أيامنا الحلوة

الساحة العامة => :: كشكول الأيام :: => الموضوع حرر بواسطة: جواد في 2020-07-08, 09:00:41

العنوان: من الماضي والحاضر.
أرسل بواسطة: جواد في 2020-07-08, 09:00:41
لا جديد على الأرض

يقول الله سبحانه وتعالى في سورة الأعراف:

 وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ ۖ قَالُوا بَلَىٰ ۛ شَهِدْنَا ۛ أَن تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَٰذَا غَافِلِينَ (172)
أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِن قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِّن بَعْدِهِمْ ۖ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ (173)
وَكَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (174) وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ (175)
وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَٰكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ ۚ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث ۚ ذَّٰلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا ۚ فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (176)
سَاءَ مَثَلًا الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَأَنفُسَهُمْ كَانُوا يَظْلِمُونَ (177) مَن يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي ۖ وَمَن يُضْلِلْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (178)

وللقصص حديث يطول، وقصص القرآن أبلغ القصص وأحكمه، ولا مجال لمقارنة أو تقارب بين قصص القرآن وقصص الأحداث التي نمر بها في كل يوم.

لكن القاعدة تظل أن غاية القصص هي التفكر والتدبر. وقد يشهد الواقعة جمع من الناس فيقصها كل واحد منهم من زاويته ووجهته، وهذا أدعى أن يتأمل كل منا في قصص الآخر.

نسأل الله أن يلهمنا ما ينفعنا ويجعله لنا لا علينا ويغفر لنا خطأنا وضعفنا وما هو أعلم به منا.
العنوان: رد: من الماضي.
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2020-07-08, 16:55:20
اللهم آمين .

متابعة بإذن الله. بارك الله لك وجعلها خطوة نافعة .
العنوان: رد: من الماضي.
أرسل بواسطة: أحمـد في 2020-07-08, 22:04:30
جميل
العنوان: رد: من الماضي.
أرسل بواسطة: جواد في 2020-07-11, 07:35:00
اللهم آمين .

متابعة بإذن الله. بارك الله لك وجعلها خطوة نافعة .

جميل

جزاكم الله خيرا اخوتي، وبارك بكم.
العنوان: رد: من الماضي.
أرسل بواسطة: جواد في 2020-07-11, 08:21:59
المسار

على الرغم من التأثير الكبير للبدايات على الأفكار والتوجهات، إلا أن النتائج قد تكون مخالفة تماما لما يبدوا نتاجا منطقيا لبداية معينة.
وليس عندي تفسير لذلك غير أنه قدر الله ومشيئته. فنجد تباينا كبيرا في الشخصيات والمسارات الحياتية بين أفراد البيت الواحد الذين تربوا في بيئة واحدة.
وهذا أمر مرعب حقيقة بالنسبة لي!

**يتوهم الإنسان أنه يستطيع التحكم في المخرجات بتحكمه في المدخلات، وهو جزء من محاولات النفس الدفينة بأن تملك زمام أمرها وتتحكم في مصيرها بيدها، وهذا أكبر مدخل عرفته للشيطان، وأشد ما فيه أنه من الصعب اكتشافه فضلا عن الأخذ بأسباب علاجه.

ولنفترض أن شخصا ما نشأ في بيت يحب الدين ويحرص على الصلاة وحسن الخلق وفعل الخير، متفوق في دراسته، ومن أسرة طيبة السمعة.
تلك المدخلات كانت لتمهد لمخرجات منطقية، وهي مسار متميز من وجهة نظر المجتمع وما تعارف عليه من نجاح. والذي هو غالبا دراسة إحدى التخصصات المرموقة كالطب والهندسة، ثم ربما دراسات عليا والعمل في مؤسسة عالمية.

فإذا لم تتحقق هذه المعادلة لسبب ما، فسيكون بنظر المجتمع حالة للفشل.

**الفشل أفضل مدرسة في هذه الحياة، فالناجح على طول الخط لم يعرف مواطن الضعف في نفسه، ويدفعه الخوف من الفشل إلى البعد عن التغيير والتقيد بما هو آمن في مجتمعه، وهو بالتالي نسخة من ذلك المجتمع الذي هو في زماننا بعيد عن مفاهيم النجاح الحقيقي كما ينبغي للمسلم أن يكون.

والفشل هو أحد أكبر الأسباب التي تجعل الإنسان يفكر في مساره الذي يسلكه. فغاية ذلك المسار الذي يرسمه لنا المجتمع هو وضع اجتماعي ومادي مرموق.
لكن مهلا، أليس هذا ما يتمناه الجميع في حياته؟

ربما نعم، ولكن من قال أن تلك الصورة التي نتربى عليها على أنها النموذج والقدوة هي فعلا كذلك؟
العنوان: رد: من الماضي.
أرسل بواسطة: جواد في 2020-07-15, 09:17:23
منكم من يريد الدنيا

حيرني هذا الوصف كثيرا! فقد جاء في سياق الهزيمة الصعبة في أحد، وتعليق الصحابة عليه يؤكد حيرتي بخصوصه.
لماذا ذم الدنيا هكذا على الإطلاق؟ ألم يخلق الله لنا الدنيا وخيراتها الحلال لنستمتع بها ونعمرها بمفهوم الخلافة؟
وما علاقة كل هذا بتجارب الماضي!

الحقيقة أنه لا معنى أبدا من التعرض لتجارب الماضي ومحاولة أخذ الدروس والعبر منها إلا إذا كان هناك مقياس محدد نقيس إليه هذه التجارب.
وإلا فلا يمكن أن يتفق الناس على تأويل حدث ما أو أخذ العبرة من تجربة في الماضي.
وهذا برأيي حجر الأساس في تناول كل القضايا بشكل عام، وهو أيضا أمر منطقي تفرضه الدول عن طريق دستورها وقوانينها التي يتحاكم إليها الناس على أرضها.

لهذا كان لابد من إقامة مقياس النجاح أولا، وتحديد الغايات الكبرى التي تنبثق منها الأهداف المرحلية وما يتبعها من تصرفات في المواقف المختلفة.

ولو سألنا معظم المتدينين من المسلمين عن الغايات لوجدنا الإجابة النموذجية هي (عبادة الله - إعمار الأرض - دخول الجنة).
وإذا سألنا نفس الفئة عن مفهوم النجاح فسنجد في الغالب أيضا الإجابات النموذجية (صاحب علم ومال وخلق، متميز في مكانته بين الناس، سعيد في حياته ومع أسرته).

وبشكل عام، فإن تحقيق الخلافة يتطلب إعمار الدنيا، ومن يتركها لن يستطيع أن يقيم عبادة الله في الأرض، فالحركة تتطلب العلم والقوة بمختلف أنواعها،
كذلك فإن الانطلاق نحو الدنيا وإعمار الأرض كغاية في نفسها يحيد بها عن الغاية الأساسية من وجود الإنسان في الأرض.
فكيف يمكن الموازنة بين الأمرين؟
هذا هو مقياس النجاح الذي يجب أن يتم تحديده بدقة أولا قبل تقييم التجارب والتعامل مع الأحداث.

أول خطوة في السعي نحو التوازن هي تقييم الأولويات، بحيث يمكننا تقييم المخاطرة حين يطغي جانب على الآخر.
أما الغاية فلها الأولوية العليا، وأسلم للإنسان إذا لم يستطع أن يقيم التوازن المطلوب بأن يسعى للميل نحو الغاية الكبرى من وجوده وحياته.

الغاية هي عبادة الله سبحانه وتعالى وحمل رسالته إلى الناس، ولا شيء يعدلها في الأولوية ولا يقاربها في الأهمية، وهي مقياس النجاح الأسمى.

أما إعمار الأرض فإنه هدف لتحقيق الغاية الكبرى، وإن حدث وتحول هدف إعمار الأرض إلى غاية في ذاته فهو ولا شك انحراف وخطأ يحتاج إلى إصلاح.

لنعد هنا مرة أخرى إلى السؤال السابق عن مفهوم النجاح الذي نتربى عليه في مجتماعتنا،

فما العيب إذن أن يكون مفهوم النجاح (صاحب علم ومال وخلق، متميز في مكانته بين الناس، سعيد في حياته ومع أسرته)!
العيب أنه لا يتعلق بغاية خلق الإنسان ولا حتى بمفهوم السعي نحو خلافة الله في الأرض !!

الحقيقة المرة التي يهرب منها الكثير منا أن مفهوم النجاح السائد في مجتماعتنا يتعلق بالسعي وراء شهواتنا ورغباتنا،
وأن الاختلاف فقط إذا كانت هذه الرغبات حلالا أم حراما.
وفي أغلب الحالات هي شهوات ورغبات شخصية، نحاول أن نصبغها بمفهوم عمارة الأرض لنخدر ضمائرنا ونزين لأنفسنا ما نعمل.

ومن هنا تنشأ مشكلة عويصة حقا، فكيف يمكن الاتفاق على مفهوم لإعمار الأرض وهو يختلط في نفوسنا بشهواتها ورغباتها الشخصية البحتة؟!
العنوان: رد: من الماضي.
أرسل بواسطة: جواد في 2020-07-20, 13:05:47
وضوح الرؤية

وهي النتيجة المباشرة -إن شاءالله- لإدراك المقياس الحقيقي للنجاح في الدنيا، وهي بداية الطريق لفهم الأحداث واكتساب الخبرات الإيجابية بإذن الله.

وتعقيبا على السؤالين السابقين عن ماهية النجاح وكيف يمكن تحقيق مفهوم الخلافة في الأرض رغم ما يداخله من حظ النفس،
فإنه لابد أن ندرك:

١- أن الدول وأنظمتها وقوانينها وتفاصيل الحياة المجتمعية التي نعيشها الان وفي أي وقت هي من صنع الإنسان، وأنها كلها لم تكن على وضعها الحالي منذ مائة عام فقط!

٢- أن سنة الله في تدافع الناس والحرب بين الحق والباطل تمس الفرد في حياته الشخصية وتتحكم في مصيره ومصير ذريته وأنه لن يهرب منها مهما حاول تجنبها.

٣- أنه لن يمكن الجمع بين إرضاء المجتمع الواقع تحت فتنة الدنيا وبين تحقيق مقياس النجاح كما يريده الله للإنسان، وهذا هو حال السائرين لله على مر الزمان.

٤- أن المصيبة التي نعيشها اليوم كأمة تعني أننا لم نسلك الطريق الصحيح للنجاح في السنوات السابقة، وأن التغيير يتطلب أولا الاعتراف بالفشل،
 ولا مجال لمحاولة تجميل هذا الفشل أو التماس العذر له أو الهرب من الاعتراف به.

٥- أن حظ النفس سيظل دائما تحدي كبير لا يمكن حسمه بشكل قاطع، وأن الحل الوحيد لمواجهته هو الاعتراف به واللجوء إلى الله دوما أن يعيننا على أنفسنا ويمن علينا بتوفيقه.

أما مقياس النجاح وكيفية تحقيق مفهوم الخلافة في الأرض، فقد وضعه الله لنا في صورة عملية في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم، وخلفائه الراشدين من بعده،
وحفظ لنا قواعده في قرآن محفوظ إلى يوم الدين.

وكل ما علينا فقط هو أن نتخلص من وهم التمييع بقبول الواقع كما هو واعتباره سلطانا يجب مجاراته والخضوع له، ففي النهاية لن يتوقف الباطل إلا إذا استأصل الحق إن استطاع.

وليس لهذا كله أن يكون دون كد وتعب وغربة وخروج عما ألفه الناس في زماننا وألفناه معهم.
العنوان: رد: من الماضي.
أرسل بواسطة: جواد في 2020-07-20, 20:25:07
قبل الخريف

من الصعب تصور أن الانهيار المتسارع للأمة دينيا وحضاريا في السنوات العشر الأخيرة هو نتاج هذه السنوات وحدها، فهذه ليست السنة في المسلمين.
ولهذا لابد من الرجوع إلى التغيرات التي حدثت في المائة سنة الأخيرة على الأقل حتى يمكن فهم الصورة الكبيرة والحصول على تحليل واقعي للأحداث.

وما أريد الوقوف عليه هنا في هذه الفترة هو ما لمسته من تباين واضح بين جيلين كبيرين منها.
الجيل الأول وهو جيل حسن البنا وسيد قطب وأصحابهما.
وأما الجيل الثاني فهو من تبعهم بعد ذلك وولد في عهد عبد الناصر ومن معه من المفسدين في الأرض.

أما الجيل الأول، فكتاباته واضحة وتضحياته تصدق ما دعوا إليه في كتاباتهم وأحاديثهم، وقد دفعوا ثمنها غاليا من دمائهم، ونحسبهم عند الله من الشهداء.
هذا الجيل كان لا يزال قريبا من عهد الخلافة العثمانية، والتي وإن كانت صورية وعملت من المصائب والتفريط في حق الأمة ما عملت، إلا أنها كانت تمثل فكرة الإسلام كدين.

رمز الخلافة كان برهانا على أن الدين هو المرجعية الوحيدة للمسلم في هذا الكون، وأن حياته بدونه لا تساوي شيئا، وهو بالتالي يستمد ماهية وجوده من دينه.
كانت الخلافة تشكل وسيلة الغاية وتمثل رسالة المسلم في هذه الدنيا، فهي تحفظ له المجتمع الذي يستطيع أن يقيم فيه دينه، وتيسر له الأدوات التي يتحرك بها لفتح البلاد ونشر الإسلام.

لهذا ولغيره من أسباب الهداية التي من الله بها على رجال هذا الجيل، فقد جاءت تصوراتهم وأعمالهم أقرب ما تكون إلى ما ينبغي أن يكون عليه المسلم في حياته.
ولهذا أيضا، كانت الحرب عنيفة جدا على هذا الجيل، ولم يهدأ لأهل الباطل بال حتى قتلوهم.

لكن المشكلة التي ظهرت جلية في تلك المرحلة، أن هؤلاء الرجال قد خلفوا وراءهم فكرا وأتباعا قد يقوموا مقامهم ويتبعوا طريقهم، فكيف يمكن قطع تلك السلسلة المخيفة لأهل الباطل؟
القتل ليس حلا جذريا، فالعداء مع الرسالة لا مع الأشخاص، ولهذا كان لابد من الدخول في مرحلة وسطية تمهد لتمييع الرسالة في قلوب متبعيها أولا.

وهنا تأتي مرحلة الجيل الثاني، والذي ولد في مجتمعات ملتهبة، خارجة من حروب ومثقلة بالفقر والقهر والتخلف عن الركاب العلمي الذي بدأت نجومه تلمع بقوة في الغرب.
بدأت المرحلة بدعاوى الانفتاح الاقتصادي وتغيير النظرة إلى الغرب من استقباح كفره واستقذار عادات مجتمعاته الجاهلية، إلى نظرة انبهار وتقدير لما حققوه من تقدم مادي.
وبدأت دعاوى الدنيا ورفاهيتها تظهر بقوة في تلك المرحلة، والتي تزامنت كذلك مع ثروة البترول في شبة الجزيرة العربية، والتي وجدت نفسها تسبح على كنوز الدنيا بين ليلة وضحاها.

ورأى أهل الباطل ما فعلته الدنيا في قلوب أهل الحق، وكيف أن تنافس الدنيا هو حل أسهل وأقل تكلفة من حلول الدماء التي لا تتوقف، كما أنه أمضى في التأثير على القلوب والأفكار.

لكن استئصال الدين من قلوب الشعوب ليس بالأمر الهين، خاصة أن الدين كان يمثل هوية تلك الشعوب وسبب وجودها في الحياة لقرون طويلة.
الحل إذن هو إعادة صياغة هذا الدين بما يواكب الأديان الأخرى، ونزع خصوصية الرسالة والعدل المطلق منه.
وجاء ذلك في صورة دعوة "لتجديد الخطاب الديني" ونبذ العنف وإعلاء مبادئ المواطنة وحرية العبادة، وأن "الدين لله والوطن للجميع".

وقد لاقت هذه الدعوة الترحيب والقبول عند الكثير من أبناء الجيل الثاني الذين تعبوا من أشكال القهر والقمع وأرادوا متنفسا يستطيعون فيه العيش بهدوء ودون مطاردة.
كما ظن البعض منهم أن هذه فرصة للدعوة إلى الله في أمان، وانفراجة أمل بعد التضييق الشديد وألوان العذاب والأذى الذي مارسته الأنظمة السابقة.

ثم جاءت مرحلة ما يعرف "بالصحوة الإسلامية الحديثة" وياله من اسم براق وشعار يدغدع المشاعر...
وبدأت تلك المرحلة تقريبا من بداية التسعينيات وانتهت بثورات الخريف العربي، أي ما يقارب العشرين سنة تقريبا.
بدأت بخروج الكثير من المعتقلين السابقين من السجون، وعمل ما يسمى "بالمصالحة" مع البعض منهم إما بمراجعات فكرية أو بقبولهم نسبيا في أنشطة الدعوة المقننة في المجتمع.

تزامن ذلك أيضا مع انتشار الفضائيات والسماح لاتجاه معين في الدعوة للانتشار بقوة في الجامعات والقرى وعلى الإنترنت وبين الشباب.
اتجاه جديد مهد لصياغة الجيل الثالث والذي ولد في الثمانينات من القرن الماضي، والذي حمل صفات "الدين الجديد" التي تم زراعتها بعناية في مرحلة "الصحوة الإسلامية" المزعومة.
العنوان: رد: من الماضي.
أرسل بواسطة: جواد في 2020-08-11, 17:38:30
السراب

مع بداية الألفية الثانية كانت بذور الفكر الجديد قد أثمرت جيلا ساذجا تغذى على أوهام الاستقرار والعدل المبني على الفلسفات الكلامية وأوهام النظم والقوانين الغربية.

ولم يفق شباب جيل الألفية الثانية إلا على تغيرات ضخمة تنسف الأحلام الوردية وتنحرف بالمجتمعات إلى اتجاهات فكرية غير مسبوقة من قبل.
وفجأة انتهت الخدعة التي صاغتها الكثير من الأنظمة العربية من السماح بتغذية الروح الجهادية للحرب في الشيشان والتغاضي عن فعاليات ما يعرف بالصحوة الإسلامية الحديثة.

وبين ليلة وضحاها أتت أحداث تدمير مركز التجارة العالمي في أمريكا كإشارة البدء للأنظمة العربية لشيطنة مفهوم الجهاد بشكل عام، وتحول ملحوظ في اتجاه الخطاب الإسلامي منذ ذلك الحين.
تزامن ذلك مع انتشار فكرة العولمة والتركيز على مفهوم الحضارة التي تهدف لرفاهية الإنسان وتعايشه مع غيره في سلام واستقرار.
وبالطبع راقت الفكرة للجيل الجديد الذي بدأ يألف الاستقرار والحياة السهلة التي لا تتعارض مع توجهات الأنظمة ورغبات المجتمع في التمتع بالدنيا.

وبدأت التنازلات تتابع في سرعة ودون توقف.
الكلام في الجهاد صار بحذر شديد حتى انقطع تماما مع الوقت، والكلام عن فتنة الدنيا وأنها ليست دار مقام ولا متعة، انقلب ليعلي شعار اللهاث وراء الدنيا بحجة إعمارها.
بل إن التنازل طال سنن التغيير بل والعقيدة نفسها.
لا أبالغ إن قلت أن الإستقرار في الدنيا صار عقيدة الكثير من أبناء ذلك الجيل والأجيال الذي بعده، وعلى هذه العقيدة تم ابتداع مفاهيم جديدة للإسلام تجعله كأي دين آخر.

لم تعد هناك رغبة في الخروج من حالة الإنغماس في الدنيا بعد أن ذاق الكثيرون من حلاوتها، وصار هناك عداء غير معلن مع أفكار الإسلام التي لا تدعم الاستقرار في الدنيا.
وصار شعار المرحلة هو التعايش مع الواقع كيفما كان، وليكتفي محبو الدين بالدعوة في القنوات والمواضيع المسموح بها والتي لا تتعارض بالطبع مع التوجه الجديد لفكرة الدين بشكل عام.
واتجه التركيز إلى التنافس على التفوق في مجالات الدنيا على اختلافها وتنوعها. وهو تنافس شخصي على تحقيق نموذج النجاح المجتمعي المحب للاستقرار في الدنيا.

وبالطبع خفتت أفكار التربية الإسلامية الهادفة لحمل رسالة الإسلام وإعلاء لوائه في الأرض أمام هذا السيل المنهمر من التنافس حول الدنيا.
وتحولت بقايا تلك الأفكار إلى أوراق جافة معلقة في الهواء بلا جذور ولا سيقان يمكن التعلق بهما.

فما إن جاءت ثورات الخريف العربي، حتى قضت على ما تبقى من تلك الأوراق، وتعلن عن فكر جديد لجيل جعل الدنيا مبلغ همه ومنتهى أمله.
العنوان: رد: من الماضي.
أرسل بواسطة: جواد في 2020-09-16, 19:34:55

يا بُني لا يَضُرُّ الشاةَ سَلخُها بَعدَ ذَبحِها، فامضِ على بَصيرَتِكَ واستعن بالله.
العنوان: رد: من الماضي.
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2020-09-19, 09:24:51
بارك الله بك أخي جواد وجزاك كل خير على هذه الكلمات العميقة، والمعنى الجليل، الغاية الحقيقية من الوجود وحقيقة تفكيرنا بهذه الغاية، قرأت المداخلتين الأوليَيْن، أعجبتاني جدا ...

عبادة الله، وإعلاء كلمته نعم الغاية الكبرى، ولأجلها يُسخَّر الإعمار ... لا العكس، يوما بعد يوم تزيد قناعتي بهذا ...

وقد كتبت شيئا مشابها، استلهمته من دعاء سيدنا إبراهيم الذي يضع أقدامنا على الطريق الصحيح في الغاية الأساسية والكبرى من خلقنا ... وقد لامَسَ دعاؤه قلبي ملامسة قوية جدا ...

كتبت هذا، ووضعته هنا بالمنتدى في موضوعي "في ظلال القرآن"

((( "ربَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ(37)"

**وهي سنام الغايات ورأسها .... "إقامة الصلاة" في الأرض ... تحقيق عبادة الله في الأرض... إعمار الأرض بتعبيدها لله تعالى ... هي رأس الغايات كلها ... "ليقيموا الصلاة"   بهذا الوادي الأجرد القاحل الذي لا يُنبت شيئا .. وليس فيه قطرة ماء ...ولكأنها الوسيلة ليُعمَر والغاية في آن ...!

من هذه الأرض ستكون الانطلاقة ... انطلاقة النور المخلّص للأرض من ظلمتها ... الذي سيخرجها من قحلها وجدبها إلى نمائها وعمارها ...

وها هو ذا صلى الله عليه وسلم يدعو لأجل هذه الغاية ...أن يجعل الله أفئدة من الناس تهوي إليهم لإيناسهم، وليجتمعوا حول دعوة التوحيد، حول إقامة الصلاة في الأرض، إقامة الصلة بالله في الأرض ...

دعوة لسبب من أسباب الحياة لتُسخّر لغاية إقامة الدين في الأرض ... دعوة لتكثير الناس وبالتالي تكثير أسباب الحياة بهم ودواعي تيسيرها...

وها هو ذا صلى الله عليه وسلم يدعو بأن يرزقهم الله من الثمرات ... دعوة أخرى من أسباب الحياة وتيسيرها ... وكلها في خدمة وتيسير تحقيق عبادة الله وإقامة دينه في الأرض ...

وقد دعا من قبل أن يجعل البلد آمنا، ثم ثنّى بأن يجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم، ثم دعا بأن يرزقهم من الثمرات ...  وما هي إلا الدعوة بالأمن من خوف، والإطعام من جوع لتحقيق إقامة الصلاة، إقامة عبادة الله في الأرض ... وهي التي استجاب لها الله تعالى ...
إذن فإننا نجد سيدنا إبراهيم عليه السلام يعلمنا بدعواته أن : إعمار الأرض يكون بإقامة العبادة فيها لله غاية أولى دون أن يكون ذلك نافيا للأخذ بأسباب الحياة الميسّرة لتحقيق هذه الغاية لا غيرها

ولذلك ... كانت سورة "إبراهيم" ... حقيقة بأن تكون السورة التي فيها بيان إخراج الناس من الظلمات إلى النور... تخليص الأرض من ظلمات الكفر والجهالة بإعمارها بنور الإيمان وبتعبيدها لله تعالى غاية كبرى وأولى تُسخّر لأجل تيسير تحقيقها الوسائل المادية خادما للإعمار الأعلى الغاية الأولى من الوجود ...)))

***********

انشغلت عن متابعة موضوعك، ولكن بإذن الله قريبا جدا أعود لمتابعة القراءة ...
بارك الله بك، كلمات عميقة جدا، وتضرب كبد الحقيقة، فأتمنى حقا أن تواصل أخي جواد ...عسى أن ييسرالله  خروجها للنور وأن تنفع ...
العنوان: رد: من الماضي.
أرسل بواسطة: جواد في 2020-09-21, 09:26:46
جزاكم الله خيرا كثيرا أختي أسماء وبارك بكم.

نعم، وشعار قصة سيدنا إبراهيم عليه السلام هو العبودية المطلقة لله. وهو الفهم العميق لغاية وجودنا على الأرض. نسأل الله الهداية والعفو والعافية.

أتردد في الكتابة كثيرا لأني أشعر أن أعباء الصراحة في زماننا هذا أكثر من فوائدها،
وأنه ربما يكون الأنسب أن يسعى الإنسان للعمل ويستعين بالله على حاله، فالبحث عن الحقائق في زماننا لا يزيد الإنسان إلا عزلة ووحشة.

حقا لا أدري، فماذا فعلنا بمؤلفات عظيمة لرجال كسيد قطب مثلا حتى يكون لكتاباتي الركيكة معنى أو قيمة !
العنوان: رد: من الماضي.
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2020-09-22, 03:58:47
جزاكم الله خيرا كثيرا أختي أسماء وبارك بكم.

نعم، وشعار قصة سيّدنا إبراهيم عليه السلام هو العبودية المطلقة لله. وهو الفهم العميق لغاية وجودنا على الأرض. نسأل الله الهداية والعفو والعافية.

أتردد في الكتابة كثيرا لأني أشعر أن أعباء الصراحة في زماننا هذا أكثر من فوائدها،
وأنه ربما يكون الأنسب أن يسعى الإنسان للعمل ويستعين بالله على حاله، فالبحث عن الحقائق في زماننا لا يزيد الإنسان إلا عزلة ووحشة.

حقا لا أدري، فماذا فعلنا بمؤلفات عظيمة لرجال كسيد قطب مثلا حتى يكون لكتاباتي الركيكة معنى أو قيمة !

أحقا تسأل ماذا فعلنا بمؤلفات عظيمة لرجال كسيد قطب ؟!
كثيرون من أنارت دروبهم، وعقولهم وقلوبهم، أقلها أنها عرفت كتاب الله للناس، وأنه الحركة بهداه على الأرض، لا الحروف المجود نطقها، ولا المقدّس الذي يُحفظ وانتهى.

فمضوا في درب الحق لا يحيدون عنه، حتى ماتوا عليه.
التوفيق أخي جواد بيد الله، الإنسان يعمل ويزرع وهو لايدري كيف يؤتي زرعه أكله ولا متى. كل ما عليه أن يتحرى الإخلاص، والله يصدق من صدقه . ومن عرّفته أنه القضية التي يعيش عليها وعليها يموت. فعمل وسعه ولم يألُ.

أن يموت أنسان على قناعة الحق ولا يتبدل ولا يتحول وحدها إنجاز. إنسان سعى سعيه، ولكنه لم يُتح له أن يغير بحجم تأثير في حال الأمة. ومات على ذلك. الصناعة في نفسه وحدها عمل . فنحن لا نقف عند وجوب التغيير الأعظم بل كل منا حبة تعمل مع حبة وتعمل بعدها حبة أخرى وهكذا... تراكم لا تدري متى ينبعث من الركام ! ولا فيمن ينبعث تراكم العاملين !

أقل ما في الأمر أن هناك من سيجد فيما كتبت علامة ليعدّل ما اعوجّ في دربه. سيسقط على ما آل إليه حال المسلمين، وسيفهم أنه أن يكون الإعمار هو الغاية الأولى لم تجدِ، ولم تخلص البشرية ولا الأرض !
هناك الكثير .. الله هو الذي يحدث أمرا، بالناس وفي الناس. ولا ندري من ينتفع . اكتب أخي. فما الذي يضني في الكتابة  ويؤلم ونحن نعيش الألم عيشا ؟!
ليست الكتابة هي الألم، وليست داعية له، بل الآلام مُعاشة !
العنوان: رد: من الماضي.
أرسل بواسطة: جواد في 2020-09-22, 08:31:44
جزاكم الله خيرا كثيرا أختي أسماء وبارك بكم.

نعم، وشعار قصة سيدنا إبراهيم عليه السلام هو العبودية المطلقة لله. وهو الفهم العميق لغاية وجودنا على الأرض. نسأل الله الهداية والعفو والعافية.

أتردد في الكتابة كثيرا لأني أشعر أن أعباء الصراحة في زماننا هذا أكثر من فوائدها،
وأنه ربما يكون الأنسب أن يسعى الإنسان للعمل ويستعين بالله على حاله، فالبحث عن الحقائق في زماننا لا يزيد الإنسان إلا عزلة ووحشة.

حقا لا أدري، فماذا فعلنا بمؤلفات عظيمة لرجال كسيد قطب مثلا حتى يكون لكتاباتي الركيكة معنى أو قيمة !

أحقا تسأل ماذا فعلنا بمؤلفات عظيمة لرجال كسيد قطب ؟!
كثيرون من أنارت دروبهم، وعقولهم وقلوبهم، أقلها أنها عرفت كتاب الله للناس، وأنه الحركة بهداه على الأرض، لا الحروف المجود نطقها، ولا المقدّس الذي يُحفظ وانتهى.

فمضوا في درب الحق لا يحيدون عنه، حتى ماتوا عليه.
التوفيق أخي جواد بيد الله، الإنسان يعمل ويزرع وهو لايدري كيف يؤتي زرعه أكله ولا متى. كل ما عليه أن يتحرى الإخلاص، والله يصدق من صدقه . ومن عرّفته أنه القضية التي يعيش عليها وعليها يموت. فعمل وسعه ولم يألُ.

أن يموت أنسان على قناعة الحق ولا يتبدل ولا يتحول وحدها إنجاز. إنسان سعى سعيه، ولكنه لم يُتح له أن يغير بحجم تأثير في حال الأمة. ومات على ذلك. الصناعة في نفسه وحدها عمل . فنحن لا نقف عند وجوب التغيير الأعظم بل كل منا حبة تعمل مع حبة وتعمل بعدها حبة أخرى وهكذا... تراكم لا تدري متى ينبعث من الركام ! ولا فيمن ينبعث تراكم العاملين !

أقل ما في الأمر أن هناك من سيجد فيما كتبت علامة ليعدّل ما اعوجّ في دربه. سيسقط على ما آل إليه حال المسلمين، وسيفهم أنه أن يكون الإعمار هو الغاية الأولى لم تجدِ، ولم تخلص البشرية ولا الأرض !
هناك الكثير .. الله هو الذي يحدث أمرا، بالناس وفي الناس. ولا ندري من ينتفع . اكتب أخي. فما الذي يضني في الكتابة  ويؤلم ونحن نعيش الألم عيشا ؟!
ليست الكتابة هي الألم، وليست داعية له، بل الآلام مُعاشة !

صدقتكم.

وليس سؤالي هنا عن قيمة المؤلفات العظيمة التي بين أيدينا بالفعل ولا عن أثرها، وإنما استنكاري لبعدنا نحن عما فيها.

هو شعور دائم بالحيرة لأن لدينا القرآن والسنة ثم الكثير والكثير من الاجتهادات والتفسيرات حولهما، والقليل من العمل في زماننا ..

الحقيقة أنه صار لدي حرج من الكتابة، لأني مقتنع بأن الحاجة الملحة هي للعمل، وأن الكتابة تحولت إلى غاية في نفسها بدلا من أن تكون دعوة للعمل.
العنوان: رد: من الماضي.
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2020-09-23, 20:26:45
جزاكم الله خيرا كثيرا أختي أسماء وبارك بكم.

نعم، وشعار قصة سيدنا إبراهيم عليه السلام هو العبودية المطلقة لله. وهو الفهم العميق لغاية وجودنا على الأرض. نسأل الله الهداية والعفو والعافية.

أتردد في الكتابة كثيرا لأني أشعر أن أعباء الصراحة في زماننا هذا أكثر من فوائدها،
وأنه ربما يكون الأنسب أن يسعى الإنسان للعمل ويستعين بالله على حاله، فالبحث عن الحقائق في زماننا لا يزيد الإنسان إلا عزلة ووحشة.

حقا لا أدري، فماذا فعلنا بمؤلفات عظيمة لرجال كسيد قطب مثلا حتى يكون لكتاباتي الركيكة معنى أو قيمة !

أحقا تسأل ماذا فعلنا بمؤلفات عظيمة لرجال كسيد قطب ؟!
كثيرون من أنارت دروبهم، وعقولهم وقلوبهم، أقلها أنها عرفت كتاب الله للناس، وأنه الحركة بهداه على الأرض، لا الحروف المجود نطقها، ولا المقدّس الذي يُحفظ وانتهى.

فمضوا في درب الحق لا يحيدون عنه، حتى ماتوا عليه.
التوفيق أخي جواد بيد الله، الإنسان يعمل ويزرع وهو لايدري كيف يؤتي زرعه أكله ولا متى. كل ما عليه أن يتحرى الإخلاص، والله يصدق من صدقه . ومن عرّفته أنه القضية التي يعيش عليها وعليها يموت. فعمل وسعه ولم يألُ.

أن يموت أنسان على قناعة الحق ولا يتبدل ولا يتحول وحدها إنجاز. إنسان سعى سعيه، ولكنه لم يُتح له أن يغير بحجم تأثير في حال الأمة. ومات على ذلك. الصناعة في نفسه وحدها عمل . فنحن لا نقف عند وجوب التغيير الأعظم بل كل منا حبة تعمل مع حبة وتعمل بعدها حبة أخرى وهكذا... تراكم لا تدري متى ينبعث من الركام ! ولا فيمن ينبعث تراكم العاملين !

أقل ما في الأمر أن هناك من سيجد فيما كتبت علامة ليعدّل ما اعوجّ في دربه. سيسقط على ما آل إليه حال المسلمين، وسيفهم أنه أن يكون الإعمار هو الغاية الأولى لم تجدِ، ولم تخلص البشرية ولا الأرض !
هناك الكثير .. الله هو الذي يحدث أمرا، بالناس وفي الناس. ولا ندري من ينتفع . اكتب أخي. فما الذي يضني في الكتابة  ويؤلم ونحن نعيش الألم عيشا ؟!
ليست الكتابة هي الألم، وليست داعية له، بل الآلام مُعاشة !

صدقتكم.

وليس سؤالي هنا عن قيمة المؤلفات العظيمة التي بين أيدينا بالفعل ولا عن أثرها، وإنما استنكاري لبعدنا نحن عما فيها.

هو شعور دائم بالحيرة لأن لدينا القرآن والسنة ثم الكثير والكثير من الاجتهادات والتفسيرات حولهما، والقليل من العمل في زماننا ..

الحقيقة أنه صار لدي حرج من الكتابة، لأني مقتنع بأن الحاجة الملحة هي للعمل، وأن الكتابة تحولت إلى غاية في نفسها بدلا من أن تكون دعوة للعمل.



نسأل الله أن يوفقنا لما يرضيه، وينير بصائرنا..

أتعلم أخي حواد، لعلّ هذه الصفعات القوية التي تتوالى تحدث منها استفاقات على مستويات ، لن تتكشف بسرعة... لعلّها تحدث هزات .. !

اكتب  أخي جواد فلن تحول كتابة بين حين وحين دون عمل. وما تكتبه مفيد بحق..  وفقنا الله وإياكم لما يحب ويرضى .
العنوان: رد: من الماضي.
أرسل بواسطة: جواد في 2020-09-24, 10:43:49
جزاكم الله خيرا كثيرا أختي أسماء وبارك بكم.

نعم، وشعار قصة سيدنا إبراهيم عليه السلام هو العبودية المطلقة لله. وهو الفهم العميق لغاية وجودنا على الأرض. نسأل الله الهداية والعفو والعافية.

أتردد في الكتابة كثيرا لأني أشعر أن أعباء الصراحة في زماننا هذا أكثر من فوائدها،
وأنه ربما يكون الأنسب أن يسعى الإنسان للعمل ويستعين بالله على حاله، فالبحث عن الحقائق في زماننا لا يزيد الإنسان إلا عزلة ووحشة.

حقا لا أدري، فماذا فعلنا بمؤلفات عظيمة لرجال كسيد قطب مثلا حتى يكون لكتاباتي الركيكة معنى أو قيمة !

أحقا تسأل ماذا فعلنا بمؤلفات عظيمة لرجال كسيد قطب ؟!
كثيرون من أنارت دروبهم، وعقولهم وقلوبهم، أقلها أنها عرفت كتاب الله للناس، وأنه الحركة بهداه على الأرض، لا الحروف المجود نطقها، ولا المقدّس الذي يُحفظ وانتهى.

فمضوا في درب الحق لا يحيدون عنه، حتى ماتوا عليه.
التوفيق أخي جواد بيد الله، الإنسان يعمل ويزرع وهو لايدري كيف يؤتي زرعه أكله ولا متى. كل ما عليه أن يتحرى الإخلاص، والله يصدق من صدقه . ومن عرّفته أنه القضية التي يعيش عليها وعليها يموت. فعمل وسعه ولم يألُ.

أن يموت أنسان على قناعة الحق ولا يتبدل ولا يتحول وحدها إنجاز. إنسان سعى سعيه، ولكنه لم يُتح له أن يغير بحجم تأثير في حال الأمة. ومات على ذلك. الصناعة في نفسه وحدها عمل . فنحن لا نقف عند وجوب التغيير الأعظم بل كل منا حبة تعمل مع حبة وتعمل بعدها حبة أخرى وهكذا... تراكم لا تدري متى ينبعث من الركام ! ولا فيمن ينبعث تراكم العاملين !

أقل ما في الأمر أن هناك من سيجد فيما كتبت علامة ليعدّل ما اعوجّ في دربه. سيسقط على ما آل إليه حال المسلمين، وسيفهم أنه أن يكون الإعمار هو الغاية الأولى لم تجدِ، ولم تخلص البشرية ولا الأرض !
هناك الكثير .. الله هو الذي يحدث أمرا، بالناس وفي الناس. ولا ندري من ينتفع . اكتب أخي. فما الذي يضني في الكتابة  ويؤلم ونحن نعيش الألم عيشا ؟!
ليست الكتابة هي الألم، وليست داعية له، بل الآلام مُعاشة !

صدقتكم.

وليس سؤالي هنا عن قيمة المؤلفات العظيمة التي بين أيدينا بالفعل ولا عن أثرها، وإنما استنكاري لبعدنا نحن عما فيها.

هو شعور دائم بالحيرة لأن لدينا القرآن والسنة ثم الكثير والكثير من الاجتهادات والتفسيرات حولهما، والقليل من العمل في زماننا ..

الحقيقة أنه صار لدي حرج من الكتابة، لأني مقتنع بأن الحاجة الملحة هي للعمل، وأن الكتابة تحولت إلى غاية في نفسها بدلا من أن تكون دعوة للعمل.



نسأل الله أن يوفقنا لما يرضيه، وينير بصائرنا..

أتعلم أخي حواد، لعلّ هذه الصفعات القوية التي تتوالى تحدث منها استفاقات على مستويات ، لن تتكشف بسرعة... لعلّها تحدث هزات .. !

اكتب  أخي جواد فلن تحول كتابة بين حين وحين دون عمل. وما تكتبه مفيد بحق..  وفقنا الله وإياكم لما يحب ويرضى .

آمين، وإياكم أختي أسماء. جزاكم الله خيرا كثيرا.

الصفعات القوية جند من جنود الله، وهي سنة في التاريخ تدور معه. نسأل الله العفو والعافية، والحمد لله على كل حال.
العنوان: رد: من الماضي.
أرسل بواسطة: جواد في 2020-10-17, 16:43:29
الشرارة

كان كل شيء مملا في مصر حتى انطلقت شرارة تونس. وبعدما كان أهل مصر يتندرون على حال أهل تونس والقمع في تونس أيام بن علي، إذا بفئة من شباب مصر تستلهم هبة أهل تونس.
وبأهون الأسباب يقدر الله أن تتحرك المياة الراكدة يوم 25 يناير عام 2011.

وجاء رد النظام عنيفا على تلك المظاهرات وبدا أن هناك قلق حقيقي لدى النظام الحاكم آنذاك من انتقال روح الثورة من تونس إلى مصر.
ولم تكن جماعة الإخوان قد أعلنت بعد موقفها الرسمي من المظاهرات التي تم اختيار توقيتها عمدا في يوم عيد الشرطة في مصر.

ثم أعلنت جماعة الإخوان أنها ستنزل يوم جمعة الغضب 28 يناير 2011 لتشارك أفراد الشعب التظاهر ضد الظلم والفساد.

وبالفعل انطلقت التظاهرات من شتى المساجد في القاهرة والاسكندرية على وجه الخصوص، وكان الجمع غفيرا كما هي العادة، ولكنه لم يكن عاديا في ذلك اليوم.
ثم جاء الهتاف الذي لم يكن معتادا على الأسماع. "الشعب يريد اسقاط النظام".

وانهدرت أفواج الثوار تنساب على شوارع القاهرة وغيرها في المحافظات الأخرى.
كانت الخطة في القاهرة أن يتم حشد أكبر جمع من الناس وتشجيعهم على النزول والمشاركة في جمعة الغضب ثم التجمع في ميدان التحرير والمطالبة بإسقاط النظام.

كانت جموع الثائرين من كل لون وطيف، والجميع يرفع صوته "عيش ، حرية ، عدالة اجتماعية"..

وبقدر الفرحة والحماسة التي كانت لدي، بقدر ما بدأت أصاب بالهم والحزن بعد دقائق من وضوح نسيج الثورة بالنسبة لي.
فحتى تلك اللحظة لم أفكر مسبقا في احتمالية أن يكون في الثورة ما يغضب الله أو ينذر بانحرافها إلى نموذج رافض للصبغة الإسلامية.
وهذه نقطة ضعف أسجلها هنا.
العنوان: رد: من الماضي.
أرسل بواسطة: جواد في 2020-10-25, 08:37:01
البوصلة

تفاجئنا الأحداث غالبا بما لم نحسب حسابه، ومهما اجتهدنا في التخطيط المسبق فإن ذلك لا يدفع مفاجآت القدر.

والتعامل مع الحياة على طريقة رد الفعل فقط لا يبني مستقبلا ولا يقيم أمة لها غايات عظام.
ولهذا يحتاج المسلم إلى بناء بوصلته التي لا تنفصل عنه في كل حال، فلا ينحرف بإذن الله عن المسار الذي يريده الله منه.

لمست هذا المعنى لأول مرة في جمعة الغضب في مصر ٢٨ يناير ٢٠١١.
حشد ضخم من مختلف أطياف الشعب، أصحاب الدين منهم والعلمانيين ومن ليس لهم هم إلا قوت يومهم، وغيرهم من مختلف التوجهات والأفكار.
الهدف يبدو واحدا، والوسيلة تطلب منهم غض الطرف عن اختلافاتهم، فلا تعليق على تصرفات مخالفة للشرع ولا اهتمام إلا بالحشد واسقاط النظام الظالم.

وهنا نقطة فاصلة.
هل يتصور أن يكون الجيش المسلم مثلا بلا أخطاء شرعية، أو أن يكونوا كلهم على درجة إيمان عالية ؟
لا أعتقد ذلك، ولا أظنه كان حاصلا حتى في كل جيوش المسلمين الأولى، وهذه رحمة من الله بنا، وتقدير عملي لضعف الإنسان وتقلب أحواله.

لكن الغير مقبول في جيش المسلمين أن يكون رافضا لتحكيم شرع الله فيه، أو أن تكون نيته من الخروج هي الدنيا ورفاهيتها على حساب الدين وشرع الله.

وبالطبع يقفز السؤال التالي، هل إذن نترك الناس تواجه الظلم والطغيان والتجبر وحدهم؟ أليس من أهداف الشريعة دفع الظلم عن عموم الناس بلا استثناء؟

هذه الأسئلة غالبا ما ينشأ منها تصادم كبير حتى بين أصحاب الفكر الواحد، لأننا نريد الإجابة السريعة التي نشعر معها بالأمان ولا تتطلب منا تغييرا في الفكر أو الرؤية.
ولعل الانطباعات المسبقة هنا أيضا لها دورها، فما إن يتحدث أحد عن الحاكمية المتفردة لله سبحانه وتعالى، إلا ويتم الربط بينه وبين من حاولوا من قبل سلوك طريق خاطئ بفهم معوج يبرر لهم قتل الناس واستباحة دمائهم، وهذه الفزاعة تخرج عن حجمها الحقيقي فتدمر النقاشات والعلاقات، وهو قصور كبير في الفهم.

ولنرجع إلى سؤالنا السابق،
من أهداف الشريعة دفع الظلم عن عموم الناس نعم، ومن أهداف الشريعة تربية النفس المؤمنة على العزة ومحاربة الظالمين والوقوف في وجههم، ولكن من أهداف الشريعة أيضا درء الفتنة ودفع أكبر الضررين.
ومن هنا تأتي أهمية النظر في توابع الأفعال والتوقف عن التعامل مع الاحداث بمفهوم رد الفعل فقط! فتنقلب الأمور إلى فوضى قد تكون أسوأ مما كان عليه الحال سابقا.
وهذا للأسف ما كانت بوادره تظهر في يوم جمعة الغضب.

كان واضحا أن كل مجموعة بل وربما كل فرد قد خرج لتحقيق ثورته الشخصية، فلربما التقت بعض اهدافه مع غيره وربما لم تلتق.
ولا بأس في هذه الحالة في دعم أهداف لا تتعارض مع الشريعة في شيء، فتحقيق كرامة العيش وحرية النفس والعدالة الاجتماعية كلها من الأمور المحمودة التي يحث عليها الإسلام.
لكن لا يجب بأي حال أن نظن أن هذا يعني أن الناس تطلبها من منظور إسلامي!
بل إن الحال وقتها كان واضحا جدا أن طلبها كان من خلال الدنيا فقط ورفض أن تكون مرتبطة بالشريعة والإسلام.
ظهر هذا صراحة من زعامات شباب الثوار العلمانيين ومن حال عموم الناس سواء المشاركين في الثورة بأنفسهم أو راضين عنها ولكن لم يشاركوا فيها.

وللأسف كان وهج الحماسة والإندفاع كرد فعل أكبر بكثير من صوت العقل والحكمة. أو فلنقل أنه لم تكن هناك تربية كافية وإعداد سابق لكثير ممن تزعموا المشهد من الإسلاميين.
وهو شيء لم أدرك فداحته إلا متأخرا جدا، وهو ما دفعني في بداية هذا الموضوع للحديث عن الأهداف والغايات وكيف من المفترض أن يعيش المسلم حياته كلها تحقيقا لغايته،
وأن يسعى لتغيير الواقع لا التأقلم معه أو الرضى به تحت ضغط تحقيق الأمان والاستقرار الشخصي لنفسه وعائلته كما يفرضه المجتمع عليه.

ولهذا حين جاءت الفرصة للتغيير لم يجد هؤلاء ما يقدمونه لمجتمعهم فيجنبونهم به ويلات الانتقام والظلم.
ولعل هذا يجيب على السؤال المحير، لماذا لا يستطيع المسلمون اقتناص أحداث التحولات الكبيرة والانتفاع بها مثلما ينتفع بها غيرهم؟ لماذا يكون المسلمون أكبر المتضررين في كل مرة؟

هم لم يعملوا لها من قبل! والفرصة لا تسلم نفسها لمن لم يستعد لها.
العنوان: رد: من الماضي.
أرسل بواسطة: جواد في 2020-11-01, 18:04:05
المصيبة

لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ ۙ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ ۙ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ (25)

لم يتخيل أحد أن ينهار نظام مبارك الذي حكم مصر ثلاثين عاما متصلة تحت وطأة مظاهرات شعبية مهما كان قوتها!
مصر الذي يبلغ تعدادها قرابة المائة مليون إنسان ولها موقع جغرافي حساس وبها من الموارد والخيرات ما لا يعلمه إلا الله، ينهار نظام الحكم فيها في بضعة أيام، وسبحان مقلب الأحوال.
قد يحاول البعض تفسير ذلك برغبة الجيش في نزع الحكم من عائلة مبارك وقتها، وقد يحاول البعض المبالغة في قوة تحرك الشعب وضغطه على النظام،
لكن الحقيقة التي أعرفها يقينا، أن ما حدث كان فضل الله وحده، ورحمته بمظلومين قد تعلقوا بكرمه، فاستجاب دعاءهم على ما كان فيهم وبينهم من الذنوب والمعاصي.

هو المنان الرحيم، حين ينعم على عباده ويجبر كسرهم وذلتهم.
ولكننا أعرضنا ونأينا بجانبنا، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
والمسكين الضعيف تحول إلى مغتر بقوته وحاله!
ثم أصبحنا نتحدث عن الأسباب والسياسة والقوة الشعبية! ولا حول ولا قوة إلا بالله.

وبكل جهل وغرور تفرق الشركاء حتى من أصحاب الطيف الواحد، كل يسعى لنفسه ولا يتورع عن كسر شوكة أخيه ليأخذ مكانه في الحكم والظهور.
وأظهرت جماعة الإخوان المسلمين وجها جديدا، يدعي الحنكة ويتفاخر بالظفر والقوة، حتى ضربوا بعرض الحائط نصائح أقرب المقربين منهم.
بل لم تتورع الجماعة التي كان شعارها القران عن التشنيع بمن اعترض على توجهاتها من أفرادها، وتحول الخلاف السياسي في الرأي إلى شرخ كبير وعلامة سقوط لكيان كان له الكثير من الأيادي البيضاء من قبل.

وتم انتخاب رجل طيب من جماعة الإخوان ليحكم مصر، وبكل سذاجة تم تسليمه لذئاب النظام القديم ومن معهم من مختلف الأنظمة العالمية.
وعلى مدار عام كامل من حكم د. محمد مرسي رحمه الله، لم يتعظ الرجل الضعيف من كل ما رأي من مكر أذناب مبارك وزبانيته.
ولم ينصت هو أو جماعته لكل التحذيرات والتنبيهات للمخلصين من حولهم، فكان لا بد من الفاجعة..

انقلاب عسكري على الرئيس المنتخب، وثورة من الشعب على حكم الإخوان، ورفض شديد لمنهجية الدين التي كان يتم الحديث عنها.

لم تكن تلك هي الفاجعة، وإنما المصيبة فيمن ظل معاندا ومتشبثا برأيه الخاطئ بعد كل ما رأي من وقائع وأحداث.
لتكون الفاجعة في تسليم الالاف من الأبرياء للذبح، وتشريد أضعافهم في شتى بقاع الأرض.
وإنا لله وإنا إليه راجعون.
العنوان: رد: من الماضي.
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2020-11-03, 12:59:43
أنهيت كل ما تبقى مما لم أقرأ وألحقت به الجديد : السراب، ما قبل الخريف، البوصلة، الشرارة، المصيبة ...

جزاك الله كل خير أخي جواد ... أقرأ وأنا ألمس الواقع المشترك، ما ترويه لا يخص مصر وحدها، ولا تلك الفترة وحدها، بل نحن أيضا عايشناه وقريبا جدا جدا في حراك الجزائر السلمي، الفرق الوحيد أن الأخير سلمي ولم يخلّف أي ضحية دموية، أما عن التشتت، والرنوّ للدنيا، وطلب الدنيا، واختلاط طلاب الدنيا بمختلف أطيافهم بمن له شيء من الفكر الإسلامي .... الأمر نفسه كرّر نفسه ....

والآن نحن نعيش فشل ذلك الحراك، ونعيش عملية حرق الثورة وقطع طريقها... وباء  كورونا كان سببا في توقفه، ولكن يعتزمون العودة إليه ... نعم لا ننكر أنه يعمل عمل الورقة الضاغطة، والعين المتتبعة للنظام الذي يريد أن يعيد نفسه في أي فرصة تتاح له ... حتى فرصة كورونا يستغلها لإعادة نفسه، ويعيد نفسه حقا في أكثر من شكل، وصرنا نفهم عمله، وإعادة أدواته الخشبية، ولغته الخشبية التي لا معنى لها ... بالكذب، ولاعناوين البراقة، والإعلام العامل على تلميعه،  ولكن ..... الغاية السامية، الدين، الله .... مازال بعيدا عن المسلمين في خرجاتهم، وثوراتهم ...  !!

لا أدري ...

ضعف المكوّن الفردي للجماعة الإسلامية، ضعف الجماعة الإسلامية في الإقدام على ريادة فكرية تسوق الجموع الأخرى في مسيراتها، رفض الكثير من الأطياف العلمانية وأشباهها لهذه القيادة على افتراض وجودها ... 

الكثير من العوامل مجتمعة ....  جعلت من حركة إسلامية صحيحة سليمة قوية، ذات بوصلة -كما قلتَ- وذات ردود فعل مدروسة لا آنية ....  ذات رؤية واضحة...جعلتها  غائبة، غائبة بأتم معنى الكلمة ....

أتابعك أخي جواد ... وأؤيدك فيما ذكرت .... ماذا عن المستجدّ من هذه الحرب المعلنة ضد الإسلام في صور مختلفة معلنة، من مثل التهجم على شخص رسول الله صلى الله عليه وسلم والتلفيقات الممنهجة لجرائم الإرهاب هنا وهناك في الغرب ....

أكمل بارك الله فيك، فكلها إضاءات على الطريق نحتاجها حقا

العنوان: رد: من الماضي.
أرسل بواسطة: جواد في 2020-11-04, 09:17:18

ضعف المكوّن الفردي للجماعة الإسلامية، ضعف الجماعة الإسلامية في الإقدام على ريادة فكرية تسوق الجموع الأخرى في مسيراتها، رفض الكثير من الأطياف العلمانية وأشباهها لهذه القيادة على افتراض وجودها ... 

الكثير من العوامل مجتمعة ....  جعلت من حركة إسلامية صحيحة سليمة قوية، ذات بوصلة -كما قلتَ- وذات ردود فعل مدروسة لا آنية ....  ذات رؤية واضحة...جعلتها  غائبة، غائبة بأتم معنى الكلمة ....


جزاكم الله خيرا كثيرا أختي أسماء، وبارك بكم.

وصفكم هذا في الصميم، وهو كفيل بأن يجعلنا نراجع كل ما عرفناه من أفكار الدعوة والعمل الإسلامي في السنوات الأخيرة.

والصورة المكملة لذلك برأيي هي افتقادنا للفكر التربوي الذي يعمل على تكوين الذاتية في الأفراد والعلماء، لا السعي وراء صناعة التابعين الذين يؤيدون ويبررون على طول الخط.

وأكثر ما كان يؤلمني أن أرى كيانا كالاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، تابعا لرأي حاكم أو جماعة، فيدعوا الناس لتسليم رقابهم ورقاب أبنائهم وزوجاتهم للذبح دعما لقرار سياسي!

كذلك، فإن الحجر على الرأي المعارض واتهام أصحابه في نواياهم أو التسفيه من أفكارهم ومطالبتهم بالاتباع وفقط لأنهم ليسوا من طائفة العلماء، لهو فساد عظيم.

وللأسف كل هذا مازال قائما على حاله كما هو حتى اليوم، ولم يتراجع أصحابه عنه بوضوح أو يبينوا عواره علانية، مما يجعلنا معرضين لتكرار نفس الأخطاء في المستقبل.

العنوان: رد: من الماضي.
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2020-11-05, 07:54:47
اقتباس
والصورة المكملة لذلك برأيي هي افتقادنا للفكر التربوي الذي يعمل على تكوين الذاتية في الأفراد والعلماء، لا السعي وراء صناعة التابعين الذين يؤيدون ويبررون على طول الخط.


بمعنى أن يعرَّفَ الرجال بالحق، لا أن يُعَرَّفَ الحقّ بالرجال ... نسأل الله البصيرة .
أكمل أخي إسلام، وضع كلما وجدتَ حاجة لأن تعبّر، فجمع هذه الرؤى مهم
العنوان: رد: من الماضي.
أرسل بواسطة: جواد في 2020-11-13, 16:47:57
اقتباس
والصورة المكملة لذلك برأيي هي افتقادنا للفكر التربوي الذي يعمل على تكوين الذاتية في الأفراد والعلماء، لا السعي وراء صناعة التابعين الذين يؤيدون ويبررون على طول الخط.


بمعنى أن يعرَّفَ الرجال بالحق، لا أن يُعَرَّفَ الحقّ بالرجال ... نسأل الله البصيرة .
أكمل أخي إسلام، وضع كلما وجدتَ حاجة لأن تعبّر، فجمع هذه الرؤى مهم

امين، إياكم أختي أسماء.
العنوان: رد: من الماضي.
أرسل بواسطة: جواد في 2020-11-13, 17:52:37
اللاعودة

"لا يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يصب دماً حراماً"
"لهدم الكعبة حجرًا حجرًا، أهون من قتل المسلم"

لا تزال دماء المسلمين تسفك في شتى بقاع الأرض، وبقدر ما كان يعتصر قلبي من الألم على دماء المسلمين في كل مكان، إلا أن الأمر في مقتلة مسجد رابعة العدوية في مصر لم يكن كغيره.
ولا أستطيع أن أتخطى هذا الحدث الجلل دون الوقوف عليه وعلى الزلزلة التي أحدثها في قلوب الناس وحياتهم بعده، وما أحدثه في من جرح غائر وفقدان لأكثر شخص قريب على قلبي.

بدأ الأمر بالانقلاب على رئيس الدولة المنتخب د.محمد مرسي -رحمه الله- من قبل جمع من الشعب أولا ثم الجيش ثانيا.
لم يكن فوز د.مرسي في الانتخابات الرئاسية بفارق ضخم عن أقرب منافسيه، بل رجح فوزه بنسبة قليلة للغاية من الأصوات في صالحة. وهو أمر لا يحب أنصاره الحديث عنه.
وكان واضحا لكل ذي عقل وحكمة أن البلد منقسمة إلى نصفين، وأن الحسابات النظرية تقول أن نصف الشعب تقريبا رافض لحكم جماعة الإخوان المسلمين متمثلا في مرشحهم د. مرسي.

ليس هذا فحسب، بل إن البرنامج الانتخابي والثقة العجيبة في النفس التي أظهرتها جماعة الإخوان المسلمين تجاه مشاكل الدولة والناس كانت تنبئ بكارثة محققة! وكأن لديهم المصباح السحري!!
هذا فتح المجال لتأجيج الحرب الإعلامية علي الرئيس المنتخب وإظهار فشله في إدارة شتى أمور الدولة. فالرئيس هو من سن السكين وأعطاهم إياه!
فإذا ما أضفنا أن القوى العالمية والمجتمع الإعلامي في مجمله رافض لكل ما هو إسلامي ومحارب واضح للرئيس المنتخب وجماعته من ورائه، فليس من الصعب التنبؤ بما حدث بعد ذلك.

هذه البديهيات البسيطة كانت غائبة أو مغيبة عن جماعة من المفترض أن لها تاريخ حركي وسياسي طويل، بل كانوا يرفضون حتى الانصات لصوت الحكمة من أقرب الناس إليهم.
لهذا لم يكن قرار الانقلاب على الرئيس وجماعته مستغربا أبدا! وكان يبدوا حتميا بالنسبة لي، وهو ما تحقق بعد عام واحد فقط.

وهنا علامة استفهام ضخمة جدا، فمؤلفات الجماعة وأدبياتها الحركية بل وحتى مناهجها التربوية مختلفة عما رأيناه منهم واقعيا وعمليا، فهل كانت كل تلك المؤلفات مجرد أوهام؟!
هل من المعقول إذن أن يمضي الناس على نفس المنهجية التربوية والفكرية بعد ما رأيناه من انهيار مروع؟
هل المشكلة في المناهج أم التطبيق أو كلاهما؟

برأيي أن المشكلة الأكبر في أسلوب التربية ثم في جزئيات متفرقة من المنهج التربوي، وهو ما انعكس على المنهج الحركي والسقوط المروع له بعد ذلك.

ولم تتوقف المأساة عند ذلك الحد.
فحتى بعد إعلان الانقلاب العسكري رسميا، أصرت قيادات الإخوان المسلمين على عنادها ورفضت تماما الاعتراف بالخطأ أو حتى الإقرار بفداحة الموقف على الأرض.
وفي أكبر مقامرة رأيتها في حياتي، قررت قيادات الإخوان المسلمين في مصر الانعزال عن الواقع تماما والتصرف بمراهقة وعدم مسؤولية غير مسبوقة، لتتعلق بالسلطة بأي شكل كان.
وكان قرار الاعتصام الكبير لجماعة الإخوان المسلمين عند مسجد رابعة العدوية في القاهرة المسمار الأخير في نعشهم.

واستخدم قيادات الإخوان كل طاقتهم ونفوذهم في الدعوة لهذا الاعتصام، فتارة بالخطاب العاطفي وتارة بترهيب الأتباع مما قد يحدث لهم إن تركوا السلطة، وتارة بالإيعاذ إلى مشايخهم وعلمائهم لدعوة الناس للاعتصام.
ولا زلت أذكر دعوة رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الناس أن ينزلوا بأزواجهم وأبنائهم ليعتصموا عند مسجد رابعة العدوية. ولا حول ولا قوة إلا بالله.

وكما كان متوقعا، بدأ الجيش في ارسال التحذيرات العملية للمعتصمين بأنه لن يتورع عن استخدام الة القتل معهم، فقتل بالفعل بعض المتظاهرين في أماكن أخرى قريبة وأصاب غيرهم.
وحمي وطيس الآلة الإعلامية أكثر وأكثر، وازداد وضع المعتصمين صعوبة بمرور الوقت وهم يعطلون حياة الناس اليومية في تلك المنطقة.
ثم كان التصريح والإعلان من قائد الانقلاب العسكري بطلبه التفويض من الشعب بالتعامل مع المعتصمين، وهو ما قوبل بمظاهرات تأييد كبيرة بالفعل.

كل هذا والمعتصمون غارقون في أوهامهم، يحاولون استجداء القريب والبعيد، بل وحتى المجتمع الدولي الذي يعرفون سمومه وكيده، ويتهمون أي ناصح لهم بالعودة والبحث عن وسيلة أخرى تحفظ دماءهم.
تارة ينتجون فيديوهات قصيرة لأشخاص غير متدينين مؤيدون للاعتصام، وتارة يترجمون المحتوى للغات مختلفة، وتارة يرفعون رايات الديمقراطية ويهتفون لها.
كل هذا، وخطابهم الداخلي لأتباعهم أنهم يعملون للإسلام، وأنها مصلحة الدعوة، أو فلنقل كما قال سيد قطب رحمه الله "صنم الدعوة".

ثم أظلمت الدنيا في صبيحة يوم أسود.. وانهار الرصاص من كل مكان يحصد أرواح أسر بكاملها، لا يفرق بين رجل وامرأة وطفل وكهل.
وسالت الدماء الزكية على الأرض تشتكي غدر القريب قبل العدو.. وإنا لله وإنا إليه راجعون.

وبدا أن قيادات الإخوان متخبطون بلا رؤية واضحة، ولا فقه عملي لسنن الله. وأن أولويتهم هي الحفاظ على مكتسباتهم في الدولة، مهما كانت نيتهم من وراء ذلك.

ولا حول ولا قوة إلا بالله.
العنوان: رد: من الماضي.
أرسل بواسطة: جواد في 2020-11-21, 07:16:59
الشتات

وكأنه ليس هناك أمل.. كلما يسر الله فرصة للمسلمين ليرفعوا الظلم عن عاتقهم ويرجعوا إلى دينهم ورسالتهم، أفسدناها وانقلبت علينا وبالا أسوأ مما كان من قبل.

تعلمت من السيرة النبوية أن العبرة ليست بالأخطاء، وأن أي خطأ يمكن تداركه والقيام من بعده، فسنة الله في الحياة أن نخطئ ونذوق معنى الفشل والهزيمة، فندرك ضعفنا ولا نغتر بالأسباب.
وبقدر هول الفاجعة في مقتلة مسجد رابعة العدوية في مصر، إلا أن المصيبة الأكبر هي أننا لم نتعلم الدرس، وأن السقوط لازال مستمرا وبوتيرة أكثر تسارعا، وكأنه لا قاع لتلك الهاوية.

لم تكن المأساة فقط في فقد الدماء، وإنما في زعزعة الإيمان والعقيدة.
وكان السؤال الذي أتعب فئة الشباب الصغير، لماذا لم ينصرنا الله رغم أن وقفتنا كانت لله؟
وظل السؤال معلقا لا يجد جوابا شافيا.
وأما من تصدروا لقيادة جموع من الناس، فقد انشغلوا بأنفسهم وبالتناحر فيما بينهم على ما تبقى من كيان متداعي لجماعة لم تكن أهلا لحمل الأمانة.

وانطلق كل فرد ينجو بنفسه ويسعى للهجرة باحثا عن مكان يعيش فيه لنفسه وحاله.
وانهارت في عيون الكثيرين كل تلك الأحلام البراقة عن العمل للإسلام وأمنيات عودة الخلافة من جديد، بل باتت هذه الأفكار محل شك.
وانشغل كل شخص بنفسه، وهاجر الكثير إلى تركيا، وتقاتل البعض فيما بينهم على أمور المعيشة حتى في شتاتهم.

هذا السقوط الكبير والمتسارع لافت جدا للنظر، لكن التحليلات والمراجعات لم تتعرض إلا لجانب أسباب الدنيا، فقد أسقط الإيمان من المعادلة تماما. وإنا لله وإنا إليه راجعون.

وتغير نسيج جماعة من الناس كانوا يعدون أنفسهم حملة مشعلة التغيير وراية الخلافة، وتم اعتبار أن ما حدث هو مجرد تعاطي خاطئ مع الأحداث وأن المعركة كانت أكبر من الطاقة.
وانشغلت القيادات بالصدام فيما بينها يحاول كل فريق أن يستأثر بالتمويل الباقي في الشتات، وبكل صفاقة وجه ظلوا يتصدرون المشهد ولا يرون غير أنفسهم بديلا.
بل إن الأمر تعدى ذلك ليصل حد استغلال حاجة شباب الإخوان الصغير وغربته ليتم استغلالهم ماديا دون رحمة.

وبدلا من أن تزيدنا المصيبة تآزرا واجتماعا، قطعنا روابط الصلة وهدمنا أي جسور بيننا بدلا من ترميمها، وجعلنا همنا ما في أيدينا نحرص ألا نشاركه مع أحد آخر، فالكل في عيون الكل متهم.
ولم تجد أنظمة القمع والاستبداد فرصة أفضل من ذلك لتجهز على ما تبقى من سيرة الجماعة التي حملت فكر شمولية الإسلام، حتى وان فشلت في تمثيله أو تطبيقه.
والهدف في النهاية هو صياغة إسلام جديد لا يعنى بحياة الناس أو أحوالهم، بل ويتساوى في عيون الناس مع أي عقائد روحية أخرى.

ولا حول ولا قوة إلا بالله.
العنوان: رد: من الماضي.
أرسل بواسطة: جواد في 2020-11-23, 12:02:14
الحاضر

عودة إلى أول مداخلة في هذا الموضوع، واسترجاع للهدف من وراء هذه الكلمات. ماذا بعد سرد الماضي؟
بالنسبة لي محاولة تدارك الحاضر وأمل في مستقبل راشد.

سرد أحداث الماضي قد يعطي انطباعا أنه لمحاكمة أصحابه، ولكنه أبعد ما يكون عن ذلك في موضوعي هذا. فمن منا لا يخطئ ومن منا لا يمر بأوقات ضعف وهزيمة!
إنما الهدف هو مراجعة الأفعال والتعلم من أخطاء الماضي، فالمستقبل مرهون بالحاضر وليس الماضي.

من هذه الناحية، فالدرس الأكبر بالنسبة لي عنوانه "الفرقه"، وليس من سبيل المصادفة أن يكون هو كذلك الدرس الأول في مجتمع المدينة النبوية.
ولا أعني بالفرقة هنا محاربة المسلمين لبعضهم أو التنازع على الأرض والسلطة فيما بينهم، فهذا انهيار ما بعد الفرقة.

الفرقة التي أعنيها هي تلك التي تكون بين أفراد (الفريق الواحد) !
فرقة نفسية وفرقة فكرية وفرقة عملية.

الفرقة النفسية هي بناء الحواجز وهدم الجسور بعد المشاحنات والاختلاف. فينغلق كل شخص على نفسه وقد أقام المذبحة للآخر وأغلق كل أبواب العودة والرجوع.
هي حالة يعظم فيها الإنسان من نفسه فيجعل أخطاء الغير لا تغتفر، ويحكم عليه حكما نهائيا لا رجعة فيه.
ولا أقصد هنا تغير القلب، فبعض جراح القلب قد لا تشفى أبدا، وإنما أقصد التعامل والتعاون في ظاهر الأمور والمصالح المشتركة.

أما الفرقة الفكرية فهي عدم قدرة مجموعة من الأفراد على الاتفاق على هدف واحد يعملون جميعا من أجله، وهي من أكثر الأمور تعقيدا وأسهلها خداعا!
وجرت العادة أن يظن الأفراد الذين يعلنون أن قضيتهم خدمة الإسلام أنهم جميعا في قارب واحد، وأن التعاون بينهم أكيد، وهو نقيض ما رأيناه على أرض الواقع.
فغالبا ما يكون لكل فرد رؤيته الخاصة للإسلام نفسه !
هناك من يرى الإسلام دين فضائل وشعائر روحانية يهدف إلى رفاهية الإنسان في الدنيا والاخرة،
وهناك من يرى الإسلام قوة حاكمة للأرض كلها تفرض سلطانها على كل المخلوقات.
وهناك من يرى أن الإسلام دين فردي، ذروة نجاح الفرد فيه أن يكون خلوقا يقيم العبادات بارعا في صنعته التي يقيم عليها حياته.
وهناك من يرى أن الإسلام دين وعظي، يفوز فيه من يتعلم أمور الدين ويتفقه في علومه ويعلمها للناس.

هذه الرؤى المتعددة ليست تخصصا فرديا، إنما هي في غالب الأمر تصورات حصرية لأصحابها عن الإسلام.

فإذا ما وقع الإنسان في فرقة نفسية أو فكرية أو في كلاهما، فالنتيجة المتوقعة هي الفرقة العملية.

والفرقة العملية هي عزلة فردية يعمل فيها الإنسان على ما يراه كافيا لنفسه وفقط، سواء كان ذلك منفعة شخصية أو دعوية أو حتى قضية للأمة!
كالجزر المنعزلة، قد تكون عامرة بالمجهود والأعمال، لكنها منفصلة عما سواها من الجزر الأخرى، كل لا يرى إلا نفسه وعمله.
الفرقة العملية هي فقدان للثقة، وعزوف كبير عن أي تعاون أو مشاركة، وعدم قدرة على تحمل صعوبات العمل الجماعي، فيرفع كل فرد شعار سأعمل وحدي وأنجو بنفسي.

هذه الفرقة الشديدة والثقة المفقودة حتى بين أقرب الأقربين تبدد الجهود وتجعلنا دوما لقمة سائغة بين أنياب أعدائنا.
ولا بديل عن الطريق الصعب والمحاولة المستمرة لإقامة رباط الأخوة الذي اجتمع عليه الصحابة رضوان الله عليهم، يتآزرون فيما بينهم، يعملون سويا لقضية واحدة وهم واحد وفي طريق واحد.
العنوان: رد: من الماضي.
أرسل بواسطة: جواد في 2020-11-24, 18:48:23
غثاء

قرأت بالأمس عنوانا دعائيا لمدينة في إحدى بلاد المسلمين يقول "أنهم شباب يحبون الحياة والفرح ويبغضون ثقافة الموت والإرهاب"
الإعلان عبارة عن رقص مجموعة من الشباب والفتيات في الأماكن السياحية لمدينتهم، كنوع من الترويج لها.
وعلى الرغم أن هذا ليس بجديد مع الأسف، إلا أن صيغة العبارة استوقفتني.
وتذكرت حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم.

عن أبي عبد السلام، عن ثوبان، قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها»،
فقال قائل: ومِن قلة نحن يومئذ؟ قال: «بل أنتم يومئذٍ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفن في قلوبكم الوهن»،
فقال قائل: يا رسول الله وما الوهن ؟ قال: «حب الدنيا، وكراهية الموت».

واليوم جال بخاطري أن الحديث متمثل في كل حياتنا الحالية بالفعل، ولا يتوقف أبدا عند تصريح مجموعة من الشباب والفتيات الغارقين في الرقص.

حاولت أن أسترجع كل ما بذاكرتي عن تاريخ العرب قبل الإسلام، فلم أجد لهم أي قضية كبيرة أو طموح بفرض السيطرة على مساحات الأرض كما كان يفعل الروم أو الفرس مثلا.
مجرد اقتتال داخلي هزيل لا يرقى لتسمية "معركة" في ميزان القوة في ذلك الوقت. وهو ما يفسر كذلك عدم اكتراث الفرس أو الروم بالعرب الذين يتفاخرون بجيش قوامه ألف رجل!

حياة العرب وقتها كانت منحصرة في جمع المال والتنافس فيما بينهم على الفخر والشهرة. لا قضية يقاتلون من أجلها ولا أفكار يروجون لها ولا دين يريدون له الانتشار في ربوع الأرض.
وهو حالنا الآن تماما .
ولا أرى غثائية أكبر من ذلك.

عافانا الله وإياكم.
العنوان: رد: من الماضي.
أرسل بواسطة: جواد في 2020-11-29, 11:56:01
على الجانب الآخر
https://youtu.be/kYfNvmF0Bqw
العنوان: رد: من الماضي.
أرسل بواسطة: ماما هادية في 2020-12-01, 18:05:50
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله
قرأت يا جواد موضوعك حتى ( المصيبة)
جميل جدا جدا
اعجبني تحليلك.
واتفق مع اسماء في اهمية الكتابة. لا عوضا عن العمل، ولكن معه.

وسأتابع القراءة الان ان شاء الله
العنوان: رد: من الماضي.
أرسل بواسطة: ماما هادية في 2020-12-01, 19:08:14
تابعت القراءة لنهاية الموضوع
وايقظت في قلبي الآلام والاوجاع.
ومازال سيل الألم متدفقا في مصر والشام وغيرها والى الله المشتكى.

اظن ان الفكرة المحورية للموضوع هي ان الخطأ كان في تربية الاجيال الاسلامية تربية لا تتضح فيها الغاية الحقيقية وتختلط فيها الغاية بالوسيلة، الى ان نصل لمرحلة تنقلب فيها الوسائل الى غايات بذاتها، وربما نضحي بالغاية نفسها لتحقيق الوسيلة.

لهذا فأول درس ينبغي ان يقدم للناس ولصغارنا هو: لماذا خُلقنا وما هدف الحياة.

الفكرة الثانية المهمة في الموضوع هي انه بعد تحديد الغاية الصحيحة ووضوح الهدف والوجهة لابد ايضا من فرز الوسائل واختيار الأفضل والأصوب وان كان كريها على النفس وطريقه اصعب.
وهذا ما يوضحه الحديث الشريف  ( ما ترك قوم الجهاد الا ذلوا). وحديث ( اذا تبايعتم بالعينة...)
وقد جرى في عصرنا صرف معنى الجهاد الى جهاد النفس وجهاد القلم وجهاد الدعوة الخ الخ.  وكله ضروري، ولكن يجري عمدا اغفال جهاد القتال لان غير ذات الشوكة احب لنا، ولهذا فالقرآن الكريم لم يقل كتب عليكم الجهاد بل كتب عليكم القتال وهو كره لكم، وايات القتال فيه أكثر من ان تعد..
وكل الدعوات اليوم تتهرب من هذا العبء ولا تضعه في حسبانها. ولهذا فلا تمكين ولا نصر.

اذن، فلابد عند دراسة الوسائل وتقييمها من دراستها بعين واعية للسنة والسيرة النبوية المطهرة، التي جاءت تبيانا لكل شيء.

واحب ان اضيف فكرة ثالثة هنا: هو ان الانسان في النهاية محاسب عن نفسه لا عن أمته ولا عن عصره، لهذا فلا نيأس ان لم يبد لنا تحقق انتاج او انجاز على المستوى الجماعي او مستوى الأمة، مادمنا نجونا بأنفسنا وبمن نعول، وبذلنا جهدنا في الطريق الصحيح، فمن ثبت على الدرب ومات عليه فاز وان لم يصل للغاية المرجوة، لأن الله تعالى يحاسبنا على النية والعمل لا على النتيجة
ولو فقهت الاجيال هذا فلن تتشتت اثر الهزائم والانتكاسات ولن تتبعثر ولن تفقد ايمانها.
ومن كانت في يده فسيلة فليغرسها.
والله متم نوره ولو كره الكافرون.

جزاك الله كل خير.
موضوع نفيس
العنوان: رد: من الماضي.
أرسل بواسطة: جواد في 2020-12-02, 17:29:26
تابعت القراءة لنهاية الموضوع
وايقظت في قلبي الآلام والاوجاع.
ومازال سيل الألم متدفقا في مصر والشام وغيرها والى الله المشتكى.

اظن ان الفكرة المحورية للموضوع هي ان الخطأ كان في تربية الاجيال الاسلامية تربية لا تتضح فيها الغاية الحقيقية وتختلط فيها الغاية بالوسيلة، الى ان نصل لمرحلة تنقلب فيها الوسائل الى غايات بذاتها، وربما نضحي بالغاية نفسها لتحقيق الوسيلة.

لهذا فأول درس ينبغي ان يقدم للناس ولصغارنا هو: لماذا خُلقنا وما هدف الحياة.

الفكرة الثانية المهمة في الموضوع هي انه بعد تحديد الغاية الصحيحة ووضوح الهدف والوجهة لابد ايضا من فرز الوسائل واختيار الأفضل والأصوب وان كان كريها على النفس وطريقه اصعب.
وهذا ما يوضحه الحديث الشريف  ( ما ترك قوم الجهاد الا ذلوا). وحديث ( اذا تبايعتم بالعينة...)
وقد جرى في عصرنا صرف معنى الجهاد الى جهاد النفس وجهاد القلم وجهاد الدعوة الخ الخ.  وكله ضروري، ولكن يجري عمدا اغفال جهاد القتال لان غير ذات الشوكة احب لنا، ولهذا فالقرآن الكريم لم يقل كتب عليكم الجهاد بل كتب عليكم القتال وهو كره لكم، وايات القتال فيه أكثر من ان تعد..
وكل الدعوات اليوم تتهرب من هذا العبء ولا تضعه في حسبانها. ولهذا فلا تمكين ولا نصر.

اذن، فلابد عند دراسة الوسائل وتقييمها من دراستها بعين واعية للسنة والسيرة النبوية المطهرة، التي جاءت تبيانا لكل شيء.

واحب ان اضيف فكرة ثالثة هنا: هو ان الانسان في النهاية محاسب عن نفسه لا عن أمته ولا عن عصره، لهذا فلا نيأس ان لم يبد لنا تحقق انتاج او انجاز على المستوى الجماعي او مستوى الأمة، مادمنا نجونا بأنفسنا وبمن نعول، وبذلنا جهدنا في الطريق الصحيح، فمن ثبت على الدرب ومات عليه فاز وان لم يصل للغاية المرجوة، لأن الله تعالى يحاسبنا على النية والعمل لا على النتيجة
ولو فقهت الاجيال هذا فلن تتشتت اثر الهزائم والانتكاسات ولن تتبعثر ولن تفقد ايمانها.
ومن كانت في يده فسيلة فليغرسها.
والله متم نوره ولو كره الكافرون.

جزاك الله كل خير.
موضوع نفيس

جزاكم الله خيرا كثيرا، ونسأل الله أن يستعملنا فيما يرضيه عنا، وأن يكشف الغمة عن الأمة ويحفظنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن.

الإنسان محاسب عن نفسه نعم، ومن رحمة الله بنا أنه يكافئنا على العمل لا على النتيجة.
ولكن هذا المعنى فيه سؤال طالما حيرني وأتعبني، وهو ما مقياس النجاة بالنفس؟
وفي زمن كزماننا ما واجب الفرد فيه تجاه أمته؟ وهل هذا الواجب مرتبط بالنجاة بالنفس أم لا؟

هل ينجو الإنسان بالحفاظ على العبادات والرزق الحلال وتجنب المعاصي والمنكرات، ويعتزل أي شيء آخر يحدث حوله؟
هل ينجو الإنسان وهو يترك أمور المجتمع والأمة في يد من لا يخاف الله ويحارب دينه في كل مكان؟
وكيف لنا أن نتكلم مع أبنائنا مثلا عن الجهاد والغاية من الخلق وأهداف الحياة ونحن مجرد مستقبلين لكل ما يشكل الحياة حولنا. كيف نقنع أطفالنا بهذه المعاني وكل شيء حولهم خلاف ذلك؟

فإذا كان الباطل يتحكم في كل حياتنا وتشتد قبضته يوما بعد يوم، فأين الدرب وكيف الثبات عليه؟

هذا ما يصدني دوما عن الكتابة..
فكلما كتبت عن تلك المعاني العظيمة ثم انصرفت إلى حالي وجدتني بالكاد أستطيع العيش في هذا الزمان، فمثلا المال الذي نتعامل به يوميا منبته الربا، واقتصاد دولنا كلها بلا استثناء قائم في صلبه وأساسه على الربا.
مجتمعاتنا تزداد بعدا عن الدين يوما بعد يوم، وأطفالنا محاطون بكل ما هو مخالف للدين والشرع، وكل ما نستطيع فعله أن نظل سلبيين تجاه كل ذلك. نحاول أن ننتقي الحلال قدر المستطاع، وهو يتضاءل يوما بعد يوم.

نحاذر في كلامنا وأفعالنا لأننا نخشى بطش الأنظمة، نتحرك فقط في المساحة التي يسمحون لنا بها، ونلهث وراء لقمة العيش طوال الوقت ، وكل ما نستطيع فعله أن ننكر بقلوبنا.

فهل سيتغير الواقع من تلقاء نفسه؟

لطالما تساءلت دوما عما بعد كل الدروس والمحاضرات والكتب والمقالات ، نتعلمها وكأنها من رفاهية الفكر والثقافة، أما الحياة نفسها فنسير فيها على هوى أعداء الله وما وضعوه لنا من قواعد وقوانين.
هذه المفارقة تقتل الإيمان في النفس، وتحول الدعوة بهذا الحال إلى مسكنات روحية، فنحن في نهاية الأمر مجرد مفعول به.
العنوان: رد: من الماضي.
أرسل بواسطة: جواد في 2020-12-08, 17:13:34
واجب الوقت

ومازلت مع أخبار تونس، وهي من أكثر البلاد التي تأثرت بها وبأهلها بعدما زرتها مرتين قبل أن يقطع داء كورونا السفر ويغلق المطارات.

الخبر هذه المرة على نقيض سابقه، حيث قام أحد نواب ائتلاف الكرامة في معرض انتقاده لقانون الأحوال الشخصية ووضع المرأة الحالي في تونس بتوضيح خبث المتاجرين بقضايا المرأة.
ولمن لا يعلم، فقوانين الأحوال الشخصية في دول مسلمة مثل تونس وتركيا، تقر الإنجاب خارج الزواج وتجرم تعدد الزوجات وتعترف بالزواج المدني دون ضوابط شرعية.

وقامت الدنيا ولم تقعد في تونس، فإقرار حرية ممارسة الرذيلة وحرية التعري هو معبد الليبراليين والعلمانيين وناشطي حقوق المرأة على الطريقة الغربية.
وفي بلد مثل تونس، يعاني عدم الاستقرار الاقتصادي والسياسي، فقد تحول الاهتمام كله فجأة إلى هذا النائب الذي تجرأ وتكلم بالدين في البرلمان!
بل وصل الأمر إلى العراك بالأيدي وتبادل أسوأ الشتائم والإهانات علانية في البرلمان.

المفاجئ بالنسبة لي أن تصرح إحدى قيادات حركة النهضة المحسوبة على التوجه الإسلامي، برفضها دعم كلام النائب المحترم، وتصرح بأن البرلمان ليس مسجد !

وهنا نعود إلى تلك المعضلة الكبيرة والمتعلقة بالتنازلات التي يقدمها من يرفع راية الفكر الإسلامي من أجل المشاركة في سياسة الدولة.

البعض يعتبر أن الانخراط في العمل السياسي على كل مشاكله الحالية يعتبر من واجبات الوقت، ويرى التنازلات التي يتم تقديمها هي من أجل أولويات أكبر منها.
ثم هناك فريق يرفض كل هذا ويدعو لاعتزال كل هذه الأمور، والاهتمام فقط بأمور النفس، والدعوة بما هو متاح وفي النطاق الذي لا يزعج أصحاب القوة والسلطان.

واجب الوقت إذن يختلف من فكر لاخر، وكل يراه من منظور النجاة الخاص به.

فأين الطريق إذن؟!


https://www.facebook.com/Dr.MohamedAffes/videos/239671020913004/
العنوان: رد: من الماضي.
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2020-12-10, 09:22:42
أنهيت قراءة ما تبقى مما كتبت أخي إسلام .
بارك الله فيك .. ولقد وقعت على واحد من أهم الأسباب التي تجعلك تعرض عن الكتابة، وهو ما عبرت عنه بقولك :
اقتباس
هذا ما يصدني دوما عن الكتابة..
فكلما كتبت عن تلك المعاني العظيمة ثم انصرفت إلى حالي وجدتني بالكاد أستطيع العيش في هذا الزمان

معك حق من ناحية، فهذا ليس أنت وحدك، بل كلّنا حينما نصارح أنفسنا، فنجدنا نحبّ أن نعمل أكثر، ولكن لا نجدنا قادرين ...
ولكن رغم ذلك، ففي الكتابة التي لا يُحجَر عليها، والتي تمرّ وتُقرَأ قولة حق، وكلمة حق، يقرأها من قد يقيض الله لهم ما لم يقيض لنا من أسباب العمل.
 

اقتباس
حكي لي أحد الأصدقاء المقربين الذي كان حاضرا في رابعة ليلة المذبحة، أن قيادات الإخوان كانت على علم بما سيحدث بعد ساعات وأنهم بالفعل بدأوا يدربون بعض على الأفراد على كيفية احصاء أعداد القتلى.

لكم أوجعني هذا !! مؤخرا كانت مناسبة لأن أقرأ لأحد الأزهريين، لا أعرفه ولكنه يضع على واجهة صفحته أنه أزهري، قرأت له في صفحة عامة تدعو لمقاطعة المنتجات الفرنسية، يدافع عن أمر يتعلق بالنظام المصري، فما وجدتني إلا منفجرة بوجهه وأنا متحيرة من تلميعه لصورة النظام، وذكرت له رابعة، ففوجئت بأنه برز لي كمثال عن مجموعة من أصحاب العلم الديني اليوم في مصر الذين جرت عليهم عملية غسل دماغ عجيبة !! حتى باتوا يكفرون بشيء اسمه "إخوان"، ويمجّد النظام الذي أنقذ مصر ! بل وتجرأ على صلاح أبو إسماعيل وعلى رموز كثيرة ..
المهم ذكرته هنا على سبيل تبيان الصورة التي خلّفها الغسيل الذي يعمل عليه النظام في مصر لشباب ناشئ جديد ..

اقتباس
نحاذر في كلامنا وأفعالنا لأننا نخشى بطش الأنظمة، نتحرك فقط في المساحة التي يسمحون لنا بها، ونلهث وراء لقمة العيش طوال الوقت ، وكل ما نستطيع فعله أن ننكر بقلوبنا.

في تدبراتي القرآنية، وجدتني أتكلم بما يمليه عليّ القرآن،هو القرآن، لا أستطيع أن أتدبر حقيقة معانيه، ومراده منا بخلاف ما يملي هو، وهو الأعلى، وهو الآمر ...  وضعت حسب إملاءات القرآن، وسنرى emo (30):

أؤيدك فيما ذهبت إليه بخصوص معايير النجاة بالنفس، وحدودها ! أرى أنّنا نحتاج للتفكير بالأمة، نحتاج للتفكير بالهمّ الجماعي، بل نحتاج للإحساس بضرورة العمل لها، فالنجاة بالنفس قد تصل حدّ الانكفاء، فالإعراض عن الجهاد الذي تحدثت عنه هادية جزء منه الانكفاء على النفس.


أيضا بالنسبة لتونس، هي  من أهم البلاد الإسلامية الت أتابع أخبارها وتفاصيلها، ربما لقربها منا. تونس مثال بارز على محاربة الدين بكل الوسائل ! مخلفات بورقيبة وزين العابدين في تونس مخلفات كاااارثية بأتم معنى الكلمة، هؤلاء من حزب الكرامة، من مثل  المتحدث، وأيضا سيف الدين مخلوف، أراهم مجاهدين، مهددين في حياتهم أصلا في مجتمع صدقني إن أخبرتك أنه أصبح يفتقر لأبجديات المعرفة بدينهم ! البرلمان التونسي لو ترى "عبير موسي" فيه وما تقول لكفاك أن تعرف عن الحرب على الإسلام باستخدام بني الجلدة أوضح مثال ! "النهضة"  حدث ولا حرج عن زلاتها الخطيرة، ووقعاتها، وانبطاحها، ومسايرتها للتيار.

سأكرر عليك لازمتي  emo (30):   اكتب أخي إسلام فلربما يأتي من يقرأ لنا، وهو بأدوات متاحة أكثر مما بين أيدينا .. الأمل قائم لا لأننا نحلم، بل لأن الله قد وعد .
موضوع رائع، وفي الصميم، ويعرّي الحقائق، كما يضعنا أمام مرآة صادقة لا تغطي عَوارَنا . بارك الله بما تكتب
العنوان: رد: من الماضي.
أرسل بواسطة: جواد في 2020-12-10, 17:12:08
جزاكم الله خيرا كثيرا أختي أسماء وبارك بكم.

أود أن أعقب على نقطتين في مداخلتكم،
الأولى: بخصوص الشاب الأزهري الذي يلمع النظام المصري الحالي على الفيسبوك كما ذكرتم.
الحقيقة لا أجد أي مبرر ولا أي منطق يمكن أن يقبل الإقرار بالظلم والطغيان وسفك الدماء الذي يمارسه النظام الحالي في مصر، ولا حتى من باب التشفي في جماعة ما أو من سبيل "يستاهلوا".

هناك اختلاف ضخم بين توضيح الخطأ والانتكاسات وبين اقامة المشانق لفكر كامل لأن مجموعة من أفراده ارتكبوا عدة مصائب كبيرة.
ولا أدري بأي دين يتحدث من تسول له نفسه تبرير سفك دماء بغير حق أو المعاقبة على جريرة دون محاكمة عادلة وبما يناسب تلك الجريرة ويخص مرتكبيها فقط عن غيرهم.
وحتى لو كان بعض قيادات الإخوان قد تعمدوا إثارة الفتنة لمصلحة شخصية أو استهانة بالدماء، فإنهم هم وحدهم من يستحقون محاكمة عادلة.
أما أخذ الثأر والتشفي في جماعة بكاملها وفكر من أكثر الأفكار وسطية، فهذا ليس من الدين في شيء.

حقيقة الأمر، أن ما ذكرتموه عن "غسل دماغ بعض أصحاب العلم الديني" ليس جديدا أبدا، ولا أحسبه غسلا للدماغ بقدر ما هي فتنة صادفت هوى في النفس، نسأل الله العفو والعافية.

النقطة الثانية: وهي القدرة على التغيير.
وما أرجوه هنا أن يستعملنا الله لنصرة دينه، فهو وحده من يملك القدرة والنتائج. وما قصدته فقط هو السعي ومجال العمل.
والحقيقة هنا أنه بعد خبرات مختلفة ومغامرات كثيرة في حياتي الماضية، عرفت أن المتاح كثير جدا، ولكن المشكلة في الفرقة والخوف من خسارة ما بأيدينا.

ربما يجدر بي هنا أن أوضح أنني أقصد دنيا الرجال، فهم من يقع على عاتقهم فرض الجهاد، وهم من يؤثرون غير ذات الشوكة.
وما أصعب الجهاد بالمال في زماننا، بل إن الرجل قد يستهين بحياته من أجل ماله، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

منذ عام تقريبا اشتركت بدورة مقدمة من صندوق النقد الدولي حول التنمية الاقتصادية في المجتمعات، وفزعت من هول الحقائق التي عرفتها.
تذكرت كيف كان من أول ما فعله الرسول صلى الله عليه وسلم حين قدم المدينة بعد بناء المسجد، كان السوق.
رأيت في حياتي كيف ينهار الناس تحت وطأة الحاجة أو كنز المال فتتغير أفكارهم وتتبدل أحوالهم بالكلية.
عرفت بالتجربة كيف ينهش الناس في بعضهم البعض حين يعرض المال، وكيف تتساقط الأقنعة حين يكون للمال قيمة وحاجة.

كلا، هناك الكثير جدا لفعله وبأقل مخاطرة، ولكن المشكلة في العزم والنية. أصلح الله لنا أمورنا كلها بما يرضيه عنا.
العنوان: رد: من الماضي.
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2020-12-11, 09:42:21
أخي إسلام ...
نعم أنا أيضا لم أيأس من أن الله تعالى متى شاء، وكيف شاء ييسر لعبده الصادق المخلص عملا للأمة، ولمَ لا ...
وسأصارحك بأمر ... يكاد لا يأتيني خاطر أنني امرأة، وأنّ الحمل الأكبر يقع عى الرجال  في العمل للأمة، أعلم أنني هباءة في حقيقة العمل للأمة، وللدين، ولكنني أعيش حياة الأسف والألم على العمل الأوسع والأكبر والأجدى، ولكن لا يعتريني اليأس من ذلك، لأنني أعلم أن لله أمرا وحكمة وتدبيرا وهو على كل شيء قدير ... أساله أن ييسر لنا العمل له بإخلاص، وألا نيأس من ذلك حتى آخر رمق لنا ...
العنوان: رد: من الماضي.
أرسل بواسطة: جواد في 2020-12-11, 11:31:40
أخي إسلام ...
نعم أنا أيضا لم أيأس من أن الله تعالى متى شاء، وكيف شاء ييسر لعبده الصادق المخلص عملا للأمة، ولمَ لا ...
وسأصارحك بأمر ... يكاد لا يأتيني خاطر أنني امرأة، وأنّ الحمل الأكبر يقع عى الرجال  في العمل للأمة، أعلم أنني هباءة في حقيقة العمل للأمة، وللدين، ولكنني أعيش حياة الأسف والألم على العمل الأوسع والأكبر والأجدى، ولكن لا يعتريني اليأس من ذلك، لأنني أعلم أن لله أمرا وحكمة وتدبيرا وهو على كل شيء قدير ... أساله أن ييسر لنا العمل له بإخلاص، وألا نيأس من ذلك حتى آخر رمق لنا ...

بارك الله بكم أختي أسماء وفتح عليكم من واسع فضله وكرمه.

لم أقصد قصر حمل هم الأمة على الرجال دون النساء، فلا يستقيم الأمر إلا بكلاهما، وهي مسؤولية مشتركة بينهما.
ما قصدته هو أنه في حين قد تقوم النساء بمجهود كبير في التربية مثلا، فإن هذا وحده لا يكفي لأن الأنظمة السياسية والقوانين الحاكمة والاليات الاقتصادية يتم صياغتها من أعداء الدين وعبدة الدنيا.
وهذا ما عنيته بمجال الرجال.

بل إن الواقع يقول أنه كلما اشتد انحراف المال والسلطان عن الإسلام، كلما صارت التربية نفسها أكثر صعوبة، حتى ليجد المعلم أن الفجوة تزداد اتساعا بين المنهاج الذي يدرسه، وبين الواقع الذي نعيشه.

نسأل الله أن يلهمنا رشدنا وييسرنا لما يحب ويرضى.
العنوان: رد: من الماضي.
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2020-12-11, 19:54:02
أخي إسلام لم أكتب ما كتبت من باب التذمر مما قلتَ،  بل كان ما قلته دافعا لأن أكتب عن شيء من حالي مع العمل..  بمناسبة حديثنا عن التفكير في الأمة والعمل لها.

تابع كتابتك،  فهي في الصميم. متابعة. أعانك الله وبارك لك.
العنوان: رد: من الماضي.
أرسل بواسطة: جواد في 2020-12-13, 10:02:15
ماذا بعد

بقدر ما حث الإسلام على النصح بالقول وعلى نشر الكلمة الصالحة، بقدر ما حذر من مغبة ترك العمل بما علمنا. وهذه خصيصة أساسية لهذا الدين.
فالإسلام دين عمل وسعي وجهاد، على اختلاف أنواع الجهاد وحالاته. وما ابتلينا بشيء في زماننا أسوأ من وهن العزيمة إلا كبر النفس.

لكن أي عمل؟

لا شك أنه لا يوجد عمل واحد، وأن الأعمال مختلفة ومتنوعة، والثغور كثيرة، ومن السهل أن يختار كل شخص الثغر الذي يراه أقرب إليه.
لكن ماذا لو تجمع غالب الناس لسد ثغر واحد وتركت الثغور الأخرى تزداد اتساعا؟
هذا برأيي ما حدث في الخمسين عاما الماضية على الأقل.

كان كثير من المسلمين يعاني الجهل بأبسط أساسيات العقيدة، في وقت اشتدت هجمة (التنوير الغربي) لتعمل عملها في نسيج المجتمع اللاهث وراء الدنيا.
ثم حدث هذه الانفراجة في السماح النسبي للخطاب الديني، وظهر كثير من (الدعاة) من كل توجه وفكر.
وتحول الدعاة إلى نجوم لامعة في وسائل الإعلام، وصار الأمر كذلك مرتبط بربح مادي كبير، وشهرة نافست نجوم السينما والفنون.

وتحولت دراسة العلم الشرعي إلى غاية في نفسها، وصارت ألقاب المشايخ والعلماء مجالا كبيرا للتنافس، وتحولت في كثير من الأحيان إلى وظائف أكاديمية، لا تختلف عن أي وظيفة أخرى.
وفقد وصف (العالم) معناه الذي عرفناه في السيرة النبوية، ولم يعد العالم يقاس بأفعاله ومواقفه، وإنما بقدر معرفته وتحصيله للعلوم الشرعية.

وحين احتاجت الأمة إلى من يرشدها ويثبت أقدامها على الوجهة الصحيحة في وقت الخريف العربي، تهاوت صور الكثير ممن يتمتعون بثروات الدروس والمحاضرات الدعوية.
فإما متبع لرأي السلطة والمال على مختلف توجهاتهم، وإما من آثر الصمت والاختفاء، وقلة جدا هم من أفصحوا، وندرة من أخذ طريق القدوة بالفعل.
وبالطبع في مثل هذه البيئة الواهنة لم يظهر أثر الالاف من الدروس والمحاضرات، وكأنها لم تكن موجودة من الأساس.
بل حدثت فتنة عظيمة في قلوب الشباب المنخدع بمواقف من ظنهم القدوة من الشيوخ والعلماء..

وهو درس قاس يحتاج التوقف عنده والتفكر فيه كثيرا..

وما يهمني الآن، هل حقا نريد أن نكمل في ذات المسار؟ وما الذي تغير عن ذي قبل حتى نتوقع نتيجة مختلفة؟

برأيي أن أكثر ما نحتاجه بعد هذه السلسلة الطويلة من المصائب والفتن، هو التعاضد والتركيز على العمل.

التعاضد لأن الطريق موحش، تكثر فيه الأخطاء وتشتد الصعوبات، والإنسان وحده قد يصيبه اليأس أو الضعف، وما إن يداخله سوء الظن، إلا خارت عزيمته.
ولكن كيف التعاضد والنفوس ممزقة، وكيف التعاضد ولا أخوة حقيقية في الله ولا قلوب اجتمعت عليه، ولا مشاركة وجدانية حقيقية لذات الهم.

أما التركيز على العمل، فهو يعنى أولا بجعل الأولوية للكيف لا للكم، وللتطبيق الواقعي لجزء بسيط مما يتعلمه الإنسان، بدلا من الاهتمام بمقدار ما حصله من علم.
وثانيا، تركيز الجهود بين المجموعة من الناس على عمل واحد ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا، فمشروع واحد ناجح خير من أفكار كثيرة متفرقة.

وقد علمت كذلك أن الخدعة الجديدة في زماننا هي التركيز على (نشر الوعي)، حيث يصبح المجال الجديد للمنافسة والربح، ويتحول إلى مسكنات عقلية مع مرور الوقت.
فنشر الوعي وترك مجال العمل على الأرض لأعداء الله، هو أكبر خدمة لهم.
وإذا كان لنشر الوعي فائدة ما، فقد قام بها الكثيرون، في حين تخلو ساحة العمل على الأرض خاصة في المجال الاقتصادي من الجهود الهادفة للتغيير الحقيقي.
العنوان: رد: من الماضي.
أرسل بواسطة: جواد في 2021-01-02, 05:54:42
عبرة

لوقت طويل كنت أظن أن الظروف القاهرة التي فرضتها الأنظمة الدكتاتورية ومصاعب الحياة ولقمة العيش هي العائق أمام المصلحين لتبني التغيير الإسلامي في جوانب حساسة كالاقتصاد.

لكني كنت مخطئا جدا..

حقيقة الأمر أنه لا رغبة حقيقية في شيء كهذا، وأن هذا كلام للاستهلاك العام ولتخدير الضمائر التي ربما قد تتأرق.

أما عموم الواقع، فمن لديه وسائل القوة والعلم لبناء حلول اقتصادية إسلامية لا يريد المخاطرة بأي شيء. فتبقى قواعد المكسب الشخصي هي السائدة ولكن فقط ربما يتم تحري الطريق الحلال.

كنت كثيرا ما أتعجب لماذا يصر أساتذة الاقتصاد الإسلامي على استنساخ النظم الاقتصادية الرأسمالية ومحاولة لي عنقها لتجنب صريح المعاملات المحرمة في الإسلام.
لماذا مع مئات المليارات في البنوك الإسلامية لم يتحرك أحد لتوفير نواة نظام اقتصادي إسلامي حقيقي؟
كان هذا لغزا كبيرا، حتى بضعة أشهر مضت.

واكتشفت أن هذا ليس السؤال الذي يشغل بال العاملين بالاقتصاد الإسلامي، وإنما يشغلهم فقط كيف يمكنهم زيادة مكاسبهم وتوسعة سوقهم بأكبر قدر!
وقد كنت أظن أن هذا مهم لتوسع اعتماد الحلول الإسلامية في الإقتصاد، وهذا ما صدره الكثيرون في رسالتهم التسويقية للبنوك الإسلامية مثلا.

لكن حقيقة الأمر أن كل هذا لا يعدوا مجرد نموذج ربح لا أكثر.. ولأن هناك سوق لهذا التوجه ، فهناك من يستفيد من هذا السوق.
ولهذا تأتي الحلول الإقتصادية الإسلامية في زماننا مجردة من مقاصد الشريعة، وتسير على نفس مبادئ الرأسمالية بحذافيرها،
وأن وظيفة اللجان الشرعية في البنوك مثلا هي إيجاد مخارج شرعية تخدم أهداف هذه المؤسسات وزيادة أرباحها بالمناورة بين الاراء الفقهية المختلفة.

هذا أيضا ينطبق على كثير من عموم الناس أيضا، ممن يهمهم أن يكون مالهم حلالا، ولا يلقون بالا لأي تأثير اقتصادي على مستوى الأمة.
وبالتالي فهم كذلك يبحثون فقط عن الربح الأكبر والأكثر ضمانا، دون النظر لأي اعتبارات أخرى قد تكون متعلقة بقوة الأمة اقتصاديا.

وكما قال صديقي، ليست المشكلة في عدم القدرة على تقديم حلول ذات جوهر إسلامي حقيقي، وإنما عدم الرغبة في ذلك.
العنوان: رد: من الماضي.
أرسل بواسطة: جواد في 2021-01-06, 08:38:36
التاريخ

واحدة من الأمور التي غيرت مجرى حياتي هي الاستماع للتاريخ من جانب عملي.

حين بدأت الاستماع لدروس التاريخ المختلفة التي قدمها د. راغب السرجاني تغيرت نظرتي لكثير من أمور الحياة، وكثير من الأمور من حولي.

لكن المشكلة التي عانيت منها بعد ذلك هي أنني لم أعرف كيف أنطلق وكيف يجب أن تكون حياتي بعد تلك المعارف التي حصلتها.

هذه برأيي مسألة كبيرة يجب أن تشغل بال المشتغلين بالدروس والمحاضرات على اختلاف أنواعها وأشكالها.

وهي الخيط الرفيع الذي يفصل بين كون "نشر الوعي" مسكن يصيب الإنسان بمزيد من الاستسلام والإحباط، وبين كونه محرك للتغيير والعمل.

ما أشد حاجتنا لمرشدين مخلصين في هذا الزمان.
العنوان: رد: من الماضي.
أرسل بواسطة: جواد في 2021-01-14, 13:01:27
بين الغدر والخذلان

انتشرت في الأيام الماضية دعوات لمقاطعة تطبيق واتساب بعد قرار شركة فيسبوك توسعة مشاركة بيانات المشتركين لتشمل بيانات الواتساب، مما يزيد من اختراق خصوصية المستخدم.

وانتشرت الدعاوى في تركيا لاستخدام تطبيق مراسلة تركي اسمه bip ، حتى أن الرئيس أردوغان قام بعمل دعاية للتطبيق التركي وصرح بالانتقال إليه.

المؤسف والمحزن في الأمر، أن تطبيق bip التركي أشد اختراقا لخصوصية المستخدم من تطبيقات الفيسبوك، وأكثر منها خطورة أيضا من الناحية التقنية.
وللأسف تم استغلال الهجمة الإعلامية على واتساب لخداع الناس ودفعهم بخطاب عاطفي للوقوع في فخ أسوأ، وهناك بالطبع استفادة مادية ضخمة من وراء إغراء الناس بالانتقال إلى تطبيق bip

الأمر وإن كان أقل نسبيا في دعاوى الإنتقال إلى تطبيق تليجرام، إلا أن أصحاب تلك الدعاوى لم يبينوا للناس أن الخيار التلقائي للمحادثات في تليجرام غير مشفر، وهو اسوأ من واتساب في هذه النقطة!
وأنه حتى يمكن استخدام تليجرام بأمان، يجب أولا اختيار انشاء محادثة سرية، وهو ما لن يفطن له المستخدم البسيط فيقع في فخ المحادثات العادية التي يمكن لشركة تليجرام قراءتها بسهولة.
مع الأخذ بالاعتبار أن المقر الرئيسي لشركة تليجرام هو دولة الإمارات.

ويظل الخيار الامن للمحادثات حتى الان هو تطبيق سيجنال المفتوح المصدر.

ذكرتني هذه الأحداث السريعة بحال قطاع البنوك الإسلامية، وكيف يستغلون حاجة الناس لمعاملات حلال فيجتهدون في إيجاد المخارج الشرعية التي تعظم أرباح البنك وتستغل العميل بأكبر قدر.

فإذا ما كان الهدف من تقديم حل إسلامي سواء في قطاع البنوك أو غيره، هو تعظيم الربح بأي طريقة كانت، فإننا في مأساة حقيقة أكبر مما نتخيل!
فالعقلية الرأسمالية التي تجعل الربح المتزايد غايتها العظمى وهدفها الأساسي لن تقبل على أي خيار فيه مصلحة للأمة إلا إذا كان هذا الخيار هو الأكثر ربحا لهم.
وهذا بالطبع غير متحقق.

فمصالح الأمة تحتاج إلى قناعة بالربح المعقول والتضحية أحيانا بالدخول في مغامرة قد تؤدي لخسارة، لكنها ضرورية من أجل تحقيق مصالح الأمة.
وغياب هذا المفهوم يفسر لنا لماذا رغم كل العقول المسلمة والأموال الغزيرة لم تثبت الأمة أقدامها في أي مجال دنيوي يعود على الأمة بالقوة!
فهذا الطريق الثاني غير مرغوب، ومادام هناك طريق أكثر ربحا وراحة فلماذا نشغل أنفسنا إذن بالمخاطرة والربح الأقل؟!

لهذا أيضا تؤثر النوابغ المسلمة العمل في شركات عالمية رأسمالية على العمل في مشاريع صغيرة لها هدف إسلامي، فالأولى أكثر استقرارا ووجاهة اجتماعية وأكثر ربحية.

المشكلة هنا، أنه مع الوقت تختفى الكفاءات التي تحمل هم المسلمين، فلا يعود لنا إلا الشجب والاستنكار والتحسر على حالنا بين من يتربص الغدر بنا، وبين من يخذل أمته لأجل راحته.
ولا حول ولا قوة إلا بالله.
العنوان: رد: من الماضي.
أرسل بواسطة: جواد في 2021-01-17, 18:35:41
تذكرة

أود أن أتذكر شيئا مما قرأت فهو ما كتبه محمد يوسف موسى في تقديم كتاب ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين للندوي..

إن المسلم لم يخلق ليندفع مع التيار ، ويساير الركب البشري حيث اتجه وسار ، بل خلق ليوجه العالم والمجتمع والمدينة ،
ويفرض على البشرية اتجاهه ، ويملي عليها إرادته ، لأنه صاحب الرسالة وصاحب العلم اليقين .
ولأنه المسؤول عن هذا العالم وسيره واتجاهه . فليس مقامه مقام التقليد والإتباع إن مقامه مقام الإمامة و القيادة ومقام الإرشاد والتوجيه ، ومقام الآمر الناهي .

وإذا تنكر له الزمام ، وعصاه المجتمع وانحرف عن الجادة ، لم يكن له أن يستسلم ويخضع ويضع أوزاره ويسالم الدهر ، بل عليه أن يثور عليه وينازله ، ويظل في صراع معه وعراك ، حتى يقضي الله في أمره .

إن الخضوع والاستكانة للأحوال القاسرة والأوضاع القاهرة ، ولاعتذار بالقضاء والقدر من شأن الضعفاء والأقزام . أما المؤمن القوي فهو بنفسه قضاء الله الغالب وقدره الذي لا يرد.

اسأل الله أن يلهمنا رشدنا وأن يعيذنا من شر أنفسنا.
العنوان: رد: من الماضي.
أرسل بواسطة: ماما هادية في 2021-02-25, 19:23:53
السلام عليكم ورحمة الله
شعرت ان مداخلتي السابقة أسيء فهمها، هذا ما ظهر لي من تساؤل جواد الذي تلاه.
بالتأكيد العمل للمجتمع والأمة واجب على كل فرد، وينبغي ان تترافق رحلة الافاق مع رحلة الاعماق. ولكنني كنت اتحدث عن الحساب يوم القيامة انه فردي، فيوم القيامة يأتي النبي ومعه الرهط وياتي النبي ومعه رجل ورجلان وياتي النبي وليس معه أحد ، ولا ينقص ذلك منهم شيئاً،  واستشهد كثير من المسلمين تحت وطأة التعذيب ولم يروا نصرا ولا تمكينا، واستشهد المؤمنون في الأخدود ولم يغيروا ( بحسب الظاهر) من حال الأمة شيئاً. ولكنهم فازوا يوم القيامة .
فالمؤمن يعمل على اصلاح نفسه وعائلته ومجتمعه وامته، لا يكل ولا يمل  ولا ييأس وان لم ير نتيجة، وان هدم الاخرون عمله وبدا له انه لا فائدة ترجى. لان الثمار الحقيقية عند الله وحده،. يظهرها متى شاء، ويحجبها اذا شاء،. وكل شيء عنده بمقدار.
هذه المفاهيم ينبغي ان نعززها في هذه الاجيال التي اصيبت بالاحباط نتيجة للهزائم المتوالية،  حتى ننتشلها من حال القنوط، والذي قد يتحول ببعضهم الى اعتراض وسخط ومن ثم كفر والعياذ بالله.

هذا وقرأت بقية الموضوع واستفدت منه. جزاكم الله خيرا
العنوان: رد: من الماضي.
أرسل بواسطة: جواد في 2021-02-26, 05:59:20
السلام عليكم ورحمة الله
شعرت ان مداخلتي السابقة أسيء فهمها، هذا ما ظهر لي من تساؤل جواد الذي تلاه.
بالتأكيد العمل للمجتمع والأمة واجب على كل فرد، وينبغي ان تترافق رحلة الافاق مع رحلة الاعماق. ولكنني كنت اتحدث عن الحساب يوم القيامة انه فردي، فيوم القيامة يأتي النبي ومعه الرهط وياتي النبي ومعه رجل ورجلان وياتي النبي وليس معه أحد ، ولا ينقص ذلك منهم شيئاً،  واستشهد كثير من المسلمين تحت وطأة التعذيب ولم يروا نصرا ولا تمكينا، واستشهد المؤمنون في الأخدود ولم يغيروا ( بحسب الظاهر) من حال الأمة شيئاً. ولكنهم فازوا يوم القيامة .
فالمؤمن يعمل على اصلاح نفسه وعائلته ومجتمعه وامته، لا يكل ولا يمل  ولا ييأس وان لم ير نتيجة، وان هدم الاخرون عمله وبدا له انه لا فائدة ترجى. لان الثمار الحقيقية عند الله وحده،. يظهرها متى شاء، ويحجبها اذا شاء،. وكل شيء عنده بمقدار.
هذه المفاهيم ينبغي ان نعززها في هذه الاجيال التي اصيبت بالاحباط نتيجة لله ائم المتوالية،  حتى ننتشلها من حال القنوط، والذي قد يتحول ببعضهم الى اعتراض وسخط ومن ثم كفر والعياذ بالله.

هذا وقرأت بقية الموضوع واستفدت منه. جزاكم الله خيرا

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته،

أنا أسأل لأني لا أعرف الإجابة!. لم يكن سؤالي استنكارا أو فهما بطريقة معينة. إنما محاولة للاستفاضة في تفاصيل السؤال.

جزاكم الله خيرا.
العنوان: رد: من الماضي.
أرسل بواسطة: جواد في 2022-05-29, 16:24:08
أما بعد !

حاولت كثيرا ألا أكتب مرة أخرى، لكن المشاهد التي أتعرض لها من يوم لآخر لا تدع لي مجالا للاستكانة، ولا تتركني أمضي في هدوء.

تسيطر علي هذه الأيام -ربما بحكم التقدم في العمر- خواطر البحث عن أصول الأشياء. فمعرفة أصل الداء أدعى في معالجته وعدم تضييع الجهد مع أعراض ثانوية.

أما الأعراض الثانوية، فهي موجة عنيفة من إنكار قواعد الدين ورفضها عقليا وطرح قواعد أخرى بديلة منسجمة مع توجهات المجتمع والحياة في زماننا.
وعلى مدى سنوات طويلة كان يتم التعامل مع هذه القضايا من باب الشبهات. فإذا عجز صاحب الشبهة عن الرد أو مواجهة المجتمع الذي يهدده بوصم الكفر، لم يجد بدا من الصمت أو السخرية مع أقرانه من هؤلاء المتشدقين بالدين!

وفي الوقت الذي يظهر فيه أن المحاور قد انتصر على صاحب الشبهة وأفحمه بالحجة، يتكون جيب جديد في المجتمع لهؤلاء الذين لا يستطيعون المواجهة ولا يقبلون منطق الدين!

إلا أن المشكلة هنا ليست في بغض الدين بشكل مباشر، فلو تابعت أحدهم في حياته لوجدته حريص على الصيام أو الصلاة !
فما الذي يحدث ؟!
العنوان: رد: من الماضي.
أرسل بواسطة: فارس الشرق في 2022-07-16, 05:52:21
هل قواعد الدين يضعها الإنسان لكي يغيرها كيفما شاء ووقتما شاء..؟

العنوان: رد: من الماضي.
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2022-07-16, 08:32:42
أهلا بك أخي فارس الشرق
للأسف لا نملك المثابرة، وإلا فهذه جمعة إخوة مباركة، ونحن بحاجة لأن يفرغ أحدنا ما بجعبته، لأن يتساءل، لأن يستشير، ما رأيكم في محاولة العودة ؟ emo (30):

أخي جواد، لم أفهم جيدا طرحك الأخير، هل عن نفسك تتحدث أم عن تلك الفئة التي تخاف وصم الكفر. وعلى قولك "ما الذي يحدث"
العنوان: رد: من الماضي.
أرسل بواسطة: جواد في 2022-07-16, 18:59:05
هل قواعد الدين يضعها الإنسان لكي يغيرها كيفما شاء ووقتما شاء..؟



هلا ومرحبا أخي فارس. تساؤل هذا أم استنكار؟ :)

كنت قد بدأت هذا الموضوع لتسجيل مجموعة من المشاهد التي مررت بها بشكل مباشر لما لها من تأثير مباشر علي بشكل شخصي أو على الأمة بشكل عام.

ومداخلتي الأخيرة فيها تحول لمناقشة وجهة نظر شائعة في دائرة أبعد بعض الشيء عن دائرة الأخوة الأقرب في الفهم والتصور، ولكنها أكثر تأثيرا في محيطها للأسف..

أهلا بك أخي فارس الشرق
للأسف لا نملك المثابرة، وإلا فهذه جمعة إخوة مباركة، ونحن بحاجة لأن يفرغ أحدنا ما بجعبته، لأن يتساءل، لأن يستشير، ما رأيكم في محاولة العودة ؟ emo (30):

أخي جواد، لم أفهم جيدا طرحك الأخير، هل عن نفسك تتحدث أم عن تلك الفئة التي تخاف وصم الكفر. وعلى قولك "ما الذي يحدث"


أتحدث عن تلك الفئة أختي أسماء التي إما انغمست في الحياة الغربية حتى تطبعوا بطباعهم وطرق تفكيرهم، أو تعرضوا لصدمات عنيفة من أحداث عامة أو خاصة أدت لعداوة غير مباشرة مع الإسلام نفسه،
أو الذين حققوا نجاحات مادية كبيرة في مجالاتهم فانخدعوا في عقولهم وصارت هي المقياس الأوحد لكل شيء.

الملاحظ هنا أن هذه الفئة تظهر كثيرا عندي على تويتر، خاصة حين يعجب بها من في قائمة المتابعة من أصدقاء العمل بشكل عام.
واللافت للنظر أنهم غادروا فيسبوك لشدة المراقبة عليه من أهلهم وأصدقاء طفولتهم، في حين أن تويتر غالبا للصداقات المباشرة والاهتمامات المشتركة.

لهذا أحاول أن أفهم لماذا هذا التحول العنيف في مهاجمة الدين من معارف لم يكونوا من المتفلتين يوما!
العنوان: رد: من الماضي.
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2022-07-18, 11:51:09
نسأل الله العافية والسلامة أخي جواد..

هذه الأيام الأخيرة، تعرضت أخت لنا في الله لأزمة كبيرة، وهي من المواظبات على القرآن، ومن الساعيات لتحقيق أمر الله في أولادها، لنقل بما يسعها مع هذه المغريات والفتن والتحولات، لها ثلاث بنات من زواج ثان بعد طلاقها، تفطّنت اثنتان منهنّ لأختهنّ وهي تكتب مدحا في نوال السعداوي، حدّ قولها أنها ولدت من جديد يوم عرفتها، تدرس علم نفس في الجامعة، وكان التخصص الذي جاهدت لأجله، توغلت في الفلاسفة وفي دعاوى التحرر، وكان حبها لدعاواهم دافعا لخوضها في الشبهات؛ وتقدّم حالها شيئا فشيئا، رغم أن تفطن أختيها كان داعيا لتأليب الأب والأم عليها، والبحث في سرّ ما كتبت، ومع ظهور علامات عليها، أهمها الثورة على "الذكورية"، بتحرئها على والدها حتى لو سألها أن تناوله شيئا، رفضت وقالت انها ليست له خادمة!!

وقد عقدتُ معها جلسة حوارية، بدت فيها مستمعة أكثر منها متكلمة، وكل ذلك تبين أنه كان ادعاء منها وتمويها، تبيّن منذ حوالي شهر حينما استغلت خروج أمها من البيت وبقاءها مع أصغر أخواتها لتهرب، وقد اقتتلت معها أختها حتى تمنعها، ولكنها هربت قفزا من سور البيت ! ... هربت وقد تبيّن بشكل يقارب الجزم أنها قد ألحدتْ، مما عرف من كلمات لها، وكذا من مخلّفات ملفات على الحاسوب وجدوها لها، كلها شبهات وطعن في الدين وفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونشدان للتحررمن ربقة المجتمع"الذكوري"  -عياذا بالله وسؤال الثبات على دينه-

حاولت اختصار قصتها...ما أردت قوله، وما استنتجته أسرتها، أنها كانت مهيأة منذ سنوات بعيدة لهذه الحال، كانت تنظر لنمط عيشنا على أن فيه من التقييد والكبت وعدم التحرر ...خاصة من ناحية ما يسمونه التسلط الذكوري، فقد غدت "نسوية" حتى النخاع.. تقول أمها أنها كانت خلاف أخواتها، كانت بتصرفات مختلفة تماما عنهن، كانت تعرف بالانزواء وبالتكبر على مفاهيمهم. وبنقدها للكثير من أمور الدين..وبوصفها لحالهم وفكرهم بالجمود(رغم انهن مثقفات ومتخرجات، الطبيبة والكيميائية ) حالة امها وأبيها تبعث على الشفقة...  صدمة غشت الأسرة...  ذهول وحيرة وحالة من العجز...  !

أقول... دور الأنترنت، دور مواقع الشبهات، ودعاوى التحرر، حبّ الانعتاق من المألوف ومن الموروث إلى فضاء التحرر دون قيد ولا شرط ... تكاثر هذه الدعاوى، وتكاثر منابرها، وتشجيعها لكل من لديه استعداد في نفسه بأقل المقدرات  ... الجهل بالدين وبمقاصده مع الظلم الذي لحق بالأصفياء والرصينين من أهل الدعوة، وتكبيل وتقييد حريات الحركات الدينية(مع كل مساوئها وهفواتها) ... 
إذن دعاة الفساد انتشروا ووجدوا لهم مساحات للانتشار وموارد للدعم المادي للتشجيع على استقطاب الشباب المسلم، بمعنى أن مغناطيس الفساد والإلحاد كبرت مساحة استقطابه، وصارت دعوى الانعتاق من الموروث والانطلاق في فضاء الحريات كلها، المعقولة وغير المعقولة، المؤطرة بالفطرة والخارجة عن الفطرة، كلها صارت ذات وزن في ظل انكماش كبير للعمل الدعوي الرصين الذي كبّل وقيّد وكُمّم ...

قبل سنوات من الآن كنت اقول للأخوات،  لا تستبعدن خطر دور الانترنت في التشبيه على الشباب، تحذرن وتوقّين أن يطال اولادكن شيء، لا تقلن أن الأمر بعيد عنكن،  فالموجة هادرة وتتمدد...  وبالفعل اليوم صرت أعاين حالات إلحاد قريبة،  كانت تعد من المستبعد والذي لا يخطر بالبال..
العنوان: رد: من الماضي.
أرسل بواسطة: جواد في 2022-07-19, 07:24:27
نسأل الله العافية والسلامة أخي جواد..

هذه الأيام الأخيرة، تعرضت أخت لنا في الله لأزمة كبيرة، وهي من المواظبات على القرآن، ومن الساعيات لتحقيق أمر الله في أولادها، لنقل بما يسعها مع هذه المغريات والفتن والتحولات، لها ثلاث بنات من زواج ثان بعد طلاقها، تفطّنت اثنتان منهنّ لأختهنّ وهي تكتب مدحا في نوال السعداوي، حدّ قولها أنها ولدت من جديد يوم عرفتها، تدرس علم نفس في الجامعة، وكان التخصص الذي جاهدت لأجله، توغلت في الفلاسفة وفي دعاوى التحرر، وكان حبها لدعاواهم دافعا لخوضها في الشبهات؛ وتقدّم حالها شيئا فشيئا، رغم أن تفطن أختيها كان داعيا لتأليب الأب والأم عليها، والبحث في سرّ ما كتبت، ومع ظهور علامات عليها، أهمها الثورة على "الذكورية"، بتحرئها على والدها حتى لو سألها أن تناوله شيئا، رفضت وقالت انها ليست له خادمة!!

وقد عقدتُ معها جلسة حوارية، بدت فيها مستمعة أكثر منها متكلمة، وكل ذلك تبين أنه كان ادعاء منها وتمويها، تبيّن منذ حوالي شهر حينما استغلت خروج أمها من البيت وبقاءها مع أصغر أخواتها لتهرب، وقد اقتتلت معها أختها حتى تمنعها، ولكنها هربت قفزا من سور البيت ! ... هربت وقد تبيّن بشكل يقارب الجزم أنها قد ألحدتْ، مما عرف من كلمات لها، وكذا من مخلّفات ملفات على الحاسوب وجدوها لها، كلها شبهات وطعن في الدين وفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونشدان للتحررمن ربقة المجتمع"الذكوري"  -عياذا بالله وسؤال الثبات على دينه-

حاولت اختصار قصتها...ما أردت قوله، وما استنتجته أسرتها، أنها كانت مهيأة منذ سنوات بعيدة لهذه الحال، كانت تنظر لنمط عيشنا على أن فيه من التقييد والكبت وعدم التحرر ...خاصة من ناحية ما يسمونه التسلط الذكوري، فقد غدت "نسوية" حتى النخاع.. تقول أمها أنها كانت خلاف أخواتها، كانت بتصرفات مختلفة تماما عنهن، كانت تعرف بالانزواء وبالتكبر على مفاهيمهم. وبنقدها للكثير من أمور الدين..وبوصفها لحالهم وفكرهم بالجمود(رغم انهن مثقفات ومتخرجات، الطبيبة والكيميائية ) حالة امها وأبيها تبعث على الشفقة...  صدمة غشت الأسرة...  ذهول وحيرة وحالة من العجز...  !

أقول... دور الأنترنت، دور مواقع الشبهات، ودعاوى التحرر، حبّ الانعتاق من المألوف ومن الموروث إلى فضاء التحرر دون قيد ولا شرط ... تكاثر هذه الدعاوى، وتكاثر منابرها، وتشجيعها لكل من لديه استعداد في نفسه بأقل المقدرات  ... الجهل بالدين وبمقاصده مع الظلم الذي لحق بالأصفياء والرصينين من أهل الدعوة، وتكبيل وتقييد حريات الحركات الدينية(مع كل مساوئها وهفواتها) ... 
إذن دعاة الفساد انتشروا ووجدوا لهم مساحات للانتشار وموارد للدعم المادي للتشجيع على استقطاب الشباب المسلم، بمعنى أن مغناطيس الفساد والإلحاد كبرت مساحة استقطابه، وصارت دعوى الانعتاق من الموروث والانطلاق في فضاء الحريات كلها، المعقولة وغير المعقولة، المؤطرة بالفطرة والخارجة عن الفطرة، كلها صارت ذات وزن في ظل انكماش كبير للعمل الدعوي الرصين الذي كبّل وقيّد وكُمّم ...

قبل سنوات من الآن كنت اقول للأخوات،  لا تستبعدن خطر دور الانترنت في التشبيه على الشباب، تحذرن وتوقّين أن يطال اولادكن شيء، لا تقلن أن الأمر بعيد عنكن،  فالموجة هادرة وتتمدد...  وبالفعل اليوم صرت أعاين حالات إلحاد قريبة،  كانت تعد من المستبعد والذي لا يخطر بالبال..

إنا لله وإنا إليه راجعون، نسأل الله العفو والعافية في الدنيا واﻵخرة.

هذا عين ما أتحدث عنه اﻵن، وإن كانت المشاهد من حولي لم تصل بعد لهذه المرحلة الخطيرة، وإن كنت لا أستبعد أن الفارق ربما فقط بسبب اختلاف الجيل!
فمهما كان لا يزال جيل الثمانينات يحاول المحافظة على خيط رفيع بينه وبين أقاربه وأهله، في حين الأجيال الصغيرة أكثر جرأة وعنفا في مواجهة مجتمعاتهم.

لكني أتساءل هنا، هل ما يحدث فعلا هو بسبب الإنترنت والشبهات الملقاة عليه؟
أحسب أن هذه هي الحلقة الأخيرة، وأن الأمر أكثر عمقا بكثير. كذلك لم أعد أحسب أن الجلسات الحوارية والحلول التي ألفنا عليها سابقا تناسب التغييرات الضخمة التي نعيشها في السنوات الأخيرة.

والأمر كما قلتم ليس ببعيد عن أي بيت، فالمجتمع كله في حالة من التحول والانتقال لتبني قناعات جديدة، والإنترنت ما هو إلا عامل حفاز لا أكثر..
العنوان: رد: من الماضي.
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2022-07-19, 10:46:29
الأنترنت عامل محفز ودافع كبير بنظري، وليس صغيرا، نعم الخميرة موجودة، كما قلت عن حال الشابة، وهي التي كانت أصلا ذات استعداد، ثم الأنترنت سهّلت بشكل كبير، من بيتك تتصل وتُشحَن، وتؤيَّد على ما تفعل، وتتصل بالهيئات الدولية للإلحاد ولتشجيع الملحدين واستقطابهم، من البيت يتصل الشاب بهذه الهيئات، وتيسّر له الانطلاق، وقد تفتح له باب الهجرة ليكون واحدا من أيقونات الخروج عن الموروث في البلاد الإسلامية، وتفتح له القنوات أبوابها، كما تفعل قناة france24 مثلا، وهي التي تستدعي هؤلاء الشباب وتصوّرهم أبطالا انعتقوا من ربقة الفكر الجامد في البلاد الإسلامية، ولتصوّرهم بصورة المتحدّين لجمود الدين وظلم الدين...! كل هذا تفعله الأنترنت في بيت بسيط لأسرة بسيطة في مجتمع مسلم ما يزال يحافظ على أساسيات وإن كانت شرارات التفتح بدأت تنتشر فيه !

الجلسات الحوارية لم تعد تنفع ... نعم هذا ما أريد حقا البحث عنه، ما الذي أصبح يُجدي مع هذه الحالات، أو لنقل مع استباق لها في أنفس الشباب، ما الذي يجب علينا فعله ؟ ماذا نستطيع نحن أن نفعل معهم ؟؟ هناك منصات تكوين جادة من مثل منصة "المُحاور" ومنصات شبيهة، تعمل بجدّ في تكوين شباب محصّن ضدّ الشبهات، وقد ازداد عددها، وهو انتشار محمود مبارك، وألاحظ عددا من الشباب الذي أعرفه ويتابع صفحتي، متابعة لهم وتكوّنا، ولكن تبقى غير كافية.. ما الذي نستطيع فعله حقا ؟؟ أسأل بجِدّ ..
العنوان: رد: من الماضي.
أرسل بواسطة: جواد في 2022-07-19, 15:33:02
السؤال الأهم هنا من وجهة نظري هو "ما الذي يحدث؟"
فهمنا لما يحدث على الحقيقة وليس ما تسبقنا إليه خبراتنا المسبقة هو التحدي الأكبر، والله أعلم. فجهودنا قد تأتي برد فعل معاكس لأنها قد تغذي النار دون أن ندري!

ما توصلت إليه -حتى اﻵن- أن الإنترنت وفر خيارات أكثر إيجابية وتماشيا مع أهواء النفس أو صادف جروحا تنزف ولم يلتفت لمداواتها أحد! لكنه الحلقة الأضعف بين الأسباب المختلفة.

حين ننظر للصورة الكبيرة نجد أن هناك عوامل رئيسية كلما اجتمع أكبر عدد منها كلما زادت احتمالية الإنحراف في العقيدة -عافانا الله وإياكم-.
وليست لدي صورة واضحة بعد، لكني أحاول أن أكتب كلما اتضح لي جزء منها.

وربما أبدأ بالعامل الأول وهو تفكك الأسرة.
وتفكك الأسرة لا يعني بالضرورة الطلاق، بل له صور كثيرة، إحداها الطلاق بملابسات معينة.

يتبع إن شاء الله.
العنوان: رد: من الماضي.
أرسل بواسطة: جواد في 2022-07-22, 08:52:29
على الرغم من أن مشكلة تفكك الأسرة تبدوا كلاسيكية للغاية، إلا أنني أرى أثرها دوما في كل حالة عاصرتها فيمن حولي.

المشكلة تبدأ من ضعف الرابط الحقيقي بين الأبوين وأبنائهما، فالعلاقة إما أشبه بحمل ثقيل على الأبوين يحاولان صرفه في أسرع وقت والعودة لاهتماماتها الشخصية،
وإما علاقة سيطرة وابتزاز لعاطفة الطفل -الذي يبحث عن حب الأبوين- بفرض الإملاءات والأوامر وصرف اهتمامات الطفل وأفكاره مهما كانت. فيشعر وكأنه لا قيمة لذاته وإنما لما يحققه من إنجازات يباركها أبويه.

في الحالتين يجد الطفل نفسه كاﻵلة التي يتم تغذيتها وتشغيلها لغرض المنتج الذي يريده أبواه -بوصاية المجتمع- دون أدنى اعتبار لحاجة الطفل النفسية أو الفكرية.

تبقى هنا حالة فريدة لم أجد لها تفسيرا سهلا، وهي الطفل الذي نشأ في بيت متدين يجهتد فيه أبواه في تربيته بأفضل ما يستطيعون، فهذا لا يشكل الحصانة اللازمة أيضا ضد الانحرافات العقدية العنيفة!
تبقى هذه الحالة الأقل انتشارا، لكننا لا نعرف بعد كيف سيكون الأمر في جيل الأحفاد إذن ! فصعوبة المشاكل الفكرية في أنها خادعة في توقيتها، وما زرع اليوم قد يأتي حصاده بعد عقود..

على كل حال، فما تمر به المجتمعات العربية في اﻵونة اﻵخيرة يظهر بوضوح أن فترة الحصاد قد حانت، وأن مرحلة جديدة من الفتن تحتاج لما هو أكثر من دروس الدين.

كذلك فإن نموذج الأسرة القائم حاليا في مجتمعاتنا يتحول تدريجيا للنظام الغربي بشكل متسارع! فالهم الأوحد للتربية والتعليم وحتى الأنشطة والهوايات هو تحصيل المادة والمركز الإجتماعي المرموق.
والأسرة التي يقوم رباطها على ذلك المبدأ هي في خطر عظيم، لأن تحصيل المال الحلال يزداد صعوبة مع الوقت، وتوجهات المجتمع صارت تدفع بالشباب من الجنسين لتبني أفكار معينة ليزداد قبولهم في الدوائر المرموقة ماليا واجتماعيا.

ومع الوقت يصبح التمسك بأفكار وقيم إسلامية معينة صعب للغاية، فيشعر الشباب بالغربة وبأن شيء ما خاطئ في الأفكار نفسها. ولا أحد لديه الوقت ليقدم الجواب الإيجابي على هذا السؤال.
ثم ما الفارق بين الأبوين المتدينين وغيرهما من اﻵباء؟
بعض الأخلاق والعبادات؟ هذه صار ينظر لأصحابها على أنهم يخفون ضعفهم وراءها، ومع محاربة الدعاة المخلصين وتلميع صور الناجحين في المال والشهرة، ينصرف الناس عن دعوة الدين وإجلال أصحابها.

ثم ماذا فعل أصحاب الدين لمجتمعاتهم؟ وماذا فعل الدين لهم؟
ألم يصبحوا منغلقين على أنفسهم في دوائر ليس لها أثر فعال في المجتمع؟ ألا يعيشون حياتهم كأي شخص آخر يبحث عن رغد العيش؟! بل إن وظائفهم قد تكون في أعمال ومؤسسات تعمل لحرب الدين بطريقة غير مباشرة في كثيرمن الأحيان.

تفكك الأسرة هنا يأخذ بعدا آخر غير الذي ألفناه من مشاكل بين الزوجين وسوء معاملة وإهمال.
البعد اﻵخر هنا هو غياب القدوة والقضية التي تشكل رابطا بين الأجيال المختلفة، فلا تفتر علاقتهم ولا يتحول التواصل بين جيل اﻵباء والأبناء لمجرد زيارات روتينية تقل مع مرور الوقت وازدياد مشاغل الحياة.

العامل المشترك الذي وجدته في أغلب دعوات التحرر من الدين هو وللمفارقة رفع راية الإيجابية والعمل لقضية كبرى!
وهو ما يستثير حس الشباب المولع بالتغيير، الباحث عن الإنتماء الذي افتقده في أسرته ومجتمعه، والراغب في أن يشعر بأهميته في الحياة بالعمل لشيء ما أكبر من تحصيل الطعام والشراب.

..
العنوان: رد: من الماضي.
أرسل بواسطة: ماما هادية في 2022-09-26, 20:22:53
نسأل الله العافية والسلامة أخي جواد..

هذه الأيام الأخيرة، تعرضت أخت لنا في الله لأزمة كبيرة، وهي من المواظبات على القرآن، ومن الساعيات لتحقيق أمر الله في أولادها، لنقل بما يسعها مع هذه المغريات والفتن والتحولات، لها ثلاث بنات من زواج ثان بعد طلاقها، تفطّنت اثنتان منهنّ لأختهنّ وهي تكتب مدحا في نوال السعداوي، حدّ قولها أنها ولدت من جديد يوم عرفتها، تدرس علم نفس في الجامعة، وكان التخصص الذي جاهدت لأجله، توغلت في الفلاسفة وفي دعاوى التحرر، وكان حبها لدعاواهم دافعا لخوضها في الشبهات؛ وتقدّم حالها شيئا فشيئا، رغم أن تفطن أختيها كان داعيا لتأليب الأب والأم عليها، والبحث في سرّ ما كتبت، ومع ظهور علامات عليها، أهمها الثورة على "الذكورية"، بتحرئها على والدها حتى لو سألها أن تناوله شيئا، رفضت وقالت انها ليست له خادمة!!

وقد عقدتُ معها جلسة حوارية، بدت فيها مستمعة أكثر منها متكلمة، وكل ذلك تبين أنه كان ادعاء منها وتمويها، تبيّن منذ حوالي شهر حينما استغلت خروج أمها من البيت وبقاءها مع أصغر أخواتها لتهرب، وقد اقتتلت معها أختها حتى تمنعها، ولكنها هربت قفزا من سور البيت ! ... هربت وقد تبيّن بشكل يقارب الجزم أنها قد ألحدتْ، مما عرف من كلمات لها، وكذا من مخلّفات ملفات على الحاسوب وجدوها لها، كلها شبهات وطعن في الدين وفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونشدان للتحررمن ربقة المجتمع"الذكوري"  -عياذا بالله وسؤال الثبات على دينه-

حاولت اختصار قصتها...ما أردت قوله، وما استنتجته أسرتها، أنها كانت مهيأة منذ سنوات بعيدة لهذه الحال، كانت تنظر لنمط عيشنا على أن فيه من التقييد والكبت وعدم التحرر ...خاصة من ناحية ما يسمونه التسلط الذكوري، فقد غدت "نسوية" حتى النخاع.. تقول أمها أنها كانت خلاف أخواتها، كانت بتصرفات مختلفة تماما عنهن، كانت تعرف بالانزواء وبالتكبر على مفاهيمهم. وبنقدها للكثير من أمور الدين..وبوصفها لحالهم وفكرهم بالجمود(رغم انهن مثقفات ومتخرجات، الطبيبة والكيميائية ) حالة امها وأبيها تبعث على الشفقة...  صدمة غشت الأسرة...  ذهول وحيرة وحالة من العجز...  !

أقول... دور الأنترنت، دور مواقع الشبهات، ودعاوى التحرر، حبّ الانعتاق من المألوف ومن الموروث إلى فضاء التحرر دون قيد ولا شرط ... تكاثر هذه الدعاوى، وتكاثر منابرها، وتشجيعها لكل من لديه استعداد في نفسه بأقل المقدرات  ... الجهل بالدين وبمقاصده مع الظلم الذي لحق بالأصفياء والرصينين من أهل الدعوة، وتكبيل وتقييد حريات الحركات الدينية(مع كل مساوئها وهفواتها) ... 
إذن دعاة الفساد انتشروا ووجدوا لهم مساحات للانتشار وموارد للدعم المادي للتشجيع على استقطاب الشباب المسلم، بمعنى أن مغناطيس الفساد والإلحاد كبرت مساحة استقطابه، وصارت دعوى الانعتاق من الموروث والانطلاق في فضاء الحريات كلها، المعقولة وغير المعقولة، المؤطرة بالفطرة والخارجة عن الفطرة، كلها صارت ذات وزن في ظل انكماش كبير للعمل الدعوي الرصين الذي كبّل وقيّد وكُمّم ...

قبل سنوات من الآن كنت اقول للأخوات،  لا تستبعدن خطر دور الانترنت في التشبيه على الشباب، تحذرن وتوقّين أن يطال اولادكن شيء، لا تقلن أن الأمر بعيد عنكن،  فالموجة هادرة وتتمدد...  وبالفعل اليوم صرت أعاين حالات إلحاد قريبة،  كانت تعد من المستبعد والذي لا يخطر بالبال..




السلام عليكم ورحمة الله
هذه القصة المؤلمة يا أسماء.. هل شعرت أنه كان ثمة تقصير من الأبوين نحو هذه الابنة أدى لهذه النتيجة المرة؟ أم أنه كابتلاء سيدنا نوح بابنه؟؟

 يؤرقني هذا السؤال كثيرا
العنوان: رد: من الماضي.
أرسل بواسطة: ماما هادية في 2022-09-26, 20:33:38
بسم الله الرحمن الرحيم
إذا أردنا أن نركز على السبب الجوهري، لا على الأعراض الجانبية ومعالجتها، فأنا بت أعتنق شيئا فشيئا الرأي الذي لفت نظري له لأول مرة الاستاذ محمد إلهامي.. وهو أن التغيير الصحيح النافع يأتي من القمة لا من القاعدة.. فإذا صلح الرأس صلح الجسد.. وإذا بقي الرأس فاسدا، فمهما أصلحنا من الأطراف، فسرعان ما سيدب لها الفساد... وقد استشهد بسورة النصر (إذا جاء نصر الله والفتح، ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا) فالدخول في دين الله افواجا يعقب النصر والتمكين لجند الله... ويدل على ذلك من السيرة النبوية المطهرة ارتداد العرب بعد موت رسول الله صلى الله عليه وسلم، حين ظنوا أن الدين صار بلا رأس.. فلما ظهرت عزيمة الصديق وقوته وحزمه، عادوا بالقوة إلى حظيرة الدين، ثم حسن اسلام اكثرهم وصار من الفاتحين والمجاهدين والشهداء..

ولكن... ماذا علينا أن نفعل؟
 في ظل عصر الاستضعاف والفتن، فلعلنا نعذر إلى الله تعالى بأن ننقذ من نستطيع انقاذه من افراد، كل بحسب طاقته ووسعه، ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها. وقد ضرب الله تعالى لهذا مثلا من الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكرفي القرية التي كانت حاضرة البحر (قالوا معذرة إلى ربكم ولعلهم يتقون) فقبل الله تعالى منهم هذا ونجاهم من عذابه بجهدهم هذا الذي لم يثمر شيئا في الدنيا (أنجينا الذين ينهون عن السوء) لكنه نجاهم يوم المعاد.
ولئن يهدي بك الله رجلا واحدا خير لك من حمر النعم

نسأل الله تعالى السلامة والنجاة


العنوان: رد: من الماضي.
أرسل بواسطة: حازرلي أسماء في 2022-09-27, 14:07:28
السلام عليكم ورحمة الله
هذه القصة المؤلمة يا أسماء.. هل شعرت أنه كان ثمة تقصير من الأبوين نحو هذه الابنة أدى لهذه النتيجة المرة؟ أم أنه كابتلاء سيدنا نوح بابنه؟؟

 يؤرقني هذا السؤال كثيرا

[/quote]

لا أظنّ أن هناك ذاك التقصير الذي يؤدي إلى حالها، بل هو ابتلاء، فأمّها بفضل الله محبة للدين وللقرآن، وبنتاها الأخريان سالمتان بفضل الله؛ وقد قدّر الله تعالى أن أقرأ من وِردي اليوم قوله تعالى : "وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَّكُمَا أَتَعِدَانِنِي أَنْ أُخْرَجَ وَقَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ مِن قَبْلِي وَهُمَا يَسْتَغِيثَانِ اللَّهَ وَيْلَكَ آمِنْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَيَقُولُ مَا هَٰذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (17)"

تأملي كيف أنهما يستغيثان الله له، ويدعوانه أن يؤمن، فيصوّرهما سبحانه في كرب عظيم بما كان من ابنهما، ولا أحسب إلا أن أمثال هذين الأبوين يتكرران عبر الزمن، فهما على إيمانهما قد ابتُليا بابن كافر، نسأل الله الثبات والسلامة حتى نلقاه سبحانه.
العنوان: رد: من الماضي.
أرسل بواسطة: جواد في 2022-09-27, 20:01:16
بسم الله الرحمن الرحيم
إذا أردنا أن نركز على السبب الجوهري، لا على الأعراض الجانبية ومعالجتها، فأنا بت أعتنق شيئا فشيئا الرأي الذي لفت نظري له لأول مرة الاستاذ محمد إلهامي.. وهو أن التغيير الصحيح النافع يأتي من القمة لا من القاعدة.. فإذا صلح الرأس صلح الجسد.. وإذا بقي الرأس فاسدا، فمهما أصلحنا من الأطراف، فسرعان ما سيدب لها الفساد... وقد استشهد بسورة النصر (إذا جاء نصر الله والفتح، ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا) فالدخول في دين الله افواجا يعقب النصر والتمكين لجند الله... ويدل على ذلك من السيرة النبوية المطهرة ارتداد العرب بعد موت رسول الله صلى الله عليه وسلم، حين ظنوا أن الدين صار بلا رأس.. فلما ظهرت عزيمة الصديق وقوته وحزمه، عادوا بالقوة إلى حظيرة الدين، ثم حسن اسلام اكثرهم وصار من الفاتحين والمجاهدين والشهداء..

ولكن... ماذا علينا أن نفعل؟
 في ظل عصر الاستضعاف والفتن، فلعلنا نعذر إلى الله تعالى بأن ننقذ من نستطيع انقاذه من افراد، كل بحسب طاقته ووسعه، ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها. وقد ضرب الله تعالى لهذا مثلا من الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكرفي القرية التي كانت حاضرة البحر (قالوا معذرة إلى ربكم ولعلهم يتقون) فقبل الله تعالى منهم هذا ونجاهم من عذابه بجهدهم هذا الذي لم يثمر شيئا في الدنيا (أنجينا الذين ينهون عن السوء) لكنه نجاهم يوم المعاد.
ولئن يهدي بك الله رجلا واحدا خير لك من حمر النعم

نسأل الله تعالى السلامة والنجاة


مداخلة دسمة على قصرها !

بداية، كما تعلمون فهناك فارق كبير بين معنى التغيير من القمة وبين أن القائد الصالح الذي يجمع الناس هو من أسباب النصر والتمكين.
وقد رأينا في تجربة مصر أن د. مرسي والذي نحسبه من الصالحين لم يستطع أن يقيم الأمر في مصر لأن المجتمع قد ألف الفساد وافتقد لدعم القاعدة.
كذلك، فإن القمة الفاسدة تحيط نفسها بمستويات عديدة من الفاسدين، فلا يصل للسلطة الحقيقية والتأثير إلا من على شاكلتهم في غالب الأمر،
ومن يكتشف صلاح أمره بينهم إما تلفيق التهم والسجن، او الإرغام على التقاعد أو التنحي بشكل أو بآخر. وهذا أيضا شواهده حولنا في كل مكان.

إذن فافتراض أن التغيير لن يتم إلا من القمة هو حكم باستحالة التغيير! فحتى مع افتراض الوصول لها، فلا قيمة لهذا الوصول دون أدوات سلطة حقيقة.
أدوات السلطة هنا لا تتوقف عند جيش وشرطة فقط، بل تتعداهما للإعلام والاقنصاد، وبعد كل هذا قد ينهار كل شيء إذا لم تصمد القاعدة أمام التحديات التي سيأتي بها التغيير!

وأما سورة النصر، فهي حقيقة اثبات على عكس ما يقول الأستاذ محمد إلهامي! فسورة النصر تصف موقفا سبقه الكثير من العمل على القاعدة وأدوات السلطة.

نأتي لسؤال ماذا علينا أن نفعل،
بالتأكيد لا توجد إجابة نموذجية لهذا السؤال! فكل منا له شخصيته وظروفه والكثير من المتغيرات التي تؤثر على هذا الجواب.
لكني لم أتوقف عن التفكير في هذا السؤال طوال العشرين سنة الماضية! وكل ما استطعت أن أخرج به أن النجاة الفردية لا تقل صعوبة عن العمل لنجاة الجماعة!

وقد أصابتني حيرة شديدة في العامين السابقين وأنا أحاول أن أقنع نفسي بأن النجاة الفردية هي الحل في هذا الزمان، وأن الإنسان يسعه بيته واجتهاده في النجاة بنفسه.
لكني فوجئت أنني أتحدث عن النجاة الفردية وكأنها إرادة شخصية محضة!
وحين تفكرت في الأمر لشهور عديدة، أيقنت ان النجاة هي منحة وكرم من الله تعالى، وأنه مهما كان المسار الذي أسير فيه فلا ضمان للنجاة ولا أمان للنفس أمام الفتن!

ما خلصت إليه في النهاية هو أن الله تعالى كتب لكل إنسان وسعه، وأن العبرة هو أن يستنفذ كل منا وسعه في العمل لدين الله، متجردا من هوى نفسه ومخلصا لله وحده.
العنوان: رد: من الماضي.
أرسل بواسطة: جواد في 2022-10-14, 09:14:52
بذور الدنيا

استكمالا للنتائج التي تترتب على التفكك الفكري والعملي للأسرة، وحيث أني عاصرت كثيرا منها مؤخرا، فقد تأكدت ظنوني السابقة منذ سنوات قبل أن أخوض معركة الأسرة.

لا أدري لماذا يعترينا جبن شديد تجاه مكاشفة أنفسنا والإقرار بما برهنت عليه بالفعل رغباتنا الدفينة على مر السنين! فصوت الشهوات والانغماس في الدنيا لا يعلوه صوت في مجتمعاتنا!
لماذا إذن الاصرار على أن مساراتنا الحياتية التي سلكناها هي مسار الدين والتدين، وأن أي ادعاء بإمكانية الوصول لما هو أفضل هو مجرد كلام نظري غير قابل للتطبيق؟!

لا أجد تفسيرا منطقيا غير أن بذور الدنيا داخلنا أعمق مما نظن، وأن نباتها وإن اختلف لونه عن بذور الدنيا الأخرى من حولنا، إلا أنها تحتفظ بعوامل الانهيار في داخلها نورثها لأبنائنا من بعدنا.

شاءت الأقدار أن أجد نفسي في مسار لا أجد لأطفالي فيه غير مدارس الانترناشيونال (الإسلامي على حد زعمهم)، فهم على الرغم أنهم في بلد مسلم، إلا أنه لا يتحدث العربية ولا يعتبرها لغة يعتد بها.
وعلى الرغم أن القائمين على المدرسة من العرب أصحاب الفكر الديني، إلا أن ما شاهدته من طرق التواصل مع الأطفال أصابني بهم وغم شديدين..

تأكد لي ما كنت أخشاه من قبل، فكثير مما يوصف ب (إسلامي) من منتجات في زماننا، لا يعدوا كونه علامة تسويقية لفئة من الناس تهتم بأن تريح ضمائرها حين ترى العلامة على المنتجات التي تشتريها.
ولا أدري هل هناك من يهتم حقا بالمعنى وراء تلك العلامة ومدى تحققه أم لا، لكني لم أعد أستغرب ما يحدث اﻵن، فنحن أنفسنا نستخدم نفس العلامة على أفكارنا لنهرب من حقيقة أننا لا نستطيع مقاومة الدنيا وشهواتها. ودوما هناك طريق ملتوي نستطيع منه الوصول لتلك العلامة مع تحصيل ما تهواه أنفسنا دون نقصان.

وقد علمنا يقينا أن من تكون هذه صفتهم، فاستبدالهم قادم لا محالة، وإنا لله وإنا إليه راجعون.
العنوان: رد: من الماضي.
أرسل بواسطة: ماما هادية في 2022-11-20, 16:27:55


مداخلة دسمة على قصرها !

بداية، كما تعلمون فهناك فارق كبير بين معنى التغيير من القمة وبين أن القائد الصالح الذي يجمع الناس هو من أسباب النصر والتمكين.
وقد رأينا في تجربة مصر أن د. مرسي والذي نحسبه من الصالحين لم يستطع أن يقيم الأمر في مصر لأن المجتمع قد ألف الفساد وافتقد لدعم القاعدة.
كذلك، فإن القمة الفاسدة تحيط نفسها بمستويات عديدة من الفاسدين، فلا يصل للسلطة الحقيقية والتأثير إلا من على شاكلتهم في غالب الأمر،
ومن يكتشف صلاح أمره بينهم إما تلفيق التهم والسجن، او الإرغام على التقاعد أو التنحي بشكل أو بآخر. وهذا أيضا شواهده حولنا في كل مكان.

إذن فافتراض أن التغيير لن يتم إلا من القمة هو حكم باستحالة التغيير! فحتى مع افتراض الوصول لها، فلا قيمة لهذا الوصول دون أدوات سلطة حقيقة.
أدوات السلطة هنا لا تتوقف عند جيش وشرطة فقط، بل تتعداهما للإعلام والاقنصاد، وبعد كل هذا قد ينهار كل شيء إذا لم تصمد القاعدة أمام التحديات التي سيأتي بها التغيير!

وأما سورة النصر، فهي حقيقة اثبات على عكس ما يقول الأستاذ محمد إلهامي! فسورة النصر تصف موقفا سبقه الكثير من العمل على القاعدة وأدوات السلطة.

نأتي لسؤال ماذا علينا أن نفعل،
بالتأكيد لا توجد إجابة نموذجية لهذا السؤال! فكل منا له شخصيته وظروفه والكثير من المتغيرات التي تؤثر على هذا الجواب.
لكني لم أتوقف عن التفكير في هذا السؤال طوال العشرين سنة الماضية! وكل ما استطعت أن أخرج به أن النجاة الفردية لا تقل صعوبة عن العمل لنجاة الجماعة!

وقد أصابتني حيرة شديدة في العامين السابقين وأنا أحاول أن أقنع نفسي بأن النجاة الفردية هي الحل في هذا الزمان، وأن الإنسان يسعه بيته واجتهاده في النجاة بنفسه.
لكني فوجئت أنني أتحدث عن النجاة الفردية وكأنها إرادة شخصية محضة!
وحين تفكرت في الأمر لشهور عديدة، أيقنت ان النجاة هي منحة وكرم من الله تعالى، وأنه مهما كان المسار الذي أسير فيه فلا ضمان للنجاة ولا أمان للنفس أمام الفتن!

ما خلصت إليه في النهاية هو أن الله تعالى كتب لكل إنسان وسعه، وأن العبرة هو أن يستنفذ كل منا وسعه في العمل لدين الله، متجردا من هوى نفسه ومخلصا لله وحده.

كلام جميل
يستحق التفكير والتدبر
العنوان: رد: من الماضي.
أرسل بواسطة: ماما هادية في 2022-11-20, 16:31:30
بذور الدنيا

استكمالا للنتائج التي تترتب على التفكك الفكري والعملي للأسرة، وحيث أني عاصرت كثيرا منها مؤخرا، فقد تأكدت ظنوني السابقة منذ سنوات قبل أن أخوض معركة الأسرة.

لا أدري لماذا يعترينا جبن شديد تجاه مكاشفة أنفسنا والإقرار بما برهنت عليه بالفعل رغباتنا الدفينة على مر السنين! فصوت الشهوات والانغماس في الدنيا لا يعلوه صوت في مجتمعاتنا!
لماذا إذن الاصرار على أن مساراتنا الحياتية التي سلكناها هي مسار الدين والتدين، وأن أي ادعاء بإمكانية الوصول لما هو أفضل هو مجرد كلام نظري غير قابل للتطبيق؟!

لا أجد تفسيرا منطقيا غير أن بذور الدنيا داخلنا أعمق مما نظن، وأن نباتها وإن اختلف لونه عن بذور الدنيا الأخرى من حولنا، إلا أنها تحتفظ بعوامل الانهيار في داخلها نورثها لأبنائنا من بعدنا.

شاءت الأقدار أن أجد نفسي في مسار لا أجد لأطفالي فيه غير مدارس الانترناشيونال (الإسلامي على حد زعمهم)، فهم على الرغم أنهم في بلد مسلم، إلا أنه لا يتحدث العربية ولا يعتبرها لغة يعتد بها.
وعلى الرغم أن القائمين على المدرسة من العرب أصحاب الفكر الديني، إلا أن ما شاهدته من طرق التواصل مع الأطفال أصابني بهم وغم شديدين..

تأكد لي ما كنت أخشاه من قبل، فكثير مما يوصف ب (إسلامي) من منتجات في زماننا، لا يعدوا كونه علامة تسويقية لفئة من الناس تهتم بأن تريح ضمائرها حين ترى العلامة على المنتجات التي تشتريها.
ولا أدري هل هناك من يهتم حقا بالمعنى وراء تلك العلامة ومدى تحققه أم لا، لكني لم أعد أستغرب ما يحدث اﻵن، فنحن أنفسنا نستخدم نفس العلامة على أفكارنا لنهرب من حقيقة أننا لا نستطيع مقاومة الدنيا وشهواتها. ودوما هناك طريق ملتوي نستطيع منه الوصول لتلك العلامة مع تحصيل ما تهواه أنفسنا دون نقصان.

وقد علمنا يقينا أن من تكون هذه صفتهم، فاستبدالهم قادم لا محالة، وإنا لله وإنا إليه راجعون.

هلا تكرمت بشرح فكرتك هنا بشكل أكثر تفصيلا
العنوان: رد: من الماضي.
أرسل بواسطة: جواد في 2022-12-01, 05:59:07
بذور الدنيا

استكمالا للنتائج التي تترتب على التفكك الفكري والعملي للأسرة، وحيث أني عاصرت كثيرا منها مؤخرا، فقد تأكدت ظنوني السابقة منذ سنوات قبل أن أخوض معركة الأسرة.

لا أدري لماذا يعترينا جبن شديد تجاه مكاشفة أنفسنا والإقرار بما برهنت عليه بالفعل رغباتنا الدفينة على مر السنين! فصوت الشهوات والانغماس في الدنيا لا يعلوه صوت في مجتمعاتنا!
لماذا إذن الاصرار على أن مساراتنا الحياتية التي سلكناها هي مسار الدين والتدين، وأن أي ادعاء بإمكانية الوصول لما هو أفضل هو مجرد كلام نظري غير قابل للتطبيق؟!

لا أجد تفسيرا منطقيا غير أن بذور الدنيا داخلنا أعمق مما نظن، وأن نباتها وإن اختلف لونه عن بذور الدنيا الأخرى من حولنا، إلا أنها تحتفظ بعوامل الانهيار في داخلها نورثها لأبنائنا من بعدنا.

شاءت الأقدار أن أجد نفسي في مسار لا أجد لأطفالي فيه غير مدارس الانترناشيونال (الإسلامي على حد زعمهم)، فهم على الرغم أنهم في بلد مسلم، إلا أنه لا يتحدث العربية ولا يعتبرها لغة يعتد بها.
وعلى الرغم أن القائمين على المدرسة من العرب أصحاب الفكر الديني، إلا أن ما شاهدته من طرق التواصل مع الأطفال أصابني بهم وغم شديدين..

تأكد لي ما كنت أخشاه من قبل، فكثير مما يوصف ب (إسلامي) من منتجات في زماننا، لا يعدوا كونه علامة تسويقية لفئة من الناس تهتم بأن تريح ضمائرها حين ترى العلامة على المنتجات التي تشتريها.
ولا أدري هل هناك من يهتم حقا بالمعنى وراء تلك العلامة ومدى تحققه أم لا، لكني لم أعد أستغرب ما يحدث اﻵن، فنحن أنفسنا نستخدم نفس العلامة على أفكارنا لنهرب من حقيقة أننا لا نستطيع مقاومة الدنيا وشهواتها. ودوما هناك طريق ملتوي نستطيع منه الوصول لتلك العلامة مع تحصيل ما تهواه أنفسنا دون نقصان.

وقد علمنا يقينا أن من تكون هذه صفتهم، فاستبدالهم قادم لا محالة، وإنا لله وإنا إليه راجعون.

هلا تكرمت بشرح فكرتك هنا بشكل أكثر تفصيلا

هي مشاهدة حياتية أكثر من كونها فكرة! وهي أن الحقيقة التي يهرب منها كثير منا أننا جعلنا تحصيل الدنيا محور حياتنا وفوق كل شيء آخر.
وقد يأتي الدين أو لا يأتي، لكن بالنهاية هو هدف ثانوي بجوار الهدف الأعلى المتمركز حول الفوز بالدنيا.

اللبس هنا يأتي من كون أن السعي وراء الدنيا الحلال لا بأس فيه وأن هناك تركيز كبير على السعي للدنيا الحلال تجنبا للوقوع في الحرام، ومع الوقت تتمحور كل قرارات الإنسان لتصب في اتجاه واحد فقط، وهو مصلحته الدنيوية.

ومثال المدارس الانترناشيونال الإسلامية هنا يوضح ذلك، فهي ترفع شعار "الإسلامية" في حين أنها في الحقيقة تهمش الإسلام في قلوب وعقول الأطفال!
فالطفل الذي يعتاد الحديث بالانجليزية في الفصل مع المدرس والأصدقاء لن يقتنع بأن حصة للغة العربية وحصة للتربية الإسلامية أهم من الإنجليزية!!

وهذا الوضع ليس قسريا من المدرسة، وإنما هو انعكاس لرغبة أولياء الأمور، فهم بالنهاية العميل الذي يدفع لرواتب المدرسين والموظفين، وتنفيذ رغباتهم يعني نجاح نموذج العمل.

كل هذا ليس بجديد! إنما راعني أننا صرنا نعتبر ذلك هو الطريق الأمثل للدين! وأننا هكذا نربي أبناءنا على الإسلام، وأننا نحن متدينون حريصون على الإسلام..
وبهذه الطريقة نقنع أنفسنا أننا ننتهج المسار الإسلامي الصحيح وأننا أدينا ما علينا ، في حين أن كل ما في الأمر أنه لم يكن هناك مانع من وجود هدف ثانوي عن الإسلام بجوار الهدف الأعلى عن الدنيا، وانه لو عرضت علينا الدنيا الحلال والإسلام في طريقين منفصلين لما ترددنا في اختيار الأول..
العنوان: رد: من الماضي والحاضر.
أرسل بواسطة: جواد في 2023-03-30, 07:46:35
مما قرأت - فتنة "الحد الأدنى"!

في عالم يتّجه فيه المكر العالمي لسلخ الأمّة عن دينها ودفعها قسرًا إلى الردّة عن الإسلام لتكون عالمانية أو نصرانية أو لااكتراثية، لا نكاد نرى من الأمة ما يُقابل ذلك -منذ عقود وإلى اليوم-  سوى"مشروع" "الحد الأدنى"..

-القوانين الداخلية والخارجية معلمَنة.. والمواجهة تكاد تقتصر على إعلان اعتراضات فردية على بعض التعديلات الحديثة التي تزيد رقعة مخالفة الشريعة اتساعًا.
-التعليم مُعلمَن، والمعارضة لا تظهر إلا عند الإمعان في العلمنة ببرامج أعظم فجورًا.. وهي معارضات فردية غالبًا، وسرعان ما تُنسى، ويتصالح الناس بعدها مع النمط التعليمي الجديد.
-الإعلام -ببرامجه الحوارية وأفلامه ومسلسلاته -معلمن بصورة فجّة وصريحة. ومع ذلك، فالمعارضة لا تظهر إلا عند الإفحاش في الفجور.. ثم يحصل التصالح مع الفجور الجديد.
-الطعن في الدين في الخطاب الفكري العالماني والإلحادي متدفق بلا انقطاع. والمزاج العام راض بالاقتصار على أن يكون الخطاب الإسلامي (نسبة إلى الإسلام لا إلى الحركيين) مجرّد ردة فعل على إسفاف مهرجين جدد، لا استئصال الباطل كلّية.
-العمل التنصيري في العالم الإسلامي كلّه متحالف -عمليًا- مع الخطاب الإلحادي والاستشراقي، وهو يطعن في الإسلام بكل لغة.. والأمّة راضية بالاقتصار على مواجهات فردية بلا مشروع كبير يجمعها..
-المسلم "الملتزم" اليوم راض -عامة- أن يكون عمله الدعوي على هامش حياته الشخصية، لأنه غير مهتم بما هو فوق ذلك، أو لأنّه لا يملك ما هو فوق ذلك في حياةٍ مطالبها المادية الضرورية لا ترحم صاحب العيال..
..
والسؤال.. ماذا لو كانت أمّة الإسلام في القرون الأولى تعيش بثقافة الحد الأدنى.. ؟
لا أشكّ أنّ الجواب هو أن مصيرنا ما بين عابد هُبل، ومثلِّث، وعدمي تائه..

الحضارات لا تصعد وتنتشر بثقافة "الحد الأدنى".. والأمم المغلوبة ماديًا، لا تكسر الأغلال بثقافة "ردة الفعل".. ولن تستطيع أن تُصلِح أمّة لا يحرق القلق أكباد خيارها، ولا يتشوّف أبناؤها إلى بذل أعمارهم كلّها في نصرة الحق وقمع الباطل..

لا أتحدّث هنا عن مشروع معيّن للمواجهة، وإنّما هو حديث عن ما هو أدنى من ذلك.. وهو داء إخلادنا إلى خيار الحد الأدنى الذي لا شيء بعده غير سكون الموتى.. حديثي هو عن مشاريع لإقامة الحق ودفع الباطل -على مختلف جبهات الأمّة- لا تجد أذنًا صاغية؛ لأنّ طموحنا هو أن نبقى نتنفّس..
قال تعالى: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [(آل عمران/ 104).
قال ابن كثير: "وَالْمَقْصُودُ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ أَنْ تَكُونَ فرْقَة مِنَ الأمَّة مُتَصَدِّيَةٌ لِهَذَا الشَّأْنِ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ *وَاجِبًا عَلَى كُلِّ فَرْدٍ مِنَ الْأُمَّةِ بِحَسْبِهِ*".
دعوة إلى مراجعة النفس، والبأس، لا الاستسلام إلى الواقع، واليأس..

مقتبس من "د. سامي عامري".
العنوان: رد: من الماضي والحاضر.
أرسل بواسطة: جواد في 2023-04-23, 10:59:39
الوسع

كنت أستمع لمحاضرة لـ "أيمن عبد الرحيم" فك الله أسره وفرج كربه، واستوقفني معنى كنت أبحث عنه منذ فترة طويلة.

كان حديثه عن التكليف في العمل، ماذا يفعل الإنسان في دنياه غير العبادات الأساسية، وهي نقطة كثيرا ما أرقتني ولا تزال شغلي الشاغل منذ أكثر من عقد من الزمان.
استمعت لشيوخ وأساتذة من مختلف المدارس والأفكار، فهناك من يجعل العمل لدين الله هو الغاية العظمي التي يجب على كل مسلم بذل النفس وكل ما يملك فيها،
وهناك -وهم أكثرية- من يقول أن الغاية المحافظة على العبادات وتحري الكسب الحلال ثم التزود ببعض أعمال الخير، وأن هذا هو النموذج والقدوة للفرد المسلم.

شعرت دائما أن هناك حلقة مفقودة!
فنموذج المشايخ الذين يملكون من التأثير والمال ما يقيم دولا بكاملها، ثم لا نجدهم إلا خلف الشاشات وبين أحضان الرفاهية في بقاع العالم، فهذا مما لا يستقيم في نفسي!
خاصة حين أدرك أن نفس هؤلاء المشايخ يكادون يحصرون الدعوة والتدين في الخطابة والإعلام، ويروجون لنموذج التدين الفردي الذي لا علاقة له بالتأثير العملي في مجتمعه.

كذلك، وعلى الرغم أن النموذج الأول يرتقي بطموح المسلم فيجعل له قضية كبرى، إلا أنه لا يأخذ كثيرا بعين الاعتبار واقع الحال، ولهذا فغالبية المتحمسين له من الشباب في مقبل أعمارهم.
فإذا ما انتهت فترة الدراسة وأخذ الشاب يبحث عن متطلباته الأساسية في الحياة، اصطدم بمشاكل لا حصر لها! فإما أحبطه الواقع الذي لم يكن قد اعتركه بعد وتحول للنموذج الثاني الأسهل تطبيقا،
وإما انهارت ثقته في المنظومة الفكرية كلها وشعر بأن هناك من غرر به، وأن للحقيقة وجه آخر قد أخفاه عنه من استغل حداثة سنه وضعف خبرته، وقد ينقلب على كل شيء قد تعلمه سابقا.

عشت هذا الصراع كثيرا، وصرت أغبط من استطاع أن يجد في نفسه راحة للطريق الذي سلكه، في حين أشعر دوما أنني في صراع بين الطريقين.
ثم جاءت هذه الجملة في حديث "أيمن عبد الرحيم" عن الوسع، وأن الإنسان محاسب ومكلف بقدر ما يسعه جهده.

وعلى الرغم من بساطة المعنى، إلا أني شعرت بأنه هو الحلقة المفقودة، وأن كل إنسان رقيب على نفسه وإمكاناته.

نسأل الله العفو والعافية.
العنوان: رد: من الماضي والحاضر.
أرسل بواسطة: ماما هادية في 2023-05-15, 11:49:37
الحمد لله انها جاءت على لسان (أيمن عبد الرحيم) لتُفهم...

فعلا زمر الحي لا يطرب  ::)smile:
العنوان: رد: من الماضي والحاضر.
أرسل بواسطة: جواد في 2023-06-03, 11:19:50
مفاهيم

على ذكر الأحداث السياسية الأخيرة في تركيا، والجدل الكبير حول أردوغان ونظام الدولة العلماني والديموقراطية وغيرها من المواضيع التي تثير عادة عاصفة من الجدل حولها.

يبدو لي أن هناك أزمة فكرية شديدة في عقل الأمة! وأن ثمة مشكلة في التفريق بين الإطار الفكري الذي ينتهجه المسلم وبين ما يطرحه الواقع من ملابسات.
ذكرني ذلك بأزمة اعتصام رابعة العدوية إبان ثورة 25 يناير 2011 في مصر.
نفس الجدال العقيم حول الديموقراطية وآلياتها والعلمانية ومدى ما تمليه على واقع الدولة.
ونفس الإتهامات أيضا لكل من يحاول وضع خط واضح بين المنهج الفكري وإرساء قواعده الصحيحة في الأذهان، وبين المناورات التي تجري على اﻷرض.

فبعد فوز أردوغان في الانتخابات الرئاسية في تركيا 2023 بنسبة ضئيلة للغاية على منافسه من المعارضة، نشر د. إياد القنيبي كلمة يحاول فيها التفرقة بين المنهج والعمل المتاح على الأرض.
وقد حاول الرجل الابتعاد عن شخص أردوغان حتى لا يثير حفيظة المتعصبين له، لكنه لم يسلم أيضا من الاتهامات بالإرهاب والتكفير والمثالية الخيالية. (يبدوا أنها باقة اتهامات جاهزة!).

وسبحان الله، هذا يثبت بالدليل خطورة تمييع الإطار الفكري وتبني الخطاب الشعبوي لحشد المؤيدين في محاولة لتحقيق مكسب ما على الأرض!
ولهذا أيضا أنتقد بشده دعوات صبغ المناورات السياسية التي تتبنى شعارا علمانيا محضا على أنها واجب إسلامي ومن أساس الدين!
فكيف لنا اﻵن أن نلوم الناس على اعتقادها في النظم العلمانية كطريق وحيد للحكم، وأن النظام الإسلامي الكامل لم يعد صالحا لهذا الزمان، وعلينا أن نتوقف عن المطالبة به؟!

الان يحصد الإسلاميون نتيجة رغبتهم في كسب أي معركة دنيوية بأي ثمن كان. فالأجيال التي ولدت تحت مظلة هذا الخطاب صارت ليبرالية حتى النخاع.
ولم تعد تستسيغ فكرة أن يفرض حكم الإسلام في بلد إلا إذا جاء ذلك حسب قانون الديموقراطية، وإلا فهم يرتضون أي حكم علماني ولو خالف كل تعاليم الشريعة.
فالمعيار هنا لم يعد علو حكم الله وعدم خضوعه للاستفتاء، وإنما هي معركة الجموع، من يكسبها ولو بصوت واحد فقط فله أن يفرض ما يريد على الجميع، وعلى الجميع أن يرضى وإلا فهم خارجون عن الشرعية.

وإنا لله وإنا إليه راجعون.
العنوان: رد: من الماضي والحاضر.
أرسل بواسطة: جواد في 2023-06-05, 15:59:32
للبيت رب يحميه

لسان حال المسلمين في هذا الزمان، يفزعون لأموالهم ورفاهيتهم ولا يهتمون لأبرهة ولا لجنده..

ومع تنافس الدنيا وانفتاحها تنكشف العورات، وندرك متأخرين أن كثيرا ممن سبقونا لم تكن تعجزهم الظروف، إنما ضنوا بأنفسهم وأموالهم، وكذلك نحن مثلهم.

لم يعد لدينا حديث جدي إلا الدنيا، المال، الوظيفة، المكانة الاجتماعية، كله يأتي أولا، ولا يأتي الدين أبدا..
بل ان ناقد ذلك الحال صار محل اتهام، فكيف تتهم من يصلي ويزكي ويتصدق ويسعى للمال الحلال.

وكأن الإسلام لم يعد فيه إلا العبادات، وكأننا أعذرنا فلن نسأل عن أكثر من ذلك، ونحن نستزيد من الدنيا، لا نشبع ولا نمل من حديثها.

كلما تقدم بي العمر أدرك كم من الفرص ضاعت لتقاعس أهل الدين عن نصرة دينهم بالعمل لا كثرة الكلام.
لقد تأكد لي ما كنت أظنه فقط منذ سنوات طويلة، وهو أن المتاح من العمل أضخم بكثير مما يحاول بعض المتدينين إيهامنا به من قلة الحيلة ليبرروا تقاعسهم وركونهم إلى الدنيا وزينتها.

حتى صارت الدعوة إلى الدنيا مفخرة حديث المتدينين والدعاة، اللهم إلا من أسكتهم القيد فأعذروا إلى ربهم.

لطالما نظرت بإجلال لمجهود أفراد مثل د. السميط، لكني لم أكن أدرك أنه وأمثاله أقاموا علينا الحجة، فلم يعد لنا عذر.

وأدرك الآن بأن طالب الدنيا لن يبذل للدين أبدا مهما أتيحت له من فرص، وسيظل دوما يبرر لنفسه معيشته وحاله حتى يجعلها من الدين ذاته.

حقا والله، يا له من دين لو أن له رجال..

إنا لله وإنا إليه راجعون.
العنوان: رد: من الماضي والحاضر.
أرسل بواسطة: جواد في 2023-06-07, 12:46:19
الطريق

"نحن نريد الإسلام في نفوس وقلوب الناس قبل أي إجراء آخر، نريد تربية إسلامية قائمة أصلاً علي أساس العقيدة، والأخلاق الإسلامية،
ويجب عدم إضاعة الوقت في فرض التشريع الإسلامي بالقوة، قبل أن تكون القاعدة المسلمة في المجتمعات والتي تسعي لإقامة النظام الذي عاشت به وتعرفه." سيد قطب.

والدخول في السياسة في زماننا يجب أن يكون بالقدر المطلوب لتمهيد الطريق لتحقيق هذا الهدف. إقامة الإسلام في قلوب الناس بالفعل والقدوة، لا بكثرة الكلام والشعارات.
وعلى هذا يجب الحرص على أن تكون الصورة واضحة في أذهان الناس، فلا تتحول الوسيلة التي اضطرنا لها واقع الحال إلى غاية في ذاتها، وإلا ضاع مفهوم العقيدة في قلوب الناس.

والمسلم الداعية يدرك أنه لا أفضل ولا أوقع من الوقوف مع الناس في خندق واحد، يسعى للعمل على حل مشاكلهم بالإسلام، ولا يتعامل معهم بفوقية فكرية.
فالناس أسرى للدنيا والعبودية الجديدة التي فرضتها أنظمة الدول الحديثة. فإذا ما تحدث الداعية عن مفاهيم القيم والأخلاق شعر الناس أنه في واد وهم في واد آخر.

إن أفضل طريق للدعوة إلى الإسلام أن يرى الناس تأثير الإسلام في فعل الداعية. فلم تعد هناك معضلة في البلاغ بقدر ما هي معضلة في القدوة والعمل.
العنوان: رد: من الماضي والحاضر.
أرسل بواسطة: جواد في 2023-06-10, 16:29:51
سلسلة تأسيس وعي المسلم المعاصر للمهندس أيمن عبد الرحيم. فرج الله كربه.

2017
https://youtube.com/playlist?list=PL2-FkZlJhxqWFQs8Wp4ER3IagmhIJItne

2018
http://www.youtube.com/playlist?list=PLGRq3LVAz8o3vH8pAf3wYOhJj_LkuKMF-
العنوان: رد: من الماضي والحاضر.
أرسل بواسطة: جواد في 2023-06-18, 12:26:41
وعي المسلم المعاصر

لسبب ما لم أتعرف على محاضرات سلسلة تأسيس وعي المسلم المعاصر للمهندس أيمن عبد الرحيم إلا منذ بضعة أسابيع فقط!
وسبحان من كل شيء لديه بقدر..

السلسلة كنز بكل ما تعنيه الكلمة، وقد دفع صاحبها من حريته -فك الله أسره وجزاه خيرا كثيرا-، فما كان لمفسد في الأرض أن يترك تلك المفاهيم لتنتشر بين الناس.

تدور السلسلة حول عدة محاور أساسية، يمكن تلخيصها في النقاط التالية:

1- مفهوم الأمة بمعناه الشامل في المكان والزمان
2- الفارق بين تأصيل مفاهيم الشريعة وبين تحديات واقعنا المعاصر وما تمليه من طرق للتعامل.
3- الأعمدة الأساسية اللازمة لبناء الأمة انطلاقا من الفرد والإمكانيات المتاحة.
4- اسقاط الضوء على تجربة الجماعات الدعوية الإسلامية في السنوات الماضية والأخطاء التي وقعت فيها.
5- العمل ثم العمل ثم العمل، وأن السؤال عن الوسع هو تكليف وليس تخفيف.

يركز م.أيمن عبد الرحيم على أننا مكلفون بالعمل وغرس الفسيلة وليس علينا استباق النتائج أو اشتراط نتيجة معينة، فإن لم تتحقق تقاعسنا وتحولنا للتنظير!

حدثني أخ عزيز منذ بضعة أيام عن انهيار الفطرة في الشباب، وكيف أن مفاهيم أساسية مثل الغيرة صارت تتلاشى هي الأخرى وفي أوساط المتدينين!
وحين تأملت معه تجربة جيلنا، خرجت بأن السلبية داء قاتل للمروءة!
لم تعد المشكلة في قلة محتوى الوعظ أو حتى سطحية العرض، فكثير من التسجيلات القديمة والمؤلفات السابقة والمتاحة بسهولة عبر الإنترنت فيها ما يكفي من المعرفة والوعظ.

مشكلتنا أن الخطاب الإسلامي صار بمعزل عن أحوال الناس وواقع حياتهم، فالكل يطلب من الناس أن تفعل وتبذل، في حين أن القدوة العملية التطبيقية مفقدوة أو تائهة!
في الأمة كثير من الخير، والتبرعات والنفقات الخيرية دليل على ذلك، لكن الدعاة جعلوها المسار الوحيد تقريبا للإنفاق! إما خوفا من يد السلطات، او استسهالا للحديث عنها.

أما مشاريع الأمة الهادفة، فهي تشكو الهجر والفقر، بل والمحاربة من كثير من الدعاة وأصحاب المصالح ممن يصنفون أنفسهم إسلاميين!

تحدث م. أيمن أنه أعطى المحاضرة أكثر من 50 مرة على مدار سنوات وفي محافظات مختلفة، وبهذا الرقي في الفهم، فأين تطبيق تلك المحاضرات؟

وتحدث أيضا عن ملاحظة لم أنتبه لها من قبل، فعلى الرغم من تواجد الجماعات الدعوية الإسلامية في مصر بقوة على مدار 80 عاما، فلم تساهم أي منها في حل مشكلة الأمية مثلا في المجتمع المصري!
كيف لا نعتبر الأمية من صميم اهتمام الدعوة وأعمالها؟
بل، وفي الوقت الذي كانت مساحة العمل مفتوحة للإسلاميين، فقد كان تركيزهم الأكبر على التنظيم وقواعده، وبعض الأعمال الخيرية الطيبة، لكن بنهاية الأمر لم يتغير بناء المجتمع من أي ناحية،
وبالطبع فشل حتى في الجانب الفكري الذي كان تركيزهم الأول.

إذا لم ندرك هذه الأخطاء ونغير من بوصلتنا، فليس هناك غير الاستبدال. ولا حول ولا قوة إلا بالله.
العنوان: رد: من الماضي والحاضر.
أرسل بواسطة: جواد في 2023-07-23, 11:07:20
اقتصاد الدمار الشامل

https://youtu.be/xG4i6_8vcnE
العنوان: رد: من الماضي والحاضر.
أرسل بواسطة: جواد في 2023-07-26, 21:41:13
عدم التفرقة بين الكرم والحق المكتسب هو المسمار الأكبر في نعش أي علاقة.

ومن لا يشعر بواجب الكرم تجاه الاخر لا تصفو الحياة معه.
العنوان: رد: من الماضي والحاضر.
أرسل بواسطة: أحمـد في 2023-07-27, 00:14:16
عدم التفرقة بين الكرم والحق المكتسب هو المسمار الأكبر في نعش أي علاقة.

ومن لا يشعر بواجب الكرم تجاه الاخر لا تصفو الحياة معه.

على أن هناك ديونا لا تكافئ وكرما لا يوفى وفضلا لا نقدر على حسابه 🥰
العنوان: رد: من الماضي والحاضر.
أرسل بواسطة: جواد في 2023-07-27, 17:55:23
عدم التفرقة بين الكرم والحق المكتسب هو المسمار الأكبر في نعش أي علاقة.

ومن لا يشعر بواجب الكرم تجاه الاخر لا تصفو الحياة معه.

على أن هناك ديونا لا تكافئ وكرما لا يوفى وفضلا لا نقدر على حسابه 🥰

صدقت. هي نعمة كبيرة من الله أن يرزقنا مثل هؤلاء في حياتنا. ولا يعرف الفضل إلا أهله :)
العنوان: رد: من الماضي والحاضر.
أرسل بواسطة: جواد في 2023-08-08, 06:07:18
كهنوت

لطالما انتقدت الدفع بالناس للمشي وراء مجموعة من الشيوخ أو العلماء وعدم حثهم على تعلم دينهم واعمال عقولهم حتى يكون لديهم وازع داخلي وصحوة اذا ما حدثت كبوة للمتصدرين للفتوى.

وقد جاء اليوم الذي تخرج فيه مؤسسة بوزن دار الافتاء بمصر لتبيح ربا البنوك وتعتبره ربحا لا مشكلة فيه.

وبالطبع ظهر الكثير من مختلف طوائف الناس ليؤيد ويبارك ويجادل. وربما أكثر ما المني هو قول أحدهم أن النقود الورقية ليست لها قيمة فليس لها غطاء ذهبي وهي بالتالي لا تعتبر نقودا.

وللأسف الشديد هو أصاب جزءا من الحقيقة المرة. فقد انشغل العلماء والشيوخ بإيجاد المخارج للبنوك حتى تصير عقودها شرعية، ولم يهتم الغالبية بحل مشكلة النقد الورقي بصيغته الحالية.

وهانحن الان نصل لمرحلة تبرير الربا لأنه لا بديل عنه!
فالنظام النقدي في ذاته فاسد، ولا يوجد استثمار امن، وهناك تضخم في العملات الورقية، فالنتيجة الألمعية هي فوائد القروض البنكية حلال وليست ربا!

فك الله أسر م. أيمن عبد الرحيم، فقد قال يوما أن الناس حين يألفون الحرام ويحيط بهم في كل حياتهم، فأسهل عليهم أن يغيروا الدين ويعطوه صفة الحلال بدلا من تغيير حياتهم كلها.

ولا أدري أي واجب أهم للعالم إذا وصل الأمر لتغيير ثوابت الدين نفسه!

وإنا لله وإنا إليه راجعون.
العنوان: رد: من الماضي والحاضر.
أرسل بواسطة: جواد في 2023-08-12, 13:26:02
أوغندا والشواذ

أصدر البنك الدولي بيانا رسميا يعلن فيه وقف الدعم المالي لأوغندا لرفضها دعم أجندات الشواذ والمثليين.

وعلى الرغم أن المتعاملين مع البنك الدولي ماليا واقعون في إثم الربا، إلا أن استخدام النظام المالي كأداة ضغط لدعم أجندات الشواذ والمثليين هو تصعيد سريع ينذر بكوارث أخرى قادمة.

فالكثير من الدول الإسلامية مستفيدة من تمويل البنك الدولي، وهذا بالتبعية يعني أننا مع الوقت سنفقد السيطرة على ما بقي من جوانب أخلاقية في مجتمعاتنا.

الاقتصاد ليس مجرد كسب المال ولا وسيلة لرغد العيش فقط، الاقتصاد هو الوجه الآخر للسلطة بجانب السياسة، بل وهو المؤثر الأول على السياسة.

لهذا كان أول ما فعله الرسول صلى الله عليه وسلم حين دخل المدينة بعد المسجد والمؤاخاة هو بناء السوق الإسلامي المستقل عن سوق اليهود.

ولكن للأسف نحن نعيش في حالة من الوهم والسلبية جعلت الكثير من أصحاب الأموال يهربون من أي مسؤولية اقتصادية تجاه الأمة،
ويظنون أن صدقة لفقير أو بناء مسجد هو كل ما يحتاجون إليه لإراحة ضمائرهم والشعور بأنهم أدوا ما عليهم. ثم يلقون بالتبعية على الحكومات تحت حجة أن الأمر أكبر منهم!

"لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن عمره فيم أفناه؟ وعن علمه فيم فعل فيه؟ وعن ماله من أين اكتسبه؟ وفيم أنفقه؟ وعن جسمه فيم أبلاه؟"

- وعن ماله من أين اكتسبه؟ وفيم أنفقه؟..
العنوان: رد: من الماضي والحاضر.
أرسل بواسطة: جواد في 2023-08-20, 12:31:21
مداخل الفساد

منذ أكثر من ٣٠ عاما تم انشاء هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية كهيئة غير ربحية في البحرين.
وتصدر الهيئة الكثير من المعايير الشرعية المتعلقة بكثير من المعاملات المالية مثل المتاجرة في الأسهم وتنظيم اليات عمل البنوك الإسلامية وغيرها من المؤسسات المالية.

لكن اللافت للنظر عند الاطلاع على معيار المتاجرة بالأسهم مثلا أن هناك التفاف حول توصيف الأمور وفتح أبواب فساد ضخمة جدا!

فالمعيار الشرعي للهيئة يقول بإباحة التعامل في أسهم شركات تتعامل بالربا بمعاملات لا يزيد حجمها عن ٣٠٪ من قيمة الشركة السوقية،

ثم يقول بإباحة التعامل في أسهم شركات لديها أنشطة فرعية محرمة، على ألا يزيد عائد هذه الأنشطة عن ٥٪ من قيمة الشركة السوقية،
على أن يقوم بتطهير مكاسبه بعد ذلك من تلك الأنشطة المحرمة، على الرغم أن حرمة الربا أشد وأنكى من حرمة الخمر مثلا!

والحجة في كل ذلك، أن هذا من عموم البلوى وحتى لا نحرم أموال المسلمين من الاستفادة من هذه الأعمال الكبيرة!
وعلى أمل أن يمارس أصحاب الأسهم ضغط على إدارة الشركة للتراجع عن الربا والأنشطة المحرمة!

وحتى نتصور سذاجة هذا الطرح، فشركة مثل أبل وصلت قيمتها السوقية إلى ٣ ترليون دولار، فمباح لها تبعا لكلام الهيئة أن تتعامل بالربا حتى ٩٠٠ مليار دولار!
هذا الرقم بالمناسبة يزيد عن اجمالي الناتج المحلي السنوي لبعض من دول الخليج مجتمعة!

أما عن حجم الأنشطة المحرمة تبعا لمقياس الهيئة، فهذا يعني أن شركة أبل تستطيع استثمار ١٥٠ مليار دولار في أنشطة محرمة، وستظل على قائمة الشركات الحلال للاستثمار من وجهة نظر الهيئة!
حتى نتصور الأمر، فتجارة الإباحية عبر الإنترنت يقدر دخلها السنوي عالميا ب ١٠٠ مليار دولار!

الكارثة لا تتوقف هنا، لكن خلال ٣٠ عاما من عمل الهيئة لم نسمع عن شركة عالمية واحدة أوقفت معاملاتها الربوية أو أنشطتها المحرمة لأن المساهمين المسلمين أثروا على مجلس الإدارة.

ولم نسمع كذلك عن شركات إسلامية خالصة صارت عالمية دون الحاجة للربا، فمن أين لها باستثمار حلال وأضخم الاستثمارات تذهب للخارج أو في الانفاق على الأنشطة الترفيهية؟
بل نكاد لا نسمع عن شركات إسلامية خالصة لها أي تأثير اقتصادي إيجابي على المجتمع، ولكن فقط نمو أرباح أصحابها! ولا علاقة للهيئة طبعا بهذا الكلام!

فما الذي فعلته الهيئة تحديدا خلال ٣٠ عاما؟

اتباعا لمعايير الهيئة، فقد وجد أصحاب الأموال من المسلمين حجة لهجر المشاريع ذو الطابع الإسلامي والارتماء في أحضان الشركات العالمية، حتى وإن كانت تدفع ضرائبها لدول تقتل المسلمين في كل مكان.

وعملا بمعايير الهيئة، تم تجريف بلداننا من الاستثمارات ذو الفعالية الإنتاجية الحقيقية، فمخاطرها من وجهة نظر المستثمر أعلى من الاستثمار في شركات عالمية مستقرة.

وبالطبع لأن التمويل بالربا صار مباحا بشكل غير مباشر نتيجة هذا المعيار، حيث فعليا لا تحتاج أغلب الشركات لقروض تزيد عن ٣٠٪ من قيمتها السوقية،
فقد صار التمويل بالربا هو الأصل! وصار على المشاريع الصغيرة أن تختنق أو تتعامل بالربا هي الأخرى!

وازدهرت تجارة الربا في كل البلدان المسلمة، وحتى حين تم الاحتيال أكثر في صياغة عقود التمويل في البنوك الإسلامية، فلا تظل البنوك الربوية هي الأساس والأكثر قوة في كل الدول.

وهكذا صنعنا خندقا وهميا وسقنا المبررات لنقتل أنفسنا بأيدينا، ثم ندعي أن لدينا مالية إسلامية وأن العلماء أدوا ما عليهم!،
ربما لم يوضحوا لنا فقط أنهم كانوا يقصدون تأدية واجبهم تجاه مصلحة أصحاب المال لا الأمة ولا عموم المسلمين بالطبع..

حسبنا الله ونعم الوكيل.
العنوان: رد: من الماضي والحاضر.
أرسل بواسطة: جواد في 2023-08-27, 09:38:39
القمة والقاعدة

لطالما كان هناك جدل مستمر حول آليات التغيير في المجتمعات، وإذا ما كان التغيير يبدأ من القمة أولا أم القاعدة.

ولأول مرة أنتبه أن الجدلية مرتبطة بشيء غريب ربما لا يبدو منطقيا للوهلة الأولى. إنها المرحلة العمرية للمتحدث عن التغيير، والتجارب الحياتية الخاصة به هو شخصيا!
فما لاحظته خلال العشرين عاما الماضية أننا نبحث عن الملاذات الآمنة بشكل أكبر كلما تقدم بنا العمر، وهذا منطقي لأن الإنسان يشعر بالضعف مع مرور العمر وخوفه من تقلب حياته بعدما فقد كثيرا من طاقته على العمل.

الملاذات الآمنة تلك تجعلنا -لا إراديا- نريد الحكم على الأشياء بشكل لا يحملنا تبعات ثقيلة، ولا يضعنا في موقف يقلب علينا ضمائرنا،
فتمارس عقولنا تلك الخدعة البسيطة بالاستسلام للواقع تحت شعار "الخبرة"، أو أنه آخر الزمان ولا فائدة من الوقوف أمام التيار.
الرغبة الدفينة تلك تجعلنا نظن أننا فعلنا ما بوسعنا، وأنه لم يعد هناك مخرج ولا حيلة في مواجهة هجمات أهل الباطل وسلطتهم، ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها !

يظهر هذا جليا في نظرية القمة والقاعدة المتعلقة بالتغيير. فالقاعدة تحتاج إلى مجهود وبذل كبيرين، والتعامل معها أصعب ويحتاج إلى نفس طويل، بل غالبا لا يرى المرء ثمرة عمله هذا في حياته!
في مقابل التغيير السريع والنشوة التي نشعر بها حين تأتي محاولة التغيير من القمة ولو لفترة بسيطة، فنغمض أعيننا عن الحقائق الثقيلة ونتشبث بهذا الحلم الجميل والراحة التي أزاحت عنا عبء مسؤوليات الأمة الجسام.
فهناك الان من يحمل عنا كل هذا!

لكننا إذا تجاوزنا تلك الخدعة وحاولنا التجرد فعلا دون الإلتصاق بأهوائنا، سنجد أن التغيير من القمة هو حالة استثنائية لها تفاصيل كثيرة غير ظاهرة.
فالسلطة وحدها لا تجبر الناس على تبني توجه حقيقي، إلا اذا وجدت الأرض الخصبة لذلك في نفوس الناس بالفعل، والأرض الخصبة تلك هي القاعدة!

أي أنه في أي تغيير يأتي من القمة، لابد أن هناك شيء ما مرتبط بالقاعدة، وإلا ما استمر هذا التغيير وأحدث أثره المطلوب في المجتمع، وإلا كان تغييرا ظاهريا موقوت بالحال.

هناك مشكلة أخرى، وهي أننا حين نتحدث عن التغيير ننظر له وكأننا نعرف الوجهة التي نريدها، والصورة التي نريد أن نحققها، في حين أنه لو ترك لكل واحد منا المجال للتعبير بالتفصيل عن رؤيته للتغيير لاكتشفنا أن الصور مختلفة إلى حد كبير.

فالتغيير المتأصل في جذور المجتمع مختلف عن التغيير في مظاهر الحياة في هذا المجتمع. لهذا حين سمح لأحد المجتمعات العربية أن ينطلق دون ضوابط السلطة السابقة، ظهرت القاعدة على حقيقتها لتبرهن أنها لم تكن تعتقد في أفكار وقيود السلطة السابقة، وإنما فقط تم اجبارهم على نمط ظاهري معين ، ولم تتم مراعاة الجوهر في غالب الأمر.

أليس من الأولى أن نصارح أنفسنا بأننا لا نصبر على الطريق الطويل، وبأننا نتعلق بقوة التغيير من الأعلى وإن كان ظاهريا لأنه الأسهل والأسرع، كما يحقق لنا رغد الحياة الذي نتمناه في الدنيا، خاصة بعدما تنطفئ حماسة الشباب ونشعر بضعف العمر والتعب من طول الطريق؟!

إذا كنا سنكتب لمن بعدنا، فعلينا أن نتحلى بجرأة في الطرح، وأن نصدقهم الحديث عما جرى معنا على الحقيقة، بدلا من الحرص على الظهور بشكل المضحي الذي بذل كل ما لديه وينتظر العرفان والامتنان ممن يأتي بعده.

إن أغلى هدية نقدمها لجيل جديد، هو أن نفتح له قلوبنا دون حرج من تسليط الضوء على أخطائنا وتقاعسنا. فإذا كنا قد ضعفنا ولم يعد بنا طاقة، فعلى الأقل نبين لمن بعدنا حقائق الطريق الذي سلكناه، فلا يمضون خلفنا ثم يكتشفون بعد فوات الأوان أننا لم نكن صادقين معهم..
العنوان: رد: من الماضي والحاضر.
أرسل بواسطة: جواد في 2023-09-10, 15:22:56
مزيد من التجارب الحياتية تصل بي إلى نفس النتيجة..

والله لا ينقصنا شيء من موارد أو حتى ملاءمة الظروف، بل ضن أصحاب الدين بأموالهم وأنفسهم، ولسان حالهم للبيت رب يحميه.

اللهم إنا نعوذ بك من الفتن ما ظهر منا وما بطن.
العنوان: رد: من الماضي والحاضر.
أرسل بواسطة: جواد في 2024-01-10, 00:52:05
الشيء الأكثر رعبا هو التعود على نمط الحياة وكأنها ثوابت لا يمكن المساس بها. تلك القواعد التي تعلمناها في نظام تعليمي معد لإخراجنا كآلات ليست هي حقيقة الحياة.
ولا يمكننا صياغة حياتنا كما أراد الله إلا بالتحرر من وهم القيود التي صنعناها لأنفسنا ولا نتصور حياتنا خارجها.

هَا أَنتُمْ هَٰؤُلَاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنكُم مَّن يَبْخَلُ ۖ وَمَن يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ ۚ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنتُمُ الْفُقَرَاءُ ۚ وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُم (38)
العنوان: رد: من الماضي والحاضر.
أرسل بواسطة: جواد في 2024-01-17, 11:20:28
الوجه الآخر للدنيا

كنت كلما قرأت عن فتنة الدنيا يتبادر إلى ذهني شخص غارق في متع الدنيا الحرام رغم ما أنعم الله عليه من وافر المال والثروة.
وسبحان الله، كم كنت جاهلا في نظرتي تلك!

الآن أرى فتنة الدنيا حولي في حلالها، وكيف أنها تقعد النفس عن التفاعل مع قضايا الأمة تحت مبررات العجز وقلة الحيلة.
وصدق الله "وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ"

والأمر لا يتعلق بالمال وحده، فالبذل المطلوب لا يقتصر على المال. بل إنني الان بت على قناعة أن المال في حد ذاته ليس التحدي الأكبر!

فهناك الخبير المسلم في مجال معين حين يختار أن يظل في شركته العالمية على أن يساهم في مشروع تحتاجه الأمة.
والآخر الذي يرفض الانضمام لمشروع يحمل هم الأمة لأنه مشغول بدراساته العليا!
ثم العالم الشرعي الذي يلتحق بمشروع كبير فيكون أكبر همه هو وضعه الشخصي في ذلك المشروع والمصلحة التي يحصلها منه.
أو الداعية المشهور الذي يصمت عن تبيان الحق أو أخذ موقف جاد يتصادم مع ما عمله وسياسات من يعمل لديه.
والاقتصادي الإسلامي الذي يبحث عن كل المخارج والأبواب التي تضخم من ثروته دون أن يضطر لمصادمة الواقع أو العمل على ما تحتاجه الأمة على الحقيقة، ومن يبرر له ذلك من أساتذة المالية الإسلامية.
وهناك كذلك متوسط الامكانيات الذي وجد فرصة عمل جيدة في مشروع للأمة فقصر في عمله ولم يبذل فيه جهده ويسعى لإخراجه في أفضل صورة.

لقد جاءت أحداث غزة لتثبت لنا جميعا أننا متقاعسون وأننا رضينا بالزرع وأن أقل مما في أيدينا يمكن أن يغير العالم، ولكنها نفوسنا التي أقعدتنا إما بالخوف تارة وإما بوهم العجز تارة أخرى.

وسيأتي يوم يسألنا الله عن كل الذي أنعم به علينا من علم ومال وقت وقوة ثم تقاعسنا وأوجدنا مبررات القعود عن العمل، أو على أحسن تقدير انشغلنا بأمور ثانوية وتركنا أولويات الأمة وأمورها العظام، لأننا لا نريد أن نعرض أنفسنا لضيق أو خطر.

النجاح الدنيوي ماديا واجتماعيا وعلميا هو فتنة عصرنا. وباب الفتنة يأتي مستترا تحت مظلة "إعمار الأرض" و "مشاريع النهضة" لأنها بالطبع من متطلبات خلافة الأرض، لكن فقط إن لم تكن هي المطلب في ذاتها.
فإن كان المقابل هو القعود عن كل واجبات الأمة ونصرة أخوتنا، فهي الفتنة التي سقطنا فيها.

"لَّا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ ۚ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً ۚ وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَىٰ ۚ وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا (95) دَرَجَاتٍ مِّنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً ۚ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا (96) إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ ۖ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ ۚ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا ۚ فَأُولَٰئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ ۖ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (97) إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا (98) فَأُولَٰئِكَ عَسَى اللَّهُ أَن يَعْفُوَ عَنْهُمْ ۚ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا (99) ۞ وَمَن يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً ۚ وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ ۗ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا (100)"
العنوان: رد: من الماضي والحاضر.
أرسل بواسطة: جواد في 2024-03-09, 10:40:46

https://on.soundcloud.com/VKbpt
العنوان: رد: من الماضي والحاضر.
أرسل بواسطة: جواد في 2024-03-09, 17:45:16
المنعطف

إن لم تكن الأشهر الست الماضية منعطفا كبيرا في حياتنا، فلا أدري كيف نطيق العيش مع أنفسنا. ولا أحسب لقلوبنا من عودة متى ما اعتدنا العيش مع شعور العجز تجاه دماء أخوتنا التي تسفك في كل يوم.

لا خير في حياة يتمحور كل شيء فيها حول متع الدنيا. وإننا لجميع مسؤولون أمام الله، فبماذا نجيبه؟

إلى من يبدأ حياته، ومن انتصف عمره أو قارب على الرحيل، اجعل اختياراتك للجنة. واجعل الأمة قضية حياتك التي تجمع عليها أهلك وأبناءك، وليكن هذا محل الاختيار، لعلنا نعذر إلى الله.
العنوان: رد: من الماضي والحاضر.
أرسل بواسطة: جواد في 2024-06-18, 12:14:02
على الطريق

عجيب ما يفعله الزمن في قلوب الناس. أو ربما هو تسارع الأحداث والتحولات الكبيرة التي يمر بها العالم بشكل غير مسبوق.

وسط كل هذا الزحام يصعب على النفس أن تتوقف لترى موقعها من العالم، فضلا عن تقييم الطريق الذي تسير فيه.

هنا يصعب جدا التمسك بالمبادئ التي اعتنقها الإنسان، فكل خطوة وفعل في حياته هو اختبار جديد لمدى صدق الإنسان في التمسك بالطريق الذي اختار.
وقد كنت أردد كثيرا جملة سيد قطب الشهيرة، ظنا أني أدرك معناها على الحقيقة. لكني اليوم أرى أن المعاني لا تدرك إلا باختبارها في معترك الحياة، لا من خلال الأوراق.
ولله دره كم تفيض كلماته هذه صدقا وحياة..

“إن كلماتنا ستبقى ميتةً لا حراك فيها هامدةً أعراساً من الشموع، فإذا متنا من أجلها انتفضت وعاشت بين الأحياء. كل كلمة قد عاشت كانت قد اقتاتت قلب إنسان حي فعاشت بين الأحياء، والأحياء لا يتبنون الأموات”
العنوان: رد: من الماضي والحاضر.
أرسل بواسطة: جواد في 2024-06-21, 11:58:55
غزة

ونحن مازلنا نهتم لكلام الناس وأوضاعنا في مجتمعاتنا، ورفاهية معيشتنا، ولا نريد المخاطرة بأي شيء.

فكيف سيكون جوابنا عندما يسألنا الله عنهم؟

ولسفك دم مسلم واحد بغير حق أشد عند الله من هدم الكعبة. فكيف بإبادة يتم بث أحداثها على الهواء!

إنا لله وإنا إليه راجعون.
العنوان: رد: من الماضي والحاضر.
أرسل بواسطة: جواد في 2024-06-22, 09:40:54
(وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ)


(وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ)


(أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ)


(وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ (146) وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (147) فَآتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)


(مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ * لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ)
العنوان: رد: من الماضي والحاضر.
أرسل بواسطة: جواد في 2024-06-22, 22:16:02
لماذا غزة؟

من رحمة الله سبحانة وتعالى بأمة الإسلام أن يرسل لها حوادث عظام من وقت لآخر، فترفع حجب الوهم عن المسلمين وتوضح لهم بالبرهان القاطع حقيقة المعركة.
وليصطفي الله من عبادة من يقيم بهم الحجة على الأمة، فمنهم من قضى نحبه ومنهم ومن ينتظر.
رأينا هذا في أحداث التتار والصليبيين من قبلهم.

والشاهد في الأمرين أنه كلما زاد انغماس الأمة في الدنيا والحرص عليها، كلما جاءت الفاجعة أكبر!
فسقوط الخلافة وخلعها من أذهان الكثير من المسلمين أشد مصيبة مما فعله التتار.

كذا ما يحدث في غزة، لم يكن ليصل إلى هذا المستوى من الإجرام إلا بتواطئ دول الجوار، وخنوع المسلمين فيها وركونهم إلى الدنيا وخوفهم من ضياع ما بأيديهم منها.

هذه المرحلة الفارقة في تاريخ الأمة التي جاءت كمنعطف مفاجئ في وقت تستعد فيه الشعوب المسلمة لنبذ ما تبقى من دينها والإقبال على الدنيا ورفاهيتها وزخرفها كما لم يحدث في السابق.

جاءت أحداث غزة لتهدم أصنام الحضارة الغربية وقواعد القانون الدولي والأنظمة التي تباهي بها الغرب وصارت مطمح المسلمين يبذلون الغالي والنفيس لتعلم أصولها منهم وتبنيها في بلادهم!

وهذا والله من رحمة الله بأمة المصطفى صلى الله عليه وسلم. فالفتنة أشد من القتل، ولا أشد من فتنة الناس في دينهم.
ولقد رأينا كيف سقطت الكثير من الأقنعة، حتى عمن كنا نحسبهم من المشايخ والعلماء، وهكذا لم يعد لأحد حجة يبرر بها القعود.

نسأل الله أن يهدينا لما يحب ويرضى.
العنوان: رد: من الماضي والحاضر.
أرسل بواسطة: جواد في 2024-07-01, 04:11:10
الغرق في النفس

على مدار 15 عاما من العمل في الشركات الناشئة وأنا أشاهد نمطا في سلوك فريق العمل لا يتغير مهما تغير نوع العمل أو تغيرت خلفية العامل.

والملاحظة هنا متعلقة خصوصا بالعاملين المسلمين الذين جاءوا من دول مسلمة في اسيا وأفريقيا،
فعلى الرغم من وجود المهارة والخبرات، إلا أن الغالبية غارقة في أنفسها! فلا اعتبار اخر يذكر فوق تحقيق الأمان المجتمعي المتمثل في مال وبيت وعمل ثابت مضمون، وعيشة رغدة في مكان متحضر.

ولعل كل هذا لا بأس فيه، فمن منا لا يحب ولا يسعى لهذه الأشياء، خاصة إن كانت حلالا؟

لكن المشكلة تكمن في الإعراض عن أي عمل للأمة قد يمس هذه الميزات من قريب أو بعيد! وهو ما جعل الأمة تتخلف في كل شيء تقريبا!
وحتى الدين، فقد صار الخوف من البطش شعار الكثيرين، مما أقعدهم عن العمل، وجعل الدعوة في قشور لا تقيم دينا ولا دنيا.

وانطبق هذا على أعمال الدنيا أيضا، فالغالبية لا تريد التضحية بأي شيء لأجل مشروع فيه مخاطرة، ولو انخرطت في مثل هذه المشاريع، جعلت همها وشغلها الشاغل تأمين نفسها، لا بذل أقصى الجهد.

ولا يمكن أن تقوم الأمة بمثل هذا الفكر المتمحور حول النفس والذات، فالقضايا الكبيرة تحتاج إلى همم عالية، وتضحية وصبر.

نسأل الله العفو والعافية في الدنيا والآخرة.
العنوان: رد: من الماضي والحاضر.
أرسل بواسطة: جواد في 2024-08-11, 06:56:30
أبو بكر الصديق

أحب صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قلبي. والنموذج الذي نحتاج أن نقتدي به في زماننا بعد المصطفى صلى الله عليه وسلم.

وقد كنت لفترة أظن أن زماننا يحتاج الفاروق عمر، في قوته وحسمه ونظرته الثاقبة. لكني الآن أدرك أن عمر ما كان ليكمل المسيرة لولا ثبات الصديق رضي الله عنه في مصيبة وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

يميل البشر إلى الحكم على الأشياء بما يظهر منها، لا فيما وراءها. فيعجبون بما ظهر من البناء من علو وتصميم، ولا يأبهون كثيرا للأساس الذي يحمله.

أكثر من عشرة أشهر مضت والكيان الصهيوني المارق يذبح اخوتنا بدم بارد، بل ويسخر من ديننا ومن أعراضنا ويتبجح في كل محفل دولي، ونحن في ذلة لم أعرف مثلها إلا عند اجتياح التتار لبلاد المسلمين فيما سبق من الزمان.
وأحسب والله أعلم أنه سيتبع ذلك أمر جلل يعم العالم كله.

إن سنة الاستبدال جارية، ولكن الله يقيم الحجة على الناس قبل أن يأخذهم بعذاب جزاء ما اقترفت ايديهم من صمت وتخاذل وتواطؤ.

أما الصديق، فحين جاءت المصيبة الكبيرة في وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحين خارت قوى رجال عظماء كالفاروق من هولها، ثبته الله بما وقر في قلبه، وثبت به الأمة جميعا.

لقد كان شعار الصديق واضحا جليا في كل موقف، لا يهمه جموع الناس من حوله، ولا يثنيه رأي الحكماء عما يراه من الحق الواضح.

والله لأقاتلنهم وحدي..
أينقص الدين وأنا حي؟

هذا هو الصديق. ويالها من تبعات عظام تلك التي أعانه الله عليها. وياله من قلب موصول بالله فوق كل شيء.
إنها ليس كلمات أو قرارات عنترية. إنه قلب مثقل بهم الدين والرسالة. قلب يتسع للأمة كلها ولا يعرف التلون والزيف.

لله در الصديق، فوالله ما جاء بعد الأنبياء خير منه. وما سبق عن الصحابة بفضل صيام أو صدقة، إنما بقلب أشرب الإيمان، فكأنه قطعة لا تتجزأ منه.

ولا أحسب أن الأمة قد تعود إلى رشدها ألا برجال يتخذون الصديق قدوة ومثلا.
ولا حول ولا قوة إلا بالله.
العنوان: رد: من الماضي والحاضر.
أرسل بواسطة: جواد في 2024-08-22, 09:31:30
لطائف

حين تتقطع السبل بالإنسان فيغلق الأبواب ويظن بأن قدر الله قد قضي، تأتيه نسمات رحمة الله، كالنسمة الباردة في ليالي الصيف حين تداعب القلوب المتعبة..

سبحانك ربي ما عبدناك حق عبادتك. لا حول ولا قوة لنا إلا بك.

لعل من المعجزات الخفية في هذا الكون، هو ذلك الوسع الهائل في رحمة الله ولطفه بعباده، رغم ذنوبهم وتقصيرهم وسوء أخلاقهم..
هذه المنحة الإلهية  لكفيلة وحدها أن تأسر القلوب في محبة الله.

والمسلم يسير في هذه الدنيا كالسائر في صحراء مقفرة، حتى اذا ما أصابته رحمة من الله، أظلته واحة من لطف الله، شكر الله على نعمائه وفضله، وأحسن الظن في قضائه، فانطلق إلى قدره مقبلا عليه، فرحا بما كتبه الله له، على أي شكل كان.

والمؤمن الحصيف يشكر نعمة الله عليه بالإقبال على الله، والتفكر في اللطائف التي أكرمه الله بها، فيجتهد في شكر الله على نعمته ويرعاها حق رعايتها، ويسأل الله أن يلطف به وينير بصيرته، فلا تقعده النعمة عن العمل، بل تدفعه في طريق مراد مولاه وصاحب أمره.

فالحمد لله حمدا طيبا مباركا فيه كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه.
العنوان: رد: من الماضي والحاضر.
أرسل بواسطة: جواد في 2024-10-27, 06:58:38
لماذا ؟

بعد مرور أكثر من عام على الحرب الهمجية الصهيونية على قطاع غزة، وفي وقت لم تأت استجابة المسلمين على مستوى الحدث، على الرغم من بث الفظائع والمذابح لإخوتنا على الهواء،
أعتقد أنه من المهم جدا أن نسأل لماذا وصلنا إلى هذا الحال من السلبية والمذلة؟

وهل تكفي فعاليات المقاطعة الاقتصادية والحديث عن القضية على الإنترنت دليلا إيجابيا على حراك الأمة؟

هل مشكلتنا الحالية كمسلمين محبين للدين وراغبين في نصرته هي في تصوراتنا عن العمل والنصرة أم أن هناك مشكلة أخرى أعمق من ذلك؟

هل نستعجل النصرة؟

وما مقدار الاعداد المطلوب للأفراد قبل أن يتحركوا على الأرض؟

ثم كيف تكون هذه الحركة؟ وما أولوياتها؟

وما هي محطات التقييم التي ترشدنا على الاستمرار أو التوقف وإعادة التفكير في المسار الذي ننتهجه؟

كثير من الأفكار والخواطر اعتملت في نفسي طوال السنوات العشرين الماضية، وأحسب أنه من المهم تسجيلها حتى لا تظل حبيسة نفسي.

الله المستعان.
العنوان: رد: من الماضي والحاضر.
أرسل بواسطة: جواد في 2024-10-27, 07:23:16
-1-
قبل الشروع في الإجابة عن تلك الأسئلة الكبيرة - ولا أظن أن لدي الجواب الكامل عنها - أود أولا أن أتعرض للمنهج الذي استقي منه أفكاري وتصوراتي.

لدي قناعة عميقة أنه لا جديد على هذه الأرض. وأن كل ما نحتاجه هو حسن قراءة السيرة والتدبر في القرآن بمنظور واقعنا المعاصر.

وأنه مهما جئنا بشيء فلن يكون جديدا في جوهره عن هذا النبع الصافي للتشريع. فلن ينصلح حال هذه الأمة حقا إلا بما صلح به أولها.
والأولون أحسنوا قراءة واقعهم وتعاملوا مع متغيراته، فأعملوا فيه هذا الفهم العميق للقرآن والسنة، فأرسوا لنا كيفية استخراج منهجيات صالحة لكل زمان ومكان.

"عن العرباض بن سارية ، قال : صلى لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الصبح ، ثم أقبل علينا فوعظنا موعظة وجلت منها القلوب وذرفت منها العيون ، فقلنا : يا رسول الله كأنها موعظة مودع فأوصنا ، قال : " أوصيكم بتقوى الله ، والسمع والطاعة وإن أمر عليكم عبد حبشي ، فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا ، فعليكم بسنتي ، وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ ، وإياكم ومحدثات الأمور ، فإن كل بدعة ضلالة "

هذا التشديد على سنة الرسول صلى الله عليه وسلم وعلى سنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعده لا يجب أن يمر علينا دون تأمل في تفاصيل هذا الهدي.

لهذا فالمدخل الأساسي لحل لغز واقعنا ومطلوب العمل فيه ينبثق من دراسة السيرة بهذه النية والاقبال عليها بغية البصيرة في الفهم والإرشاد إلى الطريق الصحيح.

والخصوصية في سيرة الخلفاء الراشدين أنها تأتي في مرحلة قد انقطع فيها الوحي وتغيرت الكثير من المعطيات في الدولة الإسلامية وفي العالم من حولها بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم.

هذه المرجعية هي بمثابة المصباح الهادي في نهاية الطريق، وهي المعين الذي يجعلنا نفهم القرآن كدستور ينتهج أمور الحياة جميعا.

قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (137) هَٰذَا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ (138) وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (139) إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ ۚ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاءَ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (140)
العنوان: رد: من الماضي والحاضر.
أرسل بواسطة: جواد في 2024-10-27, 14:39:29
-2-

قبل الشروع في الحديث عن الأمة وحالها نحتاج أولا أن نتوقف مع أنفسنا لمراجعة حقيقة وجودنا نحن في هذه الحياة، فلا بأس من التذكرة بالقواعد الأساسية قبل الانطلاق نحو تعقيدات الواقع وملابساته.

وقد بدأ القران بالحديث عن قصة الخلق في أوائل سورة البقرة فوضح لنا الغاية الكبرى من خلقنا وطبيعة المعركة التي تنتظرنا في هذه الدنيا:

﴿ وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ۖ قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ ۖ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾

يقول سيد قطب رحمه الله:
"وإذن فهي المشيئة العليا تريد أن تسلم لهذا الكائن الجديد في الوجود، زمام هذه الأرض، وتطلق فيها يده، وتكل إليه إبراز مشيئة الخالق في الإبداع والتكوين، والتحليل والتركيب، والتحوير والتبديل؛ وكشف ما في هذه الأرض من قوى وطاقات، وكنوز وخامات، وتسخير هذا كله- بإذن الله- في المهمة الضخمة التي وكلها الله إليه.
وإذن فقد وهب هذا الكائن الجديد من الطاقات الكامنة، والاستعدادات المذخورة كفاء ما في هذه الأرض من قوى وطاقات، وكنوز وخامات؛ ووهب من القوى الخفية ما يحقق المشيئة الإلهية."

وقد يلتبس على البعض مفهوم الخلافة هنا، فيركن إلى الاستمتاع بالموارد بدلا من تسخيرها لتحقيق عبودية الله في الأرض. وهي خدعة قديمة جديدة، فإذا تحولت كنوز الدنيا إلى غاية في نفسها تنافسها الناس واقتتلوا عليها وانتشر الفساد وسفك الدماء ، ولعل هذا ما خشيته الملائكة حين ذكرت الفساد وسفك الدماء.

فمناط الاختبار اذن هي الإرادة الحرة التي تقاوم شهوة النفس فلا تصرفها الوسيلة عن الغاية العظيمة. فتعمل يدها في هذا الكون لتحقيق عبودية الله سبحانه وتعالى على أكمل وجه وكما يحب الله ويرضى.

وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56) مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ (57) إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ (58)

يقول سيد قطب رحمه الله:
وإن هذا النص الصغير ليحتوي حقيقة ضخمة هائلة ، من أضخم الحقائق الكونية التي لا تستقيم حياة البشرفي الأرض بدون إدراكها واستيقانها . سواء كانت حياة فرد أم جماعة . أم حياة الإنسانية كلها في جميع أدوارها وأعصارها .

وإنه ليفتح جوانب وزوايا متعددة من المعاني والمرامي ، تندرج كلها تحت هذه الحقيقة الضخمة ، التي تعد حجر الأساس الذي تقوم عليه الحياة

وأول جانب من جوانب هذه الحقيقة أن هنالك غاية معينة لوجود الجن والإنس . تتمثل في وظيفة من قام بها وأداها فقد حقق غاية وجوده ؛ ومن قصر فيها أو نكل عنها فقد أبطل غاية وجوده ؛ وأصبح بلا وظيفة ، وباتت حياته فارغة من القصد ، خاوية من معناها الأصيل ، الذي تستمد منه قيمتها الأولى . وقد انفلت من الناموس الذي خرج به إلى الوجود ، وانتهى إلى الضياع المطلق ، الذي يصيب كل كائن ينفلت من ناموس الوجود ، الذي يربطه ويحفظه ويكفل له البقاء .

هذه الوظيفة المعينة التي تربط الجن والإنس بناموس الوجود . هي العبادة لله . أو هي العبودية لله . . أن يكون هناك عبد ورب . عبد يعبد ، ورب يعبد . وأن تستقيم حياة العبد كلها على أساس هذا الاعتبار .

ومن ثم يبرز الجانب الآخر لتلك الحقيقة الضخمة ، ويتبين أن مدلول العبادة لا بد أن يكون أوسع وأشمل من مجرد إقامة الشعائر . فالجن والإنس لا يقضون حياتهم في إقامة الشعائر ؛ والله لا يكلفهم هذا . وهو يكلفهم ألوانا أخرى من النشاط تستغرق معظم حياتهم . وقد لا نعرف نحن ألوان النشاط التي يكلفها الجن ؛ ولكننا نعرف حدود النشاط المطلوب من الإنسان . نعرفها من القرآن من قول الله تعالى :  ( وإذ قال ربك للملائكة : إني جاعل في الأرض خليفة ) . . فهي الخلافة في الأرض إذن عمل هذا الكائن الإنساني . وهي تقتضي ألوانا من النشاط الحيوي في عمارة الأرض ، والتعرف إلى قواها وطاقاتها ، وذخائرها ومكنوناتها ، وتحقق إرادة الله في استخدامها وتنميتها وترقية الحياة فيها . كما تقتضي الخلافة القيام على شريعة الله في الأرض لتحقيق المنهج الإلهي الذي يتناسق مع الناموس الكوني العام .

ومن ثم يتجلى أن معنى العبادة التي هي غاية الوجود الإنساني أو التي هي وظيفة الإنسان الأولى ، أوسع وأشمل من مجرد الشعائر ؛ وأن وظيفة الخلافة داخلة في مدلول العبادة قطعا .وأن حقيقة العبادة تتمثل إذن في أمرين رئيسيين :

الأول : هو استقرار معنى العبودية لله في النفس . أي استقرار الشعور على أن هناك عبدا وربا . عبدا يعبد ، وربا يعبد . وأن ليس وراء ذلك شيء ؛ وأن ليس هناك إلا هذا الوضع وهذا الاعتبار . ليس في هذا الوجود إلا عابد ومعبود ؛ وإلا رب واحد والكل له عبيد .

والثاني : هو التوجه إلى الله بكل حركة في الضمير ، وكل حركة في الجوارح ، وكل حركة في الحياة . التوجه بها إلى الله خالصة ، والتجرد من كل شعور آخر ؛ ومن كل معنى غير معنى التعبد لله .

بهذا وذلك يتحقق معنى العبادة ؛ ويصبح العمل كالشعائر ، والشعائر كعمارة الأرض ، وعمارة الأرض كالجهاد في سبيل الله ، والجهاد في سبيل الله كالصبر على الشدائد والرضى بقدر الله . . كلها عبادة ؛ وكلها تحقيق للوظيفة الأولى التي خلق الله الجن والإنس لها ؛ وكلها خضوع للناموس العام الذي يتمثل في عبودية كل شيء لله دون سواه .

عندئذ يعيش الإنسان في هذه الأرض شاعرا أنه هنا للقيام بوظيفة من قبل الله تعالى ، جاء لينهض بها فترة ، طاعة لله وعبادة له لا أرب له هو فيها ، ولا غاية له من ورائها ، إلا الطاعة ، وجزاؤها الذي يجده في نفسهمن طمأنينة ورضى عن وضعه وعمله ، ومن أنس برضى الله عنه ، ورعايته له . ثم يجده في الآخرة تكريما ونعيما وفضلا عظيما .

وعندئذ يكون قد فر إلى الله حقا . يكون قد فر من أوهاق هذه الأرض وجواذبها المعوقة ومغرياتها الملفتة . ويكون قد تحرر بهذا الفرار . تحرر حقيقة من الأوهاق والأثقال . وخلص لله ، واستقر في الوضع الكوني الأصيل : عبدا لله . خلقه الله لعبادته . وقام بما خلق له . وحقق غاية وجوده . فمن مقتضيات استقرار معنى العبادة أن يقوم بالخلافة في الأرض ، وينهض بتكاليفها ، ويحقق أقصى ثمراتها ؛ وهو في الوقت ذاته نافض يديه منها ؛ خالص القلب من جواذبها ومغرياتها . ذلك أنه لم ينهض بالخلافة ويحقق ثمراتها لذاته هو ولا لذاتها . ولكن لتحقيق معنى العبادة فيها ، ثم الفرار إلى الله منها !

ومن مقتضياته كذلك أن تصبح قيمة الأعمال في النفس مستمدة من بواعثها لا من نتائجها . فلتكن النتائج ما تكون . فالإنسان غير معلق بهذه النتائج . إنما هو معلق بأداء العبادة في القيام بهذه الأعمال ؛ ولأن جزاءه ليس في نتائجها ، إنما جزاؤه في العبادة التي أداها . .

ومن ثم يتغير موقف الإنسان تغيرا كاملا تجاه الواجبات والتكاليف والأعمال . فينظر فيها كلها إلى معنى العبادة الكامن فيها . ومتى حقق هذا المعنى انتهت مهمته وتحققت غايته . ولتكن النتائج ما تكون بعد ذلك . فهذه النتائج ليست داخلة في واجبه ولا في حسابه ، وليست من شأنه . إنما هو قدر الله ومشيئته . وهو وجهده ونيته وعمله جانب من قدر الله ومشيئته .

ومتى نفض الإنسان قلبه من نتائج العمل والجهد ؛ وشعر أنه أخذ نصيبه ، وضمن جزاءه ، بمجرد تحقق معنى العبادة في الباعث على العمل والجهد ، فلن تبقى في قلبه حينئذ بقية من الأطماع التي تدعو إلى التكالب والخصام على أعراض هذه الحياة . فهو من جانب يبذل أقصى ما يملك من الجهد والطاقة في الخلافة والنهوض بالتكاليف . ومن جانب ينفض يده وقلبه من التعلق بأعراض هذه الأرض ، وثمرات هذا النشاط . فقد حقق هذه الثمرات ليحقق معنى العبادة فيها لا ليحصل عليها ويحتجزها لذاته .

هذا هو إذن معنى العبودية لله في صورته الشاملة وفهمه المنسجم مع مراد الله من خلق البشر. وليس تلك الصور المنقوصة التي اختزلت العبودية في شعائر تعبدية لا تتعدى نطاق المسجد.

وهكذا تحولت حياة الصحابة رضوان الله عليهم لتبرهن على هذا الفهم العميق لغاية خلقهم ومعنى عبوديتهم لله سبحانه وتعالى.
العنوان: رد: من الماضي والحاضر.
أرسل بواسطة: جواد في 2024-11-06, 07:09:27
-3-

{أَفَلَمۡ يَسِيرُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ فَتَكُونَ لَهُمۡ قُلُوبٞ يَعۡقِلُونَ بِهَآ أَوۡ ءَاذَانٞ يَسۡمَعُونَ بِهَاۖ فَإِنَّهَا لَا تَعۡمَى ٱلۡأَبۡصَٰرُ وَلَٰكِن تَعۡمَى ٱلۡقُلُوبُ ٱلَّتِي فِي ٱلصُّدُورِ} (46)

وقد جاء ذكر القلب في القرآن في أكثر من موضع على أنه محل القرار وما يعقله الناس من أمور في حياتهم. فمعضلة البشر ليست في عقولهم بالأساس، وإنما في قلوبهم.
ولعل هذا يفسر لنا كيف يعلم الناس الكثير من أمور الدين ولا يطبقونها، بل وقد يعاندونها أو يلتمسون كل الأعذار للهرب منها. فالمعرفة شيء والإيمان شيء آخر.

ومن هذا المنطلق ندرك أن تصحيح التصورات والمفاهيم لا يؤتي أثره إلا إذا صادف قلبا مؤمنا صادقا محبا لله ولرسوله. وأن قلة من أصحاب الإيمان بالتصور الصحيح هم حملة هذا الدين على الحقيقة.
ومن هذا أيضا نستنبط الأعداء الأكثر شراسة للمؤمنين، حاضرة فيما يصرف هذه القلوب عن إيمانها والعمل في الأرض بمقتضى هذا الإيمان.

إن فهم حقيقة المعركة وإدراك الأعداء فيها بوضوح لا يتجزأ عن فهم دور الخلافة الذي أوكله الله تعالى للإنسان في هذه الأرض.
ولعل هذا ما يفهم أيضا من سياق الآيات في بدايات سورة البقرة.
فتأتي البداية بتعريف الإيمان وصفة المؤمنين وطريق الهداية لهم. ثم الانتقال المباشر لصفة الكافرين وأن الله قد ختم على قلوبهم وعلى سمعهم.
فقد يرى العقل كل الحقائق ويتعرض لكل المعارف والتصورات الصحيحة، لكن لا جدوى بدون استجابة القلب.
بل إن مرض القلوب إذا لم يوقع في الكفر فقد يوقع صاحبه في النفاق، بل يزينه له فيبذل لغايته الفاسدة الجهد والتعب.

ثم تنتقل السورة إلى المبدأ الأصل. وحدانية الله سبحانه وتعالى، وتكليفه للناس بالعبادة له وحده والتدبر في شؤون هذا الكون العظيم حتى يستقر التوحيد في القلوب.
ولتكرار ذكر القلوب بهذا الشكل دلالة على أنها المكان الأساسي للمعركة.

فإذا ما استقر ذلك في الوجدان، تأخذنا الآيات في السياق الأكبر للمهمة التي خلق الإنسان من أجلها. ثم التجربة الأولى للفشل والقيام من بعده.

{فَأَزَلَّهُمَا ٱلشَّيۡطَٰنُ عَنۡهَا فَأَخۡرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِۖ وَقُلۡنَا ٱهۡبِطُواْ بَعۡضُكُمۡ لِبَعۡضٍ عَدُوّٞۖ وَلَكُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ مُسۡتَقَرّٞ وَمَتَٰعٌ إِلَىٰ حِينٖ} (36)

{فَتَلَقَّىٰٓ ءَادَمُ مِن رَّبِّهِۦ كَلِمَٰتٖ فَتَابَ عَلَيۡهِۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ} (37)

العنوان: رد: من الماضي والحاضر.
أرسل بواسطة: جواد في 2024-11-10, 19:28:01
-4-

يذكر لنا التاريخ أن الصليبيين قتلوا أكثر من ٧٠ ألف مسلم عند احتلالهم لبيت المقدس، ثم قاموا بتحويل المسجد إلى حظيرة خنازير.
وعندما اجتاح التتار بلاد المسلمين حرقوا مدنا بأكملها وقتلوا من المسلمين ما قدر في بعض الكتب بأكثر من مليوني مسلم.
لكن الله سبحانه وتعالى قدر للأمة في كل مرة من كسر شوكة الصليبيين والتتار وغيرهم على مدار تاريخ أمة الإسلام.

فما الذي اختلف هذه المرة في زماننا؟ ولماذا لا تستطيع الأمة أن تتابع النهوض بنفس الطريقة التي نهضت بها من قبل على يد صلاح الدين وقطز وغيرهما من المجاهدين؟
أحسب أن هناك ثلاث مستجدات محورية أخرجت الأمة عن مسار النهوض بعد الوقوع.

١- رضى المسلمين بالتحاكم لغير شرع الله في أمورهم وحياتهم، واختلال مفهوم العبودية لله سبحانه وتعالى في أذهان العموم. وبالتالي ضياع مفهوم شمولية الإسلام لشتى نواحي الحياة.
٢- الضعف اللغوي الذي عم الأمة بسبب الاقبال على تعلم اللغات الغربية، إما تحت سطوة المحتل وإما تحت شعار تحصيل العلوم ومد الجسور مع أجيال المسلمين في البلاد الغير ناطقة بالعربية.
٣- رضوخ الكثير من علماء الأمة للواقع (الدولة الحديثة) والتماشي معه من باب تيسير أمور الحياة للناس، ثم تأصيل هذا الواقع الجديد وهجران قضايا الأمة الكبرى كالحاكمية والمولاة وحصر الدين في شعائر تعبدية فردية.

وهكذا خرجت لنا حالة مشوهة من الفهم الضيق للدين لا تريد الصدام مع الواقع، وتحصر أدوات الدعوة حول نطاق الشعائر التعبدية التي لا تتصادم مع السلطة ولا الواقع العلماني لحياة الناس.
وبالتبعية انهار مفهوم الأمة في أذهان الناس، وخرجت لنا القبلية (القومية) المنتنة، ولم يعد يجد المسلمون غضاضة في التمتع بحياتهم وإخوانهم يذبحون أمام أعينهم على بعد دقائق أو ساعات منهم.
والأدهى محاولات شرعنة الواقع الجديد وظهور فئة جديدة ممن يدعون العلم الشرعي، لتجد للناس حلولا تريح ضمائرهم في قبول هذا الواقع العلماني السمج دون التصادم المباشر مع الشرع.

وكأننا أمام دين جديد تتحول فيه الصلاة مع الوقت إلى تمرينات رياضية، وشعائر الحج والعمرة إلى رحلات سياحية.
أما نصرة الدماء والأعراض والمقدسات، فهي منغصات تفسد حفلات الترفية ومؤتمرات الأعمال.

يقول سيد قطب رحمه الله:
"نحن اليوم في جاهلية كالجاهلية التي عاصرها الإسلام أو أظلم. كل ما حولنا جاهلية.. تصورات الناس وعقائدهم، عاداتهم وتقاليدهم، موارد ثقافتهم، فنونهم وآدابهم، شرائعهم وقوانينهم.
حتى الكثير مما نحسبه ثقافة إسلامية، ومراجع إسلامية، وفلسفة إسلامية، وتفكيرا إسلاميا.. هو كذلك من صنع هذه الجاهلية!!
لذلك لا تستقيم قيم الإسلام في نفوسنا، ولا يتضح في عقولنا، ولا ينشأ فينا جيل ضخم من الناس من ذلك الطراز الذي أنشأه الإسلام أول مرة.

فلا بد إذن – في منهج الحركة الإسلامية – أن نتجرد في فترة الحضانة والتكوين من كل مؤثرات الجاهلية التي نعيش فيها ونستمد منها.
لا بد أن نرجع ابتداء إلى النبع الخالص الذي استمد منه أولئك الرجال، النبع المضمون أنه لم يختلط ولم تشبه شائبة.
نرجع إليه نستمد منه تصورنا لحقيقة الوجود كله ولحقيقة الوجود الإنساني ولكافة الارتباطات بين هذين الوجودين وبين الوجود الكامل الحق، وجود الله سبحانه..
ومن ثم نستمد تصوراتنا للحياة، وقيمنا وأخلاقنا، ومناهجنا للحكم والسياسة والاقتصاد وكل مقومات الحياة.

ولا بد أن نرجع إليه – حين نرجع – بشعور التلقي للتنفيذ والعمل لا بشعور الدراسة والمتاع. نرجع إليه لنعرف ماذا يطلب منا أن نكون، لنكون.
وفي الطريق سنلتقي بالجمال الفني في القرآن وبالقصص وبمشاهد القيامة في القرآن.. وبالمنطق الوجداني في القرآن.. وبسائر ما يطلبه أصحاب الدراسة والمتاع.
ولكننا سنلتقي بهذا كله دون أن يكون هو هدفنا الأول. إن هدفنا الأول أن نعرف: ماذا يريد منا القرآن أن نعمل؟ ما هو التصور الكلي الذي يريد منا أن نتصور؟
كيف يريد القرآن أن يكون شعورنا بالله؟ كيف يريد أن تكون أخلاقنا وأوضاعنا ونظامنا الواقعي في الحياة؟"
العنوان: رد: من الماضي والحاضر.
أرسل بواسطة: جواد في 2024-11-10, 20:01:27
-5-

وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً مِّن بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُمْ إِذَا لَهُم مَّكْرٌ فِي آيَاتِنَا ۚ قُلِ اللَّهُ أَسْرَعُ مَكْرًا ۚ إِنَّ رُسُلَنَا يَكْتُبُونَ مَا تَمْكُرُونَ (21) هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ۖ حَتَّىٰ إِذَا كُنتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ ۙ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنجَيْتَنَا مِنْ هَٰذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (22) فَلَمَّا أَنجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ ۗ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَىٰ أَنفُسِكُم ۖ مَّتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (23) إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ حَتَّىٰ إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ ۚ كَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (24) وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَىٰ دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (25)

أتوقف كثيرا عند هذه الآيات وهذا الوصف العجيب لحال الناس في هذه الدنيا وانشغالهم بها، في حين أراد الله لهم أن ينشغلوا بما بعدها.

هذا التصوير القرآني البديع لحالة النفس البشرية في معترك الحياة. تفرح إذا ما حصلت شيء من الدنيا وتظن في نفسها القدرة على تحصيله بعلمها وأخذها بالأسباب.
فإذا ما انقلب الحال بهم وجاءت لحظة الضعف والخوف أمام قدرة الله، سارعوا إلى دعاء الله واللجوء إليه، أن يعودوا ويرجعوا إلى شكره وعبادته.
فلما أنجاهم الله، نكثوا العهد وبغوا في الأرض بغير الحق. يريدون تحصيل هذه الدنيا، يجعلونها كل همهم ومنتهى أملهم.

هذا الإقبال على الدنيا لذاتها مهلك، لطالما جاء التحذير منه في القرآن والسيرة. إنه المرض العضال والداء الذي لا ينفك يهلكنا ويبعدنا عن طريق الله.

لهذا جاءت الآيات التالية توضح لنا حقيقة هذه الدنيا. الدنيا التي نتصارعها ونتكالب عليها، يضرب الله لنا مثلها كمطر من السماء أخرج بعض الزرع ليقتات عليه الناس والأنعام، هكذا فقط في بساطة شديدة.
وكأن حال الدنيا هذه كلها كوجبة طعام لا أكثر.
فإذا ما انشغل الناس بها وركنوا إليها، واستزادوا منها، حتى ظنوا في أنفسهم القوة والقدرة على الاستقرار فيها وتحصيل متعها، أتاها أمر الله فأهلكها وكأنها لم تكن.

هي هكذا ليس لها وزن عند الله، وقيمتها أقل من أن يكون لهلاكها اهتماما كبيرا، فتنتهي في خطفة، سواءا كانت ليلا أو نهارا، فحجم هذه الدنيا أصغر من أن يكون لها شأن حتى في الهلاك.

ثم دعوة الله لنا لنتفكر ونتدبر. أهذا ما يشغلنا؟ أهذا ما نضيع فيه أعمارنا؟

ويأتينا الجواب الواضح الجلي. إن الله يدعونا للجنة، دار السلام. السلام من المنغصات والآلام، السلام من الهم والقلق والتعب. السلام من هذه الدنيا وكدرها.
هو طريق الله المستقيم. لا اعوجاج فيه ولا مواربة. وعلى هذا يجب أن تستقيم قلوبنا.
العنوان: رد: من الماضي والحاضر.
أرسل بواسطة: ماما هادية في 2024-12-08, 22:40:52
ما شاء الله
كتابات جميلة
فتح الله عليك ونفع بك
العنوان: رد: من الماضي والحاضر.
أرسل بواسطة: جواد في 2024-12-11, 09:36:42
ما شاء الله
كتابات جميلة
فتح الله عليك ونفع بك

وإياكم، آمين.
بارك الله بكم وحفظكم.
العنوان: رد: من الماضي والحاضر.
أرسل بواسطة: جواد في 2024-12-21, 05:02:24
-6-

عن جابر بن عبد الله الأنصاري ـ رضي الله عنه ـ يحدث عن بيعة العقبة الثانية فيقول: ( مكث رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بمكة عشر سنين، يتبع الناس في منازلهم بعكاظ ومجنة، وفي المواسم بمنى، يقول: من يؤويني، من ينصرني، حتى أبلغ رسالة ربي وله الجنة؟،

حتى إن الرجل ليخرج من اليمن أو من مضر فيأتيه قومه فيقولون: احذر غلام قريش، لا يفتنك، ويمشي بين رحالهم، وهم يشيرون إليه بالأصابع، حتى بعثنا الله إليه من يثرب، فآويناه، وصدقناه، فيخرج الرجل منا، فيؤمن به، ويقرئه القرآن، فينقلب إلى أهله فيسلمون بإسلامه، حتى لم يبق دار من دور الأنصار إلا وفيها رهط من المسلمين يظهرون الإِسلام، ثم ائتمروا جميعاً، فقلنا: حتى متى نترك رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يُطرد في جبال مكة ويخاف؟،

فرحل إليه منا سبعون رجلاً، حتى قدموا عليه في الموسم، فواعدناه شعب العقبة، فاجتمعنا عليه من رجل ورجلين حتى توافينا، فقلنا: يا رسول الله! علام نبايعك؟، قال: على السمع والطاعة في النشاط والكسل، وعلى النفقة في العسر واليسر، وعلى أن تقولوا في الله لا تأخذكم في الله لومة لائم، وعلى أن تنصروني إذا قدمت إليكم، وتمنعوني مما تمنعون منه أنفسكم وأزواجكم وأبناءكم، ولكم الجنة،

قال: فقمنا إليه، فبايعناه، وأخذ بيده ابن زرارة ـ وهو من أصغرهم ـ فقال: رويداً يا أهل يثرب! فإنا لم نضرب أكباد الإبل إلا ونحن نعلم أنه رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ، وأن إخراجه اليوم مفارقة العرب كافة، وقتل خياركم، وأن تعضكم السيوف، فإما أنتم قوم تصبرون على ذلك وأجركم على الله، وإما أنتم قوم تخافون من أنفسكم جُيَيْنة، فبينوا ذلك، فهو عذر لكم عند الله، قالوا: أمط عنا يا سعد! فوالله لا ندع هذه البيعة أبداً، ولا نسلبها أبداً، قال: فقمنا إليه، فبايعناه، فأخذ علينا وشرط، ويعطينا على ذلك الجنة ) رواه أحمد

شاء الله سبحانة وتعالى أن يكون الأنصار مضرب المثل في إقامة صرح الأمة كما شاء للمهاجرين أن يكونوا الأساس الذي قام عليه هذا الصرح العظيم.
وفي بيعة العقبة الثانية وما تبعها من أحداث الهجرة ثم أمور بناء الدولة الإسلامية الأولى وحتى عهد الخلفاء الراشدين المثال الراشد للأمة والقدوة الباقية للمسلمين إلى يوم الدين.

والمتأمل لحديث جابر بن عبد الله -رضي الله عنه- يجد محاور أساسية في تلك اللحظة الفارقة في تاريخ البشر.

١- الوعد والغاية الكبرى هي الجنة. لم يعدهم الرسول -صلى الله عليه وسلم- بأي شيء في الدنيا، لا ملك ولا رفاهية في عيش ولا استقرار ولا راحة.
والأنصار فهموا ذلك وأدركوه تماما. وهو ما ظهر في كلام ابن زرارة -رضي الله عنه- حين وصف لهم ما يترتب عليه قرارهم هذا من مفارقة العرب كافة وقتل خيارهم وأن تعضهم السيوف!
فالطريق واضح في أذهان الجميع، والقصد هو الجنة لا غير.

٢- المسلم يبحث عن إقامة دين الله في الأرض، وتبليغ رسالته للعالمين. لا عن حياة الدعة والاستمتاع بالدنيا وان كانت حلالا.
فالأنصار هم من جاءوا للرسول يطلبون العمل والتكليف. ولهذا صاروا منارة للمسلمين على مر الزمان. فلا تقوم الأمة إلا على أكتاف المبادرين للعمل، والمضحين في سبيل الله بالغالي والنفيس.

٣- إن تحقيق العبودية لله في الأرض لا يقوم إلا من خلال هذا الطريق الشاق. السمع والطاعة لله ولرسوله في النشاط والكسل، وعلى النفقة في سبيل الله في العسر واليسر، وعلى قول الحق مهما كان الظرف.
هذا الوضوح في الرؤية يخلع عن أذهان الناس التعلق بالدنيا. ويوضح لهم طبيعة المعركة المتعلقة بإقامة الدين في أي زمان ومكان. والثمن هو الجنة. فلا تعلق بالدنيا ولا شغف بتحصيلها أو الإصابة منها.

لكن السؤال هنا، ألم تفتح الدنيا على الصحابة بعد ذلك بسنوات؟ وبخاصة في خلافة الفاروق رضي الله عنه.

نعم. وكانت الدنيا سببا في انحراف الأمة عن المسار الصحيح بعد فترة الحكم الراشد. فالنفس البشرية جبلت على حب الاستمتاع بالدنيا وحب الاستقرار فيها والتنعم بخيراتها.
ولهذا كانت الدنيا من أكبر الفتن للمسلمين. ففي اللحظة التي يتعلق فيها قلب المسلم بالدنيا (وإن كانت حلالا)، يصعب عليه التضحية بها، ويركن إلى طول الأمد فيها.

هي معادلة صعبة حقا، وهذا هو الاختبار الذي يخوضه المسلم في كل لحظة وكل قرار في حياته.
فالدنيا هي أداة في يد المسلم لإعانته على تبليغ رسالة الله للعالمين، وإعلاء كلمة الله في الأرض فوق أي سلطان آخر.
هذه المعركة المستمرة هي الاختبار بعينة. فإذا ما حسمت هذه المعركة فهي أذان بزوال الدنيا ونهاية العالم. فقد انتهى الاختبار إذن.

فإذا ما وعي المسلم هذه الحقيقة، شغل نفسه بالمعركة والتجهيز لها والخوض فيها وتجنب فتنتها، لا بما يتبعها من تصور لراحة الناس في الدنيا في ظل حكم الإسلام.

وقد جاءت سورة الأنفال لتوضح هذا المعنى الدقيق للغاية. لأن الجدال المستمر في أن تحصيل الدنيا الحلال لا بأس فيه وأنه للاستعانة على قيام أمور الأمة، وهذا صحيح بالفعل إن لم يصبح هو الغاية في ذاته.

وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَن يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ (7)

إنها إعادة لضبط البوصلة وتصحيح الوجهة والمسار. فالله سبحانه وتعالى يريد أن تخلص نفوس الفئة المؤمنة لمعركة العقيدة، لا يصرفها عنها أي شيء آخر.
وقد نزلت الآية في وصف حال المؤمنين قبل غزوة بدر حين خرجوا ابتداءا قاصدين قافلة قريش (غير ذات الشوكة)، فقد كانت فرصة لاستعادة جزء من أموال المهاجرين المنهوبة من قبل قريش في مكة.
وقد كانت فرصة للتقوي بهذا المال على إقامة أحوال المؤمنين في الدولة المسلمة الناشئة في المدينة وقد كانت أحوج ما تكون إلى هذا المال.

لكن لا!. أراد الله سبحانه وتعالى أن يبين للمؤمنين في كل زمان ومكان حقيقة المعركة في هذه الدنيا، ويربي نفوسهم على حقائق الإيمان والاعتقاد به وحده.

هذا أول احتكاك مباشر بين الحق والباطل، فلابد أن يستقر في قلوب المؤمنين هذا التصور عن الدنيا وعن حركتهم فيها لإقامة دين الله في الأرض.
فالقلة المؤمنة الضعيفة في قوتها وعتادها وجاهزيتها لا تنتصر بأسباب الدنيا، وإنما تأخذ بما استطاعته من أسباب لأن الله أمرها بذلك، دون تعلق بهذه الأسباب وجاهزيتها.

فالنصر من الله وحده، والغاية هي إعلاء كلمة الله وإخضاع كل ما في الأرض لشريعة الله وسلطانه وحده. وتحرير الإنسان من الجاهلية. والجزاء هو الجنة.
فإذا ما استقر هذا المعنى في قلوب المؤمنين، صار لهم وقاية من الدنيا، وصفيت أذهانهم من التشتت في الانشغال الشديد بها فوق الطاقة. وهذا ما يتطلبه طريق الجهاد الطويل.
العنوان: رد: من الماضي والحاضر.
أرسل بواسطة: جواد في 2024-12-22, 11:27:53
-7-

{وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مِنكُمۡ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ لَيَسۡتَخۡلِفَنَّهُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ كَمَا ٱسۡتَخۡلَفَ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمۡ دِينَهُمُ ٱلَّذِي ٱرۡتَضَىٰ لَهُمۡ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّنۢ بَعۡدِ خَوۡفِهِمۡ أَمۡنٗاۚ يَعۡبُدُونَنِي لَا يُشۡرِكُونَ بِي شَيۡـٔٗاۚ وَمَن كَفَرَ بَعۡدَ ذَٰلِكَ فَأُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡفَٰسِقُونَ} (55)

يقول سيد قطب رحمه الله:

ذلك وعد الله للذين آمنوا وعملوا الصالحات من أمة محمد [صلى الله عليه وسلم] أن يستخلفهم في الأرض. وأن يمكن لهم دينهم الذي ارتضى لهم. وأن يبدلهم من بعد خوفهم أمنا.
 ذلك وعد الله . ووعد الله حق . ووعد الله واقع . ولن يخلف الله وعده . . فما حقيقة ذلك الإيمان؟ وما حقيقة هذا الاستخلاف؟

إن حقيقة الإيمان التي يتحقق بها وعد الله حقيقة ضخمة تستغرق النشاط الإنساني كله ؛ وتوجه النشاط الإنساني كله.
فما تكاد تستقر في القلب حتى تعلن عن نفسها في صورة عمل ونشاط وبناء وإنشاء موجه كله إلى الله ؛ لا يبتغي به صاحبه إلا وجه الله ؛ وهي طاعة لله واستسلام لأمره في الصغيرة والكبيرة ، لا يبقى معها هوى في النفس ، ولا شهوة في القلب ، ولا ميل في الفطرة إلا وهو تبع لما جاء به رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] من عند الله.

فهو الإيمان الذي يستغرق الإنسان كله، بخواطر نفسه، وخلجات قلبه. وأشواق روحه ، وميول فطرته ، وحركات جسمه ، ولفتات جوارحه ، وسلوكه مع ربه في أهله ومع الناس جميعا . . يتوجه بهذا كله إلى الله.
يتمثل هذا في قول الله سبحانه في الآية نفسها تعليلا للاستخلاف والتمكين والأمن : (يعبدونني لا يشركون بي شيئا) والشرك مداخل وألوان ، والتوجه إلى غير الله بعمل أو شعور هو لون من ألوان الشرك بالله .

ذلك الإيمان منهج حياة كامل ، يتضمن كل ما أمر الله به ، ويدخل فيما أمر الله به توفير الأسباب ، وإعداد العدة ، والأخذ بالوسائل ، والتهيؤ لحمل الأمانة الكبرى في الأرض . . أمانة الاستخلاف . .

فما حقيقة الاستخلاف في الأرض؟

إنها ليست مجرد الملك والقهر والغلبة والحكم . . إنما هي هذا كله على شرط استخدامه في الإصلاح والتعمير والبناء ؛ وتحقيق المنهج الذي رسمه الله للبشرية كي تسير عليه ؛ وتصل عن طريقه إلى مستوى الكمال المقدر لها في الأرض ، اللائق بخليقة أكرمها الله .

إن الاستخلاف في الأرض قدرة على العمارة والإصلاح، لا على الهدم والإفساد . وقدرة على تحقيق العدل والطمأنينة ، لا على الظلم والقهر . وقدرة على الارتفاع بالنفس البشرية والنظام البشري ، لا على الانحدار بالفرد والجماعة إلى مدارج الحيوان !

وهذا الاستخلاف هو الذي وعده الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات . . وعدهم الله أن يستخلفهم في الأرض - كما استخلف المؤمنين الصالحين قبلهم - ليحققوا النهج الذي أراده الله ؛ ويقرروا العدل الذي أراده الله ؛ ويسيروا بالبشرية خطوات في طريق الكمال المقدر لها يوم أنشأها الله . .
فأما الذين يملكون فيفسدون في الأرض ، وينشرون فيها البغي والجور ، وينحدرون بها إلى مدارج الحيوان . . فهؤلاء ليسوا مستخلفين في الأرض . إنما هم مبتلون بما هم فيه ، أو مبتلى بهم غيرهم ، ممن يسلطون عليهم لحكمة يقدرها الله .

آية هذا الفهم لحقيقة الاستخلاف قوله تعالى بعده : (وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم) . . وتمكين الدين يتم بتمكينه في القلوب ، كما يتم بتمكينه في تصريف الحياة وتدبيرها .
فقد وعدهم الله إذن أن يستخلفهم في الأرض ، وأن يجعل دينهم الذي ارتضى لهم هو الذي يهيمن على الأرض . ودينهم يأمر بالإصلاح ، ويأمر بالعدل ، ويأمر بالاستعلاء على شهوات الأرض . ويأمر بعمارة هذه الأرض ، والانتفاع بكل ما أودعها الله من ثروة ، ومن رصيد ، ومن طاقة ، مع التوجه بكل نشاط فيها إلى الله .

(وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا) . . ولقد كانوا خائفين ، لا يأمنون ، ولا يضعون سلاحهم أبدا حتى بعد هجرة الرسول [ صلى الله عليه وسلم ] إلى قاعدة الإسلام الأولى بالمدينة .

قال الربيع بن أنس عن أبي العالية في هذه الآية : كان النبي [ صلى الله عليه وسلم ] وأصحابه بمكة نحوا من عشر سنين يدعون إلى الله وحده ، وإلى عبادته وحده بلا شريك له ، سرا وهم خائفون لا يؤمرون بالقتال ؛ حتى أمروا بعد الهجرة إلى المدينة ، فقدموها ، فأمرهم الله بالقتال ، فكانوا بها خائفين ، يمسون في السلاح ويصبحون في السلاح ؛ فصبروا على ذلك ما شاء الله . ثم إن رجلا من الصحابة قال : يا رسول الله أبد الدهر نحن خائفون هكذا؟ أما يأتي علينا يوم نأمن فيه ونضع عنا السلاح؟ فقال رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] عليه وسلم - " لن تصبروا إلا يسيرا حتى يجلس الرجل منكم في الملأ العظيم ليست فيه حديدة " .

وأنزل الله هذه الآية ، فأظهر الله نبيه على جزيرة العرب ، فأمنوا ووضعوا السلاح . ثم إن الله قبض نبيه [ صلى الله عليه وسلم ] فكانوا كذلك آمنين في إمارة أبي بكر وعمر وعثمان . حتى وقعوا فيما وقعوا فيه ، فأدخل الله عليهم الخوف ؛ فاتخذوا الحجزة والشرط ، وغيروا فغير بهم . .

(ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون) . . الخارجون على شرط الله . ووعد الله . وعهد الله . .

لقد تحقق وعد الله مرة . وظل متحققا وواقعا ما قام المسلمون على شرط الله : ( يعبدونني لا يشركون بي شيئا ) . . لا من الآلهة ولا من الشهوات . ويؤمنون - من الإيمان - ويعملون صالحا .
ووعد الله مذخور لكل من يقوم على الشرط من هذه الأمة إلى يوم القيامة. إنما يبطى ء النصر والاستخلاف والتمكين والأمن . لتخلف شرط الله في جانب من جوانبه الفسيحة ؛ أو في تكليف من تكاليفه الضخمة ؛

حتى إذا انتفعت الأمة بالبلاء ، وجازت الابتلاء ، وخافت فطلبت الأمن ، وذلت فطلبت العزة ، وتخلفت فطلبت الاستخلاف . . كل ذلك بوسائله التي أرادها الله ، وبشروطه التي قررها الله . . تحقق وعد الله الذي لا يتخلف ، ولا تقف في طريقه قوة من قوى الأرض جميعا.

إن وعد الاستخلاف هنا نتيجة لا غاية. فمن تحققت فيه العبودية لله وحده أتاه وعد الله بالاستخلاف.
فمن السهل على من التبست عليه الغاية أن يقع في الظن بالأسباب أنها تحقق له النتيجة. وقد تختلط صورة هذه النتيجة في أذهاننا ببهرجة الدنيا فتصبح غايتنا دون أن ندري.
فنحن مطالبون بإقامة الدنيا على منهاج الله لأن هذا ما أمرنا الله به، لا حبا في الدنيا ولا رغبة في البقاء فيها إلا بقدر إقامتنا لأمر الله فيها.

وقد يبدو أنه لا يوجد فرق كبير بين السعي لإقامة الدنيا على مراد الله وبين إعلاء كلمة الله في الأرض وتحقيق العبودية الحقة لله وحده سبحانة.

لكن المتدبر لآيات القرآن يستشعر هذا الفصل بين الأمرين، وكأنه درس تربوي يضبط تصوراتنا عن الإيمان والاستخلاف.

{هُوَ ٱلَّذِيٓ أَرۡسَلَ رَسُولَهُۥ بِٱلۡهُدَىٰ وَدِينِ ٱلۡحَقِّ لِيُظۡهِرَهُۥ عَلَى ٱلدِّينِ كُلِّهِۦ وَلَوۡ كَرِهَ ٱلۡمُشۡرِكُونَ} (9) {يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ هَلۡ أَدُلُّكُمۡ عَلَىٰ تِجَٰرَةٖ تُنجِيكُم مِّنۡ عَذَابٍ أَلِيمٖ} (10)
{تُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ وَتُجَٰهِدُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ بِأَمۡوَٰلِكُمۡ وَأَنفُسِكُمۡۚ ذَٰلِكُمۡ خَيۡرٞ لَّكُمۡ إِن كُنتُمۡ تَعۡلَمُونَ} (11) {يَغۡفِرۡ لَكُمۡ ذُنُوبَكُمۡ وَيُدۡخِلۡكُمۡ جَنَّـٰتٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ وَمَسَٰكِنَ طَيِّبَةٗ فِي جَنَّـٰتِ عَدۡنٖۚ ذَٰلِكَ ٱلۡفَوۡزُ ٱلۡعَظِيمُ} (12)
{وَأُخۡرَىٰ تُحِبُّونَهَاۖ نَصۡرٞ مِّنَ ٱللَّهِ وَفَتۡحٞ قَرِيبٞۗ وَبَشِّرِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ} (13)

فالغاية من إرسال الرسل بالهدى هي إظهار دين الحق وإعلاء سلطان الله فلا ينازعه في الأمر أحد. وهذه هي التجارة الرابحة التي عرضت على المؤمنين، وجاء البيان العملي لها.
- إيمان بالله ورسوله وجهاد في سبيل الله بالمال والنفس
والجزاء: غفران الذنوب ودخول الجنة.

ثم يأتي النصر والفتح كجزاء ثانوي. (وأخرى)!
والصياغة هنا عجيبة! فقد وعد الله المؤمنين الاستخلاف في الأرض وتمكين الدين، فلماذا تأتي كأخرى، ولماذا جاء وصف الجنة قبلها من مجاري الأنهار والمساكن الطيبة؟

أحسب أن ذلك حتى لا تختلط الغاية في نفوس المؤمنين (إظهار الدين) وجزاء الجنة ونعيمها، بالنتيجة التي قدرها الله (النصر والفتح) وما يتبعه من انفتاح الدنيا.

وبهذا يمكننا أن نفهم تسلسل الأحداث، من إعداد العقيدة في مكة وترعرع الإيمان ونواة الدولة في المدينة ثم انطلاق الفتوح الإسلامية إلى كل بقاع الأرض بعد ذلك.

فالصديق رضي الله عنه لم يوجه أولويات الدولة تجاه بناء العمران والتقدم العلمي لتقديم نموذج حضاري ينافس به الروم والفرس في حضارتهم.
ولم يدخل ربعي بن عامر على رستم وهو يحمل أكثر الآلات تقدما في زمانه!
بل كانت رسالته لرستم في غاية الوضوح. "لقد ابتعثنا اللهُ لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة”

وهذا لا يعني أن المسلمين غير معنيين بالحضارة المادية وعلومها. وإنما تأتي الحضارة المادية كنتاج طبيعي لحركة المجتمع المسلم في سعيه لإعلاء كلمة الله في الأرض. ومنضبطة بتصور المسلم عن الكون والحياة.

فالمسلم يسير في هذه الدنيا بمنهاج الله في كل صغيرة وكبيرة في حياته. فيعمل يده في الكون ليحقق غاية وجوده فيه. لا رغبة في ثمرة هذا الكون لذاتها. فهو كون زائل في النهاية مهما أبدع البشر فيه.
وهذا معنى الاستخلاف على الحقيقة.
العنوان: رد: من الماضي والحاضر.
أرسل بواسطة: جواد في 2024-12-23, 06:24:06
-8-

{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِن تُطِيعُواْ فَرِيقٗا مِّنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ يَرُدُّوكُم بَعۡدَ إِيمَٰنِكُمۡ كَٰفِرِينَ} (100) {وَكَيۡفَ تَكۡفُرُونَ وَأَنتُمۡ تُتۡلَىٰ عَلَيۡكُمۡ ءَايَٰتُ ٱللَّهِ وَفِيكُمۡ رَسُولُهُۥۗ وَمَن يَعۡتَصِم بِٱللَّهِ فَقَدۡ هُدِيَ إِلَىٰ صِرَٰطٖ مُّسۡتَقِيمٖ} (101)

يقول سيد قطب رحمه الله:

وحين يصل السياق إلى هذا الحد ينهي الجدل مع أهل الكتاب ويغفل شأنهم كله . ويتجه إلى الجماعة المسلمة بالخطاب ، والتحذير ، والتنبيه والتوجيه . وبيان خصائص الجماعة المسلمة وقواعد منهجها وتصورها وحياتها ؛ وطبيعة وسائلها لتحقيق المنهج الذي ناطه الله بها.

لقد جاءت هذه الأمة المسلمة لتنشىء في الأرض طريقها على منهج الله وحده ، متميزة متفردة ظاهرة . لقد انبثق وجودها ابتداء من منهج الله ؛ لتؤدي في حياة البشر دورا خاصا لا ينهض به سواها . لقد وجدت لإقرار منهج الله في الأرض ، وتحقيقه في صورة عملية ، ذات معالم منظورة ، تترجم فيها النصوص إلى حركات وأعمال ، ومشاعر وأخلاق ، وأوضاع وارتباطات .

وهي لا تحقق غاية وجودها ، ولا تستقيم على طريقها ، ولا تنشىء في الأرض هذه الصورة الوضيئة الفريدة من الحياة الواقعية الخاصة المتميزة ، إلا إذا تلقت من الله وحده ، وإلا إذا تولت قيادة البشرية بما تتلقاه من الله وحده . قيادة البشرية . . لا التلقي من أحد من البشر ، ولا اتباع أحد من البشر ، ولا طاعة أحد من البشر . . إما هذا وإما الكفر والضلال والانحراف . .

هذا ما يؤكده القرآن ويكرره في شتى المناسبات . وهذا ما يقيم عليه مشاعر الجماعة المسلمة وأفكارها وأخلاقها كلما سنحت الفرصة . . وهنا موضع من هذه المواضع ، مناسبته هي المناظرة مع أهل الكتاب ، ومواجهة كيدهم وتآمرهم على الجماعة المسلمة في المدينة . . ولكنه ليس محدودا بحدود هذه المناسبة ، فهو التوجيه الدائم لهذه الأمة ، في كل جيل من أجيالها . لأنه هو قاعدة حياتها ، بل قاعدة وجودها .

لقد وجدت هذه الأمة لقيادة البشرية . فكيف تتلقى إذن من الجاهلية التي جاءت لتبدلها ولتصلها بالله ، ولتقودها بمنهج الله ؟ وحين تتخلى عن مهمة القيادة فما وجودها إذن ، وليس لوجودها - في هذه الحال - من غاية ؟ !

لقد وجدت للقيادة : قيادة التصور الصحيح . والاعتقاد الصحيح . والشعور الصحيح . والخلق الصحيح . والنظام الصحيح . والتنظيم الصحيح . . وفي ظل هذه الأوضاع الصحيحة يمكن أن تنمو العقول ، وأن تتفتح ، وأن تتعرف إلى هذا الكون ، وأن تعرف أسراره ، وأن تسخر قواه وطاقاته ومدخراته . . ولكن القيادة الأساسية التي تسمح بهذا كله وتسيطر على هذا كله ، وتوجهه لخير البشر لا لتهديدهم بالخراب والدمار ، ولا لتسخيره في المآرب والشهوات . . ينبغي أن تكون للإيمان ، وأن تقوم عليها الجماعة المسلمة ، مهتدية فيها بتوجيه الله . لا بتوجيه أحد من عبيد الله .

وهنا في هذا الدرس يحذر الأمة المسلمة من اتباع غيرها ، ويبين لها كذلك طريقها لإنشاء الأوضاع الصحيحة وصيانتها . ويبدأ بتحذيرها من اتباع أهل الكتاب ، وإلا فسيقودونها إلى الكفر لا مناص .
إن طاعة أهل الكتاب والتلقي عنهم ، واقتباس مناهجهم وأوضاعهم ، تحمل ابتداء معنى الهزيمة الداخلية ، والتخلي عن دور القيادة الذي من أجله أنشئت الأمة المسلمة . كما تحمل معنى الشك في كفاية منهج الله لقيادة الحياة وتنظيمها والسير بها صعدا في طريق النماء والارتقاء . وهذا بذاته دبيب الكفر في النفس ، وهي لا تشعر به ولا ترى خطره القريب .

هذا من جانب المسلمين . فأما من الجانب الآخر ، فأهل الكتاب لا يحرصون على شيء حرصهم على إضلال هذه الأمة عن عقيدتها . فهذه العقيدة هي صخرة النجاة ؛ وخط الدفاع ، ومصدر القوة الدافعة للأمة المسلمة . وأعداؤه يعرفون هذا جيدا . يعرفونه قديما ويعرفونه حديثا ، ويبذلون في سبيل تحويل هذه الأمة عن عقيدتها كل ما في وسعهم من مكر وحيلة ، ومن قوة كذلك وعدة . وحين يعجزهم أن يحاربوا هذه العقيدة ظاهرين يدسون لها ماكرين . وحين يعييهم أن يحاربوها بأنفسهم وحدهم ، يجندون من المنافقين المتظاهرين بالإسلام ، أو ممن ينتسبون - زورا - للإسلام ، جنودا مجندة ، لتنخر لهم في جسم هذه العقيدة من داخل الدار ، ولتصد الناس عنها ، ولتزين لهم مناهج غير منهجها ، وأوضاعا غير أوضاعها ، وقيادة غير قيادتها


{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِۦ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسۡلِمُونَ} (102) {وَٱعۡتَصِمُواْ بِحَبۡلِ ٱللَّهِ جَمِيعٗا وَلَا تَفَرَّقُواْۚ وَٱذۡكُرُواْ نِعۡمَتَ ٱللَّهِ عَلَيۡكُمۡ إِذۡ كُنتُمۡ أَعۡدَآءٗ فَأَلَّفَ بَيۡنَ قُلُوبِكُمۡ فَأَصۡبَحۡتُم بِنِعۡمَتِهِۦٓ إِخۡوَٰنٗا وَكُنتُمۡ عَلَىٰ شَفَا حُفۡرَةٖ مِّنَ ٱلنَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنۡهَاۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمۡ ءَايَٰتِهِۦ لَعَلَّكُمۡ تَهۡتَدُونَ} (103) {وَلۡتَكُن مِّنكُمۡ أُمَّةٞ يَدۡعُونَ إِلَى ٱلۡخَيۡرِ وَيَأۡمُرُونَ بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَيَنۡهَوۡنَ عَنِ ٱلۡمُنكَرِۚ وَأُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ} (104) {وَلَا تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَٱخۡتَلَفُواْ مِنۢ بَعۡدِ مَا جَآءَهُمُ ٱلۡبَيِّنَٰتُۚ وَأُوْلَـٰٓئِكَ لَهُمۡ عَذَابٌ عَظِيمٞ} (105)

وبعد هذا التحذير من التلقي عن أهل الكتاب وطاعتهم واتباعهم ينادي الله الجماعة المسلمة ويوجهها إلى القاعدتين الأساسيتين اللتين تقوم عليهما حياتها ومنهجها . واللتين لا بد منهما لكي تستطيع أن تضطلع بالأمانة الضخمة التي ناطها الله بها ، وأخرجها للوجود من أجلها . . هاتان القاعدتان المتلازمتان هما : الإيمان . والأخوة . . الإيمان بالله وتقواه ومراقبته في كل لحظة من لحظات الحياة . والأخوة في الله ، تلك التي تجعل من الجماعة المسلمة بنية حية قوية صامدة ، قادرة على أداء دورها العظيم في الحياة البشرية ، وفي التاريخ الإنساني : دور الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر . وإقامة الحياة على أساس المعروف وتطهيرها من لوثة المنكر.

إنهما ركيزتان تقوم عليهما الجماعة المسلمة ، وتؤدي بهما دورها الشاق العظيم . فإذا انهارت واحدة منهما لم تكن هناك جماعة مسلمة ، ولم يكن هنالك دور لها تؤديه.

ركيزة الإيمان والتقوى أولا . . التقوى التي تبلغ أن توفي بحق الله الجليل . . التقوى الدائمة اليقظة التي لا تغفل ولا تفتر لحظة من لحظات العمر حتى يبلغ الكتاب أجله.

( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ) . .
اتقوا الله - كما يحق له أن يتقى - وهي هكذا بدون تحديد تدع القلب مجتهدا في بلوغها كما يتصورها وكما يطيقها . وكلما أوغل القلب في هذا الطريق تكشفت له آفاق ، وجدت له أشواق . وكلما اقترب بتقواه من الله ، تيقظ شوقه إلى مقام أرفع مما بلغ ، وإلى مرتبة وراء ما ارتقى . وتطلع إلى المقام الذي يستيقظ فيه قلبه فلا ينام !

( ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون ) . .
والموت غيب لا يدري إنسان متى يدركه . فمن أراد ألا يموت إلا مسلما فسبيله أن يكون منذ اللحظة مسلما ، وأن يكون في كل لحظة مسلما . وذكر الإسلام بعد التقوى يشي بمعناه الواسع : الاستسلام . الاستسلام لله ، طاعة له ، واتباعا لمنهجه ، واحتكاما إلى كتابه . وهو المعنى الذي تقرره السورة كلها في كل موضع منها ، على نحو ما أسلفنا .

هذه هي الركيزة الأولى التي تقوم عليها الجماعة المسلمة لتحقق وجودها وتؤدي دورها . إذ أنه بدون هذه الركيزة يكون كل تجمع تجمعا جاهليا . ولا يكون هناك منهج لله تتجمع عليه أمة ، إنما تكون هناك مناهج جاهلية . ولا تكون هناك قيادة راشدة في الأرض للبشرية ، إنما تكون القيادة للجاهلية.

فأما الركيزة الثانية فهي ركيزة الأخوة . . الأخوة في الله ، على منهج الله ، لتحقيق منهج الله.

فهي أخوة إذن تنبثق من التقوى والإسلام . . من الركيزة الأولى . . أساسها الاعتصام بحبل الله - أي عهده ونهجه ودينه - وليست مجرد تجمع على أي تصور آخر ، ولا على أي هدف آخر ، ولا بواسطة حبل آخر من حبال الجاهلية الكثيرة !

( واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا ) . .
هذه الأخوة المعتصمة بحبل الله نعمة يمتن الله بها على الجماعة المسلمة الأولى . وهي نعمة يهبها الله لمن يحبهم من عباده دائما . وهو هنا يذكرهم هذه النعمة . يذكرهم كيف كانوا في الجاهلية " أعداء " . . وما كان أعدى من الأوس والخزرج في المدينة أحد . وهما الحيان العربيان في يثرب . يجاورهما اليهود الذين كانوا يوقدون حول هذه العداوة وينفخون في نارها حتى تأكل روابط الحيين جميعا . ومن ثم تجد يهود مجالها الصالح الذي لا تعمل إلا فيه ، ولا تعيش إلا معه . فألف الله بين قلوب الحيين من العرب بالإسلام . . وما كان إلا الإسلام وحده يجمع هذه القلوب المتنافرة . وما كان إلا حبل الله الذي يعتصم به الجميع فيصبحون بنعمة الله إخوانا .

وما يمكن أن يجمع القلوب إلا أخوة في الله ، تصغر إلى جانبها الأحقاد التاريخية ، والثارات القبلية ، والأطماع الشخصية والرايات العنصرية . ويتجمع الصف تحت لواء الله الكبير المتعال . .

( واذكروا نعمة الله عليكم ، إذ كنتم أعداء ، فألف بين قلوبكم ، فأصبحتم بنعمته إخوانا )
ويذكرهم كذلك نعمته عليهم في إنقاذهم من النار التي كانوا على وشك أن يقعوا فيها ، إنقاذهم من النار بهدايتهم إلى الاعتصام بحبل الله - الركيزة الأولى - وبالتأليف بين قلوبهم ، فأصبحوا بنعمة الله إخوانا - الركيزة الثانية - :

( وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها ) .
والنص القرآني يعمد إلى مكمن المشاعر والروابط : " القلب " . . فلا يقول : فألف بينكم . إنما ينفذ إلى المكمن العميق : ( فألف بين قلوبكم ) فيصور القلوب حزمة مؤلفة متآلفة بيد الله وعلى عهده وميثاقه . كذلك يرسم النص صورة لما كانوا فيه . بل مشهدا حيا متحركا تتحرك معه القلوب : ( وكنتم على شفا حفرة من النار ) . . وبينما حركة السقوط في حفرة النار متوقعة ، إذا بالقلوب ترى يد الله ، وهي تدرك وتنقذ ! وحبل الله وهو يمتد ويعصم . وصورة النجاة والخلاص بعد الخطر والترقب ! وهو مشهد متحرك حي تتبعه القلوب واجفة خافقة ، وتكاد العيون تتملاه من وراء الأجيال !

وقد ذكر محمد بن إسحاق في السيرة وغيره أن هذه الآية نزلت في شأن الأوس والخزرج . وذلك أن رجلا من اليهود مر بملأ من الأوس والخزرج ، فساءه ما هم عليه من الاتفاق والألفة ، فبعث رجلا معه ، وأمره أن يجلس بينهم ، ويذكر لهم ما كان من حروبهم يوم " بعاث " ! وتلك الحروب . ففعل . فلم يزل ذلك دأبه حتى حميت نفوس القوم ، وغضب بعضهم على بعض ، وتثاوروا ، ونادوا بشعارهم . وطلبوا أسلحتهم . وتوعدوا إلى " الحرة " . . فبلغ ذلك النبي [ ص ] فأتاهم ، فجعل يسكنهم ، ويقول : " أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم " وتلا عليهم هذه الآية ، فندموا على ما كان منهم ، واصطلحوا وتعانقوا وألقوا السلاح رضي الله عنهم .

وكذلك بين الله لهم فاهتدوا ، وحق فيهم قول الله سبحانه في التعقيب في الآية :

( كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون ) .
فهذه صورة من جهد يهود لتقطيع حبل الله بين المتحابين فيه ، القائمين على منهجه ، لقيادة البشرية في طريقه . . هذه صورة من ذلك الكيد الذي تكيده يهود دائما للجماعة المسلمة ، كلما تجمعت على منهج الله واعتصمت بحبله . وهذه ثمرة من ثمار طاعة أهل الكتاب . كادت ترد المسلمين الأولين كفارا يضرب بعضهم رقاب بعض . وتقطع بينهم حبل الله المتين ، الذي يتآخون فيه مجتمعين . وهذه صلة هذه الآية بالآيات قبلها في هذا السياق .

على أن مدلول الآية أوسع مدى من هذه الحادثة . فهي تشي - مع ما قبلها في السياق وما بعدها - بأنه كانت هناك حركة دائبة من اليهود لتمزيق شمل الصف المسلم في المدينة ، وإثارة الفتنة والفرقة بكل الوسائل . والتحذيرات القرآنية المتوالية من إطاعة أهل الكتاب ، ومن الاستماع إلى كيدهم ودسهم ، ومن التفرق كما تفرقوا . . هذه التحذيرات تشي بشدة ما كانت تلقاه الجماعة المسلمة من كيد اليهود في المدينة ، ومن بذرهم لبذور الشقاق والشك والبلبلة باستمرار . . وهو دأب يهود في كل زمان . وهو عملها اليوم وغدا في الصف المسلم ، في كل مكان.

فأما وظيفة الجماعة المسلمة التي تقوم على هاتين الركيزتين لكي تنهض بها . . هذه الوظيفة الضرورية لإقامة منهج الله في الأرض ، ولتغليب الحق على الباطل ، والمعروف على المنكر ، والخير على الشر . . هذه الوظيفة التي من أجلها أنشئت الجماعة المسلمة بيد الله وعلى عينه ، ووفق منهجه . . فهي التي تقررها الآية التالية :

( ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ، ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ، وأولئك هم المفلحون ) . .
فلا بد من جماعة تدعو إلى الخير ، وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر . لا بد من سلطة في الأرض تدعو إلى الخير وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر . والذي يقرر أنه لا بد من سلطة هو مدلول النص القرآني ذاته . فهناك " دعوة " إلى الخير . ولكن هناك كذلك " أمر " بالمعروف . وهناك " نهي " عن المنكر . وإذا أمكن أن يقوم بالدعوة غير ذي سلطان ، فإن " الأمر والنهي " لا يقوم بهما إلا ذو سلطان . .

هذا هو تصور الإسلام للمسألة . . إنه لا بد من سلطة تأمر وتنهى . . سلطة تقوم على الدعوة إلى الخير والنهي عن الشر . . سلطة تتجمع وحداتها وترتبط بحبل الله وحبل الأخوة في الله . . سلطة تقوم على هاتين الركيزتين مجتمعتين لتحقيق منهج الله في حياة البشر . . وتحقيق هذا المنهج يقتضي " دعوة " إلى الخير يعرف منها الناس حقيقة هذا المنهج . ويقتضي سلطة " تأمر " بالمعروف " وتنهى " عن المنكر . . فتطاع . . والله يقول : ( وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله ) . . فمنهج الله في الأرض ليس مجرد وعظ وإرشاد وبيان . فهذا شطر . أما الشطر الآخر فهو القيام بسلطة الأمر والنهي ، على تحقيق المعروف ونفي المنكر من الحياة البشرية ، وصيانة تقاليد الجماعة الخيرة من أن يعبث بها كل ذي هوى وكل ذي شهوة وكل ذي مصلحة ، وضمانة هذه التقاليد الصالحة من أن يقول فيها كل امرىء برأيه وبتصوره ، زاعما أن هذا هو الخير والمعروف والصواب !

والدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر - من ثم - تكليف ليس بالهين ولا باليسير ، إذا نظرنا إلى طبيعته ، وإلى اصطدامه بشهوات الناس ونزواتهم ، ومصالح بعضهم ومنافعهم ، وغرور بعضهم وكبريائهم . وفيهم الجبار الغاشم . وفيهم الحاكم المتسلط . وفيهم الهابط الذي يكره الصعود . وفيهم المسترخي الذي يكره الاشتداد . وفيهم المنحل الذي يكره الجد . وفيهم الظالم الذي يكره العدل . وفيهم المنحرف الذي يكره الاستقامة . . وفيهم وفيهم ممن ينكرون المعروف ، ويعرفون المنكر . ولا تفلح الأمة ، ولا تفلح البشرية ، إلا أن يسود الخير ، وإلا أن يكون المعروف معروفا ، والمنكر منكرا . . وهذا ما يقتضي سلطة للخير وللمعروف تأمر وتنهى . . وتطاع . .

ومن ثم فلا بد من جماعة تتلاقى على هاتين الركيزتين : الإيمان بالله والأخوة في الله . لتقوم على هذا الأمر العسير الشاق بقوة الإيمان والتقوى ثم بقوة الحب والألفة ، وكلتاهما ضرورة من ضرورات هذا الدور الذي ناطه الله بالجماعة المسلمة ، وكلفها به هذا التكليف . وجعل القيام به شريطة الفلاح . فقال عن الذين ينهضون به :

( وأولئك هم المفلحون ) . .
إن قيام هذه الجماعة ضرورة من ضرورات المنهج الإلهي ذاته . فهذه الجماعة هي الوسط الذي يتنفس فيه هذا المنهج ويتحقق في صورته الواقعية . هو الوسط الخير المتكافل المتعاون على دعوة الخير . المعروف فيه هو الخير والفضيلة والحق والعدل . والمنكر فيه هو الشر والرذيلة والباطل والظلم . . عمل الخير فيه أيسر من عمل الشر . والفضيلة فيه أقل تكاليف من الرذيلة . والحق فيه أقوى من الباطل . والعدل فيه أنفع من الظلم . . فاعل الخير فيه يجد على الخير اعوانا . وصانع الشر فيه يجد مقاومة وخذلانا . . ومن هنا قيمة هذا التجمع . .

إنه البيئة التي ينمو فيها الخير والحق بلا كبير جهد ، لأن كل ما حوله وكل من حوله يعاونه . والتي لا ينمو فيها الشر والباطل إلا بعسر ومشقة ، لأن كل ما حوله يعارضه ويقاومه .

والتصور الإسلامي عن الوجود والحياة والقيم والأعمال والأحداث والأشياء والأشخاص . . يختلف في هذا كله عن التصورات الجاهلية اختلافا جوهريا أصيلا . فلا بد إذن من وسط خاص يعيش فيه هذا التصور بكل قيمه الخاصة . لا بد له من وسط غير الوسط الجاهلي ، ومن بيئة غير البيئة الجاهلية .

هذا الوسط الخاص يعيش بالتصور الإسلامي ويعيش له ؛ فيحيا فيه هذا التصور ، ويتنفس أنفاسه الطبيعية في طلاقة وحرية ، وينمو نموه الذاتي بلا عوائق من داخله تؤخر هذا النمو أو تقاومه . وحين توجد هذه العوائق تقابلها الدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر . وحين توجد القوة الغاشمة التي تصد عن سبيل الله تجد من يدافعها دون منهج الله في الحياة .

هذا الوسط يتمثل في الجماعة المسلمة القائمة على ركيزتي الإيمان والأخوة . الإيمان بالله كي يتوحد تصورها للوجود والحياة والقيم والأعمال والأحداث والأشياء والأشخاص ، وترجع إلى ميزان واحد تقوم به كل ما يعرض لها في الحياة ، وتتحاكم إلى شريعة واحدة من عند الله ، وتتجه بولائها كله إلى القيادة القائمة على تحقيق منهج الله في الأرض . . والأخوة في الله . كي يقوم كيانها على الحب والتكافل اللذين تختفي في ظلالهما مشاعر الأثرة ، وتتضاعف بهما مشاعر الإيثار . الإيثار المنطلق في يسر ، المندفع في حرارة ، المطمئن الواثق المرتاح .

وهكذا قامت الجماعة المسلمة الأولى - في المدينة - على هاتين الركيزتين . . على الإيمان بالله : ذلك الإيمان المنبثق من معرفة الله - سبحانه - وتمثل صفاه في الضمائر ؛ وتقواه ومراقبته ، واليقظة والحساسية إلى حد غير معهود إلا في الندرة من الأحوال . وعلى الحب . الحب الفياض الرائق ، والود . الود العذب الجميل ، والتكافل . التكافل الجاد العميق . . وبلغت تلك الجماعة في ذلك كله مبلغا ، لولا أنه وقع ، لعد من أحلام الحالمين ! وقصة المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار قصة من عالم الحقيقة ، ولكنها في طبيعتها أقرب إلى الرؤى الحالمة ! وهي قصة وقعت في هذه الأرض . ولكنها في طبيعتها من عالم الخلد والجنان !

وعلى مثل ذلك الإيمان ومثل هذه الأخوة يقوم منهج الله في الأرض في كل زمان .

ومن ثم يعود السياق فيحذر الجماعة المسلمة من التفرق والاختلاف ؛ وينذرها عاقبة الذين حملوا أمانة منهج الله قبلها - من أهل الكتاب - ثم تفرقوا واختلفوا ، فنزع الله الراية منهم ، وسلمها للجماعة المسلمة المتآخية . . فوق ما ينتظرهم من العذاب.
( ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم )
العنوان: رد: من الماضي والحاضر.
أرسل بواسطة: جواد في 2024-12-25, 11:25:24
-9-

{وَقُلۡنَا يَـٰٓـَٔادَمُ ٱسۡكُنۡ أَنتَ وَزَوۡجُكَ ٱلۡجَنَّةَ وَكُلَا مِنۡهَا رَغَدًا حَيۡثُ شِئۡتُمَا وَلَا تَقۡرَبَا هَٰذِهِ ٱلشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ ٱلظَّـٰلِمِينَ} (35) {فَأَزَلَّهُمَا ٱلشَّيۡطَٰنُ عَنۡهَا فَأَخۡرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِۖ وَقُلۡنَا ٱهۡبِطُواْ بَعۡضُكُمۡ لِبَعۡضٍ عَدُوّٞۖ وَلَكُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ مُسۡتَقَرّٞ وَمَتَٰعٌ إِلَىٰ حِينٖ} (36)

الجنة دار المؤمن وسكنه ومستقره الذي يعيش على أمل الرجوع له. فالبشر في الدنيا في رحلة اختبار وتكليف، لا مقام واستقرار.
وعلى هذا المعنى نفهم كيف هانت الدنيا على الصحابة الكرام رضوان الله عليهم، وكيف كانت قراراتهم فيها سهلة دون تعقيد ولا تأزم.
إن نفسية المؤمن المدركة لحقيقة وجوده المؤقت في هذه الدنيا تهون عليه أقدار الدنيا وكدرها. وهكذا كانت حركة المجتمع الأول سهلة بسيطة في كل أمور الدنيا المادية والاجتماعية.

وكما وجهت الآية تفكير المسلم لتوضيح حقيقة مستقره ومسكنه النهائي، كذلك فإنها وضحت حقيقة معركته في اختبار الدنيا، وحقيقة نفسه الضعيفة أمام مكر الشيطان الذي يصادف أهواء النفس البشرية.

يقول سيد قطب:

والآن. لقد انكشف ميدان المعركة الخالدة. المعركة بين خليقة الشر في إبليس، وخليفة الله في الأرض. المعركة الخالدة في ضمير الإنسان. المعركة التي ينتصر فيها الخير بمقدار ما يستعصم الإنسان لشهوته. ويبعد عن ربه.

لقد أبيحت لهما كل ثمار الجنة.. إلا شجرة.. شجرة واحدة، ربما كانت ترمز للمحظور الذي لا بد منه في حياة الأرض. فبغير محظور لا تنبت الإرادة ، ولا يتميز الإنسان المريد من الحيوان المسوق، ولا يمتحن صبر الإنسان على الوفاء بالعهد والتقيد بالشرط. فالإرادة هي مفرق الطريق. والذين يستمتعون بلا إرادة هم من عالم البهيمة، ولو بدوا في شكل الآدميين!.

(فأزلهما الشيطان عنها، فأخرجهما مما كانا فيه)
ويا للتعبير المصور: فأزلهما .. إنه لفظ يرسم صورة الحركة التي يعبر عنها. وإنك لتكاد تلمح الشيطان وهو يزحزحهما عن الجنة، ويدفع بأقدامهما فتزل وتهوى!.
عندئذ تمت التجربة: نسي آدم عهده، وضعف أمام الغواية. وعندئذ حقت كلمة الله، وصرح قضاؤه:

(وقلنا اهبطوا بعضكم لبعض عدو، ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين)
وكان هذا إيذانا بانطلاق المعركة في مجالها المقدر لها. بين الشيطان والإنسان. إلى آخر الزمان. ونهض آدم من عثرته، بما ركب في فطرته، وأدركته رحمة ربه التي تدركه دائما عندما يثوب إليها، ويلوذ بها.

(فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه، إنه هو التواب الرحيم)
وتمت كلمة الله الأخيرة، وعهده الدائم مع آدم وذريته. عهد الاستخلاف في هذه الأرض، وشرط الفلاح فيها أو البوار.

(قلنا اهبطوا منها جميعا فإما يأتينكم مني هدى فمن تبع هداي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون)
وانتقلت المعركة الخالدة إلى ميدانها الأصيل، وانطلقت من عقالها ما تهدأ لحظة وما تفتر. وعرف الإنسان في فجر البشرية كيف ينتصر إذا شاء الانتصار، وكيف ينكسر إذا اختار لنفسه الخسار.

وبعد فلا بد من عودة إلى مطالع القصة. قصة البشرية الأولى.

لقد قال الله تعالى للملائكة: إني جاعل في الأرض خليفة .. وإذن فآدم مخلوق لهذه الأرض منذ اللحظة الأولى. ففيم إذن كانت تلك الشجرة المحرمة؟ وفيم إذن كان بلاء آدم ؟ وفيم إذن كان الهبوط إلى الأرض، وهو مخلوق لهذه الأرض منذ اللحظة الأولى؟

لعلني ألمح أن هذه التجربة كانت تربية لهذا الخليفة وإعدادا. كانت إيقاظا للقوى المذخورة في كيانه. كانت تدريبا له على تلقي الغواية، وتذوق العاقبة، وتجرع الندامة، ومعرفة العدو، والالتجاء بعد ذلك إلى الملاذ الأمين.

إن قصة الشجرة المحرمة، ووسوسة الشيطان باللذة، ونسيان العهد بالمعصية، والصحوة من بعد السكرة، والندم وطلب المغفرة.. إنها هي هي تجربة البشرية المتجددة المكرورة!.
لقد اقتضت رحمة الله بهذا المخلوق أن يهبط إلى مقر خلافته ، مزودا بهذه التجربة التي سيتعرض لمثلها طويلا، استعدادا للمعركة الدائبة وموعظة وتحذيرا..


ولعل من الإشارات الأخرى اللطيفة في موقع القصة بعد آيات الخلق في أول سورة البقرة، أنها تصيغ أولويات المفاهيم والتصورات للمؤمنين على مر الحياة.
ونحن في حاجة كبيرة لهذا الوضوح في الأذهان والقلب في زمان ازدحمت فيه المعرفة وانفتح على البشر من ألوان العلوم وصنوفها ما يغرق العقل ويعقد التصور.
إن كل منطلق للتصور في حياة البشر وفي خلافة الإنسان في هذه الأرض لابد أن ينطلق من تلك الحقائق الواضحة لغاية خلقه وتحديد أعداءه ومناط اختباره في معركة الدنيا.

ومن ثم لا تخرج أفعال المؤمن الاستخلافية في الأرض عن مقصدها، ولا يغيب عن ناظره وقته المحدود فيها. وبالتالي تنضبط أولوياته ويتجلى أمامه خط سيره الذي يرجوا في نهايته أن يصل لمستقره الأصلي في الجنة بإذن الله.
العنوان: رد: من الماضي والحاضر.
أرسل بواسطة: جواد في 2024-12-25, 19:56:22
-10-

وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133) الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ ۗ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (134) وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَىٰ مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ (135) أُولَٰئِكَ جَزَاؤُهُم مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (136) قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (137) هَٰذَا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ (138) وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (139) إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ ۚ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاءَ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (140) وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ (141) أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ (142) وَلَقَدْ كُنتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِن قَبْلِ أَن تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ (143) وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ ۚ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ ۚ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا ۗ وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ (144) وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَن تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَابًا مُّؤَجَّلًا ۗ وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا ۚ وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ (145) وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا ۗ وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ (146) وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَن قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (147) فَآتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآخِرَةِ ۗ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (148) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ فَتَنقَلِبُوا خَاسِرِينَ (149) بَلِ اللَّهُ مَوْلَاكُمْ ۖ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ (150) سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا ۖ وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ ۚ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ (151) وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُم بِإِذْنِهِ ۖ حَتَّىٰ إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُم مِّن بَعْدِ مَا أَرَاكُم مَّا تُحِبُّونَ ۚ مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ الْآخِرَةَ ۚ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ ۖ وَلَقَدْ عَفَا عَنكُمْ ۗ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ (152) إِذْ تُصْعِدُونَ وَلَا تَلْوُونَ عَلَىٰ أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ لِّكَيْلَا تَحْزَنُوا عَلَىٰ مَا فَاتَكُمْ وَلَا مَا أَصَابَكُمْ ۗ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (153)


لَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ ۖ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (10) وَكَمْ قَصَمْنَا مِن قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا آخَرِينَ (11) فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا إِذَا هُم مِّنْهَا يَرْكُضُونَ (12) لَا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلَىٰ مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ (13) قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ (14) فَمَا زَالَت تِّلْكَ دَعْوَاهُمْ حَتَّىٰ جَعَلْنَاهُمْ حَصِيدًا خَامِدِينَ (15) وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ (16) لَوْ أَرَدْنَا أَن نَّتَّخِذَ لَهْوًا لَّاتَّخَذْنَاهُ مِن لَّدُنَّا إِن كُنَّا فَاعِلِينَ (17) بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ ۚ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ (18) وَلَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ وَمَنْ عِندَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ (19) يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ (20) أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِّنَ الْأَرْضِ هُمْ يُنشِرُونَ (21) لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا ۚ فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ (22) لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ (23) أَمِ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ آلِهَةً ۖ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ ۖ هَٰذَا ذِكْرُ مَن مَّعِيَ وَذِكْرُ مَن قَبْلِي ۗ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ ۖ فَهُم مُّعْرِضُونَ (24)
العنوان: رد: من الماضي والحاضر.
أرسل بواسطة: جواد في 2024-12-26, 15:31:21
-11-

{وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا ٱسۡتَطَعۡتُم مِّن قُوَّةٖ وَمِن رِّبَاطِ ٱلۡخَيۡلِ تُرۡهِبُونَ بِهِۦ عَدُوَّ ٱللَّهِ وَعَدُوَّكُمۡ وَءَاخَرِينَ مِن دُونِهِمۡ لَا تَعۡلَمُونَهُمُ ٱللَّهُ يَعۡلَمُهُمۡۚ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيۡءٖ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ يُوَفَّ إِلَيۡكُمۡ وَأَنتُمۡ لَا تُظۡلَمُونَ} (60)

عن ثوبان عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال:
" يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها، فقال قائل: ومن قلة نحن يومئذ؟ قال: بل أنتم يومئذ كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفن الله في قلوبكم الوهن، فقال قائل يا رسول الله: وما الوهن؟ قال حب الدنيا وكراهية الموت"

إنها الدنيا مرة أخرى، من ترك العمل فيها ولم يأخذ بما يستطيعه من أسبابها فقد خالف أمر الله. كذلك فإن الإنغماس في الدنيا لذاتها وحبا فيها يحيد بالمسلمين عن الطريق ويورثهم الذلة والمهانة بين الأمم.

هذه العلاقة المتشابكة مع الدنيا تصف واقع اختبار المؤمن فيها. فهو لا يقعد عنها فيتركها قوة في يد أعداء الله يحاربونه بها، ولا هو يطلبها لذاتها فيقع في فتنتها فتورثه الخذلان والضياع.

إنها حقيقة الخلافة في هذه الأرض. أن يعمرها الإنسان على مراد الله بغية إعلاء كلمة الله وسلطانه على كل سلطان آخر في هذه الدنيا.
فالغاية والوسيلة مترابطتان لا يستقيم أحدهما دون الآخر. فلا يتنزل النصر دون عمل، ولا يتحول وجه الحياة ليكون على مراد الله دون إعداد وتضحية وبذل للدماء.

 عن حذيفة عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال:
"تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون ملكًا عاضًا فيكون ما شاء الله أن يكون، ثم يرفعها إذا شاء الله أن يرفعها، ثم تكون ملكًا جبرية فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة، ثم سكت"

لقد فرق الرسول صلى الله عليه وسلم بين الخلافة والملك حتى تتضح القدوة للناس في مفهوم الخلافة الراشدة، وحتى يتضح منهاج النبوة في إقامة الدنيا، فلا يختلط بظواهر ملك الدنيا.

وبهذا الفهم المنضبط يقبل المؤمن على العمل في الدنيا مستعدا لها، ومدركا لغايته منها، وغير غافل عن فتنتها وخداعها.
إن المؤمن لا يستقي تصوراته عن الدنيا من واقع الناس ولا ما ألفوه فيها. مهما كان هذا الواقع مهيمنا على حياة الناس، ومهما كانت القوة التي تدعم تلك التصورات الجاهلية.
فالإطار الإسلامي للدنيا محكم في الكتاب والسنة، وتحققت القدوة النموذجية له في عهد الخلفاء الراشدين. ومن هذا الإطار الإسلامي الصافي يستقي المسلم تصوراته التي تلائم واقعه في كل زمان ومكان.

والمؤمن يتعامل مع الواقع بحكمة ورفق، فلا تخرجه الغاية عن القصد. ولا يتعجل الثمرة قبل أوانها، فهو مأجور على فعله وعمله، والله وحده بيده النصر والتمكين.
فحياة المؤمن هي معركة الحق والباطل، وهي سنة التدافع في هذه الدنيا حتى نهايتها. وعلى هذا يوجه المؤمن كل سكناته وحركاته في هذه الدنيا.


يقول سيد قطب رحمه الله:

ولكن الإسلام يتخذ للنصر عدته الواقعية التي تدخل في طوق العصبة المسلمة ؛ فهو لا يعلق أبصارها بتلك الآفاق العالية إلا وقد أمن لها الأرض الصلبة التي تطمئن عليها أقدامها ؛ وهيأ لها الأسباب العملية التي تعرفها فطرتها وتؤيدها تجاربها ؛ وإلا إذا أعدها هي للحركة الواقعية التي تحقق هذه الغايات العلوية :

( وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ، ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم . وما تنفقوا من شيء في سبيل الله يوف إليكم وأنتم لا تظلمون ) .
فالاستعداد بما في الطوق فريضة تصاحب فريضة الجهاد ؛ والنص يأمر بإعداد القوة على اختلاف صنوفها وألوانها وأسبابها ؛ ويخص ( رباط الخيل )لأنه الأداة التي كانت بارزة عند من كان يخاطبهم بهذا القرآن أول مرة . . ولو أمرهم بإعداد أسباب لا يعرفونها في ذلك الحين مما سيجد مع الزمن لخاطبهم بمجهولات محيرة - تعالى الله عن ذلك علواً كبيرا - والمهم هو عموم التوجيه :

( وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ) .
إنه لا بد للإسلام من قوة ينطلق بها في " الأرض " لتحرير " الإنسان " . . وأول ما تصنعه هذه القوة في حقل الدعوة : أن تؤمن الذين يختارون هذه العقيدة على حريتهم في اختيارها ؛ فلا يصدوا عنها ، ولا يفتنوا كذلك بعد اعتناقها . .
والأمر الثاني : أن ترهب أعداء هذا الدين فلا يفكروا في الاعتداء على " دار الإسلام " التي تحميها تلك القوة . .
والأمر الثالث : أن يبلغ الرعب بهؤلاء الأعداء أن لا يفكروا في الوقوف في وجه المد الإسلامي ، وهو ينطلق لتحرير " الإنسان " كله في " الأرض " كلها . .
والأمر الرابع : أن تحطم هذه القوة كل قوة في الأرض تتخذ لنفسها صفة الألوهية ، فتحكم الناس بشرائعها هي وسلطانها ؛ ولا تعترف بأن الألوهية لله وحده ؛ ومن ثم فالحاكمية له وحده سبحانه . .

إن الإسلام ليس نظاماً لاهوتياً يتحقق بمجرد استقراره عقيدة في القلوب ، وتنظيماً للشعائر ، ثم تنتهي مهمته !
إن الإسلام منهج عملي واقعي للحياة ؛ يواجه مناهج أخرى تقوم عليها سلطات وتقف وراءها قوى مادية . فلا مفر للإسلام - لإقرار منهجه الرباني - من تحطيم تلك القوى المادية ، وتدمير السلطات التي تنفذ تلك المناهج الأخرى ، وتقاوم المنهج الرباني . .


وينبغي للمسلم ألا يتمتم ولا يجمجم وهو يعلن هذه الحقيقة الكبيرة . . ينبغي ألا يستشعر الخجل من طبيعة منهجه الرباني . ينبغي أن يذكر أن الإسلام حين ينطلق في الأرض إنما ينطلق لإعلان تحرير الإنسان بتقرير ألوهية الله وحده وتحطيم ألوهية العبيد !
إنه لا ينطلق بمنهج من صنع البشر ؛ ولا لتقرير سلطان زعيم ، أو دولة ، أو طبقة ، أو جنس ! إنه لا ينطلق لاسترقاق العبيد ليفلحوا مزارع الأشراف كالرومان ؛ ولا لاستغلال الأسواق والخامات كالرأسمالية الغربية ؛ ولا لفرض مذهب بشري من صنع بشر جاهل قاصر كالشيوعية وما إليها من المذاهب البشرية . .
إنما ينطلق بمنهج من صنع الله العليم الحكيم الخبير البصير ، ولتقرير ألوهية الله وحده وسلطانه لتحرير " الإنسان " في " الأرض " من العبودية للعبيد . .

هذه هي الحقيقة الكبيرة التي يجب أن يدركها المهزومون الذين يقفون بالدين موقف الدفاع ؛ وهم يتمتمون ويجمجمون للاعتذار عن المد الإسلامي ! والجهاد الإسلامي .

ويحسن أن نعرف حدود التكليف بإعداد القوة . فالنص يقول :

( وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ) .
فهي حدود الطاقة إلى أقصاها . بحيث لا تقعد العصبة المسلمة عن سبب من أسباب القوة يدخل في طاقتها . كذلك يشير النص إلى الغرض الأول من إعداد القوة :

( ترهبون به عدو الله وعدوكم ، وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم ).
فهو إلقاء الرعب والرهبة في قلوب أعداء الله الذين هم أعداء العصبة المسلمة في الأرض . الظاهرين منهم الذين يعلمهم المسلمون ؛ ومن وراءهم ممن لا يعرفونهم ، أو لم يجهروا لهم بالعداوة ، واللّه يعلم سرائرهم وحقائقهم . وهؤلاء ترهبهم قوة الإسلام ولو لم تمتد بالفعل إليهم .
والمسلمون مكلفون أن يكونوا أقوياء ، وأن يحشدوا ما يستطيعون من أسباب القوة ليكونوا مرهوبين في الأرض ؛ ولتكون كلمة اللّه هي العليا ، وليكون الدين كله للّه .

ولما كان إعداد العدة يقتضي أموالا ، وكان النظام الإسلامي كله يقوم على أساس التكافل ، فقد اقترنت الدعوة إلى الجهاد بالدعوة إلى إنفاق المال في سبيل الله :

( وما تنفقوا من شيء - في سبيل الله - يوف إليكم وأنتم لا تظلمون ).
وهكذا يجرد الإسلام الجهاد والنفقة في سبيله ، من كل غاية أرضية ، ومن كل دافع شخصي ؛ ومن كل شعور قومي أو طبقي ، ليتمحض خالصا للّه " في سبيل اللّه " لتحقيق كلمة اللّه ، ابتغاء رضوان اللّه .

ومن ثم ينفي الإسلام من حسابه - منذ الوهلة الاولى - كل حرب تقوم على أمجاد الأشخاص والدول . وكل حرب تقوم للاستغلال وفتح الأسواق . وكل حرب تقوم للقهر والإذلال . وكل حرب تقوم لتسويد وطن على وطن ، أو قوم على قوم ، أو جنس على جنس ، أو طبقة على طبقة . .
ويستبقي نوعاً واحداً من الحركة . . حركة الجهاد في سبيل الله . . والله - سبحانه - لا يريد تسويد جنس ولا وطن ولا قوم ولا طبقة ولا فرد ولا شعب .
إنما يريد أن تسود ألوهيته وسلطانه وحاكميته . وهو غني عن العالمين . ولكن سيادة ألوهيته هي وحدها التي تكفل الخير والبركة والحرية والكرامة للعالمين .
العنوان: رد: من الماضي والحاضر.
أرسل بواسطة: جواد في 2024-12-30, 16:16:46
-12-

إن إقامة المؤمن للدنيا على منهاج الله جزء لا يتجزأ من مهام الخلافة في الأرض. فمن جعل غايته إعلاء كلمة الله عليه أن يتجهز لمعارك لا تتوقف مع الباطل وأهله.
فالمعركة بين الحق والباطل ليست معركة في الضمير وفقط، وإنما يتدافع كل منهما ليفرض سلطانه على الأرض ويخضع الناس لمنهاجه وشريعته.
ومن هذا المنطلق ندرك توجيه القرآن للمسلمين على إعداد القوة. ولكن رحمة الله تعالى اقتضت أيضا أن يكون هذا الإعداد بحسب الطاقة والاستطاعة.

فمن سنن الله سبحانه وتعالى أن يعلو الباطل في بهرجته وأن يتفاخر بتفوق عدته وتقدم علومه، فلا يقع في منطق البشر أن فئة من البشر أقل قوة وعدة قد تفكر في تحدي هذا الباطل المغرور، فضلا عن مواجهته وتصور إمكانية الانتصار عليه.

{فَلَمۡ تَقۡتُلُوهُمۡ وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ قَتَلَهُمۡۚ وَمَا رَمَيۡتَ إِذۡ رَمَيۡتَ وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ رَمَىٰ وَلِيُبۡلِيَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ مِنۡهُ بَلَآءً حَسَنًاۚ إِنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٞ} (17)

إنها معركة بين جند الله وجند الشيطان، وجند الله لا ينتصرون إلا بالله وحده. بل إن مجرد التعلق القلبي بأسباب الدنيا من تخطيط وإعداد وقوة يورث الهزيمة!

{لَقَدۡ نَصَرَكُمُ ٱللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٖ وَيَوۡمَ حُنَيۡنٍ إِذۡ أَعۡجَبَتۡكُمۡ كَثۡرَتُكُمۡ فَلَمۡ تُغۡنِ عَنكُمۡ شَيۡـٔٗا وَضَاقَتۡ عَلَيۡكُمُ ٱلۡأَرۡضُ بِمَا رَحُبَتۡ ثُمَّ وَلَّيۡتُم مُّدۡبِرِينَ} (25)

والسؤال المحير حقا، كيف للمؤمن أن يقيم الدنيا كوسيلة لإعلاء كلمة الله، لا رغبة في الدنيا ونعيمها وإن كان حلالا؟

بداية، من تعلق قلبه بالدنيا كره الموت واستثقل الجهاد، وسعى إلى تجنب الصدام مع الباطل حرصا على صيانة العمران، وهو بذلك يتخلى عن مكانه في قيادة البشرية، ويترك مقعد الإمامة شاغرا لأهل الباطل.

عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: إِذَا تَبَايَعْتُمْ بِالْعِينَةِ، وَأَخَذْتُمْ أَذْنَابَ الْبَقَرِ، وَرَضِيتُمْ بِالزَّرْعِ، وَتَرَكْتُمْ الْجِهَادَ، سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ ذُلًّا لَا يَنْزِعُهُ حَتَّى تَرْجِعُوا إِلَى دِينِكُمْ.

لهذا كان لابد من ضبط البوصلة نحو الوجهة الصحيحة أولا. ولعل فترة إعداد العقيدة في قلوب المؤمنين في مكة كان لها أبلغ الأثر في إصلاح القلوب وبناء الفهم الواضح لحقيقة الرسالة ومتطلبات التكليف بها.
ثم تأتي مرحلة بناء الدولة في المدينة وتعقيدات التعامل مع حظوظ النفس ومغريات الدنيا، فيكون النموذج القدوة الذي نرجع إليه في كل زمان ومكان.

فكيف بدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم بناء دولة الإسلام في المدينة؟ وكيف يمكن لنا أن نستقي هذا النهج في زماننا؟

المتدبر في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم قبل الهجرة إلى المدينة يلاحظ ثلاثة أمور هامة:

١- الأنصار هم من قدموا إلى رسول الله صلى الله عليه يطلبون التكليف ويعرضون النصرة والتضحية لدين الله.
فالفئة المؤمنة لا تنتظر دعوة من أحد. فالقلوب العامرة بالإيمان لا تطيق القعود عن نصرة الدين. ولا تخاف على ما في يدها من الدنيا.
هم قد باعوا أنفسهم لله. باعوها في كل أحوالها، فلا يشغلهم عن الهدف العظيم شيء من الدنيا، لا وظيفة ولا حياة مستقرة ولا مال ولا وضع اجتماعي ولا حكمة زائفة تحت شعار حسابات المخاطر.

٢- العقد والثمن الذي ارتضاه الأنصار لهذا البذل الغالي هو الجنة.
الجنة وفقط. لا وعد بالحصول على سلطة أو ثمرة دنيوية، ولا وعد بحياة مستقرة ينعمون فيها بالهدوء والراحة.
إن تخليص النفس من حظ الدنيا شرط أساسي للعصبة المؤمنة التي تريد رفع لواء الله وإعلاء كلمته.
فالتجرد للغاية هنا يعني أن قيمة الدنيا في القلب قد انضبطت بميزان الله، فهي أهون على المؤمن من دينه وإيمانه، وهو بالتالي يستخدمها لغايته، لا تأسره هي في حبها.

٣- الشروع في العمل والتنفيذ مباشرة، دون اكتراث بالبداية المتواضعة. فكم من المشاريع تفشل لأن أصحابها يريدون القفز إلى العمل الكبير مرة واحدة.
فهم لم ينتظروا تمام العلم بالدين، ولم ينتظروا وضع تفاصيل التصورات الكبرى للمجتمع والدولة الجديدة في المدينة. بل ولم ينتظروا أن يصل عددهم وعدتهم إلى حجم يسمح لهم بقتال قريش مثلا!

٤- كما ضحى الأنصار باستقرارهم وأموالهم وأوقاتهم، كانت التضحية من المهاجرين كذلك بترك الأهل والديار والأموال، والهجرة إلى المجهول!
إن عقيدة المسلم هي وطنه على الحقيقة، والأرض كلها لله يورثها من يشاء من عباده.

وهذه المخاطرة التي تبدو غير منطقية في أذهان البعض أو غير مدروسة بحكمة هي برهان الإيمان في القلوب.
بل لعل المنطق البشري يقول أن يتمهل المسلمون الأوائل حتى يجدوا طريقة لنقل أموالهم وبيع ممتلكاتهم أولا قبل الهجرة، فهم لاشك يحتاجون إلى هذه الأموال في وطنهم الجديد!
لكن الواقع الذي فرض نفسه وقتها لم يكن ليسمح بحدوث هذا في وقت سريع وفي ظل بطش قريش وفرض سيطرتها على الناس وممتلكاتهم، وبهذا كان القرار بترك الدنيا والخروج إلى أرض غير معلومة لكثير من المهاجرين وقتها.

٥- لم يشك أحد من المهاجرين والأنصار في أوامر رسول الله لهم، ولم ينتظروا اثباتات واقعية أو خطط مفصلة لما سيكون بعد هذه القرارات الكبيرة التي سيكون من الصعب جدا الرجوع عنها. بل سارع الجميع إلى التلبية، ملبين أمر الله ورسوله. فالاختبار هنا في التجرد للعقيدة وإخلاص التوجه لله حقا.

وعلى الرغم من كل هذا اليقين في أمر الله، لم يدخر المسلمون سعة في الإعداد للهجرة بأقصى ما يستطيعون من أسباب. والمتدبر في فعل الصديق رضي الله عنه بتجهيز الراحلتين والمال استعدادا لأمر الهجرة في أي لحظه، وفي تخطيط الرسول صلى الله عليه وسلم لمسار هجرته تجنبا لبطش قريش، يدرك كيف لا يتعارض الأخذ بالأسباب مع التسليم الكامل لأمر الله.

ولعل حادثة سراقة بن مالك ثم وصول المشركين إلى غار ثور لدليل آخر على أن التسليم لأمر الله هو عنوان حياة المؤمن، وأن الأسباب مهما كانت محكمة فلن تغني عنه شيئا، فالله سبحانه وتعالى هو الذي يقدر الأسباب والنتائج. فليس على المؤمن أن يتعسف في الأخذ بالأسباب ويجعلها مبتدأ الأمر ومنتهاه، فهي لن تغني عنه شيئا على كل حال. ولهذا جعل الله الأجر على العمل وبذل أقصى الوسع لا على النتيجة.

{لَا يُكَلِّفُ ٱللَّهُ نَفۡسًا إِلَّا وُسۡعَهَاۚ لَهَا مَا كَسَبَتۡ وَعَلَيۡهَا مَا ٱكۡتَسَبَتۡۗ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذۡنَآ إِن نَّسِينَآ أَوۡ أَخۡطَأۡنَاۚ رَبَّنَا وَلَا تَحۡمِلۡ عَلَيۡنَآ إِصۡرٗا كَمَا حَمَلۡتَهُۥ عَلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِنَاۚ رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلۡنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِۦۖ وَٱعۡفُ عَنَّا وَٱغۡفِرۡ لَنَا وَٱرۡحَمۡنَآۚ أَنتَ مَوۡلَىٰنَا فَٱنصُرۡنَا عَلَى ٱلۡقَوۡمِ ٱلۡكَٰفِرِينَ} (286)

ومع اليقين في أن الأمر كله بيد الله وحده، نجد المزج الرائع بين الأسباب وصدق التوجه لله سبحانه وتعالى.
فالرسول المعصوم يرسل مجموعة إلى المسلمين إلى الحبشة ليكونوا ذخيرة احتياطية للأمة، وهو في ذات الوقت يتحرك وفق إيمان راسخ بنصر الله وإقامة الدين وتمام أمر أمة الإسلام.

وكان أول فعل الرسول صلى الله عليه وسلم بعد وصوله إلى المدينة هو إقامة المسجد.
فالمسجد لم يكن مكانا للصلاة وإقامة الشعائر، بل منطلق كل الأمور في حياة المسلمين.
المسجد هو رمز وتذكرة بأن وجود المسلم في هذه الدنيا مرتبط بتحقيق عبوديته لله سبحانه وتعالى في شتى مناحي الحياة.
البدء بالمسجد يرسى قاعدة التصور للكيان البشري ومعارفه وسلوكه. فلا يتصور حياة للمؤمن دون إطار شريعة الله ودينه الذى ارتضى للبشر.
فكان هذا بمثابة إعلان لنموذج حياة جديد غير ما تعارف عليه البشر من تصورات ومفاهيم.

وبهذا أيضا نفهم كيف يمكن أن تتحقق الخطوة الثانية في مجتمع المدينة. إنها المؤاخاة المباركة بين المهاجرين والأنصار.
وليس في تاريخ البشر شيء كهذا. فلا يتصور أن ينخلع المجتمع من كل تعلق بالدنيا حتى لينزل عن جزء من ماله وبيته لرجل لم يعرفه إلا منذ أيام!
بل يصير هذا الرجل الوافد الجديد أخا له حق في الميراث ثم الحكم والإمامة بعد ذلك!

إن الأخوة لم تكن تعني تضحية ظاهرية، بل كانت مشاعر حب في الله حقيقية تجلت في أفعال تسمو بالنفس البشرية فوق كل مادة ورغبة دنيوية.
أخوة اجتماعية كذلك يهتم فيها المسلم لحال أخيه في كل شيء، حتى في عبادته وتعاملاته مع أهل بيته!

حتى إذا ما نزغ الشيطان بينهم وتنادوا بالقبلية في لحظة ضعف بشرية، كانت التذكرة بالإيمان كفيلة بالرجوع والتوبة.
ونعم، سيخطئ المسلمون لا ريب، حتى في تلك اللحظات الأولى لخير الناس على الأرض بعد الأنبياء. هي سنة الله في البشر، وعلينا أن نتقبلها ونحسن التعامل معها، فنسارع بالتوبة وننتبه إلى خطورة شهوات النفس وظنونها إذا ما تركت دون مراقبة وضبط.

والملاحظ هنا أن الصحابة رضوان الله عليهم لم تأخذهم العزة بالإثم، ولم يجادلوا فيمن بدأ فيمن كان السبب، ولو يجد المخطئ في نفسه مشكلة من التوبة والإنابة سريعا. فكم من الدعوات تضعف لأن أصحابها لا يستطيعون أن يروا أنفسهم على خطأ، بل وقد يحتكرون الحق لأنفسهم ظنا أنه لا يمكن أن يأتي إلا من خلالهم. ولا حول ولا قوة إلا بالله.

ولعل هذه الواقعة أظهرت للصحابة الكرام خطورة عدوهم الداخلي الذي قد يفسد عليهم دينهم ودنياهم، كما أظهرت أيضا مداخل أعدائهم وكيف يسعون لشق صفهم وتفرقة اجتماعهم.

فما إن استقرت حقيقة التصور لأمور الحياة من منطلق إسلامي بجعل المسجد أولى الأولويات، كذلك أدرك الصحابة أن الأخوة في الله هي الرابط الأساس الذي عليه يقام المجتمع المسلم.
ومن ثم كان هذا إيذانا بالبدء في بناء الدولة الإسلامية، لتكون نموذجا يحتذي به المسلمون في كل زمان ومكان. ودليلا للتائهين إذا أعياهم البحث عن كيفيات إقامة الدين.
العنوان: رد: من الماضي والحاضر.
أرسل بواسطة: جواد في 2025-01-22, 08:52:54
-13-

إن كانت غاية المؤمن في حياته هي الجنة، فإن الرسول وصحابته الكرام قدوته للوصول إليها. وقد كانت حياة الصحابة جهادا عمليا لا ينقطع، فلا يستقيم للمؤمن أن يكون ممن يخالف فعله قوله. وهي نقطة فارقة في زماننا هذا.

لقد ابتلينا في العقود الأخيرة بكثرة الكلام وقلة العمل، ولعل هذا نتاج النظام التعليمي الذي يعتمد بالأساس على الأقوال والنظريات بأكثر من الأفعال الحقيقية.
فنجد مثلا أساتذة في الاقتصاد لا يجرؤون على ممارسة أي عملية اقتصادية على أرض الواقع! على الرغم من مراكزهم العلمية ومخرجاتهم البحثية التي يتباهون بها في كل مجلس.
وحتى لا يؤخذ الكلام في غير سياقه، فما كان ذلك ليكون مشكلة كبيرة في ذاته إذا توفر أمران مهمان:

١- أن تختبر تلك النظريات والأطروحات عمليا بمشاركة فعلية وواقعية ممن قاموا عليها.
٢- أن يكون تطبيق مباشر لمثل هذه النظريات في أرض الواقع، وإعادة تقييم مستمرة بعد تفاعل النظرية مع واقع الناس.

وواقعنا كمسلمين يدل على أننا أبعد ما يكون عن ذلك. فالغالبية اكتفت بالشق التنظيري والأكاديمي وهي تعلم بمدى احتياج الواقع للشق العملي. وأن النظرية نفسها لا تستقيم بدون اختبار عملي.
والحجة هنا أنهم غير مسؤولين عن فعل كل شيء! وأنهم أدوا ما عليهم من دور. وهذا برأيي فهم مغلوط للدين.

فالمؤمن لا يتعامل مع قضايا أمته من منظور رغبته الشخصية ومنطقة راحته! فكأنما هو موظف لا يهتم إلا بالعمل الموكل إليه بناءا على ما تعلمه في حياته.
بل نجده فيما تفتقد الأمة من أمور. فتجرده لله أعلى مما تهواه نفسه وتحب.

عن زيد بن ثابت قال: أَمَرَنِي رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم أَنْ أَتَعَلّمَ لَهُ كَلِمَاتٍ مِنْ كِتَابِ يَهُودَ وَقالَ إِنّي وَالله مَا آمَنُ يَهُودَ عَلَى كِتَابِي، قالَ فَمَا مَرّ بي نِصْفُ شَهْرٍ حَتّى تَعَلّمْتُهُ لَهُ.

لكن النفس قد تزين إلينا أعمالا تحبها وتجد متعتها العقلية فيها، فنبحر فيها ونزداد منها تحت شعار أنه عمل عظيم للأمة -وقد يكون كذلك فعلا بضوابط معينة- إلا أن يتحول إلى غاية في ذاته دون اعتبار لما يحتاجه واقع أمتنا.

{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفۡعَلُونَ} (2) {كَبُرَ مَقۡتًا عِندَ ٱللَّهِ أَن تَقُولُواْ مَا لَا تَفۡعَلُونَ} (3) {إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلَّذِينَ يُقَٰتِلُونَ فِي سَبِيلِهِۦ صَفّٗا كَأَنَّهُم بُنۡيَٰنٞ مَّرۡصُوصٞ} (4)

قال علي بن طلحة عن ابن عباس قال: كان ناس من المؤمنين قبل أن يفرض الجهاد يقولون: لوددنا أن الله عز وجل دلنا على أحب الأعمال إليه، فنعمل به،
فأخبر الله نبيه أن أحب الأعمال إيمان به لا شك فيه، وجهاد أهل معصيته الذين خالفوا الإيمان ولم يقروا به. فلما نزل الجهاد كره ذلك ناس من المؤمنين، وشق عليهم أمره.

والجهاد ليس بالضرورة أن يكون بالسيف. فالجهاد يحتاج إلى إعداد في كل نواحي الحياة يسبق مرحلة الصدام بالسيف. وقد قدم الجهاد بالمال على النفس في كثير من المواضع في القرآن.

والجهاد بالمال كذلك ليس بالضرورة أن يكون إنفاقا للمال، وإنما أولا إنفاق الوقت والجهد في سبيل الله، وهو ما قد يؤثر على كسب المال ويضع المؤمن في اختبار ضيق العيش.

والمتابع لسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم خاصة وقت الهجرة وبداية دولة المسلمين في المدينة، يجد هذا المعنى متجسدا في كل موقف.
فالمؤمنون في حاجة، وأبعد ما يكونون عن استقرار العيش أو رفاهية الحياة، وهم على الرغم من هذا يبذلون جل أوقاتهم وأعمالهم عملا لدين الله!
فالمؤمن يدرك أن متطلبات الحياة لا تنتهي، وأن عليه أن يضع حدا للانشغال بالدنيا وتحصيلها حتى لا تضيع حياته في اللهث ورائها.

وبالتالي فهو يتخلص من الحمل الزائد للدنيا طالما يقعده عن العمل لدين الله. فإن كان في بلد مرهقة في تكاليف المعيشة انتقل إلى بلد آخر، وإن كان التعليم في الجامعات العالمية يثقله انتقى البدائل التي تغنيه عن ذلك.
أما الرغبة في مجاراة حياة عموم الناس ثم الشكوى بأن تكاليف الحياة لا تدع مجالا للمخاطرة بالوظيفة المرموقة التي تقتل الوقت وتشتت الجهد، فهي خدعة أخرى من الشيطان ليبرر لنا القعود عن العمل.

وعلى المؤمن أن يتحلى بالقناعة فلا يشقي نفسه بالرغبة في تحصيل كل شيء! وهذا يتطلب جرأة في العزيمة وإيمانا قويا يحسم مخاوف النفس وميولها لما في دنيا الناس.

والمؤمن كذلك يدرك أنه هو المسؤول عن هذه الدنيا، وأن عليه أن يسخر مهاراته وإمكاناته التى أكرمه الله بها في العمل لله، سواء كان هذا العمل ما يحبه ويهواه أو غير ذلك.
فالعبرة هنا بما تحتاجه الأمة، لا برغباتنا الشخصية.

فلا يستقيم أبدا أن يظل المسلمون يتحدثون عن تصورات المجتمع الإسلامي والنظم الإسلامية، ثم هم لا يتحركون على الواقع لتحقيق هذه التصورات بخطوات فاعلة، وليس مجرد دروس وعظات !
فإذا كان هم الجميع هو نشر الوعي، فمن سينفذ ويطبق؟

وقد يكون مبرر القعود هنا الضعف وقلة الموارد، فنحن ماهرون جدا في رسم صور ضخمة لا نتصور تنزيلها على الواقع مع كل التحديات التي نراها حولنا.
فكيف نتحاشى الإنزلاق في فخ التنظير الذي لا يتبعه عمل؟


وهنا عدة نقاط هامة يجب الانتباه لها.

١- مثالية التصور قد تورث احباطا وتقعد الإنسان عن العمل حين يرى ضخامة الفجوة بين واقعنا وبين الصورة المرجوة.

٢- من يتنظر أن يخبره أحد بما يتوجب عليه فعله يحتاج أن يراجع نفسه، فالقلب المشغول بالإسلام لا يطيق العيش دون العمل له.

٣- المبالغة في التجهيز والإعداد تقتل العزيمة. فيجب الانتباه من فخ الإعداد الذي لا يواكبه عمل، وقد يتحول طول الإعداد إلى مخدر يضيع الجهود بدلا من الاستفادة منها.

٤- من لا يريد إلا عملا يحبه ويوافق ميوله قد يفسد العمل ويضيعه. وعليه أن يراجع نيته ويربي نفسه على التجرد للغاية لا الركون إلى ما تحب.

٥- الموارد كلمة خادعة، ومدخل كبير للتقاعس عن العمل في ظل دنيا تحاصرنا من كل حدب وصوب. فما يمكن عمله بمواردنا اليوم أكبر بكثير مما نتصور.

٦- التحزب لفكرة أو جماعة أو شخص يمنع عن المؤمن الكثير من الخير، وسلامة الصدر تجاه المسلمين من أساسيات الإيمان.

٧- النفس هي العدو الأول، والدنيا هي سلاحها الأمضى، وهما التحدي الأكبر للمؤمن في حياته.

٨- التكاتف مع المؤمنين العاملين ومحاولة تنسيق الجهود معهم يتطلب جهادا للنفس، وهو مدعاة للبركة بإذن الله.

٩- الاعتناء بالأولويات والأعمال التأسيسية للأمة من جانب تطبيقي سريع مقدم على ما سواها من الأعمال التي قد تأتي بعد ذلك.

١٠- الفهم الصحيح لمعركتنا في الحياة ووضع الغاية والتصور الإسلامي نصب الأعين يصحح المسارات ويضبط الأعمال على مراد الله بإذن الله.

-- يتبع إن شاء الله.