بسم الله الرحمن الرحيم
الفلسفة الأوربية لا سيما الحديثة منها التي ظهرت في القرون الثلاثة الأخيرة إذا قورنت بالفلسفة الإسلامية - التي يخطئها علماء العقيدة من أهل السنة - بدت فلسفة سطحية ساذجة لا تشبع عقلا، ولا تبني فكرا، وما عظم الأوربيون فيلسوفا لهم إلا كانت أفكاره اقتباسا واضحا من فيلسوف مسلم قتلت أفكاره بحثا في تراثنا الفكري الأصيل
أقول هذا ليس تحاملا أو محاباة، ولتعودوا لما كتبه ديكارت وما غنت له أوربا ورقصت ولتعودوا لتتبع أصول كلامه بين ثنايا الفلسفة والكلام الإسلاميين، ويمكنكم ألا تذهبوا بعيدا واجتهدوا في استخراج أي عمق فكري أو فلسفة تبدو عليها أمارات احترام العقول من رواياتهم وكتاباتهم المعاصرة، وقابلوني إن وجدتم!
باختصار، لا كلام الأستاذ يفيد الملحد، ولا جواب الطالب ينفع المؤمن!
فلو ثبت عقلا وجود الله عز وجل خالقا لهذا الكون بما فيه ومن فيه، فماذا يضر هذا الثبوت إن ثبت أن بالكون شرا وأن خالق الشر شرير؟!
كيف يعود وصف ما للشيء على وجود الشيء بالبطلان؟!!
إننا لو سلمنا جدلا أن خالق الشر شرير، فإن علينا أن نسلم أيضا أن خالق الخير خير، ومن أثبت الشر في العالم يلزمه عقلا إثبات الخير. فإن كان الشر لا يخلقه الإله، فمن خلق الخير؟!!
لقد وقعت بعض فرق المجوس في هذا الكلام منذ آلاف السنين - وتأملوا عمق المجوس في الفكرة أكثر من أوربا الحديثة !! -
قال هؤلاء الناس لا يمكن أن يكون خالق الخير هو خالق الشر فلا يمكن أن الشيء خيرا وشريرا في وقت واحد، فالتزموا القول بإلهين.. إله خير وإله شر!
فهؤلاء وإن وقعوا في الشرك إلا أنهم أذكى كثيرا من هذا الذي أراد أن ينفي وجود الخالق لمجرد أنه لو وجد فسيكون شريرا!!
وقد تعرض أهل السنة من المسلمين لهذا الكلام ولكلام مشابه قالته بعض الفرق الإسلامية، فقالوا:
صانع الفعل لا يوصف به، فمن ألقى حجرا في الهواء لا يوصف بأنه طائر وإنما الطائر هو الحجر، فكذلك من خلق الشر لا يوصف بأنه شرير، وإنما الشرير من قام به فعل الشر نفسه.
غير أن أهل السنة لم يقفوا عند هذا الكلام وحسب، بل تكلموا عن مفهوم الشر أصلا.
فبأي ميزان نحكم أن هذا الشيء شر أو خير؟!
إذا فسرنا الشر بما تستقبحه العقول فهناك بدهيات يتفق الناس على قبحها وأخرى يتفقون على حسنها كالكذب لتزييف الحق وتضييعه شر، والصدق لحفظ الحق خير.
وهناك أمور نسبية فالصدق الذي يرشد الظالم إلى البريء شر
والكذب لإنقاذ البريء خير
أما إذا فسرنا الشر بما يوافق أهواءنا فهذا يختلف باختلاف هوى كل شخص، فإذا تنازع شخصان على ملكية شيء فملك كل منهما للشيء خير في هواه وملك الآخر شر
لذلك علينا ألا نفسر الشر إلا بما يستوجب عقاب الله عز وجل، فهذا ميزان واحد لا نسبية فيه ولا أهواء
وعلى هذا فليس شيء من أفعاله تعالى يوصف بأنه شر لأنه جل شأنه لا يُسأل عما يفعل
وعلى هذا أيضا فكل أفعالنا مخلوقة له سبحانه لأنه تعالى قال: "والله خلقكم وما تعملون" ولأن أفعالنا حركات وسكنات وهو وحده من يخلق الحركة ويعدمها
أما الشرير فهو العبد الذي يختار أن يفعل الشر، ويتوجه قصده له، فيخلقه الله تعالى على يديه، وهذا الاختيار هو الكسب الذي قال الله تعالى عنه: "كل امرئ بما كسب رهين"