المحرر موضوع: تلخيص "الخطوات الثمان لطالب فهم القرآن"  (زيارة 8460 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6545
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
بسم الله الرحمن الرحيم

ارتأيت أن أنقل تلخيصي لكتاب "الخطوات الثمان لطالب فهم القرآن" لصاحبه عصام بن صالح العُويد في موضوع منفصل حتى يأخذ حقه .وضمن التلخيص تعليقات لي على ما فهمته من الكتاب .

ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6545
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
نزل القرآن الكريم بلسان عربي مبين، لغة القرآن العظيم، لغة أهل الجنة ...
وليت شعري أين تقدير أهلها لها ؟! وهي التي شرفت أن كانت لغة آخر كتب الله تعالى نزولا، وأتمّها،والذي حفظه الله بحفظه ...

هذا اللسان العربي، تنقسم فيه الحروف إلى قسمين: حروف مباني، وحروف معاني

فأما حروف المباني: فهي الحروف التي بها تبنى الكلمات، من مثل الميم "م" من محمد، والراء"ر" من قرآن ....وبهذه الحروف تتكون الكلمات، التي تكوّن بدورها الجمل، ومن الجمل تتكون الآيات الكريمة.

وأما حروف المعاني:
فهي التي تربط بين الكلمات لتعطي دلالة معينة يقصدها المتحدث،وفي القرآن ذلك من مثل "الباء" في "بسم الله" والتي تعني الاستعانة بالله، ومن مثل "اللام" في "يريدون ليطفؤوا"، ودلالة حرف "على" على الظرفية في قوله سبحانه : "ودخل المدينة على حين غفلة ".

فحروف المباني تكوّن الكلمات، وحروف المعاني تربط بين هذه الكلمات، والكلمات تكون الجمل، ومن الجمل يتكون الكلام التام .وهذا ما ينطبق على كلام الله تعالى، حروف مباني، تكون الكلمات، والكلمات ترتبط بعضها ببعض بحروف المباني، لتوكن الجمل، والجمل تكون الآيات، وقد ارتبط كل هذا في كتاب الله تعالى على أدق وأكمل وجه ."الَر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ(1)" -هود-


ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6545
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
وفي باب تدبر القرآن ، ينصح أول ما ينصح، وكخطوة أولى ضرورية ولا مناص منها بضرورة الاطلاع على أقوال السلف في تفسير القرآن من صحابة وتابعين وأئمة التابعين.
---------------

قول السلف في تفسير القرآن الكريم ...
تفاسير السلف...
لكم يتجرأ المتجرؤون من المحدثين، ومن أهل هذا العصر، فيصفون تفاسير السلف بالتي عفا عليها الزمن، أو إن تأدبوا وتهذبوا قالوا أنّ لها ما لها وعليها الكثير مما عليها ....

وراحوا ينادون ويتنادون بنشر هذا الكلام وما شابهه، حتى انتشر بين أجيال الأمة اليوم تسفيه هذه التفاسير، والنظر لها على أنها القديم الذي لا يجب تقديسه، وكأن مَن عرف كنوزها وخبرها بما فقِه من أسرار اللغة و تيسر له فهمه لأسلوبهم القديم الذي يصفه المحدثون بالصعب.... كأن هؤلاء أصبحوا عَبَدة للسلف وتفاسيرهم مخلصين لهم الدين !!

وفات هؤلاء(المتجرؤون) أنّ قلة فهمهم للغة ولأسلوب ما أراده القدماء، أدى بهم لنبذ ما كتبوه، أو لوصمه بما ليس فيه، فكان العطب في قلة فهمهم لكلامهم وليس في كلامهم ذاته، كما فاتهم أنه مجهود بشري لا يخلو من خلل بشري يدعو لأن يؤخذ منه ما يؤخذ، ويرد منه ما يرد، ولكن وفق أسس وقواعد نقد علمية بناءة، لا الدعوة لنبذه إجمالا وتفصيلا لا معنى له إلا شمولية الحكم الجائر التي لا تقنع عاقلا متدبرا، مترويا، مستخدما لعقله،باحثا عن الحقيقة ....

وعلى هذا أحب أن أذكر لفتة كريمة لأحد الأساتذة في محاضرة له عنيت بالمنهجية في قراءة كتب أهل العلم، إذ أشار إلى أن طالب العلم قبل أن يقرأ في كتب التفسير المتنوعة، من المهم له والأولى به أن يطالع قول السلف في التفسير، يعلل لذلك بقوله :
"من المتقرر عند أهل العلم بعامة أنه لا يجوز أن يُعتقد أن صوابا في مسألة من مسائل التفسير يُحجب عن الصحابة والتابعين، ويُدرك هذا الصواب من بعدهم، لأنهم هم الذين نزل عليهم التنزيل، فنقلوه إلى من بعدهم، فكل تفسير يضاد، -وهنا يؤكد على "يضاد" وليس "يخالف"- تفسير السلف فإنه قطعا غلط، لأنه لا يجوز أن يعتقد أنه ثمة صواب في التفسير يحجب عن سلف هذه الأمة،كما لا يجوز أن يظن أن كلمة من القرآن جهلها الصحابة وأدركها مَن بعدهم،أي فسرها الصحابة بأمر، ويأتي من بعدهم ليفسرها تفسيرا مضادا، وهنا يركز على "مضاد"... انتهى قول الأستاذ صالح بن عبد العزيز.

وإنى لأرى هذا جليا، ليس في مضمار الإعجاز العلمي الذي علمه المتقدمون، ولكن في مجال فهم المبنى اللغوي، والمعنى العام للمراد من الكلمات والآية...

وعلى هذا وجب ألا نقلل من قيمة رأي السلف وهُم من تنزّل عليهم القرآن، بل وهُم كانوا أول وأكثر من طبق القرآن عملا على الأرض... ولا يجوز بأي حال أن نسفّه ما تركه القدماء من أئمة التابعين، إذ إنّ هذا لمن دواعي حرماننا من كنز عظيم يذهب عنا خيره إذا ما تشدقنا بما لسنا له أهلا.... فلنقرأ أولا، ولنحاول الفهم، قبل أن ننضم إلى زمرة الداعين للبعد عن كلام القدماء والسلف أولئك الذين عاشوا بالقرآن حياة، ولم يكونوا قراء لحروفه كما هو حالنا اليوم ....
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6545
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
والمرحلة الأولى هي : الوقوف على الآثار الواردة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم صحابته رضوان الله عليهم وأئمة التابعين في الآيات، سواء ما تعلق بفضائل السور أو أسباب النزول أو التفسير


خلل كبير أن نقرأ القرآن، ونبحث عن فهم القرآن في التفاسير المختلفة، ونسعى لأن نحيا بالقرآن تدبرا وفهما من أجل العمل، ونكون مع هذا جاهلين بسيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا نعرف عن حياته وتفاصيلها... !
خلل كبير أن نبحث في القرآن وفهمه ونغفل عن السيرة .... ولا أرى إلا أن دراسة كليهما خطان متلاقيان كل التلاقي ليفهم القرآن كما أراده الله تعالى منهجا للحياة...

ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وكما وصفته عائشة رضي الله عنها، "كان قرآنا يمشي على الأرض"، وصنع بذلك رجالا كانوا القرآن يمشون على الأرض ....

فكان أول من يجب أخذ معاني القرآن عنه هو رسول الله صلى الله عليه وسلم:
وَمَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلاَّ لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُواْ فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ(64) -النحل-

يقول الإمام الشافعي: "كل ما حكم به رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو مما فهمه من القرآن".

ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية : "يجب أن يُعلم أن النبي بين لأصحابه معاني القرآن كما بيّن لهم ألفاظه، فقوله تعالى:"وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ(44) -النحل- يتناول هذا وهذا "

وفي أخذ تفسير القرآن وفهم معانيه ومراميه من رسول الله صلى الله عليه وسلم طرق ثلاثة:
أولا: الأخذ المباشر عنه صلى الله عليه وسلم أي ببيان مباشر منه، من مثل قوله "الكوثر نهر اعطاني الله إياه في الجنة" فكان بيانا مباشرا منه لمعنى "إنا أعطيناك الكوثر"... ومن مثل تفسيره لأصحابه معنى الظلم في قوله سبحانه "الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَـئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ(82)" -الأنعام-، لما قدم عليه الصحابة مستفسرين وهم يقولون ما منا إلا وقد ظلم، فأجابهم صلى الله عليه وسلم بقوله: "ألم تقرؤوا قول الرجل الصالح : "يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ" لقمان من الآية 13. ليتبين أن الظلم في هذه الآية قد عنى الله به الشرك .

ثانيا: الأخذ عن أعماله صلى الله عليه وسلم، فحينما علم الناس الصلاة فسر لهم عمليا معنى قوله تعالى : "وأقيموا الصلاة"، وفسر لهم عمليا إقامة حد الزنا ،وإقامة حد السرقة وغيرها .

ثالثا: الأخذ عن أخلاقه صلى الله عليه وسلم، وقد وصفته أمنا عائشة رضي الله عنها بقولها :"كان خلقه القرآن"

بهذا يكون قد فسر صلى الله عليه وسلم القرآن بقوله وفعله وتقريره. فكيف يتأتى للمؤمن أن يفهم القرآن كما ينبغي أن يعيش به ويتخذه منهج حياة دون أن يعرف عن سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم لا القشور ولا العناوين، بل أدق التفاصيل ...؟!
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6545
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
ودائما ومع المرحلة الأولى من مراحل التدبر،ونحن نتدرج فيمن يؤخذ عنهم تفسير القرآن الكريم، وقد عرفنا أول الأمر ضرورة الأخذ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والآن نعرِض لمن يؤخذ عنهم بعده.
--------------
وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ(100)" -التوبة-

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" خيرُ أُمَّتِي قَرْنِي ، ثُمَّ الذين يَلُونَهُمْ ، ثمَّ الذين يَلُونَهُمْ - قال عِمْرانُ : فلَا أَدْرِي أذَكَرَ بعدَ قَرْنِهِ قَرْنَيْنِ أَوْ ثلاثًا"-صحيح البخاري-

لا أجد أقوى من شهادة القرآن العظيم ومن بعده شهادة رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه رضوان الله عليهم حتى نعرف فضل هؤلاء الكرام المصطفين الذين اختارهم الله تعالى أصحابا لنبيه صلى الله عليه وسلم ومعايشين للتنزيل نديّا ينزل عليهم من رب العزة، سببا بعد سبب، فكانوا يبيتون الليلة على خبر بين الأخبار، تشرق عليه شمس الغد وقد نزل فيه وفي صاحبه قول من الله تعالى يتلى إلى يوم القيامة...!!

أي شرف قد نالوه، وأية حُظوة، وأي خير عظيم !!
قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وأرضاه :
"أولئك أصحاب محمد كانوا أفضل هذه الأمة،أبرّها قلوبا، وأعمقها علما، وأقلّها تكلّفا،قوم اختارهم الله لصحبة نبيّه وإقامة دينه،فاعرفوا لهم فضلهم واتبعوهم في آثارهم"...

أبَعْد هذا كله مجال لأن ننكر ضرورة أخذ الدين عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من بعد الأخذ عنه ؟
أبعد هذا لا تتبدّد غيوم الشك في أخذ تفسير القرآن الكريم عنهم فيما لا نجده في سنّة رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟

وقد أعجبتني إجابة المجيب عن سؤال سُئِله : "هذه النصوص تدل على الفضل لا على العلم بالقرآن !"
فردّ قائلا : "إنّ العلم الحقّ بالقرآن هو رأس الفضائل ، فمن أدركه سبق سبْقا عظيما،ومن فاته سُبق سبقا بعيدا "...

ويشير شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه"مقدمة في أصول التفسير"، إلى ضرورة التدرج في أخذ تفسير القرآن الكريم، فبعد أن يذكر بحر رسول الله صلى الله عليه وسلم الزاخر في علمه بالقرآن وعمله به، يذكر أصحابه الذين كانوا على أثر هداه، لا سيّما علماؤهم وكبراؤهم وعلى رأسهم الخلفاء الراشدون الأربعة...

فأما أعلم الأمة بالتفسير بعد هؤلاء العظماء فـ"ابن مسعود"، و"أبيّ بن كعب"، و"زيد بن ثابت" و"ابن عباس" رضي الله عنهم .

وأما مَن يلي كل هؤلاء في أخذ تفسير القرآن عنهم، -وكلهم ضمن تلكم الدائرة التي حددها رسول الله صلى الله عليه وسلم بقرنه وبمن يلونهم ثم بمن يلونهم-، فهم أئمة التابعين ومن أبرزهم مجاهد بن جبر،وسعيد بن جبير، وعكرمة مولى ابن عباس،و الحسن البصريّ، وعطاء بن أبي رباح،وأبو العالية، وسعيد بن المسيّب، وقتادة والضحاك بن مُزاحم وغيرهم .
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6545
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
والآن نحاول معرفة الأوجه التي جاء عليها تفسير رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته والتابعين للقرآن الكريم، نذكرها ها هنا وهي ثلاثة:

1- ما ورد في فضائل الآيات أو السور:

وقد صنّف العلماء في هذا الكثير نقلا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ومن أهم فوائد معرفة فضل الآية أو السورة معرفة قدرها عند الله تعالى، فليست أم القرآن كغيرها، وليست أواخر البقرة التي أعطيت رسولَ الله صلى الله عليه وسلم عند سدرة المنتهى كغيرها...

2-ما ورد في أسابب النزول:

وسبب النزول هو ما نزلت الآية من أجله شريطة أن يوافق السبب وقت نزولها، ويشمل الحوادث التي صاحبت الذي نزل من القرآن، سواء كانت زمانية أو مكانية أو حالية أو عينية. فمثلا نزول سورة الفيل ليس سببها حادثة الفيل، بل إنّ السورة نزلت بعد حدوثها وللتذكير بها .

ومن أهم فوائد معرفة أسباب النزول:
** بيان أن القرآن نزل من الله تعالى، إذ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يُسأل عن أمر فيتوقف، حتى ينزل عليه الوحي بشأنه فيجيب.
**بيان عناية الله سبحانه برسوله صلى الله عليه وسلم في الدفاع عنه من مثل قوله سبحانه : "وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلاً(32)" -الفرقان-

**بيان عناية الله بعباده في تفريج كرباتهم وإرشادهم لما ييسر أمورهم، من مثل نزول آية التيمم .

**معرفة سبب النزول سبب في فهم الآية على وجهها الصحيح، فقوله تعالى : "إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَن تَطَوَّعَ خَيْراً فَإِنَّ اللّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ(158)"-البقرة- فنفي الجُناح هنا ليس المراد منه بيان حكم أصل السعي، وإنما المراد نفي تحرجهم بإمساكهم عنه، حيث كانوا يرونه من أمر الجاهلية، أما أصل الحكم فتبين من قوله تعالى : "من شعائر الله".

أما الوجه الثالث في المأثور عن تفسير رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته وأئمة التابعين للقرآن الكريم، فإنه يحتاج أن نفرد له حديثا وحده، لأنني قد رأيته يُجلي غامضا من الصورة التي دأب المشككون على نشرها حول تفاسير السلف،من غير نظر علمي أمين... وهو التفسير المسنَد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه وأئمة التابعين، وفيه ضرورة الوقوف على أمرين اثنَيْن :
أولهما : النظر في طرق الرواية
ثانيهما : النظر في فهم الدراية.

فنفصل في المرة القادمة بإذن الله حول هذا الوجه .
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6545
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
ونعود للتفصيل في الوجه الثالث الذي بلغنا في مجال تفسير القرآن الكريم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته وأئمة التابعين، من بعد ما عرفنا ما أثِِر عنهم من فضائل الآيات والسور، ثم أسباب النزول وفوائد الإحاطة بها ...

الوجه الثالث هو التفسير المسنَد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه وأئمة التابعين:
وفيه ضرورة الوقوف على أمرين اثنَيْن :
أولهما : النظر في طرق الرواية
ثانيهما : النظر في فهم الدراية.

يجدر بي هنا أن أعرّف نفسي وأنا أطالع في هذا المجال، وأحب أن أسبر أغواره، وأجدني أستفيد أيما فائدة من هذه المنهجية في الأخذ بالتفاسير، أنّ ما نقرأه في كتب التفسير من مثل "تفسير القرآن العظيم" لابن كثير، و تفسير الطبري،فنقف على تلك العنعنات، فنجد أنفسنا كثيرا ما نحب تلافيها، وتعدّيها إلى الموضوع نفسه، إنما تلك هي هي ما يطلق عليه "أسانيد التفاسير"، والتي هي محور حديثنا هنا، وكيف كان التعامل معها... ومن أهمها وأشهرها طرق عن كل من ابن عباس وعن ابن مسعود، وعن أبيّ بن كعب.

والنظر في طرق الرواية يكون على على نوعين
1-آثار يُراد إثبات عموم معناها لا دقائق ألفاظها
2- آثار يراد منها الاحتجاج بها أو إثبات دقائق ألفاظها.

1-آثار يُراد إثبات عموم معناها لا دقائق ألفاظها: والإسناد هنا لا يُهتمّ به كما هو الشأن في علم الحديث، إذ إنّ كل علم له خصوصياته، يقول في ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية : "معلوم أن المنقول في التفسير أكثره كالمنقول في المغازي والملاحم،ويُروى ليس لها أصلٌ (أي إسنادٌ) لأن الغالب عليها المراسيل"

ويُخلَص إلى أن العبرة عند المحررين في مجال التفسير بالمأثور في المعاني ودلالاتها، لذا فإنه يقبل المعنى الصحيح وإن كان الناقل ضعيفا...
كما أنّه من زبدة القول في عدم الاهتمام بالإسناد في مجال التفسير بالمأثور، أنّ التساهل مع أسانيد التفسير مردّه أن كثيرا من روايات التفسير روايات كتب،وليست روايات تلقين وحفظ،زيادة على أن التفسير له مقاييسه التي يُعرف بها، عدا مقاييس الجرح والتعديل التي تعرف في مجال الحديث مثلا،من بينها النظر في السياق والنظر في اللغة، والنظر في عادات القرآن، والنظر في السنة.

وفي ذلك أعجبني قول مُجمل شامل لصاحب كتاب "الأصول الثمان لطالب فهم القرآن" : "فمن المتقرر عند جميع أهل الفنون أن العلوم تختلف،فإثبات السنة النبوية وإلزام الناس بها ليس كإثبات اللغة،فاللغة تثبت بما لا يثبت به الحديث،وكذا الحال في التفسير فإنه يثبت بما لا يثبت به الحديث،والاعتماد على هذه الروايات جزء أصيل من منهجه لا ينفكّ عنه، ومن اطّرحها فقد مسخ علم التفسير".

ويُخلص إلى أن الاعتماد على منهج أهل الحديث في نقد الروايات لا يكون بالشكل التام الذي لا يليق بعلم التفسير بالمأثور، وقد يؤدي إلى إلغائه، بل يجب أن يُرجى الاستفادة منه بحيث لا يستغنى عنه بالكلية، ولا يعتمد عليه بالكلية، لأن نقد الرواية يكون له دور في حال لمس غرابة أو نكارة أو شذوذ في التفسير المروي.

ويُشهد للإمام ابن كثير فعله ذلك وعمله به، حين يعمَد إلى نقد النص المنقول، بتتبعه أسانيد المرويات عندما يجد شذوذا أو نكارة، بينما يروي ويذكر السند من غير نقد في حالات أخرى.

والآن نكون قد عرفنا في إطار "النظر في طرق الرواية" ما يراد منه إثبات عموم المعنى لا دقائق الألفاظ، وكيف هو الاختلاف بين طرق أهل الحديث وطرق علم التفسير في مجال الإسناد.

يبقى أن نتعرف إلى:
2- آثار يراد منها الاحتجاج بها أو إثبات دقائق ألفاظها
هنا يؤكَّد على ضرورة التمحيص والتدقيق، باعتماد طريقة أهل الحديث في النظر في الإسناد، ذلك أنه يوجد طرق مختلفة بألفاظ مختلفة للمنقول عنه التفسير من الصحابة مثلا في تفسير آية معينة، فإن كان المراد الوقوف على المعنى العام اكتُفي بالأخذ بالمعنى العام الوارد من الطرق مختلفة الألفاظ، أما إن كان المراد الاحتجاج بها، أو إثبات دقائق ألفاظها فهنا يجب الاعتماد على التمحيص والتدقيق ...

وسأذكر مثالا لنفهم المراد من هذا:

جاء في تفسير ابن عباس لقوله تعالى:"وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ " -من الآية 31 من النور-
في بعض الروايات عنه: "الزينة التي يبدينها لهؤلاء قرطاها وقلادتها وسوارها،فأما خلخالاها، ومعضداها، ونحرها، وشعرها، فإنه لا تبديه إلا لزوجها"

ومعناه أنه لا يجوز للمرأة أن تبدي شعر رأسها أمام أولادها،وهذا مشكِل، وهذه الروايات ونحوها تحتاج إلى دراسة حديثيّة متأنية، بمعنى النظر الدقيق في الإسناد .

وبعدما عرفنا عن نقطة "النظر في طرق الرواية"يبقى أن نفصل في نقطة : "النظر في فهم الدراية." المرة القادمة بإذن الله تعالى.

ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6545
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
نكمل سويا التعرف إلى الخطوات الثمان لطالب فهم القرآن...

مازلنا نراوح المرحلة الأولى وهي التعرف إلى أقوال رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم صحابته ثم أئمة التابعين في تفسير القرآن الكريم
**فعن رسول الله صلى الله عليه وسلم عرفنا ثلاث طرق للأخذ وهي الأخذ المباشر، والأخذ عن أعماله، والأخذ عن أخلاقه،أي تفسيره القرآن بقوله وفعله وتقريره.

**ثم يؤخذ التفسير عن صحابته الكرام رضوان الله عليهم جميعا باعتبار شهادة القرآن الكريم لهم وشهادة رسول الله صلى الله عليه وسلم على فضلهم وعلمهم، ثم يؤخذ بعدهم عن أئمة التابعين.
أما الأوجه التي نجد عليها تفسير رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته والتابعين، فكانت:
1- ما جاء في فضائل السور والآيات .
2-ما ورد في أسباب النزول:
3- التفسير المسند

وهذا الأخير (التفسير المسند) هو الذي فصلنا فيه، فكان وجوب النظر فيه إلى أمرين أساسيين هما:
1-النظر في طرق الرواية
2-النظر في فهم الدراية.

فأما النظر في طرق الرواية فلنوعين من الآثار، آثار يراد إثبات عموم معناها، وآثار يراد الاحتجاج بها والبحث في دقائق ألفاظها، فأما الأولى فهي التي لا يهتم فيها بشأن الإسناد والبحث فيه كما هو الحال في علم الحديث، والعبرة فيها بالمعاني ودلالاتها ولا يستدعي ذلك رفض الناقل الضعيف، بل تحصيل المعنى الصحيح،لأن مقاييس النظر في التفسير بالمأثور غير تلك التي في علم الحديث.
وأما الثانية فهي التي يقف فيها المتلقي على طرق مختلفة كل الاختلاف للمنقول عنه التفسير، فهنا وجب التمحيص والتدقيق والبحث في الرواية الصحيحة.
----------
الآن نتطرق إلى نقطة "النظر في فهم الدراية"

النظر في فهم الدراية أساسي، إذ أن الكثيرين يصِمون أقوال السلف في تفسير القرآن الكريم بالاختلاف، بينما هو في الحقيقة اختلاف تنوّع لا اختلاف تضادّ، فقد يفسر أحدهم الشيء بلازمه ونظيره، والآخر بمقصوده وثمرته،وغالبا يؤول المعنى إلى كل ما فسروا به مجتمعا، فإنما هي اختلاف العبارات لا اختلاف المرادات ...

يأتي السؤال : كيف لنا أن نجمع بين أقوال السلف لفهم الآية؟
الجواب: يكون ذلك بخطوات ثلاث:
1- الوقوف على مجموع ما ورد عنهم قدر المستطاع .
2- أن يطرح من ذلك ما أشار له أئمة التفسير بالنكارة.
3-أن ينظر فما تبقى، فإن تعارض رجح بينها بقواعد الترجيح التي عند المفسرين، وإن لم تتعارض جمع بينها ليتبين المعنى الكلي للآية .

وقد أعجبني مثال عن هذا الجمع بين أقوال السلف في التفسير، حتى لا نتسرع فنحكم بالاختلاف، ونتوه بين الألفاظ المختلفة وهي مجتمعةً تحقق المعنى الكلي ...

قوله سبحانه: "هَذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ(57)" -ص-

فما الغساق ؟

الغساق فُسّر من السلف بأقوال:
أولها : الزمهرير وهو ما رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس، وقال مجاهد أنهم لا يستطيعون تذوقه من برده.
ثانيها: أنه ما يجري من صديد أهل النار، وهذا رواه الضحاك عن ابن عباس،
ثالثها: أنه عين في جهنم يسيل إليها سمّ كل ذات سمّ من عقرب أو حية أو غيرها، يغمس فيها أهل النار، فتنسلخ منها جلودهم عن عظامهم، وهذا قاله كعب.
رابعها: أنه الذي يسيل من دموعهم.
خامسها: أنه المنتن، وهذا ذكره جرير عن عبد الله بن بريدة.

فإذا اكتفينا بظاهر التعريفات تُهْنا،ونفّرنا أنهم لم يجتمعوا على معنى واحد. وإلا عدّدنا ما قالوه، وأخذه المستمع على أنه الاختلاف، بينما لو تأملنا لعرفنا أنها جميعا تشترك في أن الغساق شراب من شراب جهنم، وهو يجمع الصفات المذكورة كلها:
فهو : ما يجري من صديد أهل النار، وهو منتن، ويجتمع في عين في جهنم يغمس فيها أهلها،وهو شديد البرودة.

ولذلك نجد ابن كثير قد جمع بينها كلها في قوله :
"الغساق: هو ما اجتمع من صديد أهل النار وعرقهم ودموعهم وجروحهم، فهو بارد لا يُستطاع برده،ولا يُواجه من نتَنه"

وبعد هذا يتضح لنا شيئا فشيئا ظلم من تسرع فتبنى رأيه بالتقليل من شأن تفاسير السلف،أو بطرحها لما يرى من ظاهر اختلافها، ويزداد ذلك اتضاحا حينما تصبح المعرفة بمعاني ألفاظ اللغة ضرورة لفهم أقوالهم في التفسير، فإن نقص معرفة أهل هذا العصر باللغة أورثهم عدم فهم لكلام السلف في تفسير القرآن الكريم، ولا يستبين معنى كلام السلف إلا بالعودة لكتب اللغة لفهم معاني ألفاظهم .

ونكمل لاحقا بإذن الله مع الخطوة الثانية
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6545
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
والآن نكمل مع "المراحل الثمان لطالب فهم القرآن"، وننتقل اليوم إلى المرحلة الثانية وهي :

2-ضرورة إدراك معنى الألفاظ القرآنية ومقارنتها بما ورد عن السلف لتحصيل المعنى الكامل والصحيح للآية :

فهم معنى الكلمة على وجهها اللغوي الصحيح أساسي في فهم الآية ومن ثمّ في فهم القرآن، وتجنّب الخلط فيه، إذ أن عدم فهم المعنى قد يؤدي إلى فهم مغلوط كليا للآية.
يقول في ذلك الإمام الزركشي: "هو كتحصيل اللَّبِن من أوائل المعادن في بناء ما يريد أن يبنيه".

وقد أعجبني مثال ساقه المؤلف عن فهم خاطئ لمعنى آية، وكان ذلك من عَمْرو بْن عبيد الذي قدم على أَبِي عَمْرو بْن العلاء فقال : يا أبا عَمْرو ، يخلف اللَّه وعده ؟
قال : لا
قال : أفرأيت إن وعد اللَّه على عمل عقابا يخلف وعده ؟ فقال أبو عَمْرو بْن العلاء : من العجمة أتيت يا أبا عُثْمَان ، إن الوعد غير الوعيد ، إن العرب لا تعد خلفا ولا عارا أن تعد شرا ثم لا تفعله ، ترى أن ذاك كرم وفضل ، إنما الخلف أن تعد خيرا ثم لا تفعله .
قال : فأوجدني هذا في كلام العرب.
قال : أما سمعت إلى قول الأول :
لا يرهب ابْن العم ما عشت صولتي * ولا أختبى من خشية المتهدد
وإني وإن أوعدته أو وعدته * لمخلف إيعادي ومنجز موعدي

فهنا عمرو بن عبيد هذا لم يفرق بين "الوعد" و"الوعيد"، فالوعيد بالشر، والوعد بالخير.والله سبحانه لا يخلف الوعد، ولكنه سبحانه يعفو ويصفح ويغفر، فيُمدح إخلافه الوعيد سبحانه.

نأتي إلى ترتيب هذه الألفاظ والمفردات حسب درجة وضوحها وغموضها إلى ثلاث مراتب:
المرتبة الأولى: كلمات لا لبس في فهمها، واضحة الدلالة مثل: الناس، الشمس، البحر...إلخ
المرتبة الثانية: كلمات متداولة واضحة المعنى ظاهرا، ولكنها في تفسيرها تنطوي على معانٍ بديعة، لذا وجب الاطلاع على ما جاء من كلام المفسرين في شرح معانيها، ومن بينها: تؤزهم، حرثكم، شددنا أسرهم...إلخ

المرتبة الثالثة: كلمات صعبة تحتاج إلى شرح لتبيّن معناها الصحيح والدقيق وذلك بالرجوع لكتب التفسير والكتب اللغوية، ومن بين هذه الكلمات: أمشاج، أبا، زنيم،لكنود...إلخ

الآن ما الطريقة التي نعتمدها في فهم هذه الكلمات القرآنية؟
نذكر أولا أهم المصادر التي يجب الاستعانة بها حسب أنواعها:
**كتب التفسير بالمأثور: وأهمها تفسير ابن كثير، تفسير ابن جرير الطبري، وتفسير الدر المنثور للسيوطي.
**كتب التفسير اللغوية: وأهمها التحرير والتنوير لابن عاشور، تفسير البيضاوي، وتفسير أبي السعود.
**كتب اللغة:من مثل الصحاح للجوهري، مختار الصحاح، مفردات الراغب الأصفهاني.

نقوم بتصنيف الكلمة إلى إحدى هذه المراتب المذكورة، فإن كانت بسيطة واضحة لم تحتج منا رجوعا إلى تفسير، وإن كانت غامضة استدعت رجوعنا لكتاب تفسير بالمأثور لمعرفة قول السلف فيها، ثم الرجوع لكتاب تفسير لغوي بلاغي قد يجلّي المعنى بما لم يأت صريحا فيما عرفنا،والمقارنة بين ما وقِف عليه من قول السلف ومن المعاني اللغوية.

ونضرب أمثلة لتتضح ضرورة البحث للفهم:

"وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيّاً(8)" -مريم-

*هنا في تفسير السلف عن مجاهد أن "عتيا" معناها: نُحول العظم.
*وقال ابن زيد: العَتي هو الذي يرى نفسه لا يولد له إذ قد عتا عن الولد.
*فإذا نظرنا في أصل الكلمة وجدنا أنها مأخوذة من العتو وهو كل مبالغ فيه مما يذم أو يعاب.
*فإذا عدنا لكتاب تفسير لغوي، وهو التحرير والتنوير، وجدنا : "عتيا تطلق على الشيء اليابس"
فيُخلص من كل هذا إلى أن زكريا عليه السلام تضرع إلى ربه بضعفه الشديد حيث إنه قد كبرت سنه، وبلغ به الكبر مبلغا يبس معه العظم،فأصبح لا رطوبة في بدنه مطلقا ينتج بها ماء الولد، فكيف له مع ذلك بالولد؟

المثال الثاني: " فَأَجَاءهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا َكُنتُ َسْياً َّنسِيّاً(23)"-مريم-

هي ليست بمعنى جاء وحدها، وليست بمعنى "ألجأ" وحدها بل هي بمعنى الكلمتين معا، فقد دخلت همزة التعدية على "جاء" لتصبح "أجاء"، من مثل الفرق بين نام وأنام، وشرب وأشرب، فهذا المجيئ لم يكن على سبيل الاختيار بل كان على سبيل الاضطرار، فكانت "أجاء" أوفق كلمة للتعبير عن حالتها تلك، وهي مجيئ المخاض لها،وهو الذي ألجأها إلى جذع النخلة.

ولهذا جاء تفسير السلف ل"أجاءها" على "ألجأها" وما ذلك إلا من عظيم إدراكهم للمعاني .

أيضا لا أحب أن أغفل مثالا ثالثا ساقه المؤلف، وهو في قوله تعالى : "أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزّاً(83)"-مريم-

* عن ابن عباس قال: تؤزهم: تغريهم إغراء.
*عن قتادة قال:تزعجهم إزعاجا في معصية الله.
هكذا نكون قد اطلعنا على شرح السلف للكلمة، فإذا طالعنا "الصحاح" لغويا، وجدنا :الأزيز صوت الرعد، وصوت غليان القدر،والأزّ التهييج والإغراء،والأز: الاختلاط، وقد أززت الشيء أؤزه أزا: إذا ضممته بعضه إلى بعض.

وتقول العرب أيضا: أزّ المجلس: أي امتلأ وغصّ بالناس.

فإذا جمعنا كل هذا ناسب كله السياق، فنقول أن الشياطين:
1- تختلط بالكافرين والفاسقين وتتمكن منهم.
2-توسوس لهم وسوسة شديدة مزعجة، فيكون هذا الصوت مانعا من سماعهم ما يعارضها.
3-تهيّجهم وتدفعهم دفعا إلى المعاصي، بل وتقويهم وتعينهم عليها .

وبهذا نكون قد انتهينا من تفضيل المرحلة الثانية،ونلتقي مع المرحلة الثالثة بإذن الله تعالى .
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل سيفتاب

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 7766
  • الجنس: أنثى
  • إِن يَنصُرْكُمُ اللّهُ فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ
بارك الله لك يا فراشة وجزاك الله خيرا كثيرا
وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ
وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ

غير متصل ماما هادية

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 15899
  • الجنس: أنثى
  • احفظ الله يحفظك
هلا أكملت هذا الموضوع القيم يا أسماء

*رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ*

غير متصل زهراء

  • شباب جديد
  • *
  • مشاركة: 35
  • الجنس: أنثى
  • الللهم أرنا الحق حقا و ارزقنا إتباعه و ........
بارك الله فيك متابعون إن شاء الله  ::ok:: emo (30):

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6545
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
نعم. أسأل الله التيسير والبركة في الوقت، وسأعود لهذا الموضوع بالغ الأهمية لإتمامه إن شاء الله
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب