51
:: قضايا وشبهات معاصرة :: / رد: شبهات وردود
« آخر مشاركة بواسطة حازرلي أسماء في 2023-10-02, 09:10:04 »الشبهة 03
القرآن يبين أن اليهود والنصارى كما المسلمين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون
مفاد الشبهة أنّ القرآن بين في آية أنهم جميعا -مع المسلمين- ناجون بليّ عُنق آية : "إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَىٰ وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (62)" -البقرة-
إنك لو اجتزأت الآية من سياقها، ولم تتمعّن كلماتها، لخرجتَ بتصوّر فاسد كل الفساد، ولذهبت بعيدا بعيدا عن الحق ... !
إذا أنت اقتطعت الآية من كل سياق، ومن كل متعلقات التصور العقدي المنتشرة في آيات القرآن المختلفة، لربما فهمتَ أن الله يجمع المؤمنين(المسلمين، أهل القرآن) واليهود، والنصارى والصابئين(عبدة الكواكب أو المتحوّلين عن دينهم) في سلّة واحدة !
فإذا جميعهم -وقد كان منهم الإيمان بالله واليوم الآخر- لا خوف عليهم ولا هم يحزنون... !!
فعلى هذا التصوّر...ما دور دعوة القرآن كلها ؟ !
ما دور دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعثته في الناس كافة : "وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (28)"-سبأ-
ولكَم يسعد المطبّلون للتطبيع، والمتفذلكون بدعوى التعايش بهذا الطرح وهو يلقي بأطراف الآية قطعا، ليبلّغها كلها : "... فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ" ... سأطرق موضوع الآية، والمُراد منها من ناحيتين اثنتَين، وإنك من كل زاوية ستقع على المُراد منها ... أولا- الربط مع السياق . ثانيا- التمعّن في كلمات الآية.
أولا : الربط مع السياق :
القرآن لا يؤخذ قطعا مفرّقة، بل يؤخذ قطعا متلاحمة مترابطة، لا ينفكّ فيها المعنى عن المعنى، ولا تنفكّ فيها الآية عن الآية، وهي الحبة حُذو الحبّة، في انتظام لؤلؤيّ باهر ... !
تأمـــــل شأن الآيات السابقات لهذه الآية ... !
إنه الخطاب لبني إسرائيل، لليهود المعاصرين لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وعن أحوال أسلافهم وما أُخِذ عليهم من عهد ...
تذكيرهم بما كان من أسلافهم من كفر وعناد وتكذيب، تذكيرهم بنعمة الله عليهم، من جهة، وأنّ المنعَم عليه مطالب بالوفاء بالعهد الذي قطعه مع المنعِم ... ! ذلك هو إقرار ذكر رسول الله الذي جاء في كتبهم...
"يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ (40)"
لتُردَف مباشرة بدعوتهم إلى الإيمان بما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم :
" وَآَمِنُوا بِمَا أَنْزَلْتُ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ وَلَا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآَيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ (41) وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (42)"
تأمـــــــل يرحمك الله ! وهذه الآيات الموجهة لبني إسرائيل (الذين هادوا) فيها الدعوة إلى الإيمان بالقرآن، وألا يكونوا أول من يكفر به، وهم أولى من يسارع للإيمان به، لأنهم الذين يعرفون ذكره في كتابهم، فيما بين أيديهم من التوراة، ولكنهم يكتمون ... !
تأمل الإجابة وهي تطلّ برأسها من خلال هاتين الآيتين... !
تنبّه... إنها ملفوفة في هاتين الآيتين ... !
كيف يبوء بــ "لا خوف عليهم ولا هم يحزنون" من ليسوا على الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم، وبما جاء به، الكتاب المهيمن، الشامل الكامل الخاتِم ... ! كيف يستقيم معنى أنّ إيمانهم اليوم هو مَناط نجاتهم، ورضى الله عنهم، فلاخوف عليهم ولا هم يحزنون؟؟ ! ثم يناديهم من جديد في سياق العناية بخطابهم، ودعوتهم، وتذكيرهم بنعم الله عليهم :
"يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ (47) وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ (48)"
لتُتبع الآيتان بذكر تعنّتهم، وما كان منهم من معصية لأوامر موسى عليه السلام، وما كان من تجرئهم على الله وتطاولهم على رُسُله ...مع ما كان من نعم الله عليهم ذات العدد والألوان ... ومع كل نعمة من نعم الله، وآية من آياته تنزل عليهم، كانت المعصية منهم، والصدود والعناد والاستكبار ... !
فبالله عليـــــــــــــــــــــك ... ! آالله سيرضى عن هؤلاء الذين يفضح شنائعهم، ويعدد جرائمهم التي قابلوا بها نعم الله عليهم ؟؟ !
آالله يبشرهم بألا خوف عليهم ولا هم يحزنون، من بعد كل ما كشف من كفرهم وتبديلهم للكلم عن مواضعه، ومعصيتهم لرُسله، ومن مقابلتهم الإنعام منه والإحسان بالجحود والكفران ...؟ !
تأمـــــــــــــــــــل دور السياق في بيان المعنى المُراد ... ! تأمل والجواب يُسفر شيئا فشيئا، مع الآيات المترابطات،ولأذكر من أواخر هذه الآيات الكاشفات، الآيتين الأخيرتَين مباشرة قبل آيتنا موضوع دراستنا، وهما قوله سبحانه:
"وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ كُلُوا وَاشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (60) وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نَصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُو بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (61)"
لقد ختم كشف حقائق أسلافهم بهذا التقرير الإلهي المُتَمّ ... !
"...اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُو بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (61)"
إنها الذلة والمسكنة تُضرب عليهم، وإنه بَوْؤُهم بالغضب من الله .... !لتُتبع الآيتان مبااااشرة بآيتنا... !
أفيجتمع عليهم من الله غضب ورضوان ؟؟ ! أيحلّ رضوانه على مؤمن وعلى كافر، سواء بسواء ...؟ ! حاشاه سبحانه ... ! وهو الذي لا يُبدَّل القول لديه ...وهو الحقّ يفصل بالحق، وهو القائل سبحانه : "إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ (34) أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ (35) مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (36)" -القلم-
إذن ...فقد بقي أن نفهم المُراد الصحيح من الآية، في جملة آيات السياق ...
في الآيات السابقة لها، تقرّر الغضب على الكافرين منهم، على المتطاولين على رسله، والعاصين لأوامره سبحانه، والمقابلين لنعمه بالجحود والكفران ... لتأتي آيتنا هذه، وهي تقرر الموازنة، وتقرر العدل الإلهي، لتستثني مِن جَمعهم من آمن .... !
لتستثني من كل فرقة مَن كان مؤمنا، مطيعا لأمر نبيّه، مصدّقا به، مصدّقا بما جاءه به من كتب الله، ومن أمر الله، وهكذا هو القرآن، إقرار بالحقّ لأهل الحق، وذكر الحسن بإحسان ...
ومن كلّ فرقة من تلك الفرق مع أنبيائهم، كان المؤمنون، المصدّقون، الناصرون .... من اليهود، ومن النصارى، ومن الصابئين ...اتبعوا الحق الذي جاءهم به أنبياؤهم ... وكلهم صلوات الله وسلامه عليهم جاؤوا بالحق، وبالإسلام، وبالدعوة للإيمان بالله الواحد الأحد... كلهم جاءت دعوتهم، وفيها ذكر اليوم الآخر، وجزاء مؤمن فيه بإحسان وجِنان، وجزاء كافر فيه بغضب ونيران –عياذا بالله-
إذن... فهي الآية المتمّمة للحق من الله سبحانه، وهو العدل، الذي لا يضيع أجر من أحسن عملا، وإن كان ما كان من كفر ومعصية من ملأ تلك الفرق، ومن كافريهم... ! وهو سبحانه الذي قال أيضا، مستثنيا من جرائم أهل الكتاب، أهل الإيمان فيهم : "كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ۗ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم ۚ مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ (110)"-آل عمران-
وقال أيضا في مؤمنيهم من بعد ما أقرّ أمره في كافريهم، فيما يشبه حال آيتنا :
"ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِّنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِّنَ النَّاسِ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الْأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ۚ ذَٰلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُوا يَعْتَدُونَ (112) ۞ لَيْسُوا سَوَاءً ۗ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ (113) يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَٰئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ (114) وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَن يُكْفَرُوهُ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ (115)" –آل عمران-
وعَودا لآيتنا من سورة البقرة، فإن ما يأتي بعدها من آيات، مزيد عدّ لجرائم بني إسرائيل التي كانت داعي غضب الله عليهم، وبوئهم بالتبار والخسران ... !وهكذا يصلك المُراد الذي لا غبش فيه، ولا لُبس ... ! بل كلّه من سوق الآية للآية، كلّه مما يستسيغه العقل السليم، وهو يربط، وهو لا يقطع آية عن سياقها ليبلغ غاية في النفس، وليحقّق فيها هوى ... ! فهو اللاوي لعنقها حُسبانا منه أنها التي تُلوى، وهي القيّمة القيّمة... ! وهي التي لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها، وهي البعض اللؤلؤيّ الذي يصدّقه البعض اللؤلؤيّ ... !
والآن ...تعال معي إلى الزاوية الأخرى، ولنطلّ منها ... ! إلى ألفاظ الآية وتأمُّلِ معانيها ....
ثانيا : التمعّن في كلمات الآية :
"إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَىٰ وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (62)" -البقرة-
1) من آمن بالله ---------> أي إيمان هو بالله يقبله سبحانه ؟ تريدون إيمان هذه الفرق اليوم ؟؟ ! تريدون أن تجعلوهم جميعا مرضيا عنهم من الله ؟؟ ! إن إيمان هذه الفرق اليوم، هو ما حرّفوه، وبدّلوه من كلام الله، ومن التصوّر لله سبحانه وتعالى ... أفهو إيمانهم أن الله ثالث ثلاثة ؟؟ أم أنه إيمانهم أن الله هو المسيح بن مريم ؟ ! أم أنه الإيمان بأن المسيح وأمّه إلهَيْن ؟؟ ! أيّ هذه الأوجه هو الذي يعنيه الله تعالى في آيته الشريفة ؟؟ ! إنه ليس إلا أنه الإيمان بالله الحقّ، الواحد الأحد، الذي جاء الرسل جميعا يدعون لتوحيده ... ! هذا المعنى الأوحد، والسليم والمنطقي الذي تحمله الكلمة ...
أما كل تلك الضروب والألوان من الخلط في تصوّر الله تعالى فإنها لا تعنيها الآية بأي شكل من الأشكال، وهي آية القرآن العظيم المحفوظ بحفظ الله، الذي جاء بالتوحيد الخالص .... وجاء يكفّر كل تلك التصورات الفاسدة عنه سبحانه ... !
وهو القائل في كتابه العظيم بكفرهم وببوئهم بالعذاب الأليم، وببراءة أنبيائه مما تقوّلوا وحرّفوا :
"لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ ۖ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ ۖ إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ ۖ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ (72)لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ ۘ وَمَا مِنْ إِلَٰهٍ إِلَّا إِلَٰهٌ وَاحِدٌ ۚ وَإِن لَّمْ يَنتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (73) "-المائدة-
وعلى هذا....
فإن الكلمة بتأملها، وباستقراء معناها تُسفر عن المعنى المُراد، بأن هؤلاء إنما هُم أهل الإيمان منهم على عهود أنبيائهم، الذين اتبعوا الحق .... كما أنها تليق بمَن كن منهم واتبع رسول الله صلى الله عليه وسلم : وهذا شيء من القرآن يصدّق ذلك، في وصف للراسخين في العلم من أهل الكتاب :
"لَكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلَاةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ أُولَئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْرًا عَظِيمًا (162)"-النساء-
2-)وَالْيَوْمِ الْآخِرِ -----------> أي يوم آخر به يؤمنون، يعنيه القرآن ؟ أهو اليوم الذي لن تمس اليهود النار فيه إلا أياما معدودة على زعمهم وافترائهم ؟؟ ! أم هو اليوم الذي هو خالص لهم من دون الناس كما زعموا ؟؟ ! أم أنه اليوم الآخر الذي لن يدخل فيه الجنة إلا من كان هودا أو نصارى ؟؟ ! أم لعله اليوم الذي سينجو فيه كل النصارى لأنّ عيسى -بزعمهم وكذبهم- قد صُلِب، فداء للبشر، ومسحا لذنوبهم ؟؟ !! فإذا هو الذي تحمّل وِزر كل أتباعه ؟؟؟ ! ففداهم ! إنه ليس إلا اليوم الآخر الذي أقرّه كل الرسل الذين بعثهم الله تعالى في أقوامهم، وأقرّه الكتاب الذي بُعث به خاتمهم صلوات الله وسلامه عليهم جميعا !
وأنّى للقرآن أن يقرّ بهذه الافتراءات .... حاشاه ... بل هو الذي جاء يقرّ التصوّر الواحد، الثابت، السليم، الصحيح للعقيدة، لله تعالى، ولليوم الآخر ... فيما أقرّ من تصوّرات عقديّة. وعلى هذا ... فإن الزاويتَيْن مضيئتان !كلتاهما أسفرتا عن المراد الحق !
"والْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَىٰ عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجًا ۜ " ..
القرآن يبين أن اليهود والنصارى كما المسلمين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون
مفاد الشبهة أنّ القرآن بين في آية أنهم جميعا -مع المسلمين- ناجون بليّ عُنق آية : "إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَىٰ وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (62)" -البقرة-
إنك لو اجتزأت الآية من سياقها، ولم تتمعّن كلماتها، لخرجتَ بتصوّر فاسد كل الفساد، ولذهبت بعيدا بعيدا عن الحق ... !
إذا أنت اقتطعت الآية من كل سياق، ومن كل متعلقات التصور العقدي المنتشرة في آيات القرآن المختلفة، لربما فهمتَ أن الله يجمع المؤمنين(المسلمين، أهل القرآن) واليهود، والنصارى والصابئين(عبدة الكواكب أو المتحوّلين عن دينهم) في سلّة واحدة !
فإذا جميعهم -وقد كان منهم الإيمان بالله واليوم الآخر- لا خوف عليهم ولا هم يحزنون... !!
فعلى هذا التصوّر...ما دور دعوة القرآن كلها ؟ !
ما دور دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعثته في الناس كافة : "وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (28)"-سبأ-
ولكَم يسعد المطبّلون للتطبيع، والمتفذلكون بدعوى التعايش بهذا الطرح وهو يلقي بأطراف الآية قطعا، ليبلّغها كلها : "... فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ" ... سأطرق موضوع الآية، والمُراد منها من ناحيتين اثنتَين، وإنك من كل زاوية ستقع على المُراد منها ... أولا- الربط مع السياق . ثانيا- التمعّن في كلمات الآية.
أولا : الربط مع السياق :
القرآن لا يؤخذ قطعا مفرّقة، بل يؤخذ قطعا متلاحمة مترابطة، لا ينفكّ فيها المعنى عن المعنى، ولا تنفكّ فيها الآية عن الآية، وهي الحبة حُذو الحبّة، في انتظام لؤلؤيّ باهر ... !
تأمـــــل شأن الآيات السابقات لهذه الآية ... !
إنه الخطاب لبني إسرائيل، لليهود المعاصرين لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وعن أحوال أسلافهم وما أُخِذ عليهم من عهد ...
تذكيرهم بما كان من أسلافهم من كفر وعناد وتكذيب، تذكيرهم بنعمة الله عليهم، من جهة، وأنّ المنعَم عليه مطالب بالوفاء بالعهد الذي قطعه مع المنعِم ... ! ذلك هو إقرار ذكر رسول الله الذي جاء في كتبهم...
"يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ (40)"
لتُردَف مباشرة بدعوتهم إلى الإيمان بما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم :
" وَآَمِنُوا بِمَا أَنْزَلْتُ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ وَلَا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآَيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ (41) وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (42)"
تأمـــــــل يرحمك الله ! وهذه الآيات الموجهة لبني إسرائيل (الذين هادوا) فيها الدعوة إلى الإيمان بالقرآن، وألا يكونوا أول من يكفر به، وهم أولى من يسارع للإيمان به، لأنهم الذين يعرفون ذكره في كتابهم، فيما بين أيديهم من التوراة، ولكنهم يكتمون ... !
تأمل الإجابة وهي تطلّ برأسها من خلال هاتين الآيتين... !
تنبّه... إنها ملفوفة في هاتين الآيتين ... !
كيف يبوء بــ "لا خوف عليهم ولا هم يحزنون" من ليسوا على الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم، وبما جاء به، الكتاب المهيمن، الشامل الكامل الخاتِم ... ! كيف يستقيم معنى أنّ إيمانهم اليوم هو مَناط نجاتهم، ورضى الله عنهم، فلاخوف عليهم ولا هم يحزنون؟؟ ! ثم يناديهم من جديد في سياق العناية بخطابهم، ودعوتهم، وتذكيرهم بنعم الله عليهم :
"يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ (47) وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ (48)"
لتُتبع الآيتان بذكر تعنّتهم، وما كان منهم من معصية لأوامر موسى عليه السلام، وما كان من تجرئهم على الله وتطاولهم على رُسُله ...مع ما كان من نعم الله عليهم ذات العدد والألوان ... ومع كل نعمة من نعم الله، وآية من آياته تنزل عليهم، كانت المعصية منهم، والصدود والعناد والاستكبار ... !
فبالله عليـــــــــــــــــــــك ... ! آالله سيرضى عن هؤلاء الذين يفضح شنائعهم، ويعدد جرائمهم التي قابلوا بها نعم الله عليهم ؟؟ !
آالله يبشرهم بألا خوف عليهم ولا هم يحزنون، من بعد كل ما كشف من كفرهم وتبديلهم للكلم عن مواضعه، ومعصيتهم لرُسله، ومن مقابلتهم الإنعام منه والإحسان بالجحود والكفران ...؟ !
تأمـــــــــــــــــــل دور السياق في بيان المعنى المُراد ... ! تأمل والجواب يُسفر شيئا فشيئا، مع الآيات المترابطات،ولأذكر من أواخر هذه الآيات الكاشفات، الآيتين الأخيرتَين مباشرة قبل آيتنا موضوع دراستنا، وهما قوله سبحانه:
"وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ كُلُوا وَاشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (60) وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نَصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُو بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (61)"
لقد ختم كشف حقائق أسلافهم بهذا التقرير الإلهي المُتَمّ ... !
"...اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُو بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (61)"
إنها الذلة والمسكنة تُضرب عليهم، وإنه بَوْؤُهم بالغضب من الله .... !لتُتبع الآيتان مبااااشرة بآيتنا... !
أفيجتمع عليهم من الله غضب ورضوان ؟؟ ! أيحلّ رضوانه على مؤمن وعلى كافر، سواء بسواء ...؟ ! حاشاه سبحانه ... ! وهو الذي لا يُبدَّل القول لديه ...وهو الحقّ يفصل بالحق، وهو القائل سبحانه : "إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ (34) أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ (35) مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (36)" -القلم-
إذن ...فقد بقي أن نفهم المُراد الصحيح من الآية، في جملة آيات السياق ...
في الآيات السابقة لها، تقرّر الغضب على الكافرين منهم، على المتطاولين على رسله، والعاصين لأوامره سبحانه، والمقابلين لنعمه بالجحود والكفران ... لتأتي آيتنا هذه، وهي تقرر الموازنة، وتقرر العدل الإلهي، لتستثني مِن جَمعهم من آمن .... !
لتستثني من كل فرقة مَن كان مؤمنا، مطيعا لأمر نبيّه، مصدّقا به، مصدّقا بما جاءه به من كتب الله، ومن أمر الله، وهكذا هو القرآن، إقرار بالحقّ لأهل الحق، وذكر الحسن بإحسان ...
ومن كلّ فرقة من تلك الفرق مع أنبيائهم، كان المؤمنون، المصدّقون، الناصرون .... من اليهود، ومن النصارى، ومن الصابئين ...اتبعوا الحق الذي جاءهم به أنبياؤهم ... وكلهم صلوات الله وسلامه عليهم جاؤوا بالحق، وبالإسلام، وبالدعوة للإيمان بالله الواحد الأحد... كلهم جاءت دعوتهم، وفيها ذكر اليوم الآخر، وجزاء مؤمن فيه بإحسان وجِنان، وجزاء كافر فيه بغضب ونيران –عياذا بالله-
إذن... فهي الآية المتمّمة للحق من الله سبحانه، وهو العدل، الذي لا يضيع أجر من أحسن عملا، وإن كان ما كان من كفر ومعصية من ملأ تلك الفرق، ومن كافريهم... ! وهو سبحانه الذي قال أيضا، مستثنيا من جرائم أهل الكتاب، أهل الإيمان فيهم : "كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ۗ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم ۚ مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ (110)"-آل عمران-
وقال أيضا في مؤمنيهم من بعد ما أقرّ أمره في كافريهم، فيما يشبه حال آيتنا :
"ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِّنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِّنَ النَّاسِ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الْأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ۚ ذَٰلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُوا يَعْتَدُونَ (112) ۞ لَيْسُوا سَوَاءً ۗ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ (113) يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَٰئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ (114) وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَن يُكْفَرُوهُ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ (115)" –آل عمران-
وعَودا لآيتنا من سورة البقرة، فإن ما يأتي بعدها من آيات، مزيد عدّ لجرائم بني إسرائيل التي كانت داعي غضب الله عليهم، وبوئهم بالتبار والخسران ... !وهكذا يصلك المُراد الذي لا غبش فيه، ولا لُبس ... ! بل كلّه من سوق الآية للآية، كلّه مما يستسيغه العقل السليم، وهو يربط، وهو لا يقطع آية عن سياقها ليبلغ غاية في النفس، وليحقّق فيها هوى ... ! فهو اللاوي لعنقها حُسبانا منه أنها التي تُلوى، وهي القيّمة القيّمة... ! وهي التي لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها، وهي البعض اللؤلؤيّ الذي يصدّقه البعض اللؤلؤيّ ... !
والآن ...تعال معي إلى الزاوية الأخرى، ولنطلّ منها ... ! إلى ألفاظ الآية وتأمُّلِ معانيها ....
ثانيا : التمعّن في كلمات الآية :
"إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَىٰ وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (62)" -البقرة-
1) من آمن بالله ---------> أي إيمان هو بالله يقبله سبحانه ؟ تريدون إيمان هذه الفرق اليوم ؟؟ ! تريدون أن تجعلوهم جميعا مرضيا عنهم من الله ؟؟ ! إن إيمان هذه الفرق اليوم، هو ما حرّفوه، وبدّلوه من كلام الله، ومن التصوّر لله سبحانه وتعالى ... أفهو إيمانهم أن الله ثالث ثلاثة ؟؟ أم أنه إيمانهم أن الله هو المسيح بن مريم ؟ ! أم أنه الإيمان بأن المسيح وأمّه إلهَيْن ؟؟ ! أيّ هذه الأوجه هو الذي يعنيه الله تعالى في آيته الشريفة ؟؟ ! إنه ليس إلا أنه الإيمان بالله الحقّ، الواحد الأحد، الذي جاء الرسل جميعا يدعون لتوحيده ... ! هذا المعنى الأوحد، والسليم والمنطقي الذي تحمله الكلمة ...
أما كل تلك الضروب والألوان من الخلط في تصوّر الله تعالى فإنها لا تعنيها الآية بأي شكل من الأشكال، وهي آية القرآن العظيم المحفوظ بحفظ الله، الذي جاء بالتوحيد الخالص .... وجاء يكفّر كل تلك التصورات الفاسدة عنه سبحانه ... !
وهو القائل في كتابه العظيم بكفرهم وببوئهم بالعذاب الأليم، وببراءة أنبيائه مما تقوّلوا وحرّفوا :
"لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ ۖ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ ۖ إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ ۖ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ (72)لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ ۘ وَمَا مِنْ إِلَٰهٍ إِلَّا إِلَٰهٌ وَاحِدٌ ۚ وَإِن لَّمْ يَنتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (73) "-المائدة-
وعلى هذا....
فإن الكلمة بتأملها، وباستقراء معناها تُسفر عن المعنى المُراد، بأن هؤلاء إنما هُم أهل الإيمان منهم على عهود أنبيائهم، الذين اتبعوا الحق .... كما أنها تليق بمَن كن منهم واتبع رسول الله صلى الله عليه وسلم : وهذا شيء من القرآن يصدّق ذلك، في وصف للراسخين في العلم من أهل الكتاب :
"لَكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلَاةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ أُولَئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْرًا عَظِيمًا (162)"-النساء-
2-)وَالْيَوْمِ الْآخِرِ -----------> أي يوم آخر به يؤمنون، يعنيه القرآن ؟ أهو اليوم الذي لن تمس اليهود النار فيه إلا أياما معدودة على زعمهم وافترائهم ؟؟ ! أم هو اليوم الذي هو خالص لهم من دون الناس كما زعموا ؟؟ ! أم أنه اليوم الآخر الذي لن يدخل فيه الجنة إلا من كان هودا أو نصارى ؟؟ ! أم لعله اليوم الذي سينجو فيه كل النصارى لأنّ عيسى -بزعمهم وكذبهم- قد صُلِب، فداء للبشر، ومسحا لذنوبهم ؟؟ !! فإذا هو الذي تحمّل وِزر كل أتباعه ؟؟؟ ! ففداهم ! إنه ليس إلا اليوم الآخر الذي أقرّه كل الرسل الذين بعثهم الله تعالى في أقوامهم، وأقرّه الكتاب الذي بُعث به خاتمهم صلوات الله وسلامه عليهم جميعا !
وأنّى للقرآن أن يقرّ بهذه الافتراءات .... حاشاه ... بل هو الذي جاء يقرّ التصوّر الواحد، الثابت، السليم، الصحيح للعقيدة، لله تعالى، ولليوم الآخر ... فيما أقرّ من تصوّرات عقديّة. وعلى هذا ... فإن الزاويتَيْن مضيئتان !كلتاهما أسفرتا عن المراد الحق !
"والْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَىٰ عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجًا ۜ " ..