكبد أو القلب أو الدماغ، وهناك مشكلة حويصلات (أو كيسات ) ومؤدية إلى إصابة الإنسان بما يسمى داء الحويصلات الخنزيرية Cysticercosis وكلما كان عددها في الجسم كبيراً، وكان العضو الذي استقرت فيه عضواً هاماً كلما كان خطراً عظيماً .

ونمو هذه الحويصلات في المخ يؤدي إلى الإصابة بحالات من الصرع، وإلى ظهور شلل عضوي جزئي، مع دوار واضطرابات عصبية حسية .

كما ينطلق منها إلى الدم ذيفانات سامة، وقد يؤدي إلى الموت، علماً بأنه لم يعرف لهذا المرض حتى اليوم أي علاج ناجح.

أضعط على الرابط وشاهد مقطع تشريحي لجسم الخنزير :
http://www.johnabbott.qc.ca/~p.anderson/805labtest1/PIGDIAG1.html

صحيح، كما يقول المدافعون عن الخنزير، أن البقر يصاب بدودة مشابهة هي الشريطية العزلاء، وأن الإنسان عند أكله للحم البقر المصاب يصاب بتلك الدودة بالطور البالغ مع أعراض مشابهة لما تحدثه الشريطية المسلحة (الخنزيرية) لكن ولو ابتلع بيضها وهذا فرق هام للغاية إذ أن داء الحويصلات عند الإنسان ينجم فقط عن دودة الخنزير الشريطية علماً بأنه مرض خطير للغاية ولا مقابل له في دودة البقر.

الديدان الشوكية الرأس : وهي شائعة في الخنزير واكتشفت بين مربيه بين فلاحي وادي الفولغا في جنوب روسيا .

الديدان الخيطية أو الأسطوانية : منها ثعبان البطن أو الأسكاريس وقد أثبت Smyth أن الخنزير يساعد على انتشارها ومنها الديدان شعرية الرأس، لكن أشدها خطراً على بني البشر هي الدودة الشعرية الحلزونية Trichinella Spiralis(6_12).

تعيش الديدان البالغة في أمعاء الإنسان والخنزير وهي ديدان قصيرة طولها من 2_4 ملم تتغلغل الإناث المثقلة بالبيوض بين الزغابات المعوية لتضع صغارها (اليرقانات) هناك، فهي لا تضع بيضاً، إذ يفقس البيض وهو في بطنها، وتخترق اليرقانات جدر الأمعاء إلى الدم وتطوف معه لتستقر في عضلات مضيفها حيث تنمو ليصل طولها إلى 1ملم ثم تلتف على نفسها وتتحوصل، فإذا أكل إنسان لحم الخنزير المصاب انحلت الحويصلات في أمعائه وتخرج منها الأجنة لتتطور في أمعائه إلى الديدان البالغة والدودة الشعرية البالغة ليست الخطرة على الإنسان، لكنها تتزاوج في أمعائه وتموت الذكور، ترقد الإناث الملقحة في جدران الأمعاء لتضع يرقاناتها بعد أسبوع واحد، تخترق هذه اليرقانات جدر الأمعاء إلى الدم حيث تستقر في أي جزء من بدن الإنسان محدثة ما يسمى بداء الشعريات الخنزيرية Trichinosis وهي تكثر في عضلات الحجاب الحاجز للمصاب وفي حنجرته ولسانه وعينيه.

وتتميز المرحلة الأولى من المرض باضطرابات معدية ـ معوية والإسهال الشديد، والحمى مع الضعف العام.

أما المرحلة الثانية والتي تظهر بعد أنتشار اليرقانات في الجسم فكثيراً ما تكون قاتلة ومن أعراضها انتفاخ الأجفان، وخزب تحت العينين، وآلام عضلية مبرحة، واضطرابات حركة العينين وعضلات التنفس والبلع، كما يصاب بحمى قد تكون مستمرة مع عرق غزير وهذيان. وإذا توضعت في السائل الدماغي الشوكي ظهرت أعراض التهاب الدماغ والسحايا .

وبعد تكلس تلك الحويصلات، تبدأ المرحلة الثالثة بانتشار الارتشاح في الوجه والبطن والأطراف مع ضعف شديد ووهن عام وطفوح جلدية ونزوف وضخامة في الطحال واضطرابات عصبية عقلية.

وتحدث معظم الوفيات بين الأسبوعين الرابع والتاسع .

والمعروف أنه لا يوجد عقار نوعي لداء الشعيرات والمشكلة الحقيقة هي الغذاء أوالحمى الرثوية يجعل التشخيص صعباً ، وقد لا نتمكن من وصفه قبل الوفاة وفحص خزعة من الحجاب الحاجز.

داء التقرحات الوعائية المدارية :  
يؤكد د. هانس  هـ .ريكفيغ  أن الدورة الدموية المحيطية قد تضطرب في ظروف مناخية خاصة نتيجة تناول لحم الخنزير محدثة تقرحات مؤلمة على الساقين، وأن هذه الآفة انتشرت بين الجنود الألمان أثناء الحملة التي قادها رومل في شمال أفريقيا .

ويروي د. ريكفغ كيف اكتشف زملاؤه علاقة الإصابة بهذه الداء وبين تناول لحم الخنزير عندما وجدوا أن السكان الحليين من المسلمين لا يصابون بها مطلقاً .

ورغم كل العلاجات التي قدمت للمرضى فإن حالتهم لم تتحسن إلا بعد أن قدمت لهم حمية تشبه طعام السكان المحليين وحذف لحم الخنزير بشكل نهائي، إذا كانت النتائج حينئذ باهرة.

ويرى الباحث المذكور أن لحم الخنزير يعتبر العنصر الهام الأكثر سمية للإنسان فهو يضعف مقاومة الجسم ويعرضه للأمراض، والمطعم الصحي الحقيقي هو الذي لا يستعمل أي جزء من لحم الخنزير ولأن الذي يعتاد تناوله هو الذي سيدفع الحساب يوماً ما .

شهادات علماء الغرب بفضل الإسلام:

يؤكد د. عبد الحافظ حلمي محمد  على فضل الإسلام على حماية أتباعه من أمراض الخنزير الوبيلة .

فالارتباط واضح بين انتشار الشريطية المسلحة وما ينجم عنها كداء الحويصلات الخنزيرية وبين العادات الغذائية لبلد ما والدين الذي يدين به قاطنوه.

وهكذا فإن Noble 1961 يؤكد أن دودة الخنزير هذه تحدث عدداً كبيراً من الإصابات الدماغية سنوياً عند سكان المكسيك الذين اعتادوا تناول لحم الخنزير، في حين يؤكد لاباج (1961) و ولكوكس وماتسون في كتابهما عن طب البلاد الحارة أن هذه الدودة نادرة الوجود في البلاد الإسلامية .

أما تشاندر وريد فيذكران في كتابهما عن علم الطفيليات ما نصه : " أما في البلاد اليهودية والإسلامية، حيث يعد أكل لحم الخنزير خطيئة دينية كبيرة فليس لهذا الطفيلي أدنى فرص للبقاء، وهو دليل فاضح على فساد الأخلاق حين حدوثه...".

وعندما يتكلم نلسون  عن انتشار داء الشعريات الحلزونية في دول أوربا وأمريكا فهو يتعجب قائلاً : " أما العلة في إدماننا ـ نحن أهل العالم الغربي على أكل لحم الخنزير، فإنه لغز محير، خاصة وأننا نذكر على الدوام بمخاطر ذلك ونحن نقرأ الكتاب المقدس(مشيراً إلى الإصحاح الرابع عشر من سفر التثنية التوراة) .

أما اليهود الملتزمون وأتباع محمد فإنهم مضوا في نفورهم من الخنازير وعدم استساغتهم لحمها فخلت جماعاتهم من داء الشعريات الخنزيرية خلواً تاماً ..".

عدوى الخنازير: لعل أهم مصدر لعدوى الخنازير هي العطادة المتبعة من تربية الخنازير على القمامة وعادة الخنازير الذميمة من التهاب الفضلات والنفايات، إذ أن القمامة تضم بقايا خنزيرية مصابة حتى أن أحد الباحثين يسمي الدودة الشعرية الحلزونية بدودة القمامة، وهكذا تجتمع الدودة مع الخنزير في القذارة والرجس. وسبب هام آخر لاحظه بعض الباحثين، وهو أن الخنازير تصاب ايضاً نتيجة أن بعضها يأكل أذيال بعض في المرابي المكتظة بها.

وتقوم الجرذان أو الفئران بدور هام، فهي تصاب بالمرض إذا أكلت ما ينبذ من بقايا من لحوم الخنازير المصابة، وتعدي الجرذان بعضها بعضاً لأنها تأكل لحوم بعضها البعض، حية وميتة، ثم تنتقل العدوى إلى الخنازير إذا أكلت جيف تلك الجرذان في أكوام القمامة، وهكذا تحدث دورات عدوى مختلفة من جرذ إلى جرذ، ومن خنزير إلى جرذ ومن جرذ إلى خنزير ومن خنزير إلى إنسان.

هل يمكن توقي الأمراض التي تنقلها الخنازير؟

يتساؤل البعض لم لا تربى الخنازير تربية صحية نظيفة ؟ ولم لا تتخذ الوسائل لاكتشاف اللحوم المصابة وإتلافها؟ وإذا كان ذلك ممكناً في مكان وظروف معينين فهل يمكن تحقيقه في كل الظروف ؟ أوليس الأولى عدم المخاطرة وتجنب المهالك ؟ بل الحقيقة أن هذه الوسائل كلها لم تكن مجدية في واقع الحال في أي زمان ومكان.
ويأتينا الدليل من الولايات المتحدة  حيث مستوى المعيشة فيها على ما نعلم فبينما نرى أن أفقر قطر إسلامي قد نجا من هذا البلاء، فإنه يوجد في الولايات المتحدة ثلاثة أمثالاً ما في العالم أجمع من الإصابات بالطفيليات الخنزيرية، علماً بأن الإحصاءات غير دقيقة لأن الآفات لا تشخص سريرياً إلا إذا كانت شديدة ومعظم الحالات لا تشخص إلا بعد الوفاة . وتجري في الغرب إجراءات شاقة ومحاولات باهظة لوقاية الخنازير وآكليها من الديدان الشعرية الحلزونية وغيرها.

ففي الولايات المتحدة التي يربى فيها أكثر من مليون ونصف من الخنازير، جزئياً أو كلياً على القمامة،صدرت قوانين تقضي بتعريض القمامة للبخار الساخن مدة نصف ساعة قبل تقديمها للخنازير . ولكن ما هي نتيجة هذه الجهود الكبيرة؟

لقد قدرت الاحصاءات أن نحواً من 5% من خنازير بوسطن و18.5% من ذبائح متشيغان مصابة بهذه الآفة (ويلككس وماتسون بار) .

أما اللحوم فإن معالجتها بالكوبالت والسيزيوم المشعين يؤدي إلى إصابة الديدان الناشئة بالعقم مما يمنع تكاثرها.

لكن هذا الإجراء دقيق وليس من الميسور تطبيقه.

ثم إن التجميد السريع بالتبريد ثم التخزين الطويل في درجات حرارة شديدة الانخفاض تقضي على الطفيليات الدقيقة فيه.

وتقضي التعليمات الصحية في الولايات المتحدة بخزن لحوم الخنازير التي تؤكل نيئة 20 يوماً كاملاً في درجة حرارة 15 تحت الصفر. كما أن غلي اللحوم تقتل الطفيليات لذا يوصى بغليها فترة تتناسب وحجمها : ومع كل هذه الجهود الشاقة والنفقات الباهظة فما تزال الإحصاءات تشير إلى تلك النسب المرتفعة من الإصابة.

أوليس الأيسر بداهة هو تجنب تلك اللحوم أصلاً ؟ ثم أينسى هؤلاء أن عملهم قد أحتاج قروناً طويلة ليكتشف عدداً من الآفات التي يسببها أكل لحم الخنزير فمن الذي يجزم بأن هناك آفات أخرى لم يكشف العلم النقاب عنها بعد ؟ أفلا تستحق الشريعة الإسلامية التي سبقت العلم البشري بعشرات القرون أن نثق بها وندع كلمة الفصل لها نحرم ما حرمت ونحلل ما حللت وهي آتية من لدن حكيم خبير؟ .

الآثار السلوكية (الخلقية ) التالية لأكل لحم الخنزير:

لقد أشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى أثر الطعام على خلق آكليه فقال :" والفخر والخيلاء في أصحاب الإبل والسكينة والوقار في أهل الغنم " رواه الإمام أحمد في مسنده عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.


ويقول الفخر الرازي(3) : " قال أهل العلم ـ الغذاء يصير جزءاً من جوهر المغتذي فلابد أن يحصل له أخلاق وصفات من جنس ما كان حاصلاً في الغذاء، والخنزير مطبوع على حرص عظيم ورغبة شديدة في المشتهيات فحرم أكله لئلا يتكيف بتلك الكيفية".

ويقول ابن خلدون(12) : " أكلت الأعراب لحم الإبل  فاكتسبوا الغلظة وأكل الأتراك لحم الفرس فاكتسبوا الشراسة وأكل الإفرنج لحم الخنزير فاكتسبوا الدياثة " .

وحديثاً اختلف العلماء في أثر الغذاء على الطباع والخلق، لكن ملاحظات كثير.

من العلماء قادتهم إلى اختلاف الآثار الخلقية باختلاف نوع اللحوم المكثر من تناولها، وبأن لحم الخنزير وشحمه له تأثير سيء على العفة والغيرة على العرض إذا داوم الإنسان على تناوله (10) توصلوا في نهايتها إلى القول بأن نوعية الطعام تؤثر على شخصية وسلوك الإنسان وتصرفاته.
وعن مقالة للدكتور الفنجري(11) يؤكد فيها أن الذين يأكلون لحوم الحيوانات الكاسرة عادة ما تكون طباعهم شريرة، غير متسامحين، ويميلون إلى ارتكاب الآثام والجرائم.

وإن أكل لحم الخنزير لابد وأن يؤثر على شخصية الإنسان وسلوكه العام والذي يتجلى واضحاً في كثير من المجتمعات الغربية حيث يكثر اللواط والسحاق والزنى وما نراه متفشياً من نتاج تلك التصرفات من ارتفاع نسبة الحمل غير الشرعية والإجهاض وغيرها.

رابط الموضوع : http://www.55a.net/firas/arabic/?page=show_det&id=125&select_page=5
العنوان: رد: تعالوا نـــــَـــعــــــــش مع صفحة .........
أرسل بواسطة: ♥ أرزة لبنان ♥ في 2008-10-13, 13:17:06
الله يعطيكي العافية

العنوان: رد: تعالوا نـــــَـــعــــــــش مع صفحة .........
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2008-10-13, 13:19:18


عافاك الله يا أرزة لبنان الحبيبة ...أهلا وسهلا بك معنا متأملة متدبرة في آي القرآن العظيمة  ::)smile:

وهو سبحانه وتعالى يقول : أفلا يتدبرون القرآن  

*******************************************************
فمن اضطر غير باغ ولا عاد إلى أن يأكل مما حرم الله تعالى فلا إثم عليه .....

فالمضطر هنا عليه ألا يكون باغيا ولا عاديا ، أي ألا يكون ظاما ولا معتديا ، فلا يظلم ولا يتعدى حدود اله تعالى ، بل هو مضطر تلجئه الضرورة لأن يأكل ما حرّم عليه ، فهذا لا إثم عليه والله غفور رحيم ....

ويقول في ذلك ابن كثير رحمه الله :

ثم أباح تعالى تناول ذلك عند الضرورة والاحتياج إليها عند فقد غيرها من الأطعمة فقال: {فمن اضطر غير باغ ولا عاد} أي من غير بغي ولا عدوان وهو مجاوزة الحد {فلا إثم عليه} أي في أكل ذلك. {إن الله غفور رحيم} قال مجاهد: {غير باغ ولا عاد} من خرج باغيا أو عادياً أو في معصية اللّه فلا رخصة له وإن اضطر إليه، وقال مقاتل بن حيان: {غير باغ} يعني غير مستحله، وقال السُّدي: {غير باغ} يبتغي فيه شهواته، وعن ابن عباس: لا يشبع منها وعنه: {غير باغ ولا عاد} قال: {غير باغ} في الميتة، ولا عادٍ في أكله، وقال قتادة: {فمن اضطر غير باغ ولا عاد} قال: غير باغ في الميتة أي في أكله أن يتعدى حلالاً إلى حرام هو يجد عنه مندوحة، وحكى القرطبي عن مجاهد في قوله: {فمن اضطر} أي أكره على ذلك بغير اختياره.
مسألة
إذا وجد المضطر ميتة وطعام الغير، بحيث لا قطع فيه ولا أذى، فإنه لا يحل له أكل الميتة، بل يأكل طعام الغير بغير خلاف لحديث عباد بن شرحبيل العنزي قال: أصابتنا عاماً مخمصةٌ فأتيت المدينة، فأتيت حائطاً، فأخذت سنبلاً ففركته وأكلته وجعلت منه في كسائي، فجاء صاحب الحائط فضربني وأخذ ثوبي، فأتيت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فأخبرته، فقال للرجل: (ما أطعمته إذ كان جائعاً ولا ساعياً، ولا علَّمته إذ كان جاهلاً) فأمره فرد إليه ثوبه، وأمر له بوسق طعام أو نصف وسق ""رواه ابن ماجة وإسناده قوي جدا"" وقال مقاتل بن حيان: في قوله {فلا إثم عليه إن الله غفور رحيم} فيما أكل من اضطرار، وبلغنا - والله أعلم - أنه لا يزاد على ثلاث لقم، وقال سعيد بن جبير: {غفور} لما أكل من الحرام {رحيم} إذ أحل له الحرام في اضطرار، وقال مسروق: من اضطر فلم يأكل ولم يشرب ثم مات دخل النار، وهذا يقتضي أنّ أكل الميتة للمضطر عزيمة لا رخصة، وهذا هو الصحيح كالإفطار للمريض
ونكمل مع الآية العظيمة الموالية :

إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ الكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَناًّ قَلِيلاً أُوْلَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلاَّ النَّارَ وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ القِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ(174)

لي عودة بإذن الله لنكمل العيش مع صفحتنا الحبيبة فالوقت يدركني  وأنا مضطرة غير باغية ولا عادية إلى المغادرة emo (30):
العنوان: رد: تعالوا نـــــَـــعــــــــش مع صفحة .........
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2008-10-14, 07:36:20
لقد استدركت حالي قبل أن أجد نفسي محمولة على أكف الراحة إلى عيادة تقويم الألسن :emoti_64: emot (1): ، إذ كنت أكتب يوم أمس ولم أنتبه للكثير من الأخطاء والركاكة في التركيب ، وكان تركيزي على الكتابة أكثر ، عدلت مداخلاتي السابقة قبل فوات الأوان  ::happy:

ونكمل معا أيها الإخوة الكرام  في المداخلة الموالية بإذن الله تعالى
العنوان: رد: تعالوا نـــــَـــعــــــــش مع صفحة .........
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2008-10-14, 07:53:01
وبعدما رأينا من تكريم الله تعالى لعباده المؤمنين حتى في ما يأكلون وما يشربون ، فلم يحطّ من قدرهم وإنما رفعهم ، رفعهم ليأكلوا مأكلا طيبا ، يأكلوا من لحوم حيوانات ذات قدر ، حيوانات فيها الخير ومنها الخير ضروب وأنواع ، فأنعام من بقر وغنم وإبل ، تدرّ الحليب والصوف والوبر ، والجلود واللحم والأنس بالرفقة ، حيوانات ذات قدر ورفعة ، أما الخنزير الذي عرفنا عنه ما عرفنا فالحمد لله الذي جعلنا من المسلمين وجعلنا مكرّمين ونأى بنا عن أذاه وقذاه ودناءة طبعه ومَعْلفه .....

يوم أمس إبان الحصة تساءلت إحدى الأخوات الكريمات عن سرّ استمرار الأوربيين بتعاطي لحم الخنزير رغم معرفتهم بكل هذا الضرر وبنتائج هذه التقارير الصادر جلّها عن مختبراتهم .... تراءى لي الجواب أنّ منهم من أذعن لحكمة الله تعالى وعرف أن الإسلام حق من خلال الكثير من البحوث العلمية التي تبيّن ذكر نتائجها في القرآن الكريم ، وشهد أن الله حق وأن محمدا حق وأن الإسلام حق ، ومنهم من يصر على الاستمرار رغم معرفته بكل هذا ، تكبرا واستعلاء وجحودا ونكرانا وإلحادا ....  وهذا هو الذي يعطّل عقله عن الهدى ....فرغم أنه يعرف ويعلم من العلم ومن الاكتشافات إلا أن علمه لم يوصله للحق ولم يبلغ به سبل الرشاد ، فلم يعرف الله ، ومن لم يعرف الله ولم يتدرج بعدها للتيقن من كل حق بعث به محمد صلى الله عليه وسلم لم يعرف وإن عرف ....

ونكمل مع الآية العظيمة الموالية :

إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ الكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَناًّ قَلِيلاً أُوْلَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلاَّ النَّارَ وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ القِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ(174)

نزلت هذه الآية في رؤساء اليهود كعب بن الأشرف ومالك بن الصيف وحيي بن الأخطب ، كانوا يأخذون الهدايا من أتباعهم ، فلما بعث عليه الصلاة والسلام خافوا انقطاع تلك العطايا من الهدايا عنهم ، فكتموا أمر محمد صلى الله عليه وسلم وأمر شرائعه ، فنزلت فيهم هذه الآية الكريمة ...
ولقد جادل اليهود جدالا كثيرا حول ما جاء في القرآن بتحليله وما جاء فيه بتحريمه ، فهناك ما كان محرما على اليهود بينما أبيحت للمسلمين ، وروي أنهم جادلوا حتى فيما حرم في القرآن وإن حرم عليهم في التوراة أيضا ، وغاية غايتهم في ذلك دائما وأبدا بث الشكوك في نفوس المؤمنين ، وزرع الفتنة بين صفوفهم ، حتى يردوهم عن دينهم ، ويشككوهم في صحة القرآن وفي كماله ..

ومن ثمة جاءت هذه الآية التي تبين مآل الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب ، يكتمون الحق ، يكتمون صفة محمد صلى الله عليه وسلم التي أنزلت عليهم في كتبهم ، في التوراة والإنجيل ، يكتمون الحق ، ليشتروا به حطام الدنيا ، ليشتروا به الجاه والسمعة ، ليشتروا به الثمن القليل ، ويخسروا في الدنيا والآخرة ، يخسروا ويبوؤوا بغضب من الله ويبوؤوا بعذاب أليم ، يلحقهم يوم القيامة ، نار هم فيها خالدون ، لا يخف فيها عنهم عذاب ولا هم ينصرون .....

ولنتدبر أيها الإخوة سيوا هذا التناسق وهذا الانسياب في السياق ، حيث كنا مع المحلل والمحرم من المأكل للعباد في الآيات السابقات ، وها نحن في هذه الآية نجد التعبير القرآني العظيم بــ : "أولئك ما يأكلون في بطونهم إلا النار " عبر سبحانه عن النار التي ستكون مآلهم ومستقرّهم بالأكل ونحن في سياق الأكل ، وإنك لتراهم وتتمثل لكم صورهم -والعياذ بالله- وهم يأكلون النار ن ألن تكون أكلهم وشربهم يوم القيامة ؟؟؟ ألن يأكلوا

تسقى من عين آنية   ليس لهم طعام إلا من ضريع لا يسمن ولا يغني من جوع
فسقياهم نار وأكلهم نار ..... والعياذ بالله .....
لا يكلمهم الله يوم القيامة لا يكلمهم كلام الرضى والمغفرة والعفو والرحمة ، وإنما يكلمهم كلام الغضب والسخط والمقت والزراية ....ولا يزكيهم ، لا يمسح عنهم ذنوبهم وآثامهم ولا يطهرهم منها -والعياذ بالله ...نسأل الله الثبات على الحق-     ولهم أليم العذاب ، فلا كلام ولا تزكية ، بل عذاب ونكال .....

وللنظر فيأنفسنا ، ولننظر في أحوالنا ونتأمل فيها ..... أليس من أمة محمد صلى الله عليه وسلم من يحل ما حرم الله ، ويحرم ما أحل .....أليس من بنات الأمة من ترتدي الدياج والزخارف وخرَقًا من الثياب على كل لون تتدلى من هنا ومن هناك وتقول إنه الحجاب ....وتقول أنها محجبة ، تتبع الهوى ، وتتبع أهواء غيرها ، وتقول عنه الحجاب ، ويرقبها والدها ووالدتها باك الحجاب ويقول كل منهما أن ابنته محجّبة ، وليست الحجاب ينطق فيخبر ما فعل به وما لفّق له .....
ومن أبنائنا من يرفع بالجيل شعره وكأنه لاقط هوائي ، يقول أنها الموضة وأنها ليست من الحرام في شيء ، ويتشبه الشاب بالشابة في الملبس وتتشبه الشابة بالشاب في الملبس والمظهر والحال والمقال ويقولون أنه حلال ولا وجه للحرام فيه ............

أفنكتم ما أنزل الله سبحانه وما أمر به وما فصله نبيه محمد صلى الله عليه وسلم ؟؟؟؟ أفنضرب عن أوامر الله عز وجل صفحا وعن هدي محمد صلى الله عليه وسلم صفحا ونقول أننا نجاري العصر ولا تثريب علينا ولا حرام نأتيه ، وإننا لا نكتم الحق وإنما فقط نتكيف مع العصر ؟؟؟!!!!

نسأل الله العفو والعافية في الدنيا والآخرة وأن يثبتنا على الحق وينير بصائرنا

وننتقل إلى الآية الأخيرة من هذه الصفحة الجليلة في قوله تعالى :

أُوْلَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالهُدَى وَالْعَذَابَ بِالْمَغْفِرَةِ فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ نَزَّلَ الكِتَابَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ(175)

وياله من بيع بايعوا به .... وهذه الصفقة الخاسرة ....ما أخسرها !!!  فهذا الهدى أريد الضلال ......وهذه المغفرة أريد العذاب !!!!!

هذا المتاع الدائم أريد المتاع الزائل .... وهذا الرضى أريد السخط !!!!  وهذا الخير منك نازل إليك شري مني صاعد !!!! وهذا الحق أريد الباطل وهذا الفوز أريد الخَسَار
وهذا الربح أريد البَوار ..........................

فأي عَصَابة سوداء سرمدية السواد قد وضعت على البصيرة وأي ظلام محيط أحاط بالقلب .....وأي حجاب قد وضع على العقل وأي حاجز مانع قد عطّله عن عمله فأردى صاحبه خاسرا ......!!!!

فما أصبرهم على النار  

تأتي العبارة استفهامية ....استنكارية ....يالطول صبرهم على النار التي اختاروها اختيارا !!!!   
ويقول في ذلك الإمام ابن كثير رحمه الله :

وقوله تعالى: {فما أصبرهم على النار} يخبر تعالى أنهم في عذاب شديد عظيم هائل، يتعجب من رآهم فيها من صبرهم على ذلك مع شدة ما هم فيه من العذاب والنكال والأغلال عياذاً باللّه من ذلك وقيل: معنى قوله: {فما أصبهم على النار} أي فما أدومهم لعمل المعاصي التي تفضي بهم إلى النار.  

ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ نَزَّلَ الكِتَابَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ

الله نزّل كتبه السماوية بالحق والحق واحد ، نزل الدين والدين واحد هو الإسلام ، بعث الأنبياء يدعون لعبادة الله لا يشركون به شيئا .... يدعون لعبادة الواحد الأحد الفرد الصمد .... نزل الكتاب بالحق ....نزلت التوراة بالحق ، نزل الإنجيل بالحق ، نزل الزبور بالحق ، نزلت صحف إبراهيم بالحق .....نزل القرآن العظيم بالحق ....نزلت شرائعه ناسخة لما سبقها من الشرائع ....نزل مكملا خاتما .....

الحق واحد وجهه واحد والله واحد والنور واحد فلا يأتي بصيغة الجمع  في القرآن الكريم ..... والظلم ظلمات ....والشرك ظلم عظيم .... والظلمات ظلمات من فوقها ظلمات .......
والذين اختلفوا وشاقّوا الله وشاقوّا الرسول في شقاق بعيد .... ابتعدوا ، نأوا .....
والشقاق لغة هو العداوة ، الخلاف ، النزاع ...............وإنهم كذلك إلى يومنا هذا ، لأنهم ليسوا على الحق ..... ولن يرتاحوا إلا إذا صاروا على الحق الذي نزله الحق ...

والأزمة المالية الخانقة ...........شقاق بينهم وبين أنفسهم وهم لا يتبعون الحق

طالعوا :
http://www.ayamnal7lwa.net/forum/index.php?topic=1771.0

وفي المداخلة الموالية مجموع الفوائد المستخلصة من صفحتنا المباركة بإذن الله

 
العنوان: رد: تعالوا نـــــَـــعــــــــش مع صفحة .........
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2008-10-14, 10:10:48
***********************درر  نــــــَـــــــــــثْر درة  ****************************************



أسأل الله سبحانه أن يجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأن يرينا الحق حقا ويرزقنا اتباعه ويرينا الباطل باطلا ويرزقنا اجتنابه وأن يجعلنا من المتدبرين المنتفعين المهتدين بالقرآن الكريم ، المتقين الذين قال فيهم سبحانه وتعالى :
ألم ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين  

وأحاول قدر ما وسعني فهمي البسيط الذي إن أصبت به فمن الله وإن أخطأت فمن نفسي ومن الشيطان أن أضع بعض الفوائد التي نخرج بها من كل صفحة مباركة ، وصفحتنا التي عشنا معها ودرّتنا التي تنثر علينا الدرر هي :

وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَ لَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ (170)وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لاَ يَسْمَعُ إِلاَّ دُعَاءً وَنِدَاءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ(171) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ(172)  إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ المَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ(173) إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ الكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَناًّ قَلِيلاً أُوْلَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلاَّ النَّارَ وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ القِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ(174) أُوْلَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالهُدَى وَالْعَذَابَ بِالْمَغْفِرَةِ فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ نَزَّلَ الكِتَابَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ(175)


1- الإسلام دين البرهان والدليل والعقل ، والله سبحانه وتعالى ما كرم البشر بنعمة العقل إلا ليعملوه ولتكون أعظم حقيقة موصلة لكل حق هي اليقين بوجود الله تعالى ...فلا قيمة ولا وزن لعلم لم يأت بالهدى ....

2-الاتباع يكون لما أنزل الله تعالى من الحق وما عدا كلام الله تعالى وما ينقله صلى الله عليه وسلم لنا من تفصيل لكتابه سبحانه ولأوامره ونواهيه وتشريعاته  ،كلامه الذي ما هو إلا وحي يوحى، وما فصله وأبحر فيه العلماء الثقات  في هذا العلم العظيم  كل ما عدا ذلك  يؤخذ منه ويرد ، وقابل للنقاش ولأن يقبل أو يرفض .....

3-الرزاق سبحانه يرزق كل عبيده ، المؤمن منهم والكافر ، الجاحد منهم والشاكر ، ولأنه الغني عن كل عباده ولا يرضى لهم الكفر وإنما العبد هو من يختار دربه فإما شاكرا وإما كفورا .......

4-المؤمن مميز عن غيره بشكره على النعماء وتفضل رب العزة ، وشكره مرده علاقته بربه جل وعلا وشرف إيمانه به سبحانه وسماعه لكلامه وطاعته له وإخباته ....

5-كل ما حرمه الله على عباده المؤمنين من المأكل واجب تركه والابتعاد عنه والقول تسليما كاملا : "سمعنا وأطعنا ".... والعلم يأتي بالأخبار اليقينية على ضرر ما حرم الله سبحانه "ولتعلمنّ نبأه بعد حين"  وأنه سبحانه مكرم المؤمنين حتى فيما يأكلون من لحوم فينأى بهم عن لحم حيوان دنيئ الطباع ....

6- أن علينا ألا نكتم الحق بذريعة مسايرة العصر حتى نجد أنفسنا في شقاق بعيد وفي اتباع لخطوات الذين أشركوا وعاندوا وكابروا وألحدوا حذو القذ بالقذ ....بذريعة العصر وباسم العصر وديننا الحق لكل زمان ومكان .....

7-أن نسأل الله الثبات ثم الثبات ثم الثبات على الحق وعلى القول الحق في الحياة الدنيا وفي الآخرة ، لأن الضلال طريقه ظلام ، ومآله نار والعياذ بالله أجارنا الله وإياكم من لحظة فيها .....

8-شواهد الواقع تنطق أن الذين شاقوا الله ورسوله واتبعوا الهوى والشرائع الوضعية وتركوا شرع الله الحق هم اليوم في شقاق بعيد


اللهم ثبتنا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة

وإلى لقاء آخر الأسبوع القادم مع درة أخرى بإذن الله تعالى ، صفحة أخرى نعيش معها الأسبوع القادم إن بقي بالعمر بقية انتظرونا emo (30): ...كما أنتظر إطلالاتكم emo (30):
العنوان: رد: تعالوا نـــــَـــعــــــــش مع صفحة .........
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2008-10-20, 09:47:44
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

نلتقي هذا الأسبوع أيها الإخوة الكرام كعهد لقائنا بدرر حياتنا ، صفحات كتابنا العزيز الحكيم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه
ونواصل مع سورة البقرة العظيمة ، ويطيب لنا أن نضع بين أيدينا في نقاط مرقومة شيئا من بركتها وخيرها وفضلها نستذكر به والذكرى لنا نفع وخير ....

سورة البقرة :

1- سورة مدنية وهي أول ما نزل من السور المدنية ، وأسباب نزول آياتها كثيرة ، وسنحاول موازاةً لما نعرض من الآيات الكريمة عرض أسباب النزول
2- من أهم السور التي ورد فيها فضح اليهود وأحوالهم وتقلباتهم ، وقَصَصهم مع الأنبياء والرسل .
3-سورة تتمحور أساسا حول عهد الله تعالى والأمم التي حمّلت هذا العهد من بدء سيدنا آدم أول معهود إليه إلى بني إسرائيل إلى أمة محمد صلى الله عليه وسلم

4-سورة تحذر من عاقبة الظلم والكفر والعناد ، حيث اتسع نطاق ذكر بني إسرائيل فيها تحذيرا لأمة محمد صلى الله عليه وسلم من مغبة الوقوع فيما وقعوا فيه حتى باؤوا بغضب من الله تعالى .

5- سورة قال فيها صلى الله عليه وسلم : "اقرؤوا سورة البقرة فإن أخذها بركة وتركها حسرة ولا تستطيعها البَطَلة  " والبطلة تعني السَّحرة .رواه مسلم في صحيحه
6-سورة البقرة اشتملت على معظم الأحكام التشريعية ، في العقائد والعبادات والمعاملات ، والأخلاق وفي أمور الزواج والطلاق ، والعدة وغيرها من الأحكام الشرعية .

7-سورة البقرة تناولت التشريع بإسهاب لأن المسلمين كانوا في بداية تكوين الدولة الإسلامية وهم في أمس الحاجة إلى المنهاج الرباني والتشريع السماوي الذي يتخذونه مقياسا لحياتهم .
8-سميت سورة البقرة بهذه التسمية إحياء لذكرى تلك المعجزة الباهرة التي ظهرت في زمن سيدنا موسى

9- وفي فضلها أيضا يقول صلى الله عليه وسلم : "لا تجعلوا بيوتكم مقابر إن الشيطان ينفر من البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة   " أخرجه مسلم والترمذي

11-عن أبي هريرة أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: (سورة البقرة فيها آيةٌ سيدةُ آي القرآن لا تقرأ في بيت فيه شيطان إلا خرج منه: آية الكرسي) ""رواه الحاكم"" وقد رواه الترمذي ولفظه: (لكل شيء سنام وسنام القرآن سورة البقرة وفيها آية هي سيدة آي القرآن: آية الكرسي).

*****************************

صفحتنا الجديدة اليوم هي الصفحة رقم 27  ...قوله سبحانه :

لَيْسَ البِرَّ أَن تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ المَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ البِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى المَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي القُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي البَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ البَأْسِ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُوْلَئِكَ هُمُ المُتَّقُونَ(177)يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ القِصَاصُ فِي القَتْلَى الحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنثَى بِالأُنثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ(178) وَلَكُمْ فِي القِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ(179)كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ المَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْراً الوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقاًّ عَلَى المُتَّقِينَ(180) فَمَن بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ(181)


العنوان: رد: تعالوا نـــــَـــعــــــــش مع صفحة .........
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2008-10-20, 10:52:31
صفحتنا الجديدة اليوم هي الصفحة رقم 27  ...قوله سبحانه :

لَيْسَ البِرَّ أَن تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ المَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ البِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى المَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي القُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي البَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ البَأْسِ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُوْلَئِكَ هُمُ المُتَّقُونَ(177)يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ القِصَاصُ فِي القَتْلَى الحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنثَى بِالأُنثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ(178) وَلَكُمْ فِي القِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ(179)كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ المَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْراً الوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقاًّ عَلَى المُتَّقِينَ(180) فَمَن بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ(181)

نزلت هذه الآية الكريمة (َلَيسَ البِرُّ بِأََن تَأتوا البُيوتَ مِن ظُهورِها).

قال المفسرون: كان الناس في الجاهلية وفي أول الإسلام إذا أحرم الرجل منهم بالحج أو العمرة لم يدخل حائطاً ولا بيتاً ولا داراً من بابه فإن كان من أهل المدن نقب نقباً في ظهر بيته منه يدخل ويخرج أو يتخذ سلماً فيصعد فيه وإن كان من أهل الوبر خرج من خلف الخيمة والفسطاط ولا يدخل من الباب حتى يحل من إحرامه ويرون ذلك ذماً إلا أن يكون من الحمس وهم قريش وكنانة وخزاعة وثقيف وخثعم وبنو عامر بن صعصعة وبنو النضر بن معاوية سموا حمساً لشدتهم في دينهم قالوا: فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم بيتاً لبعض الأنصار فدخل رجل من الأنصار على إثره من الباب وهو محرم فأنكروا عليه فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: لم دخلت من الباب وأنت محرم فقال: رأيتك دخلت من الباب فدخلت على  إثرك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني أحمسي قال الرجل: إن كنت أحمسياً فإني أحمسي ديننا واحد رضيت بهديك وسمتك ودينك فأنزل الله تعالى هذه الآية.      
(1)


ومن هنا يبدأ النصف الثاني من السورة على وجه التقريب ، إذ أن النصف الأول تعلق بأصول الدين وبقبائح بني إسرائيل ، وهذا النصف غالبه متعلق بالأحكام التشريعية ....
ونعود إلى الآية التي تسبق هذه الآية مباشرة فنجدها قوله تعالى :ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ نَزَّلَ الكِتَابَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ
، فكان من بين ما جعل أهل الكتاب في شقاق ، تقوّلهم على أمر الله سبحانه وتعالى نبيَّه الكريم صلى الله عليه وسلم بتحويل القبلة ، فصار كل فريق منهم (يهودا ونصارى) يدعي أنّ الهدى في سبيله ، وفيما هو عليه وفي قبلته ، ويشكك في أمر القرآن كله .... فجاءت هذه الآية الكريمة تبين أن البرّ ليس في أن يولي المرء وجهه شرقا أو غربا ، وإنما البر في طاعة الله سبحانه وامتثال أمره ....

والبرّ لغة هو الصدق والاتساع في الإحسان والطاعة ، ويفسر على أنه اسم جامع للطاعات وأعمال الخير ...ولنلاحظ إخوتي في النسق قوله تعالى
ولكن البرّ من آمن بالله وكأن البرّ هنا هو الإنسان المؤمن بالله  ، ويقول في ذلك سيبويه :
أَراد ولكنَّ البِرَّ بِرُّ مَنْ آمن بالله ; قال ابن سيده : وهو قول سيبويه , وقال بعضهم : ولكنَّ ذا الْبِرّ من آمن بالله ; قال ابن جني : والأَول أَجود لأَن حذف المضاف ضَرْبٌ من الاتساع والخبر أَولى من المبتدإ لأَن الاتساع بالأَعجاز أَولى منه بالصدور   
(2)

قول الشاعر : وكيف تواصل من أصبحتْ *** خلالته كأبي مرحب ؟أَي كخخلالة أبي مرحب (3)

ويقول سبحانه : "لن تنالوا البرّ حتى تنفقوا مما تحبون" ويفسر البرّ على أنه كل وجه طاعة ، وكل وجه طاعة إنفاق ...ويقول تعالى : "وتعاونوا على البرّ والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان "و يقول أيضا : "أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم"  فالبرّ جملة هو الخير والصلاح .

فهو إذن ليس أن يولي المرء وجهه قبل مشرق أو مغرب ، ولكنّه تعريفا من الله تعالى في هذه الآية الكريمة جاء أمورا مفصلة نأتي بها الواحد تلو الآخر

هو الإيمان بالله واليوم الآخر أولا ، والمؤمن بالله واليوم الآخر هو الذي آمن حق الإيمان وصدق بوجوده وبوحدانيته وبحاكميته في كل صغيرة وفي كل كبيرة ، وبقوته وقدرته وعظمته وأمره الذي بين الكاف والنون وبأسمائه الحسنى وبصفاته العُلى ، وبألوهيته وربوبيته ، وباليوم الآخر يوم الحساب والجزاء واللقاء والامتثال بين يديه ، إنسان فعله هو الطاعة والامتثال وقوله "سمعت وأطعت "  لا يبتغي غير رضى الله تعالى ....ولنتأمل سويا لنجد أن الإيمان بالله واليوم الآخر مقترنين يوحيان بمعنى قولنا إنا لله وإنا إليه راجعون ، يوحيان بمعنى أن كل شيء لله وكل ما عليها له وكل ما في السماوات والأرض له وحده ، ملكه وحده ، وإليه الرجعى ، وإليه المآب ، وإليه النشور بعد هذه الدنيا التي نحياها والتي امتدادها وطولها وعرضها بين أمرين اثنين أننا فيها وكل ما فيها لله ثم إليه نرجع ونعود فمبتدأ الأمر منه ومنتهاه إليه سبحانه الأول والآخر ، وأن التوجه الحقيقي هو لله ، وجهة واحدة ، إله واحد ، يخرج البشرية من التيه إلى الرشاد ومن التشتت إلى الوحدة ، ومن الفوضى إلى النظام ومن سلطان الأهواء في القوانين الوضعية إلى سلطان خالق الأنفس العالم بها وبخباياها ، ومن الظلم إلى العدل ....ثم لا يذهب كل هذا هباء ، وإنما الدنيا دار ابتلاء وامتحان وللإنسان بعدها يوم فيه يجزى فالمؤمن المستقيم وإن بدا في الدنيا مهيض الجناح مظلوما ، مكسورا مخذولا غريبا ، فهو عائد إلى رب عادل مجازيه عن كل صبر وعن كل رقابة منه لعين الله وابتغاء لرضاه خير الجزاء ....

والملائكة والكتاب والنبيين  ... الإيمان بالله تعالى يلزم الإيمان بملائكته ، جزء من الغيبيات والتي يعد الإيمان بها من أول ميزات المؤمن
يقول تعالى :
"ألم ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين الذين يؤمنون بالغيب "

ملائكته سبحانه جنوده ، رسله إلى رسله من البشر ، وعبيد من عبيده  يطيعونه ما أمرهم ، ولا يعصون له أمرا ، يسبحون لا يفترون ، ويستغفرون للعباد من البشر ....مخلوقات الله سبحانه الذين خلقهم من نور ، وأخبرهم بأنه خالق بشرا من طين ، وأسجدهم لآدم عليه السلام ....
والكثير من العلماء يذهبون إلى أفضلية الإنسان على كل خلق الله تعالى إلا الملائكة ، والبعض منهم يذهب مذهب تفضيله على الملائكة أيضا بحكم أن الملائكة مأمورون غير مخيرين ليست لهم أنفس توسوس وأهواء تتقلب ولا شيطان يترصد لهم والله أعلم .

والإيمان بالغيب ....هذا الغيب الذي يمتاز المؤمن بالتصديق به عن غيره  ، غيره من غير المؤمنين ، والذين يتساوون في ذلك مع الحيوانات التي لا تدرك إلا بحواسها ، أما المؤمن فيسمو بروحه سموا يعطيه كنه الروح ومعنى الروح التي هي نفخة من مولاها لا ترتاح إلا بجواره وبأنسه وقربه وبالتوجه له ولما يكون منه وما يأمر به وتصديق ما يخبر به سبحانه ، وإن لم يبدُ للعيان ، وإن لم تبصره العين ، يدرك الأبصار سبحانه ولا تدركه الأبصار ....وليس ذريعة لمن يتخذ الإلحاد سمة قوله أن ما لم تره عينه لا يصدقه قلبه ، ذلك أن الشيء إذا غاب عن العين ليس مدعاة لعدم وجوده ، فكيف ببلد لا تدركه عيني ولا أصله ولاأزوره ، هل هذا مدعاة للقول بأنه غير موجود ؟؟

ماذا عن عمى الألوان الذي يصيب بعض الناس ، هل هذا مدعاة لأن يقولوا بعدم وجود الألوان الأخرى ؟؟ ماذا عن شيء مصنوع هو دليل صانعه أمامي هل يدعوني لأن أنكر صانعه ؟؟ فهل أعرف إيديسون معرفة العين وأنا أؤمن بأن المصباح مصنوع منه متقن الصنعة ؟؟

والكتاب والنبيين   والكتاب

والكتاب اسم جنس يشمل الكتب المنزلة من السماء على الأنبياء، حتى ختمت بأشرفها وهو القرآن المهيمن على ما قبله من الكتب، الذي انتهى إليه كل خير، واشتمل على كل سعادة في الدنيا والآخرة، ونسخ به كل ما سواه من الكتب قبله وآمن بأنبياء اللّه كلهم من أولهم إلى خاتمهم محمد صلوات اللّه وسلامه عليه وعليهم أجمعين  (4)

ثم ننتقل إلى جزء آخر وإلى صفة أخرى من صفات البرّ .....بعدما تطرقنا إلى الإيمان بالله واليوم الآخر وملائكته والنبييين وكتبه السماوية التي أنزل عليهم ....

ننتقل من علاقة الإنسان بربه ، بملكوت الله ، وبغيبه ، وضرورة الإيمان بهذا الغيب الذي يوجب الصلة بين العبد وبينه وإن كان غائبا عن الأعين والأبصار في علاقة روحانية ذات وشائج قوية وروابط وثيقة العُرى ،  إلى علاقة الإنسان بأخيه الإنسان ، وعمله مع أخيه الإنسان ...

وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب  

إيتاء المال على حبه ، هذا هو المحور ، إيتاؤه على حبه يعتق الإنسان من ربقة سلطان المال وفتنته والركون إليه وإلى التفكير فيه وفي تكاثره ....

انعتاق الروح من حب المال الذي يقبض الأيدي عن الإنفاق ، ويقبض النفوس عن الأريحية ، ويقبض الأرواح عن الانطلاق فيه قيمة روحية يشير إليها ذلك النص على حب المال ، وقيمة شعورية أن يبسط الإنسان يده وروحه فيما يحب من المال ، لا في الرخيص منه ولا الخبيث ، فيتحرر من عبودية المال ، هذه العبودية التي تستذل النفوس وتنكس الرؤوس ، ويتحرر من الحرص ، والحرص يذل أعناق الرجال ، وهي قيمة إنسانية كبرى في حساب الإسلام الذي يحاول دائما تحرير الإنسان من وساوس نفسه وحرصها وضعفها قبل أن يحاول تحريره من الخارج في محيط الجماعة وارتباطها يقينا منه بأن عبيد أنفسهم هم عبيد الناس ، وأن أحرار النفوس من الشهوات هم أحرار الرؤوس في المجتمعات ، ثم إنها بعد ذلك كله قيمة إنسانية في محيط الجماعة
(5)





***********************************************************
1- أسباب النزول للواحدي
2-محيط المحيط
3-محيط المحيط
4-تفسير القرآن العظيم لابن كثير
5-في ظلال القرآن لسيد قطب
العنوان: رد: تعالوا نـــــَـــعــــــــش مع صفحة .........
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2008-10-20, 13:42:01
إيتاء المال لذوي القربى واليتامى والمساكين  وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب

قال صلى الله عليه وسلم
(الصدقة على المساكين صدقة وعلى ذوي الرحم ثنتان: صدقة وصلة، فهم أولى الناس بك وبِبرَّك وإعطائك) وقد أمر اللّه تعالى بالإحسان إليهم في أكثر من موضع في القرآن الكريم
وربما أفاد الترتيب الذي نرى الانتقال في الدرجات حسب الأولوية والقيمة ، فالأقربون أولى بالمعروف ، لتقوية صلة الرحم ووشائج القربى ، ثم اليتامى الذين فقدوا عائلهم ووليهم المنفق عليهم ، فهم في حاجة مسيسة للعون ولتحسيسهم بأنهم وإن فقدوا أبا أو أما إلا أن المؤمنين وهم الإخوة المتعاضدون سند لهم وليس ذهاب الوالد عنهم ذهاب للخير وليد العون والبرّ ....ثم المساكين الذين لا قوة لهم ولا استطاعة ، ثم ابن السبيل الذي تقطعت به السبل ، فلا ظهير له ، يجد إخوانه يمدونه من قريب فهو ليس وحده والمؤمن للمؤمن كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى ، ثم السائلون ، السائلون الذين لهم حاجة وليس الذين اكتفوا وهم يدعون الحاجة ويمدون أيديهم بالسؤال ، وفي الرقاب وهم الأسرى والأرقاء ويكون بتخليصهم بالفداء ....

إذن فعلى حبّ الإنسان للمال هو ينفق ليتخلص من سطوة المال عليه ، ولينفلت من عقاله ، ويتحلل من قيده .....
يقول تعالى : لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون .........مما تحبون ، ويقول : "ويطعمون الطعام على حبه مسكينا وتيما وأسيرا إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا "

مازلنا في رحلتنا مع البرّ ، نتعرف إليه ونميط بهذه الآيات المتسقات اللثام عنه ، ونعرف أوجه الخير المدييييد فيه

أليس البدء بالأساس المتين الصحيح وهو الإيمان بالله واليوم الآخر وملائكته وكتبه والنبيين برا يكون المنطلق للخير الذي سيأتيه العبد في دنياه على أساس من التوجه الخالص لله تعالى وابتغاء وجهه في ما يأتي  ؟؟ أليس الإنفاق من المال على حبه برّا .........؟؟؟

ونأتي إلى :

وأقام الصلاة وآتى الزكاة والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون [/
color]

ولي عودة لأكمل بإذن الله تعالى فالوقت يدركني  emo (30):
 
العنوان: رد: تعالوا نـــــَـــعــــــــش مع صفحة .........
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2008-10-21, 10:04:49
وأقام الصلاة وآتى الزكاة والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون
إننا أيها الإخوة الكرام ، نرقب في متابعتنا لهذه الكلمات الربانية العليّة بنيانا يتعالى ، تتبعنا الأساس وهو يوضع ، إيمان بالله واليوم الآخر والملائكة والنبيين والكتب السماوية ، إيمانا راسخا لا يشوبه شك ولا مرية ، إيمان يجعل الإنسان متصلا بربه اتصال من يوقن أن عين الله لا تغيب عنه ولا عن أي دقيقة من دقائق الكون كله ، إيمان من يستأنس بالله وبوجود الله ، فلا يجزع لمصيبة تصيبه ، أو لخطب أو كرب يلمّ به ، إيمان من يعلم أنه من الله وإلى الله راجع ...

وبعد هذا الأساس تأتي اللبنات لترصف واحدة فوق أخرى ، تعلي بنيان البرّ ،.... فإنفاق على حبّ إنفاق ابتغاء الخلاص ، الخلاص من أسر المال وعبودية المال ، ليبقى التوجه لله وحده والعبادة لله وحده ، ولا يصبح الإنسان عبدا لنفسه وهواها ، إنه إنفاق من أجل الإبقاء على حلاوة العبودية لله .....

ونصل إلى إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة ....ركنان أساسيان من أركان الإسلام ، فلا تغني النافلة عن الفرض ، وإيتاء المال على حبه من باب الصدقة لا يغني عن فرض الزكاة ،
إقامة الصلاة ، وهي العماد عماد الدين كله ، إقامتها حتى يخرج المؤمن منها كمن دخل يغتسل ، دخل ليفضي بما عنده لرب العزة مولاه ، يخرج منها ليس كمن قام بحركات رياضية لا تعدو أن تكون حركات ، والفكر سارح ذاهب عنها ذاهل ، والروح قابعة بدرك لم تصعد وإن درجة ... الصلاة  تحقيق للانسجام والاتساق بين معاني العقل والروح والجسم ، كل جزء من الثلاثة يكمل الآخر ، فعقل يقرأ ويتدبر ويفكر فيما يقول ، وجسم يتحرك ويفي بواجب الحركات ، وروح تتسامى وترحل في ساعة رحيلها من الدنيا إلى لقاء تتمناه وتنتظره وتسعد بحلوله مع الله .....

والموفون بعهدهم إذا عاهدوا  

وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسؤولا  
الوفاء بالعهود ، وأهمها على الإطلاق العهد مع الله تعالى ، عهد هذه الأمة المحمدية مع الله ، عهدها لحمل الرسالة ، العهد الذي لا يناله الظالمون
وعكس هذه الصفة النفاق
يقول صلى الله عليه وسلم
(آية المنافق ثلاث إذا حدَّث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا ائتمن خان) ""رواه الشيخان"" وفي الحديث الآخر: (وإذا حدّث كذب وإذا عاهد غدر وإذا خاصم فجر)
بنو إسرائيل كانوا ناقضين للمواثيق ، مخلفين لعهدهم مع الله فباؤوا بغضب من الله .....أما أمة محمد صلى الله عليه وسلم فهي أمة الحق والتصديق والولاء لله ولرسوله ....

قال الله تعالى :  وأَوفوا بالعهد إِن العهدَ كان مسئولاً  ؛ قال الزجاج : قال بعضهم : ما أَدري ما العهد , وقال غيره : العَهْدُ كل ما عُوهِدَ اللَّهُ عليه , وكلُّ ما بين العبادِ من المواثِيقِ , فهو عَهْدٌ . وأَمْرُ اليتيم من العهدِ , وكذلك كلُّ ما أَمَرَ الله به في هذه الآيات ونَهى عنه . وفي حديث الدُّعاءِ :  وأَنا على عَهْدِكَ ووَعْدِكَ ما استَطَعْتُ  أَي أَنا مُقِيمٌ على ما عاهَدْتُك عليه من الإِيمان بك والإِقرار بوَحْدانيَّتِك لا أَزول عنه , واستثنى بقوله ما استَطَعْتُ مَوْضِع القَدَرِ السابقِ في أَمره أَي إِن كان قد جرى القضاءُ أَنْ أَنْقُضَ العهدَ يوماً ما فإِني أُخْلِدُ عند ذلك إِلى التَّنَصُّلِ والاعتذار , لعدم الاستطاعة في دفع ما قضيته علي ؛ وقيل : معناه إِني مُتَمَسِّكٌ بما عَهِدْتَه إِليّ من أَمرك ونهيك ومُبْلي العُذْرِ في الوفاءِ به قَدْرَ الوُسْع والطاقة , وإِن كنت لا أَقدر أَن أَبلغ كُنْهَ الواجب فيه . و العَهْدُ الوصية , كقول سعد حين خاصم عبد بن زمعة في ابن أَمَتِهِ فقال : ابن أَخي عَهِدَ إِليّ فيه أَي أَوصى ؛ ومنه الحديث :  تمَسَّكوا بعهد ابن أُمِّ عَبْدٍ  أَي ما يوصيكم به ويأْمرُكم , ويدل عليه حديثه الآخر :  رضِيتُ لأُمَّتي ما رضيَ لها ابنُ أُمِّ عَبْدٍ  لمعرفته بشفقته عليهم ونصيحته لهم , وابنُ أُم عَبْدٍ : هو عبد الله بن مسعود . ويقال : عهِد إِلي في كذا أَي أَوصاني ؛ ومنه حديث عليّ , كرم الله وجهه : عَهِدَ إِليّ النبيُّ الأُمّيُّ أَي أَوْصَى ؛ ومنه قوله   أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ  ؛ يعني الوصيةَ والأَمر . و العَهْدُ التقدُّم إِلى المرءِ في الشيءِ . والعهد : الذي يُكتب للولاة وهو مشتق منه , والجمع عُهودٌ وقد عَهِدَ إِليه عَهْداً و العَهْدُ المَوْثِقُ واليمين يحلف بها الرجل , والجمع كالجمع . تقول : عليّ عهْدُ الله وميثاقُه , وأَخذتُ عليه عهدَ الله وميثاقَه ؛ وتقول : عَلَيَّ عهدُ اللهِ لأَفعلن كذا ؛ ومنه قول الله تعالى :  وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ  ؛ وقيل : وليُّ العهد لأَنه وليَ الميثاقَ الذي يؤْخذ على من بايع الخليفة . والعهد أَيضاً : الوفاء . وفي التنزيل :  وَمَا وَجَدْنَا لِأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ  ؛ أَي من وفاء ؛ قال أَبو الهيثم : العهْدُ جمع العُهْدَةِ وهو الميثاق واليمين التي تستوثقُ بها ممن يعاهدُك , وإِنما سمي اليهود والنصارى أَهلَ العهدِ : للذمة التي أُعْطُوها والعُهْدَةِ المُشْتَرَطَةِ عليهم ولهم  (1)

العَهْدُ: الوَصِيَّةُ والأَمر، قال اللهُ عز وجلّ: "أَلَمْ أَعْهَدْ إليكُمْ يا بَنِي آدَمَ"، وكذا قوله تعالى "وعَهِدْنَا إلى إِبراهيمَ وإِسماعيلَ"، وقال البيضاويُّ، أَي أَمرناهما، لكونِ التوصيةِ بطريقِ الأمر. وقال شيخُنا: وجعل بعضُهُم العَهْدَ بمعنَى المَوْثِقِ، إلا إذا عُدِّيَ بإِلى، فهو حينئذٍ بمعنى الوصية. قلت: وفي حديث عليٍّ، كرمَ الله وجهه. "عَهِدَ إِليَّ النبيُّ الاُمّيُّ صلى الله عليه وسلم"، أَي أَوصَى. والعَهْدُ: التَّقَدُّمُ إلى المَرْءِ في الشيء. والعَهْدُ المَوْثِقُ، واليَمِينُ يَحْلُِ بها الرجُلُ، والجمع: عُهُودٌ، تقول: عليَّ عَهْدُ اللهِ ومِيثاقُه لأَفْعلَنَّ كذا، وقِيلَ: ولِيُّ العَهْدِ، لأَنَّهُ وَلِي المِيثَاقَ الذي يُؤْخَذُ على من بايعَ الخَلِيفَة، وقد عاهَدَهُ. ومنه قولُ الله تعالى: "وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللهِ إِذا عَاهَدْتُم" وقال بعض المفسرين: العَهْد كُلُّ ما عُوهِد اللهُ عليهِ، وكل ما بينَ العِبَادِ من المَوَاثِيقِ فهو عَهْدٌ(2)

والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون  

نأتي مع ختام هذه الآية الكريمة ، ونوشك أن نتم مراقبة هذا البنيان المتين..... البرّ ......
والصابرين ...............ما بالها لم تأت كما يتصور أن تكون عليه ، وهي معطوفة بناء وحركة على ما قبلها من الأسماء ، والموفون بعهدهم ، أليس حريا أن تأتي "الصابرون" ؟؟؟

ولهذا السؤال جواب يقول أنها قد نصبت على الاختصاص أي وأخص بالذكر الصابرين ، وهذا الأسلوب معروف بين البلغاء ، فإذا ذكرت صفات للمدح أو الذم وخولف الإعراب في بعضها فذلك تفنّن ويسمى قطعا ، لأن تغيير المألوف يدل على مزيد اهتمام بشأنه وتشويق لسماعه .

إذن فهذه الصفة مخصوصة في المعنى ، ومؤكّد عليها ، الصبر وذكرت له ثلاث حالات تكاد تكون هي كل الحالات
فصبر على البأساء وهي الفقر ، والبأس هو الشدة والحرب ، والضراء السقم والجوع

وفي حديث علي , رضوان اللَّه عليه : كنا إِذا اشتدَّ البأْسُ اتَّقَيْنا برسول اللَّه  يريد الخوف ولا يكون إِلا مع الشدَّة .

 البأْسُ و البَئِسُ على مثال فَعِلٍ , العذاب الشديد . ابن سيده : البأْس الحرب ثم كثر حتى قيل لا بَأْسَ عليك , ولا بَأْسَ أَي لا خوف ; قال قَيْسُ بنُ الخطِيمِ : يقولُ ليَ الحَدَّادُ , وهو يَقُودُني *** إِلى السِّجْنِ لا تَجْزَعْ فما بكَ من باسِ  (3)
 

وقد مرّ في آية سابقة من سورة البقرة ، وفي ثاني نداء للمؤمنين قوله تعالى : "يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة إن الله مع الصابرين"

أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون  

الصدق والتقوى صفتان خاتمتان لأهل البرّ ، الذين آمنوا بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين وآتوا المال على حبه أهله ، وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وصبروا ، صادقون ، متقون

يقول صلى الله عليه وسلم :"عليكم بالصدق فإنه يهدي إلى البرّ  "   أجل الصدق يهدي إلى البرّ ، إذا تتبعنا الأوصاف السابقة والتعريفات الربانية السابقة للبرّ واحدا واحدا لرأينا الصدق رأس حالها ...
الإيمان بالله واليوم الآخر ، بصدق ، إيمانا خالصا صادقا ليس معه شك أو ريب ، الإيمان بالملائكة والكتب والنبيين والتصديق بهم ، الإيمان بهم هو التصديق بهم جميعا ، وألا نكذبهم كعهد بني إسرائيل التكذيب ،إيتاء المال على حبه ، بصدق صادقين مع أنفسنا ونحن نؤتيه ، صادقين مع أنفسنا أنما نحن نجاهدها ولا نريد لها أن تركن إلى عبادة المال ، نصدق معها ونحن نواجهها بضعفها إزاء المال وإزاء فتنته ، ونريد وقد صدقناها أن نجاهدها ونغير من سوء حالها وأن نخلصها من براثن الأهواء والشهوات ، والصدق في التوجه لله تعالى بصلاة خاشعة هي الصلة الصادقة بين العبد وربه ، والصدق في إخراج المفروض من حق المال إلى مستحقيه ،
والوفاء بالعهد صدق وثبات ووفاء رأسه الصدق ، والصبر صدق في كل حال صدق مع النفس ، ومداواة لجراح الجزع فيها بطبّ الصبر  ....

والصدق يهدي إلى البرّ ......أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون
المتقون ....، وهل التقوى إلا إتيان ما يرضي الله وتجنب ما يغضبه ، والبرّ سعة الخير وسعة الخير بكل وجه إرضاء لله تعالى ، وحب الخير والسعي له سعي لإرضاء الله تعالى ،  ولنتأمل صيغة الصفتين وتركيبتيهما :

أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون ، جاء الخبر في الجملة فعلا ماضيا "صدقوا"لإفادة التحقيق وأن ذلك وقع منهم واستقر ، ، وأتى بخبر الثانية في جملة إسمية "وأولئك هم المتقون "ليدل على الثبوت وأنه ليس متجدا بل صار كالسجية لهم ومراعاة للفاصلة أيضا .


*******************************************************************
1- محيط المحيط
2- تاج العروس
3-محيط المحيط
العنوان: رد: تعالوا نـــــَـــعــــــــش مع صفحة .........
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2008-10-21, 10:58:16
وهكذا نكون قد أنهينا رحلتنا مع البرّ وتعريفه فهو :

إيمان بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين ------------إيمان راسخ تترجمه الطاعة والولاء (1)
إيتاء المال أهله على حب له -----------------------------------تخليص للنفس من ربقة العبودية للمال ومن قيد فتنته لتخلص العبادة لله وحده(2)
إقام الصلاة-------------------------الحرص على متانة هذا العماد الأساسي باتساق حركة العقل مع الجسم مع الروح في صلة بالله ورحلة متكررة إلى رحابه(3)
إيتاء الزكاة ------------------------فرض وركن أساسي لتطهير المال وزيادته وضرورة إحساس المكتفي بالمحتاج في صورة تكافلية محضة (4)
الوفاء بالعهود----------------------العهد مع الله على السمع والطاعة والإذعان لأمره وقضائه والوفاء بالعهود والمواثيق مع الناس(5)
الصبر -------------------------------حتى تتربى النفس على أن الحال ليس لينا متواصلا ولا شدة متواصلة ، وأن الشكر حال المؤمن في فرح أو قرح.(6)


والنتيجة أن البرّ هو :

البرّ = (1)+(2)+(3)+(4)+(5)+(6) =  الصادقون المتقون
العنوان: رد: تعالوا نـــــَـــعــــــــش مع صفحة .........
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2008-10-22, 08:58:08
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بعدما عشنا مع آية البرّ والتي كانت بكلماتها القليلة خلاصة كاملة للتصور الإسلامي ولمبادئ المنهج الإسلامي المتكامل  نكمل أيها الإخوة مع الآيتين المتبقيتين من صفحتنا الكريمة المطهرة
قوله تعالى :

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ القِصَاصُ فِي القَتْلَى الحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنثَى بِالأُنثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ(178) وَلَكُمْ فِي القِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ(179)كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ المَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْراً الوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقاًّ عَلَى المُتَّقِينَ(180) فَمَن بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ(181)

عن قتادة أن سبب نزول هذه الآية 179 أن أهل الجاهلية كان فيهم بغي وطاعة للشيطان ، وكان الحي منهم إذا كان فيهم مَنَعة فقتل عبدهم عبدَ آخرين قالوا : لن نقتل به إلا حرا ، وإذا قتلت امرأة منهم امرأة من آخرين قالوا : لن نقتل بها إلا رجلا فأنزل الله تعالى قوله : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ القِصَاصُ فِي القَتْلَى الحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنثَى بِالأُنثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ(178)

وكما يروي ابن كثير في تفسيره  أن حيين من العرب اقتتلوا في الجاهلية قبل الإسلام بقليل، فكان بينهم قتل وجراحات، حتى قتلوا العبيد والنساء، فلم يأخذ بعضهم من بعض حتى أسلموا، فكان أحد الحيين يتطاول على الآخر في العدة والأموال، فحلفوا أن لا يرضوا حتى يقتل بالعبد منا الحر منهم، وبالمرأة منا الرجل منهم، فنزلت فيهم الآية

ونلاحظ أنه مع بداية هذه الآ]ة الكريمة ، تبدأ التنظيمات الاجتماعية للمجتمع المسلم حديث العهد بالإسلام المستوطن المدينة ، جنبا إلى جنب مع التشريعات السماوية ، كما نلاحظ ابتداء هذه التنظيمات بالقصاص ، ذلك أنّ الدم وإهداره في الجاهلية كان سمة من سماتها ، فكانت الحروب تثور بين القبائل لأبسط الأمور ، وتسفك الدماء ولا تحقن إلا إذا أشفى كل طرف غليله برؤية الدماء ، وعلى قدر كثرتها يكون القاتل قد ذاد عن مجد حيّه وشرفه
فتأتي الآية أول ما يأتي ضمن التنظيمات الاجتماعية والمنهج الحياتي الذي يراد لهم كمسلمين هم بناة الدولة الإسلامية الأولى ....

فيأتي النداء للمؤمنين وهو رابع نداء في القرآن الكريم ضمن ما نعد من النداءات الإيمانية في القرآن الكريم ، من هذه السورة العظيمة وذلك بعد النداءات التالية :
"يا أيها الذين آمنوا لا تقولوا راعنا وقولوا انظرنا واسمعوا وللكافرين عذاب أليم"
"يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة إن الله مع الصابرين"
"يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم واشكروا لله إن كنتم إياه تعبدون"

وهذا نداء رابع لهم ، ولنا نحن المؤمنين ورثة الإيمان وورثة الرسالة العظيمة ، وورثة الحق ، أن القصاص في القتلى مفروض علينا ، وترى الكلمات الإلاهية الحكيمة وهي تأتي موائمة للفطرة الإنسانية وللطبيعة البشرية التي تثور على سفك دم قريب أو حبيب ، ولا تطيق أن تصبر على هذا ، وإنما يستجيش فيها ذلك مكامن الكره والحقد ودوافع الانتقام وشفاء ما يملأ الصدور من غل وضغينة .... فيكتب أو يفرض القصاص ، جزاء المثل بالمثل ، فالدم المهدَر ليس بأهون من دم المهدر ، والمقتول ليس بأهون من القاتل ، وإنما هو العدل ، وإنما هي المساواة بين البشر ...
وكما أسلفنا فقد نزل تحديد الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى تحديدا في ذينك الحيين العربيين المقتتلين قبل الإسلام ، الباحثين عن القصاص بعدما أسلموا ، يبين الله لهما عدل الجزاء ، حتى لا يتركوا للتخبط والأهواء تعبث بأصحابها ذات اليمين وذات الشمال وتصور أن أحدا خيرا من أحد .

وقد نسخت هذه الآية الكريمة على قول ابن كثير وعدد من المفسرين بآية سورة المائدة في قوله تعالى : النفس بالنفس

وننظر حَوَالينا فإذا دولنا الإسلامية ، قليل منها من يطبق اليوم قصاص النفس بالنفس ، وكثير منها من أعدم حكم الإعدام ، يعوضه بالسجن المؤبد في أقسى الحالات .....هذا إن كان هناك للقانون حكم ...

أما القتلى ، وسفك الدماء في الأرض ، وقتل الأخ المؤمن لأخيه المؤمن فحدث ولا حرج ...حروب تسمّى الحروب الطائفية ، والحروب العرقية ، وحروب تصفية وحروب حزبية وحروب لا يعرف فيها من قتل من ، وجرائم قتل أشكال وألوان ، وحروب أهلية ، ومسمى الإرهاب ، وما خلف المسمى أمور وأمور ....
شرطي يقتل إرهابيا ، وإرهابي يقتل شرطيا ، وكلهم من بلد واحد ومن دين واحد ومن أصل واحد ..... وبعضهم يقتل بعضا .....
كل هذا من فرط ما رخص دم المسلم وهان ، ومن فرط ما حلّ مقام الحكم الإلاهي المحكم حكم وضعي بشري يقضي اليوم بشيء ويقضي غدا بآخر ، يتخبط لا يعرف للأزمة حلا من بنات فكره ، ولا يعرف لها مبتدءا من منتهى ....ويأبى أن يؤوب أو يعود إلى الحق ويستنبط من الحق ويقول ما قاله الحق وما قرره الله في كتابه لعباده من الأحكام المحكمة التي لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها .

فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف وآداء إليه بإحسان

يأتي هذا الجزء معقبا ، مستثنيا ، فيه من الرحمة وفيه من الود وفيه من الخير الكثير ، وفيه من حقن الدماء والتصاعد في حقن الدماء ، وفيه من العدل وفيه من الخلق ودماثته وحسنه الكثير الكثير ......
فمن عفي له من أخيه شيء ، أي أن أهل المقتول إذا ما عفوا عن القاتل وعن دمه ولم يرضوا بدم لقاء دم ، فالواجب اتباع بالمعروف وآداء إليه بإحسان
الاتباع من أهل المقتول ، اتباع بالمعروف وطلب دية معوضة عن دم القتيل بالمعروف ، دون تعنيف أو إذلال أو إهانة ، أي أنه مخيّر بين أن يطالب بالدم لقاء الدم ، فإن عفا فالعفو يستوجب الكمال في العفو ، وإتمام العفو على الوجه الأكمل ، فيطلب الدية بالمعروف ، ويؤديها القاتل بإحسان ، يؤديها ، بلا تعال ويؤديها وهو مطأطئ الرأس خافض الجناح ، حامدا شاكرا مولاه الذي خفف عنه ، والذي جعل الدية عّوضا لدمه .....تحقيقا لصفاءالقلوب ، وقتل الأحقاد ، ولننظر عبارة "أخيه"   أهل المقتول أخ للقاتل ، تذكرة ، دعوة للعودة ، لعودة التآخي الإنساني ، والتآخي الديني .....وتذكير تذكير بهذه العلاقة الوطيدة ، القوية التي وإن شابها أكبر شائب ، فإن القلوب ترحم ، وتعود وتعفو وتصفح ، إكمالا للإحسان وحقنا للدماء وحفظا للحياة .

ذلك تخفيف من ربكم ورحمة
تخفيف على أهل الإيمان ، وأهل القرآن ، تخفيف لهم ورحمة من الرحيم الرحمن ......

فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم  

من عفا وصفح ، وقبض الدية المعوّضة لا يجوز له أن يعود ويطلب دم الجاني ، وإنما ذلك اعتداء يستوجب غضب الله تعالى ، وعذابه الأليم ، فالحق حق والقول قول والفصل فصل ، لا مماراة ، ولا إبهام ولا غموض... كل الأمور واضحة ، والتخيير موجود فإما هذا وإما ذاك أما الإثنان معا فلا يكونان ولا يعقلان ولا يجتمعان ، وإنما اجتماعهما سوية دليل تمرد النفس وخروجها عما يشبعها إلى ما فوق ما يشبعها ، إنما هو الطمع والجشع والحيوانية والبهيمية تثور ثورة البركان الذي لا تحده الحدود إذا انطلق ولم يجد ما يحبسه ويرسم له الحدود ...

تكون الدعوة إلى العفو بعد تقرير القصاص دعوة إلى التسامي في حدود التطوع ، لا فرضا يكبت فطرة الإنسان ويحمّلها ما لا تطيق .(1)

وتجدر الإشارة إلى أن القصاص كان في بني إسرائيل ، ولم تكن فيهم الدية ، وكان في النصارى الدية ، ولم يكن فيهم القصاص ، فأكرم الله هذه الأمة ، فخيرها بين القصاص والدية والعفو وهذا من يسر الشريعة الغراء التي جاء بها سيد الأنبياء محمد صلى الله عليه وسلم 


***************************************************************
1- في ظلال القرآن لسيد قطب
العنوان: رد: تعالوا نـــــَـــعــــــــش مع صفحة .........
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2008-10-22, 09:28:55
ثم تأتي الآية الموالية مقرة للحكمة من القصاص ، تستجيش في النفوس وازع التقوى ، التقوى التي بها وبها وحدها يأتمر العبد ويطيع ويحاسب نفسه ويربيها وإن لم يكن من عين رقيب ترقبه ولا عين ملاحظ تلحظه ، وإنما هي عين الله التي يخشاها ، ويسترضيها بما يرضيه وتمني سمو نفسه درجات الرضى درجة إثر درجة ....

وَلَكُمْ فِي القِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ(179)

الحكمة العظمى هي الحياة ، هي الحفاظ على الحياة ، هي التحذر والتوقي ابتداء من قبل أن تكون الكارثة ، هي الزجر وإنفاذ الحكم ردعا لكل من تسول له نفسه ويرديه الشيطان بين شراكه فيأخذه إلى طريق القتل وسفك الدماء عمدا وترصدا وتتبعا لخطوات الغضب والحقد والحنق البالغ ذروته .....

وهناك فائدة تخص هذه الآية أعجبتني جدا وسأنقلها لكم :
اتفق علماء البيان على أن هذه الآية "ولكم في القصاص حياة" بالغة أعلى درجات البلاغة ، ونقل عن العرب في هذا المعنى قولهم : (القتل أنفى للقتل) ، ولكن لورود الحكمة في القرآن فضل من ناحية حسن البيان ، وإذا شئت أن تزداد خبرة بفضل بلاغة القرآن وسموّ مرتبته على مرتبة ما نطق به بلغاء البشر فانظر إلى العبارتين فإنك تجد من نفحات الإعجاز ما ينبهك لأن تشهد الفرق بين كلام الخالق وكلام المخلوق .أما الحكمة القرآنية فقد جعلت سبب الحياة : القصاص وهو القتل عقوبة على وجه التماثل ، والمثل العربي جعل سبب الحياة القتل ، ومن القتل ما يكون ظلما فيكون سببا للفناء ، وتصحيح العبارة أن يقال : القتل قصاصا أنفى للقتل ظلما ، والآية جاءت خالية من التكرار اللفظي ، والمثل كرر فيه لفظ القتل فمسه بهذا التكرار من الثقل ما سلمت منه الآية ، ومن الفروق الدقيقة بينهما : أن الآية جعلت القصاص سببا للحياة والمثل جعل القتل سببا لنفي القتل وهو لا يستلزم الحياة...إلخ ، وقد عدّ العلماء عشرين وجها من وجوه التفريق بين الآية القرآنية واللفظة العربية ، وقد ذكرها السيوطي في الإتقان فارجع إليه تجد فيه شفاء العليل .    (1)

حتى إذا جمحت الصورة البهيمية في حين من الأحيان ، وسقط الإنسان سقطة ، وكان ذلك حيث لا تراقبه عين ولا تتناوله يد القانون ، تحول هذا الإيمان نفسا لوامة عنيفة ، ووخزا لاذعا للضمير ، وخيالا مروّعا ، لا يرتاح معه صاحبه حتى يعترف بذنبه أمام القانون ، ويعرض نفسه للعقوبة الشديدة ، ويتحملها مطمئنا مرتاحا تفاديا من سخط الله وعقوبة الآخرة  (2)

ولنلاحظ تتابع عبارة التقوى بعد آية البرّ بوصف المتقين ، ثم بعد هذه الآية بـ "لعلكم تتقون"    فالتقوى هي مفتاح كل خير وهي الوازع الذي ينصّب النفس لذاتها حاكما ورادعا وإن لم يكن هناك قانون ومعاقبون ، فالله هو الرقيب وهو الحي العليم السميع البصير الخبير الذي يُخشى ويرجى فيسترضى .

ثم ننتقل الآن  إلى الآيتين الأخيرتين من هذه الصفحة المباركة ونردفهما بالآية الأولى من الصفحة الموالية نظرا للعلاقة الوثيقة بينها  وهي قوله تعالى :

كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ المَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْراً الوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقاًّ عَلَى المُتَّقِينَ(180) فَمَن بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ(181)فَمَنْ خَافَ مِن مُّوصٍ جَنَفاً أَوْ إِثْماً فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ(182)

ونواصل مع تشريع الله سبحانه وتنظيمه الاجتماعي للمجتمع المسلم ، وتوجيهه له بأحكام فاصلة لا تدع مجالا لتخبطات الأهواء ووضع البشر ، فنعيش مع أحكام الوصية إذا حضر الموت ....
والفعل بـ "كتب" أيضا أي فرض إذا حضر أحد المؤمنين الموت بشرط وأداة الشرط تأتي هنا ، إن ترك خيرا ، ويختلف العلماء في تحديد قيمة الخير المتروك هنا ، والأرجح أنها مسألة اعتبارية بحسب العرف ، والمقدار الذي يعتبر ثروة ، لا شك يختلف من زمان إلى زمان ومن بيئة إلى بيئة ...

والوصية للوالدين والأقريبين ، وقد نزلت آيات المواريث من سورة النساء بعد نزول هذه الآية الكريمة ، وقد حدد نصيب الوالدين في كل حالة في تلك الآيات الكريمة ، وبالتالي فإن هذه الآية لم تعد تخصهما بعد تحديد آيات المواريث ، لأنه لا وصية لوارث ، كما يقول صلى الله عليه وسلم : "إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه ، فلا وصية لوارث"  رواه أصحاب السنن .

أما الأقربون فلم يحددوا ضمن آيات المواريث وعلى هذا تبقى هذه الآية شاملة لهم ....
وآيات المواريث قد فصلت حق كل وارث ، ولم تشمل الأقربين  ، ويأتي ذكرهم هنا لاتساع دائرة التكافل والتراحم لمن يستحقون العون والمساعدة ، زيادة في البرّ والخير ، لذلك جاء ذكر المعروف
والمعروف لغة .-: الصنِيعةُ يُسْدِيها المرء إلى غيرِه؛ غمرني صديقي بمعروفه.  (3)

حقا على المتقين   ويتكرر ذكر صفة المتقين ها هنا أيضا لنعلم أن التقوى باب كل خير ، وباب اتقاء كل شبهة وكل شر وكل خزي ....
فلا تكون وصيته للأقربين عن ظلم للورثة الأصليين وهضم لحقهم ، أو عن نكاية في أحد بعينه .وحتى لا يكون حَيف ولا ظلم فقد حصرت السنة الوصية في الثلث والربع أفضل كي لا يضار الوارث بغير الوارث .

ويقول سبحانه بعدها :
فَمَن بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ(181)

فمن سمع الموصي وهو يوصي ثم بدل الوصية بغير ما سمع فإنما الإثم عليه وليس على الموصي ، والله قد سمع مع السامع وإن كان وحده الذي يسمع فالله لا يخفى عليه أمر ، وجاء ذكر سماعه سبحانه تذكيرا للمؤمنين واستجاشة لوازع التقوى في أنفسهم واستحضارا لله سبحانه في كل خائنة وخافية وفي كل بادية ....

ثم تأتي الآية الأخيرة معنا هنا

فَمَنْ خَافَ مِن مُّوصٍ جَنَفاً أَوْ إِثْماً فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ(183)

فمن خاف من الذين يسمعون الموصي جنفا أو إثما ، والجنف لغة هو

ومنه قَوْلُه تعالَى: (فَمَنْ خافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفاً، قال الزَّجَّاجُ: أَي مَيْلاً، زَادَ الرَّاغِبُ: ظَاهِراً، وقد جَنِفَ في وَصِيَّتِهِ، كفَرِحَ، وكذا أجْنَفَ، وقال: الْجَنَفُ: المَيْلُ في الكلامِ، وفي الأُمُورِ كُلِّهَا، تقول: جَنِفَ فُلانٌ علينا، وأجْنَفَ في حُكْمِه، وهو شَبِيهٌ بِالْحَيْفِ، إِلا أَنَّ الحَيْفَ من الحَاكِمِ خَاصَّةً، والجَنَفُ عَامٌّ، قال الأًزْهَرِيُّ: أَمَّا قَوْلُهُ: (الْحَيْفُ مِن الحاكمِ خَاصَّةً)، فَخَطَأٌ، الحَيْفُ يكونُ مِن كُلِّ مِن حَافَ، أَيْ: جَارَ، ومنه قولُ بعضِ التَّابِعين: (يُرَدُّ مِنْ حَيْفِ النَّاحِل ما يُرَدُّ مِن جَنَفِ المُوصِي) والنَّاحِل إِذا نَحَلَ بَعْضَ وَلَدِهِ دُونَ بَعْضٍ فَقَدْ حَافَ، وليس بحَاكِمٍ، وفي حديثِ عُرْوَةَ: (يُرَدُّ مِنْ صَدَقَةِ الْجَانِفِ في مَرَضِهِ مَا يُرَدُّ مِنْ وَصِيَّةِ المُجْنِفِ عِنْدَ مَوْتِهِ)، يُقَالُ: جَنِفَ وأَجْنَفَ: إِذا مالَ وجَارَ، فجَمَع بيْنَ اللُّغَتَيْنِ، فهو أَجْنَفُ، أَي: مَائِلٌ في أَحَدِ شِقَّيْهِ مُتَزَاوِر، كما في الأَساس، قال جَرِيرٌ يَهَجُوا الفَرَزْدَقَ:

 تَعَضُّ الْمُلُوكَ الدَّارِعِين سُيُوفُنا*** ودَفُّكَ مِنْ نَفَّاخَةِ الْكِيرِ أَجْنَفُ
 
أو أَجْنَفَ مُخْتَصٌّ بالْوَصِيَّةِ، وَجَنِفَ في مُطْلَقِ الْمَيْلِ عن الْحَقِّ، قال لَبِيدٌ رَضِيَ اللهُ عنه: إِنِّي امْرُؤٌ مَنَعَتْ أَرُومَةُ عَامِـرٍ*** ضَيْمِي وقد جَنِفَتْ عَلَيَّ خُصُومُ
  (4)

ويقال الجنف الخطأ والميل عن الحق عن غير قصد بينما الإثم هو الميل عنه بقصد ....فمن خاف من السامعين أحد هذين الأمرين ، فأصلح وبدّل في الوصية بحيث يتفادى الحيف والجنف والإثم فلا إثم عليه ، والله غفور رحيم وتشمل مغفرته ورحمته كلا من الموصي والسامع على السواء .....

وعلى هذا نكون قد أتينا على نهاية هذه الصفحة الكريمة الحبيبة إلى القلب والتي فيها من الكنوز ما حاولنا سائلين الله مغفرة ورحمة أن نقدم شيئا من خيرها ولو النزر اليسير ......

نأتي في المداخلة الموالية بإذن الله لنعدد بعضض الدرر التي تنثرها هذه الدرة




**************************************************************************
1-صفوة التفاسير لمحمد علي الصابوني
2-أبو الحسن علي الحيني الندوي من كتابه "ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين"
3-المحيط
4-تاج العروس
 
العنوان: رد: تعالوا نـــــَـــعــــــــش مع صفحة .........
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2008-10-22, 10:29:01
***********************درر  نــــــَـــــــــــثْر درة   ****************************************

أسأل الله سبحانه أن يجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأن يرينا الحق حقا ويرزقنا اتباعه ويرينا الباطل باطلا ويرزقنا اجتنابه وأن يجعلنا من المتدبرين المنتفعين المهتدين بالقرآن الكريم ، المتقين الذين قال فيهم سبحانه وتعالى :
ألم ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين

وأحاول قدر ما وسعني فهمي البسيط الذي إن أصبت به فمن الله وإن أخطأت فمن نفسي ومن الشيطان أن أضع بعض الفوائد التي نخرج بها من كل صفحة مباركة ، وصفحتنا التي عشنا معها ودرّتنا التي تنثر علينا الدرر هي :

لَيْسَ البِرَّ أَن تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ المَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ البِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى المَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي القُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي البَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ البَأْسِ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُوْلَئِكَ هُمُ المُتَّقُونَ(177)يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ القِصَاصُ فِي القَتْلَى الحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنثَى بِالأُنثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ(178) وَلَكُمْ فِي القِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ(179)كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ المَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْراً الوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقاًّ عَلَى المُتَّقِينَ(180) فَمَن بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ(181)فَمَنْ خَافَ مِن مُّوصٍ جَنَفاً أَوْ إِثْماً فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ(182)

1- البرّ هو :

إيمان بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين ------------إيمان راسخ تترجمه الطاعة والولاء (1)
إيتاء المال أهله على حب له -----------------------------------تخليص للنفس من ربقة العبودية للمال ومن قيد فتنته لتخلص العبادة لله وحده(2)
إقام الصلاة-------------------------الحرص على متانة هذا العماد الأساسي باتساق حركة العقل مع الجسم مع الروح في صلة بالله ورحلة متكررة إلى رحابه(3)
إيتاء الزكاة ------------------------فرض وركن أساسي لتطهير المال وزيادته وضرورة إحساس المكتفي بالمحتاج في صورة تكافلية محضة (4)
الوفاء بالعهود----------------------العهد مع الله على السمع والطاعة والإذعان لأمره وقضائه والوفاء بالعهود والمواثيق مع الناس(5)
الصبر -------------------------------حتى تتربى النفس على أن الحال ليس لينا متواصلا ولا شدة متواصلة ، وأن الشكر حال المؤمن في فرح أو قرح.(6)
والنتيجة  :
البرّ = (1)+(2)+(3)+(4)+(5)+(6) =  الصادقون المتقون

2-الإسلام يخلص النفس من أسرها الداخلي قبل أن يخلصها مما قد يأسرها من خارجا لأن انطلاقها من سجنها وحبسها وسطوها أول الخير الذي تقوى به في محيطها الخارجي ، فيبعدها عن كل ما من شأنه أن ينكسها

3-الإسلام يجعل العبودية لله خالصة بتحرير النفس من عبودية النفس والشهوات.ومنها تحريرها من سطوة المال ومن الفتتان به

4-الصدق يؤدي إلى البرّ ، ومن كان بّرّا كان صادقا متقيا .

5-الإسلام  تجسيد للعدل على الأرض وأحكامه عادلة لا تفرق بين أحد وأحد ، بل تجعل المساواة أساسا في الأحكام كلها .

6-الإسلام يتماشى ويتواءم والنفس البشرية وفطرتها وما يعتمل فيها من أحاسيس ومن تفاعلات ، فتأتي أحكامه مقرة لما تطيقه ولا تكون فوق ما تطيقه

7-الإسلام يحفظ الحياة بأحكامه الحكيمة ، ويمنع من وقوع الكارثة والمصيبة ابتداء إذ يرتدع المقدم عليها خوفا مما سيلاقيه من أن يؤخذ منه بمثل ما أخذ ، فالدم بالدم أي النفس بالنفس .

8-الإسلام يرقى بالأنفس حتى في أصعب الأوقات وأشدها عليها ، ويبث العفو دائما ويذكر بأواصر الأخوة القوية في أصعب الحالات

9-الإسلام رحمة وتخفيف وتخيير ولكن لا تسامح مع من  خرج عن حدود ما قرر من أحكامه الأصلية والمخففة .

10-التقوى هي الوازع القوي القوي القوي الذي يحفظ سلامة المجتمع ، حيثما كان المؤمن وكيفما كان حاله وفي أي ظرف وتحت أي حال ، تقواه هي أساس فعله للخير ، وإتيانه كل خير وارتداعه عن كل شر وكل إثم ، ولذلك تتكرر الصفة في آيات متتاليات ، تذكيرا أنها المفتاح .

11-التواصي بالحق وبالخير واتساع دائرة الخير لكل من حول المؤمن من أقرب قرابته إلى قرابته إلى إخوته في الله وفي الدين ، كنص الوصية لمن تحضره الموت

12-وجوب تحري التقوى في الوصية وعدم الانحراف إلى الظلم والجور والتعدي على الحقوق وإن كان صاحب المال والحر بالتصرف فيه .

13- تكريس الإسلام لفضية الإصلاح في الخير في غير ما موضع ، حتى يكون الحق أحق أن يتبع وحتى يبقى هو الأعلى ولا يعلى عليه


وبهذا نأتي على نهاية هذا اللقاء مع درتنا السابعة والعشرين من مصحفنا الكريم المطهّر ، وهذه الدرر المتناثرات من كتاب الحق على أن نلتقي الأسبوع القادم بإذن الله تعالى مع صفحة موالية ، ودرر أخرى تنفعنا أستودعكم الذي لا تضيع ودائعه ..... emo (30):

سبحانك اللهم وبحمدك نشهد ألا إله إلا أنت نستغفرك ونتوب إليك emo (30):
 




العنوان: رد: تعالوا نـــــَـــعــــــــش مع صفحة .........
أرسل بواسطة: سيفتاب في 2008-10-22, 15:49:26
بارك الله لك يا أسماء الحبيبة

في انتظار الدرة القادمة.
العنوان: رد: تعالوا نـــــَـــعــــــــش مع صفحة .........
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2008-10-26, 08:41:16
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أهلا وسهلا بك يا سيفتاب الحبيبة ::)smile: وشكرا على المتابعة  emo (30):....
اليوم نلتقي بإذن الله تعالى مع  درتنا الجديدة  emo (30):، صفحتنا المباركة الموالية رقم 28
العنوان: رد: تعالوا نـــــَـــعــــــــش مع صفحة .........
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2008-10-26, 08:55:45
صفحتنا المباركة الموالية رقم 28 والتي يقول فيها عز من قائل :

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ(183) أَيَّاماً مَّعْدُودَاتٍ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ وَأَن تَصُومُوا خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (184)شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ القُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ اليُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ العُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا العِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (185)وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُم يَرْشُدُونَ(186)

ونكون قد أضفنا المرة السابقة الآية الأولى من هذه الصفحة الكريمة إلى محتوى الصفحة 27 وذلك للعلاقة الوثيقة بينها وبين ما جاء فيها من حكم الوصية ، فنبدأ اليوم بإذن الله  من آية الصيام .


مازلنا أيها الإخوة الأحبة مع هذه الآيات الكريمات التي قلنا أنها تعدّ نصف السورة الثاني والذي ينصبّ على التشريع والتنظيم الاجتماعي للمجتمع المسلم ، بعدما خصّ النصف الأول لذكر قبائح بني إسرائيل موعظة لنا ، وتخويفا وتحذيرا من أن نسلك مسلكهم وننهج منهجهم الذي باؤوا فيه بغضب من الله تعالى ....

رأينا سوية مع الصفحة السابقة تعريف البرّ ، ثم حكم القصاص وحكم الوصية ، ونأتي اليوم إلى تشريع جديد ، من أهم التشريعات الإسلامية وأرفعها مكانة ، ويندرج سبب نزول هذه الآيات في ذات السياق من التنظيم الاجتماعي والتشريع والتهيئة الإيمانية للفئة المؤمنة بالله تعالى المتبعة لرسوله الكريم صلى الله عليه وسلم ....
يأتي نداء الله تعالى للمؤمنين وهو النداء الخامس عدا في هذه السورة الكريمة ، والنداء الخامس في قرآننا الكريم كله ، الذي يستجيش به المولى عز وجل الحسّ الإيماني في قلوبهم والخصوصية والسّمت الذي أصبح يميزهم عن غيرهم من البشر ، وهذه القيمة والقدر الرفيع الذي أصبح لهم مع هذه الصفة العظيمة ، أغلى وأنفس وأجمل نعمة خصّوا بها

تشريع الصيام ....

فيقول تعالى :
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183)

الصيام لغة هو الإمساك عن الشيء ، قال أبو عبيدة كل ممسك عن طعام أو كلام أو سير فهو صائم
يقول تعالى في سورة مريم : "إني نذرت للرحمن صوما  فلن أكلم اليوم إنسيا "
قال الشاعر : خيل صيامٌ وخيل غير صائمة *** تحت العَجاج وأخرى تعلك اللجما .
وفي الشرع : الإمساك عن الطعام والشراب والجماع في النهار مع النية .
وقد فرض الصيام على المسلمين في السنة الثانية للهجرة قبل فرض الجهاد ، وغزا المسلمون في موقعة بدر في شهر رمضان .
ورمضان لغة الرمض وهو شدة الحر والرمضاء شدة حر الشمس ويقال أنه سمي رمضان لأنه يحرق الذنوب كفعل الشمس الحارة .
ويقال رمض الصائم إذا حرّ جوفه من العطش

ولنتأمل أيها الإخوة  قوله تعالى كما كتب على الذين من قبلكم ...لنعلم أن فرض الصيام لم تختصّ به أمة محمد صلى الله عليه وسلم وحدها وإنما شرع لمن قبلهم من الأمم ...
قال علي رضي الله عنه أولهم آدم يعني ان الصوم عبادة قديمة أصلية ما أخلى الله أمة من افتراضها عليهم لم يفرضها عليكم وحدكم  (1)

روي عن الحسن أنه قال : إن الله تعالى فرض صيام رمضان على اليهود والنصارى ، أما اليهود فتركت هذا الشهر وصامت يوما من السنة زعموا أنه يوم غرق فيه فرعون ، أما النصارى فإنهم صاموا رمضان فصادفوا فيه الحر الشديد فحولوه إلى وقت لا يتغير ، فقالوا عند ذلك نزيد فيه ، فزادوا عشرا ، ثم بعد زمان اشتكى (مرض) ملكهم فنذر سبعا ، فزادوه ثم جاء بعد ذلك ملك آخر فقال : ما بال هذه الثلاثة ؟ فأتمه خمسين يوما وهذا معنى قوله تعالى "اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا " التوبة 31(2)

وتجدر الإشارة هنا في "كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم" إلى أن التشبيه في الفرْضية لا في الكيفية ، وهذا التشبيه يسمى مرسلا مجملا

لعلكم تتقون ....نلاحظ تتبع التقوى من لدن ختام الآيات السابقات التي جاء فيها تشريع إلى هذه الآية ...
 التقوى التي هي الوازع والرادع والمحفّز والدافع عند المؤمن،  تقوده إلى رضى الله عز وجل ، التقوى هي هنا ثمرة وهي غاية ، هي التي يرجى للمؤمن قطفها ، والصيام أدعى للتقوى وأكثر تحريضا على عملها في النفس ، فالصائم ، يتقي بصيامه المحرم والمكروه والمنكر من القول والفعل ، ورب العزة سبحانه يعد بجزاء للصائم مخبئ عنده ....وللصائمين باب في الجنة يُدعون ليدخلوا منه ...

يقول صلى الله عليه وسلم :
"من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه "
والإيمان والاحتساب يتأتيان بتدريب النفس على التقوى ، على أن تتسامى،  بأن تأتي ما يرضي الله في القول والفعل وأن تتقي ما يغضبه في القول والفعل ....فهي تتقي ، ستخرج من رمضان ، وقد غفر لها ما تقدم من ذنبها ، ثم هي مؤهلة بذلك أكثر من ذي قبل لأن تبقى في عداد المتقين بعد ذلك التدريب الذي كان لها في الصيام ....

وهكذا تبرز الغاية الكبيرة من الصوم . . إنها التقوى . . فالتقوى هي التي تستيقظ في القلوب وهي تؤدي هذه الفريضة , طاعة لله , وإيثارا لرضاه . والتقوى هي التي تحرس هذه القلوب من إفساد الصوم بالمعصية , ولو تلك التي تهجس في البال , والمخاطبون بهذا القرآن يعلمون مقام التقوى عند الله , ووزنها في ميزانه . فهي غاية تتطلع إليها أرواحهم . وهذا الصوم أداة من أدواتها , وطريق موصل إليها . ومن ثم يرفعها السياق أمام عيونهم هدفا وضيئا يتجهون إليه عن طريق الصيام . . (لعلكم تتقون).  .(3)

ثم ننتقل إلى الآية الموالية ليفصل سبحانه في قوله
أياما معدودات .... ليست أياما كثيرة يصعب عدها وإنما معدودات قليلة ، لم يكتب الله تعالى صيام الدهر أو صيام عدد من الشهور ، وإنما فرض صيام شهر بين تسع وعشرين و ثلاثين يوما
معدودات ، موقتات بعدد معلوم أو قلائل كقوله" دراهم معدودة " من الآية 20 يوسف وأصله أن المال القليل يقدر بالعدد ويتحكر فيه والكثير يهال هيلا ويحثى حثيا(4)

فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدّة من أيام أخر  يزيد سبحانه في التفصيل وتبيان التخفيف الذي جعله رحمة منه بعباده المؤمنين وإحاطة منه كاملة بحالهم وبضعفهم ، وبترددهم بين المرض والصحة وبين القوة والضعف وبين الحلّ والترحال ....
فيخفف على المريض والمسافر تخفيفا مطلقا -كما يرى بعض العلماء- غير مقيّد بقيد شدة المرض أو بعد السفر ، ويرى البعض الآخر أنه ما كان  يخاف على الصائم تأخر برئه أو زيادة مرضه، والمسافر مسافة قصر .... وقد رخّص سبحانه للمؤمنين بالفطر في كلتا الحالتين ، كما ربى الرسول صلى الله عليه وسلم بأفعاله وتطبيقه لأوامر ربه صحابته الكرام ، بأن أفطر أمامهم في بعض الأسفار ودعاهم لأن يفطروا ، وبأن من صام ومن أفطر مسافرا كلاهما غير آثم عند الله ....

والوقائع الشاهدة على ذلك كثيرة نذكر منها للفائدة :

عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال :
 كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ، أكثرنا ظلا الذي يستظل بكسائه ، وأما الذين صاموا فلم يعملوا شيئا ، وأما الذين أفطروا فبعثوا الركاب وامتهنوا وعالجوا ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( ذهب المفطرون اليوم بالأجر ) .  -رواه البخاري-

عن عبد الله بن عباس قال:
 خرج النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان إلى حنين ، والناس مختلفون ، فصائم ومفطر ، فلما استوى على راحلته ، دعا بإناء من لبن أو ماء ، فوضعته على راحته ، أو : على راحلته ، ثم نظر إلى الناس ، فقال المفطرون للصوام : أفطروا .  -رواه البخاري  

وعن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
  إن الله وضع عن المسافر الصوم وشطر الصلاة  رواه ابن تيمية في مجموعة الرسائل والوسائل إسناده جيد

إذن فالتشريع السماوي الحكيم المحفوظ لم يترك للإنسان حجة على الله تعالى ، بل لقد يسر سبحانه وراعى كل حالات البشرية التي تكتنف الأنفس
"يريد الله أن يخفف عنكم وخلق الإنسان ضعيفا "  النساء 28

فعدّة من أيام أخر بكسر العين وعدة لغة هي :

مقدار ما يُعَدُّ، عدد وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ، قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ.- من الأشياءِ: عددٌ منهم أو مجموعة فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ، وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ.-: للمطلَّقة أو المتوفى عنها زوجها، مدة حَدَّدها الشرعُ تقضيها المرأة من غير زواج بعد طلاقها أو وفاة زوجها ج عِدَدٌ.  (5)

وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين

يطيقونه أي يصومونه بعسر ومشقة ، قال الراغب الطاقة اسم لمقدار ما يمكن للإنسان أن يفعله مع المشقة وشبّه بالطوق المحيط بالشيء
وأمثال ذلك الشيخ الهرم والحامل والمرضع فهم يستطيعون ولكن مع مشقة زائدة ، فهؤلاء مرخص لهم الإفطار والفدية أي ما يفدون به أنفسهم وهو إطعام مسكين عن كل يوم .
فمن تطوع خيرا فهو خير له  

والتطوع هنا هو الزيادة من المطيق المفطر عن قيمة الفدية ، فيتطوع بالزيادة ليطعم أكثر من مسكين ، وفي ذلك الخير له والأجر وحسن الثواب

وأن تصوموا خير لكم إن كنتم تعلمون  
يقرر سبحانه وتعالى أن الصيام خير من الإفطار في هذه الحال من المشقة التي أباح فيها الفطر للصائم ، أي أنه إذا تحمل وأتم صيامه فهو خير له في الدنيا والآخرة ، فهو أدعى على تربية الصبر والتحمل في النفس مع المشقة والتعب .

كما أن غير المريض والمسافر إذا كان يطيق الصيام بمشقة وكلفة شديدة له أن يفطر ويطعم على كل يومٍ مسكيناً وأعلمهم أن الصيام في هذه الحال خير. ثم نسخ هذا الحكم الأخير بقوله في الآية الآتية: { فمن شهد منكم الشهر فليصمه } وقوله: { إن كنتم تعلمون } يريد: تعلمون فوائد الصوم الدنيوية والأخروية وهي كثيرة أجلها مغفرة الذنوب وذهاب الأمراض.(6)





***************************************************
1- تفسير "الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل" للزمخشري
2-صفوة التفاسير لمحمد علي الصابوني
3-في ظلال القرآن لسيد قطب
4-الكشاف للزمخشري
5-المحيط
6-أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير لأبي بكر جابر الجزائري
العنوان: رد: تعالوا نـــــَـــعــــــــش مع صفحة .........
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2008-10-26, 11:14:28
ونواصل أيها الإخوة الكرام مع الآية الموالية قوله تعالى :

شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ القُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ اليُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ العُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا العِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (185)

وهنا تفصيل رباني إلى أن تلك الأيام المعدودات التي فرضها الله سبحانه على عباده المؤمنين هي شهر رمضان ...
وشهر لغة من الاشتهار وهو الظهور ، وكما أسلفنا فقد فرض الصيام على المسلمين في السنة الثانية للهجرة قبل فرض الجهاد ، وغزا المسلمون في موقعة بدر في شهر رمضان .ورمضان لغة الرمض وهو شدة الحر والرمضاء شدة حر الشمس ويقال أنه سمي رمضان لأنه يحرق الذنوب كفعل الشمس الحارة .ويقال رمض الصائم إذا حرّ جوفه من العطش
فإن قلت لمَ سمي شهر رمضان قلت الصوم فيه عبادة قديمة فكأنهم سموه بذلك لارتماضهم فيه من حر الجوع ومقاساة شدته كما سموه ناتقا لأنه كان ينتقهم أي يزعجهم إضجارا بشدته عليهم(1)

وهذا أمر عظيم ، وهذه علاقة وطيدة بين شهر رمضان وبين القرآن ، القرآن الذي أنزل على رسول الله عليه الصلاة والسلام في هذا الشهر ، شهر أنزل فيه الحق إلى الأرض ، أنزل فيه الدستور السماوي العادل الحكيم إلى أهل الأرض ، أنزل فيه المنهج الذي اختاره الله تعالى  لعباده كاملا مكتملا لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، شهر رمضان الذي أنزل فيه الفرقان مفرقا بين الحق والباطل .... في ليلة القدر من هذا الشهر العظيم أنزل القرآن الكريم على خير خلق الله أجمعين

شهر رمضان شهر القرآن ....
{ إنا أنزلناه في ليلة مباركة  }
وآية
{ إنا أنزلناه في ليلة القدر  }
أنزل جملة واحدة من اللوح المحفوظ إلى بيت العزة في سماء الدنيا ثم نزل نجماً بعد نجم، وابتدىء نزوله على رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان أيضاً.

هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان
أنزل القرآن الكريم هدى للناس ، حق وهداية للناس أجمعين ، لم ينزل للمؤمنين خاصة وإنما نزّل للناس أجمعين ، ليس للعرب وحدهم دون العجم ولا للبيض دون السود وإنما نزّل لهذا وذاك على السواء يهديهم جميعا ، مهيمنا على الكتب ومكملا وخاتما ، نزل على محمد صلى الله عليه وسلم الذي قال فيه رب العزة جل وعلا : "وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين  " الآية 107 الأنبياء

أرسل صلى الله عليه وسلم  للناس كافة ونزل عليه القرآن هدى للناس كافة ، وبينات من الهدى والفرقان ، و بينات جمع بينة من الحق والفرقان التفريق بين الحق والباطل لإظهاره ولدمغ الباطل وإزهاقه  ....

ويجوز هنا تساؤل : قد قال سبحانه "هدى للناس" ثم أعيدت "وبينات من الهدى والفرقان" ، يقول المفسرون أنها بينات من جملة ما أنزله الله هدى من كتبه السماوية ، أي آيات واضحة بينة من هذا الهدى والفرقان في جملة المنزل من الكتب السماوية  ....

فمن شهد منكم الشهر فليصمه  
والذي يشهد الشهر يقصد به الحاضر عند إعلان رؤية الهلال ، وجب عليه الصوم وقد حضر الإعلان بالرؤية
قال ابن الأثير: الشَّهْرُ: الهِلالُ، سُميَ به لشُهْرَته وظُهوره  (2)

ويأتي الاستثناء مرة أخرى والتخفيف ، والتخصيص لمن كان مريضا أو على سفر ، كما جاء في الآية السابقة ، ومن كان مريضا أو على سفر ،وأيضا بما أن هذه الآية كما قيل هي ناسخة لآية رخصة الإفطار للمقيم المطيق
وكما قال سيد قطب
وهذه هي الآية الموجبة الناسخة لرخصة الإفطار والفدية بالنسبة للصحيح المقيم - فيما عدا الشيخ والشيخة كما أسلفنا:
(فمن شهد منكم الشهر فليصمه). . أي من حضر منكم الشهر غير مسافر . أو من رأى منكم هلال الشهر . والمستيقن من مشاهدة الهلال بأية وسيلة أخرى كالذي يشهده في إيجاب الصوم عليه عدة أيام رمضان . ولما كان هذا نصا عاما فقد عاد ليستثني منه من كان مريضا أو على سفر: (ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر). .  

لذلك أعيد التذكير بالتخفيف ها هنا ، فعدة من أيام أخر ، أي فقضاء ما أفطر فيه المسافر أو المريض في أيام أخرى بعد انقضاء رمضان
يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ولتكملوا العدة  

وهذه هي سمة هذه الشريعة السمحة كلها ، وهذا سَمْتُها ، وهذه خصوصيتها ، جاءت لتخفف على الناس ولا تشق عليهم ، جاءت لتراعي ضعفهم وقلة حيلتهم وتقلبهم بين القوة والضعف والاستطاعة والعجز ، جاءت لتيسر لا لتعسر .... وكما قال سبحانه ،" والله يريد أن يتوب عليكم ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلا عظيما (27) يريد الله ليخفف عنكم وخلق الإنسان ضعيفا"(28) النساء

وأيضا مع التيسير عليهم ، هناك غاية إكمال العدة ، أي إكمال عدة شهر رمضان ، إكمال أيامه كلها دون أن ينقص منها يوم ، ذلك بقضاء ما أفطر فيه من أيام ، ليكتمل الشهر ولا يكون ناقصا وليحسب الفرض كاملا لصاحبه .

ولتكبروا الله على ما هداكم    والغاية أيضا أن نكبر الله على ما هدانا إليه من الحق
إذن فغاية الحكم بالقضاء بدل الإفطار  وغاية تيسير الله سبحانه على عباده ، أن تكتمل العدة ويكون الحساب كاملا غير منقوص وأن يكبروا الله على ما إليه هداهم من الحق والنور والصراط السوي ، هذا الخير العميم الذي ينعم به المؤمن ، فهو يؤدي شعائرا تعبدية ترقى بروحه من الأرض إلىفيوضات النور... إلى علُ حيث الصلة بالله سبحانه ...مشرئبةً مطامحهم إلى رضى منه ورضوان ، متطلعة إلى رحمة منه ونظر إليهم وكلام يوم القيامة ، نظر رضى وكلام رضى يدخلهم به في عباده الصالحين ، ويدخلهم جنة النعيم ...



****************************************************
1- الكشاف للزمخشري
2-تاج العروس
العنوان: رد: تعالوا نـــــَـــعــــــــش مع صفحة .........
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2008-10-26, 14:45:05
وبكل هذا الله أكبر ، بهذه النعم السابغة علينا الله أكبر ، الله أكبر من كل كبير ، الله المتعال الذي يعطي ويمدّ في العطاء ، ولا ينقص من ملكه ذرة ، ولا يضيره أن يعطي ويمدّ في العطاء ، الله أكبر الذي يرشدنا للبرّ ، وللتقوى ، وللخير ولكسب خيري الدنيا والآخرة ، الله أكبر الرحيم بنا الذي يرحمنا أكثر من أمهاتنا وآبائنا  .... الله أكبر الذي بعث فينا رسولا هاديا مبشرا ، الله أكبر الذي جعل لنا رمضان فرضا نصومه ندرب فيه النفس على كل برّ ، ونرتقي فيه إلى مصاف المتقين ،الله أكبر الذي أنعم علينا بنعمة الإسلام لنسلم والمآل إليه .....
ولنتأمل تكبير المؤمنين يوم العيد بعد شهر رمضان .... ختاما لفضل ذلك الشهر ولتفضّل المولى عباده المؤمنين فيه بالطاعة والتقرب والتقوى في الأقوال والأفعال

ولعلكم تشكرون

لنقف قليلا مع "لعلّ" والتي جاءت في كثير من المواضع في القرآن الكريم ، لنولّ وجوهنا شطر اللغة وشطر معنى لعلّ فيها
لنجد:
لَعَلَّ : حرف من نواسخ الابتداء، يرفع الاسمُ بعدها وينصبُ الخبر وقد تحذف لامُها فتصير عَلَّ؛ عَلَّ الذي طرا يظنُّ لنا مالاً. وقد تلحقها نون الوقاية فيقال في لعلّي لعلني وفي عَلِّي علَّني. ولها ثلاثة معانٍ : الأول: التَرجِّي، وهو ترقُّبُ شيءٍ لا وثوق بحصوله؛ لَعَلَّ المطر هاطل اليوم. أو الإشفاق، وهو ترقب أمرٍ مكروه؛ لعل المريض يقضي. الثاني: التعليل فَقُولاَ لَهُ قَوْلاً لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَرُ أَوْ يَخْشَى الثالث: الاستفهام لاَ تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا. وقد تتصل بها ما الحرفية فتكفُّها عن العمل فتصير لَعَلَّمَا(1)

وهي هنا تعمل عمل التعليل  أي "كي تكونوا شاكرين" ، "كي تشكروا"

والشكر هو الطاعة وهو ما أعدّ له الصيام المؤمن من الذكر والتقوى والطاعة التي توصله للشكر
ثم نصل إلى آخر آية معنا في هذه الصفحة الكريمة

بعدما عرفنا كيف فرض الصيام ، وصيام شهر رمضان ، والرخصة للعاجزين من المؤمنين ، وأن الله تعالى يريد بعباده يسرا وأن يكملوا عدة الشهر ، وأن يكبروه سبحانه على ما هداهم
نصل إلى جواب من الله تعالى عن سؤال ، إذ ورد أن جماعة من الصحابة سألوا النبي قائلين: أقريب ربنا فنناجيه أم بعيد فنناديه فأنزل الله تعالى قوله وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعانفليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون

ويقول سبحانه وتعالى أيضا مصداقا لذلك :

ونحن أقرب إليه من حبل الوريد   ق 16

وفي ذكره تعالى هذه الآية الباعثة على الدعاء متخللة بين أحكام الصيام إرشاد إلى الاجتهاد في الدعاء عند إكمال العدة ، بل وعند كل فطر لحديث : "إن للصائم عند فطره دعوةً ما تردّ" وكان عبد الله بن عمرو يقول إذا أفطر :"اللهم إني أسألك برحمتك التي وسعت كل شيء أن تغفر لي "(2)

قول الله تعالى :"فإني قريب" يدل على أنهم سألوا عن جهة البعد أو القرب ولم يصدر الجواب ب : "قل" أو "فقل " كما وقع في أجوبة أسئلتهم الواردة في آيات أخرى ، بل تولى جوابهم بنفسه إشعارا بفرط قربه منهم وحضوره مع كل سائل بحيث لا تتوقف إجابته على وجود واسطة بينه وبين السائلين من ذوي الحاجات .

قال الإمام ابن تيمية : وهو سبحانه فوق العرش رقيب على خلقه مهيمن عليهم ، مطلع إليهم ، ، فدخل في ذلك الإيمان بأنه قريب من خلقه وفي الصحيح : "إن الذي تدعونه أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته " وما ذكر في الكتاب والسنة من قربه ومعيته لا ينافي ما ذكر من علوّه وفوقيته ، فإنه سبحانه : "ليس كمثله شيء" الشورى 11



********************************************************
1- المحيط
2-تفسير القرآن العظيم لابن كثير
العنوان: رد: تعالوا نـــــَـــعــــــــش مع صفحة .........
أرسل بواسطة: سيفتاب في 2008-10-26, 15:03:01
لكم أستمتع بموضوعك هذا يا أسماء

جعله الله في ميزان حسناتك

أتعلمين، أول مرة أعرف سبب صيام النصارى خمسين يوماً! ويا للعجب من هذا المنطق  :emoti_144:
 
العنوان: رد: تعالوا نـــــَـــعــــــــش مع صفحة .........
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2008-10-26, 15:24:47
أهلا بمتابعتك يا سيف ::)smile: ...أسأل الله أن يجعل فيه النفع والخير ...وجزاك بالمثل

نعم معك حق ...انظري منطقهم وطرقهم ، وكيف أنهم يحرفون ، فلا يتبعون فرضا كما نزل عليهم من عند الله ، وكما كتب عليهم من عنده ، وإنما يتبعون رهبانهم وأحبارهم وملوكهم ...يتبعون العباد وآراء العباد ويذرون حكم الله تعالى....

سأكمل مع المداخلة الموالية بإذن الله تعالى  emo (30):
 
العنوان: رد: تعالوا نـــــَـــعــــــــش مع صفحة .........
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2008-10-26, 16:37:48
ونبقى مع هذه الآية الكريمة :
وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُم يَرْشُدُونَ
نبقى مع هذا الود وهذا الأنس والحب وهذا القرب ، قرب الله من عبده ، إجابته دعوته.... قريب مجيب ، لم يقل أسمع دعوة الداعي ، وإنما قال أجيب
يجيب من يدعوه ....
أخرج أبو داود والترمذي وابن ماجه من حديث ابن ميمون - بإسناده - عن سلمان الفارسي - رضي الله عنه - عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:" إن الله تعالى ليستحي أن يبسط العبد إليه يديه يسأله فيهما خيرا فيردهما خائبين"  

وأخرج الترمذي عن عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي - بإسناده - عن ابن ثوبان:ورواه عبد الله بن الإمام أحمد - بإسناده - عن عبادة بن الصامت:أن النبي [ ص ] قال:" ما على ظهر الأرض من رجل مسلم يدعو الله عز وجل بدعوة إلا آتاه الله إياها , أو كف عنه من السوء مثلها , ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم  " .

وفي الصحيحين:أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" يستجاب لأحدكم ما لم يعجل . يقول:دعوت فلم يستجب لي !  " .

غدا بإذن الله تعالى  أكمل  إن بقي بالعمر بقية emo (30):

العنوان: رد: تعالوا نـــــَـــعــــــــش مع صفحة .........
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2008-10-27, 09:06:19
نبقى أيها الإخوة مع هذه الآية الكريمة التي تأبى إلا أن تكون قريبة قريبة ، وكيف لا وفيها القرب والأنس ، القرب من الله والأنس به وهو القريب القريب

وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُم يَرْشُدُونَ  186

فإني قريب ....إني قريب ...... إذا سألك عبادي عني فإني قريب يشعر المؤمن وهو يقرأها أن الله يخاطبه ويكلمه بطريقة مباشرة ، دون أن يكون هناك من وسيط حتى وإن كان أقرب خلقه وأحب خلقه إليه محمد صلى الله عليه وسلم ....
يا سلااام على هذا الدين العظيم ، يا سلام على هذا التوحيد الخالص ، على هذه الألوهية العظيمة التي يتفرد بها سبحانه ولا يشركه فيها أحد
الله الأحد ، الفرد الصمد الذي ليس له شريك في الملك ولا شريك في الحكم ، ولا شريك في التصرف ولا شريك في الإرادة ....
سبحانه وتعالى...... هذه الآية الكريمة العظيمة تذكرنا بأفعال بعض الناس من المؤمنين الذين يتبركون بفلان أو علان من الصالحين ، والذين يزورون قبور فلان أو علان من الصالحين ، أو الذين يحلفون بأرواح فلان أو علان من الصالحين ، أو حتى الذين يتمسحون بقبر خير خلق الله محمد صلى الله عليه وسلم وهم له من الزائرين ....

كيف أن ديننا يحرّم كل هذا .... يبغضه ، يبعده ويجعله شكلا من أشكال الشرك بالله الواحد الأحد ....الله الذي يريد أن يكون إيماننا به وحده ، وتوجهنا له وحده خالصا مخلصا ....
توجه بكل الجوارح وبكل الجنان للواحد الديان ...له وحده دون وساطة ، ودون وسيط .....

أين تلك الخرافات والخزعبلات التي يسمونها أديانا من هذا الدين الحق ؟؟؟ فهذه التوتمية شكل من أشكال الهندوسية الوثنية ، وهذه الشيوعية الحمراء والماركسية القائل واضعها بأن الدين أفيون الشعوب وزفرة العقول البائسة ؟!!!؟ أين تلك الخرافات والرؤى الوضعية من هذا الدين العظيم ، أين اللاماركية والداروينية والسفسطائية والقدرية والدهرية ؟؟؟ من دين الإسلام الموحّد الذي ظلّ وسيظلّ إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها من الهادين المهتدين ومن الضالين المضلين .....

أين عبادة الله الواحد الأحد من عبادة بوذا ؟؟؟ أين عبادة الله الواحد من عبادة بقرة أو أي حيوان ينسب له أصل الإنسان وعرقه ؟؟ أين عبادة الواحد الأحد من عبادة المذاهب الوضعية المذهبة الذاهبة ؟؟؟؟

أين عبادة الله القهار العظيم من عبادة الشيطان الرجيم؟؟؟

فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان ..........ما أقربه ، وما أقرب حتى النطق بالكلمات التي لا مدّ فيها كعادتها ممدودة الداعْ إذا دعانْ


فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون  

دعوة للاستجابة لله القريب المجيب ، دعوة لطاعته وللامتثال لأوامره ، دعوة لخيرهم هم ولزيادة الخير لهم هُمْ ، فهو الغني عن العالمين ، ونحن الفقراء إليه ، نحن المحتاجون إلى هداه وإلى سبيله الحق ، نحن الذين نخشى التيه والضلال ونريد الحق والرشاد والطمأنينة والرضى بهديه وبالحق الذي أنزل ....
نحن المحتاجون إليه ، وهو الغني عنا ....إن يشأ يأتي بأناس يحبهم ويحبونه ، إن يشأ يبدلنا بمن يستجيبون له ويؤمنوا به  ....

أمر لأن يطيعه العباد الذين يمنّ عليهم في كل آن وفي كل حين ، الذين يرزقهم... الذين يحفظهم ...الذين يمنّ عليهم بكل منّ وبضروب العطاء ، أعطاهم العقل وفضلهم على كثير من خلقه تفضيلا ، سخر لهم الكون وما فيه تسخيرا ، أسجد للإنسان ملائكته ، وأحب له الخير بأن أحب له الهدى ولم يرضَ له الكفر والضلال .

يقول تعالى : "إن تذكروا الله يذكركم  "     

لعلهم يرشدون   كي يكونوا من الراشدين ، كي يكونوا راشدين ...... كي يرشدوا ....
وهو سبحانه الرشيد ، اسم من أسمائه سبحانه

في أَسماء الله تعالى الرشيدُ هو الذي أَرْشَد الخلق إِلى مصالحهم أَي هداهم ودلهم عليها ، فَعِيل بمعنى مُفْعل; وقيل : هو الذي تنساق تدبيراته إِلى غاياتها على سبيل السداد من غير إِشارة مشير ولا تَسْديد مُسَدِّد  (1)

(والرَّشيدُ) في صِفاتِ اللهِ تعالى الهادِي إلى سَواء الصِّراطِ والذي حسُنَ تَقْديرُهُ فيما قدَّرَ(2)

الرشيد هو الهادي سبحانه

والرشد لغة هو الهداية

الرُّشْدُ : مصـ.-: الهداية، ضد الغَيّ والضَّلال؛ ثاب إلى رُشده، أي عاد إلى صوابه/ ذهب الحادثُ برشده، أي أفقده صوابَه/ فقد رُشْدَه، أي أُغْمِيَ عليه أو تهوَّر في تصرّفه.-: في الفقه هوأن يصير الصبيُّ صالحاً في دينه مصلحاً في ماله/ سنُّ الرُشد، هي السِّن التي إذا بلغها المرءُ استقلَّ بتصرُّفاته.  (3)


ولنتأمل كلا من التعريف الشرعي والتعريف القانوني  للرشد :

(الرُّشْدُ)-(عند الفقهاء): أَن يَبْلُغ الصّبِيُّ حدَّ التكليف صَالِحاً في دينه مُصلِحاً لمالِهِ. و- (في القانون): السِّنُّ التى إِذا بلغها المرءُ استقلّ بتصرفاتِهِ.(4)

ولنرَ كيف أن القانون الوضعي البشري يبتعد عن ربط الدين بالتعريفات ، وكأن المرء سيبلغ سنا يرشد فيها بطرق غير طريق الهدى الرباني ...

تَوَقَّ أَبا سَهْمٍ ، ومن لم يكن له *** من الله واقٍ ، لم تُصِبْه المَراشِد 
وليس له واحد إِنما هو من باب محاسِنَ وملامِحَ . و المراشِدُ مقاصِدُ الطرق . والطريقُ الأَرْشَد نحو الأَقصد  (5)

والمراشد هي مقاصد الطرق كما رأينا أي طريق الهدى ....

لعلهم يرشدون ..... ليكونوا مهتدين ، صالحين مصلحين .....فما من صلاح ولا هدى إلا في طريق الله سبحانه وتعالى ، في الإسلام الذي هو عند الله الدين .

{ يرشدون }: بكمال القوتين العلمية والعملية إذ الرشد هو العلم بمحاب الله ومساخطه، وفعل المحاب وترك المساخط، ومن لا علم له ولا عمل فهو السفيه الغاوي والضال الهالك.(6)

وهكذا نكون قد أتينا على نهاية هذه الآيات الكريمات من هذه الصفحة المشرفة .....
وفي المداخلة الموالية بإذن الله نرمق بريق الدرر التي تنثرها هذه الدرة النفيسة  emo (30):


************************************
1- محيط المحيط
2-القاموس المحيط
3-المحيط
4-الوسيط
5-محيط المحيط
6-أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير لأبي بكر جابر الجزائري
العنوان: رد: تعالوا نـــــَـــعــــــــش مع صفحة .........
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2008-10-27, 09:47:52
وقبل أن نختم بالدرر هذا إخوتي مقال علمي عن إعجاز قوله سبحانه  : "وأن تصوموا خير لكم إن كنتم تعلمون"
أحببت أن أضعه هنا للفائدة

*******************************************************

وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لكم .. من المنظور الطبي الحديث
 
 
 د / عبد الباسط محمد سيد

أستاذ ورئيس قسم الكيمياء الحيوية بالمركز القومي للبحوث سابقاً

 ورئيس مجلس إدارة جمعية الإعجاز العلمي للقرآن والسنة


رابط المقال

http://www.55a.net/firas/arabic/?page=show_det&id=1305&select_page=3

*****************************
يظن كثير من الناس أن للصيام تأثيراً سلبياً على صحتهم، وينظرون إلى أجسامهم نظرتهم إلى الآلة الصماء، التي لا تعمل إلا بالوقود، وقد اصطلحوا على أن تناول ثلاث وجبات يومياً أمر ضروري لحفظ حياتهم، وأن ترك وجبة طعام واحدة سيكون لها من الأضرار والأخطار الشيء الكثير.. مما يجعلهم يقضون الليل في شهر الصيام يلتهمون كل أنواع الطعام والشراب.. وقد رسخ هذا الاعتقاد وظهرت آثاره السلوكية في الأفراد والمجتمعات كنتيجة طبيعية للجهل العلمي، بطبيعة الصيام الإسلامي وفوائده المحققة، وفي هذا اللقاء سنلقي الضوء على بعض أوجه الإعجاز العلمي في الصيام، وهي الأوجه التي تثبت بالدليل العلمي القاطع بطلان تلك الظنون الوهمية.

* الوجه الأول: الوقاية من العمل والأمراض:

أخبر الله سبحانه وتعالى أنه فرض علينا الصيام، وعلى كل أهل الملل قبلنا، لنكتسب به التقوى الإيمانية التي تحجزنا عن المعاصي والآثام، ولتتوقى به كثيراً من الأمراض والعلل الجسمية والنفسية، قال تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } [ البقرة: 183].

وقال صلى الله عليه وسلم: ( الصيام جُنَّة )، أي وقاية وستر(3). وقد ثبت من خلال الأبحاث الطبية بعض الفوائد الوقائية للصيام ضد كثير من الأمراض والعلل الجسمية والنفسية، ومنها على سبيل المثال – لا الحصر:

يقوى الصيام جهاز المناعة، فيقي الجسم من أمراض كثيرة، حيث يتحسن المؤشر الوظيفي للخلايا الليمفاوية عشرة أضعاف، كما تزداد نسبة الخلايا المسؤولة عن المناعة النوعية(T. lymphocyes) (4)زيادة كبيرة، كما ترتفع بعض أنواع الأجسام المضادة في الجسم، وتنشط الردود المناعية نتيجة لزيادة البروتين الدهني منخفض الكثافة(5).

ومن الفوائد أيضاً: الوقاية من مرض السمنة وأخطارها، حيث إنه من المعتقد أن السمنة تنتج عن خلل في تمثيل الغذاء، فقد تنتج من ضغوط بيئية أو نفسية أو اجتماعية، وقد تتضافر هذه العوامل جميعاً في حدوثها، وقد يؤدي الاضطراب النفسي إلى حدوث خلل في التمثيل الغذائي... وكل هذه العوامل، التي يمكن أن تنجم عنها السمنة، يمكن الوقاية منها بالصوم من خلال الاستقرار النفسي والعقلي الذي يتحقق بالصوم نتيجة للجو الإيماني الذي يحيط الصائم وكثرة العبادة والذكر، وقراءة القرآن، والبعد عن الانفعال والتوتر، وضبط النوازع والرغبات، وتوجيه الطاقات النفسية والجسمية توجيهاً إيجابياً نافعاً.

1-  يقي الصيام الجسم من تكون حصيات الكُلى، إذ يرفع معدل الصوديوم في الدم فيمنع تبلور أملاح الكالسيوم، كما أن زيادة مادة البولينا في البول تساعد في عدم ترب أملاح البول، التي تكون حصيات المسالك البولية (6).

2-  يقي الصيام الجسم من أخطار المسموم المتراكمة في خلاياه، وبين أنسجته من جراء تناول الأطعمة – وخصوصاً المحفوظة والمصنعة منها – وتناول الأدوية واستنشاق الهواء الملوث بهذه السموم (7).

3-  يخفف الصيام ويهدئ ثورة الغريزة الجنسية، وخصوصاً عند الشباب وبذلك يقي الجسم من الاضطرابات النفسية والجسمية، والانحرافات السلوكية، وذلك تحقيقاً للإعجاز في حديث النبي صلى الله عليه وسلم: ( يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وجاء )، إذا التزم الشاب الصيام وأكثر منه، وذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( فعليه بالصوم )، أي فليكثر من الصوم.. وقد أُجرِيَ بحثٌ عن تأثير الصيام المتواصل على الغدد الجنسية وكانت له نتائج إيجابية، وسلط الضوء على وجه الإعجاز في هذا الحديث الشريف. وقد وجد أن الإكثار من الصوم، مع الاعتدال في الطعام والشراب وبذل الجهد المعتاد، يقترب من الصيام المتواصل، ويجني الشاب فائدته في تثبيط غرائزه المتأججة بيسر، كما لا يتعرض إلى أخطار هذا النوع من الصيام، وهذا البحث يجلي بوضوح الإعجاز في قول النبي صلى الله عليه وسلم ( فإنه له وجاء) من وجهين:

الأول: الإشارة إلى أن الخصيتين هما مكان إنتاج عوامل الإثارة الجنسية حيث أن معنى الوجا أن ترض أنثيا الفحل ( خصيتيه) رضاً شديداً، يُذهب شهوة الجماع، ويتنزل في قطعه منزلة الخصي (8).

وقد ثبت أن في الخصيتين خلايا متخصصة في إنتاج هرمون التيستوستيرون (Testosterone) (9)، وهو الهرمون المحرك والمثير للرغبة الجنسية، وأن قطع الخصيتين ( الخصى) يُذهب هذه الرغبة، ويخمدها تماماً.

الثاني:أن الإكثار من الصوم مثبط للرغبة الجنسية وكابح لها، وقد ثبت في هذا البحث هبوط مستوى هرمون الذكورة ( التيستوستيرون) هبوطاً كبيراً أثناء الصيام المتواصل، بل وبعد إعادة التغذية بثلاثة أيام، ثم ارتفع ارتفاعاً كبيراً بعد ذلك، وهذا يؤكد أن الصيام له القدرة على كبح الرغبة الجنسية مع تحسينها بعد ذلك، وهذا يؤكد فائدة الصوم في زيادة الخصوبة عند الرجل بعد الإفطار.

* الوجه الثاني: { وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ }

بعد أن أخبرنا الله سبحانه وتعالى، وأخبرنا رسوله صلى الله عليه وسلم أن الصيام يحقق لنا وقاية من العلل الجسمية والنفسية، ويشكل حاجزاً وستراً لنا من عقاب الله، أخبرنا جل في علاه أن الصيام خيراً ليس للأصحاء المقيمين فقط، بل وللمرضى والمسافرين أيضاً والذين يستطيعون الصوم بمشقة، ككبار السن ومن في حكمهم. قال تعالى: { أَيَّاماً مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ } [البقرة: 184]. أي: فضيلة الصوم وفوائده، وذلك لعموم اللفظ في قوله تعالى: { وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ }. وقد تجلت هذه الفوائد واستقر خبرها في زماننا هذا، لمن أوجب الله عليهم الصيام، ولمن أطاقوه من أهل ارخص الذين يستطيعون تناول وجبتي الفطور والسحور كالأصحاء.

بعض الأمراض الخطرة التي كان يخشى معها من الصيام:

·   كان – وما زال – الأطباء يعتقدون أن الصيام يؤثر على مرضى المسالك البولية، وخصوصاً الذين يعانون من تكوين الحصيات، أو الذين يعانون من فشل كلوي، فينصحون مرضاهم بالفطر وتناول كميات كبيرة من السوائل.

·   وقد ثبت خلاف ذلك، إذ ربما كان الصيام سبباً في عدم تكوين بعض الحصيات وإذابة بعض الأملاح، ولم يؤثر الصيام مطلقاً حتى على من يعانون أخطر أمراض الجهاز البولي، وهو مرض الفشل الكلوي مع الغسيل المتكرر(10).

·   كان يعتقد أن الفقدان النسبي لسوائل الجسم وانخفاض عدد ضربات القلب وزيادة الإجهاد أثناء الصوم يؤثر تأثيراً سلبياً على التحكم في منع تجلط الدم، وهو من أخطر الأمراض، وقد ثبت أن الصيام الإسلامي لا يؤثر على ذلك في المرضى الذين يتناولون الجرعات المحددة من العلاج (11).

·        ثبت أن الصيام لا يشكل خطراً على معظم مرضى السكر، إن لم يكن يفيد الكثيرين منهم (12).

بعض أمراض التي يعالجها الصيام:

يعالج الصيام عدداً من الأمراض الخطيرة من أهمها:

1-      الأمراض الناتجة عن السمنة، كمرض تصلب الشرايين وضغط الدم وبعض أمراض القلب (13).

2-      بعض أمراض الدورة الدموية الطرفية، مثل مرض الرينود (Rynaud`s diseade) ومرض برجر (14).

3-      يعالج الصيام المتواصل مرض التهاب المفاصل المزمن ( الروماتويد) (15).

4-      يعدل الصيام الإسلامي من ارتفاع حموضة المعدة، وبالتالي يساعد في التئام قرحة المعدة مع العلاج المناسب (16).

5-   لا يسبب الصيام أي خطر على المرضعات أو الحوامل، ولا يغير من التركيب الكيميائي أو التبدلات الاستقلابية (17) في الجسم عند المرضعات، وخلال الشهور الأولى والمتوسطة من الحمل (18).

فوائد أخرى للصوم:

1-  يُمَكّن الصيام آليات الهضم والامتصاص – في الجهاز الهضمي وملحقاته – من أداء وظائفها على أتم وأكمل وجه، وذلك بعدم إدخال الطعام والشراب على الوجبة الغذائية أثناء هضمها وامتصاصها، كما يحقق الصيام راحة فسيولوجية للجهاز الهضمي وملحقاته، وذلك بمنع تناول الطعام والشراب لفترة زمنية تتراوح من 9-11 ساعة بعد امتصاص الغذاء، كما تستريح آليات الامتصاص في الأمعاء طوال هذه الفترة من الصيام (19). وتتمكن الانقباضات الخاصة (Motor Complex Migrating ) بتنظيف الأمعاء من عملها المستمر، دون توقف(20).

2-  يُمكّن الصيام الغدد الصماء ذات العلاقة بعمليات الاستقلاب، في فترة ما بعد الامتصاص، من أداء وظائفها في تنظيم وإفراز هرموناتها الحيوية على أتم حال، وذلك بتنشيط آليات التثبيط والتنبيه لها يومياً، ولفترة دورية ثابتة، ومتغيرة طوال العام، مثل هرمونيّ: النمو والإنسولين – كهرمونات بناء من ناحية – وهو موئي: الجلوكاجون والكروتيزول، كهرمونات هدم من ناحية أخرى، والذي يتوقف على توازنها الدقيق تركيز الأحماض الأمينية في الدم، توازن الاستقلاب (21).

3-  ينشط الصيام آليات الاستقلاب أو التمثيل الغذائي ي البناء والهدم للجلوكوز والدهون والبروتينات في الخلايا، لتقوم بوظائفها على أكمل وجه.

4-  أما إذا اقتصر الجسم على البناء فقط، وكان همه التخزين للغذاء في داخله، فإن آليات البناء تغلب آليات الهدم، فيعترى الأخيرة – لعدم استعمالها بكامل طاقتها – وهن تدريجي تظهر ملامحه عند تعرض الجسم لشدة مفاجئة بانقطاع الطعام عنه في الصحة أو المرض، فقد لا يستطيع هذا الإنسان مواصلة حياته، أو مقاومة مرضه(22).

5-     يحسن الصيام خصوبة المرأة والرجل، على السواء (23).

6-     يستفيد الجسم بالطاقة وتحسين القدرة على التعليم وتقوية الذاكرة (24).

7-  تتهدم الخلايا المريضة والضعيفة في الجسم عندما يتغلب الهدم على البناء أثناء الصيام، وتتجدد الخلايا أثناء مرحلة البناء (25).

8-  كذلك، فإن أداء الصيام الإسلامي طاعة لله وخشوعاً له ورجاء فيما عنده سبحانه وتعالى من والأجر والمثوبة، لعمل ذو فائدة جمة لنفس الإنسان وجسمه، حيث يبث في النفس السكينة والطمأنينة.. وينعكس هذا على آليات الاستقلاب. فيجعلها تتم في أوفق وأيسر وأنفع السبل، مما يعود بالنفع والفائدة على الجسم (26).

إن الصيام، كاقتناع فكري وممارسة عملية، يقوى لدى الإنسان كثيراً من جوانبه النفسية، فيقوى لديه الصبر والجلد والإرادة وضبط النوازع والرغبات، ويضفي على نفسه السكينة والرضا والفرح... وقد أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (للصائم فرحتان يفرحهما: إذا أفطر فرح بفطره، وإذا لقي ربه فرح بصومه ).

9-  ثبت بالدليل العلمي القاطع أن الصيام الإسلامي ليس له أي تأثير سلبي على الأداء العضلي وتحمل المجهود البدني، بل بالعكس فلقد أظهرت نتائج البحث القيم الذي أجراه الدكتور أحمد القاضي وزملاؤه بالولايات المتحدة الأمريكية أن درجة تحمل المجهود البدني – وبالتالي كفاءة الأداء العضلي – قد ازداد بنسبة 200% عند 30% من أفراد التجربة و7% عند 40% منهم، وتحسنت سرعة دقات القلب بمقدار 6% وتحسنت حصيلة ضغط الدم مضروباً في سرعة النبض بمقدار 12%، وتحسنت درجة الشعور بضيق التنفس بمقدار 9%... كما تحسنت درجة الشعور بإرهاق الساقين بمقدار 11% وهذا يبطل المفهوم الشائع عند كثير من الناس من أن الصيام يضعف المجهود البدني ويؤثر على النشاط، فيقضون معظم النهار في النوم والكسل.

* الوجه الثالث يسر الصيام الإسلامي وسهولته:

تشير الدراسات العلمية المحققة، في وظائف أعضاء الجسم، أثناء مراحل التجويع، إلى يُسر الصيام الإسلامي وسهولته، تحقيقاً لقوله تعالى: { يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ } [البقرة: 185]. وفي تفسير هذه الآية قال الرازي: إن الله تعالى أوجب الصوم على سبيل السهولة واليسر، وما أوجبه إلا في مدة قليلة من السنة، ثم ما أوجب هذا القليل على المريض ولا على المسافر (27).

كما يتجلى يسر الصيام الإسلامي في إمداد الجسم بجميع احتياجاته الغذائية. وعدم حرمانه من كل ما هو لازم ومفيد له، فالإنسان في هذا الصيام يمتنع عن الطعام والشراب فترة زمنية محدودة، من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، وله حرية المطعم والمشرب من جميع الأغذية والأشربة المباحة ليلاً، ولا يعتبر الصيام الإسلامي بهذا تغييراً لمواعيد تناول الطعام والشراب فحسب، فلم يفرض الله سبحانه الانقطاع الكلي عن الطعام مدة طويلة، أو حتى لمدة يوم وليلة، تيسيراً وتخفيفاً على أمة خاتم الأنبياء صلى الله عليه وسلم، وقد تجلى هذا اليسر بعد تقدم وسائل المعرفة والتقنية في هذا العصر فقد قسمت المراجع الطبية التجويع إلى ثلاث مراحل: مراحل مبكرة، وثانية متوسطة، وثالثة طويلة الأجل (28).

وتقع المرحلة المبكرة بعد نهاية فترة امتصاص آخر وجبة ( أي عبد حوالي 5 ساعات من الأكل) وحتى نهاية فترة ما بعد الامتصاص، والتي تتراوح مدتها حوالي 12 ساعة، وقد تمتد إلى 40 ساعة عند بعض العلماء، فهذه الفترة يقع الصيام الإسلامي، كما يقع في فترة امتصاص الغذاء، وهذه الفترة من الانقطاع عن الطعام آمنة تماماً المقاييس العلمية، فالجلوكوز هو الوقود الوحيد للمخ، والدهون تتأكسد بالقدر الذي يولد أجساماً كيتونية بالدم أثناء هذه الفترة، كما لا يستهلك البروتين في إنتاج الطاقة بالقدر الذي يحدث خللاً في التوازن النتروجيني في الجسم. مما حدا ببعض العلماء أن يسقط فترة ما بعد الامتصاص من مراحل التجويع أصلاً، وهذه الحقيقة تجعل الصيام الإسلامي متفرداً في يسره وسهولته بعكس مراحل التجويع الأخرى.

من خلال عرض الحقائق السابقة، ندرك أن مدة الصيام الإسلامي والتي تتراوح من 12-16 ساعة في المتوسط، يقع جزء منها في فترة الامتصاص، ويقع معظمها في فترة ما بعد الامتصاص، ويتوفر فيها تنشيط جميع آليات الامتصاص والاستقلاب بتوازن، فتنشط آلية تحلل الجليكوجين وأكسدة الدهون وتحلها وتحل البروتين وتكوين الجلوكوز الجديد منه، ولا يحدث للجسم البشري أي خلل في أي وظيفة من وظائفه، فلا تتأكسد الدهون بالقدر الذي يولد أجساماً كينونية تضر بالجسم، ولا يحدث توازن نتروجيني سلبي توازن استقلاب البروتين، ويعتمد المخ البشري وخلايا الدم الحمراء والجهاز العصبي على الجلوكوز وحده لحصول منه على الطاقة.

بينما لا يقف التجويع أو الصيام الطبي – القصير والطويل منه – عند تنشيط هذه الآليات، بل يشتد حتى يحدث خللاً في بعض وظائف الجسم، ويتيح الصيام الإسلامي تمثيلاً غذائياً فريداً، إذ يشتمل على مرحلتي البناء والهدم، فبعد وجبتي الإفطار والسحور، يبدأ البناء للمركبات الهامة في الخلايا، وتجديد المواد المختزنة – والتي استهلكت في إنتاج الطاقة – وبعد فترة امتصاص وجبة السحور يبدأ الهدم فيتحلل المخزون الغذائي من الجليكوجين والدهون ليمد الجسم بالطاقة اللازمة، أثناء الحركة والنشاط في نهار الصيام (29). لذلك كان حث النبي صلى الله عليه وسلم وتأكيده على ضرورة تناول وجبة السحور، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( تسحروا.. فإن في السحور بركة) متفق عليه. وذلك لإمداد الجسم بوجبة بناء يستمر لمدة مقدارها 4 ساعات، محسوبة من زمن الانقطاع عن الطعام.

وبهذا أيضاً يمكن تقليص فترة ما بعد الامتصاص إلى أقل زمن ممكن، كما أن النبي صلى الله عليه وسلم حث على تعجيل الفطر حيث قال: ( لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر وأخروا السحور) متفق عليه... وتأخير السحور، فقد روي عن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: (تسحرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قمنا إلى الصلاة، قيل: كم كان ينهما ؟ قال: خمسون آية) متفق عليه. وهذا من شأنه تقليص فترة الصيام – أيضاً – إلى أقل حد ممكن، حتى لا يتجاوز فترة ما بعد الامتصاص كلما أمكن، وبالتالي، فإن الصيام الإسلامي لا يسبب شدة، ولا يشكل ضغطاً نفسياً ضاراً على الجسم البشري، بحال من الأحوال، وبناء على هذه الحقائق يمكننا أن نؤكد أن الذي يتوقف أثناء الصيام هو عمليات الهضم والامتصاص وليست عمليات التغذية، فخلايا الجسم تعمل بصورة طبيعية، وتحصل على جميع احتياجاتها اللازمة لها – من هذا المخزون بعد تحلله – والذي يعتبر هضماً داخل الخلية، فيتحول الجليكوجين إلى سكر الجلوكوز، والدسم والبروتينات إلى أحماض دهنية وأحماض أمينية، وذلك بفعل شبكة معقدة من الإنزيمات والتفاعلات الكيميائية الحيوية الدقيقة، والتي يقف الإنسان أمامها مشدوهاً معترفاً بجلال الله وعلمه وعظيم قدرته وإحكام صنعه.

فمن أخبر محمداً صلى الله عليه وسلم أن في الصيام وقاية للإنسان من أضرار نفسية وجسدية؟ ومن أخبره أن فيه منافع وفوائد يجنيها الأصحاء؟ بل ومن يستطيع الصيام من المرضى وأصحاب الأعذار !! ومن أخبره صلى الله عليه وسلم بأن الصيام سهل ميسور لا يضر بالجسم ولا يجهد النفس ؟ ومن أطلعه على أن كثرة الصوم تثبط الرغبة الجنسية ؟ وتخفق من حدتها وثورتها، خصوصاً عند الشباب !! وخصوصاً أنه نشأ في بيئة لا تعرف هذا الصيام ولا تمارسه.

الصيام والتخلص من السموم:

يتعرض الجسم البشري لكثير من المواد الضارة والسموم التي قد تتراكم في أنسجته، وأغلب هذه المواد يأتي للجسم عبر الغذاء الذي يتناوله بكثرة، وخصوصاً في هذا العصر الذي عمت فيه الرفاهية مجتمعات كثيرة، وحدث وفر هائل في الأطعمة بأنواعها المختلفة، وتقدمت وسائل التقنية في تحسينها وتهيئتها وإغراء الناس بها، فانكب الناس يلتهمونها بنهم، مما كان له أكبر الأثر في إحداث الخل لكثير من العمليات الحيوية داخل خلايا الجسم، وظهر – نتيجة لذلك – ما يسمى بأمراض الحضارة: كالسمنة، وتصلب الشرايين، وارتفاع الضغط الدموي وجلطات القلب، والمخ، والرئة، ومرض السرطان، وأمراض الحساسية والمناعة.

وتذكر المراجع الطبية (30):أن جميع الأطعمة تقريباً – في هذا الزمان – تحتوي على كميات قليلة من المواد السامة، وهذه المواد تضاف للطعام أثناء إعداده، أو حفظه، كالنكهات الألوان ومضادات الأكسدة والمواد الحافظة، أو الإضافات الكيميائية للنبات أو الحيوان: كمنشطات النمو والمضادات الحيوية والمخصبات أو مشتقاتها، وتحتوي بعض النباتات في تركيبها على بعض المواد الضارة... كما أن عدداً كبيراً من الأطعمة يحتوي على نسبة من الكائنات الدقيقة، التي تفرز سمومها فيها وتعرضها للتلوث (31).

هذا بالإضافة إلى السموم التي نستنشقها مع الهواء من عوادم السيارات، وغازات المصانع، وسموم الأدوية التي يتناولها الناس بغير ضوابط.. إلى غير ذلك من سموم الكائنات الدقيقة التي تقطن في أجسامنا بأعداد تفوق الوصف والحصر... وأخيراً مخلفات الاحتراق الداخلي للخلايا، والتي تسبح في الدم، كغاز ثاني أكسيد الكربون واليوريا والكرياتينين والأمونيا والكبريتات وحمض اليوريا.. إلخ، ومخلفات الغذاء المهضوم، والغازات السامة التي تنتج من تخمره وتعفنه، مثل: الأندول والسكاتول والفينول (32)...

كل هذه السموم جعل الله سبحانه وتعالى للجسم منها فرجاً ومخرجاً، فيقوم الكبد – وهو الجهاز الرئيسي في تنظيف الجسم من السموم – بإبطال مفعول كثير من هذه المواد السامة، بل قل يحولها إلى مواد نافعة، مثل: اليوريا والكرياتين وأملاح الأمونيا، غير أن للكبد جهداً وطاقة محدودة، وقد يعتري خلاياه بعض الخلل لأسباب مرضية، أو لأسباب طبيعية، كتقدم السن، فيترسب جزء من هذه المواد السامة في أنسجة الجسم، وخصوصاً في المخازن الدهنية، وتذكر المراجع الطبية(33) أن الكبد يقوم بتحويل مجموعة كبيرة من الجزيئات السمية، والتي غالباً ما تقبل الذوبان في الشحوم إلى جزئيات غير سامة تذوب في الماء، يمكن أن يفرزها الكبد عن طريق الجهاز الهضمي، أو قد تخرج عن طريق الكلى.

وفي الصيام تتحول كميات هائلة من الشحوم المختزنة في الجسم إلى الكبد، حتى تُؤكسد ويُنتفع بها، وتُستخرج منها السموم الذاتية فيها، وتُزالُ سُميتها ويُتخلص منها مع نفايات الجسد، كما أن الدهون المتجمعة أثناء الصيام في الكبد – والقادمة من مخازنها المختلفة – يساعد ما فيها من الكوليستيرول على التحكم وزيادة إنتاج مركبات الصفراء في الكبد، والتي بدورها تقوم بإذابة مثل هذه المواد السامة والتخلص منها مع البراز.

ويؤدي الصيام خدمة جليلة للخلايا الكبدية، بأكسدته للأحماض الدهنية، فيخلص هذه الخلايا من مخزونها من الدهون، وبالتالي تنشط هذه الخلايا، وتقوم بدورها خير قيام، فتعادل كثيراً من المواد السامة – بإضافة حمض الكبريت أو حمض الجلوكونيك – حتى تصبح غير فعالة ويتخلص منها الجسم، كما يقوم الكبد بالتهام أية مواد دقيقة، كدقائق الكربون التي تصل إلى الدم ببلعمة جزيئاتها، بواسطة خلايا خاصة تسمى خلايا ( كوبفر)، والتي تبطن الجيوب الكبدية ويتم إفرازها مع الصفراء، وفي أثناء الصيام يكون نشاط وكفاءة هذه الخلايا في أعلى معدل كفاءتها للقيام بوظائفها، فتقوم بالتهام البكتريا بعد أن تهاجمها الأجسام المضادة المتراصة (34).

وبما أن عمليات الهدم (Catabolism) (35)في الكبد أثناء الصيام تغلب علميات البناء (anabolism)(36) في التمثيل الغذائي، فإن فرصة طرح السموم المتراكمة في خلايا الجسم تزداد خلال هذه الفترة، ويزداد أيضاً نشاط الخلايا الكبدية في إزالة سمية كثير من المواد السامة، وهكذا يعتبر الصيام شهادة صحية لأجهزة الجسم بالسلامة.

يقول الدكتور ماك فادون – وهو من الأطباء العالميين الذين اهتموا بدراسة الصوم وأثره – إن كل إنسان يحتاج إلى الصوم، وإن لم يكن مريضاً لأن سموم الأغذية والأدوية تجتمع في الجسم فتجعله كالمريض وتثقله، فيقل نشاطه، فإذا صام الإنسان تخلص من أعباء هذه السموم، وشعر بنشاط وقوة لا عهد له بهما من قبل.

هل من الأفضل في الصيام: الحركة أم السكون ؟:

ذكرت المراجع الطبية(37) إن الحركة العضلية في فترة ما بعد امتصاص الغذاء – أثناء الصوم – تؤكسد مجموعة خاصة من الأحماض الأمينية ( ليوسين وأيسوليوسين والفالين)، وتسمى الأحماض ذات السلسلة المتفرعة (Br CAAs). وبعد أن تحصل الخلايا العضلية على الطاقة المنبعثة من هذا التأكسد يتكون داخل هذه الخلايا حامضان أمينيان في غاية الأهمية، وهما حمضا الألانين والجلوتامين، ويعتبر الأول وقوداً أساسياً في تصنيع الجلوكوز الجديد في الكبد، ويدخل الثاني في تصنيع الأحماض النووية، ويتحول جزء منه إلى الحمض الأول. كما يتكون أثناء النشاط والحركة حمضاً البيروفيت واللاكتيت، وذلك من أكسدة الجلوكوز في الخلايا العضلية، وهما الحامضان اللذان يعتبران أيضاً الوقود الأولى لتصنيع جلوكوز الكبد.

تتأكسد الأحماض الأمينية ذات السلسلة المتفرعة أساساً في العضلات(38)، حيث يوجد الإنزيم الخاص بتحويل مجموعة الأمين (Amino Trans - ferase)بكثرة في جهازي الاحتراق (ميتوكوندريا) والسيتوزول (Cytosol) في الخلايا العضلية. وتزداد هذه الأكسدة بالحركة، لذلك فإن عملية تصنيع جلوكوز جديد في الكبد تزداد بازدياد الحركة العضلية، وربما تصل إلى ثلاثة أضعافها في حالة عدم الحركة (39).

ويعتبر حمض الألانين أهم الأحماض الأمينية المتكونة في العضلات أثناء الصيام، إذ يبلغ 30 % منها، وتزيد هذه النسبة بالحركة والنشاط، ويتكون من أكسدة بعض الأحماض الأمينية ومن البيروفيت، كما يتحول هو أيضاً إلى البيروفيت – عبرة دائرة تصنيع الجلوكوز في الكبد وأكسدته في العضلات (40).

ويستهلك الجهاز العضلي الجلوكوز القادم من الكبد ( للحصول منه على الطاقة)، فإن زادت الحركة وأصبح الجلوكوز غير كاف لإمداد العضلات بالطلاقة، حصلت على حاجتها من أكسدة الأحماض الأمينية الحرة القادمة من تحلل الدهن في الأنسجة الشحمية، فإن قلت الأحماض الدهنية حصلت العضلات على الطاقة من الأجسام الكيتونية الناتجة من أكسدة الدهون في الكبد، والذي يؤكد أن النشاط والحركة تنشط جميع عمليات الأكسدة لكل المركبات التي تمد الجسم بالطاقة، وتنشط عملية تحلل الدهون، كما تنشط عملية تصنيع الجلوكوز بالكبد، من الجليسرول الناتج عن تحلل الدهون في النسيج الشحمي، ومن اللاكتيت الناتج من أكسدة الجلوكوز في العضلات.

ولذلك فالحركة أثناء الصيام الإسلامي تعتبر عملاً إيجابياً وحيوياً يزيد من كفاءة عمل الكبد والعضلات، ويخلص الجسم من الشحوم، ويحميه من أخطار زيادة الأجسام الكيتونية، كما أن الحركة العضلية تثبط تصنيع البروتين في الكبد والعضلات، وتتناسب درجة التثبيط مع قوة الحركة ومدتها، وهذا بدوره يوفر طاقة هائلة تستخدم في تكوين البروتين، حيث تحتاج كل رابطة من الأحماض الأمينية إلى مخزون الطاقة في خمسة جزيئات للأدينوزين والجوانين ثلاثي الفوسفات (ATP & CTP)، وإذا كان كل جزيء من هذين المركبين يحتوي على كمية من الطاقة تتراوح من 5-10 كيلو كالورى، وإذا علمنا أن أبسط أنواع البروتين لا يحتوي الجزيء منه على أقل من 100 حمض أميني، فكم تكون إذاً تلك الطاقة المتوفرة من تثبيط تكوين مجموعة البروتينات المختلفة بأنواعها المتعددة(41)؟

وفي أثناء الحركة، أيضاً، يستخدم الجلوكوز والأحماض الدهنية والأحماض الأمينية في إنتاج الطاقة للخلايا العضلية، وهذا بدوره يؤدي إلى تنبيه مركز الأكل في الوساد تحت البصري (Hypothalamus)(42)، وذلك لوجود علاقة عكسية (Feed Back)بين هذه المواد في الدم ودرجة التشبع وتنبيه مركز الأكل في الدماغ (43). لذلك فإن الحركة العضلية تنبه مركز الأكل وتفتح الشهية للطعام.

كما أن الحركة، والنشاط العضلي الزائد، يحلل الجليكوجين إلى جلوكوز في غياب الأكسجين، وينتج حمض اللاكتيك ممن جراء التمثيل الغذائي للسكر الناتج، وهو الحمض الذي يمر إلى الدم ويتحول بدوره إلى جلوكوز، وجليكوجين بواسطة الكبد... ففي العضلات لا يتحلل الجليكوجين إلى جلوكوز في حالة السكون، كما في الكبد، وذلك لغياب إنزيم فوسفاتاز – 6 – الجلوكوز (Glucose 6 phosphatase).فالحركة إذن عامل هام لتنشيط استقلاب المخزون من الجليكوجين العضلي إلى جلوكوز، وتقديمه للأنسجة التي تعتمد عليه كالمخ والجهاز العصبي وخلايا الدم ونقيُ العظام ولب الكلى(44).

ويمكن كذلك، أن تكون للحركة العضلية علاقة بتجديد الخلايا المبطنة لأمعاء، فيتحسن الهضم والامتصاص للمواد الغذائية، إذ تحتاج هذه الخلايا لحمض الجلوتامين لتصنيع الأحماض النووية (Nucleotide Synthesis)، وهو الحمض الذي تنتجه العضلات بكثرة أثناء الحركة (45). ويتجدد شباب الخلايا المبطنة للأمعاء (Mucosal Cells)كل يومين إلى 6 أيام، وتفقد يومياً 17 بليون خلية(46)، فهل يمكن أن تكون الحركة العضلية علاجاً لاضطرابات الهضم وسوء الامتصاص ؟؟

إن فلسفة الصيام مبنية على ترك الطعام والشراب، وتشجيع آليات الهدم ( العمليات الكيميائية الحيوية) أساساً في عملية التمثيل الغذائي، والنهار هو الوقت الذي تزداد فيه عمليات التمثيل الغذائي، وخصوصاً عمليات الهدم، لأنه هو وقت النشاط والحركة واستهلاك الطاقات في أعمال المعاش... وقد هيأ الله سبحانه وتعالى للجسم البشري ساعة بيولوجية تنظم هرمونات الغدد الصماء، وكثيراً من آليات التمثيل الغذائي، بما يتوافق ونشاط هذه الآليات أثناء النهار، ولنضرب مثلاً بهرمون الكورتيزول وهرمون الأدرينالين، فالأول يكون في أقصى زيادة له عند التاسعة صباحاً تقريباً – في الشخص الذي ينام ليلاً – ويقل تدريجياً حتى يصل إلى خُمس معدل تركيزه عند منتصف الليل. وهذا الهرمون هو من هرمونات الهدم، إذ يعمل على تكسير البروتينات إلى أحماض أمينية، والثاني هرمون الأدرينالين، إذ يصل إلى أقصى معدل له في نهاية فترتي الصباح والظهيرة ( حوالي التاسعة صباحاُ والثانية ظهراً) وهذا الهرمون برفع ممل تركيز الجلوكوز والأحماض الدهنية، ويزيد من معدل هدمها، كما يساعد في تثبيط تكوين البروتين وأكسدة الأحماض الأمينية في العضلات ويحرك الألانين إلى الكبد (47)– لتكوين جلوكوز جديد فيه وتقديم المزيد من الطاقة لجسم – كما ينبه الجهاز العصبي... لذلك فقد يكون هذا أحد الأسرار التي جعل الله من أجلها الصيام في النهار، وقت النشاط والحركة والسعي في مناكب الأرض، ولم يجعله بالليل وقت السكون والراحة !

من أجل هذا – يمكننا أن نقول – وبكل ثقة -: إن النشاط والحركة أثناء الصيام يوفر لجسيم من الجلوكوز المصنع أو المخزون في الكبد، وهو الوقود المثالي لإمداد المخ وكرات الدم الحمراء ونقي العظام والجهاز العصبي بالطاقة اللازمة، لتجعلها أكثر كفاءة لأداء وظائفها، كما توفر الحركة طاقة للجسم البشري تستخدم في عملياته الحيوية، فهي تثبط تكون البروتين من الأحماض الأمينية، وتزيد من تنشيط آليات الهدم أثناء النهار، فتستهلك الطاقات المختزنة وتنظف المخازن من السموم التي يمكن أن تكون متماسكة أو ذاتية في المركبات الدهنية أو الأمينية... وإن الكسل والخمول والنوم أثناء نهار الصيام ليعطل الحصول على كل هذه الفوائد، بل قد يصيب صاحبه بكثير من العلل ويجعله أكثر خمولاً وتبلداً، كما أن النوم أثناء النهار والسهر طوال ليل رمضان، يؤدي إلى حدوث اضطراب عمل الساعة البيولوجية في الجسم، مما يكون له أثر سيء على الاستقلاب الغذائي داخل الخلايا.

ولقد أجريت دراسة أثبتت هذا الاضطراب على هرمون الكورتيزول، فلقد قام الدكتور محمد الحضرامي في كلية الطب – جامعة الملك عبد العزيز (48) – بإجراء دراسة على 10 أشخاص أصحاء مقيمين خارج المستشفى، وأظهرت الدراسة أن أربعة منهم حدث عندهم اضطراب في دورة الكوتيزول اليومية، وذلك خلال الأسبوعين الأخيرين من شهر رمضان، مع انقلاب النسب المعهودة في الصباح وفي منتصف الليل. فقد لوحظ أن المستوى الصباحي قد انخفض وأن المستوى المسائي قد ارتفع، وهذا على عكس الوضع الاعتيادي اليومي، وقد عزا الباحث هذا الاضطراب إلى التغيير في العادات السلوكية عند هؤلاء الصائمين، الذين يقضون النهار في النوم، ويقضون الليل في السهر، وقد عاد الوضع الطبيعي للكورتيزول بعد 4 أسابيع من نهاية شهر الصيام، وبعد أن استقر نظام النوم ليلاً والنشاط نهاراً عند هؤلاء الأشخاص.

من أجل هذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم وصحبه والمسلمون الأولون لا يفرقون في الأعمال بين أيام الصيام وغيرها، بل قد يعقدون ألوية الحرب ويخوضونها صائمين متعبدين... فهل يتحرر المسلمون من أوهام الخوف من الحركة والعمل أثناء الصيام !! وهل يهبون قائمين لله عاملين ومنتجين ومجاهدين، مقتدين بنبيهم صلى الله عليه وسلم وسلفهم الصالح رضوان الله عليهم !!

الصيام والتخلص من الشحوم:

تعتمد السمنة على الإفراط في تناول الطعام، وخصوصاً الأطعمة الغنية بالدهون، هذا بالإضافة إلى وسائل الحياة المريحة، والسمنة مشكلة واسعة الانتشار، وقد وجد أن السمنة تقترن بزيادة خطر الأمراض القلبية الوعائية، مثل: قصور القلب والسكتة القلبية ومرض الشريان التاجي ومرض انسداد الشرايين المحيطة بالقلب.

 وتحدث السمنة نتيجة لاضطراب العلاقة بين ثلاثة عناصر من الطاقة وهي: الكمية المستهلكة من الطعام، والطاقة المبذولة في النشاط والحركة، والطاقة المختزنة على هيئة دهون بصفة أساسية، فالإفراط في تناول الطعام مع قلة الطاقة المبذولة في الحركة يؤدي إلى ظهور السمنة.

إن الإنسان العادي يستهلك حوالي 20 طناً من الطعام خلال حياته، وظهور نسبة 25% من الخطأ في توازن الطاقة يؤدي إلى حدوث زيادة في الوزن تبلغ 50 كجم، أو حدوث زيادة عند شخص بالغ يزن 70 كجم، فيصبح وزنه 120 كجم... وهذا من شأنه أن يبين مدى الدقة المطلوبة في تنظيم تناول الطعام للمحافظة على استقرار وزن الجسم.

ومن المعتقد أن السمنة تنجم إما عن خلل استقلابي ( خلل في التمثيل الغذائي)، أو عن ضغوط بيئية، أو اجتماعية، وقد تحدث البدانة أيضاً بسبب خلل في الغدد الصماء، أو بأسباب نفسية واجتماعية متضافرة تظهر على شكل إفراط في الأكل، وكثيراً ما يتزامن حدوث الاضطرابات الاستقلابية والضغوط البيئية بحيث يصل أحدهما الآخر، فتتفاقم الحالة.

وفي المقابل، يرى الكثير من العلماء أن الاضطراب النفسي الذي يفضي إلى الشراهة في تناول الطعام، والذي يتسبب في السمنة قد يؤدي إلى ظهور اضطرابات الرئيسية في توازن الطاقة – في حالة السمنة – على أنها عبارة التغيير في أحد العناصر، ولكن يظل واضحاً تماماً أن الإفراط في الأكل هو أحد العوامل الرئيسية في حدوث السمنة.

وهناك تغيرات كيميائية الشحمية ( نوع بيتا) في البلازما والأحماض الدهنية الحرة، ويزداد تركيز الأنسولين في الدم زيادة كبيرة، مما يؤدي إلى تضخم في البنكرياس، أو زيادة أنسجته، فيؤدي إلى زيادة إنتاج الأنسولين، الذي يتسبب في تكون الأحماض الدهنية في الكبد من المواد الكربوهيدراتية، وزيادة ترسب المواد الدهنية في الأنسجة الشحمية، وهذا يؤدي إلى ظهور أعراض ( مرض السكري) حيث تفقد مستقبلات الأنسولين – الموجودة على الأنسجة – الاستجابة للأنسولين.

لقد حاول كثيرون علاج السمنة فوضعت أنظمة غذائية كثيرة، كان أغلبها مزيفاً، وغير مبني على أسس علمية، إذ لا تعمل هذه الأنظمة إلى على فقدان كمية كبيرة نسبياً من ماء الجسم، فيعطي الانطباع بانخفاض الوزن، وبعض هذه الأنظمة أدى إلى فقدان الجسم لكمية من الدهون، لكنها أدت أيضاً إلى ظهور الأجسام الكيتونية (48).

أما الصيام الإسلامي المثالي فيعتبر النموذج الفريد للوقاية والعلاج من السمنة في آن واحد، حيث يمثل الأكل المعتدل والامتناع عنه مع النشاط والحركة، عاملين مؤثرين في تخفيف الوزن، وذلك بزيادة معدل استقلاب الغذاء بعد وجبة السحور، وتحريك الدهن المختزن لأكسدته في إنتاج الطاقة اللازمة بعد منتصف النهار.

ويرجع العلماء حدوث الزيادة في معدل استقلاب الغذاء (BMR) بعد تناول وجبة الطعام، إلى ارتفاع الأدرينالين والنور أدرينالين، وازدياد السيالات الودية (Sympathetic discharge)،نتيجة لنشاط الجهاز العصبي الودي (49). وعمل القوة المتحركة النوعية (Specific Dynamic Action)، حيث يستهلك كل نوع من محتويات الطعام طاقة حتمية أثناء عمليات الغذائي. فتستهلك كمية البروتين التي يمكن أن تعطي الجسم 100 كيلو كالورى، 30 كيلو كالورى، وتستهلك نفس الكمية من الكربوهيدرات والدهون 6 ك. ك، و4 ك. ك على التوالي، ويستمر نشاط عمليات الاستقلاب لمدة 6 ساعات، أو أكثر، بعد تناول وجبة الطعام.

ويعتبر بذل الجهد العضلي من أهم الأمور التي تؤدي إلى زيادة معدل الأيض (الاستقلاب) (Metabolic rate)،وهو الذي يظل مرتفعاً، ليس أثناء الجهد العضلي فقط، ولكن بعد ذلك بفترة طويلة كافية (50). وبهذا يحقق الصيام الإسلامي المثالي – المتمثل في الحفاظ على وجبة السحور والاعتدال في الأكل والحركة والنشاط أثناء الصيام – نظاماً غذائياً ناجحاً في علاج السمنة، أما نظام التجويع الطويل بالانقطاع الكلي عن الطعام فيؤدي إلى هبوط الاستقلاب، نتيجة لتثبيط الجهاز الودي ( السمبثاوي) وهبوط الأدرينالين والنور أدرينالين السابح في الجسم، وهذا يفسر لماذا يهبط وزن الشخص الذي يريد تخفيف وزنه بواسطة التجويع بشدة في البداية، ثم يقل بالتدريج بعد ذلك، ويكون معظم الوزن المفقود في الأيام الأولى هو في الواقع من الماء الموجود داخل الجسم، المليء بالطاقة المختزنة والأملاح المرافقة لها (51).

الصيام وتجدد الخلايا:

اقتضت حكمة الله تعالى أن يحدث التغيير والتبديل في كل شيء وفق سنة ثابتة، وقد اقتضت هذه السنة في جسم الإنسان أن تتبدل محتوى خلاياه كل ستة أشهر على الأقل، وبعض الأنسجة تتجدد خلاياها في فترات قصيرة تعد بالأيام، وبالأسابيع، مع الاحتفاظ بالشكل الخارجي الجيني، وتتغير خلايا جسم الإنسان وتتبدل فتهرم خلايا ثم تموت وتنشأ أخرى جديدة تواصل مسيرة الحياة... هكذا باضطراد، حتى يأتي أجل الإنسان، إن عدد الخلايا التي تموت في الثانية الواحدة في جسم الإنسان يصل إلى 125 مليون خلية(52)، وأكثر من هذا العدد يتجدد يومياً خلال مراحل النمو، ومثله في وسط العمر، ثم يقل عدد الخلايا المتجددة مع تقدم السن.

وبما أن الأحماض الأمينية هي التي تشكل البنية الأساسية في الخلايا، ففي الصيام الإسلامي تتجمع هذه الأحماض القادمة من الغذاء مع الأحماض الناتجة عن عملية الهدم، في مجمع الأحماض الأمينية في الكبد (Amino acid pool)ويحدث فيها تحول داخلي واسع النطاق وتدخل في دورة السترات (Citrate Cycle)،ويتم إعادة توزيعها بعد عملية التحول الداخلي (Interconversion)، ودمجها في جزئيات أخرى، كالبيورين (Purines)، والبيريميدين، أو البروفرين (Prophyrins)،ويصنع منها كل أنواع البروتينات الخلوية، وبروتين البلازما والهرمونات وغير ذلك من المركبات الحيوية، أما أثناء التجويع فتتحول معظم الأحماض الأمينية القادمة من العضلات – وأغلبها من نوع حمض الألانين – تتحول إلى جلوكوز الدم، وقد يستعمل جزء منها لتركيب البروتين، أو تجرى أكسدته لإنتاج الطاقة – بعد أن يتحول إلى أحماض أكسجينية (Oxoacids) (53)... وهكذا نرى أنه أثناء الصيام يحدث تبدل وتحول واسع النطاق داخل الأحماض الأمينية المتجمعة من الغذاء، وعمليات الهدم للخلايا، بعد خلطها وإعادة تشكيلها ثم توزيعها حسب احتياجات خلايا الجسم، وهذا يوفر لبنات جديدة للخلايا لترميم بنائها، ولرفع كفاءتها الوظيفية، مما يعود على الجسم البشرى بالصحة والنماء والعافية، وهذا لا يحدث في التجويع ( حيث الهدم المستمر لمكونات الخلايا وحيث الحرمان من الأحماض الأمينية الأساسية) فعندما تعود بعض اللبنات القديمة لإعادة الترميم تتداعى القوى، ويصير الجسم عرضة للأسقام أو الهلاك، فنقص حمض أميني أساسي واحد – يدخل في تركيب بروتين خاص – يجعل هذا البروتين لا يتكون... والأعجب من ذلك أن بقية الأحماض الأمينية التي يتكون منها هذا البروتين تتهدم وتتدمر (54).

كما أن إمداد الجسم بالأحماض الدهنية الأساسية (Essential Fatty Acids) في الغذاء، له دور هام في تكوين الدهون الفوسفاتية (Phospholipids)والتي مع الدهن العادي (Triacylglycorol)تدخل في تركيب البروتينات الدهنية (Lipoproteins)، ويقوم النوع منخفض الكثافة جداً منها (very low density lipoprotein)بنقل الدهون الفوسفاتية والكوليسترول – من أماكن تصنيعها بالكبد – إلى جميع خلايا الجسم، لتدخل في تركيب جدر الخلايا الجديدة وتكوين بعض مركباتها الهامة، ويعرقل هذه العملية الحيوية كل من الأكل الغني جداً بالدهون وكذلك الحرمان المطلق من الغذاء – كما في حالة التجويع، حيث تتجمع كميات كبيرة من الدهون في الكبد تجعله غير قادر على تصنيع الدهون الفرسفاتية والبروتين بمعدل يكفي لتصنيع البروتين الشحمي، فلا تنتقل الدهون من الكبد إلى أنحاء الجسم لتشارك في بناء الخلايا الجديدة، وتتراكم فيه وقد تصيبه بحالة التشمع الكبدي (55) (Fatty Liver)فتضطرب وظائفه، وينعكس هذا بالطبع على تجدد خلاياه هو أولاً، ثم على خلايا الجسم، وتقدم أجل وأعظم الخدمات في تجديد وإصلاح خلايا الجسم كله، غذ تقوم بإنتاج بروتينات البلازما كلها تقريباً (30-50جم يومياً) وتكوين الأحماض الأمينية المختلفة، وذلك بعمليات التحول الداخلي وتحويل البروتين والدهن والكربوهيدرات، كل منها للآخر، وتقديمها لخلايا الجسم بحسب احتياجاتها، وتدخل في صناعة الجلوكوز وتخزينه لحفظ تركيزه [81] في الدم، وأكسدة الجلولكوز والأحماض الدهنية بمعدلات مرتفعة لإمداد الجسم وخلاياه بالطاقة اللازمة في البناء والتجديد (56)، إذ تحتوي كل خلية كبدية من الوحدات المولدة للطاقة (Mitochondria)(57)1000 وحدة تقريباً، كما تكون الخلايا الكبدية الكوليسترول والدهون والفوسفاتية التي تدخل في تركيب جدر الخلايا، وفي المركبات الدقيقة داخل الخلية وفي العديد من المركبات الكيميائية الهامة واللازمة لوظيفة الخلية...

كما تقوم خلايا الكبد بصناعة إنزيمات حيوية وهامة لخلايا الجسم، كخميرة الفوسفتاز القلوية (Alkaline Phosphatase)،والتي بدونها لا تستخدم الطاقة المتولدة من الجلوكوز والأكسجين، ولا يتم الكثير من عمليات الخمائر والهرمونات وتبادل الشوارد (58). فيتأثر تجدد الخلايا وتضطرب وظائفها... كما تقدم خلايا الكبد خدمة جليلة في بناء الخلايا الجديدة حيث تختزن في داخلها عدداً من المعادن والفيتامينات الهامة اللازمة لتجديد خلايا الجسم، كالحديد، والنحاس، وفيتامين أ، ب2، ب12، وفيتامين د. وتقدم خلايا الكبد، أيضاً، أعظم الخدمات لتجديد الخلايا، حيث تزيل من الجسم المواد السامة، وهي المواد التي تعرقل هذا التجديد، أو حتى تدمر الخلايا نفسها ( كما في مادة الأمونيا التي تسمم خلايا المخ وتدخل مريض تليف الكبد إلى غيبوبة تامة).

إن الصيام الإسلامي هو وحده النظام الغذائي الأمثل لتحسين الكفاءة الوظيفية للكبد، حيث يؤدي إلى مده بالأحماض الدهنية والأمينية الأساسية، خلال وجبتي الإفطار والسحور، فتتكون لبنات البروتين، والدهون الفوسفاتية والكوليسترون وغيرها لبناء الخلايا الجديدة وتنظيف خلايا الكبد من الدهون التي تجمعت فيه بعد الغذاء خلال نهار الصوم فيستحيل بذلك أن يصاب الكبد بالتشمع الكبدي، أو تضطرب وظائفه بعدم تكوين المادة الناقلة للدهون منه، وهي الدهن الشحمي منخفض الكثافة جداً، (VLDL) والذي يعرقل تكونها التجويع، أو كثرة الأكل الغني بالدهون – كما بينا، وعلى هذا، يمكن أن نستنتج أن الصيام الإسلامي يمتلك دوراً فعالاً في الحفاظ على نشاط ووظائف خلايا الكبد، وبالتالي يؤثر بدرجة كبيرة في سرعة تجدد خلايا الكبد – وكل خلايا الجسد – وهو ما لا يفعله الصيام الطبي ولا يؤدي إليه الترف في الطعام الغني بالدهون.

لماذا الإفطار على التمر ؟

عند نهاية مرحلة ما بعد الامتصاص – في نهاية يوم الصوم – يهبط مستوى تركيز الجلوكوز والإنسولين من دم الوريد البابي الكبدي، وهذا يقلل بدوره من نفاذ الجلوكوز وأخذه بواسطة خلايا الكبد والأنسجة الطرفية (59)، كخلايا العضلات وخلايا الأعصاب، ويكون قد تحلل كل المخزون من الجليلكوجين الكبدي أو كاد، وتعتمد الأنسجة حينئذ في الحصول على الطاقة من أكسدة الأحماض الدهنية، وأكسدة الجلوكوز المصنع في الكبد من الأحماض الأمينية والجليسرول، لذلك، فإمداد الجسم السريع بالجلوكوز في هذا الوقت له فوائد جمة، إذ يرتفع تركيزه بسرعة في دم الوريد البابي الكبدي فور امتصاصه ويدخل إلى خلايا الكبد أولاً، ثم خلايا المخ والدم والجهاز العصبي والعضلي وجميع الأنسجة الأخرى، والتي هيأها الله تعالى لتكون السكريات غذاؤها الأمثل والأيسر للحصول منها على الطاقة (60).

ويتوقف بذلك تأكسد الأحماض الدهنية، فيقطع الطريق على تكون الأجسام الكيتونية الضارة، وتزول أعراض الهمود، والضعف العام، والاضطراب البسيط في الجهاز العصبي، إن وجدت لتأكسد كميات كبيرة من الدهون – كما يوقف تناول الجلوكوز عملية تصنيع الجلوكوز في الكبد، فيتوقف هدم الأحماض الأمينية وبالتالي حفظ بروتين الجسم.

ويعتبر التمر من أغنى الأغذية بسكر الجلوكوز، وبالتالي فهو أفضل غذاء يقدم للجسم حينئذ، إذ يحتوي على نسبة عالية من السكريات، تتراوح ما بين (75 – 87%)، ويشكل الجلوكوز 55% منها، والفركتوز 45%، هذا علاوة على نسبة من البروتينات والدهون وبعض الفيتامينات وأهمها: أ، ب2، ب 12، وكذلك بعض المعادن الهامة وأهمها: الكالسيوم، والفوسفور، والبوتاسيوم والكبريت، والصوديوم، والمغنيسيوم، والكوبالت، والزنك، والفلورين، والنحاس، والمنجنيز، ونسبة من السلولوز، ويتحول الفركتوز إلى جلوكوز بسرعة فائقة ويمتص مباشرة من الجهاز الهضمي ليروي ظمأ الجسم من الطاقة، وخصوصاً تلك الأنسجة التي تعتمد عليه أساساً، كخلايا المخ والأعصاب وخلايا الدم الحمراء وخلايا نقيُ العظام.

وللفركتوز مع السليلولوز تأثير منشط للحركة الدودية(61) للأمعاء، كما أن الفوسفور مهم في تغذية حجرات الدماغ، ويدخل في تركيب المركبات الفوسفاتية، مثال: الأدينوزين، والجوانين ثلاثي الفوسفات، وهي المواد التي تنقل الطاقة وترشد استخدامها في جميع خلايا الجسم... كما أن جميع الفيتامينات التي يحتويها التمر لها دور فعال في عمليات التمثيل الغذائي (أ، ب1، ب2، والبيوتين، والريبوفلافين... الخ)، ولها أيضاً تأثير مهدئ للأعصاب، وللمعادن الموجودة التمر دور أساسي في تكوين بعض الإنزيمات الهامة في عمليات الجسم الحيوية، ودور حيوي في عمل البعض الآخر، كما أن لها دوراً هاماً في انقباض وانبساط العضلات والتعادل الحمضي – القاعدي في الجسم، فيزول بذلك أيّ توتر عضلي أو عصبي، فيعم النشاط والهدوء والسكينة سائر البدن (62).

وعلى العكس من ذلك، لو بدأ الإنسان إفطاره بتناول المواد البروتينية أو الدهنية، فإنها لا تمتص إلا بعد فترة طويلة من الهضم والتحلل، ولا تؤد الغرض في إسعاف الجسم بحاجته السريعة للطاقة، فضلاً على أن ارتفاع الأحماض الأمينية في الجسم نتيجة للغذاء الخالي من السكريات، أو حتى الذي يحتوي على كمية قليلة منه، يؤدي إلى هبوط سكر الدم (63)، لهذه الأسباب، يمكن أن ندرك الحكمة في أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالإفطار على التمر ؟!

عن سلمان بن عامر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إذا أفطر أحدكم فليفطر على تمر، فإن لم جد فليفطر على ماء، فإنه طهور ) رواه أبو داود والترمذي. وقال: حديث حسن صحيح، وعن أنس رضي الله عنه قال: ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفطر قبل أن يصلي على رطبات، فإن لم تكن رطبات فتميرات، فإن لم تكن تميرات حسا حسوات من ماء) رواه أبو داود والترمذي، وقال: حديث حسن.

لماذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم الصائم بالهدوء والبعد عن الشجار !

إذا اعترى الصائم غضب وانفعال وتوتر، ازداد إفراز الأدرينالين(64) في دمه زيادة كبيرة، وقد يصل إلى 20 أو 30 ضعفاً عن معدله العادي، وذلك أثناء الغضب الشديد أو العراك. فإن حدث هذا في أول الصوم، أثناء فترة الهضم والامتصاص، اضطرب هضم الغذاء وامتصاصه زيادة على الاضطراب العام في جميع أجهزة الجسم، وذلك لأن الأدرينالين يعمل على ارتخاء العضلات الملساء في الجهاز الهضمي، ويقلل من تقلصات المرارة، ويعمل على تضييق الأوعية الدموية الطرفية وتوسيع الأوعية التاجية، كما يرفع الضغط الدموي الشرياني ويزيد كمية الدم الواردة إلى القلب وعدد دقاته. وإن حدث الغضب والشجار في منتصف النهار، أو في آخره، أثناء فترة ما بعد الامتصاص – تحل ما تبقى من مخزون الجليكوجين في الكبد، وتحلل بروتين الجسم إلى أحماض أمينية، وتأكسد المزيد من الأحماض الدهنية، كل ذلك ليرتفع مستوى الجلوكوز في الدم، فيحترق ليمد الجسم بالطاقة اللازمة في الشجار والعراك، وبهذا تستهلك الطاقة بغير ترشيد، كما أن بعض الجلوكوز قد يفقد مع البول إن زاد عن المعدل الطبيعي، وبالتالي يفقد الجسم كمية من الطاقة الحيوية الهامة في غير فائدة تعود عليه، ويضطر إلى استهلاك الطاقة من الأحماض الدهنية التي يؤكسد المزيد منها، وقد تؤدي إلى تولد الأجسام الكيتونية الضارة في الدم.

كما أن الازدياد الشديد للأدرينالين في الدم يعمل على خروج كميات كبيرة من الماء من الجسم، بواسطة الإدرار البولي (Diuresis)،كما يرتفع معدل الأيض ( الاستقلاب) الأساسي ( Basal Metabolic Rate)عند الغضب والتوتر، نتيجة لارتفاع الأدرينال وزيادة الشد العضلي(65). وقد يؤدي ارتفاع الأدرينالين إلى حدوث نوبات قلبية، أو إلى موت الفجاءة عند بعض الأشخاص المهيئين لذلك، وذلك نتيجة لارتفاع ضغط الدم، وارتفاع حاجة عضلة القلب للأكسجين (من جراء ازدياد سرعته)... وقد يتسبب الغضب، أيضاً في حدوث النوبات الدماغية، لدى المصابين بارتفاع ضغط الدم وتصلب الشرايين.

كما أن ارتفاع الأدرينالين – نتيجة للضغط النفسي في حالات الغضب والتوتر – يؤدي إلى زيادة الكوليسترول في الدم، حيث يتكون من الدهن البروتيني منخفض الكثافة، والي قد يزداد أثناء الصيام، وقد ثبتت علاقته بمرض تصلب الشرايين، لهذا، ولغيره مما عرف ومما لم يعرف بعد، أوصى النبي صلى الله عليه وسلم الصائم بالسكينة وعدم الصخب والانفعال أو الدخول في عراك مع الآخرين... فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب، فإن سابه أحد أو قاتله فليقل: إني صائم ) متفق عليه.

من فوائد عدم شرب الماء في الصيام:

يشكل الماء حوالي 60-70% من وزن الجسم عند البالغين، وهو ينقسم إلى قسمين رئيسيين: قسم داخل الخلايا، وقسم خارجها، بين الخلايا، في الأنسجة والأوعية الدموية والعصارات الهضمية وغير ذلك، وبين القسمين توازن دقيق، والتغير في تركيزات الأملاح – خصوصاً الصوديوم الذي يتركز وجوده في السائل خارج الخلايا – ينبه أو يثبط عمليتين حيويتين داخل الجسم، وهما: آلية إفراز الهرمون المضاد لإدرار البول (ADH)، وآلية الإحساس بالعطش، وتؤثر كل منهما في تهيئة الجسم لحفاظه على الماء داخله وقت الشدة، وذلك بتأثير الهرمون المضاد لإدرار البول على زيادة نفاذية الأنابيب الكلوية البعيدة، والأنابيب والقنوات الجامعة، حيث يسرّع امتصاص الماء ويقلل من إخراجه، كما يتحكم القسمان معاً في تركيزات الصوديوم خارج الخلايا... وكلما زاد تركيز الصوديوم زاد حفظ الماء داخل الجسم.

ولقد درس مصطفى وزملاؤه في السودان ( سنة 1987م) توازن الماء والأملاح في جسم الصائم، وأثبت هذا البحث أن الإخراج الكلي للصوديوم يقل، وخصوصاً أثناء النهار (66)، إن تناول الماء أثناء الامتناع عن الطعام ( في الصيام) يؤدي إلى تخفيف التناضح (Osmolarity)(67)في السائل خارج الخلايا، وهذا بدوره يؤدي إلى تثبيط إفراز الهرمون المضاد لإدرار البول، فيزداد الماء الخارج من الجسم في البول مع ما يصحبه من الصوديوم وبعض الأملاح الأخرى، وفي هذا تهديد لحياة الإنسان ( إن لم تعوض هذه الأملاح) حيث يعتبر الصوديوم عنصراً حيوياً في توطيد الجهد الكهربائي عبراً جدران الخلايا العصبية وغير العصبية... كما أن له دوراً حيوياً في تنبيه وانقباض العضلات، وعند نقصانه يصاب الإنسان بضعف عام في جسمه.

وهناك علاقة بين العطش وبين تحلل الجليكوجين: إذ يسبب العطش إفراز جرعات – تتناسب وقوة العطش – من هرموني الأنجوتنسين 2 (Angiotensin II)والهرمون القابض للأوعية الدموية (Vasopressin)، وهما اللذان يسببان تحلل الجليكوجين في إحدى مراحل تحلله بخلايا الكبد (68). فكلما زاد العطش زاد إفراز هذين الهرمونين بكميات كبيرة، مما يساعد في إمداد الجسم بالطاقة، وخصوصاً في نهاية اليوم.

كما أن زيادة الهرمون المضاد لإدرار البول(ADH) المستمر طوال فترة الصيام في شهر رمضان، قد يكون له دور هام في تحسين القدرة على التعلم وتقوية الذاكرة وقد ثبت ذلك على حيوانات التجارب(69). لذلك فالقدرة العقلية قد تتحسن عند الصائمين، بعكس ما يعتقد عامة الناس، كما أن الحرمان من الماء أثناء الصيام، يتسبب في حدوث زيادة كبيرة في آليات تركيز البول في الكلى، مع ارتفاع القوة الأزموزية البولية ( قد يصل من 1000 إلى 12 ألف مل أزمو/ كجم ماء) وهكذا تنشط هذه الآليات الهامة لسلامة وظائف الكلى.

كما أن عدم شرب الماء خلال نهار الصيام يقلل من حجمه داخل الأوعية الدموية، وهذا بدوره يؤدي إلى تنشيط الآلية المحلية بتنظيم الأوعية وزيادة إنتاج البروستاجلاندين (Prosaglandine)، والذي له تأثيرات عديدة وبجرعات قليلة إذ أن له دوراً في حيوية ونشاط خلايا الدم الحمراء، وله دور في التحكم في تنظيم قدرة هذه الخلايا لتعبر من خلال جدران الشعيرات الدموية... وبعض أنواعه له دور في تقليل حموضة المعدة، ومن ثم تثبيط تكون القُرح المعدية – كما ثبت في حيوانات التجارب... كما أنه له دوراً في علاج العقم، حيث يسبب تحلل الجسم الأصفر، ومن ثم فقد يؤدي دوراً في تنظيم دورة الحمل عند المرأة... كما يؤثر على عدة هرمونات داخل الجسم، فينبه إفراز هرمون الرينين، وبعض الهرمونات الأخرى، مثل الهرمون الحاث للقشرة الكظرية (SH and ACTH)وغيره... كما يزيد من قوة استجابة الغدة النخامية (Pituitary gland)(70)للهرمونات المفرزة من منطقة تحت الوساد في المخ.... كما يؤثر على هرمون الجلوكاجون، وهرمون الكاتيكولامين ( الأدرينالين والنورادرينالين)، وبقية الهرمونات التي تؤثر على إطلاق الأحماض الدهنية الحرة... كما يوجد البروستجلاندين في المخ، ومن ثم له تأثير في إفراز الناقلات للإشارة العصبية.. كما أنه له دوراً في التحكم في إنتاج أحادى فوسفات الأدينوزين الحلقي (CAMP)وهو الذي يزداد مستواه لأسباب عديدة... ويؤدي دوراً هاماً في تحلل الدهن المختزن(71)... لذلك، فإن العطش أثناء الصيام له فوائد عديدة – بطريق مباشر أو غير مباشر – نتيجة لزيادة مادة البروستجلاندين، حيث يمكن أن يحسن كفاءة خلايا الدم، ويحمي الجسم من قرحة المعدة، ويشارك في علاج العقم، ويسهل الولادة، ويحسن الذاكرة، ويحسن آليات عمل الكلى، وغير ذلك.

إن الله سبحانه وتعالى جعل للجسم البشري مقدرة على صنع الماء من خلال العمليات والتحولات الكيميائية العديدة التي تحدث في جميع خلايا الجسم، إذ يتكون أثناء عمليات أيض ( استقلاب) الغذاء وتكوين الطاقة في الكبد والكلى والمخ والدم وسائر الخلايا – تقريباً – جزئيات ماء، وقد قدر العلماء كمية هذا الماء في اليوم من ثلث إلى نصف لتر، ويسمى الماء الذاتي، أو الداخلي (Intrinsic Water)، كما خلق الله للإنسان ماء داخلاً، خلق له طعاماً داخلياً فمن نفايات أكسدة الجلوكوز يُصنّع الجلوكوز مرة أخرى، حيث يتحول كل من حمض اللاكتيك والبيروفيت ( وهما نتاج أكسدة الجلوكوز) إلى جلوكوز مرة أخرى، حيث تتوجه هذه النفايات إلى الكبد فيجعلها وقوداً لتصنيع جلوكوز جيد في الكبد، ويتكون يومياً حوالي 36 جراماً من هذا الجلوكوز الجديد من هذين الحمضين، غير الذي يتكون من الجليسرول والأحماض الأمينية (72).

وبهذا يمكن أن ندرك سر نهي النبي صلى الله عليه وسلم الناس عن إكراه مرضاه على الطعام والشراب، حيث كان الناس يظنون – وللأسف لا يزالون – أن الجسم البشري كالآلة الصماء، لا تعمل إلا بالإمداد الدائم بالغذاء، وأن في الغذاء الخارجي فقط تكمن مقاومة ضعف المرض، وأخبر صلى الله عليه وسلم أن الله يطعمهم ويسقيهم، فقال عليه الصلاة والسلام: ( لا تكرهوا مرضاكم على الطعام والشراب، فإن الله عز وجل يطعمهم ويسقيهم ) رواه ابن ماجه والحاكم، وصححه هو والألباني..

إنه الله...... آمنت بالله..

===============

(1) محاضرة ألقيت بالموسم الثقافي لعام 2001م.

(2) أستاذ ورئيس قسم الكيمياء الحيوية بالمركز القومي للبحوث سابقاً، ورئيس مجلس إدارة جمعية الإعجاز العلمي للقرآن والسنة، وعضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية بمصر، وصاحب العديد من براءات الاختراع المسجلة في دول أوروبية وأمريكية، في مجال العقاقير والمنتجات الطبيعية واستعمالاتها الطبية.

(3) الحديث رواه مسلم 2/807 رقم 163، وأحمد 2/283، والنسائي 4/1163.

(4) خلايا لمفاوية مائية، والخلايا الليمفاوية طراز من الخلايا الدموية البيض، التي تتميز بأنها غير حبيبة وتمثل الخلية الأساسية في الليمف ( المحرر العلمي).

(5)Riyad Albiby and Ahmed Elkadi: A preliminary Report on Effects of Islamic Fasting on Lipoprotens and Immunity. JMA, vol , 17 188 page 84.

(6) د/ عبد الجواد الصاوي: الصيام معجزة علمية ص 123 و144. 1413هـ / 1992، ط1، دار القبلة.

(7) د/ فاهم عبد الرحيم وآخرون: تأثير الصيام الإسلامي على مرض الكلى والمسالك البولية، نشرة الطب الإسلامي، العدد الرابع، أعمال وأبحاث المؤتمر العالمي الرابع عن الطب الإسلامي ( منظمة الطب الإسلامي بالكويت) 1407 هـ 1986م ص 707 – 714.

(8) د/ عبد الجواد الصاوي: الصيام معجزة علمية ص 123 و144. 1413هـ / 1992، ط1، دار القبلة.

(9) تستوستيرون هو الخصيون، وهو هرمون تنتجه الخلايا البيئية في الخصية، وهو الهرمون الذكري الأساسي، إذ تظهر مسؤوليته في تنمية الأعضاء الشقية ( الجنسية) المساعدة وظهور الصفات الشقية الثانوية في الحيوان الذكر ( المحرر العلمي).

(10) د/ عبد الجواد الصاوي: الصيام معجزة علمية ص 123 و144. 1413هـ / 1992، ط1، دار القبلة.

(11)jalal Saour: Does Ramadan Fasting Complicate Antcoagulant Therapy? Fasting: Its Efects on Gealth and Diseases Basic Priniciples and Clinical Practive (Abstracts). College of Medicine King Saud University , Riyadh, December 1990.

(12)Sulimami R. A. Famuyiwa F. O. Laaga M. A. (1988): Diabetes Mellitus and Ramadan Fasting: the Need for Critical Appraisal. Diabetes Medicine 8: 549-552.

9- S. M Bakir , (1991): Can Fasting in Ramadan Help in Some Peripheral Vascular Diseases ? JIMA, Vol. 23: 163-164.

(13) د/ عبد الجواد الصاوي: الصيام معجزة علمية ص 123 و144. 1413هـ / 1992، ط1، دار القبلة.

(14)S. M Bakir , (1991): Can Fasting in Ramadan Help in Some Peripheral Vascular Diseases ? JIMA, Vol. 23: 163-164.

(15)A N N. Mariuden, I. Trang, N veniselos, and Pamblad (1983): Neutrophil Functions and Clinical Prformance After Total Fasting in Patients with Rheumatis. Annals of Rheumatic Diseases. 42: 45-51.

(16)Muzam MG,. Ali M. N. and Husain A. (1963): Observations on the Effects Of Ramadan Fasting On Gastric On Gastric Acidity , the Medicus 25: 228.

(17) الاستقلاب هو الأيض (Metabolism)، وهو يتضمن عمليات التحويل الكيميائي للمواد الغذائية المعقدة إلى مواد بسيطة يستطيع الجسم أن يستفيد منها ( المحرر العلمي).

(18)Prentice, A. M. Prenctice, A. Lamd W. H: Lunn p. G. (1983): Austins. Hum Nutr Clin Nur , 37 (4) 283-94.

13- M. Y. Sukkar h. A. Elmunshid and M. S. M Ardawi (1993): Concis Human Physiology: Blackwell Scientific Publications , Oxford. Pp. 175-181.

(19) د/ عبد الجواد الصاوي: الصيام معجزة علمية ص 123 و144. 1413هـ / 1992، ط1، دار القبلة.

(20)M. Y. Sukkar h. A. Elmunshid and M. S. M Ardawi (1993): Concis Human Physiology: Blackwell Scientific Publications , Oxford. Pp. 175-181.

(21) د/ عبد الجواد الصاوي: الصيام معجزة علمية ص 123 و144. 1413هـ / 1992، ط1، دار القبلة.

(22) د/ عبد الجواد الصاوي: الصيام معجزة علمية ص 123 و144. 1413هـ / 1992، ط1، دار القبلة.

(23)Hasan Nasrat and Mansour Suliman (1987): Efact Of Ramadan Fast-ing on Plasma Progesercne and Prolactin. Islamic International Conference on Islamic legalation & the Current Medical Problems 2-3 Fib. 1987 Cairo Egypt.

and: S. M. A Abbas and A. H. Basahmah (1986): Effcts Of Ramadan Fast On Male Fertility. Archives Of Andorology. 16: 161-166.

(24) د/ عبد الجواد الصاوي: الصيام معجزة علمية ص 123 و144. 1413هـ / 1992، ط1، دار القبلة.

(25) المرجع السابق.

(26)المرجع السابق.

(27)jalal Saour: Does Ramadan Fasting Complicate Antcoagulant Therapy? Fasting: Its Efects on Gealth and Diseases Basic Priniciples and Clinical Practive (Abstracts). College of Medicine King Saud University , Riyadh, December 1990.

(28) د/ عبد الجواد الصاوي: الصيام معجزة علمية ص 123 و144. 1413هـ / 1992، ط1، دار القبلة.

(29)William F. Ganong (1991): Review of Medical Physiology. 15th Edition. Appleton & Lange , Los Altos , California.

(30)J. Hywel Thomas and Brian Gillham (1989): Will`s Biochemical Basis of Medicine , 2nd Edition London.

(31) المرجع السابق.

(32)William F. Ganong (1991): Review of Medical Physiology. 15th Edition. Appleton & Lange , Los Altos , California.

(33) المرجع السابق.

(34) الكاتابولزم هو الأيض الهدمي، وهو أحد شكلي الأيض، ويحدث فيه هدم جزيئات البروتوبلازم، وذلك بقصد إنتاج الطاقة اللازمة للأنشطة الحيوية بجسم الكائن الحي (المحرر العلمي).

(35) الأنابوليزم هو الأيض البنائي، وهو فعالية كيميائية حيوية بنائية تمثل جزءاً من الأيض ( أو الاستقلاب) العام، يحدث فيها اتحاد جزئيات صغيرة بجزئيات أكبر منها ويتم بها تخليق البنية النسيجية في الكائن الحي، وعكسه الأيض الهدمي ( المحرر العلمي).

(36)William F. Ganong (1991): Review of Medical Physiology. 15th Edition. Appleton & Lange , Los Altos , California.

(37) نجيب الكيلاني: الصوم والصحة، مؤسسة الرسالة (بيروت) ط1، 1987م.

(38)William F. Ganong (1991): Review of Medical Physiology. 15th Edition. Appleton & Lange , Los Altos , California.

(39)M. Y Sukkar. H. A. El-munshid and M. S. M Ardawi (1993): Concise Human Physiology: Blackewell Scientific Publications , Oxford. Pp. 175-181.

(40)William F. Ganong (1991): Review of Medical Physiology. 15th Edition. Appleton & Lange , Los Altos , California.

(41) الهيبوثالامس هو تحت المهاد، وهو أرضية سمكية للبطين الثالث في الدماغ، ويعتبر مكان إنتاج عدد من المواد تؤثر في الغدية النخامية، وهو في الثدييات يحتوي مراكز عصبية تتحكم في تنظيم درجة حرارة الجسم (المحرر العلمي).

(42)William F. Ganong (1991): Review of Medical Physiology. 15th Edition. Appleton & Lange , Los Altos , California.

(43)Dianes Colby (1985): Biochemistry: Asynopsis. Middle Ease Edition Medical Publication Los Altos , California. Pp 64 140.

(44)William F. Ganong (1991): Review of Medical Physiology. 15th Edition. Appleton & Lange , Los Altos , California.

(45)S. M. A Abbas and A. H. Basahmah (1986): Effcts Of Ramadan Fast On Male Fertility. Archives Of Andorology. 16: 161-166.

(46) نجيب الكيلاني: الصوم والصحة، مؤسسة الرسالة (بيروت) ط1، 1987م.

(47) د/ آلان كوت: دراسة حول الصوم الطبي النظام الغذائي الأمثل، إعداد فاروق آقبيق وآخرين، مؤسسة الإيمان ( بيروت) ط2، 1407هـ / 1987م.

(48)S. M Bakir , (1991): Can Fasting in Ramadan Help in Some Peripheral Vascular Diseases ? JIMA, Vol. 23: 163-164.

(49) الجهاز العصبي الودي، أو التعاطفي، أو السمبثاوي، يمثل جزءاُ من الجهاز العصبي الذاتي وهو يعصب العضلات المخططة وغدد الجسم المختلفة، تترك أعصابه الحبل الشوكي في الجهة السفلية وتذهب إلى سلسلة من العقد العصبية الموجودة على كلا جانبي العمودي الفقري، أو إلى عقدة وسيطة موجودة في المساريقا، وبالتالي إلى الأحشاء (المحرر العلمي).

(50) د. م. / منيب بيجين: بيوكيماوي (كيمياء حيوية) على صوم رمضان. نشرة الطب الإسلامي، العدد الثالث، أعمال وأبحاث المؤتمر العلمي الثالث عن الطب الإسلامي ( منظمة الطب الإسلامي بالكويت) 1405هـ / 1984م – ص 384- 390.

(51) المرجع السابق.

(52)William F. Ganong (1991): Review of Medical Physiology. 15th Edition. Appleton & Lange , Los Altos , California.

(53) المرجع السابق.

(54) د. م. / منيب بيجين: بيوكيماوي (كيمياء حيوية) على صوم رمضان. نشرة الطب الإسلامي، العدد الثالث، أعمال وأبحاث المؤتمر العلمي الثالث عن الطب الإسلامي ( منظمة الطب الإسلامي بالكويت) 1405هـ / 1984م – ص 384- 390.

(55)William F. Ganong (1991): Review of Medical Physiology. 15th Edition. Appleton & Lange , Los Altos , California.

(56) المرجع السابق.

(57) الميتوكوندريا: هي جسيمات سيتوبلازمية غنية بالصبغين ( كروماتين) يكن في جبلة الخلية مصدراً لحبيباتها، أي لتكن حبات النشا وغيرها... وتنتشر هذه السبحيات في أنحاء السيتوبلازم، وتعمل كمصدر لطاقة في الخلية. حيث تحصل فيها تفاعلات التأكسد التي تمد عمليات الخلية المحتاجة لطاقة بحاجتها من أكسدة الغذاء في الخلية ( المحرر العلمي).

(85)Al-Hadramy M. S. , Zawawi T. H. , Abdelwahed S. M. (1988): Altered Cortisol Level in Relation to Ramadan. Eur. J. Clin. Nutr 42: 359-362.

(59) نجيب الكيلاني: الصوم والصحة، مؤسسة الرسالة (بيروت) ط1، 1987م.

(60) المرجع السابق.

(61) الحركة الدودية (Peristalsis) هي بالفصحى العربية، ( التمعج)، وهي حركة تموجية منتظمة ومتقدمة تحدث في الأمعاء وغيرها من أنابيب الجسم، نتيجة لتقص عضلاتها الطولية والعرضية، وهي في الأمعاء تحدث لدفع المواد الغذائية باتجاه المستقيم، ثم منطقة الإست ( المحرر العلمي).

(62) د/ حكمت عبد الكريم فريحات: الوجيز في علم وظائف الأعضاء، دار البشير ( عمان) ط1، 1407هـ / 1986م. ص 201-233.

(63)William F. Ganong (1991): Review of Medical Physiology. 15th Edition. Appleton & Lange , Los Altos , California.

(64) الأدرينالين هو الكظرين، وهو هرمون ينتج من اللب الكظري في الحيوان وفي الإنسان، وتفرزه بعض نهايات الأعصاب التعاطفية حيث يتعرض الجسم لضغط نفسي، يؤدي إفرازه في تيار الدم إلى ارتفاع مستوى السكر في الدم، والإسراع من ضربات القلب، وانقباض الشرايين الدموية الدقيقة، واتساع حدقة العين، وأحداث أخرى (المحرر العلمي).

(65) د. م. / منيب بيجين: بيوكيماوي (كيمياء حيوية) على صوم رمضان. نشرة الطب الإسلامي، العدد الثالث، أعمال وأبحاث المؤتمر العلمي الثالث عن الطب الإسلامي ( منظمة الطب الإسلامي بالكويت) 1405هـ / 1984م – ص 384- 390.

(66) د/ عبد الله عبد الرزاق السعيد: الرطب والنخلة، الدار السعودية للنشر والتوزيع، ط1، 1405هـ - 1985م، ص 107- 145.

(67) التناضح (Osmolarity) هو الدفع أو التحال، وهو تبادل يحصل بين محلولين كثافتيهما مختلفين، يفصلهما عن بعضهما البعض غشاء عضوي نفاذ، ويظل التبادل جارياً فيما بينها حتى يتجانسا، وإذا كان المحلول الأقل كثافة ينتقل إلى الأكثر كثافة سميت العملية: تناضجاً داخلياً (Endoosmosis)، وإذا حدث العكس سميت: تناضجاً خارجياً (exoosmosis) وهو (الدافع)، على اساس أن المقطع Osmosبالإغريقية يعني Pushبالإنجليزية، أي ( الدفع) بالعربية ( المحرر العلمي).

(68)K. Y. Mustafa, N. A. Mohamoud , K. A Gumaa and A. M. Gader (1978): The Effects of Fasting in Ramadan on Fluid and Electrolyte Balance Br. J. Nutr. 40: 583-589.

(69) هـ. م. شيلتون. التداوي بالصوم، ترجمة ونشر دار الرشيد، ط 2، 1407هـ / 1987م. دمشق وبيروت.

(70) الغدة النخامية، أو الجسم النخامي، يسميها البعض: ( الغدة النخامية)، وهي غدة صماء صغيرة بيضية الشكل، تقلع في قاعدة الدماغ، وتفرز هرمونات تسيطر على بقية الغدد الصم الأخرى بالجسم، وتأثيرها في ضبط النمو مشهور، تتألف هذه الغدة من فصين بينهما جزء متوسط ضيق يسمى: ( المنطقة المتوسطة)، ويختلف الفصان عن بعضهما، مظهراً وتركيباً ووظيفة.. ويفرز الفص الأمامي هرموناً ينظم نمو العظام، فإذا زاد تضخمت العظام، خاصة عظام اليدين والقدمين والفك السفلي، وإذا نقص سبب قصر القامة، وأما الفص الخلفي فيفرز مادة النخامين (Pituitrin) التي تعمل على انقباض الرحم، خاصة وقت الحمل، كما يسهل الولادة ويوقف النزيف بعدها، ويشترك في إدرار الحليب للوليد، كما يعمل على رفع ضغط الدم وعلى فيض العضلات غير الإرادية كجدران المثانة أثناء التبول، وجدران الشعب الرئوية أثناء التنفس، وجدران الأمعاء أثناء البترزن ويتحكم في عضلات الثدي أثناء عملية الرضاعة ( المحرر العلمي).

(71) د. م. / منيب بيجين: بيوكيماوي (كيمياء حيوية) على صوم رمضان. نشرة الطب الإسلامي، العدد الثالث، أعمال وأبحاث المؤتمر العلمي الثالث عن الطب الإسلامي ( منظمة الطب الإسلامي بالكويت) 1405هـ / 1984م – ص 384- 390.

(72) المرجع السابق.

المصادر والمراجع

1- الحديث رواه مسلم 2/807 رقم 163، وأحمد 2/283، والنسائي 4/1163.

2- Riyad Albiby and Ahmed Elkadi: A preliminary Report on Effects of Islamic Fasting on Lipoprotens and Immunity. JMA, vol , 17 188 page 84.

3- د/ عبد الجواد الصاوي: الصيام معجزة علمية ص 123 و144. 1413هـ / 1992، ط1، دار القبلة.

4- د/ فاهم عبد الرحيم وآخرون: تأثير الصيام الإسلامي على مرض الكلى والمسالك البولية، نشرة الطب الإسلامي، العدد الرابع، أعمال وأبحاث المؤتمر العالمي الرابع عن الطب الإسلامي ( منظمة الطب الإسلامي بالكويت) 1407 هـ 1986م ص 707 – 714.

5- K. Inesh Beitins , Thomas , Badger et. al (1981): Reproductive Function During Fasting – Men. j of Clin Endocrin and Metabol. 53: 258-266.

6- محاسن التأويل للقاسمي 2/87.

7- jalal Saour: Does Ramadan Fasting Complicate Antcoagulant Therapy? Fasting: Its Efects on Gealth and Diseases Basic Priniciples and Clinical Practive (Abstracts). College of Medicine King Saud University , Riyadh, December 1990.

8- Sulimami R. A. Famuyiwa F. O. Laaga M. A. (1988): Diabetes Mellitus and Ramadan Fasting: the Need for Critical Appraisal. Diabetes Medicine 8: 549-552.

9- S. M Bakir , (1991): Can Fasting in Ramadan Help in Some Peripheral Vascular Diseases ? JIMA, Vol. 23: 163-164.

10- A N N. Mariuden, I. Trang, N veniselos, and Pamblad (1983): Neutrophil Functions and Clinical Prformance After Total Fasting in Patients with Rheumatis. Annals of Rheumatic Diseases. 42: 45-51.

11- Muzam MG,. Ali M. N. and Husain A. (1963): Observations on the Effects Of Ramadan Fasting On Gastric On Gastric Acidity , the Medicus 25: 228.

12- Prentice, A. M. Prenctice, A. Lamd W. H: Lunn p. G. (1983): Austins. Hum Nutr Clin Nur , 37 (4) 283-94.

13- M. Y. Sukkar h. A. Elmunshid and M. S. M Ardawi (1993): Concis Human Physiology: Blackwell Scientific Publications , Oxford. Pp. 175-181.

14- Hasan Nasrat and Mansour Suliman (1987): Efact Of Ramadan Fast-ing on Plasma Progesercne and Prolactin. Islamic International Conference on Islamic legalation & the Current Medical Problems 2-3 Fib. 1987 Cairo Egypt.

15- S. M. A Abbas and A. H. Basahmah (1986): Effcts Of Ramadan Fast On Male Fertility. Archives Of Andorology. 16: 161-166.

16- دليل جديد على الإعجاز العلمي لحديث ( صوموا تصحوا)، وآية { وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ }. د/ أحمد القاضي، معهد الطب الإسلامي للتعليم والبحوث. (بنماسيتي – فلوريدا – الولايات المتحدة).

17- التفسير الكبير للرازي 20/82 ط 3 دار الباز.

18- J. Hywel Thomas and Brian Gallaham, Will`s Biochemical Basis of Medicine , 2nd Edition (1989) , London pp. 97-114. 272-97.

19- د. م. / منيب بيجين: بيوكيماوي (كيمياء حيوية) على صوم رمضان. نشرة الطب الإسلامي، العدد الثالث، أعمال وأبحاث المؤتمر العلمي الثالث عن الطب الإسلامي ( منظمة الطب الإسلامي بالكويت) 1405هـ / 1984م – ص 384- 390.

20- William F. Ganong (1991): Review of Medical Physiology. 15th Edition. Appleton & Lange , Los Altos , California.

21- J. Hywel Thomas and Brian Gillham (1989): Will`s Biochemical Basis of Medicine , 2nd Edition London.

22- د/ حامد محمد حامد: رحلة الإيمان في جسم الإنسان، دار القلم ( دمشق) ط1، 1411هـ / 1991م.

23- القرآن الكريم.

24- نجيب الكيلاني: الصوم والصحة، مؤسسة الرسالة (بيروت) ط1، 1987م.

25- M. Y Sukkar. H. A. El-munshid and M. S. M Ardawi (1993): Concise Human Physiology: Blackewell Scientific Publications , Oxford. Pp. 175-181.

26- DianesColby (1985): Biochemistry: Asynopsis. Middle Ease Edition Medical Publication Los Altos , California. Pp 64 140.

27- د/ آلان كوت: دراسة حول الصوم الطبي النظام الغذائي الأمثل، إعداد فاروق آقبيق وآخرين، مؤسسة الإيمان ( بيروت) ط2، 1407هـ / 1987م.

28- Al-Hadramy M. S. , Zawawi T. H. , Abdelwahed S. M. (1988): Altered Cortisol Level in Relation to Ramadan. Eur. J. Clin. Nutr 42: 359-362.

29- د/ حكمت عبد الكريم فريحات: الوجيز في علم وظائف الأعضاء، دار البشير ( عمان) ط1، 1407هـ / 1986م. ص 201-233.

30- د/ عبد الله عبد الرزاق السعيد: الرطب والنخلة، الدار السعودية للنشر والتوزيع، ط1، 1405هـ - 1985م، ص 107- 145.

31- K. Y. Mustafa, N. A. Mohamoud , K. A Gumaa and A. M. Gader (1978): The Effects of Fasting in Ramadan on Fluid and Electrolyte Balance Br. J. Nutr. 40: 583-589.

32- هـ. م. شيلتون. التداوي بالصوم، ترجمة ونشر دار الرشيد، ط 2، 1407هـ / 1987م. دمشق وبيروت.



العنوان: رد: تعالوا نـــــَـــعــــــــش مع صفحة .........
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2008-10-27, 10:40:40
وهذه جملة من الفوائد الصحية للصيام ، ممثلة في الصورة التالية :
فضلا انقروا على الصورة المرفقة لتبدو كاملة ومن بعدها كبروها بأيقونة التكبير الكائنة أسفلها




العنوان: رد: تعالوا نـــــَـــعــــــــش مع صفحة .........
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2008-10-27, 11:13:43
***********************درر  نــــــَـــــــــــثْر درة  ****************************************

أسأل الله سبحانه أن يجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأن يرينا الحق حقا ويرزقنا اتباعه ويرينا الباطل باطلا ويرزقنا اجتنابه وأن يجعلنا من المتدبرين المنتفعين المهتدين بالقرآن الكريم ، المتقين الذين قال فيهم سبحانه وتعالى :
ألم ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين

وأحاول قدر ما وسعني فهمي البسيط الذي إن أصبت به فمن الله وإن أخطأت فمن نفسي ومن الشيطان أن أضع بعض الفوائد التي نخرج بها من كل صفحة مباركة ، وصفحتنا التي عشنا معها ودرّتنا التي تنثر علينا الدرر هي :

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ(183) أَيَّاماً مَّعْدُودَاتٍ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ وَأَن تَصُومُوا خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (184)شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ القُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ اليُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ العُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا العِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (185)وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُم يَرْشُدُونَ(186)

1- الصيام فرض فرضه الله على أمة محمد صلى الله عليه وسلم كما فرضه على الأمم من قبلها ، فقد فرض على أهل الكتاب كلهم .
2-الغاية العظمى من الصيام والثمرة التي يرجى للمؤمن قطفها منه هي التقوى ، تقوى الله عز وجل إذ هو تربية للنفس عليها بتعويدها على إتيان المحاب وترك المساخط من القول والفعل .
3-فرض الصيام مخفَّف على المؤمنين ابتداء، إذ أنّ أول التخفيف كونه أياما معدودات فلم يكن أشهرا متواصلة ولا دهرا .
4-المريض والمسافر معذوران ومخفف عنهما بالإفطار والقضاء عند الإقامة ، وهو تخفيف ثان
5-الذين لا يتحملون مشاق الصيام من حُبلى ومرضع وشيخ مخفف عنهم بأن يفتدوا إطعام مسكين عن كل يوم وهو تخفيف ثالث
6-رمضان والقرآن مترابطان لا ينفصلان ، فهو شهر القرآن وأحب العبادات فيه وأهمها القرآن من حفظ وتلاوة ومدارسة ، وإذ أن البرّ كله والخير كله هو القرآن يمضي أقوالا ويمشي أفعالا .
7-القرآن هدى لكل البشر ومحمد صلى الله عليه وسلم الذي بعث به  رحمة للعالمين .
8-من شهد الهلال وحضر إعلانه وجب عليه الصوم.
9-ويعاد ذكر التخفيف على المريض والمسافر بالقضاء أياما أخرى .
10-الله يريد اليسر بعباده ولا يريد بهم العسر وهو الذي يعلم ضعف النفس ويريد أن يخفف عنها ، الإسلام دين يسر وتيسير وملاءمة لأحوال  النفس المتقلبة بين الضعف والقوة والصحة والمرض .
11- التيسير مراد به إكمال العدة من الفرض وألا يكون منقوصا وفي هذا مساواة بين الناس مع تخفيف عليهم حين عدم مقدرة  ولكن عند المقدرة يكمل المؤمن عدة فرضه وإلا وقع في فخ التكاسل والاستسهال
12- غاية التيسير تكبير بعد إكمال عدة الصيام ، على ذلك الفرض العظيم الذي يربي في النفس التقوى ويعودها عليها...تكبير الله على ما هدى المؤمنين إليه من هدى ومن أوجه الخير العميم .
13-الشكر وهو الطاعة الغاية التي على المؤمن أيضا  بلوغها وهي الوسيلة التي يستزيد بها الخير من العلي الكبير .

فالتيسير إذن غايته ثلاثية الأبعاد :   13 +12 +11  = إكمال العدة لتعظيم شعائر الله +تكبير الله تعالى على هداه+شكر الله تعالى على تفضله

14-الله سبحانه قريب مجيب لا وساطة بينه وبين عباده
15-الله سبحانه هو المعبود الذي يجب له التوجه بإخلاص تام .
16-الله تعالى لا يرد عبدا من عباده المخلصين خائبا إذا دعاه في حاجة.
17- وجوب طاعة الله والإخبات لأمره والإيمان الخالص به من أجل بلوغ صفة الرشاد


18-الرشاد هو الصلاح في الدين لإصلاح الدنيا به .

19-المؤمنون المسلمون قوم مطيعون لله ولرسوله متبعون لأوامره سبحانه مقتدون بهدي نبيهم صلى الله عليه وسلم بينما غيرهم تائهون يرتضون حكم العباد على حكم رب العباد .
العنوان: رد: تعالوا نـــــَـــعــــــــش مع صفحة .........
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2008-11-02, 08:12:21
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أهلا بكم إخوتي لنعيش سوية مع صفحة جديدة  emo (30):، ومع درة جديدة من درر قرآننا العظيم ، نعيش بما ييسر لنا الله تعالى من سبل البحث والتنقيب والتأمل والتدبر والتساؤل ، متنقلين بين شتى المجالات التي تكون لها صلة بكلمات الآيات الكريمات المزيّنات صفحة من صفحات كتابنا العظيم وكنزنا الثمين قرآننا طبّ قلوبنا ، ونور أبصارنا وبصائرنا ومنهج حياتنا ....

نسأله سبحانه وتعالى العيش معه، والعيش له، والعيش به....

واليوم مع الصفحة رقم 29 من سورة البقرة العظيمة الجليلة الحبيبة ، هذه السورة الشاملة الجامعة التي تنقل لنا أحسن القَصص تعلمنا أحسن العبر ، وتبيّن لنا أسمح الأحكام والتشريعات السماويّة الحكيمة ....

لنستذكر سوية يا إخوتي أننا ومع آية البرّ "ليس البرّ أن تولوا وجوهكم .......... وأولئك هم المتقون" نكون قد دخلنا في هذه السورة إلى ساحة التشريعات السماوية والأحكام التنظيمية للمجتمع المسلم ، فمررنا بحكم القصاص ، ثم حكم الوصية ، ثم انتقلنا إلى الصفحة الموالية مع فرضية الصيام وأحكامه ، وكيف أنه ميسّر على المؤمنين ابتداء ، ثم حالات تيسيره على العاجزين ، ثم وصولا إلى الآية العظيمة الخاتمة لتلك الصفحة ، آية يبين فيه المولى عز وجل قربه من عباده وأنه المجيب ، ودعوة العباد إلى الاستجابة أيضا بالسمع والطاعة بغية بلوغهم مبلغ الرشاد ....
واستخلصنا أنّما الرشاد هو صلاح دين المرء ليصلح به دنياه

واليوم نبدأ مع الآيات الكريمات المنتظمات بالصفحة رقم 29 من المصحف الشريف

أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنكُمْ فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي المَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ(187)وَلاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقاً مِّنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ(188) يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ وَلَيْسَ البِرُّ بِأَن تَأْتُوا البُيُوتَ مِن ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ البِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُوا البُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ(189)وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ المُعْتَدِينَ (190)

وكما ترون نواصل مع آيات الصيام ،

وقد ختمنا فرضيته مع الصفحة السابقة بقوله تعالى :
شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ القُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ اليُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ العُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا العِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (185)وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُم يَرْشُدُونَ(186)

ننتقل بعدها إلى حكم آخر وتيسير آخر وبيان آخر ، يخفّف عن المؤمنين، ويبسط لهم في الأمر بسطا، فلا مجال للقول بأن الإسلام دين تعسير وتحريم، وغلق المتَنَفَّسات على العباد، بل هو دين الرحمة بهم، ودين يعلم جاعله خبايا النفس البشرية ويضع ما يوائم ضعفها ويتماشى وطبائعها ولا يخرج عن الفطرة بل يوازيها موازاة ....

كان المؤمنون أول فرض الصيام لا يقبلون على أكل أو شرب أو جماع من بعد صلاة العشاء ونومهم ، حتى أنّ أحد الصحابة لم يجد وقت الإفطار عند امرأته أكلا ، فغلبه النوم ثم صحا، ولم يحلّ له طعام أو شراب،فواصل يومه التالي صائما حتى بلغ أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما أنّ عمر رضي الله عنه قدم إلى امرأته ليجامعها فتخبره أنها نامت ، فيظنّها تتعلل ، فيقع بها، ثم يغتسل وهو يبكي ويؤنب نفسه، ويمضي إلى رسول اله صلى الله عليه وسلم يحكي له ما كان منه، ويقر بذلك عدد من الصحابة أيضا .....

إبن صرمة الأنصاري كان صائماً فلما حضر الإفطار أتى امرأته فقال: هل عندك طعام قالت لا ولكن أنطلق فأطلب لك وكان يومه يعمل فغلبته عيناه وجاءته امرأته فلما رأته قالت: خيبة لك فأصبح صائماً فلما انتصف النهار غشي عليه فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فنزلت هذه الآية (أُحِلَّ لَكُم لَيلَةَ الصِيامِ الرَفَثُ إِلى نِسائِكُم) ففرحوا بها فرحاً شديداً رواه البخاري عن عبد الله بن موسى عن إسرائيل.
أخبرنا الحسن بن محمد الفارسي قال: أخبرنا محمد بن الفضل قال: أخبرنا أحمد بن محمد بن الحسن الحافظ قال: حدثنا محمد بن يحيى قال: حدثنا هشام بن عمار قال: حدثنا يحيى بن حمزة قال: حدثنا إسحاق بن أبي قدوة عن الزهري أنه حدثه عن القاسم بن محمد قال: إن بدء الصوم كان يصوم الرجل من عشاء إلى عشاء فإذا نام لم يصل إلى أهله بعد ذلك ولم يأكل ولم يشرب حتى جاء عمر إلى امرأته فقالت: إني قد نمت فوقع بها وأمسى صرمة بن أنس صائماً فنام قبل أن يفطر وكانوا إذا ناموا لم يأكلوا ولم يشربوا فأصبح صائماً وكاد الصوم يقتله فأنزل الله عز وجل الرخصة قال (فَتابَ عَلَيكُم وَعَفا عَنكُم) الآية.(1)

والرفث لغة هو
رفَث إلى امرأتهِ يرفُث،وقيل الرفث بالفعل الجماع. وباللسان المواعدة للجماع. وقيل وأصلهُ في اللغة المحادثة الداعية إلى الجماع ومقدماتهِ  (2)

وقد عدّي بـ "إلى"لتضمنه معنى الإفضاء ، وهو من الكنايات الحسنة كقوله تعالى : "فلما تغشاها" وقوله "فاتوا حرثكم"  قال ابن عباس إن الله عز وجل كريم حليم يكني (3)

هنّ لباس لكم وأنتم لباس لهنّ  استعارة بديعة شبه كل واحد من الزوجين بالالباس المشتمل على لابسه قال في تلخيص البيان : المراد قرب بعضهم من بعض واشتمال بعضهم على بعض كما تشتمل الملابس على الأجسام فاللباس إستعارة(4)

لنتأمل يا إخوتي ......أليس اللباس يعني الستر ؟؟ أليس يعني التصاقه بصاحبه ، أليس يعني شيئا لا يستغني عنه صاحبه ؟ أليس يعني عدم تصوّر الحال من غيره؟؟
أليس يعني ثقة في النفس ورباطة والمرء مستور يغدو ويروح بين الناس غير مكشوف ؟؟؟
هل نستطيع تصوّر أنفسنا من غير لباس ؟؟؟
ترى كيف يكون الحال؟؟؟ الموت أهون من انكشاف أمام الناس بلا لباس ..... إننا أيها الإخوة والنّعم على علاقة الذي تعوّد، فإن التعوّد ينسيك وزن النعمة ، وأنت تعيش بها ولا تفتقر إليها .... فالشمس تضيئ وتبعث الحرارة والدفئ والسكينة على الأرض، ولكننا لا نلتفت إليها كل يوم نغمرها بنظرات حب وعرفان ....وإنما نغفل عنها ونلتفت إلى اللهث خلف مصالحنا والله سخّرها لنا تمدنا بأسباب الحياة...
وكذلك كل نعمة هي جزء من حياتنا ، نغفل عن وزنها ، إلا إذا تأملنا رأيناها وكأننا نراها لأول مرة ....

ويالسرّ نظرة الطفل الغرير الرضيع الذي بدأ يبصر ويدقق النظر في كل ما حوله .... وكأنه وحده بنظراته المتأملة تلك يتعرف إلى وزن النعم في ها الوجود، ويعطيها حقّ قدرها، فلايكاد يرجع البصر من شيء يرمقه وهو مبهور به ....

كذلك اللباس ............. فلنتأمل قيمة اللباس للإنسان ...وهكذا يمثل المولى عز وجل الزوج لزوجته والزوجة لزوجها باللباس يغطي ، ويستر ويلتصق ويبعث الثقة والأمان والطمأنينة والسكينة ، ومن المفسرين من يقول أنها بمعنى السكينة بعضهم لبعض

والرفث مقدمات المباشرة , أو المباشرة ذاتها , وكلاهما مقصود هنا ومباح . . ولكن القرآن لا يمر على هذا المعنى دون لمسة حانية رفافة , تمنح العلاقة الزوجية شفافية ورفقا ونداوة , وتنأى بها عن غلظ المعنى الحيواني وعرامته , وتوقظ معنى الستر في تيسير هذه العلاقة:
هن لباس لكم وأنتم لباس لهن . .
واللباس ساتر وواق . . وكذلك هذه الصلة بين الزوجين . تستر كلا منهما وتقيه . والإسلام الذي يأخذهذا الكائن الإنساني بواقعه كله , ويرتضي تكوينه وفطرته كما هي , ويأخذ بيده إلى معارج الارتفاع بكليته . . الإسلام وهذه نظرته يلبي دفعة اللحم والدم . وينسم عليها هذه النسمة اللطيفة , ويدثرها بهذا الدثار اللطيف . . في آن . .  (5)

وبهذا أيها الإخوة يحلّ الله للمؤمنين من بعد أن لم يكن لهم تفصيل في وقت إباحة العلاقة الزوجية وإباحة المأكل والمشرب، أحلّ لهم الإفضاء إليهنّ ليلة الصيام بدءا من المغرب إلى طلوع فجر اليوم التالي


 



******************************
1-أسباب النزول للواحدي
2-لسان العرب
3-روائـــــــــــع البــــــــيان
4-الكشاف للزمخشري
5-الظلال لسيد قطب


العنوان: رد: تعالوا نـــــَـــعــــــــش مع صفحة .........
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2008-11-02, 10:18:46
علم الله أنكم  كنتم تختانون أنفسكم فتاب عليكم وعفا عنكم   

اختان يختان بمعنى خان ، وهي بمعنى الغدر وعدم الإخلاص، فخيانة أنفسهم هي ضعفهم من قبل أن يحدد لهم مجال حلّ إتيان نسائهم، ومصارحة بعضهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم كانوا يأتون نساءهم وقد ناموا بعد إفطارهم، أنزل الله أنه علم أنهم كانوا يختانون أنفسهم ، فينقصون الأجر عليها، علم سبحانه بضعفهم وقلة صبرهم فأباح لهم وهو تيسير آخر، لحكمته سبحانه وتعالى لم يحدّد لهم المجال فورا مع فرض الصيام لحكمة منه سبحانه،أحلّلهم هذا الأمر تيسيرا آخر على التيسير يعلّمهم أنه سبحانه يريد أن يخفف عنهم
وهو القائل عزّ من قائل :
يريد الله أن يخفّف عنكم وخلق الإنسن ضعيفا النساء28

فها هي خلقته الضعيفة تنمّ عن نفسها وتنطق عن نفسها، وها هو سبحانه العالم بها وهو خالقهم بهذا الضعف يخفف عنهم، فلا يكلفهم ما لا يطيقون وإنما يريد بهم رحمة وشفقة ويريد بهم اليسر ولا يريد بهم العسر ، فتاب سبحانه عليهم وعفا عنهم، وهو التواب الرحيم العفوّ الكريم
وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ.   الشورى 25

فالآن باشروهنّ وابتغوا ما كتب الله لكم

والأمر هنا بالمباشرة ، الآن وهي ظرف زمان يعني الوقت الحاضر ، وهي عند الحكماء نهاية الماضي وبداءة المستقبل به ينفصل أحدهما عن الآخر (1)


الآن أحلّ الله لهم من بعد ما عاينوا اختيانهم أنفسهم بأنفسهم،أمر بأن يباشروهنّ مع وصل وعطف بأمر آخر لصيق بهذا وهو ابتغاء ما كتب الله لهم، ويوقول جمهور المفسرين أنّ ابتغاء ما كتب الله هو الولد الولد الذي هو غاية كبرى من غايات هذه العلاقة الحميمية بين النصفين بين الزوج وزوجته اللذان جعلهما المولى سبحانه سببا في وجوده ....

ابتغوا هذا الذي كتبه الله لكم من المتعة بالنساء , ومن المتعة بالذرية , ثمرة المباشرة . فكلتاهما من أمر الله , ومن المتاع الذي أعطاكم إياه , ومن إباحتها وإتاحتها يباح لكم طلبها وابتغاؤها . وهي موصولة بالله فهي من عطاياه . ومن ورائها حكمة , ولها في حسابه غاية . فليست إذن مجرد اندفاع حيواني موصول بالجسد , منفصل عن ذلك الأفق الأعلى الذي يتجه إليه كل نشاط .
بهذا ترتبط المباشرة بين الزوجين بغاية أكبر منهما , وأفق أرفع من الأرض ومن لحظة اللذة بينهما . وبهذا تنظف هذه العلاقة وترق وترقى . . ومن مراجعة مثل هذه الإيحاءات في التوجيه القرآني وفي التصور الإسلامي ندرك قيمة الجهد المثمر الحكيم الذي يبذل لترقية هذه البشرية وتطويرها , في حدود فطرتها وطاقتها وطبيعة تكوينها . وهذا هو المنهج الإسلامي للتربية والاستعلاء والنماء . المنهج الخارج من يد الخالق . وهو أعلم بمن خلق , وهو اللطيف الخبير .  (2)


ويكمل سبحانه في سياق هذا التحليل وهذا الحكم والأمر الربانيّ ما يبيّن الحدود ويضع المجال الزمنيّ الذي يباح فيه، فهو ليس صياما مستمرا عن المباح من الشهوات ولا هو خروج عن الفطرة البشرية في قدرة التحمّل يكمل شطر الآية بقوله تعالى :

وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الفَجْرِ  

فيتضح هنا هذا المجال الزمنيّ المحدّد لإباحة المباشرةوالأكل والشرب ، حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ....
ولنلاحظ أيها الإخوة ولنتأمل أنه سبحانه في الصيام يرقى بالنفس البشرية عن كل شهوة أرضية، عن كل غريزة فالجوع والعطش غريزة، والشهوة الجنسية غريزة، لا مفرّ منهما ومن وجودهما في النفس ، ولكنها غرائز حددت لها الحدود ووضعت لها القوانين التي تجعلها سَلَمًا لصاحبها ،وتنأى به عن الحيوانية، تميّزه عن الحيوان الذي هو أيضا يأكل ويشرب ويشبع غريزته الجنسية، يقيدها بقيود ويجعل لها حدودا قيّمة بدين القيّمة، يجعل لها أبواب تحلّها ويغلق دونها ما يجعلها منطلقة بلا حدود فتفقد الإنسان ميزته، وتفقده كرامته وتفقده أفضليته على خلق الله سبحانه ....

الصيام تدريب للنفس على مقاومتها ومجاهدتها حتى فيما هو حلال طيب، الزوجة لزوجها حلال والزوج لزوجته حلال ، الأكل والشرب من حلال ، ولكن الصيام يمنعها كلها ، ويحرّمها في مجال زمني يشبّهه في ذلك بالملائكة الذين هم خلق الله تعالى من نور لا يأكلون ولا يشربون ولا يتزاوجون، لا يعصون الله ما أمرهم ويسبحونه لا يفترون ..... الصيام وفترة الصيام ترقى بالإنسان إلى عالم نوراني،عالم يجعله أسمى فأسمى فأسمى، تدربه على التحمّل والصبر ودفع نوازع الشهوة فيه، تدربه على الرقيّ من عالم التراب إلى عالم الروح في فترة.......هو مخلوق من تراب ونفخة من روح الله ، الصيام يقربه إلى عالم الروح أكثر ويبعده عن عالم المادة وعن عالم الشهوة ......

ولكنه لا يطيل به حتى ينفذ صبره، لا يطيل به حتى ينفجر متحوا من النقيض إلى النقيض ، وإنما هو دين الوسطية، دين لا يغالي في هذه ولا يغالي في تلك،دين يعلمنا أن للروح غذاء وللجسم غذاء، يعلمنا أنّ الروح تطلب، والجسم يطلب، عالم يؤلف بين مطالب هذه ومطالب تلك ولا يبخس كليهما حقا، دين رقيه وروعته وسموّه وميزته وسَمْتُهُ في هذه الألفة التي يحدثها بين الشقّين، دين علم وإيمان، دين عقل وقلب دين جعله المولى الخالق الذي خلق كل شيء ، جعله ليتواءم وكلّ شيء

وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر  ...... يجب أن نأخذ هذه الكلمات المتتاليات غير منقطعة ولا منفصلة، فالأكل والشرب وقد وصلهما الله تعالى بالمباشرة الزوجية مجالها الزمنيّ حتى يتبيّن الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر، فالمؤمن يفطر من صيامه وقت غروب الشمس، ويمسك عن مأكل ومشرب وجماع مع طلوع الفجر ، وذاك هو الخيط الأبيض الذي يتبيّن من الخيط الأسود ......... إنه من الفجر

ويجوز ان تكون ( من ) للتبعيض لأنه بعض الفجر وأوله(3)

وفي سبب نزول هذه الآية وكيف لم ينزل لفظا "من الفجر " جاء :

أخبرنا سعيد بن محمد الزاهد قال: أخبرنا جدي قال: أخبرنا أبو عمرو الحيري قال: حدثنا محمد بن يحيى قال: حدثنا ابن أبي مريم قال: أخبرنا أبو حسان قال: حدثني أبو حازم عن سهل بن سعد قال: نزلت هذه الآية (وَكُلوا وَاِشرَبوا حَتّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الخَيطُ الأبيَضُ مِنَ الخَيطِ الأسوَدِ) ولم ينزل (مِنَ الفَجرِ) وكان رجال إذا أرادوا الصوم ربط أحدهم في رجليه الخيط الأبيض والخيط الأسود فلا يزال يأكل ويشرب حتى يتبين له زيهما فأنزل الله تعالى بعد ذلك (مِنَ الفَجرِ) فعلموا أنما يعني بذلك الليل والنهار رواه البخاري عن ابن أبي مريم. ورواه مسلم عن محمد بن سهل عن ابن أبي مريم.(4)

كما روي أن بعضهم كان يعقد خيطين أبيض وأسود ويضعهما تحت وسادته ويبيت يرقب تبين الأبيض من الأسود ، فذهب أحدهم يخبر الرسول صلى الله عليه وسلم بما فعل ، فضحك صلى الله عليه وسلم وقال: إن كان وسادك إذا لعريض إنما ذاك بياض النهار من سواد الليل ......


والآن تأملوا معي أيها الإخوة الكرام هذا الغوص اللغوي الجميل في قوله تعالى "حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر" ، وسأضع لكم خلاصة هذا التأمل

يرد السؤال لماذا أخرج المعنى عن الاستعارة ودخل في باب التشبيه البليغ والاستعارة أبلغ وأدخل في الفصاحة ؟ ويقصد هاهنا أنه لم تبق "يتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود" وحدها بل زيد لها "من الفجر" والتي خرجت بها عن الاستعارة ، فتجيب اللغة هنا ، أنّ من شرط المستعار أن يدل عليه الحال أو الكلام ولو لم يذكر

لا يفهم منه المراد إذ ليس باستعارة لفقد الدلالة ولا بتشبيه قبل ذكر الفجر فلا يفهم منه إذن الا الحقيقة وهي غير مرادة، أي لا يفهم منه قبل التوضيح إلا ما قد بدا من عبارتي خيط أبيض وخيط أسود

وسبحان الله على هذه اللغة العظيمة التي تفصح عن الحق أكبر إفصاح ، وتبين أكبر بيان



 

*****************
1-لسان العرب
2-في ظلال القرآن لسيد قطب
3-الكشاف للزمخشري
4-أسباب النزول للواحدي
العنوان: رد: تعالوا نـــــَـــعــــــــش مع صفحة .........
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2008-11-02, 13:11:47
ثمّ يتبع هذا بقوله تعالى :

ثم أتموا الصيام إلى الليل  ليزداد الأمر اتضاحا بأن المجال الزمني هو من بداية الفجر إلى غروب الشمس، وغروب الشمس بداية الليل، والصيام هنا لو نلاحظ يعطى تعريفه من خلال انسياب هذه الآيات التي عرضنا إليها، فقد جاء إحلال مقاربة الأزواج لزوجاتهن من الله تعالى وتحليل الأكل والشرب في فترة ما بعد المغرب إلى طلوع الفجر ، وبالأضداد تعرف الأشياء، لنعرف مع سياق الإحلال معنى الصيام وفيه الإمساك عن هذا الحلال الذي بيّن ، يعني الإمساك عن الأكل والشرب والجماع مع نية

ولنلاحظ أيها الإخوة الأفاضل ....لنتأمل سوية قوله سبحانه وكلوا واشربوا حتى ....تأملوا "حتى" هنا ، تأملوا معناها وهي هنا حرف جرّ تؤدي غاية الانتهاء ، حتى يتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود ..... والجملة الفعلية من "يتبين ........إلى من الفجر" في محل جرّ اسم كأن نقول "حتى تبيّن الخيط الأبيض من ........"

إذن فغايتها الانتهاء جاءت لانتهاء مجال الأكل والشرب والجماع ............جاءت للتوقيف عن هذا وهي أيضا ضمنيا إذ شملت التوقيف والانتهاء شملت بذلك بداية الأمر النقيض، بداية الإمساك ، بداية الصيام ..........إذن فمع إفادتها الإنتهاء من أمر أفادت بداية نقيضه .....لذلك لا نرى بعدها ورود ما يفهم منه بداية الصيام ، بل قد فهم أنه قد شرع فيه ضمنيا ........وبالتالي تأتي مباشرة عبارة "وأتموا الصيام.............." بدل "وابدؤوا" مثلا  ثم أتموا

فهو اختصار لغوي فيه من البيان والإيجاز والإعجاز الذي تتضمنه الألفاظ .....وأتموا الصيام إلى الليل .....

ولا تباشروهنّ وأنتم عاكفون في المساجد

العَاكِفُ : فا. -: في المكان: المقيم فيه أو الملازم له؛ ظلَّ عاكِفاً في البيت يكتب. - على الشيءِ أو الأمر: الملازم له والمقبل عليه / إنه عاكِفٌ على القضية يدرسها ج عُكَّفٌ وعُكُوفٌ.(1)

العاكف على الشيء المقيم والملازم له ، والعاكف في المسجد هو الملازم له للعبادة، أمر الله هؤلاء ألا يقربوا نساءهم ، سواء كان ذلك في وقت الإفطار أو في وقت الإمساك من أيام الصيام ....
وهنا كما نرى هو أمر بعدم الاقتراب، والحائم حول الحمى يوشك أن يقع فيه ....وقد أشار سبحانه إلى حدوده في سورة البقرة بعبارة "لا تعتدوها" وتأتي هنا بلا "تقربوها" ويقول في ذلك الزمخشري : من كان في طاعة الله والعمل بشرائعه فهو متصرف في حيز الحق فنهى ان يتعداه لأن من تعداه وقع في حيز الباطل ثم بولغ في ذلك فنهى ان يقرب الحد الذي هو الحاجز بين حيزي الحق والباطل لئلا يداني الباطل وأن يكون في الواسطة متباعدا عن الطرف فضلا عن ان يتخطاه  (2)

 emo (30):


********************************************************
1-المحيط
2-الكشاف
العنوان: رد: تعالوا نـــــَـــعــــــــش مع صفحة .........
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2008-11-02, 16:17:04
ترى ما هي حدود الله هنا؟؟
هناك من يقول أنه عن أمر المباشرة الزوجية وتحريمها في هذه الحال .... وهناك من يقول من المفسرين أنها عن عموم أحكام الصيام التي جاءت من بدء آية :"يا أيها الذين أآمنوا كتب عليكم الصيام............إلى هذه الآية الكريمة
وسواء كان هذا وذاك فهي حدود الله تعالى ، حدود في هذا الدين القويم الذي لم يجعل بلا قيد وبلا حد وبلا تنظيم وإنما هو قائم على النظام والتنظيم والتحديد والأحكام، دين لا يختلط فيه الحابل بالنابل ولا تختلط فيه الأهواء بالحكمة، ولا تستوي فيه السيئة بالحسنة، ولا الذين يعلمون والذين لا يعلمون، ولا من يطيع ومن يعصي، ليس دينا جاء ليخلط المفاهيم على الناس وإنما جاء لينظمهم ليجعل لهم المكابح ويرسم لهم الحدود، وإلا ما الفرق بين الإنسان وبين الحيوان في ذلك؟
وإن كان هذا الوجود كله بما فيه محكم التنسيق والاتساق والنظام والدقة.........

دين جاء ليبين للقاصي والداني أنّ ما يبحث عنه الإنسان من سعادة يجده فيه ولا يجده في سواه

وهناك فائدة أعجبتني لابن الجوزي في كتابه "زاد المسير في علم التفسير" أعجبتني في هذا الصدد أنقلها لكم .....
ولتتأملوا إخوتي هذا المعنى، وما تحمله الكلمة وما تكون أهلا لحمله بالتحديد وبالتدقيق من المعنى المراد والمبتغى

قال الزجاج: الحدود ما منع الله من مخالفتها، فلا يجوز مجاوزتها. وأصل الحد في اللغة: المنع، ومنه: حد الدار، وهو ما يمنع غيرها من الدخول فيها. والحداد في اللغة: الحاجب والبواب، وكل من منع شيئا فهو حداد قال الأعشى:
فقمنا ولما يصح ديكنا  ***** إلى جونة عند حدادها
أي: عند ربها الذي يمنعها الا بما يريده. واحدت المرأة على زوجها، وحدت، فهي حاد، ومحد: إذا قطعت الزينة، وامتنعت منها، واحددت النظر إلى فلان: إذا منعت نظرك من غيره. وسمي الحديد حديدا، لأنه يمتنع به الأعداء.  (1)



******************************
1-زاد المسير في علم التفسير لابن الجوزي
العنوان: رد: تعالوا نـــــَـــعــــــــش مع صفحة .........
أرسل بواسطة: سيفتاب في 2008-11-02, 16:47:26
يا إلهي! ما أمتع القراءة وما أجمل مما يعمل في النفس من مشاعر في هذا الموضوع
العنوان: رد: تعالوا نـــــَـــعــــــــش مع صفحة .........
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2008-11-03, 08:13:30
أسعدك الله يا سيفتاب، أسأله سبحانه أن يجعل فيه ما ينفعنا جميعا  emo (30):

في المداخلة الموالية سنكمل بإذن الله ما تبقى من صفحتنا الكريمة  emo (30):
العنوان: رد: تعالوا نـــــَـــعــــــــش مع صفحة .........
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2008-11-03, 08:48:29
ترى ما هي حدود الله هنا؟؟
هناك من يقول أنه عن أمر المباشرة الزوجية وتحريمها في هذه الحال .... وهناك من يقول من المفسرين أنها عن عموم أحكام الصيام التي جاءت من بدء آية :"يا أيها الذين أآمنوا كتب عليكم الصيام............إلى هذه الآية الكريمة
وسواء كان هذا وذاك فهي حدود الله تعالى ، حدود في هذا الدين القويم الذي لم يجعل بلا قيد وبلا حد وبلا تنظيم وإنما هو قائم على النظام والتنظيم والتحديد والأحكام، دين لا يختلط فيه الحابل بالنابل ولا تختلط فيه الأهواء بالحكمة، ولا تستوي فيه السيئة بالحسنة، ولا الذين يعلمون والذين لا يعلمون، ولا من يطيع ومن يعصي، ليس دينا جاء ليخلط المفاهيم على الناس وإنما جاء لينظمهم ليجعل لهم المكابح ويرسم لهم الحدود، وإلا ما الفرق بين الإنسان وبين الحيوان في ذلك؟
وإن كان هذا الوجود كله بما فيه محكم التنسيق والاتساق والنظام والدقة.........

دين جاء ليبين للقاصي والداني أنّ ما يبحث عنه الإنسان من سعادة يجده فيه ولا يجده في سواه

وهناك فائدة أعجبتني لابن الجوزي في كتابه "زاد المسير في علم التفسير" أعجبتني في هذا الصدد أنقلها لكم .....
ولتتأملوا إخوتي هذا المعنى، وما تحمله الكلمة وما تكون أهلا لحمله بالتحديد وبالتدقيق من المعنى المراد والمبتغى

قال الزجاج: الحدود ما منع الله من مخالفتها، فلا يجوز مجاوزتها. وأصل الحد في اللغة: المنع، ومنه: حد الدار، وهو ما يمنع غيرها من الدخول فيها. والحداد في اللغة: الحاجب والبواب، وكل من منع شيئا فهو حداد قال الأعشى:
فقمنا ولما يصح ديكنا  ***** إلى جونة عند حدادها
أي: عند ربها الذي يمنعها الا بما يريده. واحدت المرأة على زوجها، وحدت، فهي حاد، ومحد: إذا قطعت الزينة، وامتنعت منها، واحددت النظر إلى فلان: إذا منعت نظرك من غيره. وسمي الحديد حديدا، لأنه يمتنع به الأعداء.  (1)



******************************
1-زاد المسير في علم التفسير لابن الجوزي

وبعد هذا التعريف البديع لمعنى الحدّ ..........

كذلك يبين الله آياته للناس لعلهم يتقون  

كما رأينا في موقع من الصفحة السابقة فإن "لعل " هنا تفيد التعليل أي بمعنى "كي" لتحقيق غاية .......
غاية الغايات التقوى........ التقوى التي يريدها الله لعباده المؤمنين صفة لصيقة، التقوى التي يرنو لها ويسعى لها كل مؤمن صادق....
التقوى، وعلى ذكر اللباس الذي ضربه الله مثلا لعلاقة الزوجين، يقول أيضا في كتابه الحكيم : يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ وَرِيشاً وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ الأعراف 26
لباس التقوى هو الذي يغطي المؤمن وهو الخير كله له، وهو الذي يقيه من غضب الله تعالى ويدنيه من رضاه ....

وهكذا وبهذا نكون قد أتممنا هذه الآية والتي جاء في مجملها إحلال من الله تعالى لعباده المؤمنين، إحلال ما كان محرما عليهم فلم يطيقوه، وتحديد تحديد زمني لفترة الصيام ولفرض الصيام، وتحديد تشريعي يبين حدوده سبحانه وضرورة الوقوف عندها من أجل تعظيم شعائره، ومن أجل بلوغ التقوى غاية لباسا يلتصق بالمؤمن سمة وسَمْتًا .....

وفي نطاق الإحلال والتحريم، ننتقل من هذا الموضع إلى موضع آخر تنظيمي هو أيضا وتشريعي وتوضيحي، ولكنه هذه المرة موضع تحريم، تحريم من الله عز وجل وهو القائل : الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلاً وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ البقرة 268

الله يعد مغفرة ويعد فضلا ولا يأمر إلا بكل خير، وهو القائل سبحانه :
وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ  الأعراف 28

الله لا يأمر بالفحشاء، إنما يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي القُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ النحل 90

هبا سوية نستطلع أمر هذا المحرم علينا، والذي يدعونا مولانا لأن ننأى بأنفسنا عنه، أنفسنا هذه التي يريدها أنفسا تتقي غضبه وسخطه وتبغي رضاه:

وَلاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقاً مِّنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ(188) البقرة

نبدأ أولا في سبب نزول هذه الآية :

قوله (وَلا تأكُلوا أَموالَكُم بَينَكُم بِالباطِلِ) الآية قال مقاتل بن حيان: نزلت هذه الآية في امرئ القيس بن عابس الكندي وفي عبدان بن أشوع الحضرمي وذلك أنهما اختصما إلى النبي صلى الله عليه وسلم في أرض وكان امرؤ القيس المطلوب وعبدان الطالب فأنزل الله تعالى هذه الآية فحكم عبدان في أرضه ولم يخاصمه.(1)

ويراد بهذه الآية حسب ما ورد في مجموعة من التفاسير تحريم أكل المال على غير وجه حق، كأن يقاضي أحدهم أحدا ليأخذ منه شيئا ليس من حقه، ويدلي بالحجج لدى حكام باطل ، حكام يرتضون الرشوة ليظهروا باطلا وزورا ويكتموا حقا، فتكون الحجج الكاذبة الباطلة التي يأخذ بها هذا الطالب ما ليس له، وتشتمل بذلك أبواب الرشوة والكذب والتدليس والحكم بالباطل لقاء دراهم يكتمون بها الحق ويذهب الأمر لغير مستحقه

ويقول صلى الله عليه وسلم في ذلك، وقد قال هذا الحديث في خصمين، والغالب أنهما السالف ذكرهما في سببن النزول
عن أم سلمة هند بنت أبي أمية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
 إنما أنا بشر ، وإنكم تختصمون إلي ، ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض ، وأقضي له على نحو مما أسمع ، فمن قضيت له من حق أخيه شيئا فلا يأخذ ، فإنما أقطع له قطعة من النار   رواه البخاري ......المصدر: الجامع الصحيح - الصفحة أو الرقم: 6967خلاصة الدرجة: [صحيح]

ولنتأمل سوية هذا الحديث أيها الإخوة الأحبة ..... لنتأمله والحبيب صلى الله عليه وسلم يفتتحه بقوله لكليهما: إنما أنا بشر...... والبشرية فيه تخفي عنه غائبا غائرا في صدورهم من وجه حق قد يلتبس على البشر، من مدّع فقه فنون الادعاء وكاذب حاذق تعلم ضروب الكذب والزور والبهتان،  أو لسان يحسن رصف كلمات على غير وجه حق.... فأخبرهما بالحق الذي موجبه أنّ ما كان من حق أحدهما وأخذه الآخر فإنما هي قطعة من نار يأخذها ........فما كان منهما والتقوى رادعهما ودافعهما لوجه الحق إلا أن تراجع الطالب عن طلبه وعادا أخوين غير متخاصمين ....والتقوى هنا تعمل عملها في النفوس، والحاكم العادل صلى الله عليه وسلم يوججهما لما ينجيهما ويعترف ببشريته التي قد يخفى عنها حقيقة أمرهما .....

سبحان الله .........يالعدل هذا الدين القويم، يالكماله،ويالاعتنائه بما يشكل الحارس الذاتي لكل نفس حارسها الداخلي الذي يردعها وإن خفيت عنها أبصار الناس أجميعن، إنما هي نفس تخشى مولاها مولاها الذي يدرك الأبصار ولا تدركه الأبصار..................

ولسيد قطب في ههذ وقفة يقول فيها:

 ويجيء هذا التحذير عقب ذكر حدود الله , والدعوة إلى تقواه , ليظللها جو الخوف الرادع عن حرمات الله: (ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام لتأكلوا فريقا من أموال الناس بالإثم وأنتم تعلمون). ذكر ابن كثير في تفسير الآية:" قال علي بن أبي طلحة وعن ابن عباس:هذا في الرجل يكون عليه مال , وليس عليه فيه بينة , فيجحد المال , ويخاصم إلى الحكام , وهو يعرف أن الحق عليه , وهو يعلم أنه آثم آكل الحرام(2)

كما أن هناك لفتة أخرى أنقلها لكم :

وفي ها «بها» قولان. أحدهما: أنها ترجع إلى الاموال كأنه قال: لا تصانعوا ببعضها جورة الحكام. والثاني: أنها ترجع إلى الخصومة فان قيل: كيف أعاد ذكر الأكل فقال: «ولا تأكلوا» «لتأكلوا» فالجواب: أنه وصل اللفظة الاولى بالباطل، والثانية بالإثم، فأعادها للزيادة في المعنى، ذكره ابن الانباري.(3)

ما أصعب هذا الحال يا إخوتي على مؤمن يدعي ما ليس له، ويخاصم الناس عليه ويأتي بالحجج ، فيكذب ويرشي، ويزور ولا يكون نصب عينيه إلا أن يفوز بذلك الذي ليس له فيه وجه حق، ذلك الحطام من الدنيا وقد غفل ونامت بصيرته عن يوم تقبض فيه روحه وما أن يغادر آخر نعل تلك الديار حتى ينفرد به ملكان يسألان، فلا ثبات له على حق، وكيف يثبته الله بقول ثابت وقد ارتضى الحرام نارا تأكله كما تأكل الهشيم ....عياذا بالله من هذا الحال ونسأله أن يثبتنا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة وأن نكون أهلا لهذا التثبيت




*********************************************************************
1-أسباب النزول للواحدي
2-في ظلال القرآن لسيد قطب
3-زاد المسير من علم التفسير لابن الجوزي

العنوان: رد: تعالوا نـــــَـــعــــــــش مع صفحة .........
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2008-11-03, 10:50:20
ونعيش الآن مع الآية الموالية من صفحتنا الكريمة:

 يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ وَلَيْسَ البِرُّ بِأَن تَأْتُوا البُيُوتَ مِن ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ البِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُوا البُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ(189)

في روايات سبب نزول هذه الآية الكريمة ، وهي كما نرى سؤال من الصحابة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، يسألونه عن الأهلة ، أما عن كيفية السؤال فجيئ الخبر بعدة كيفيات ، فمن قائل أن الصحابة سألوه "لمَ خلق الله الأهلة؟" ومنهم من يقول أن سؤالهم كان "إن اليهود يكثرون سؤالناعن الأهلة ودورها" ومن يروي أن معاذ بن جبل وثعلبة بن عنمة وهما رجلان من الأنصار قالا: يا رسول الله ما بال الهلال يبدو فيطلع دقيقاً مثل الخيط ثم يزيد حتى يعظم ويستوي ويستدير ثم لا يزال ينقص ويدق حتى يكون كما كان لا يكون على حال واحدة

ولزيادة تنوير، نتساءل ما معنى كلمة هلال ؟؟
واشتقاق الهلال من قولهم: استهل الصبي: إذا بكى حين يولد، و أهَلّ القوم بالحج إذا رفعوا أصواتهم بالتلبية، فسمي هلالا، لأنه حين يرى يهل الناس بذكره...
ولغة أيضا هو
."هِلاَلُ الشَّهْرِ" : غُرَّةُ الْقَمَرِ مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ إِلَى سَبْعِ لَيَالٍ مِنْهُ. 2."هِلاَلُ الْقَمَـرِ": فِـي أَوَاخِرِ الشَّهْرِ مِنْ لَيْلَةِ السَّادِسِ وَالْعِشْرِينَ وَالسَّابِعِ وَالْعِشْرِينَ مِنْهُ(1)

وفي كل الأحوال فهو سؤال عن الهلال وعن حكمة خلقه، وعن دوره، فقال سبحانه "قل هي مواقيت للناس والحج"  .....
مواقيت جمع ميقات وهو الوقت المحدد المعلوم لأمر من الأمور .....
مواقيت للصيام، للحج، للتعاملات التجارية وأجلها والديون وقضائها، عدة النساء، وغيرها.....هي المواقيت التي يتعامل بها الناس ويحيون بموجب نظامها، لفتة جميلة جدا من الإمام سيد قطب إذ يقول ما معناه أن الله تعالى في جوابه لم يجب إجابة علمية تعلمهم دور الهلال وموقعه من السماء ودور القمر وعلاقته بالشمسوبالأرض وبالمجموعة الشمسية، لم يجب سبحانه بأي من الأجوبة العلمية، وإنما جاء الجواب بدور الهلال في أرض الناس، وفي معاملات الناس، وفي أصل حاجتهم، ذلك بما يتفق وما يستوعبون مع تعسر وسائل الكشف والمعرفة حينها، وبما يوضح دور القرآن الكريم الذي ليس كتاب فيزياء ولا كتاب فلك ولا كتاب طبّ نكبره به ونجعل غيرنا يكبرونه به، وإنما هو كتاب جاء ليبحث في النفس ، في نفس الإنسان ، ليضع لها ما يوجهها، ما يجعلها على النحو الذي تسخر به موجودات هذا الكون من حوله، وعلى النحو الذي تنفذ به طاقتها العقلية، لأن هذه الأمور موكلة للعقل، لعقل الإنسان الذي ينيره القرآن، وينير النفس ويبين لها سواء السبيل من أجل أن تعمل، فتبحث من حولها وتطلق طاقاتها في البحث والتنقيب والمعرفة .....

يقول في هذا سيد قطب ننقل عنه جزءا للفائدة  وقد أسهب :

وكل محاولة لتعليق الإشارات القرآنية العامة بما يصل إليه العلم من نظريات متجددة متغيرة - أو حتى بحقائق علمية ليست مطلقة كما أسلفنا - تحتوي أولا على خطأ منهجي أساسي . كما أنها تنطوي على معان ثلاثة كلها لا يليق بجلال القرآن الكريم . .
الأولى:هي الهزيمة الداخلية التي تخيل لبعض الناس أن العلم هو المهيمن والقرآن تابع . ومن هنا يحاولون تثبيت القرآن بالعلم . أو الاستدلال له من العلم . على حين أن القرآن كتاب كامل في موضوعه , ونهائي في حقائقه . والعلم ما يزال في موضوعه ينقض اليوم ما أثبته بالأمس , وكل ما يصل إليه غير نهائي ولا مطلق , لأنه مقيد بوسط الإنسان وعقله وأدواته , وكلها ليس من طبيعتها أن تعطي حقيقة واحدة نهائية مطلقة .
والثانية:سوء فهم طبيعة القرآن ووظيفته . وهي أنه حقيقة نهائية مطلقة تعالج بناء الإنسان بناء يتفق - بقدر ما تسمح طبيعة الإنسان النسبية - مع طبيعة هذا الوجود وناموسه الإلهي . حتى لا يصطدم الإنسان بالكون من حوله ; بل يصادقه ويعرف بعض أسراره , ويستخدم بعض نواميسه في خلافته . نواميسه التي تكشف له بالنظر والبحث والتجريب والتطبيق , وفق ما يهديه إليه عقله الموهوب له ليعمل لا ليتسلم المعلومات المادية جاهزة !
والثالثة:هي التأويل المستمر - مع التمحل والتكلف - لنصوص القرآن كي نحملها ونلهث بها وراء الفروض والنظريات التي لا تثبت ولا تستقر . وكل يوم يجد فيها جديد .
وكل أولئك لا يتفق وجلال القرآن , كما أنه يحتوي على خطأ منهجي كما أسلفنا . .      (2)



سؤال الصحابة للرسول صلى الله عليه وسلم، يدل على نفوس تتشرب معنى الإيمان وتريد أن تجعله أساسا لحياتها بكل جزئياتها، فهم يسألونه هنا عن الأهلة، يسألونه عن النفقات وفيمن تصحّ ، يسألونه عن الحج، عن....وعن....وعن.... عن الكثير الكثير ، دلالة ساطعة على أن هؤلاء الذين خرجوا من ظلمات الجاهلية إلى نور الإسلام، ظلوا والخشية تتملكهم من عودتهم لما كانوا فيه من ضلال، ولو بالقليل الأقل ،ولو في أبسط الأمور وأيسرها، وفي أدقها كما في أجلّها، قوم غدوا والإسلام منهم والإيمان من قلوبهم بمثابة الدم من العروق ، بمثابة الهواء من الأنفاس، بمثابة الحياة من الحياة.................

ثم يوصل المولى عز وجل جوابهم عن سؤالهم عن الأهلة بقوله :

وَلَيْسَ البِرُّ بِأَن تَأْتُوا البُيُوتَ مِن ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ البِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُوا البُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ

ويأتي سبب نزول هذه الآية في جماعة من الأنصار أبقوا على عادة جاهلية، يريد الإسلام بنوره وقد جاء ليستأصل شأفتها كلها فيهم أن يبعدها بنص صريح وأن يبين حكمها ، ذلك أنهم كانوا إذا حجوا وعادوا إلى ديارهم ، لم يدخلوا بيوتهم من أبوابها وإنما دخلوها من الخلف، فمن لم يتسنّ له مدخل من الخلف، تسوّر الجدار أي تسلقه أو جعل سلما يرتقي فيه ....، وقد عاد واحد منهم مرة، فدخل بيته من الباب، فكأنه عيّر بما فعل فنزلت هذه الآية الكريمة ....

ولنستذكر سوية أيها الإخوة ، صفات البرّ في حلقاتنا السابقة ، فيبدأ سبحانه بقوله "ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البرّ من ................إلى وأولئك هم المتقون"

ويأتي أيضا هنا على ذات النسق في قوله: "وليس البرّ أن تأتوا البيوت من ظهورها ولكن البرّ من اتقى واتوا البيوت من أبوابها واتقوا الله لعلكم تفلحون"

لنتأمل أيها الإخوة سويا..... لنعمل عقولنا ولنفتح لقلوبنا الأبواب ..........لنتأمل ولنتدبّر ولنستذكر والقرآن يصدق بعضه بعضا.......
في آية البرّ السابقة ينفي سبحانه أن يكون البرّ هو تولية الوجوه مشرقا أو مغربا ، ثم يعدد له جملة من الصفات  تعرضنا لها بشيء من التفصيل ، وهذه المداخلة ملخص عن آية البرّ
http://www.ayamnal7lwa.net/forum/index.php?topic=1780.msg23721#msg23721

فنجد أنه هنا سبحانه وتعالى في هذه الآية الثانية في نفي أن يكون البر إتيان البيوت من ظهورها ، يأتي بـــ "البرّ" ، بالكلمة مجردة، بوصف أنه قد سبق في آية سابقة تفصيل معناه وترسيخه في العقول وفي القلوب على السواء........أي أننا قد عرفنا البرّ مفصلا ، والآن تأتي اللفظة مجردة وحدها بلا تفصيل لمعناه، لأننا ندرك مما سبق أن البر هو كذا وكذا وكذا وكذا.................ونستذكر فإذا ختام آية البرّ السابقة آية البرّ المفصلة التي جاء فيها تعريفه... تختتم بأن الغاية هي التقوى في قوله تعالى :
 "أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون"

فيأتي قوله هنا : جامعا شاملا في كلمتين هما : "ولكنّ البر من اتقى" وكأنها إعادة لكل ما سلف من أوصاف البرّ وغايته في كلمتين تلقيان في الذهن ما سبق حتى لكأننا نستشعر بذلك وحدة هذا القرآن العظيم واتساقه ، واتساق معانيه وتعلق بعضها ببعض، وأنه كتاب موحّد شامل كامل يصدق بعضه بعضا ..........

يا الله .......... ما أحلاها من ثمرات نخرج بها ونحن نعيش هذه الكلمات النورانية وكأننا نَسبح في كوكب دريَ نضيدة لآلؤه ، نضيدة درره لا تكاد تنبهر بنور هذه حتى يبهرك نور الأخرى...........!!!!

إذن وقد عرفنا سابقا أن السبيل للوصول إلى التقوى البرّ بكل تعريفاته الربانية القرآنية، إذن فقد سبق وأن أرانا سبحانه الطريق وفي هذه الآية يقرّ أنه "من اتقى" فإن اتبع المؤمن سبيل البرّ وأتى أوصافه التي بيّنها سبحانه  بلغ التقوى و اتقى .......

وهنا في نفيه سبحانه وتعالى العلاقة بين البرّ وعادة إتيان البيوت من ظهورها ، ينفي أمرا ظاهريا ، ينفي علاقته بمظهر، كما سبق وأن نفى علاقته بمظهر تولية الوجه مشرقا أو مغربا ...........ليلقي في روع المؤمن أن البرّ هو عمل القلوب التي تعلم، هو عمل قلوب موقنة بالله وبوحدانيته وبحاكميته، وبيوم الحساب الذي نمتثل فيه بين يديه ووفق هذا اليقين يأتي عمل الخير بأوسع معانيه والإحسان بمعناه يأتي ترجمة فعلية لا مجرد مظهر وشعيرة مظهرية لا لبّ فيها ولا جوهر ، خاوية،  أصلها وكلها مظهر لا تتعداه ولا عنه تحيد أو إليه تزيد ........

ثم يتبع هذا كله بإعادة للتأكيد وزيادة وتقوية في المعنى وتكرار الألفاظ في القرآن أحيانا كثيرة في آية واحدة أو في آيات متتالية ، كثيرا ما كان غرضه تقوية المعنى وتأكيده

يتبع هذا بقوله تعالى بعد أمره لهم أن يأتوا البيوت من أبوابها وينبذوا تلك العادة وراء ظهورهم ، يأتي قوله : "واتقوا الله لعلكم تفلحون"

وبعد التقوى إذن ما المبتغى؟؟؟؟ ما المبتغى من التقوى؟؟؟؟ إنه .............إنه الفلاح لعلكم تفلحون أي لتكونوا مفلحين

إذن تنتج لنا خلاصة جديدة قوامها السطران الآتيان والسهم مدلوله "السبيل إلى" :


البرّ  ----------->--------------------- التقوى       التقوى----------->------------------ الفلاح





****************************
1-الغني
2-في ظلال القرآن لسيد قطب
العنوان: رد: تعالوا نـــــَـــعــــــــش مع صفحة .........
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2008-11-03, 12:29:49
وتبقى لنا مع هذه الصفحة المشرّفة المطهرة أيها الإخوة الكرام آية ........... وإنني لأجدني في حالة من الحبور ومن السعادة لا أحب بها أن أغادر الكلمات، وها هي تتجلى لنا عن شيء يسير من كثير، وغيض من فيض فيض لا تنتهي أنواره

غدا بإذن العلي القدير نكمل سوية عيشنا مع هذه الصفحة وهذه الدرر الثمينة emo (30):

 
العنوان: رد: تعالوا نـــــَـــعــــــــش مع صفحة .........
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2008-11-04, 12:40:09
واليوم نكمل بإذن الله مع الآية الأخيرة من صفحتنا الحبيبة emo (30):

قوله تعالى :

وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ المُعْتَدِينَ (190)

قوله (وَقاتِلوا في سَبيلِ اللهِ الَّذينَ يُقاتِلونَكُم) الآية قال الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس: نزلت هذه الآيات في صلح الحديبية وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما صد عن البيت هو وأصحابه نحر الهدي بالحديبية ثم صالحه المشركون على أن يرجع عامه ثم يأتي القابل على أن يخلو له مكة ثلاث أيام فيطوف بالبيت ويفعل ما شاء وصالحهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما كان العام المقبل تجهز رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمرة القضاء وخافوا أن لا تفي لهم قريش بذلك وأن يصدوهم عن المسجد الحرام ويقاتلوهم وكره أصحابه قتالهم في الشهر الحرام في الحرم فأنزل الله تعالى (وَقاتِلوا في سَبيلِ اللهِ الَّذينَ يُقاتِلونَكُم) يعني قريشاً.(1)

وفي هذا جاء سبب نزول هذه الآية الكريمة....

هذه من أول الأوامر التي نزلت بقتال المشركين الذين قاتلوا المؤمنين، ذلك أنهم لما كانوا بمكة بمعية رسول الله صلى الله عليه وسلم من قبل أن يهاجروا للمدينة المنورة، عذبهم المشركون، ونالوا منهم وشردوهم، واستهزؤوا برسول الله صلى الله عليه وسلم وتربصوا به الدوائر، وتحينوا الفرص كلها لإهلاكه وتثبيطه وقتل دعوته، فكانوا يجتمعون على إيذائه، ويتفنون في تكذيبه حيثما حلّ، ولكنّ المؤمنين الذين اتبعوا الرسول صلى الله عليه وسلم، لم يقاتلوهم ولم يعلنوها عليهم حربا طيلة مكوثهم بمكة ، رغم ما كابدوه وما عاينوه من أوان العذاب والتنكيل، حتى أذن الله لهم ورسوله بالقتال...فجاء الإذن من الله تعالى في سورة الحج :

أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ(39) الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِم بِغَيْرِ حَقٍّ إِلاَّ أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ(40)

ولما أذن الله لهم بأنهم قد ظلموا لما أخرجوا من ديارهم وهتكت أعراضهم، وقاطعوهم حينما فروا إلى شعب أبي طالب بتحالفهم ضدهم لا يبيعونهم ولا يشترون منهم، لا يتزوجون منهم ولا يزوجونهم....تفتّح السبيل أمام المؤمنين وفي هذا أيها الإخوة ، في هذا الصدد وفي هذه النقطة نقف وقفات متأملة لنتساءل :

كيف لهؤلاء الذين عاشوا في جوّ من الجاهلية الظلماء، تلك التي سفك الدماءٍ فيها دما بدماء وعٍرضا بأعراض، تدفعهم الحميّة فيها لأن يقتلوا ويهدروا الدماء، ويتهوروا ويلبوا نداء الغضب والثورة والثأر كأسرع ما تكون التلبية، كيف ينقلب بهم الحال ؟؟، فلا يهبّون مقاتلين منتقمين، ثائرين تقودهم ثورتهم وحب الانتقام إلى حيث لا غَيْض  لدماء ولا نهاية لحروب.....؟؟ كيف ينقلب حالهم كل هذا الإنقلاب ؟؟ أولم يشبّوا على تلك الأجواء التي أصبحت تسري من عقولهم مسرى الدم من العروق؟؟

كيف هذا التحوّل، فهم يؤذونهم في مكة، فلا يردون لهم الصاع بالصاع؟؟ يشردونهم، يخرجونهم من ديارهم، يعزلونهم، يريدون بهم كل السوء وكل المكر وكيد الكيد، وهم صابرون لا يردون....
يأتي الجواب على هذا التساؤل على شكل نقاط تومض ، فلنتأمل :








***************************************
1-أسباب النزول للواحدي
العنوان: رد: تعالوا نـــــَـــعــــــــش مع صفحة .........
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2008-11-04, 20:08:42
جاء الأمر من الله تعالى لهم " أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ  " من الآية 77 -النساء-

فهم لهذا الأمر مطيعون، لا تخرجهم عن حدوده دوافع ثورة ولا نوازع انتقام ولا مناشدة ثأر .....فكيف؟؟؟

تحسّس بعض أسباب الصبر على الأذى إلى حين الإذن

1- جاء هذا الدين العظيم ليطوّع النفوس التي اعتادت على الاستجابة لصوت الغضب وحميّة الجاهلية، والاندفاع والحماسة لأول ناعق ولأبسط داع، جاءت هذه الشريعة السمحة الحكيمة لتعود هذه النفوس الانضباط والامتثال لأمر قيادة راشدة، حكيمة تعرف بالتروي وبالنظر الثاقب وبالحكمة الخالصة كيف يكون الحال وكيف يكون الحلّ ، جاءت تعلمهم الصبر وترسخ فيهم ضرورة الثقة في تلك القيادة  كل الثقة، وأن الله سيحدث أمره وإن أوحى الحال بالهلاك وبما يتراءى للنفس البشرية غريبا وبعيدا ....فالثقة بالقيادة وبحسن تدبيرها وانتظار الإشارة منها ترويض للنفس على الصبر والحكمة، وقتل للهيجاء والاندفاع والثورة المتهورة، ليحدث ضبط لنوازع النفس المتسرعة، وليحدث التدرب على الاستقراء الحكيم للأمور والأحوال، فيقع التوازن بين الاندفاع والتروي , والحماسة والتدبر , والحمية والطاعة . . في هذه النفوس التي كانت تعد لأمر عظيم .

2-إن صبر المؤمنين على الإيذاء كل ذلك الوقت وعدم رد الصاع بالصاع، وهم قادرون عليه، وجه من أوجه استجلاب أهل النخوة والنجدة، والبيئة العربية هي ما عليه من هذه الصفات النبيلة، ومن توفرها على الشِّهام الذين تأخذهم نخوة عربية لنجدة المظلوم، فكان فعلا ذلك دافعا لعمل الشعور الذي هزّ هؤلاء من العرب، فهبوا وقطعوا صحيفة المقاطعة ومالوا ميلا عظيما للمؤمنين وللإيمان بالمعنى، فكانت القيادة الإسلامية آنذاك تراعي هذا الشعور وهذه البيئة.

3- القيادة الإسلامية لم تشأ أن تثير حربا داخل البيوت، فتواجد المؤمنين في مكة يعني تواجدهم بين أهليهم، وإن ظلموهم، وإن طردوهم وإن استحلوا تعذيبهم، إلا أن الإسلام بحكمة وبنظرة بعيدة المدى لم يشأ أن تثور حرب لا هوادة فيها داخل البيوت، إذ كل مؤمن له أصله وأسرته التي لها بيتها في مكة،أما عند ذهابهم إلى المدينة وابتداء تكوينهم للأمة المسلمة وللجيش المسلم وتحصنهم فيها وتمنّعهم وتقويهم، وإعدادهم عدتهم لقتال المشركين، فإنه عندذاك قد تبيّن حلف الكفر من حلف الإيمان وقد أصبح للمسلمين دولتهم المنيعة التي تغزو وتحارب وتقاتل لإعلاء كلمة الله في كل الأرض .

هذا غيض من فيض اتسمت به الشريعة السمحة الحكيمة....

ما هو الجهاد ولماذا الجهاد وما معنى الجهاد ؟؟؟

نأتي الآن أيها الإخوة الأحبة إلى نظرة حول الجهاد في الإسلام، والقتال في الإسلام ومعنى الحروب في الإسلام، ولماذا الحروب ولماذا الجهاد ولماذا القتال؟؟ وقد أثير حول هذه النقاط كلها العديد من الشبهات والأباطيل التي صوّت بها الناعقون الذين يكيدون للإسلام المكايد ويريدون به السوء والذهاب إلى غير رجعة، وأحلامهم بذاك تأمرهم وأمانيّهم تحلّي لهم وتزيّن........إن الإسلام دين القتال، دين سفك الدماء ، دين الإغارات، وغزو البلاد وتملكها بالغصب وإذلال أهلها وإدخالهم الإسلام بالغصب وبالضغط وتحت وطأة السيوف ، إنما فتحوا فتوحاتهم بالسيوف .....

ترى ما القول في هذا وما الرد وكيف الرد؟؟

إن هذا الدين وهذه الشريعة الكاملة المتسقة، وهذا الهدي الذي جاء فيها أبلجا ، جاء ليكون سعادة للبشرية كلها، جاء بالخير العميم لها برمتها، ولن يكون لها خير ولا فلاح فيما عداه من طقوس الجاهليات أو الوضعيات ، أو التحريفات البشرية للرسالات السماوية التي سبقت، جاء هذا النور ليعمّ الأرض قاطبة، وجاء محمد صلى الله عليه وسلم وبعث رحمة للعالمين، وجاء القرآن نورا يكشف صفاقة الذين حرفوا وبدلوا ونافقوا وكذبوا، وداهنوا، جاء ليهدي الأرض ومن على الأرض، جاء الإسلام لسعادة البشرية، فما كان للمؤمنين وهم حملة هذه الأمانة وعليهم تبليغها للأرض وهم القادة المنوط بهم توجيه الناس، وقيادتهم لكل خير، ما كان لهم أن يتركوا الصادين يصدون، والعابثين يعبثون، وفسح المجال للناقمين الذين تقتلهم نار الغيرة والحسد والخوف من سيادة الإسلام على الأرض....
ما كان لأهل الحق أن يستحوا بحقهم ، أو أن يخافوا والحق معهم والحق لهم والحق بهم، ما كانوا ليتراجعوا أو ليجبنوا والله معهم ويتركوا خصومهم خصوم الله وأعداءه ليحكموا الأرض بفسادهم وبغيّهم وبأهواء أنفسهم وبغاياتها المتوثبة إلى الطمع والاستيلاء على غير وجه حق...

وليدقق العاقل بعقله...هل يخشى من معه الحق ويدفن رأسه بالتراب؟؟ فكيف إذن هي قوة الحق إن فعل؟؟ وهكذا أراد أعداء الله وأعداء الحق، وأولياء الشيطان أن يستأصلوا شأفة الإسلام وأن يصدوا عنه وما زالوا يفعلون، فما كان لأهل الحق أن يتركوهم يفعلون، لذا فإن :

1-من أعرض عن الإسلام من أهل البلاد المفتوحة، كان عليه أن يعطي العهود والمواثيق بألا يتصدى للدعوة ولنشرها وتعميمها، فإذا فعل لم يكن إلا السيف يظهر الحق ويزهق الباطل....

2-أما من لم يدخل الإسلام منهم، ولم يصدّ فهو على دينه، لا يغصب على تركه ما دام مسالما وتاركا الطريق أمام الدعوة لا يصدّ عنها ....

3-أما من دخل الإسلام وهداه الله منهم، فكان حقا على المؤمنين حمايته والحَول دون فتنته في دينه بإغراءأو بأذى ، فتدفع عنهم كل ذلك بالقوة ، تحافظ بذلك على خيرهم وهداهم ، وعلى سريان الدعوة وانبثاث النور في الأرجاء ....
فالقوة ليست من أجل القهر وإكراه الناس وغصبهم على ما لا يحبون، وأخذ ما ليس لهم فيه وجه حق، وإنما هي القوة التي تمنع انبثاث النور، وكأنها الشمس التي بقوتها وبقوة ضيائها تعم الأرض كل صباح لا يغلبها الظلام فيكون سرمدا، ولكنها تأتي بقوتها تعم الأرض ضياء وخيرا ....

القوة من أجل إعلاء كلمة الله في الأرض، من أجل تحقيق خير البشرية وخيرية أهل الإسلام على البشرية جمعاء، لأنهم حملة الشعلة المضيئة، وعلى عاتقهم يقع التنوير وتقع الهداية وتقع القيادة الرشيدة للخيروالسلام والصلاح  ....

إنه الجهاد في سبيل الله، في سبيل إعلاء كلمته، للعقيدة، لتعميم خيرها على الأرض، لقيادة البشرية نحو الخير،لإحقاق الحق، لعدم الاستئثار بالخير بل تعميمه على الناس أجمعين، فيلجأ كل راغب في هذا الدين لا يخشى قوة أخرى تمنعه وتصده وتمضي به إلى سبل الهلاك.

من أحكام القتال في الإسلام

إذا تأملنا هذه الآية الكريمة نرى أمر الله تعالى للمؤمنين الذي أوذوا وتحملوا وصبروا وأذن لهم أنهم قد ظُلِموا ...أمر لهم بأن يقاتلوا في سبيل الله ، فتحديد للغاية مباشرة مع الأمر ، تحديد للغاية مع الأمر مباشرة ، الغاية هي الله، هي إعلاء كلمته ف يالأرض، هي الغضب لدين الله ولتمكينه، فلا ريادة ولا سيادة ولا جاه ولا أموال ولا مغانم ولا مكاسب ولا مناصب ، إنما هو وجه الله المبتغى ورضاه وتعميم وجوب الخضوع لحاكميته سبحانه ولأمره ولتدبيره...
الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن اله لا يحب المعتدين  وهنا تتبين أحكام القتال في الإسلام .... نذكر منها على سبيل البيان الصريح الصحيح بعض أحاديث للحبيب صلى الله عليه وسلم يعلم فيها أصحابه كيف يكون القتال في الإسلام

1-عن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال:" وجدت امرأة مقتولة في بعض مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم فنهى رسول الله  صلى الله عليه وسلم عن قتل النساء والصبيان " . . [ أخرجه مالك والشيخان وأبو داود والترمذي ]

2-وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إذا قاتل أحدكم فليجتنب الوجه " . . -أخرجه الشيخان- .

3-وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال:" بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:" إن وجدتم فلانا وفلانا ( رجلين من قريش ) فأحرقوهما بالنار " . فلما أردنا الخروج قال:" كنت أمرتكم أن تحرقوا فلانا وفلانا , وإن النار لا يعذب بها إلا الله تعالى فإن وجدتموهما فاقتلوهما " . . - أخرجه البخاري وأبو داود والترمذي -

4-وعن بريدة قال:كان رسول الله صلى الله عليه وسلم  إذا أمر الأمير على جيش أو سرية أوصاه في خاصته بتقوى الله تعالى , وبمن معه من المسلمين خيرا . ثم قال له:" اغزوا باسم الله , في سبيل الله , قاتلوا من كفر بالله . اغزوا ولا تغدروا ولا تمثلوا ولا تقتلوا وليدا " . . - أخرجه مسلم وأبو داود والترمذي - .

5-وروى مالك عن أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - أنه قال في وصيته لجنده:" ستجدون قوما زعموا أنهم حبسوا أنفسهم لله , فدعوهم وما حبسوا أنفسهم له , ولا تقتلن امرأة ولا صبيا ولا كبيرا هرما "


وهكذا هي سماحة الإسلام حتى في أشد المواقف صعوبة.... مع العدوّ، العدو الكافر، وهذه هي الأخلاق ............
أفلا سمع الناعقون الكاذبون اليوم شيئا من وصايا الرسول صلى الله عليه وسلم وهم ينسبون لأنفسهم ما يسمونه بالإنسانية ويلصقون بالإسلام كل إرهاب وتخويف وتجبر وإفساد ......

وهكذا كان المؤمنون حقا، وفي سبيل الله وحده كان جهادهم وكان تعبهم وكان نَصَبهم...، في سبيل إعلاء كلمة الله وإن قُتِلوا فموتهم عليها موت شرف وعزة وفرح واستبشار بمن يلحق بعدهم بأن الله قد صدقهم وعده وأن الجنة مثوى لهم .........

وكانوا لقاء الجنة يفتدون بالأرواح، ولم يكونوا يُغرَوا بشيء كإغرائهم بالجنة فكانوا يدفعون الثمن راضين مطمئنين، بل ساعين له كل السعي، باكين على أنفسهم إن لم تنل منه حظا .........

ولن تعود السيادة ولن تعود لنا الدنيا إلا إذا أعدنا الدين وسيلة وهدفا، ولن تعود لنا إلا إذا بعناها بالجنة


العنوان: رد: تعالوا نـــــَـــعــــــــش مع صفحة .........
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2008-11-05, 08:02:26
**********************************درر  نــــــَـــــــــــثْر درة  *************************

أسأل الله سبحانه أن يجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأن يرينا الحق حقا ويرزقنا اتباعه ويرينا الباطل باطلا ويرزقنا اجتنابه وأن يجعلنا من المتدبرين المنتفعين المهتدين بالقرآن الكريم ، المتقين الذين قال فيهم سبحانه وتعالى :
ألم ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين

وأحاول قدر ما وسعني فهمي البسيط الذي إن أصبت به فمن الله وإن أخطأت فمن نفسي ومن الشيطان أن أضع بعض الفوائد التي نخرج بها من كل صفحة مباركة ، وصفحتنا التي عشنا معها ودرّتنا التي تنثر علينا الدرر هي :

أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنكُمْ فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي المَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ(187)وَلاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقاً مِّنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ(188) يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ وَلَيْسَ البِرُّ بِأَن تَأْتُوا البُيُوتَ مِن ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ البِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُوا البُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ(189)وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ المُعْتَدِينَ (190)

1- الإسلام موائم لطبيعة النفس البشرية، موائم لضعفها وهو دين اليسر، والله الذي يعلم هذا الضعف يعلم ماهية التيسير وكيفية التيسير
2- الصيام بدأ غير مفصّل الأحكام، ثم فصّلت أحكامه لما عاين أصحابه ضعفهم بأيديهم، فزادهم الله تيسيرا على تيسير بإحلال الرفث إلى النساء ومباشرتهنّ ليلة الصيام.
3-الزوج لزوجته والزوجة لزوجها بمثابة اللباس في ضمان كل منهما للآخر سترا، وطمأنينة وسكينة وثقة والتحاما وحبا ورحمة وودا وحماية ووقاية وملجأ وكفاية وسلامة وعزا .
4-الله تواب  يتوب على العبد الضعيف المخطئ النادم العائد غير متكبر ولا مصرّ على خطئه، وعفوّ يحب العفو ، وكلها من أبواب رحمته بعباده.
5-لقاء الزوجين ليس لقاء لإشباع شهوة فحسب وإنما هو لقاء تأسيس وبناء ابتغاء ما كتب الله من الولد لكليهما زيادة في خير الأمة وفي عدد ناصريها، لقاء تؤدي إليه غريزة فيجعل لها الله هدفا ساميا يرتقي بكليهما من علاقة أرضية فيها من الشهوة ليربط المؤمن دائما بربه في كل لحظات حياته.
6-الأكل والشرب والجماع أمور تحلّ للمؤمن من بدء الليل أي غروب الشمس إلى تبيّن الخيط الأبيض من الفجر حيث يمسك عنها جميعا بنية ليسمى صائما.
7-تحريم إتيان الرجل لامرأته وهو عاكف في المسجد حتى في وقت الإفطار من يوم الصيام ارتقاء به بصفته عاكفا بالمسجد على العبادة.
8-كل ما سلف من تبيان فرضية الصيام وأحكام تيسيره على العاجزين وأحكام  العلاقة الزوجية فيه، وأحكام الأكل والشرب وأحكام الاعتكاف حدود الله التي بينها لعباده وهو سبحانه يحذر من مغبة  الاقتراب من هذه الحدود والحَوم حولها لأنه العالم بضعف الإنسان وهو يقيه الاقتراب لئلا يودي به ضعفه إلى الوقوع فيها .
9-تبيان الله للحدود والأمر بعدم الاقتراب منها لئلا تُتَعَدّى هو ابتغاء خير الإنسان وخيره بلوغه مراقي التقوى.
10-تحريم أن يأخذ أحد ما ليس له بحق من المال بدعوى حجج باطلة وحاكم يحكم بالباطل لقاء رشوة أو تزوير أو كذب أو تدليس، والظاهر يكون للناس حقا وهو باطل مغلّف.
11-جعل الله الأهلة مواقيتا للناس يحيون بموجب تنظيمها لأمور معاشهم، فالإسلام دين وقت واحترام للوقت ودين نظام واعتدال .
12-الإسلام يسعى دوما لمحو آثار الجاهلية الظلماء، وهو يبين أنما البرّ هو التقوى وليس طقوسا تؤتى بظاهر لا معنى له والأصل خواء .

13-مما سبق علمنا أن البرّ أوصاف ربانية بعينها بينها لنا الله في آية البرّ (الآية 177 البقرة)والهدف منها الوصول إلى التقوى (راجع الرابط التالي : http://www.ayamnal7lwa.net/forum/index.php?topic=1780.msg23721#msg23721) وها هنا يقتصر سبحانه بعد تبيان ذلك لنا سابقا على أن يصف البرّ بالتقوى ، ثم يبين أن التقوى بدورها تؤدي إلى الفلاح لينتج عندنا :

البرّ ----------->--------------------- التقوى      التقوى----------->------------------ الفلاح

14-أمر الله المؤمنين بقتال الذين يقاتلونهم بلا اعتداء بل في سبيل الله وإعلاء كلمته وليس في سبيل جاه أو مال أو ثأر أو أي غاية من غاية النفس التي تبرأت بذلك من أدران الجاهلية وخلصت لله وحده .
15-أمر القتال جاء للمؤمنين وهم يترقبون لا يردّون ينتظرون الأمر من قيادة حكيمة راشدة يثقون بها ولا يحكّمون أهواءهم ولا يلتفتون لنداءات الحميّة والحماسة والاندفاع الجاهلية فيهم، وهم بهذا يتخلصون من كل براثنها ويحيون بالإسلام في كل جزئية من جزئيات الحياة.
16-الجهاد في الإسلام غايته إعلاء كلمة الله ، وكفّ الصادّين عن سبيله لحماية اللائذين به المعتنقين له والمرتمين في حماه من كل فتنة بأذى أو بإغراء.
17-فتوحات الإسلام كانت كلها نبل وشهامة وحرية، فمن أسلم يُحمى جانبه ويُحمى دينه، ومن أبى يؤخذ منه العهد بعدم التصدي لدعوة الله ، أما من أبى وصدّ فيقاتل لئلا يكون عقبة أمام دعوة الله وخيرها الذي جاء ليظلّ البشرية جمعاء.
18-المسلمون قادة العالم ورواد البشرية بما يحملون من الحق والخير الذي لا أخير منه لسعادة الأرض وأهل الأرض.
19-المسلمون أصحاب خير لا يستأثرون به لأنفسهم بل موكل بهم تعميمه،والذود عن حياضه.
20-المسلمون لا يغزون البلاد ويستذلون العباد ويكرهونهم أن يكونوا مسلمين وإنما يأتونهم بالخير وهم أحرار أن يأخذوه أو أن يعرضوا عنه.
21-الإسلام يكفل حرية المعتقد ولكن دون أن يُعترض للدعوة أن تبلغ الآفاق.
22-أحكام القتال في الإسلام رحمة على رحمة في قلب أشد الأوقات صعوبة ، وقت الحروب.
23-الإسلام منهج حياة كامل متسق متكامل الأطراف يدعو للحياة وللسعادة وللخير .
24-المسلمون مدعوّون في كل زمان لأن يقودوا العالم ولن يقودوه إلا إذا تمكن الإيمان من قلوبهم تمكنه من سلفهم الصالح، وحين تكون الدنيا ملك أيديهم وتتملك الجنة قلوبهم .
العنوان: رد: تعالوا نـــــَـــعــــــــش مع صفحة .........
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2008-11-09, 10:30:48
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

نلتقي أيها الإخوة الكرام الأحبّة اليوم من هذا الأسبوع الجديد الذي كتب الله لنا فيه الحياة، ومع صفحة جديدة نعيش معها أجمل اللحظات وأحبّ اللحظات، ومع درّة جديدة نريد أن نتملّى بحسنها وبوضاءتها، وببريقها المشعّ نورا علينا في الحياة...الصفحة رقم 30 من مصحفنا الشريف من سورة البقرة العظيمة الجليلة، هذه السورة التي أوصانا الحبيب صلى الله عليه وسلم بقراءتها، لأن في قراءتها بركة وتركها حسرة ولا تستطيعها البَطَلَة والبطلة هم السحرة ....قدّرنا الله سبحانه، ورزقنا العيش بالقرآن، وللقرآن ومع القرآن .....

وهذه هي الآيات البينات من صفحتنا الغالية :

وَاقْتُلُوَهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوَهُمْ وَأَخْرِجُوهُم مِّنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ القَتْلِ وَلاَ تُقَاتِلُوَهُمْ عِندَ المَسْجِدِ الحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِن قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوَهُمْ كَذَلِكَ جَزَاءُ الكَافِرِينَ(191) فَإِنِ انتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ غَفَُورٌ رَّحِيمٌ(192) وَقَاتِلُوَهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انتَهَوْا فَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ(193) الشَّهْرُ الحَرَامُ بِالشَّهْرِ الحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ المُتَّقِينَ(194) وَأَنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلاَ تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ المُحْسِنِينَ (195)وَأَتِمُّوا الحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الهَدْيِ وَلاَ تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ بِهِ أَذًى مِّن رَّأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذَا أَمِنتُمْ فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِن الهَدْيِ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَن لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي المَسْجِدِ الحَرَامِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ العِقَابِ(196)

وقد توقفنا المرة السابقة مع آخر آية من الصفحة 29 وهي تسبقة لما في هذه الصفحة الجديدة وذلك في قوله سبحانه:
وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ المُعْتَدِينَ (190)

وعشنا مع هذه المقدمة ما يسر لنا الله أن نعيش، ونكمل بإذن الله اليوم ، وفي ذات السياق، سياق القتال الذي كتب على المؤمنين، وكيف كتب، ولماذا كتب، وميزاته، وخصائصه، والإنسانية التي اتسم بها هذا القتال، والحكمة التي رنا إليها شرعه سبحانه وتشريعه له....

فقد جاء أمره سبحانه لعباده المؤمنين الذين نكّل بهم وعذّبوهم، وشردوهم وأخرجوهم من ديارهم وهم ينتظرون الإذن بالرد حتى أذن لهم سبحانه في قوله:
"أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير"  الآية 39 من سورة الحج
ثم كان الأمر بالقتال وكانت من بدايات هذا الأمر الآية 190 من سورة البقرة وهي مقدمة الآ]ات التي بين أيدينا من صفحتنا المشرفة
وَاقْتُلُوَهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوَهُمْ وَأَخْرِجُوهُم مِّنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ القَتْلِ وَلاَ تُقَاتِلُوَهُمْ عِندَ المَسْجِدِ الحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِن قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوَهُمْ كَذَلِكَ جَزَاءُ الكَافِرِينَ(191)

ثقفتموهم بمعنى وجدتموهم على وجه الأخذ عند إيجادهم، وهو أخذ بحذق وفطنة وخفة ولنتأمل المعنى اللغوي :

ثَقَفَهُ يثقُفهُ ثَقْفًا غلبهُ في الحِذْق وبالرمح طعنهُ.
وثَقِفَ الرجلُ يثقَف وثَقُفَ يثقُف ثَقْفًا وثَقَفًا وثَقَافَةً صار حاذقا خفيفًا فطنًا.
وثَقِفَهُ يثقَفهُ  ثَقْفًا صادفهُ أو أخذهُ أو ظفر بهِ أو أدركه والشيءَ ثقافةً وثقوفةً حذِقهُ.
وفي سورة البقرة وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ قيل أي حيث وجدتموهم في حلٍّ أو حرمٍ. وأصل الثقف الحذق في إدراك الشيءِ علمًا أو عملاً فهو يتضَّمن معنى الغلبة ولذلك استُعمل فيها قال الشاعر
فإما تثقفـوني فاقتلوني **** فإن أَثْقَف فليسَ ترونَ مالي   (1)

وهذا أمر إلاهي لقتل المشركين حيثما وجدهم المؤمنون في حلّ أو حرم، وأن يخرجوهم من حيث أخرجوهم، ويعني بها مكة التي أخرجوا منها، واضطهدوا فيها حتى أخرجوهم منها يبحثون عن ملاذ للدعوة....
والفتنة أشد من القتل
إذ كان المشركون يعيبون على المسلمين القتال عند المسجد الحرام وفي البلد الحرام، فيبي لهم سبحانه أنّما فتنة الإنسان عن الدين الذي ارتضاه له خالقه، وإخراجه من نور الإيمان إلى ظلمات الشرك والوثنية، والصدّ عن دين الله وعن الدعوة أشدّ من هذا الذي يتبرمون منه، فالشرك ظلم عظيم وهو أشد الظلم، هذه الفتنة التي تحصل للمؤمنين عن دينهم، وهذه الفتنة التي يريدون بها للمشرك أن يبقى مشركا ولا تشمله رحمة الإسلام، أشد من القتل الذي يستكبرونه...وفتنة الإنسان عن الإسلام وعن الإيمان، وطأتها أشد من كل وطأة لأنها ظلم له ولنفسه ولبشريته من نيل الخير الذي يعمّها في كل حال وفي كل زمان....هي معرفة الإنسان لربه، وعبوديته لربه، وأن يفرده وحده بالعبادة وبالألوهية، وبالربوبية، ولا يشرك من دونه شيئا ولا أحدا ، ولا يتخذ له ندا، ويعلم علم اليقين أنما كل الحق منزّل من عنده لخير البشر أجمعين، إفراد بالعبادة ، وإخلاص فيها لوجهه وحده ، تذلل بين يديه وحده....وتخلّص من ربقة الهوى ومن سطوة النفس ومن تفلّت عقالها...ومن تسلط الإنسان على الإنسان

وللشهيد سيد قطب رحمه الله في هذه وقفة وتأمل جميل نسوقه هنا :
إن الفتنة عن الدين اعتداء على أقدس ما في الحياة الإنسانية . ومن ثم فهي أشد من القتل . أشد من قتل النفس وإزهاق الروح وإعدام الحياة . ويستوي أن تكون هذه الفتنة بالتهديد والأذى الفعلي , أو بإقامة أوضاع فاسدة من شأنها أن تضل الناس وتفسدهم وتبعدهم عن منهج الله , وتزين لهم الكفر به أو الاعراض عنه . وأقرب الأمثلة على هذا هو النظام الشيوعي الذي يحرم تعليم الدين ويبيح تعليم الإلحاد , ويسن تشريعات تبيح المحرمات كالزنا والخمر , ويحسنها للناس بوسائل التوجيه ; بينما يقبح لهم اتباع الفضائل المشروعة في منهج الله . ويجعل من هذه الأوضاع فروضا حتمية لا يملك الناس التفلت منها .  (2)

قيل لبعض الحكماء ما أشد من الموت قال الذي يتمنى فيه الموت ، والإخراج من الوطن فتنة، ومفارقة الأحبة والأهل فتنة لأنّ عندها كثيرا ما يكون أهون على الإنسان موته من وقوعه بها...
ومنه قول القائل
لقتل بحد السيف أهون موقعا***على النفس من قتل بحد فراق

ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام  حتى يقاتلوكم فيه فإن قاتلوكم فاقتلوهم
وهنا يحدد الله سبحانه مقاتلتهم عند المسجد الحرام ببدء المشركين القتال والمقاتلة عنده، وذلك لشدة حرمته

خطب صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة، فقال: ياأيها الناس: إن الله حرم مكة يوم خلق السموات والارض، ولم تحل لأحد قبلي، ولا تحل لأحد بعدي. وإنما أحلت لي ساعة من النهار، ثم عادت حراما إلى يوم القيامة. فبين صلى الله عليه وسلم، أنه خص في تلك الساعة بالإباحة على سبيل التخصيص، لا على وجه النسخ فثبت بذلك خطر القتال في الحرم، إلا أن يقاتلوا فيدفعون دفعا

حتى يقاتلوكم فيه، أي إذا بدئ منهم القتال فلتقاتلوهم عند المسجد الحرام على وجه الخصوص دون باقي الأماكن، لأن حرمته تقتضي أساسا حرمة القتال فيه، إلا أنهم إذا بدؤوا بذلك الاعتداء منهم وهم مشركون، وفوق  شركهم لا يراعون حرمته، فالأولى أن يكون الرد عليهم من مؤمنين بالله لا يستحلون حرمته إلا لما بدر من ظلمة مشركين يريدون الصد عن سبيل الله تعالى، وإن ترك لهم المجال، وفسح بينهم وبين ما يريدون من قتال في مكان محرم فذلك أشنع وأبغض ....
كذلك جزاء الكافرين، جزاء الكافرين قتالهم، وقتلهم وردّ اعتدائهم وتعديهم بإزهاق أرواحهم الكافرة المعاندة التي لم تنحن لجلال المولى سبحانه .

فإن انتهوا فإن الله غفور رحيم

فإن انتهوا ........واالانتهاء هنا يكون عن كفرهم، عن غيّهم، عن عنادهم، عن تمنّعهم من الإيمان،ويكفوا عن إصرارهم ....انتهاؤهم الجالب لمغفرة الله ورحمته إنما هو انتهاؤهم عن الكفر، ولا مجال هنا لانتهاء عن أمر سواه يكون مجلبة لمغفرة الله ورحمته، فإن هم انتهوا عن قتال المؤمنين، فأي شيء يجلب لهم مغفرة الله ورحمته؟
انتهاؤهم عن كفرهم باب يفتحونه للدعوة، باب يوصدونه دون الصدّ....

وما أعظم الإسلام , وهو يلوح للكفار بالمغفرة والرحمة , ويسقط عنهم القصاص والدية بمجرد دخولهم في الصف المسلم , الذي قتلوا منه وفتنوا , وفعلو بأهله الأفاعيل !!!  (3)

وقد ذكرنا في مداخلاتنا السابقة الغاية من القتال ومن فرضه، وهدف المسلمين من الامتثال لأمرهم سبحانه به، وننقل هذا للإفادة الزائدة:

وغاية القتال هي ضمانة ألا يفتن الناس عن دين الله , وألا يصرفوا عنه بالقوة أو ما يشبهها كقوة الوضع الذي يعيشون فيه بوجه عام , وتسلط عليهم فيه المغريات والمضللات والمفسدات . وذلك بأن يعز دين الله ويقوى جانبه , ويهابه أعداؤه , فلا يجرؤوا على التعرض للناس بالأذى والفتنة , ولا يخشى أحد يريد الإيمان أن تصده عنه قوة أو أن تلحق به الأذى والفتنة



*********************************
(1) الغني
(2)في ظلال القرآن لسيد قطب
(3) الظلال لسيد قطب
(4) نفس المصدر السابق
العنوان: رد: تعالوا نـــــَـــعــــــــش مع صفحة .........
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2008-11-09, 12:32:31
ونكمل أيها الإخوة مع الآية الكريمة الموالية، قوله تعالى :

وَقَاتِلُوَهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انتَهَوْا فَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ(193)

نرى تكرر لفظ الفتنة، وتكرر التخويف من الفتنة، ففي الأولى بين سبحانه أن الفتنة أشد من القتل، وقد قلنا أنما هي فتنة المؤمنين عن دينهم، وفتنة الإنسان بصده عن خيرية الإسلام واعتناقه لخيره....

وهاهنا تتكرر، حتى يتبين لنا
أنما الغاية العظمى من القتال إنما هي ردّ هذه الفتنة  ردّ استهدافهم لفتنة الناس في دينهم  

وهنا يبين الإسلام العظيم أنّ أشدّ الناس شرا للناس هم الذين يفتنونهم في دينهم، ويتعرضون لهم بالأذى الفعلي، أو بإشاعة الفساد ومظاهر الفساد والإغراض وتمرير الرسالات الهدّامة في قالب مزيّن مغلّف يستحسنه الإنسان ويرى فيه جلد حمل والذئب من وراء الجلد الناعم متخفّ....

هنا يبين الإسلام أن حياة الإنسان برمتها في كفة وعقيدته في كفة أخرى، وأن الحق يحكم بأن ترجح إحداهما وهي كفة العقيدة، لأن الموت في سبيلها وفي سبيل إعلائها وتبيانها وتوضيح مسالكها للناس شرف ورفعة ونيل للخير كله، وأن قتل من يصدّ عنها ويحول دون بلوغها والنهل من فيوضات رحمتها وخيرها للبشرية جمعاء شرف أيضا ورفعة .... فسواء في ذلك من قاتل في سبيلها وفي سبيل تفتح الأبواب أمامها فحياته قد تكون لها الثمن دون أدنى اعتقاد خسارة منه وممن حوله من المعتقدين اعتقاده، أو قتل ذاك الذي أوصد دونها الأبواب، فحياته ثمن أيضا، ثمن بخس لإعلائها ....
وشتان بين الموتين !!!!.........فموت في سبيل الحق، وموت في سبيل الباطل، موت في سبيل الإعلاء واليد من الأيادي المعليه، وموت في سبيل الإطاحة وقد شلّت يد كانت من الأيادي المطيحة أو الحالمة بالإطاحة ....

ويكون الدين لله     حتى لا تكون فتة ويكون الدين لله، فالفتنة هي الإبعاد عن دين الله، وهنا "حتى" تعني الغاية والغاية هنا ألا تكون فتنة ويكون الدين لله خالصا، ليس للأهواء، ولا للناس، ولا للجاه ولا للسلطان ولا للباطل بكل أوجهه، ولا يكون للشيطان نصيب منه ...
وكذلك يكون الدين لله، فيصدّ كل من صدّ عن الدعوة ...

وفي هذا المقام نذكر ونتذكر، نذكر أيها الإخوة حالنا وما نحن عليه،..... الدين لله، لا نرتضي غيره شرعة ومنهاجا لحياتنا، لكل جزئيات حياتنا، نبتغي فيها كلها وجهه سبحانه، قل إن صلاتي ونسكي ومحياي لله رب العالمين ..... أين نحن من هذا؟؟؟

أين شباب يقف بالساعات الطوال أمام مرآة تكاد تصرخ أو تصفعه على وجهه المقابل لها ليستفيق، وهو يمشط على منوال فلان من الفنانين، أو وهي تلبس على شاكلة علانة من الفنانات المتمايلات الراقصات، ....... أهذا هو الدين لله ....؟؟؟؟

كيف أصبحنا بهذا الحال، وكيف آل إلى هذا مآلنا ؟؟؟ إن لم يكن من تخاذلنا ومن بعدنا عن الحق وعن ارتضائنا العزة فيما سوى الإسلام فما كان إلا أن أذلنا الله ....
كيف الدين لله، ونحن قد أصبحنا الوسيلة والغاية، فمنا وفينا عوامل الهدم، ولم نعد نكلفهم تعبا ولا نَصَبا ، وإنما قد تولينا عنهم التهديم بعدما تشربنا من مدارسهم الغربية المغرّبة، وبعدما بهرنا بهم، وبعدما انبهرنا بحالهم، نرى فيهم الكمال، حتى صرنا نخاف أن يميلوا يوما ما إلى الإسلام ويوقنوا أنه الحق فنميل معهم إليه بحكم أنهم قد مالوا إليه، فقد تعودنا النسخ واللصق ....!!!!!

أين نحن من الدين لله ؟؟؟.... وقد بات المحق بيننا والداعي إلى الحق يخشى أن يقول كلمات الحق لئلا تؤوّل ويقال عنه إرهابي أو متزمت أو منغلق أو ناعق بالرجعية؟؟؟
أين نحن من الدين لله ونحن نرمي بالكنوز يمنة ويسرة ونتركها لذرات التراب تغزوها، ونتشبث بالفُتات من أكلاتهم المتعفنة، ويكأنّنا نفتقر للعزة ، ويكأننا نفتقر للحكمة حتى نأتي بها من سين أو من عين .....
ويقول أحدهم من بني الإسلام  : إن المثل الفرعوني يقول : "أحب الكتاب أكثر من حبك لأبيك وأمك" !!!!! لهف نفسي ..... فأنت تستمدّ منهم الحكمة لما نضبت ينابيعها التي بين يديك، ولكن ما عساي أقول ومن لم يحبّ أن يرى لم يرَ ولن يرى ، ومن تعطش للملح الأجاج والفرات الزلال بين يديه، فلن يرتوي بقطرة منه، مادام ينهل مما يؤجج  نيران العطش في نفسه فلا يزيده الشرب منها إلا عطشا ولن ينهل من غير الأجاج...................!!!!

ولنتملّ بأحوالنا فإذا نحن أقرب للذل والهوان منا للعزة، وما ذلك إلا من صنع أيادينا ومن قابليتنا للاستعمار، ومن غفلتنا عن خير هو بين أيدينا وتطلعنا واشرئباب رقابنا إلى ما ليس لنا وما ليس كاملا ولا متسقا، والباطل يغزوه من بين يديه ومن خلفه ومن فوقه ومن تحته، ذلك أنه من وحي عقل مهما ادعى الكمال أو ادّعي له الكمال فهو الناقص .....

وإذا أراضينا اليوم مستباحة ويقولون فيما يقولون أنهم يحررونها، وغيرها مهددة بتحريرهم !!!!!!!
فإن لم تكن منا استفاقة، وإن لم تكن منا التفاتة، وإن لم تكن منا نهضة فلن يكون لنا الخير ولن تعود لنا الخيرية ........
وكما يقول مالك بن نبي فيمن ذهب إلى فرنسا من المصلحين الجزائريين منساقين خلف السياسيين ودعواتهم، "بماذا عدتم من هناك؟؟؟ أليس اليقين أن النهضة والاستفاقة من أمتنا من الداخل ولن يعطينا العدو شيئا فيه لنا خير ؟؟؟؟"

فإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين  

والذين ينتهون هم هؤلاء المشركون....الذين إن انتهوا فانتهاؤهم كما أسلفنا هو انتهاء عن الشرك والضلال إلى الإيمان والهدى، فإن انتهوا فلن يبقى عليهم عدوان، بل إن العدوان لا يكون إلا على الظالمين، وهم بانتهائهم لن يبقوا من الظالمين ، بل سيصبحون إخوة في الله وفي الدين ....ولا عدوان عليهم بحكم دخولهم في هذا النطاق البديع الجميل المحصّن الكامل ......

وهنا إخوتي لغويا، نتساءل لماذا جاء لفظ "العدوان" وغايته حق ولا عدوان فيه ولا اعتداء ؟؟؟

لنتأمل هذا الجواب......
والعدوان: الظلم، وأريد به هاهنا: الجزاء. فسمي الجزاء عدوانا مقابلة للشىء بمثله كقوله: {فَمَنِ ٱعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ فَٱعْتَدُواْ عَلَيْهِ }  (1)

والقياس بذات اللفظ من جنس مقابلة الفعل بالفعل فالعدوان هنا هو الجزاء، وليس العدوان من التعدي والظلم ، وتسمى المشاكلة وهي الاتفاق في اللفظ مع الاختلاف في المعنى ، كقوله تعالى : "وجزاء سيئة سيئة مثلها" الشورى 40 قال الزجاج العرب تقول : ظلمني فلان فظلمته أي جازيته بظلمه .





**************************
(1) زاد المسير في علم التفسير لابن الجوزي
العنوان: رد: تعالوا نـــــَـــعــــــــش مع صفحة .........
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2008-11-09, 19:10:20
والآن نكمل مع الآية الموالية من هذه الصفحة الحبيبة قوله تعالى :

الشَّهْرُ الحَرَامُ بِالشَّهْرِ الحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ المُتَّقِينَ(194)

إنّ لهذه الآية سبب نزول نذكره بادئين :

قوله (الشَهرُ الحَرامُ بِالشَهرِ الحَرامِ) الآية قال قتادة: أقبل نبي الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه في ذي القعدة حتى إذا كانوا بالحديبية صدهم المشركون فلما كان العام المقبل دخلوا مكة فاعتمروا في ذي القعدة وأقاموا بها ثلاث ليال وكان المشركون قد فجروا عليه حين ردوه يوم الحديبية فأقصه الله تعالى منهم فأنزل (الشَهرُ الحَرامُ بِالشَهرِ الحَرامِ) الآية.(1)

كما أنّ هناك فائدة لغوية توضح لنا المعنى فيما توضح ذلك أن قوله سبحانه الشَهرُ الحَرامُ بِالشَهرِ الحَرامِفيه إيجاز بالحذف تقديره : هتكُ حرمة الشهر الحرام تقابل بهتك حرمة الشهر الحرام، ويسمى حذف الإيجاز .

إذن فكما هتك المشركون حرمة ذي القعدة، وحرموا الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام  من تأدية العمرة،وردوهم وصدوهم عن البيت، فكذلك قد أمرهم سبحانه بأن يهتكوا حرماتهم ندا بندّ، وفي ذات الوقت قصاصا منه سبحانه للمؤمنين، والحرمات قصاص، فمن اعتدى في شهر حرام يعتدى عليه أيضا في شهر حرام، ومن اعتدى في مكان حرام يعتدى عليه في مكان حرام، والله سبحانه وتعالى قد أراد البلد الحرام أمانا وأمنا وحرمة تظل العباد ، حرمة مكان، وأراد في الأشهر الحرام حرمة، وأمنا وسلاما يظل العباد ، حرمة زمان، فمن هتك تلك الحرمات، يعتدى عليه بالمثل قصاصا، ليس أحد خير من أحد وليس من يفزّع ويراد به العذاب والتباب بأهون على الله من الذي أراد....ولا أقل شأنا منه، وإنما الله هو العدل هو الرحيم، هو الرحمن الذي لا فرق عنده بين أعرابي ولا أعجمي ولا أبيض ولا أسود إلا بالتقوى، التقوى هي المقياس، وهي التي تعلي، وهي التي ترفع عند الله.... من يتقيه، من يعظم شعائره، من يوقّر حرماته..... أما من ينتهكها، ويضرّ ويسيئ لغيره، ويريد بهم الهلاك والويل، فالله سبحانه يتوعده بأمر عباده سَوْمَهُم الصاع بالصاع، المثل بالمثل، لا فرق، ولا فروق.....
هو الله الذي لا يحابي، ولا يفضل، ولا يترك الإمرة لأحد على أحد بالباطل ومن غير وجه حق، ولا يحب من يرضى بالذل والهوان والظلم...
وفي ذلك نذكر قول الفاروق رضي الله عنه :"متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا " ....ذلك في كل حال، في حال المؤمن مع المؤمن، فما بالك بحال الذي كفر وضلّ واختار سبيل الغيّ  مع من آمن ووحّد ووجه وجهه لله وحده، واتخذ سبيل الرشاد سبيلا ...

ولأن الله سبحانه عادل يقيم بالعدل ويحكم بالعدل والمساواة، فقد تبعت هذه الكلمات الربانية الموجّهة قوله : فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ المُتَّقِينَ

وكما بينا سالفا فإنها هنا المشاكلة وهي التساوي في اللفظ والاختلاف في المعنى فهنا اعتداء المسلمين هو الجزاء، وليس اعتداء ظلم...

بالمثل، بالندّ ....وهذا هو القصاص، فهو سبحانه يفصّل قوله "والحرمات قصاص " بقوله  "بمثل" دون زيادة ودون اتباع هوى فيزيد عدوانا وظلما وجَورا وإنما بالمثل، لا يزيد ولا ينقص........فإن أنقص فذلك  أنّ الذي اعتدي عليه أقل شأنا من المعتدي، وإن زاد وكأن المعتدى عليه أكثر شأنا من المعتدي .....

سبحان الله ....هذا الدين الذي يعلمنا كيف نكون مع المشركين الضالين الكافرين، فكيف إذن بالحال المراد بين المؤمنين ؟؟؟؟؟!!!!!
سؤال يقفز للذهن حقا.... إن كان هذا العدل المطلوب، والمساواة والأخذ بالمثل دون اعتداء وتعدّ لما هو بين مؤمن ومشرك، فكيف بين مؤمن ومؤمن؟؟
المؤمنون الذين تصبغ علاقتهم رحمة وودّ وحنان وحبّ وإيثار
يحضرني ها هنا  قول الحبيب صلى الله عليه وسلم : لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه

يا الله........ يالسموّ هذه العلاقة الحميمية، ويالأهميتها، ويالهذا الميزان الذي جعل لها .... بماذا تقاس ؟؟؟ تقاس بالإيمان ...وهل أعلى من الإيمان صفة ؟؟
واتقوا الله واعلموا أن الله مع المتقين فهي أمور ثلاثة، تعالوا نتأملها وقد وصل بينها جميعا حرف العطف "و"

فأولها :
1- فاعتدوا عليهم بمثل ما عتدوا عليكم
و
2-اتقوا الله
و
3-اعلموا أن الله مع المتقين

لنستذكر يا جماعة الخير سوية آية فرض القصاص وهو سبحانه يردفها بقوله :"ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب لعلكم تتقون" البقرة 179
أي أن الغاية هي التقوى، والهدف هو التقوى ....
وللنظر هنا أيضا فإذا القصاص في الحرمات يتبعه الله بقوله واتقوا الله، فهي الصفة التي يجب أن يلتزموها، وتلازمهم.... التقوى، لأن من يتقي لن يعتدي، فخشيته من رب العزة وابتغاء مرضاته ستكونان له الدافع لأن يلتزم الحدود المبينة منه سبحانه ولا يتعداها إلى أمر هواه
، ثم تأتي الثالثة :
واعلموا أن الله مع المتقين  يذكرهم مثنيا سبحانه بذكر التقوى، مكررا لها ...وهي بذلك ضمان فوق الضمان أنّه سبحانه يكون مع عباده المتقين، حتى يفرحوا بمعية الله تعالى ويرون الامتثال لأمره لقاءها أمرا يسيرا ميسّرا، لا يشقّ على أنفسهم، ولا يتبعون الهوى، بل يتبعون ما بين الله وما أمر ......

إذن : 1-أمر بالإعتداء بالمثل ، 2- أمر بتقوى الله ، 3- تأكيد على معية الله للمتقين.

ونولي وجوهنا شطر الآية الأخرى من صفحتنا قوله تعالى :

وَأَنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلاَ تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ المُحْسِنِينَ (195)

وقد جاء في سبب نزول هذه الآية الكريمة، أنه لما التقى جيش المسلمين وجيش الروم حمل أحد المسلمين على جيش الروم، فألقى بنفسه في وسطهم، ثم رجع إلى جيشه مقبلا، فصاح المسلمون، قد أدى بنفسه إلى التهلكة، فصاح فيهم أبو أيوب الأنصاري أنما أنتم تتأولون هذه الآ]ة ، وإنما نزلت فينا صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إنا لما عزّ الإسلام وكثر ناصروه ، وكان النصر حليفا لنا، قلنا سرا من رسول الله صلى الله عليه وسلم أنّ علينا العودة إلى أهلينا وأموالنا وإصلاحها والاهتمام بها واسترداد ما ضاع منها ، فنزلت هذه الآيةفينا يبين الله أنّ تركنا للجهاد تهلكة لنا....

ولنتأمل أيها الإخوة كيف قرن الإنفاق بالجهاد وآيات القتال في سبيل الله، والإنفاق أيضا يبيّن أنه في سبيل الله لإعداد عدة الجيوش وتجهيزها، وتمكينها بما تحتاج من عتاد، وكثيرا ما قرن القرآن الكريم الجهاد بالإنفاق
من مثل قوله تعالى : "وَمَا لَكُمْ أَلاَّ تُنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ لاَ يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الَّذِينَ أَنفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلاًّ وَعَدَ اللَّهُ الحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ" الحديد 10

فالجهاد بالنفس وبالمال في سبيل الله تعالى، ولننظر كيف أنّ الله سبحانه يتوعد بالهلاك والتهلكة من ترك الجهاد والإنفاق في سبيله، لأن الغلوّ في حب الدنيا،وفي الابتعاد عن الإنفاق من شأنه أن يخضع صاحبه لسطوة المال وفتنته...وتلك هي التهلكة بعينها ....
وسبحان الله ترك الجهاد وترك الإنفاق في سبيل الله للجهاد أهلكا الأمة فعلا .... فالحرمات تنتهك، والأراضي تستباح، والحق يؤخذ عنوة، ونحن نتفرج....
ويوم اثّاقل المؤمنون إلى الأرض واستثقلوا الجهاد والإنفاق  في سبيل الله  أخلدوا إلى الأرض، وأخلدوا للهوان والذلّ، وبات الحق يؤخذ، والأطفال تذبّح، والحرمات تستباح ونحن نتفرج، نغفل ونلهو ونلعب وتبرد قلوبنا برد الثلج عن الحق، أو نبكي ونولول، أو نتحسر ونضرب كفا بكف ولا نملك إلا الشجب والتنديد والتظاهر وإحراق الأعلام في الساحات والميادين ...........

فهي التهلكة، لأن العدوّ تقوى شكيمته، ويغزو ويعتدي ويستبيح على مرأى من أعين الغافلين الذين ألقوا بأنفسهم إلى التهلكة يوم أن تركوا الجهاد في سبيل الله والإنفاق في سبيله ....

والجهاد في سبيل الله والإنفاق في سبيل الله مراتب عليا، ولا يستوي من جاهد مع من قعد، ولا يستوي من أنفق مع من تمنّع...........ويرتقي سبحانه في الوصف والأوصاف والبيان ليأتي ذكر الإحسان، وكأنّ المؤمن إذا جاهد وأنفق في سبيل الله إنما يرتقي إلى مرتبة الإحسان بذلك، فهو لا يبخل بنفسه والنفس غالية، ولا يبخل بماله والمال غال .... فما عنده من زينة الدنيا ومن قَوَامها ومن استقامة معنى وجوده فيها يرخص لديه لقاء رضى الله ولقاء رضوانه، فهو يرتقي إلى درجة الإحسان عُليا مراتب الإسلام
ويقول صلى الله عليه وسلم :
"أن تعبد الله كأنك تراه , فإن لم تكن تراه فإنه يراك " فبالإحسان يتورع المؤمن عن كل معصية ويأتي كل طاعة ....
ولنتتبع الأثر خطوة خطوة .................

فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عله بمثل ما اعتدى عليكم --------------------------ردّ بالمثل وقصاص
اتقوا الله----------------------------------------------------------------------------------لزوم التقوى لئلا يكون الاعتداء
وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة-------------------------------الإنفاق في سبيل الله لتجنب التهلكة التي هي البعد عن الجهاد والإنفاق في سبيله
وأحسنوا إن الله يحب المحسنين-----------------------------------------------------بلوغ درجة الإحسان ومرقى الإحسان

هي درجات يصعدها المؤمن، هو مصعد يأخذه من حال إلى حال أحسن منها، هي إرادة الله الخير كله للمؤمن بهذا الإيمان وبهذا الإسلام والتسليم الكلي لله تعالى ، ولأمره الذي لا ينزل به وإنما يصعد به الدرجات تلو الدرجات ليبلغ أعلاها وأسماها ويرتقي ابتغاء حياة لله وابتغاء مماة تبلغه رضوانه وأعلى مراتب الجنة ....

وهناك فائدة أيضا من أمر أكيد، ذلك أنه لم يرد في القرآن الكريم ذكر الجهاد إلا وأتبع بـ "في سبيل الله" لتتبين بجلاء بغية الإسلام من الجهاد والتي إنما هي إعلاء كلمة الله تعالى وفتح الأبواب أمام الدعوة إلى الله .....



 




***************************
(1)أسباب النزول للواحدي
العنوان: رد: تعالوا نـــــَـــعــــــــش مع صفحة .........
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2008-11-09, 20:32:10
***************درر نثــــــــــــر درة*******************

ونأتي إلى درر نحاول استخراجها من هذه الآيات الكريمات كعادتنا أيها الإخوة في موضوعنا هذا.....
وهي من قوله عزّ من قائل :

وَاقْتُلُوَهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوَهُمْ وَأَخْرِجُوهُم مِّنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ القَتْلِ وَلاَ تُقَاتِلُوَهُمْ عِندَ المَسْجِدِ الحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِن قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوَهُمْ كَذَلِكَ جَزَاءُ الكَافِرِينَ(191) فَإِنِ انتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ غَفَُورٌ رَّحِيمٌ(192) وَقَاتِلُوَهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انتَهَوْا فَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ(193) الشَّهْرُ الحَرَامُ بِالشَّهْرِ الحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ المُتَّقِينَ(194) وَأَنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلاَ تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ المُحْسِنِينَ (195)وَأَتِمُّوا الحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الهَدْيِ وَلاَ تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ بِهِ أَذًى مِّن رَّأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذَا أَمِنتُمْ فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِن الهَدْيِ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَن لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي المَسْجِدِ الحَرَامِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ العِقَابِ(196)


1-أمر الله للمؤمنين بقتال المشركين حيثما وجدوهم في حلّ أو في حرم، والأمر بإخراجهم كما أخرجوهم حتى يشفي صدور المؤمنين الذين تربصوا ولم يردوا منتظرين إذن الله تعالى لهم بالقتال .
2-الفتنة عن الدين وعن العلاقة بالله عز وجل أشد من القتل الذي عابه المشركون على المؤمنين إذ قاتلوهم في المسجد الحرام.
3-أمر المؤمنين بالرد على المشركين بالقتل عند المسجد الحرام إن هم بدؤوهم، ذلك أنه لا أحد أفضل من أحد وحتى تتطهر تلك البقاع منهم والمؤمنون أولى بها منهم .
4-إشارة إلى واسع مغفرة الله سبحانه لمن ينتهي من المشركين عن غيّه وعن ضلاله ويعتنق الإسلام دينا.
5-غاية القتال هي درء الفتنة في الأرض، وهي في سبيل الله سبحانه وفي سبيل إعلاء كلمته في الأرض وليس قتال أهواء وقتال انتقام للنفس من النفس.
6-الإسلام جعل كل أمر من أمور المؤمن وكل حال من أحواله خالصة له سبحانه متجردة من كل هوى ومن كل نزعة، حتى أنه لتهون عليه نفسه لقاء نصرة دين الله.
7-المسلمون قوم لا يعتدون إلا على من ظلم، وأكبر الظلم الشرك بالله وإشاعة هذا الشرك وحب إفشائه في الأرض، والصد عن سبيل الله عنوانا لأكبر الفساد فيها.
8-العدوان لفظا يردّ لجنس اللفظ ولكنه معنى هو الحقّ وليس الاعتداءمن المؤمنين.
9-من اعتدى على مسلم في شهر حرام يعتدى عليه في شهر حرام، والحرمات قصاص، فلا زيد أحسن من عمر عند الله ولا عمر أدنى من زيد عنده، إنما الناس سواسية .
10-رد العدوان والمظلمة يكون بالمثل، ولا يكون بزيادة واعتداء فوق الاعتداء إشفاء لغليل في النفس ولغاية فيها.دين ليس أرقى منه حتى في أشد الحالات، القتال.
11-الدعوة إلى تقوى الله حتى لا يكون اعتداء، فهي الحائل دونه وهي الدافع لأن يكون الجزاء بالمثل من غير مغالاة وخروج عن الإنسانية من مثل التمثيل بالأجساد والاعتداء على الشيوخ والنساء كما هي صورة الحروب في زماننا، زمان المدعين الإنسانية.
12-الله مع المتقين، بمعيتهم، يزيد دروبهم نورا ويزيدهم منه قربا، ويزيدهم حبا لحبه وحب من أحبه وحب العمل الذي يقربهم لحبه.
13-التهلكة في الإسلام هي تفضيل المال والبنين والدنيا بكل زينتها المحلّلة على جهاد في سبيل إعلاء كلمته، وعلى إنفاق لتجهيز المجاهدين في سبيل الله.
14-ركون الناس للدنيا فعلا هلاك لحالهم، وهذا ما نعاينه، والمسلمون قد ركنوا إليها ولم يعد لهم الهدف الأكبر إعلاء كلمة الله في الأرض كقادة للبشرية أنيطت بهم هذه المسؤولية.
15-متى عاد المسلمون يذودون عن الإسلام، ويذودون عن حياضه، ويرفعون رايته عاليا في كل الأرض عادت عزتهم.
16-جاء الأمر بالإنفاق على المجاهدين وعلى الجهاد، ثم التحذير من مغبة الركون إلى الدنيا على الجهاد، ثم ارتقى إلى الإحسان وهذا حال من الارتقاء في الدرجات يريده الله لعباده المؤمنين.
16-الأمر بإتمام الحج والعمرة لله خالصة وليس ابتغاء أية غاية دنيوية.
17-المحصورون، الذين تحول دون إتمامهم لحج أو عمرة صدّ عدو أو مرض عليهم بالهدي.
18-حلق الرؤوس دليل على تحلل الحاج من حجه، فجاء الأمر بعدم التحلل إلا بعد أن يبلغ الهدي مكانه الذي يذبح فيه
19-من اضطره مرض برأسه أو أذى من هامة به إلى الحلق فحلق قبل التحلل وقبل الهدي فهذا مجاز له ذلك، ولكن عليه الفدية من صيام ثلاثة أيام أو صدقة أو ذبح.
20-من تمتع بالعمرة إلى الحج من الحجيج الآمنين، فعليه أن يتحلل من عمرته بالهدي، ليمكث منتظرا حلول موعد الحج ثم يحرم بعدها بالحج وهذا هو التمتع
21-من لم يجد ما يذبح به، عليه صيام عشرة أيام كاملة ثلاثة في الحج، وسبعة عند رجوعه بلده، وهذال لمن ليس من أهل الحرم هناك.
22-الدعوة المتكررة إلى تقوى الله، الله شديد العقاب لمن يتعدى حدوده التي بينها لعباده، ولمن يستهزئ بقدسيات العبادات.
العنوان: رد: تعالوا نـــــَـــعــــــــش مع صفحة .........
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2008-11-10, 12:37:49
نكمل اليوم مع الآية الأخيرة من هذه الصفحة المشرفة قوله تعالى :

وَأَتِمُّوا الحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الهَدْيِ وَلاَ تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ بِهِ أَذًى مِّن رَّأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذَا أَمِنتُمْ فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِن الهَدْيِ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَن لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي المَسْجِدِ الحَرَامِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ العِقَابِ(196)

نلاحظ أيها الإخوة الترابط الموجود بين الآيات الكريمات ، فالله سبحانه وتعالى فصل في أحكام الصيام حينما بدأ بفرضيته ثم أحكامه، ثم عن الأهلة والتي بين سبحانه أنها مواقيت للناس والحج، والحج يلي الصيام وشهوره تلي شهر الصيام،وفي عَرَض ذلك، جاء ذكر القتال، وكيف يكون حال المؤمنين الذين خشوا أن يصدهم المشركون في عمرة القضاء، وأكبر خشيتهم أن يردوا عدوانهم وهو شهر حرام، فبين الله لهم أن عليهم ردذ العدوان وفي الشهر الحرام ، كما تجرؤوا هم على فعل ذلك ....ويتبع القتال بالحديث عن الإنفاق في سبيل الله للجهاد في سبيله....
ثم نصل إلى الحج والعمرة وأحكامهما مع هذه الآية .....

وإتمامهما يقصد به أداؤهما أتمّ الأداء لله، ابتغاء وجهه، وابتغاء مرضاته وحده ، والعمرة كالحج في شعائرها ما عدا الوقوف بعرفة الذي يكون في الحج ....

فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي  


وأتموا الحج والعمرة لله  


وأكمل لاحقا بإذن الله فأنا مضطرة للمغادرة emo (30):
العنوان: رد: تعالوا نـــــَـــعــــــــش مع صفحة .........
أرسل بواسطة: ماما فرح في 2008-11-10, 13:43:41

تسجيل متابعة

صار لي وقت طويل أرجيء قراءة الموضوعات الطويلة الدسمة إلى وقت فراغ على رواقة

ولم يأت الفراغ ولم تظهر الرواقة في الأفق

  ::cry::
العنوان: رد: تعالوا نـــــَـــعــــــــش مع صفحة .........
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2008-11-15, 07:56:46

تسجيل متابعة

صار لي وقت طويل أرجيء قراءة الموضوعات الطويلة الدسمة إلى وقت فراغ على رواقة

ولم يأت الفراغ ولم تظهر الرواقة في الأفق

  ::cry::


أهلا وسهلا ومرحبا يا ماما فرح  يا غالية sm::))(
نورت الموضوع  emo (13):

معك يا ماما فرح ، فكم نعتزم من أمور ثم تحول المشاغل دون إنجازها ....أعانك الله وسدد خطاك وبارك في مسعاك
ولكن هذه المرة حبسة مع كبسة :emoti_282: لن تغادري متابعة الموضوع  ::)smile:


بإذن الله تعالى سأكمل اليوم مع الآية الأخيرة من صفحتنا وقد أحصرت فلم أكملها في حينها emo (30):
العنوان: رد: تعالوا نـــــَـــعــــــــش مع صفحة .........
أرسل بواسطة: الشيماء أحمد في 2008-11-15, 08:12:41
لم أستطع أن أمر من هنا دون أن أكتب تعليق
جزاكِ الله خيراً يا أسماء ... لي عودة ان شاء الله ... للأسف أصل دائماً في هذه الموضوعات الرائعة في نهايتها فأحتاج للوقت لأقرأ ... سأحاول أن أقسم الموضوع وان شاء الله أسجل متابعة لما بقي
العنوان: رد: تعالوا نـــــَـــعــــــــش مع صفحة .........
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2008-11-15, 08:30:11
أهلا وسهلا ومرحبا يا شيماء على الرحب والسعة أختاه ....وأنتظرك حال تفرغك يسر الله لك  emo (30):
العنوان: رد: تعالوا نـــــَـــعــــــــش مع صفحة .........
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2008-11-16, 10:39:58
وَأَتِمُّوا الحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الهَدْيِ وَلاَ تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ بِهِ أَذًى مِّن رَّأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذَا أَمِنتُمْ فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِن الهَدْيِ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَن لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي المَسْجِدِ الحَرَامِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ العِقَابِ(196)

وتجدر الإشارة أيها الإخوة هنا إلى تاريخ فرضية الحجّ كركن من أركان الإسلام الخمسة فهناك مصادر تشير إلى أن فرضيته كانت في السنة التاسعة أو العاشرة للهجرة ارتكانا إلى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حج حجة الوداع في السنة العاشرة ، ولكنّ هذا  ليس بالحجة الواضحة وإنما قد يكون صلى الله عليه وسلم قد أجل حجته إلى السنة العاشرة، نظرا إلى حال المشركين وإلى ما بينهم ....

وقد ذكر في آيات سورة الحج  أو أشير إلى الهدي والنحر والطواف والإحلال من الإحرام وذكر اسم الله . وهي شعائر الحج الأساسية . وكان الخطاب موجها إلى الأمة المسلمة موصولة بسيرة أبيهم إبراهيم . مما يشير إلى فرضية الحج في وقت مبكر , باعتباره شعيرة إبراهيم الذي إليه ينتسب المسلمون . فإذا كانت قد وجدت عقبات من الصراع بين المسلمين والمشركين - وهم سدنة الكعبة إذ ذاك - جعلت أداء الفريضة متعذرا بعض الوقت , فذلك اعتبار آخر . وقد رجحنا في أوائل هذا الجزء أن بعض المسلمين كانوا يؤدون الفريضة أفرادا في وقت مبكر ; بعد تحويل القبلة في السنة الثانية من الهجرة .  (1)



فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي

ُأحصِرَ بمعنى حُبِسَ  ، حبسه مرض أو خوف أو عدو

يعني هنا يبين سبحانه أن الإنسان إذا ما خرج ناويا حجا أو عمرة، أو حجا وعمرة ولكنّ الأقدار شاءت أن يحبسه عن إتمامهما أمر ، من مثل مرض أو عدو يصدّ بحرب فإنّ فداء ذلك والذي يبقي الأجر والثواب كمن حج أو اعتمر تماما هو الهدي والهدي هنا هو ما يهدى لله

هَدْيٌ - [هـ د ي]. (مص. هَدَى). 1."قَدَّمَ الْهَدْيَ إِلَى الْبَيْتِ الْحَرَامِِ" : مَا يُهْدَى مِنَ الذَّبَائِحِ للِتَّصَدُّقِ بِهَا(2)


ما استيسر من الهدي  
أي ما تيسر منه ، وكذلك الحال كان يوم الحديبية عندما صدّ الرسول صلى الله عليه وسلم وصحبه عن العمرة، وقد شقّ على الصحابة أن ينحروا وهم لم يبلغوا بالهدي محلّه، ففعل الرسول صلى الله عله وسلم ذلك فاقتدوا به، وقد اشترك الصحابة يومه العدد في ناقة ، وما استيسر هو من أنواع النعم أيضا بين بقر وإبل وغنم ومعز ....

ولا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدي محله

وحلق الرؤوس هو إشارة إلى الإحلال من الإحرام، وهو هنا حال غير المحصرين، أي لاذين أدوا مناسكهم بحرية ودون أي حابس، فحلق الرؤوس هنا للإحلال من العمرة أو الحج لا يكون إلا عند بلوغ الهدي محلّه ويكون ذلك بعد الوقوف بعرفة، في منى في اليوم العاشر من ذي الحجة، وهذا بلوغ الهدي محلّه أي مكانه الذي ينحر فيه أما قبلها فلا حلق للرأس ولا تقصير ....

فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك

يأتي هذا الاستثناء لمن كان مريضا في حال غير الإحصار أي في حال الأمن، فمن كان به مرض أو أذى في رأسه يحتم عليه حلق رأسه كحل لمرض برأسه وأذى ألمّ به، فليفعل ذلك ولكن عليه أن يفدي بأحد ثلاثة أمور صيام والصيام مدته أيام ثلاثة، أو صدقة أو نسك والنسك هو الذبح ....
وتجدر الإشارة ونحن ف عَرَض هذه الآية الكريمة وهذا المقطع تحديدا أن نزيد الأمر جلاء بوضع سبب النزول الذي جاء فيه:

فَمَن كانَ مِنكُم مَّريضاً أَو بِهِ أَذىً مِّن رَأسِهِ الآية قال ابن عباس: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (الصيام ثلاثة أيام والنسك شاة أخبرنا محمد بن محمد المنصوري قال: أخبرنا علي بن عامر الحافظ قال: حدثنا عبد الله بن المهدي قال: حدثنا طاهر بن عيسى التميمي قال: حدثنا زهير بن عباد قال: حدثنا مصعب بن ماهان عن سفيان الثوري عن ابن أبي نجيح عن مجاهد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن كعب بن عجرة مر به رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يوقد تحت قدر له بالحديبية فقال: أيؤذيك هوام رأسك قال: نعم قال: احلق فأنزلت هذه الآية (فَمَن كانَ مِنكُم مَريضاً أَو بِهِ أَذىً مِّن رَّأسِهِ فَفِديَةٌ مِّن صِيامٍ أًوصَدَقَةٍ أَو نُسُكٍ) قال: فالصيام ثلاثة أيام والصدقة فرق بين ستة مساكين والنسك شاة.(3)






---------------------------------------------------------------------------------

(1) في ظلال القرآن لسيد قطب
(2) الغني
(3)أسباب النزول للواحدي
العنوان: رد: تعالوا نـــــَـــعــــــــش مع صفحة .........
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2008-11-17, 08:51:35
فإذا أمنتم , فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي

سنذكر ها هنا حصورتين للتمتع بالعمرة إلى الحاج فالمسلم إما أن يهلّ محرما من الميقات عمرة، فعندما يقضي مناسكها، يحرم للحج بعدها وينتظر حلول أوان الحج ، والصورة الثانية من التمتع هي أن يحرم بعمر وحج معا سويا وعندما ينهي عمرته، ينتظر أيام الحج ، وفي كلتا الحالتين على الحاج أن أن ينحر ليتحلل من العمرة، ويتمتع بأيام ما بين انتهائه من عمرته وانتظاره أوان الحج ، وتحلله يكون بنحره لما استيسر من الهدي وهو كما ذكرنا سالفا شيء من النعم المباح .
فمن لم يجد ما يذبح به وما ييسر له النحر....؟

فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم . تلك عشرة كاملة
إذن فالفدية في حال عدم استطاعته الذبح صيام ثلاثة أيام في الحج وهذه الأيام الثلاثة تبدأ بومين قبل يوم الوقوف بعرفة أي أيام السابع والثامن والتاسع
من ذي الحجة، وسبعة أيام إذا رجع الحاج إلى بلده ، فتكون بذلك عشرة كاملة وقد جاء قوله سبحانه "تلك عشرة كاملة" زيادة في التأكيد ...

ولعل حكمة الهدي أو الصوم هي استمرار صلة القلب بالله , فيما بين العمرة والحج , فلا يكون الإحلال بينهما مخرجا للشعور عن جو الحج , وجو الرقابة , وجو التحرج الذي يلازم القلوب في هذه الفريضة .  (1)

ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام
ولأن أهل الحرم القاطنين فيه هم أهل عمارته وما كان لهم من عمرة وإنما لهم الحج وحده، فإنه لا هدي لهم ولا فدية ....

واتقوا الله واعلموا أن الله شديد العقاب
الإعلام بشدة عقابه سبحانه مدعاة لاستجاشة التقوى في النفوس، تقوى الله سبحانه وتعالى واتقاء غضبه ، وهذه هنا مرحلة للإحلال بين عمرة وحج، يدعو الله أهلها للتقوى ولأن تبقى العلاقة بالله سبحانه علاقة يتقون فيها  غضبه وعقابه ...

لمن خالف ليكون علمكم بشدة عقابه لطفا لكم في التقوى(2)





 


 ******************************

(1) الظلال لسيد قطب
(2) الكشاف للزمخشري

العنوان: رد: تعالوا نـــــَـــعــــــــش مع صفحة .........
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2008-11-17, 08:59:44
هذه مداخلة سأعود لها بإذن الله .... درر نثر درة.....
العنوان: رد: تعالوا نـــــَـــعــــــــش مع صفحة .........
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2008-11-17, 10:07:34
والآن ننتقل سوية إلى الصفحة الموالية من مصحفنا الحبيب الشريف  emo (30):

وهي من الآية 197 إلى الآية 202 قوله سبحانه وتعالى :

الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ(197) لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغُوا فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِّنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِندَ المَشْعَرِ الحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِن كُنتُم مِّن قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ(198) ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (199)فَإِذَا قَضَيْتُم مَّنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً فَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ (200)وَمِنْهُم مَّن يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ(201)أُوْلَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِّمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ سَرِيعُ الحِسَابِ(202)

ويمضي بنا السياق القرآني في إتمام رحلتنا مع الحج ومناسكه وشعائره ، يمضي سبحانه يبين لعباده أحكام الحج وأيامه وعباداته المختلفة

الحج أشهر معلومات ......
وأشهر الحج هي شوال وذو القعدة والعشر الأوائل من ذي الحجة، ولغة أيها الإخوة يأتي الجمع على أكثر من واحد، يعني يأتي على المثني كقوله سبحانه وتعالى:
إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما التحريم من الآية 4

ونفصل بعض الشيء إخوتي في قول أئمة المذاهب في أشهر الحج....
فمن فرض فيهن الحج.... أي فمن لبى وأحرم للحج فيها وعقد على أداء الفريضة فيها ...فأفعال الحج لا تصح إلا فيها والإحرام بالحج لا ينعقد أيضا عند الشافعي في غيرها، وعند أبي حنيفة ينعقد إلا انه مكروه....فإذا سألنا كيف مكروه والكلمة تعني أشهر يعني جمع ؟؟
نقول كما أٍسلفنا أن الجمع يقع على الأكثر من واحد يعني على المثنى مثلا فكان الشهران وبعض الشهر أشهرا
فلا سؤال فيه إذن وإنما كان يكون موضعا للسؤال لو قيل ثلاثة أشهر معلومات وقيل نزل بعض الشهر منزلة كله كما يقال رأيتك سنة كذا أو على عهد فلان ولعل العهد عشرون سنة أو اكثر وإنما رآه في ساعة منها....(1)

و ذهب الإمام مالك إلى أن الإحرام به صحيح على مدار السنة...

فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج  

والرفث قد عرفنا معناه سابقا وهو الجماع وكل دواعيه ومستحثاته من كلام وغيرها وسواء ذلك في حضرة النساء أو مطلقا، والفسوق إتيان المعاصي كبيرها أو صغيرها، والجدال هو مخاصة الرجل لأخيه حتى يغضبه
فكل هذا في الحج محرم وهناك فائدة تركيبية لغوية في هذا الصدد وفي هذه الآية ذلك أنّ
"لا رفث ولا فسوق " صيغته نفي وحقيقته نهيٌ أي لا يرفث ولا يفسق وهو أبلغ من النهي الصريح لأنه يفيد أن هذا الأمر مما لا ينبغي أن يقع أصلا فإن ما كان منكرا مستقبحا في نفسه ففي أشهر الحجّ يكون أقبح وأشنع، ففي الإتيان بصيغة الخبر وإرادة النهي مبالغة واضحة .(2)

وما تفعلوا من خير يعلمه الله

وهي إشارة وتذكير للمؤمن وهو يؤدي هذه الفريضة وقد بين له سبحانه ما يحرّم عليه فيها ليكون كله، بكل ذرة فيه خالصا لله مرتقيا ساميا عن كل أحوال الأرض وأحوال النفس البشرية التي تتوق لشهوة أو لحاجة فيها تقضيها أو لميل مع هوى أو مع الشيطان، تذكير للمؤمن وهو خالص مخلص لله في توجهه لهذه العبادة أنّ الخير الذي يفعله ويأتيه يعلمه الله، وهذا وحده تحسيس وإلقاء في الحسَ أن الله يعلم ما يفعله من الخير، تذكير له أن خيره لن يضيع بل إن الله سبحانه يراقبه وسيجازيه عليه خير الجزاء الذي وعده وهو الذي لا يخلف وعده ....وكما يقول سيد قطب وهذا وحده جزاء قبل الجزاء ....

وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ  

ويجدر بنا أولا معرفة سبب نزول هذا المقطع من الآية الكريمة

قوله (وَتَزَوَّدوا فَإِنَّ خَيرَ الزادِ التَقوى) أخبرنا عمر بن عمر المزكي قال: حدثنا محمد بن مكي  قال: أخبرنا محمد بن يوسف قال: أخبرنا محمد بن إسماعيل قال: حدثني يحيى بن بشير قال: حدثنا شبابة عن ورقاء عن عمرو بن دينار عن عكرمة عن ابن عباس قال: كان أهل اليمن يحجون ولا يتزودون يقولون نحن المتوكلون فإذا قدموا مكة سألوا الناس فأنزل الله عز وجل (وَتَزَوَّدوا فَإِنَّ خَيرَ الزادِ التَقوى). وقال عطاء بن أبي رباح: كان الرجل يخرج فيحمل كله على غيره فأنزل الله تعالى (وَتَزَوَّدوا فَإِنَّ خَيرَ الزادِ التَقوى).(3)

وتزودوا إذن نزلت في هؤلاء الذين يمنون على الله أنهم يحجون بيته فكيف لا يطعمهم!! سبحانه وتعالى يأمر بالتزود حتى لا يطلب المؤمن ويحوج نفسه لغيره وهو قادر على أن يكفيها ، هي هنا قاعدة أيها الإخوة لو نتأمل، قاعدة تحفظ إنسانية الإنسان في كل مكان، وتحفظ كرامته وماء وجهه، قاعدة الأخذ بالأسباب التي يأمرنا سبحانه بها، الأخذ بالأسباب الذي جعله سبحانه حتى نستفيد مما سخر لنا، وليس معناه أنه خالق كل شيء من الإنسان إلى كل ما يحيط به، معناه أنه وهو القادر على كل شيء أن نكتف الأيادي وننتظر منّه وتفضله ونحن قاعدون، وإنما هو الأمر بالأخذ بالأسباب

قل سيروا في الأرض فانظروا   من الآية 20 العنكبوت

أفعال أمر كلها متتالية .... أحيانا ثم يميتنا ثم يحيينا وإيه المصير، وهو على كل شيء قدير، على أن يذهب بنا ويأتي بقوم آخرين ، على أن يخسف بنا الأرض، وعلى أن يطبق علينا الجبال وعلى أن يغرقنا في قاع البحار، على كل ذلك وأكثر هو سبحانه قدير، على أن يطعمنا ونحن قاعدون، على أن يلبسنا ونحن قاعدون على كل ذلك سبحانه قدير، ولكنه سبحانه يأمرنا بالفعل ، بالحركة ، باستخدام العقل ، وإلا فما قيمته وما جدواه إن لم يكن لأجل أن يسخر ما يحيط بالإنسان، ما وفره الله سبحانه للإنسان ، يستخدمه ويطوعه ويحقق الخلافة في الأرض بإعمارها ....

هذا هو الأخذ بالأسباب على حقيقته، وهؤلاء صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرجون في سرايا، ويخرجون غزاة، ويخرجون محاربين، لو شاء الله لأظهرهم على الكافرين من غير عناء ولا تعب ولا شقاء ولا استشهاد ولا موت، وهم أهل الحق... ولو شاء سبحانه ما نال محمدا صلى الله عليه وسلم تعب ولا نصب ولا عذاب ولكنه سبحانه جعله لنا قدوة بشرية تتحرك، وتحرك ما أودع الله فيها من عقل وحواس وجوارح لتعمل ويكون لها من بعد الجزاء لقاء ما عملت ....

وهكذا كان الأمر بالتزود بالزاد، من أكل وشرب وما لزم قوتا، وغذاء هو سبب من أسباب الإبقاء على القدرة والحفاظ على الاستطاعة لأداء الفريضة،
فإن خير الزاد التقوى....والتقوى هنا نفهمها على وجه أنّها عدم الإثقال على الناس وطلبهم ونحن قادرون على كفاية أنفسنا لو تزودنا إنما هذا من التقوى إنما هذا من رقي الإسلام وصورة الإسلام وكفاف المسلمين وعفاف أياديهم وأنفتهم .....
وكذلك على وجه أنها خي رالزاد الذي نتزود به لأرواحنا في الدنيا لنكون على النحو الذي يرضي الله عنا فنغادرها وقد أخذناها معنا زادا ينجينا من أهوال يوم عظيم ومن عذاب الله المقيم

وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ


اللُّبُّ : العقل؛ سلبتْ بجمالها لُبَّه/فَاتَّقُوا اللهَ يَا أُولِي الأَلْبَابِ ج أَلْبَابٌ وأَلُبٌّ.- من كُلِّ شيءٍ: خالصه وخيارُه؛ لُبُّ المقالة هو في قول الكاتب كذا وكذا.- الجوزِ واللوزِ ونحوهما: ما في جوفه؛ أكلتُ لُّبُ اللوزة ورميت قشرها ج لُبُوبٌ.- الأرضِ: في الجيولوجيا هو النطاق الصخريُّ المحيطُ بسطح الأرض.  (4)

وأولو الألباب هم أول من يعرفون الله فيتقوه خير تقاته، ولا يموتون إلا وهم مسلمون...أولو العقول الذين لا يعطّلون عقولهم عن العمل بل يجعلونها تعمل بحرية، دون تعطيل ودون غاية في النفس من كبر أو استعلاء على الحق فيكون اللامعقول بدل المعقول ويكون اللامنطق بدل المنطق لا لشيء إلا للكبر والعناد فيتعطل العقل ولا يترك حرا يسيح في معرفة الله .


-------------------------------------------------------------
(1) الكشاف للزمخشري
(2) صفوة التفاسير لمحمد علي الصابوني
(3)أسباب النزول للواحدي
العنوان: رد: تعالوا نـــــَـــعــــــــش مع صفحة .........
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2008-11-23, 10:42:30
نكمل أيها الإخوة الكرام مع موضوعنا ....ومع صفحاتنا الكريمات

وصلنا إلى هذه الآية الكريمة من صفحتنا الشريفة :

لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغُوا فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِّنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِندَ المَشْعَرِ الحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِن كُنتُم مِّن قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ(198)


نبدأ إخوتي بإيراد سبب نزول هذه الآية الكريم، ومعرفة السبب تزيد المعنى وضوحا، وتزيد الهدف بيانا

قوله (لَيسَ عَلَيكُم جُناحٌ أَن تَبتَغوا فَضلاً مِّن رَّبِّكُم) الآية أخبرنا منصور بن عبد الوهاب البزار أخبرنا أبو عمرو محمد بن أحمد الجبري عن شعيب بن الزارع قال: أخبرنا عيسى بن مساور قال: حدثنا مروان بن معاوية الفزاري قال: حدثنا العلاء بن المسيب عن أبي أمامة التميمي قال: سألت ابن عمر فقلت: إنا قوم ذوو كرى في هذا الوجه وإن قوماً يزعمون أنه لا حج لنا قال: ألستم تلبون ألستم تطوفون بين الصفا والمروة ألستم ألستم قال: بلى قال: إن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم عما سألت عنه فلم يرد عليه حتى نزلت (لَيسَ عَلَيكُم جُناحٌ أَن تَبتَغوا فَضلاً مِّن رَّبِّكُم) فدعاه فتلا عليه حين نزلت فقال: أنتم الحجاج.
أخبرنا أبو بكر التميمي قال: حدثنا عبد الله بن محمد بن خشنام قال: حدثنا أبو يحيى الرازي قال: حدثنا سهل بن عثمان قال: حدثنا يحيى بن أبي زائدة عن ابن جريج عن عمرو بن دينار عن ابن عباس قال: كان ذو المجاز وعكاظ متجر ناس في الجاهلية فلما جاء الإسلام كأنهم كرهوا ذلك حتى نزلت (لَيسَ عَلَيكُم جُناحٌ أَن تَبتَغوا فَضلاً مِن رَّبِّكُم) في مواسم الحج.
وروى مجاهد عن ابن عباس قال: كانوا يتقون البيوع والتجارة في الحج يقولون أيام ذكر الله فأنزل الله تعالى (لَيسَ عَلَيكُم جُناحٌ أَن تَبتَغوا فَضلاً مِّن رَّبِّكُم) فاتجروا.(1)

إذن فإن أقواما خشوا أن يتاجروا في موسم الحجّ ، وقد كان ذلك في عهد الجاهلية كائنا، فخشوا أن يكون إبقاؤهم على ذلك الحال إبقاء على شكل من أشكال الجاهلية، حتى أنزل الله سبحانه وتعالى هذه الآية تبيانة للإباحة منه بالاتجار في هذا الموسم، وقد جاء اللفظ بـ "تبتغوا فضلا من ربكم" كبيان أعظم على أنّ هذا الفضل إنما ابتغاؤه من عند الله رزقا، كما يبتغى منه كل فضل وهو ذو الفضل العظيم

ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم

الجُناح لغة
الجُنَاحُ : الإثم والجُرْمُ فَلاَ جُنُاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُمْ مَا آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ.-: المَيْلُ إلى الإثم.-: ما يُتَحَمَّل من الهَمِّ والأذى.-: الطائفة من الشيء؛ مَرَّ في سمائنا جُناحٌ من الطيور المهاجرة/ أنا إليك بجُناحٍ، أي بشوق.(2)

وهي هنا الإثم إذن ....فلا إثم  أن تبتغوا فضلا من ربكم اتّجار ونحوها، الابتغاء من فضل الله سبحانه باتخاذ الأسباب وباقتناع القلب ويقينه من أنّ الفضل بيده وأنّما هو يسعى ليعطيه الله، يرزقه هو، يتفضل عليه هو، يحسن إليه بفضله هو يعطيه منه، يؤتيه منه، وهذا اليقين في القلب وحده لهو مبعث من أهم مباعث الاتصال بالله وطلب ما يُطلب بتقوى وبما يرضيه وليس على سبيل اللهج واللهث خلف حطام الدنيا وعبادة المال والوقوع تحت سطوته، وإنما بيقين أنّ له سبحانه ما أعطى وله ما أخذ....
وبرضى ....برضى بما يقسمه سبحانه له برضى بقليله أو بكثيره الذي يعطيه...وليس بلهفة للمال ولزيادة المال حتى بلوغ درجة عبادة المال والعياذ بالله، ولذلك لنلاحظ أيها الإخوة كيف أنه سبحانه يأتي في سياق هذا على ذكر
فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِّنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِندَ المَشْعَرِ الحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِن كُنتُم مِّن قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ
ذلك بمعنى أنّ طلب الفضل من رزق بما يرضي الله والقلب موقن بأنه الرزاق ذو الفضل المتفضل لا يتعارض مع العبادة، ذلك بمعنى أن الإنسان إذا عاش حياته بكليتها بالإسلام فإنما هو يعيش بعبادة ويعيش في عبادة في كل ما يقوم به، في كل أموره وفي كل أحواله، وهو يدرس، وهو يعمل وهو يربي وهو يبني وهو يشيد وهو يبلغ مصاف العلم العليا، وهو يكتشف وهو يخترع وهو يأكل وهو يشرب وهو يسعى في الأرض ليعيش، يعيش بمقتضيات الإسلام، بمقتضيات العبادة وبأوجه العبادة في الأرض ، مصداقا لقوله سبحانه وتعالى :

"وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون" الآية 56 الذاريات


 


----------------------------------------------------------------------------
(1) أسباب النزول للواحدي
(2) المحيط
العنوان: رد: تعالوا نـــــَـــعــــــــش مع صفحة .........
أرسل بواسطة: ماما هادية في 2008-11-23, 11:03:30
 :emoti_133:

أنا مقصرة جدا في متابعة هذا الموضوع، وذلك بسبب ضخامته ودسامته...  :blush::
لكنني قرأت المشاركة الأخيرة الآن (قرأت نتفا كثيرة منه، لكنني أنتظر ان أقرأه كاملا بإذن الله)

لفت نظري يا أسماء حرص الصحابة رضوان الله عليهم عند دخولهم إلى الإسلام، على التبرؤ من كل ما كان منهم من عادات جاهلية مهما كانت، ودخولهم للإسلام بالكلية.. {ادخلوا في السلم كافة}.. لقد أرادوا أن يعيد الإسلام صياغتهم بشكل كامل من الألف للياء، حتى إنهم صاروا يتحرجون من كل أمر كانوا يمارسونه في الجاهلية، وإن لم يرد تحريمه في الإسلام، فنراهم مبتعدين عنه، أو متسائلين عن حكمه، كما في تحرجهم هنا من التجارة في الحج، وكما في تحرجهم من السعي بين الصفا والمروة لأنهم كانوا يفعلون هذا في الجاهلية، حتى نزلت آية {إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما}...

قارني هذا بحال المسلمين اليوم، و بعض الملتزمين منهم خصوصا، كيف يحاولون ترقيع جاهليتهم ببعض القطع الممزقة من دينهم، وكيف يبحثون عن التساهيل والتراخيص لكيلا يغيروا من واقعهم الاجتماعي والسلوكي شيئا، فلا يكلفهم الدين إلا بضع شعائر تعبدية يؤدونها، وبعض العبارات والشعارات يرددونها، وقليلا او كثيرا من الدموع يذرفونها في التراويح والمناسبات.. ثم ننظر لحياتهم فنراها كما هي: اختلاط وعلاقات عاطفية وتكاسل واهمال وغييبة ونميمة وعدم اتقان في العمل وسوء خلق مع الجيران والارحام، وانانية وتهاون ولهاث على حطام الدنيا ومتاعها الزائل وووو .....
يريدون ان يقنعوا انفسهم ان الالتزام لا يفترض به ان يغير شيئا من حياتهم... وان من ينادي بغير هذا فهو متزمت لم يفهم الاسلام حق الفهم


نسأل الله تعالى أن يرزقنا الإخلاص في القول والعمل والسر والعلن، ويعافي قلوبنا وأرواحنا، ويصبغنا بصبغة الله، ومن أحسن من الله صبغة


العنوان: رد: تعالوا نـــــَـــعــــــــش مع صفحة .........
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2008-11-23, 12:33:00
أهلا وسهلا ومرحبا بك يا ماما هادية  ....أهلا بملاحظاتك القيّمة emo (30):

فعلا هذا هو الحال، وتلك للأسف هي المقارنة،ولكنّ الإسلام ما جعل إلا ليكون المنهج، الأسلوب... الوسيلة التي بها نحيا والغاية التي إليها نرنو....
"ما خلقت الجنّ والإنس إلا ليعبدون"  ....... وعبادته نعم ليست بضع شعائر تأتي في مناسبات يرقّ لها القلب، وتدمع لها العين ومن بعدها تولّي وتروح، وإنما يأبى الإسلام أن يظهر وتستبين سبيله إلا إذا كان العيش به والعيش له ....

الإسلام نعم ليس صلاة تؤدّى في وقتها، وبعد الصلاة هي الدنيا نعيشها بطولها وعرضها، ونعيث فيها شهوة وعبثا، هي الدنيا وكأنما هي وحدها وهو وحده، وكأنما الصلاة وحدها والدنيا وحدها....فأين إذن "تنهى عن الفحشاء والمنكر" أين ستنهى عن الفحشاء وأين ستنهى عن المنكر؟؟، هل تنهى عنهما في الصلاة؟؟ عند الدخول في الصلاة؟؟؟ أم أنها تنهى عنهما إذا ساح الإنسان في الأرض وسعى فيها من بعدها؟؟ ليسعى فيها على بينة من أمره وعلى صراط قَويم رسمت  معالمَه صلاته وعباداته وذكره لله في كل حين .........

ونعم الصحابة ظل حالهم حال ذاك الخائف المتوجس خيفة من أن يبقى بحياته شيء أو نزر قليل من حطام الجاهلية ودناءة الجاهلية...يخاف أن يأتي أمرا، فيقول في هذا سيد قطب فيما معناه أنهم يسألون ، لا ينفكّون يسألون الرسول صلى الله عليه وسلم عن حالهم، عن شيء كانوا يقومون به سابقا، في الزمان الخليّ من جاهليتهم، يخافون أن يأتوه في زمنهم العامر بالإسلام فيكون به بقاء آثار منها، يريدون أن يكون كل أمرهم على الإسلام على بينة منه وحده، يريدون أن يكون لهم النَّفَس الذي يلج ويخرج، يريدون أن يعيشوا به حقا ،وأن يعيشوا له حقا ....لأنهم أدركوا تمام الإدراك أنه النور ووحده النور ولن ينير لهم إلاه ....

حتى في القرآن كثيرا ما نجد "يسألونك" ....وأنقل ها هنا واتفاقا مع ما ذكرته ومع ما نحن بصدده أورد ف يالمداخلة المقبلة مقطعا هاما للشهيد سيد قطب
العنوان: رد: تعالوا نـــــَـــعــــــــش مع صفحة .........
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2008-11-23, 13:00:19
ونكمل أيها الإخوة مع قوله سبحانه :

فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِّنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِندَ المَشْعَرِ الحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِن كُنتُم مِّن قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ

إذن فقد تعلق الأمر هذا بهذا ....في لحمة واحدة وفي هدف واحد يراد، هو أن تكون الحياة بكليتها بالإسلام وبنور الإسلام ....
وحتى في سياق الكلمات، يأتي بعد إباحة اله سبحانه لعبادة الاتجار في موسم الحجّ تتمة تبيينه لشعائر هذه الفريضة ومناسكها،

فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِّنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِندَ المَشْعَرِ الحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِن كُنتُم مِّن قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ

إذن فكما عرفنا ما يميز الحج عن العمرة الوقوف بعرفة، ومن بعد الوقوف يكون الرجوع وهي هنا بلفظ الإفاضة ....ولغة أفاض القوم من المكان أي اندفعوا منه، والمشعر الحرام هو المزدلفة ...

ونقتبس من "في ظلال القرآن" ما يفسر لنا الوقوف بعرفة والإفاضة منها....

والوقوف بعرفة عمدة أفعال الحج . . روى أصحاب السنن بإسناد صحيح عن الثوري عن بكير , عن عطاء , عن عبد الرحمن بن معمر الديلمي . قال:سمعت رسول الله [ ص ] يقول:" الحج عرفات - ثلاثا - فمن أدرك عرفة قبل أن يطلع الفجر فقد أدرك . وأيام منى ثلاثة . فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه , ومن تأخر فلا إثم عليه " . .
ووقت الوقوف بعرفة من الزوال [ الظهر ] يوم عرفة - وهو اليوم التاسع من ذي الحجة - إلى طلوع الفجر من يوم النحر . . وهناك قول ذهب إليه الإمام أحمد , وهو أن وقت الوقوف من أول يوم عرفة . استنادا إلى حديث رواه الإمام أحمد وأصحاب السنن وصححه الترمذي . عن الشعبي عن عروة بن مضرس بن حارثة بن لام الطائي قال:" أتيت رسول الله [ ص ] بالمزدلفة حين خرج إلى الصلاة فقلت:يا رسول الله إني جئت من جبل طيء . أكللت راحلتي وأتعبت نفسي , والله ما تركت من جبل إلا وقفت عليه . فهل لي من حج ? فقال رسول الله [ ص ]:" من شهد صلاتنا هذه فوقف معنا حتى ندفع , وقد وقف بعرفة قبل ذلك ليلا أو نهارا , فقد تم حجه وقضى تفثه " .
وقد سن رسول الله [ ص ] للوقوف هذا الوقت - على أي القولين - ومد وقت الوقوف بعرفة إلى فجر يوم النحر - وهو العاشر من ذي الحجة - ليخالف هدي المشركين في وقوفهم بها . . روى ابن مردويه والحاكم في المستدرك كلاهما من حديث عبد الرحمن بن المبارك العيشي - بإسناده - عن المسور ابن مخرمة قال:" خطبنا رسول الله [ ص ] وهو بعرفات . فحمد الله وأثنى عليه , ثم قال:" أما بعد - وكان إذا خطب خطبة قال:أما بعد - فإن هذا اليوم الحج الأكبر . ألا وإن أهل الشرك والأوثان كانوا يدفعون في هذا اليوم قبل أن تغيب الشمس , إذا كانت الشمس في رؤوس الجبال كأنها عمائم الرجال في وجوهها . وإنا ندفع قبل أن تطلع الشمس , مخالفا هدينا هدي أهل الشرك "  (1)

إذن فالوقوف بها يسنّ من زوال يوم التاسع من ذي الحجة وهو يوم عرفة إلى طلوع الفجر من اليوم الموالي يوم النحر العاشر من ذي الحجة، ثم من بعدها يفيض الحجاج، إذ دفع بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم كما تبين بعد غروب شمس يوم عرفة

 وقد جاء في حديث جابر بن عبد الله - في صحيح مسلم - " فلم يزل واقفا - يعني بعرفة - حتى غربت الشمس وبدت الصفرة قليلا , حتى غاب القرص , وأردف أسامة خلفه , ودفع رسول الله [ ص ] وقد شنق للقصواء الزمام , حتى إن رأسها ليصيب مورك رحله , ويقول بيده اليمنى:" أيها الناس , السكينة السكينة " كلما اتى جبلا من الجبال أرخى لها قليلا حتى تصعد . حتى أتى المزدلفة فصلى بها المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين ولم يسبح بينهما شيئا . ثم اضطجع حتى طلع الفجر فصلى الفجر حين تبين له الصبح بأذان وإقامة , ثم ركب القصواء حتى أتى المشعر الحرام . فاستقبل القبلة فدعا الله وكبره وهلله ووحده فلم يزل واقفا حتى أسفر جدا , فدفع قبل أن تطلع الشمس " . .  (2)

إذن فالمشعر الحرام هو المزدلفة وذكر الله في هذا المشعر وهو بمعنى المَعلم، هو ما فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الإفاضة من عرفات بصلاة المغرب والعشاء عنده ....وهذا معنى قوله سبحانه:

وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِن كُنتُم مِّن قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ

يأمر سبحانه أن يذكره المؤمنون عند المشعر بعد الإفاضة كما هداهم، كما أنعم عليهم بنعمة الإسلام ونعمة الهداية إلى الصراط المستقيم، نعمة الهداية بعد الضلال، نعمة النور بعد الظلام، نعمة العلم بعد الجهل، نعمة الإنابة والعودة لرحابه بعد الشرك والبعد عنه، نعمة معرفته والاتصال به، بعد الغربة عنه ونكرانه وجحوده وعدم معرفته .....

نعمة ليس هناك أجلّ منها بين النعم....نعمة هي القائدة إلى كل خير وكل نفع وكل ربح وكل فوز.....نعمة هي شراع الحرية اللوّاح الذي يحرّر العقل من كل أسر إلا من أسر العبودية لله وحده، إلا من أسر هو ذاته حرية تامة، فلا نفس تأسر، ولا هوى يأسر، ولا شهوة تأسر، ولا عبدا يساوي العبد يأسر....

وهذه اللقطة الجميلة في هذا المعنى أقتطفها من بستان الظلال emo (30):

كانت ولا شك تتواكب على خيالهم وذاكرتهم ومشاعرهم صور حياتهم الضالة الزرية الهابطة التي كانت تطبع تاريخهم كله ; ثم يتلفتون على أنفسهم ليروا مكانهم الجديد الذي رفعهم إليه الإسلام , والذي هداهم الله إليه بهذا الدين , فيدركون عمق هذه الحقيقة وأصالتها في وجودهم كله بلا جدال . .
وهذه الحقيقة ما تزال قائمة بالقياس إلى المسلمين من كل أمة ومن كل جيل . . من هم بغير الإسلام ? وما هم بغير هذه العقيدة ? إنهم حين يهتدون إلى الإسلام , وحين يصبح المنهج الإسلامي حقيقة في حياتهم ينتقلون من طور وضيع صغير ضال مضطرب إلى طور آخر رفيع عظيم مهتد مستقيم . ولا يدركون هذه النقلة إلا حين يصبحون مسلمين حقا , أي حين يقيمون حياتهم كلها على النهج الإسلامي . . وإن البشرية كلها لتتيهفي جاهلية عمياء ما لم تهتد إلى هذا النهج المهتدي . . لا يدرك هذه الحقيقة إلا من يعيش في الجاهلية البشرية التي تعج بها الأرض في كل مكان , ثم يحيا بعد ذلك بالتصور الإسلامي الرفيع للحياة , ويدرك حقيقة المنهج الإسلامي الشامخة على كل ما حولها من مقاذر ومستنقعات وأوحال !
وحين يطل الإنسان من قمة التصور الإسلامي والمنهج الإسلامي , على البشرية كلها في جميع تصوراتها , وجميع مناهجها , وجميع نظمها - بما في ذلك تصورات أكبر فلاسفتها قديما وحديثا , ومذاهب أكبر مفكريها قديما وحديثا - حين يطل الإنسان من تلك القمة الشامخة يدركه العجب من انشغال هذه البشرية بما هي فيه من عبث , ومن عنت ومن شقوة , ومن ضآلة , ومن اضطراب لا يصنعه بنفسه عاقل يدعي - فيما يدعي - أنه لم يعد في حاجة إلى إله ! أو لم يعد على الأقل - كما يزعم - في حاجة لاتباع شريعة إله ومنهج إله !
فهذا هو الذي يذكر الله به المسلمين , وهو يمتن عليهم بنعمته الكبرى:
(واذكروه كما هداكم وإن كنتم من قبله لمن الضالين). . (3)




----------------------------------------------
(1)في ظلال القرآن لسيد قطب
(2) نفس المصدر السابق
(3) نفس المصدر السابق
العنوان: رد: تعالوا نـــــَـــعــــــــش مع صفحة .........
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2008-11-25, 08:55:49
والآن أيها الإخوة الكرام مع الآية الموالية :

ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (199)

لنتأمل أيها الإخوة الكرام سبب نزول هذه الآية أولا :

قوله (ثُمَّ أَفيضوا مِن حَيثُ أَفاضَ الناسُ) أخبرنا التميمي بالإسناد الذي ذكرناه عن يحيى بن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت: كانت العرب تفيض من عرفات وقريش ومن دان أخبرنا محمد بن أحمد بن جعفر المزكي قال: أخبرنا محمد بن عبد الله بن زكريا قال: أخبرنا محمد بن عبد الرحمن السرخسي قال: أخبرنا أبو بكر بن أبي خيثمة قال: حدثنا حماد بن يحيى قال: حدثنا نصر بن كوسة قال: أخبرني عمرو بن دينار قال: أخبرني محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه قال: أضللت بعيراً لي يوم عرفة فخرجت أطلبه بعرفة فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم واقفاً مع الناس بعرفة فقلت: هذا من الحمس ماله ها هنا قال سفيان: والأحمس:  الشديد الشحيح على دينه وكانت قريش تسمى الحمس فجاءهم الشيطان فاستهواهم فقال لهم: إنكم إن عظمتم غير حرمكم استخف الناس بحرمكم فكانوا لا يخرجون من الحرم ويقفون بالمزدلفة فلما جاء الإسلام أنزل الله عز وجل (ثُمَّ أَفيضوا مِن حَيثُ أَفاضَ الناسُ) يعني عرفة رواه مسلم عن عمر والناقد عن ابن عيينة.(1)

إذن فقبيلة قريش كانوا يسمّون الحُمس بمعنى المتشددين في دينهم، وكانوا يرون في أنفسهم رفعة عن غيرهم من القبائل ومن أهل مكة، يقول البخاري :حدثنا هشام عن أبيه عن عائشة قالت:" كان قريش ومن دان دينها يقفون بالمزدلفة , وكانوا يسمون الحمس , وسائر العرب يقفون بعرفات . فلما جاء الإسلام أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يأتي عرفات , ثم يقف بها ثم يفيض منها . فذلك قوله:من حيث أفاض الناس " . .

ومنهم من يقول أنّ الإفاضة هنا من عرفات ، ومنهم من يقول أنها الإفاضة من المزدلفة إلى منى صبيحة النحر...

إنها المساواة، إنه تكريسها بهذا الدين القَويم الذي محا كل أثر من آثار الجاهلية الظلماء المتعدّية المتكبرة، التي فتحت الأبواب على مصاريعها للأهواء،لتتكبّر وتتعنّت وترى الأنساب وشرف الأنساب فاصلا وفيصلا بين الناس، ليس هناك فرق بين هذا ولا ذاك، الناس سواسية كأسنان المشط، فلا يدع بذلك الإسلام مجالا ذهنيا ولا مجالا حركيا لمثل هذه الجاهليات، جاء ليأمر الجميع أن يكونوا سواسية، فقد تجردوا في هذا الموقف المهيب من ثيابهم، ولبسوا ثيابا واحدة لا لشيء إلا ليروا أنفسهم سواء، ليس هناك من يلبس الحرير والديباج، وبالمقابل من يلبس الخَلَق والرثّ ....ساواهم في كل شيء، وأذهب عنهم كل رجس من أرجاس الأفكار الجاهليّة الخرقاء البالية التي تعطي السطوة للهوى، فإذا هي الأهواء متصارعة، وإذا هي الحروب والعداوات تقوم من جراء اتباع هذا هواه، وذاك هواه والآخر هواه، فإذاهي الفوضى، وإذا هي الضوضاء وإذا هي الاختلاط وانعدام النظام، لأنه ما من حكم أعلى يركن إليه الناس جميعا وما من سلطان أعلى يعودون إليه في الحكم والفصل ....
ويلوّح لهؤلاء الذين ضلوا عندما كانوا في الجاهلية، ضلوا فاستكبروا ورأوا أنفسهم أعلى من غيرهم، يلوّح لهم بالمغفرة والرحمة منه تحلّ عليهم، لأنه الغفور الرحيم، والإسلام يجبّ ما قبله، وما كان منهم يستغفرون الله عليه وهو أهل المغفرة وهو أهل العفو والسماح والصفح والرحمة الواسعة....استغفار الله سبحانه من كلّ ما من شأنه أن يفسد معالم هذا التصوّر الإسلامي العظيم للعلاقة البشرية وللحالة البشرية التي هي قدم من المساواة تجمع كل الناس .... الاستغفار من أجل العدول عن كل قول أو فعل لا يليق بمقام الإسلام العليّ الرفيع وبتصوره الراقي السامي ....

وننتقل فنضمّ هذه الآيات الثلاث سوية لأنها تشكل لحمة واحدة يتمّم الجزء فيها الآخر ليعطي كمال الصورة ويلقي كمالها بالقلب مفهوما ومعنى، قوله عزّ من قائل :

فإِذَا قَضَيْتُم مَّنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً فَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ (200)وَمِنْهُم مَّن يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ(201)أُوْلَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِّمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ سَرِيعُ الحِسَابِ(202)

يقول صلى الله عليه وسلم :
الحج عرفة فمن أدرك عرفة فقد أدرك الحج  
وانتهاء عرفة وإدراكها إدراك للحج وانتهاء لمناسكه ....وإنّ لنزول هذه الآ]ة سببا حريّ بنا ذكره :

قوله (فَإِذا قَضَيتُم مَّناسِكَكُم فَاِذكُروا اللهَ كَذِكرِكُم آَباءَكُم) الآية قال مجاهد: كان أهل الجاهلية إذا اجتمعوا بالموسم ذكروا فعل آبائهم في الجاهلية وأيامهم وأنسابهم فتفاخروا فأنزل الله تعالى (فَاِذكُروا اللهَ كَذِكرِكُم آَباءَكُم أَو أَشَدَّ ذِكرا).
وقال الحسن: كانت الأعراب إذا حدثوا وتكلموا يقولون: وأبيك إنهم لفعلوا كذا وكذا فأنزل الله تعالى هذه الآية. (2)

نعم عرف العرب قبل الإسلام بتفاخرهم بأنسابهم، وبأسواق الكلام التي كانوا يتسابقون فيها على التفاخر بأنسابهم يرون فيها العزّة والشرف والمِنعة والأفضلية بعضهم على بعض ....الإسلام يعطيهم هذا التصور ويلقنهم هذا التجرّد لله وحده،ويبعدهم عن ذكر الأنساب والتفاخر بها، ولا يراد هنا مساواة ذكر الآيباء بذكر الله تعالى وإنما هو التنديد بذكر الآباء في ها المقام من التوجه الخالص لله ....

تأملوا أيها الإخوة ....تأملوا هذا التخليص، وهذا التنظيف وهذه التنقية وهذه التصفية التي يجريها الله على قلوبهم، والتي يريدهم أن يصبغوا بها، يرد أن يكونوا متجردين بحق له وحده، يريد أن يذهب عنهم الرجس والشرك والجاهلية وآثارها، يريدهم أن يدينوا لله بحق ويعبدوه حق العبادة





---------------------------------------------------------------
(1) أسباب النزول للواحدي
(2) نفس المصدر السابق
العنوان: رد: تعالوا نـــــَـــعــــــــش مع صفحة .........
أرسل بواسطة: ماما هادية في 2008-11-25, 10:00:32
 :emoti_133:

فعلا يا أسماء
تتجلى المساواة في الحج بأكمل أشكالها... سبحان الله
ومهما كانت الحملة التي يحج بها المسلم فاخرة ومن النوع المرفه، فإنه لا بد له من الطواف والصلاة في الحرم والاحتكاك والتزاحم مع كل الجنسيات وكل المستويات، ولا بد له من ذلك في الرجم عند الجمرات في منى...

ومع ذلك فبعض حملات الحج في الحقيقة (خاصة تلك المرفهة الأوللا للا) التي ينقلونها على التلفاز في بث حي ومباشر، صارت لا تشعرك أبدا بروح الحج ولا بأهداف الحج، فالناس جالسة على مقاعد وثيرة في مخيمات مكيفة، تختلط نساؤهم برجالهم كأنهم في نادي اجتماعي، والحجاب مودرن، و............... غفر الله لهم ولنا...
العنوان: رد: تعالوا نـــــَـــعــــــــش مع صفحة .........
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2008-11-25, 12:06:26
:emoti_133:

فعلا يا أسماء
تتجلى المساواة في الحج بأكمل أشكالها... سبحان الله
ومهما كانت الحملة التي يحج بها المسلم فاخرة ومن النوع المرفه، فإنه لا بد له من الطواف والصلاة في الحرم والاحتكاك والتزاحم مع كل الجنسيات وكل المستويات، ولا بد له من ذلك في الرجم عند الجمرات في منى...

ومع ذلك فبعض حملات الحج في الحقيقة (خاصة تلك المرفهة الأوللا للا) التي ينقلونها على التلفاز في بث حي ومباشر، صارت لا تشعرك أبدا بروح الحج ولا بأهداف الحج، فالناس جالسة على مقاعد وثيرة في مخيمات مكيفة، تختلط نساؤهم برجالهم كأنهم في نادي اجتماعي، والحجاب مودرن، و............... غفر الله لهم ولنا...


قيمة الحج الحقيقية ودرسه الأكبر الذي يعطيه -ربما- هو في شكل المساواة بين الجميع، فمظهرهم جميعا وحالهم جميعا يجب أن يكون على قاعدة من التساوي، والفروق بين كل واحد وآخر لا يعلمها إلا الله وحده، وهي فروق القلب وما وعى، فرق بين قلب متجه لله بكليته خالص له وحده، وقلب خاوٍ -والعياذ بالله- فالجسد حاضر نعم وما سواه غائب ....

وسنأتي في تتمة الآيات المقبلات بإذن الله تعالى على الغاية والنسق العجيب الكائن بين هذه الآيات الكريمة عن الحج  لتتضح لنا الرؤية أكثر فأكثر ....
فتابعوا معنا ولا تتخلّفوا لا جعلكم من الخَوَالف عن ذكره وشكره   ::)smile:
العنوان: رد: تعالوا نـــــَـــعــــــــش مع صفحة .........
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2008-11-25, 12:22:32

وننتقل فنضمّ هذه الآيات الثلاث سوية لأنها تشكل لحمة واحدة يتمّم الجزء فيها الآخر ليعطي كمال الصورة ويلقي كمالها بالقلب مفهوما ومعنى، قوله عزّ من قائل :

فإِذَا قَضَيْتُم مَّنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً فَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ (200)وَمِنْهُم مَّن يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ(201)أُوْلَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِّمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ سَرِيعُ الحِسَابِ(202)

يقول صلى الله عليه وسلم :
الحج عرفة فمن أدرك عرفة فقد أدرك الحج  
وانتهاء عرفة وإدراكها إدراك للحج وانتهاء لمناسكه ....وإنّ لنزول هذه الآ]ة سببا حريّ بنا ذكره :

قوله (فَإِذا قَضَيتُم مَّناسِكَكُم فَاِذكُروا اللهَ كَذِكرِكُم آَباءَكُم) الآية قال مجاهد: كان أهل الجاهلية إذا اجتمعوا بالموسم ذكروا فعل آبائهم في الجاهلية وأيامهم وأنسابهم فتفاخروا فأنزل الله تعالى (فَاِذكُروا اللهَ كَذِكرِكُم آَباءَكُم أَو أَشَدَّ ذِكرا).
وقال الحسن: كانت الأعراب إذا حدثوا وتكلموا يقولون: وأبيك إنهم لفعلوا كذا وكذا فأنزل الله تعالى هذه الآية. (2)

نعم عرف العرب قبل الإسلام بتفاخرهم بأنسابهم، وبأسواق الكلام التي كانوا يتسابقون فيها على التفاخر بأنسابهم يرون فيها العزّة والشرف والمِنعة والأفضلية بعضهم على بعض ....الإسلام يعطيهم هذا التصور ويلقنهم هذا التجرّد لله وحده،ويبعدهم عن ذكر الأنساب والتفاخر بها، ولا يراد هنا مساواة ذكر الآيباء بذكر الله تعالى وإنما هو التنديد بذكر الآباء في ها المقام من التوجه الخالص لله ....

تأملوا أيها الإخوة ....تأملوا هذا التخليص، وهذا التنظيف وهذه التنقية وهذه التصفية التي يجريها الله على قلوبهم، والتي يريدهم أن يصبغوا بها، يرد أن يكونوا متجردين بحق له وحده، يريد أن يذهب عنهم الرجس والشرك والجاهلية وآثارها، يريدهم أن يدينوا لله بحق ويعبدوه حق العبادة




---------------------------------------------------------------
(1) أسباب النزول للواحدي
(2) نفس المصدر السابق

قوله (فَإِذا قَضَيتُم مَّناسِكَكُم فَاِذكُروا اللهَ كَذِكرِكُم آَباءَكُم) الآية قال مجاهد: كان أهل الجاهلية إذا اجتمعوا بالموسم ذكروا فعل آبائهم في الجاهلية وأيامهم وأنسابهم فتفاخروا فأنزل الله تعالى (فَاِذكُروا اللهَ كَذِكرِكُم آَباءَكُم أَو أَشَدَّ ذِكرا).
وقال الحسن: كانت الأعراب إذا حدثوا وتكلموا يقولون: وأبيك إنهم لفعلوا كذا وكذا فأنزل الله تعالى هذه الآية. (2)

نعم عرف العرب قبل الإسلام بتفاخرهم بأنسابهم، وبأسواق الكلام التي كانوا يتسابقون فيها على التفاخر بأنسابهم يرون فيها العزّة والشرف والمِنعة والأفضلية بعضهم على بعض ....الإسلام يعطيهم هذا التصور ويلقنهم هذا التجرّد لله وحده،ويبعدهم عن ذكر الأنساب والتفاخر بها، ولا يراد هنا مساواة ذكر الآباء بذكر الله تعالى وإنما هو التنديد بذكر الآباء في هذا المقام من التوجه الخالص لله ....


تأملوا أيها الإخوة ....تأملوا هذا التخليص، وهذا التنظيف وهذه التنقية وهذه التصفية التي يجريها الله على قلوبهم، والتي يريدهم أن يُصبغوا بها وهو سبحانه القائل : "صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة ونحن له عابدون" الآية 138 من سورة البقرة، يريد أن يكونوا متجردين بحق له وحده، يريد أن يذهب عنهم الرجس والشرك والجاهلية وآثارها، يريدهم أن يدينوا لله بحق ويعبدوه حق العبادة


فَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ (200)

وإن كان هذا حال فئة من الناس في الحجّ إذ يذكرون آباءهم افتخارا بالأنساب والانتساب أكثر من ذكرهم الله سبحانه، فإنهم القائلون "ربنا آتنا في الدنيا حسنة وما له في الآخرة من خلاق" 
فهو مهتم بالدنيا، لا يذكر الله أكبر ذكره، لا يكون الله عنده أول الأمر ومنتهاه، ومن لم يذكر الله كثيرا نسي ذكر الآخرة، ونسي ، وإن لم ينسَها فإن ذكره الأكبر للدنيا سيلهيه عنها، لن يكون له من خَلاق في الآخرة أي لن يكون له من نصيب وافر من الخير فيها، فذكر الآخرة يستدعي ذكر خيرها، ذكر نعيمها وأنه الجزاء الأوفى، وأنها الخلود الذي لا زوال له، وأنها الباقية الدائمة، وأنّها فعلا هي تلك الدار التي يسعى لها الإنسان سعيه....

نحن في هذه الدنيا كمثل ذلك الضيف الذي يحلّ على مضيفه، فهل هو دائم المكوث عنده؟؟ هل هو مستقرّ عنده مرتاح كل راحته؟؟؟لا بدّ له وإن طال البقاء من عودة وإلا لما عدّ في عِداد الضيوف، هكذا هي الدنيا نعيشها ونحياها ونحن ننتظر عودتنا لمستقرّنا ولمقامنا الدائم الخالد الذي لا نغادره، فكل مكان نغادره ليس لنا مكانا يحقّ أن نسميه ملكا، وكل متاع زائل لا يبقى كما لا يبقى صاحبه ولا يبقى مكانه ولا يبقى زمانه ، فأي مستقرّ له، وأي ثبات وأي خلود وأي بقاء ؟؟؟؟ كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال  والإكرام  


يمدّ الإنسان يده لله ويسأله، فإذا هو يسأل الدنيا أول ما يسأل وآخر ما يسأل ...ربما بدا هذا في كلامه، أو ربما وإن لم يبدُ في كلامه وبدا أنه سائل الدنيا والآخرة، فإنّ لهثه خلف الدنيا وطمعه في الدنيا ذلك المضمر في قلبه العالم به الله وحده ....
يعلمنا سبحانه أن تتجرد قلوبنا له وحده، فإذا تجردت له وحده فهل حقا نسأل الدنيا أكثر من سؤالنا حظا وافرا من الخير لنا في الآخرة؟ فهل حقا نرتضي ألا يكون لنا من خَلاق في الآخرة؟؟؟ وإنما ستأتي الأحوال تباعا ستنتج هذه الحال عن تلك، فينتج السؤال من فعل التجرد الخالص، فيتمنى المؤمن أن يخلصه الله في الآخرة، وأن يرزقه نعيمه فيها ويجعله من السعداء فيها .....


وَمِنْهُم مَّن يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ(201)أُوْلَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِّمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ سَرِيعُ الحِسَابِ(202)

ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار .........ومن هؤلاء الناس أيضا سواء كانوا حجيجا أو غير حجيج من يسأل المولى الحنان المنان المعطي أن يؤتيه في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة، فهو سائله خيري الدنيا والآخرة، يقينا منه أنّ الله المعطي وإن أغدق في العطاء بما أغدق، وإن ضاعف العطاء أضعافا مضاعفة لا يعلم قدرها وميزانها إلا هو وحده في تمام علمه وكمال علمه، وإن أعطى ما أعطى فلن ينقص ذلك من ملكه شيئا، ولن ينقص مما عنده شيئا ....
فيسأله الخلاص في الدنيا والخلاص في الآخرة، يسأله خير الدنيا وخير الآخرة، يسأله عطاء الدنيا وعطاء الآخرة ....

يسأله الخيرين في الدارين ....يسأله في الدنيا حسنة وعلى قول بعض العلماء أنّ الحسنة لم تحدّد من طرفهم فهم يتركون اختيارها لهم للعليم الخبير الحكيم الذي يعلم خير أنفسهم أكثر من أنفسهم، ومنهم من يقول كسيدنا علي رضي الله عنه وأرضاه " الحسنة في الدنيا المرأة الصالحة وفي الآخرة الحوراء"

إن هذا التعليم الإلهي يحدد:لمن يكون الاتجاه . ويقرر أنه من اتجه إلى الله وأسلم له أمره , وترك لله الخيرة , ورضي بما يختاره له الله , فلن تفوته حسنات الدنيا ولا حسنات الآخرة . ومن جعل همه الدنيا فقد خسر في الآخرة كل نصيب . والأول رابح حتى بالحساب الظاهر . وهو في ميزان الله أربح وأرجح . وقد تضمن دعاؤه خير الدارين في اعتدال , وفي استقامة على التصور الهاديء المتزن الذي ينشئه الإسلام

إن الإسلام لا يريد من المؤمنين أن يدعوا أمر الدنيا . فهم خلقوا للخلافة في هذه الدنيا . ولكنه يريد منهم أن يتجهوا إلى الله في أمرها ; وألا يضيقوا من آفاقهم , فيجعلوا من الدنيا سورا يحصرهم فيها . . إنه يريد أن يطلق(الإنسان)من أسوار هذه الأرض الصغيرة ; فيعمل فيها وهو أكبر منها ; ويزاول الخلافة وهو متصل بالأفق الأعلى . . ومن ثم تبدو الاهتمامات القاصرة على هذه الأرض ضئيلة هزيلة وحدها حين ينظر إليها الإنسان من قمة التصور الإسلامي . .
(1)


----------------------------------------------------------------------------
(1) في ظلال القرآن لسيد قطب





العنوان: رد: تعالوا نـــــَـــعــــــــش مع صفحة .........
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2008-11-25, 13:02:23
وتعقيبا على كلمات الإمام الشهيد، نعم الإسلام لا يريد من المؤمن أن ينى أمر الدنيا، وإنما يجعله ببشريته وبفطرته وبطبيعته والإسلام موائم للفطرة والطبيعة البشرية كل المواءمة، يجعله يتصل بالدنيا مادام عائشا فيها، مادامت ساحة وجوده، وساحة كينونته، وساحة سعيه، فلا يغيّبه عنها، ولا يدّعي جزافا وهراء من القول بأن يضحي المؤمن في محراب من بدء خلقه إلى نهاية وجوده، فما معنى الدنيا إذن ؟؟؟ ما معنى أنها دار الامتحان، ودار الابتلاء، ودار العمل للحصول على الأجر، دار العمل ....

ولكنّ الحكمة ألا تشغل القلب، ألا تشغل الفكر، ألا تسيطر، ألا تكون هي الأولى وهي الآخرة في الحساب، ألا تسطو على النفس فتأخذها أخذة رابية، تأخذها أخذة تنسى بها ربها وخالقها، تنسى فضله عليها، فتنسى يوم لقائه وما عليها أن تحضّر وتجهّز لهذا اللقاء...
ألا تكون أكبر الهمّ ومبلغ العلم، ألا تكون هي المحسوبة وألا يأخذ نعيمها وبهرجها العقل والقلب، فتخوى الروح وتفرغ من كل ما يعلقها بمولاها، وما يرجعها إليه سبحانه ....

تأملوا أيها الإخوة ........تأملوا ....قولهم ربنا آتنا في الدنيا حسنة و في الآخرة حسنة

وماذا أيضا ؟؟؟؟؟ لو توقفنا لكان السؤال ذا طرفين طرف للدنيا بالحسنة وطرف للآخرة بالحسنة
ولكن لا ....لقد زيد للآخرة دعاء آخر، ثان يوحي بزيادة قيمتها، وزيادة حاجة العبد لها أكثر من حاجته للدنيا ...زيد عليها "وقنا عذاب النار"


فأصبح للآخرة حظان وللدنيا حظ واحد .........الدنيا لا نار فيها نسأله أن يخلصنا منها ...... فنسأله حسنتها التي ترضيه التي تقود إلى مرضاته وإلى العيش بما يرضيه، ولكن الآخرة فيها نار نسأله أن يخلصنا منها وأن يقينا عذابها ....وإذا وقانا عذابها فقد نجونا ....فقد نجونا ونلنا الحظ الدائم، النصيب الدائم المقيم الذي لا ينقطع
العنوان: رد: تعالوا نـــــَـــعــــــــش مع صفحة .........
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2008-11-26, 08:31:01
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته emo (30):

ونكون مع الآية الأخيرة من صفحتنا المباركة هذه أيها الإخوة الأكارم.... قوله تعالى :

أُوْلَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِّمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ سَرِيعُ الحِسَابِ(202)

علمنا أنّه سبحانه قد وصف حالين وفريقين من الناس، ففريق يدعو بالدنيا ويسأل حطام الدنيا وهو لاهٍ عن الآخرة، ناسيها، غافل عنها،فما له فيها من حظ ولا نصيب خير ، وفريق يسأل الدنيا والآخرة، وإذا سأل الدنيا فهو يسأل الله فيها الحسنة التي ترضيه وبما يرضيه سبحانه، حتى يلقى الله وهو راض عنه، ويسأل حسنة الآخرة والنجاة من النار، فأولئك يقول الله عنهم لهم نصيب مما كسبوا بمعنى نصيب من أعمالهم الخيّرة وحسن عملهم، نصيبهم هو جزاؤهم الأوفى يوم القيامة ونعيمهم في جنات الخلد ورضوان الله عليهم، ومن المفسرين من يقول أنّ الدعاء يدعى كسبا، فإنّ لهم من دعائهم نصيب إجابة منه سبحانه....كما يقول بعضهم أيضا أنّ المعنى هو "من أجل ما كسبوا" كقوله تعالى " مما خطيئاتهم أغرقوا " نوح 25

أي لهم نصيب من أجل حسن عملهم، لقاء حسن عملهم ....وفي كلٍّ خير ونعمة وفضل من ذي الفضل العظيم على عباده المتقين الذين لا ينسون دار القرار.... الذين يوقنون تمام اليقين أنّما الدنيا إلى زوال وأنّ البداية الحقيقية والحياة الحقيقية إنما هي حياته يوم غد يوم اللقاء الأعظم به عزّ وجلّ ونيل النصيب الذي هو منه وعد حقّ لا يخلفه  ....

والله سريع الحساب
وكأنما هو الإيحاء بسرعة مجيئ يوم القيامة .... بأنه يوم لا ريب فيه آت آت ....بأنه يوم يحشر فيه الناس سواسية لا فرق بين أحد وأحد فيه إلا بالعمل وإلا بالتقوى، وإلا ياليقين الذي لازمهم في الحياة الدنيا ....
وهناك جملة من الأقوال في هذه نوردها جميعا لأن في جميعها خير وفي جميعها يتجلى المعنى من قوله سبحانه:

وفي معنى سرعة الحساب خمسة أقوال. أحدها: أنه قلته قاله ابن عباس،   فروى الضحاك عن ابن عباس أن رجلا قال: يا رسول الله مات أبي ولم يحج، أفأحج عنه؟ فقال: «لو كان علي ابيك دين قضيته اما كان ذلك يجزيء عنه» قال: نعم، قال: فدين الله أحق أن يقضى قال: فهل لي من أجر؟ فنزلت هذه الآية. . والثاني: انه قرب مجيئه، قال مقاتل. والثالث: أنه لما علم ما للمحاسب وما عليه قبل حسابه كان سريع الحساب لذلك. والرابع: أن المعنى والله سريع المجازاة، ذكر هذا القول والذي قبله الزجاج. والخامس: أنه لا يحتاج إلى فكر، وروية كالعاجزين، قاله أبو سليمان الدمشقي.(1)


فهو إذن بمناسبة سؤال ذلك الصحابي عن أبيه الذي لم يحجّ وسأل إن حجّ عنه أفيكون له من أجر فكان الجواب بأنّ له ذلك، وأنّه كناية عن قرب مجيئ ذلك اليوم، وأيضا أنه ما للمحاسَب وما عليه قبل حسابه فهو سريع الحساب له، وأيضا أنه سرييع المجازاة يقدم بالخير وهو الجنة، وأنه سبحانه بجلاله وعظمته وقدرته المطلقة لا يحتاج لوية ولا لفكر ولا لتأن ليكون منه الصحيح فهو سبحانه القدير العظيم العليم الخبير .....

وكلّ هذا فيه دلالة على قدرة الله عزّ وجلّ وعلى رحمته بعباده، وعلى عدله سبحانه، وعلى عظمته، وعلى عودة الأمر كله له وحده ....



------------------------------------------
(1) زاد المسير في علم التفسير لابن الجوزي
العنوان: رد: تعالوا نـــــَـــعــــــــش مع صفحة .........
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2008-12-02, 12:17:24
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

وهكذا إخوتي نأتي على نهاية هذه الصفحة المشرفة من سورة البقرة، ولكنّا سنمدّ بالآية الأولى من الصفحة الموالية لها للعلاقة الوثيقة بينها، ولاتصال السياق والموضوع، موضوع الحج وشعائره ومناسكه، حتى لا يحدث انقطاع يقطع المعنى الموصول ....

والآية هي قوله تعالى :

وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَن تَأَخَّرَ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ    203


هذه الأيام المعدودات لذكر الله يقال أن الأرجح أن تكون يوم عرفة ويوم النحر وأيام التشريق الثلاثة بعده وهي أيام الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر من ذي الحجة...ومنهم من يقول أنها أيام التشريق الثلاثة دون يوم عرفة ويوم النحر، وفيها يكثر ذكر الله تعالى...

ومعنى التشريق لغة هو نشر اللحم وتقديده وعرضه للشمس ...."شَرَّقَ اللَّحْمَ فِي الشَّمْسِ" : قَدَّدَهُ وَبَسَطَهُ فِي الشَّمْسِ....
ويراد باللحم لحم النسك، أي لحم العيد...

وهذه أيام التشريق الثلاثة :فاليوم الأول يقال له: يوم القَر - بفتح القاف - لأن الحجاج يقرون فيه بمنى. والثاني يوم النفر الأول ، لأنه يجوز النفر فيه لمن تعجل.
والثالث يوم النفر الثاني وهو لمن تأخر ....
وبهذا نكون قد بلغنا معنى "فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَن تَأَخَّرَ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ" المتعجّل في يومين هو الذي يمكث بمنى يوم القرّ أي اليوم الأول من أيام التشريق وهو اليوم الحادي عشر من ذي الحجة، ويتبعه باليوم الثاني من أيام التشريق ومن نفر فيه فهو المتعجّل ويكون نفره بعد رميه للجمار الذي يجوز له بداية من اليوم الأول من أيام التشريق إلى غاية اليوم الثالث منها، فمن رمى الجمار ونفر في اليوم الثاني فهو المتعجّل، وهذا لا إثم عليه، ومن رمى الجمار ونفر في اليوم الثالث فهذا هو المتأخر، ويقول جمهور العلماء بأفضلية المتأخر، ولكنّ المتعجل والمتأخر كلاهما لا يأثمان، كما بينت الآية الكريمة "فلا إثم عليه" تابعة لكل من الحالتين ....

وتسمّى أيام التشريق أيضا أيام منى،وتسمى أيام رمي الجمار والأيام المعدودات ، كل هذه الأسماء واقعة عليها . والفقهاء يعبرون بأيام منى تارة ، وبأيام التشريق تارة أخرى...

وذكر الله يكون عقب الصلوات المكتوبة، على صيغة التكبير والتهليل، والحمد، وهو الذكر جملة، أي أنّ أيام التشريق كلها تتبع صلواتها بهذا الذكر الظاهر الجامع، كما أنه أيضا يكون في كل حال عدا عواقب الصلوات ...

وهذه الأيام المعدودات غير الأيام المعلومات التي جاء ذكرها في قول الله تعالى: (ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير). قال البخاري: وقال ابن عباس: واذكروا الله في أيام معلومات أيام العشر يعني أيام العشر من شهر ذي الحجة. والأيام المعدودات أيام التشريق.
قال وكان ابن عمر وأبو هريرة يخرجان إلى السوق أيام العشر يكبران، ويكبر الناس بتكبيرهما، قال: وكان عمر يكبر في قبته بمنى، فيسمعه أهل المسجد فيكبرون، ويكبر أهل الأسواق حتى ترتج منى تكبيرًا.





العنوان: رد: تعالوا نـــــَـــعــــــــش مع صفحة .........
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2008-12-03, 09:09:18
وفي هذا السياق إخوتي أحب أن أنقل لكم من موقع الحج والعمرة هذه الفتوى التفصيلية عن رمي الجمار عساها تفيدنا جميعا فدققوا في تفاصيلها أكرمكم الله :

رمي الجمرات  

 * من رمى الجمار أول أيام التشريق (وهو يوم الحادي عشر) قبل الزوال وجب عليه أن يعيدها بعد الزوال , فإن لم يعلم إلا في اليوم الثاني أو الثالث أعاد رميها بعد الزوال في اليوم الثاني أو الثالث : من أيام التشريق قبل أن يرمي لذلك اليوم الذي ذكر فيه , فإن لم يعلم إلا بعد غروب شمس اليوم الثالث من أيام التشريق لم يرم وعليه دم .   

 * من زاد على السبع حصيات في رمي الجمرة فقد أجزأه الرمي وأساء في الزيادة .  

*  المطلوب في رمي الجمار أن تقع في الحوض , وإصابة الشاخص ليست مطلوبة . 

*  يجب الترتيب في رمي الجمرات بأن يبتدئ بالصغرى ثم الوسطى ثم الكبرى , فإن خالف الحاج وجبت الإعادة , فإذا لم يعد أيام منى
فعليه دم .   
*  من رمى العمود (الشاخص) ولم تقع الحصيات في الحوض , فرميه غير صحيح وتجب عليه الإعادة , فإن فات الوقت فعليه دم ، ولا تجوز الصدقة بالمال بدل الدم .   
*  إذا رمى أحد الجمرة الصغرى ثم زحم فأخر رمي الباقي إلى الليل مثلا , فلا شيء عليه ورميه صحيح . 

*  أخذ الحجارة في رمي الجمرات من داخل الحوض والرمي بها لا يجزئ ; لأنها مستعملة .  

*  من رمى حصى الجمار دفعة واحدة بضربة واحدة فإن ذلك لا يجزئه في رمي الجمار , ويعتبر كأنما رمى بحصاة واحدة . 

*  يرجى أن يكون الذي مات في زحام الجمرات شهيدا ; لكونه مات بسبب الزحمة المشبهة لميت لهدم .  

*  من أخر رمي الجمار في اليوم الحادي عشر حتى أدركه الليل , وتأخيره لعذر شرعي , ورمى الجمار ليلا فليس عليه في ذلك
شيء , وهكذا من أخره في اليوم الثاني عشر فرماه ليلا أجزأه ذلك ولا شيء عليه , وعليه تلك الليلة المبيت في منى , والرمي لليوم الثالث عشر بعد الزوال لكونه لم ينفر في اليوم الثاني عشر قبل غروب الشمس .
والأحوط للحاج أن يجتهد في الرمي نهارا .  
*  المرأة المعذورة بحمل أو كِبَر أو نحو ذلك تجوز النيابة عنها , ولا إشكال في ذلك , والذي يرمي عنها لا ينوب عنها إلا بإذنها قبل الرمي عنها . فيرمي عن نفسه ثم يرمي عنها والنائب يكون من الحجاج .
وكذا تجوز النيابة عن القوية لو حصلت مشقة غير مألوفة .  
*  تجوز النيابة في رمي الجمار عن العاجز الذي لا يقوى على مباشرة الرمي بنفسه , كالصبي والمريض وكبير السن , إذا كان النائب من الحجاج ذلك العام وقد رمى عن نفسه .  

*  من وكل آخر في الرمي عنه ففرَّط الوكيل فلم يرم , لزم الموكل دم , وله مطالبة الوكيل بقيمة الدم ; لكونه المتسبب في ترك الرمي .   
*  من وكل في رمي جمراته أيام التشريق أو أحدها ونفر يوم النحر يعتبر مخطئا مستهزئا بشعائر الله , ومن يوكل في رمي الجمرات اليوم الحادي عشر أو الثاني عشر من أيام التشريق ويطوف طواف الوداع ليتعجل بالسفر فقد خالف هدي الرسول صلى الله عليه وسلم , ويلزمه دم , عن ترك المبيت , ودم عن ترك الرمي الذي وكل فيه , ودم ثالث عن طواف الوداع , حتى ولو طاف لأن طوافه للوداع وقع في غير وقته ; لأن طواف الوداع إنما يكون بعد انتهاء رمي الجمرات .   
*  فإن لم يستطع الدم صام عن كل فدية عشرة أيام . 

*  من رمى الجمرات في اليوم الثاني عشر ثم طاف للوداع , ثم اضطر للعودة إلى منى للبحث عن الرفقة , فبات بها ليلة الثالث عشر , فلا يلزمه الرمي ذلك اليوم ; لكونه نفر من منى بنية الرحيل قبل غروب شمس اليوم الثاني عشر .   
*  من نقص حصاة من رمي إحدى الجمار فلا شيء عليه .   

*  المراد بالأيام المعدودات في قوله : وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ أيام التشريق الثلاثة : الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ أي فمن نفر اليوم الثاني عشر بعد رمي جمراته وقبل الغروب فقد تعجل , ومن بقي إلى أن يرمي جمرات اليوم الثالث عشر فقد تأخر , وذلك أفضل .   
(1)


 ------------------------------------------------------------------------------
(1) موقع الحج والعمرة الرابط:
http://www.tohajj.com/Display.Asp?Url=ft00019.htm
العنوان: رد: تعالوا نـــــَـــعــــــــش مع صفحة .........
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2008-12-03, 09:35:13
ويحسُنُ بنا أيها الإخوة الأكارم ونحن نعدّ اليوم الرابع من أيام ذي الحجة العظيمة أن نذكر فضلها والعمل المحبّب فيها، وهذه للشيخ العثيمين رحمه الله أنقلها لكم من موقع إسلام واي:

**************************************************
الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين وبعد ..

فإنّ من فضل الله ومنته أن جعل لعباده الصالحين مواسم يستكثرون فيها من العمل الصالح، ومن هذه المواسم عشر ذي الحجة..

فضـلها:

وقد ورد في فضلها أدلة من الكتاب والسنة منها:
1- قال تعالى: {وَالْفَجْرِ(1) وَلَيَالٍ عَشْرٍ(2)} [الفجر:1-2]، قال ابن كثير رحمه الله: "المراد بها عشر ذي الحجة كما قاله ابن عباس وابن الزبير ومجاهد وغيرهم".

2- عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما العمل في أيّام أفضل في هذه العشرة، قالوا: ولا الجهاد، قال: ولا الجهاد إلاّ رجل خرج يخاطر بنفسه وماله فلم يرجع بشئ». [رواه البخاري].

3- قال تعالى: {وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ} [الحج:28]، قال ابن عباس وابن كثير يعني : "أيام العشر".

4- عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مامن أيّام أعظم عند الله سبحانه ولا أحب إليه العمل فيهن من هذه الأيام العشر، فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد». [رواه الطبراني في المعجم الكبير].

5- كان سعيد بن جبير - رحمه الله - إذا دخلت العشر اجتهد اجتهاداً حتى ما يكاد يُقدَر ُ عليه. [الدارمي].

6- قال ابن حجر في الفتح: "والذي يظهر أنّ السبب في امتياز عشر ذي الحجة، لمكان اجتماع أمهات العبادة فيه، وهي الصلاة والصيام والصدقة والحج، ولا يأتي ذلك في غيره".

ما يستحب في هذه الأيام:

1- الصلاة: يستحب التبكير إلى الفرائض، والإكثار من النوافل فإنّها من أفضل القربات.
روى ثوبان رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «عليك بكثرة السجود لله فإنّك لا تسجد لله سجدة إلاّ رفعك إليه بها درجة، وحط عنك بها خطيئة». [رواه مسلم]، وهذا في كل وقت.

2- الصيام: لدخوله في الأعمال الصالحة، فعن هنبدة بن خالد عن امرأته عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: «كان النبي صلى الله عليه وسلم يصوم تسع ذي الحجة، ويوم عاشوراء، وثلاثة أيّام من كل شهر». [رواه أحمد وأبو داود والنسائي وغيرهم]. وقال الإمام النووي عن صوم أيّام العشر أنّه مستحب استحباباً شديداً.

3- التكبير والتهليل والتحميد: لما ورد في حديث ابن عمر السابق: «فأكثروا من التهليل والتكبير والتحميد» ،وقال الإمام البخاري - رحمه الله -: "كان ابن عمر وأبو هريرة رضي الله عنهما يخرجان إلى السوق في أيّام العشر يكبران ويكبر النّاس بتكبيرهما"، وقال أيضا : "وكان عمر يكبر في قبته بمنى فيسمعه أهل المسجد فيكبرون ويكبر أهل الأسواق حتى ترتج منى تكبيراً".

وكان ابن عمر يكبر بمنى تلك الأيّام، وخلف الصلوات وعلى فراشه، وفي فسطاطه، ومجلسه، وممشاه تلك الأيّام جميعا، والمستحب الجهر بالتكبير لفعل عمر وابنه وأبي هريرة رضي الله عنهم أجمعين ..

وحري بنا نحن المسلمين أن نحيي هذه السنة التي قد أضيعت في هذه الأزمان، وتكاد تنسى حتى من أهل الصلاح والخير - وللأسف - بخلاف ما كان عليه السلف الصالح ..

صيغة التكبير:

ورد فيها عدة صيغ مروية عن الصحابة والتابعين منها:

- (الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر كبيرا)).

- ((الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلاّ الله، والله أكبر، والله أكبر، ولله الحمد)).

- ((الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلاّ الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد)).

4- صيام يوم عرفة:

يتأكد صوم يوم عرفة، لما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنّه قال عن صوم يوم عرفة: «أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده». [رواه مسلم].

لكن من كان في عرفة حاجاً فإنّه لا يستحب له الصوم، لأنّ النبي صلى الله عليه وسلم وقف بعرفة مفطراً.

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجميعن.


محمد بن صالح العثيمين - رحمه الله -[/
color]

الرابط:
http://www.islamway.com/?iw_s=Article&iw_a=view&article_id=2621[/size]
العنوان: رد: تعالوا نـــــَـــعــــــــش مع صفحة .........
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2008-12-03, 11:27:35
ونكمل مع سياق هذه الآية الكريمة التي أطللنا من نورها على فوائد جليلة، ....

وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَن تَأَخَّرَ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ    203

"لمن اتقى"  أي أنّ لا إثم لمن اتقى من الحجيج، فلم يتجاوز حدود الله، فعظم شعائره واتبعها كما بينها سبحانه وتعالى، والتقوى كما تلاحظون دائمة الملازمة للعبادات وللحياة التي يفترض فيها أن تكون لله خالصة
"قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ" 162   الأنعام

واتقوا الله واعلموا أنكم إليه تحشرون  دعوة للتقوى، دعوة لنفس الغنيمة، لنفس للتسلح بالسلاح ذاته، هذا السلاح الوكيد، القويّ الذي يوصل صاحبه للفلاح كما رأينا سالفا في آيات سابقة من هذه السورة العظيمة "واتقوا الله لعلكم تفلحون" التقوى طريق للفلاح، والفلاح هو النجاح والفوز والفوز عند الله سبحانه، هو تحصيل حسنة الآخرة ، والنجاة من عذاب النار، اتقوا الله لتفلحوا، اتقوا الله لتفوزوا، اتقوا الله وأنتم تعلمون أنكم إليه تحشرون....

دعونا أيها الإخوة نقف عند هذا المعنى الجليل العظيم، ذكر الحشر ويوم الحشر مع هذا السياق، سياق الحج وأعمال الحج، الحج وما يذكر به، يذكر باجتماع الناس سواسية كأسنان المشط بين يدي الله سبحانه، متجردين من ثيابهم إلا من قطع قماش غير مخيطة توحدهم وتساوي بينهم، الحج بمعانيه العظيمة ومغازيه الجليلة، تشبيه لذلك اليوم العظيم، يوم يحشر الناس لرب العالمين، عراة حفاة، لا فرق بين هذا بينهم وذاك إلا بالتقوى، التقوى هي الميزان، وهي الفارق، ليست الصور، وليست الأشكال، وليست الأجناس وليست الأعراق وليست الأموال وليست الأنساب، وإنما هي الأعمال وتقوى القلوب، القلوب وما وعت ....
هذا هو الميزان، ميزان رب البرية الحكم ، العدل الرحيم الجبار الودود ، العليم ، الخبير العظيم الواحد الأحد مالك الملك ذو الجلال والإكرام ...

إليه العودة، والمآب والمآل، وبين يديه الحساب ومنه الحساب، ومنه الفضل والرحمة، والتكرّم، ومنه المنّ والخير كله، وبفضله نفوز، وبكرمه ندخل جنات النعيم ....جعلنا الله من أهلها الفائزين بها، ووقانا غضبه وعذابه
آمين
العنوان: رد: تعالوا نـــــَـــعــــــــش مع صفحة .........
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2008-12-05, 16:12:57
هذه محاولة مني لوضع بعض الصور الممثلة للخطوات بدءا من عرفات، كما تعلمنا من الآيات الكريمات  emo (30):

الصورة الأولى:

(http://www.ayamnal7lwa.net/forum/index.php?action=dlattach;topic=1780.0;attach=2388;image)

الصورة الثانية:

(http://www.ayamnal7lwa.net/forum/index.php?action=dlattach;topic=1780.0;attach=2384;image)


ولي عودة بإذن الله لأكمل الصور الموالية emo (30):
العنوان: رد: تعالوا نـــــَـــعــــــــش مع صفحة .........
أرسل بواسطة: ريحان المسك في 2008-12-06, 00:32:02
جزاك الله خيرا يا ابلة اسماء  emo (30):

و اسجل نفسي متــــــــــــــــــــــــــــــــــتابعة ::)smile:
العنوان: رد: تعالوا نـــــَـــعــــــــش مع صفحة .........
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2008-12-06, 07:24:34
أهلا وسهلا بك يا ريحان....سعيدة جدا بوجودك، ومستعدة لكل استفسار واستيضاح منك  ::)smile:أنا في الخدمة ::)smile:

وفي المداخلة الموالية نكمل مع الصور بإذن الله .... emo (30):
العنوان: رد: تعالوا نـــــَـــعــــــــش مع صفحة .........
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2008-12-06, 07:47:46
الصورة الثالثة: الحجاج في منى بعد خروجهم من المزدلفة التي يبيتون فيها ليلة


(http://www.ayamnal7lwa.net/forum/index.php?action=dlattach;topic=1780.0;attach=2390;image)


الصورة الرابعة:الحجاج في منى لرمي الجمار في أيام التشريق

(http://www.ayamnal7lwa.net/forum/index.php?action=dlattach;topic=1780.0;attach=2392;image)
العنوان: رد: تعالوا نـــــَـــعــــــــش مع صفحة .........
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2008-12-06, 09:14:08
*****************درر نثـــــــــــــــــــــــــــــــــر درة******************

وهكذا أيها الإخوة الأكارم نكون قد أنهينا الصفحة المشرفة وأتبعناها بآية من الصفحة الموالية نظرا لتتابع المعنى وتواصل السياق، سياق الحديث عن الحج، ونحن أولاء في أيامه المباركات، مَن حجّ من المؤمنين فهو هناك في أطهر البقاع وأقدسها على وجه الأرض، ومن لم يحجّ فهو معنا هنا، نسأل الله تعالى أن يهدينا لما يجعلنا نعيش معهم بأرواحنا، ونعيش قدسية هذه الأيام العشرة  من ذي الحجة، ونحن اليوم نعدّ منها اليوم الثامن، إذ سيكون يوم غد بإذن الله تعالى يوم عرفة العظيم....

نحاول أن نعايش مناسك هذه الفريضة العظيمة، التي نستلهمها من الحنيفية الأولى السمحة لسيدنا إبراهيم عليه السلام على ضوء من هدي حبيبنا صلى الله عليه وسلم الذي نزّل عليه القرآن فيه آيات بينات تنقل لنا الحق والنور والبرهان الساطع، وتمحو كل أثر لجاهلية ظلماء، حرفت وجعلت للخرافة مراحا، .....محا الإسلام كل أثر للجاهلية في هذه المناسك العظيمة المقدّسة من هذه الفريضة، كما رأينا فجعل يخالف المشركين، ويضع تعاليم الحق والنور

نحاول سوية أيها الإخوة اليوم أن نستخرج بعض الدرر الثمينة النفيسة من هذه الآيات البينات التي عشنا معها من سورة البقرة الجليلة، آيات الحجّ، وها هي ذي هذه السورة كما ذكرنا سالفا تمتعنا بالشعائر وتعرفنا بالنظم التشريعية التي بينها المولى عز وجل للمؤمنين لتكون لهم هدى يعيشوا به على بصيرة من نور الله، نور الله وحده، وحاكمية الله وحده، وحكمة الله وحده....فقد عرفنا أحكام القصاص، ثم عرفنا عن الوصية، ثم انتقلنا إلى الصيام وأحكامه، وها نحن اليوم قد عشنا مع الحجّ ....وهذه آياته العظيمة:

الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ(197) لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغُوا فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِّنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِندَ المَشْعَرِ الحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِن كُنتُم مِّن قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ(198) ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (199)فَإِذَا قَضَيْتُم مَّنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً فَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ (200)وَمِنْهُم مَّن يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ(201)أُوْلَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِّمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ سَرِيعُ الحِسَابِ(202)وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَن تَأَخَّرَ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ(203)

1-الحجّ معلومة أوقاته، وهي شهر شوال، وشهر ذي القعدة والعشر الأوائل من ذي الحجة.
2-اعتزام الحج وعقد النية على أدائه في هذه الأشهر يوجب ترك الرفث وهو كل ما يحوم حول علاقة الرجل بامرأته،والفسوق وهي المعاصي صغيرها وكبيرها،والجدال الذي يغضب الأخ من أخيه
3-الحاج يحرم عليه حتى علاقته بزوجته، تلك العلاقة المشروعة البيّنة تحرّم عليه حتى يخلص بكليته لله سبحانه ويرتقي مصاف الملائكة، ويسمو عن الأرض بكل معانيها الترابية إلى الروح بكل معانيها الشفافة المحلقة في رَوح الله سبحانه
4-الإشارة إلى علم الله بكل الخير الذي يأتيه الحاج دلالة على ضمان الجزاء الموفور له، وعلمه بالخير وحده جزاء قبل الجزاء
5-الإسلام يوجب تزوّد المؤمن في سفره للحج، أو لأي سفر، لئلا يذلّ المؤمن، أو يمدّ يده وهوالقادر على كفاية حاجته
6-الإسلام يعلمنا ضرورة الأخذ بالأسباب في كل مجال وإن كان مجال تعبّد محض .
7-التقوى خير الزاد للمؤمن، لأنه الدافع الذي يجعله مقبلا على كل برّ، مدبرا عن كل إثم.
8-تقوى الله وخشيته وازع يصدقه العقل ذلك لما يجلبه للمؤمن من خير ونفع، وأعظمه فلاحه وفوزه عند رب العالمين.
9-يبين القرآن أنه لا إثم على من أراد تجارة في موسم الحجّ.إذهابا لخوف المؤمنين من أن يبقى شيء من أثر الجاهلية يصبغ عباداتهم.
10-ابتغاء الرزق مع إبطان نية الابتغاء من فضل الله، وأنه الرزاق الكريم المعطي، عبادة تجعل القلب متعلقا بالله في كل حال
11-الإسلام دين نعيش ونحيا به كل جزئية من جزئيات حياتنا، دراسة وعملا وسعيا ويقظةونوما، فهو دين للحياة منهج لا بدّ أن يسودهو وهو منهاج الرب الخالق، لا أن تسود مناهج العباد للعباد، وتشريع العباد للعباد.
12-بعد الوقوف بعرفة والتي هي الفاصل والفرق بين العمرة والحج (إذ أن الحج عرفة)، يفيض الحجيج إلى المشعر الحرام بالمزدلفة، حيث يصلون المغرب والعشاء هناك كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم.
13-الإكثار من ذكر الله تعالى وشكره على نعمة الهداية بالإسلام التي لولاها لبقي الإنسان ضالا لا يعرف الهداية.
14-الإسلام وربطه للعبد بربه في كل حال أكبر نعمة تستحق الشكر بالفعل والقول .
15-الإسلام دين المساواة بين الناس جميعا، جاء يذهب كل الفروق التي وضعتها الجاهلية، والتنادي بالأنساب والشرف، ويدعو إلى التنادي بتقوى الله عز وجل وطاعته وطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم.
16-التذكير الدائم بأن الله سبحانه غفور رحيم لمن استغفره وأناب إليه.
17-دعوة الحجاج إلى ذكر الله بعد قضاء المناسك، ذكره أكبر الذكر، وأنه الأولى بالذكر والشكر من ذكر الأنساب والتفاخر بها،وذلك الحال الذي كان في الجاهلية، إذ بعدما ينهون شعائر الحج التي بدلوها وأدخلوا عليها خرافاتهم يذكرون نسبهم ويتفاخرون فيما بينهم كلّ بنسبه العليّ
18-الناس صنفان، فمنهم من يسأل الله الدنيا وما له نصيب في الآخرة ولا رغبة ملحة في خيرها، ومنهم من يدعوه وأكثر ما يسأله الآخرة ونعيمها والنجاة من النار.
19-الدعاء الأفضل هو سؤال الله حسنة الدنيا التي يختارها لعبده، وحسنة الآخرة والنجاة من النار، وتفوز الآخرة على الدنيا حتى في الدعاء وتنال الحظ الأوفر والمكان الأسمى عليها، إذ يُدعى للدنيا بحسنة على أنها دار الفناء، ويدعى للآخرة بحسنتين فحسنة ونجاة من النار والنجاة من النار وحدها حسنة وذلك على أنها دار الخلود والقرار.
20-للذين يسألون الله الآخرة وخيرها والنجاة من عذابها، نصيب أكيد من أجل دعائهم وابتغائهم الآخرة وتفضيلهم إياها على الدنيا والرغبة فيها لقاء زهدهم في الدنيا .
21-الله سريع الحساب إشارة إلى المسارعة لفعل الخيرات وسؤال النجاة يوم الحساب، لأنّ العبد لا يعلم موعد خروجه من الدنيا، ومتى مات قامت قيامته.
22-الله سريع الحساب إشارة إلى عدم تكلفه وعنائه سبحانه بالعدد المهول من البشر من بدء سيدنا آدم إلى نهاية الدنيا، ذلك أنه سبحانه العظيم الذي لا يستعصي عليه أمر وإنما أمره بين الكاف والنون .
23-الأيام المعدودات هي على أغلب تقدير أيام التشريق وهي الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر من ذي الحجة وفيها يكثر ذكر الله تعالى سواء للحجيج، أو لغير الحجيج.
24-المتعجل هو الذي يرمي الجمار مصرحا له من اليوم الحادي عشر، فيوم الحادي عشر أو الثاني عشر ثم ينفر بعدها من منى قبل المغرب وهذا هو المتعجل ولا إثم عليه في تعجله النفير.
25-المتأخر هو الذي يرمي الجمار مصرحا له من اليوم الحادي عشر ، فإما رماها اليوم الحادي عشر، أو الثاني عشر أو الثالث عشر، ثم يمكث إلى ما بعد غروب اليوم الثالث عشر ثم ينفر ، فهذا أيضا لا إثم عليه .
26-التقوى هي الزاد وهي السلاح وهي الملازمة للعبد المؤمن والتذكير بها على الدوام لتكون في كل أعماله وأقواله، لأنها الموصلة إلى الفلاح، وهي ذلك الوازع الذي لا ينتظر رقيبا ولا حسيبا، إلا ما يكون بين العبد وربه من درحتها .
27-الحجّ نقّي من كل شائبة من شوائب الجاهلية، صيّره الإسلام نقيا خالصا لله من كل الأهواء والخرافات والتراهات التي هي وليدة افتراءات المشركين.
28-التذكير بيوم الحشر في سياق الحديث عن الحج، لأنّ مقام الحج وحاله يذكر بذلك اليوم العظيم يوم يحشر الناس جميعا لله وحده سواسية، وهذا أكبر دروس الحج .
العنوان: رد: تعالوا نـــــَـــعــــــــش مع صفحة .........
أرسل بواسطة: سيفتاب في 2008-12-06, 17:12:33
كم اشتقت لما تنثرينه من درر يا أسماء!

بارك الله لك وبك يا أختي الحبيبة.
العنوان: رد: تعالوا نـــــَـــعــــــــش مع صفحة .........
أرسل بواسطة: زينب الباحثة في 2013-05-28, 18:02:53
ومازلت أقرأ الكنوز الموجودة بهذا الموضوع رويدا رويدا حتى أنهيها إن شاء الله

بارك الله فيك أسماء :)
العنوان: رد: تعالوا نـــــَـــعــــــــش مع صفحة .........
أرسل بواسطة: ابنة جبل النار في 2013-05-28, 18:58:23
ومازلت أقرأ الكنوز الموجودة بهذا الموضوع رويدا رويدا حتى أنهيها إن شاء الله

بارك الله فيك أسماء :)
وانا عليّ ان اٌقرأها :)
العنوان: رد: تعالوا نـــــَـــعــــــــش مع صفحة .........
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2013-05-30, 13:27:36
هنا بضع صفحات من صفحات سورة البقرة الحبيبة إلى قلبي، عشت معها أحلى حياة، وفي الحقيقة لم يسعفني الوقت أن أداوم هنا، ولكنني كتبت في كل صفحاتها بإذن الله تعالى وريقات وهي عندي، أسأل الله تعالى أن ييسر لي نشرها مع متابعة ... سعيدة بمتابعتكما زينب وبنت نابلس  ::)smile: