المحرر موضوع: خواطر مَكْتَبَتِية  (زيارة 40460 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6547
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
خواطر مَكْتَبَتِية
« في: 2011-10-03, 12:39:28 »
هي مكتبتي ....
"مكتبة السّراج المنير"  تيمنا بالحبيب صلى الله عليه وسلم السراج المنير  emo (30):....
مكتبة متواضعة بها من الكتب ومن اللوازم المدرسية والمكتبية المختلفة للصغار وللكبار وللمكاتب .ملاصقة لبيتنا إذ هي محل وجزء منه .مقاربة لعدد من المدارس ...

منذ أكثر من أربع سنوات هي عملي الخاص البديل عن العمل الحكومي في مجال الحاسوب، هي باب من أبواب الحرية التي طفقت أبحث عنها ، من أبواب الانعتاق من روتين العمل الحكومي القاتل للحركة وللتغيير وللعمل مع المجتمع .وربما هي ثمرة حبي للتجارة الذي ورثته عن أبي الذي كان تاجرا رحمه الله، وذلك ما يقول به كل إخوتي .....

أقضي بها من ساعات يومي الكثير وخاصة في فترة الدخول المدرسي التي تعتبر ما تزال قائمة  حتى يومنا في ميزان التجارة والاختلاف النوعي بينها وبين سائر فترات العام الدراسي ...

يختلف عليّ فيها من كل فئات الناس ، والأطفال بينهم بنصيب الأسد فائزون.... آباء أمهات، شباب وشابات ....... و شيب

كلهم يترددون على المكتبة لقضاء حاجة من حوائج المدرسة أو القراءة أو الكتابة أو العمل المكتبي .....

هي وسيلة اتصال واحتكاك واقعية تعطي من المؤشرات المجتمعية الكثير، وتلقي من تفسيرات الطابع المجتمعي الكثير، وتجعلك بمحل السابر لأحوال المجتمع والأسرة والتربية  ومخططاتها التصاعدية والتنازلية ، وتمكنك من معرفة الأسباب بطريقة أقرب وأصدق و أسلم، وتوقّع النتائج، وتجعلك تفكر في البديل والحلول  وفي اختيار الطريقة الأجدى والأنفع والأكثر واقعية .

أحزن فيها تارة وأفرح فيها تارة أخرى، أقيس فيها درجة حرارة مجتمعنا، فأستبشر حينا بفكر أم أو أب يربيان، وأحزن أحيانا كثيرة لفراغ أم وأب لا يباليان أأفلح ابنهما  أم خسر، وليس للأمة من مفردات في قاموس حياتهم الأجوف !!....... sad:(

فكرت كثيرا ومرارا أن أكتب وأحتفظ بمواقف حصلت لي فيها، أو بدروس تعلمتها منها، أو بآهات وزفرات أطلقتها فيها على حالنا ولكنني لم أفعل ...... وكان يلهيني عن ذلك في كل مرة ما يلهيني .....

فرأيت أن أجرب هذه المرة وأبدأ لعل الأول يغريني لحفظ الثاني والثالث .......لعلّ ، ربما ....سأجرب  ولن أعد بالمواصلة لأن وقتي غير مستقر وتأتيني انشغالات تأخذني ، فلا أحب أن أعد .....

وسأبدأ بقصة قريبة منذ أيام قليلة كانت معي في هذه المكتبة ..........و من مكتبتي أكتب لكم  emo (30):
« آخر تحرير: 2011-10-03, 13:30:40 بواسطة حازرلي أسماء »
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6547
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
رد: خواطر مَكْتَبَتِية
« رد #1 في: 2011-10-03, 12:53:29 »
بيني وبينها كان ذلك العارض الزجاجي بعرض المكتبة بين الرفوف اليمينية والشمالية،  يستقيم معه المرء الَّربْعَة فتطاله يده بلا انحناءة ولا اشرئباب ، يحمل على رفوفه الزجاجية مستلزمات مدرسية تشد أنظار الصغار وتجتث ابتسامة الكبار لغرابة أشكالها وجمالها ..... emo (30):

كانت قصيرة القامة طبيعةً لا صفةً ، إذ كانت طفلة من أحسن الأطفال وجها وصوتا، ومن أكثر من عاينَتْ نفسي رقة و احتراما لمن يكبرها سنا ....
عَدَّت من زهرات ربيع عمرها البِكر ثماني، بدت بعينيها الجميلتَين المَهَا  وبأهدابها الطويلة المعقوفة  كأشعة شمس أشرقت  على وجهها  الصبوح الملائكي  آية من آيات الحُسن والجمال ....

على استحياء كانت تسأل، وسؤالها غير كل الأسئلة المعتادة كان : "هل بكراس للفرنسي وبكراس للعربي ؟"  :emoti_64:  

بدا سؤالا  غريبا صارخ الغرابة  بيننا، فالقوم هنا لا يسألونه، :emoti_138: والكراس ورق مسطور متى وكيف شئتَ كان للعربية، ومتى وكيف شئت جعلته للفرنسية... ::)smile:
كما لم يفلح وجهي في إخفاء علامات تعجبه الأولى من السؤال، ولكن سرعان ما انقلب الملمح فيه إلى حَمله على محمل العادي والشرح المستفيض للسائلة الصغيرة المستحيية، بأخذ عيّنة من كراريس مصفوفة وفتح أوراقها المسطورة والاسترشاد بالخط الأحمر العمودي في أوراقه لشرح وضع العربية فيه ووضع الفرنسية منه، وأن ذاك الخط الأحمر هو الفاصل في الأمر.... كُلِّ الأمر.... ::)smile:

وسرعان ما قفز إلى رأسي حَزْرٌ بسماع نغمات في صوتها ولهجتها غير التي ألِفْنا :emoti_17:، لم تكن تلك البائنة البائنة، ولم تكن تلك الخفية الخفية، ولكنني بت شبه جازمة أنها من القوم ومِن غير القوم في الآن ذاته ..... emo (30):

وكان للكلمة "عَرْبِي" أكبر الدور في التمييز والملاحظة ومقاربة الجزم عندي، فنحن حينما نعبر عن شيء له علاقة باللغة العربية نقول " كتاب عربية"، "كراس عربية"، "حروف عربية" ، أما إخواننا التونسيون فيُذكِّرون الصفة "كتاب عَرْبي"، "كراس عَرْبي"

فقلت مِن فوري: "أظنك تونسية ..."........... فأجابت وهي محدّقة بي: لا لست تونسية بل ليبية .....

يااااه .....ليبية عندي ....ليبية في مكتبتي .... نعم يا صغيرتي أنت لست من القوم وأنت من القوم ، لست منهم على ما اعتدت من لهجة، وأنت منهم ومن قلبهم النابض على ما أعتقد وأؤمن وأعمل وآمل .....

ليبية عندي .........ياللفرح، ياللحبور، ياللفرصة  العظيمة وقد فهمت بجوابها سرّ غربتها وهي تسأل وسرّ صوتها الخافت وهي تتكلم، وسر انطوائها وهي تمشي، وسرّ حزنٍ يحاول أن يتخفّى ولكنّه يسفر عن نفسه في كل نأمة .....

هللت وفرحت بها أيما فرح ...... فإذا ابتسامة عريضة تشرق على وجهها الحَسَن فتزيد ملائكيته صفاء وتزيد حسنه حسنا ..... ::)smile:

وفي غمرة زحمة أيام الدخول المدرسي، وهذا يطلب من هنا وذاك يطلب من قريب، وآخر يسأل من بعيد، وأخرى تحتج من أسفل ونحن لا نكاد نراها وهي أقرب للأرض منها للأعين .... emo (22):      ::)smile:

وكان  كلما حل موعد الدخول المدرسي وزحمته، انقلب شقيقاي الأكبران عونَيْن لي عسى نفي بطلبات المتزاحمين، ونتقاسم الأدوار بينهم .......
في غمرة زحمة بين تلك الزحمات التي تتوالى أياما، لم أملك أن أنصرف عن ضيفتي الصغيرة سريعا لغيرها، بل آثرت أن أفرد لها من وقتي ومن اهتمامي، والبقية من الطالبين لمَن معي من المعاونين، لم أشأ أن أكون كمن يشري الذهب بثمن بخس دراهم معدودة ..... !!

- إذن أنت يا صغيرتي جديدة هنا، حديثة عهد بهؤلاء القوم، وبهذه الشوارع، وبهذا الوسط ؟؟

- نعم قد قدِمنا من ليبيا حديثا ...

- أمِن طرابلس أنت ؟؟

وبلسان طفولي فطري مبين  وبعينين حائرتَين أجابت : وكيف عرفتِ ؟ واسترسلتْ : أنا من طرابلس ولكننا أصلا من مصراتة

- وكيف تركتم  مصراتة ؟؟

- بنبرة حزينة : بأسوء حال..... وهل أبقوا فيها شيئا يُذكر  ؟؟

- ما اسمك ؟ emo (30):

- سيرين

- والدك ليبي يا سيرين ؟

- والدي جزائري وأمي كذلك، ولكننا نسكن ليبيا .... وقد فررنا منها إلى بيت جدي هنا .

- لا تخافي يا صغيرتي ، ولا تحملي هما، فقريبا ستألفين هذه البلاد وسترين كم هي جميلة، وكم أهلها طيبون ....
وأنا أطمئنها يدق قلبي خوفا عليها من أن تحاط بمَن لا يسوغون لها الألفة التي أمنّيها بها، أو بمَن يتخذون الأحداث و أفعال القذافي نكتة يقاربون بالمبالغة في نشرها وفي اتخاذها مادة ضحك -ليس إلا- إحراج الليبيين أنفسهم وقد أصبح القذافي وصمة عار يخجلون من ذكرها وهو العبء والثقل والحِمل الذي احتملوه وتحمّلوه أكثر من أربعين سنة ........

والضاحك المستهزئ الذي يبحث عن مواد الضحك فقط للضحك الممجوج السمج بلا خلفية فكر ولا إحساس بأن هَمَّ الواحد من الأمة هو  همّ الجميع إنما يأخذ الجمع البريئ بجريرة المجرم المتنفذ، ولا تكبر كلمةَ في فمه أن ينعت الليبيين بما يجرحهم ويؤذيهم، وينسى في غمرة سفاهته وأوج تفاهته أنه يشرب من الكأس  ذاتها و قد فاضت  !!!  ولكنه لا يعي وهي الفائضة ! فكيف به لا يضحك على أحدب وعينه لا ترى حدبتَه !!
وجعلت أحاورها، و أساريرها تتفتح شيئا فشيّا ، إلى أن عادت وانكفأت على نفسها وانطفأت بسمتها من جديد وهي تقول :

- لقد فُضِح أمري .....

قلت : ولمَ يا صغيرتي وفيمَ هي  الفضيحة ؟؟ !!

- أنني من ليبيا .... أنا لست مع القذافي ولا أهلي ...بل نحن معارضون ....

فسارعت أبين لها براءتها وبراءة كل الليبيين إخواننا من جُرمه ومن فضائحه ومن خَزاياه ....
يا حبيبتي ومالك أنت ومال هذا المجرم؟؟ أنتم إخوتنا الأحبة الذين نسعد أيما سعادة ونفرح أيما فرح بأن تكونوا بيننا إخوة معزَّزين مكرّمين .... أنت يا صغيرتي منا ولست غريبة عنا ..... ألست مسلمة ؟؟

- قالت : بلى

- إذن فماذا بقي بعد ؟؟

أنت على أرض مسلمين، وبين المسلمين وهذا يكفي .... وأرضنا كلها واحدة يا سيرين واحدة وشعبنا كله واحد من كل بلاد الإسلام .......
تفتّحت أساريرها من جديد .... وتبسمت وهي تشير برأسها  أنها قد وعت ما أقول .....

وعدنا لموضوع الأدوات والمستلزمات الدراسية لأعطيها ما تريد محاولة أقلمتَها مع ما نألفه من استخدام لها، وهي بطفولة رقيقة عذبة تكمل معي مشوارها الطَّلَبِيّ ....وتسأل عن الأثمان فإذا هي طلاسم عندها، تعطيك نقدا أو ورقا كثيرا  وتسألك إن كان يكفي أو لا يكفي .... ! ::)smile:

وعادت لتتحدث بصوت باكٍ : لقد اشتقت لليبيا ....... اشتقت لليبيا ..... sad:(

عرفت كم أن شوقها كبير وكم أنه صادق، وكم أنه قلبها وما وعى من مسقط الرأس أرضا وسماء وهواء وأناسا وأمكنة لها فيها كلها طيّب الذكرى.... وجلّ ذكراها لَهْو ولعب وانطلاق وحرية لا يملكها ولا يلبس  تاجَها بحق إلا الأطفال في كل بلاد الأرض،سواء عندهم بسواء  خيرها أو شرها، استبداد سلطانها أو عدله .... لا يعنيه ذلك كله، ولا يرى نفسه إلا حرا في أي البلاد كان .....

وأردفتْ تقول: كل الأثمان عندكم مرتفعة، فما يساوي عندنا في ليبيا دينارا يساوي عندكم عشرة !

صدّقت ولم أصدق وجعلت أقول لها -وهو تفكير مني بصوت مرتفع-، ليبيا بلاد ثروات ولكن الجزائر كذلك ....

فقالت حديثا من حديث الكبار : ليبيا أثرى من الجزائر وأغنى ببترولها الأكثر .....الجزائر ما يزال يحكمها الفرنسيون ......... !!

ذُهِلت واندهشت وصمتّ لبرهة، وأنا أتأملها وكأنني أتأمل كبيرة هذه المرة ....ولكنني غالبتُ نفسي وجعلت أدعي السؤال والاستفسار : ولكن كيف ؟؟ ذهب الاستعمار الفرنسي عن أرضنا منذ زمن بعيد .... والجزائر مستقلة حرة ......................

فقالت كحال كبير يواري ويهرب بذكاء ويستصعب على محدثه أن يفهمه : لا أدري كيف أفسّرها لك ....لا أدري كيف أشرح، ولكنها هي هكذا ...... تشيح بعينيها عن استفهامي وعن حيرتي وعن حزن عميق بداخلي لا أخشى من سفوره وهي التي لن تَلْقَف مفهومه عندي .............................. !!


-------------------
ولم تنتهِ قصة سيرين بعد ولي عودة لنكملها بإذن الله emo (30):

« آخر تحرير: 2011-10-03, 15:30:38 بواسطة حازرلي أسماء »
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل أم يوسـف

  • أحلى شباب
  • *****
  • مشاركة: 2878
رد: خواطر مَكْتَبَتِية
« رد #2 في: 2011-10-03, 16:42:16 »
مبدعة كعادتك يا أسماء

حولت لقاء مع طفلة في مكتبتك لقطعة أدبية رائعة

أتابع معك وكل شوق للتتمة
كم من مستبد سيحاسب حسابا عسيرا على كل قطرة دم تريقها كلمته: لن أرحل.. وهو راحل شاء أم أبى

غير متصل أم وعالِمة

  • شباب إيجابي
  • ***
  • مشاركة: 724
  • الجنس: أنثى
  • طبيبةمصريةثورية
رد: خواطر مَكْتَبَتِية
« رد #3 في: 2011-10-03, 23:22:58 »
** أسماء ماشاء الله

مضى عليّ وقت طوييييييييييييييييييييييييييييييييل لم أقرأ مقطوعة ادبية بهذه الروعة مطلقاً :good: :good: :good:

أنضم إلى أم يوسف وأنتظر التكملة بشغف ....
"من المؤمنين رجال صدقوا ماعاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدّلوا تبديلاً "
من يمتلك قوة هائلة .. و رسالة نبيلة .. فعليه تحمل مسؤولية جسيمة ..!

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6547
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
رد: خواطر مَكْتَبَتِية
« رد #4 في: 2011-10-04, 07:32:44 »
م يوسف وسارة سعدت بمتابعتكما، وشكرا جزيلا لكما  emo (30):

اليوم بإذن الله تعالى أضع جزءا آخر من قصتنا مع سيرين  emo (30):
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

جواد

  • زائر
رد: خواطر مَكْتَبَتِية
« رد #5 في: 2011-10-04, 08:14:08 »
سامحكم الله ،

رائعة بحق..

غير متصل أم وعالِمة

  • شباب إيجابي
  • ***
  • مشاركة: 724
  • الجنس: أنثى
  • طبيبةمصريةثورية
رد: خواطر مَكْتَبَتِية
« رد #6 في: 2011-10-04, 12:40:20 »
قاعدين  :good:
"من المؤمنين رجال صدقوا ماعاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدّلوا تبديلاً "
من يمتلك قوة هائلة .. و رسالة نبيلة .. فعليه تحمل مسؤولية جسيمة ..!

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6547
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
رد: خواطر مَكْتَبَتِية
« رد #7 في: 2011-10-04, 23:16:16 »
أهلا بك أخ جواد ، وفيما يلي بقية القصة إخوتي
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6547
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
رد: خواطر مَكْتَبَتِية
« رد #8 في: 2011-10-04, 23:16:37 »
وعادت سيرين لمكتبتي  مرة أخرى وهي أحسن حالا وأكثر ألفة ...عادت هذه المرة يصطحبها جدّها ....

جد حنون متبسم يرقّ معها ويلتفت إليها بين الحين والحين بعبارات البنوة والمحبة، ويعانقها وهو يقول لي أنها قد أصرّت أن تصطحبه  إلى هذه المكتبة بالذات .....

فأخبره أن سيرين صديقتي وأنني سعيدة جدا بوجودها معنا، فيخفض من صوته قليلا ليعرّج إلى حديث تعريفي بها وأنها حفيدته ابنة ابنته الحبيبة، وأنهم لجؤوا إلينا من ليبيا، فيشاء الله أن أسأله مجددا إن كان والدها جزائريا .....فيكون جوابه المفاجأة ...............................................!!!!



-لا يا ابنتي والدها ليس جزائريا ....بل مصري ............

فأندهش للمعلومة الجديدة التي لم تخبرني بها سيرين، بل كانت قد أخبرتني أنها لأب وأم جزائريَّين ....وفي أثناء دهشتي تغضب  سيرين  من جدها، وتقول بمنطق طفولي -ولكنه غير عادي- : لقد فضحتني يا جدي .......

ففهمتها وسارعت لسؤالها : ولكن يا سيرين فيمَ الفضيحة ؟؟ أن أباك مصري ؟؟ ما هذا الذي تظنين يا صغيرتي ؟؟؟
آه  إخوَتَاه..... آه لما خلّفت تلك الحرب الكريهة العفِنة التي لا معنى لها ولا وزن ولا قيمة ولا طعم .....حرب التفاهة بين الإخوة، حرب الكرة المقيتة .......انظروا ما خلّفت في عقول الأطفال ...... لكأنها تستحي من جنسية لأب غير مسلم .... !!ولكأنه العار الذي تخشى أن يُعرف ويُفضح  فتنال به ما تنال من ضحك واستهزاء وكُره .............

يااااه لكم آلمني إحساسها ذاك وخوفها من التصريح بجنسية أبيها ........لكَم آلمني .....!!

لكم تمنيت لو أمسكت ساعتها بتلابيب  كلّ من سبّح للكرة ثانيةً من الزمان و كفر بكل معاني الأخوة والتقارب والوحدة من أجلها ............. !!!
لكم تمنيت لو أنهم كانوا ساعتها أمامي .....لما رحمتهم، ولانتقمت منهم، ولانتقمت لقلب سيرين الصغير ولعقلها الذي حسب أنها كانت حقا حربا وأنها ما تزال قائمة إلى حد الخوف من التصريح بالنسب في ديار العدوّ............... !!!!

فاستعضت عن تميّزي غيظا واستشاطتي غضبا بالحديث معها :

-سيرين ما هذا الذي تقولين ؟؟؟ تلك الحادثة لا يفكر فيها عاقل، تلك أحداث مجانين من أجل كرة فعلوا ما فعلوا ..... نحن نحب المصريين يا حبيبتي ....وهم إخوتنا الأحبة ولا فرق بينهم وبيننا، ولا فرق عندي بين جزائري ومصري، ولي من الأحبة المصريين الكُثُر وهم من أكثر من أحب، ولي من الإخوة الأحبة من مختلف بلاد الإسلام ......وسأكتب لهم عنك وسأحكي لهم قصتك يا سيرين..........
لا تفكري بمثل هذا مجددا يا صغيرتي  ......

فاستبشر جدها، وتهللت أساريره وتبسّم ،وعانق حفيدته التي يحاول أن يلبي لها كل مطلب لتسعد وتستأنس وتمّحي عن قلبها آثار الحزن ، و يذهب إحساس الغربة في نفسها .......

واشترت ما أحبت وقد عاد لها هدوؤها واطمئنانها ..... وودّعتني على عتبة الباب وهي تلتفت ملوّحة بيدها بابتسامة عريضة جميلة من وجهها الصبوح  الطاهر ......................


--------------------------------
فكيف هي سيرين اليوم ؟؟ وكيف أصبحت ؟؟ وهل عادت ؟؟ وهل ما تزال الغريبة ؟؟ هل ترغبون بإجابات  هذه الأسئلة ؟ emo (30):
« آخر تحرير: 2011-10-05, 07:46:49 بواسطة حازرلي أسماء »
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل أبو الوليد

  • شباب إيجابي
  • ***
  • مشاركة: 975
رد: خواطر مَكْتَبَتِية
« رد #9 في: 2011-10-05, 11:08:58 »
من المؤكد نريد أن نتابع وعذراً على التقصير فالثورات أخذت من وقتنا الكثير وربما أخرجتينا وأدخلتينا من باب آخر ....المهم أن نتنفس الهواء الممزوج بنسائم الحرية للعرب أشكرك وجزاك الله خيراً
{وَلاَ تَهِنُواْ فِي ابْتِغَاء الْقَوْمِ إِن تَكُونُواْ تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللّهِ مَا لاَ يَرْجُونَ وَكَانَ اللّهُ عَلِيماً حَكِيماً } النساء104


غير متصل أم وعالِمة

  • شباب إيجابي
  • ***
  • مشاركة: 724
  • الجنس: أنثى
  • طبيبةمصريةثورية
رد: خواطر مَكْتَبَتِية
« رد #10 في: 2011-10-05, 13:03:28 »
** طبعا تكملي يا أسماء ... ::ok:: :good:

ياااااااااااااااااااه حتى الأطفال كمان وصلتهم لعنة الكرة و مشاكلها و قرفها ... :emoti_351: ::angry::
"من المؤمنين رجال صدقوا ماعاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدّلوا تبديلاً "
من يمتلك قوة هائلة .. و رسالة نبيلة .. فعليه تحمل مسؤولية جسيمة ..!

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6547
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
رد: خواطر مَكْتَبَتِية
« رد #11 في: 2011-10-05, 17:22:44 »
أهلا بكما أبا الوليد وسارة

سأعود لأكمل بإذن الله، وسيرين قبل قليل كانت معي (مفتاح للإجابات)  emo (30):
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6547
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
رد: خواطر مَكْتَبَتِية
« رد #12 في: 2011-10-06, 12:58:01 »
وعادت سيرين مرة، ومرة ومرة ...... بل ربما لم يعد يمر يوم إلا  وأراها فيه... emo (30):

ولكم سعِدت وأنا أرمقها تخرج من مكتبتي راكضة  خلف صديقتها الجديدة ، وصوتها يعلو وهي تناديها وتؤنبها أن قد تركتها وانصرفت ..... :emoti_144:

وانزاحت غمّة غربتها القريبة ..... emo (30): وعرفتُ صديقتها الأكثر لصوقا بها، إذ هي واحدة من زبائن المكتبة....أوصيتها بسيرين خيرا وأن تكون لها أختا ...... فردت بطفولية وعفوية : نعم أستاذة أسماء هي الآن صديقتي ..... إنها ليبية ... :emoti_134:

كفعل الأطفال إذ ينقلون من الأخبار.... فتراهم يشيعونها بحماس، وكل جوارحهم تتحدث بها.... العين والفم والرأس، ::)smile: ولكأنهم الوكالة  الإعلامية الأشهر والأحرص على نقل الخبر الجديد...... :emoti_134:ولا يملّون ولا يكلون وهم يرددونه، وفي كل محفل لهم في نقله فنّ وتشويق  .......
وعادت سيرين مرة أخرى ....فأسألها  : هل ألفتِ الجوّ يا سيرين ؟؟  ::)smile:

فترد مشرقة الوجه متفتحة الأسارير :

-أجل ألفته وأصبح لي صديقات ...... :good:

وتعود مرات أخرى وفي كل مرة هي السعيدة الضاحكة المازحة مع صديقاتها ومعي، فأذكّرها بأيامها الأولى وبحزنها فيها على فراقها ليبيا ::)smile:..... فتضحك ملء شِدْقَيها وتندهش من حالها آنذاك وكأنما نتذكر سيرين أخرى...... :emoti_138:

تعدو مع صديقاتها ويتسابقن....

و تجد طفلا صغيرا صغيرا  يخلّفه مرافقه عندي باكيا لإعراضه عنه وهو يلحّ عليه أن يشتري له أداة مدرسية مزيّنة ، فتنحني عليه مشدوهة من ترْكِه له عمدا ليتخلص من إلحاحه، وتدفعه بحنوّ إليه خارجا، وتعود وقد رفقت به، واستاءت من تصرف مرافقه اللامبالي.....

وفي كل ذلك هي الرقيقة، المؤدبة الضاحكة المستبشرة، التي كلما ضحكت أسعدتني سعادتها وذهاب غربتها، ورأيت فيها قوة ما يربطنا ووَهَن ما يفرّقنا.....
ورأيت فيها حلما أجمل ما فيه انصهار واندماج ووحدة ولُحمة تجمع الجزء إلى الجزء، والطرف إلى الطرف، وترأب الصدع، وترتق الفتق، وتجمع المفرَّق، وتعيد الأصل .............. وتُذهب البديل المزيف ..........

كلما ضحكت أمامي وسعدت مع رفيقاتها هنا رأيت في سعادتهنّ  قوة لن تقدر عليها قوة كبار عُتاة متجبرين ، ودوا لو أنّ الأرض   أرضهم وحدهم والناس من حولهم  بهائم وأنعام تخدمهم ....

قوتكم أكبر أيها الأطفال من طاولات اجتماعات طويلة عريضة يلتف حولها الكبار من كل أجزاء الجسد المفتّت، يفكرون... يقدرون.... فيُقتلون كيف يقدّرون..... !!!

وسنون وسنون وسنون ، والجسد مفتّت مقسّم يريد به الأعداء تقسيما لتقسيماته !!..... ومراسيم وقوانين ولوائح وسلامات ومصافحات وقبلات شرفية وابتسامات سياسية ..... وكلها تحقق ترسيخ التقسيم وإعلاء كلمته الاستعمارية والعمل على الوفاء لها كل الوفاء  ..... !!

أما أنتم أيها الصغار فبحركات عفوية، وبضحكات بريئة طفولية، وبانسجام تحكمه الفطرة ، وبانصهار تُنتجه الألفة...
 تقررون وتفعلون وتنجحون و نرى فيكم الجزء ملتحما بالجزء ........... على أديم أرض ترابية تظلكم سماء بلا عَمد مبنية تُمضون أكثر القرارات مصيرية ............................... قرار الوحدة الأصلية .................

« آخر تحرير: 2011-10-06, 14:38:08 بواسطة حازرلي أسماء »
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل سيفتاب

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 7766
  • الجنس: أنثى
  • إِن يَنصُرْكُمُ اللّهُ فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ
رد: خواطر مَكْتَبَتِية
« رد #13 في: 2011-10-07, 10:18:51 »
 :emoti_123:
وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ
وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6547
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
رد: خواطر مَكْتَبَتِية
« رد #14 في: 2011-10-07, 17:19:48 »
:emoti_123:

يا أهلا وسهلا ومرحبا بالحبيبة سيفتاب   sm::))(

قهوة، شاي ؟ دواة ؟ قرطاس ؟ قلم ؟  :emoti_282:....اطلبي ما تريدين زيادة  ::)smile:

ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل سيفتاب

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 7766
  • الجنس: أنثى
  • إِن يَنصُرْكُمُ اللّهُ فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ
رد: خواطر مَكْتَبَتِية
« رد #15 في: 2011-10-08, 00:28:07 »
أريد المزيد من قصص سيرين  ::)smile:
وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ
وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ

غير متصل أم وعالِمة

  • شباب إيجابي
  • ***
  • مشاركة: 724
  • الجنس: أنثى
  • طبيبةمصريةثورية
رد: خواطر مَكْتَبَتِية
« رد #16 في: 2011-10-08, 23:39:48 »
رااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااائع
 ::ok:: ::ok:: ::ok:: ::ok:: ::ok:: ::ok:: ::ok:: ::ok::

ماشاء الله يا أسماء خليتيني ارغب في البكاء  sad:( sad:(
"من المؤمنين رجال صدقوا ماعاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدّلوا تبديلاً "
من يمتلك قوة هائلة .. و رسالة نبيلة .. فعليه تحمل مسؤولية جسيمة ..!

غير متصل جمانـة القدس

  • شباب نشيط
  • **
  • مشاركة: 273
  • الجنس: أنثى
  • عدتُ أنا! (ســـما)
رد: خواطر مَكْتَبَتِية
« رد #17 في: 2011-10-09, 23:19:27 »
قرأت هذه الخواطر الرائعة أمس...
سيرين... كم هي قوية بقلبها الطفل الرقيق...

متابعة يا فراشة :)

واشتقت لك بالمناسبة!
يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَار...
                                                     (النــّـور)

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6547
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
رد: خواطر مَكْتَبَتِية
« رد #18 في: 2011-10-10, 07:01:58 »
الحمد لله يا سارة هذه مؤامرات المتآمرين بكل أشكالها تفشل ويجهضها الصغار الواعون وعي البراءة والفطرة ....
من يدري لربما تأتينا الحلول من براءتهم..........

أهلا وسهلا ومرحبا بالحبيبة الغالية جمانة، ::)smile: اشتقنا لك يا عروسة، ونتمنى دوام تواجدك معنا emo (30):، خاصة وأنت في غربتك .....لا تتركي بيت العيلة يا جمانة هذا ففيه رائحة الدين والبلاد والأرض، وأفراح الأهل وأقراحهم .......

سأحاول أن أضع الجديد من قصص المكتبة بإذن الله تعالى، وسيرين بالمناسبة بخير حال وتلهو وتلعب وتمرح وتمزح و الحمد لله .... emo (30):
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6547
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
رد: خواطر مَكْتَبَتِية
« رد #19 في: 2011-10-10, 13:44:13 »
جعلت ابنتها الصغيرة التي لا تتعدى من عمرها العامَين  تُحدّثها بالإشارة... !!

وخزتْها من ذراعها لتلتفت إليها، وجعلت بإصبعها الصغير تفهمها شيئا آلمها فهِمَتْه منها.... :emoti_138:

صغيرة جدا .... !! وتتقن لغة الإشارة ؟؟ !!  :emoti_209: وأي إشارة !! فتعانقها أمها وتحنو عليها وتسارع  لتمسح  دمعا قد تكشّف من اغروراق عينيها
فهمتُ أن الأم بكماء صماء .......قد تعوّدت ابنتها على تلك المحاورة  في جنبات بيت يضمهم....
كانت حاملا ... وبدت على وجهها علامات الإعياء الأخيرة وقرب المخاض... تخبو نضارته فجأة بين الحين والحين من فعل ضرب قوي من ذلك القابع داخل بطنها، الآكل الشارب الهنيّ بين حناياه ....ولا يستحي أن يضرب.... !! :emoti_144:

أشارت إلى بطنها وهي تحدثني أنها قد قاربت ساعاتها الأخيرة بإشارات سبحان من يسّرها لها لتحيا وتعيش إنسانة كما يحيا ويعيش الناس.... بل أُمًّا كما الأمهات ....بل لأكثر من طفل واحد..... لثلاثة منهم غادروا بطنها إلى الدنيا، ورابع ما يزال يقضي آخر ساعاته  بين حناياه وهو لا يعلم إذ تمرّد وصار يضرب ويزبد ويرعد  أنه أخيرا سيخرج .... ::)smile:

سيخرج ليرى الدنيا وليطلق أول صوت له فيها بكاء، وكأنما يبكي انقضاء ساعات الراحة والأمان ويستقبل الدنيا وشقاءها بما تستحقه ... !!
أشارت إلى بطنها مبتسمة مصدرة بعض الصوت والنأمات وكأنما هي خلفية صوت لا صوت، وكأنما هي سند جعله الله لها ليتنفس فيها صوت مغمور مغمور مغمور ، وليكون لها من الصوت حظ حتى وإن كان أقرب ل"آ" و"أو " و"إي " قد لا يحيد عنها إلى غيرها.....!!

وكأن الكلمات تريد أن تخرج ولكنها تجد ألف باب وباب دونها والخروج ..... فتحجم وتكتفي بالأصوات مع الإشارات .....
وهُنَيْهة أيتها النفس فينا نحن أصحاب الأصوات والكلمات ........ لو طرأ علينا مثل ما هو عندهم عادة ولازمة  وطبيعة من اختناق الكلمات ماذا كنا صانعين بأنفسنا ؟؟ لأقمنا الدنيا وما أقعدناها حزنا وكمدا وحسرة ووووو غضبا وووو........ولما تذوقنا للحياة معنى وكلماتنا كل كلماتنا لا تخرج ........ !!

فرفعت يديّ كفعل الداعي إذا مدهما يسأل المعطي الذي لا يملّ العطاء... أشير لها أنني أسأل المولى جل في علاه أن ييسر لها أمرها .... فتتبسم وقد فقهت ما أحببت قوله،  وترد بنظرة منها إلى السماء مع صوت بين أصواتها القاموسية... وديع هذه المرة يتوجه للعلي القدير بالخضوع والرجاء أن ..............."آمين"  emo (30):

سبحان الله ................... وييسر لك المولى أيتها الإنسانة أن تعيشي وأن تفهمي وأن تُفهِمي وأن تكوني أما حنونة عطوفة ترقّ على ابنتها بضمّات إلى الصدر الحنون، وبابتسامات حب وحنان........ emo (30):

بل وأن تعرفي ربك الذي هو في عرشه العلي، فترتقين ببصرك البصِيريّ إلى أعلى حيث قد أدركتِ  أنه الأعلى، حيث فهمت أنه ربك وربي، وحيث تدرين أنه السميع الذي يسمع رجاءك وإن بقاموسك البسيط الذي لا يكاد يعد بين القواميس ذوات الحرف الواحد قاموسا ..... !!
إيمان في قلبك أخيّتاه !! يااااه ما أحلاه .... ما أبهاه وأنا أرمقه في حركاتك وفي إشاراتك .... ليس كل من ينطق مؤمنا ... !!! وليس كل مؤمن ناطقا .....


وماذا ؟؟

هذان ابنها وابنتها  يلحقان بها وأنا في غمرة حديثي الممتع معها، حديث الإشارات .... ليت شعري ، أي حوار صامت هو !!

وأحدّق بهما وهما من أهل الإشارة ... !! :emoti_209: قد ألفاها وتعوّداها حتى لم تعد طلاسما عندهم ولا غريبا من الفعل ....
لم يعودوا يصدرون صوت الكلمة خطأ كحالنا ونحن نحاول محاكاتهم لنحاورهم ،ونحن نخطئ فننطق الكلمة وقد تعوّدنا أن الصوت وحده... وحده وسيلة الإبلاغ والإفهام......نخطئ فننسى والطبيعة فينا والتعود قد غلبا، ننسى أن من نحدثه لا يمسع فما من مجال لدور الصوت منا ليَسْمَعَنا، بل حديثه الإشارة لا شيء غير الإشارة .......

أما هما فلا خطأ .....ولا كلمة .... !!  emo (30):يشير إليها ابنها بأصابعه وبرأسه أن هل أتممت يا أمي لننصرف ؟؟ وهو ينتظرها وأخته .....
فترد عليه أن انتظرا قليلا بعد ................... بالإشارة لا شيء غير الإشارة .... !! وشيء من صوت ألِفَاتِهَا المتحركات فتحة تارة وضمة تارة وكسرة تارة أخرى ...... ::)smile:

وتبدو عليها علامات الغضب منه وهو يصر عليها ويلح أن يذهبوا ..... فتزجره زجرة الأم الآمرة .... نعم تماما كفعل الأم وزجرها
وأسمع محادثة صوتية عادية بين ابنيْها، الولد وشقيقته ..... فأفهم أنهما ناطقان .....أجل ناطقان مثلنا تماما ....بكلمات وبأصوات يقول وهي عليه ترد .......

فالتفتّ إلى أمه أسألها بالإشارة لا شيء غير الإشارة، فألصق سبابتي اليمنى باليسرى أعني زوجها ،وأرفع إصبعي إلى فمي مستفهمة بملامح وجه مستفهم هي الوسيلة الأهم معها : هل يتكلم زوجك ؟؟

فتفهمني وتتبسم وترد أنه لا يتكلم .... بالإشارة لا شيء غير الإشارة ..... emo (30):بإصبعها  مع الإشارة إلى فمها وإلى أذنها تنفي .... وتؤكد لي أنه لا يتكلم هو الآخر ولا يسمع ........

فأسألها عن أبنائها الثلاثة ، هل يتكلمون جميعا؟ هل يسمعون ؟؟

فترد بحركة من رأسها قوية واثقة، تصحبها فرحة قلبية أن : "نعم "  هم الناطقون جميعهم، السامعون ............ :emoti_416:
ياااه ............ سبحان الله .... سبحان العلي القدير ...... سبحان الفعّال لما يريد ........

فأتبسم والفرحة تملأ قلبي، فرحة من نوع خاص، emo (30): فرحة بعظمة الله وقدرته ومشيئته وخفيّ حكمته، ورحمته بعباده، ورأفته بعباده، وهو ربهم جميعا، فلا يكل أحدهم، ولا ينسى واحدا منهم، ولا يحرم واحدا منهم من رحمته ..... ولا يكون حال من أحوال عباده إلا وهو سبحانه الأعلم بما يهيئه له ليعيش ويكبر ....... ويقدر في دنيا هي ليست لأحد ملكا، بل كلها لله وحده ..........

كلهم يتكلمون ......... والأم صماء بكماء، والأب أصم أبكم .............. لا إله إلا أنت سبحانك ........!!

وأرفع عينيّ إلى أعلى حيث نحدث عن ربنا أنا وهي بلغة الإشارة، حيث ربنا العظيم الذي أعرفه أنا الناطقة السامعة، وتعرفه مثلي هي الصماء البكماء، حيث ربنا الذي يتغمدها برحمته فهي السعيدة القريرة المتبسمة الراضية ........... emo (30):

حيث علامات الرضى هي أكثر ما ميّز وجهها وحالها ........... emo (30):

أشير إلى أعلى وأنظر إليها لأقول معها "سبحان الله" "إرادة الله "............ولأحدث نفسي الضعيفة أن عُبّي من دروس الرضى وأنت تتذمّرين من أقل القليل ....

فتطأطئ رأسها لتريني مكانا فيه هو أثر لسقطة لها من مكان مرتفع حينما كانت صغيرة أفقدتها النطق والسمع ...........
تستأنس أخيّتنا أكثر ، وتضيف وهي تحدث عن ابنها مشيرة إليه أنه الذي يقرأ ويكتب وأنه دائم المرافقة لوالده إلى المسجد رافعة يديها إلى خلف أذنيها مكبّرة ..... emo (30):

سبحان الله ........... سبحان الله .........

وتعيد عليّ وقد بدا على وجهها شحوب مفاجئ أنها قد قاربت ساعات الوضع، فأشير إليها أن تعود لبيتها خوفا عليها من أن تزيد آلامها فيلمّ بها ما يلمّ وهي بعيدة عن بيتها ....فتبتسم أنها قد فهمتني وأنها فقط  قدمت لحاجة لأبنائها، وأنها عائدة من توّها ............

يا الله ....... هكذا هو ربنا يقسم لكل عبد من عباده قسمة في هذه الحياة الدنيا، فيعلّمنا أن لكل منا حظا منها برحمة منه سبحانه، وأن الأبكم يعيش وأن الأصم يعيش، وأنه يهيئ له ما ييسر له العيش والتأقلم، وأن أصم أبكم يعاشر صماء بكماء ويهبهما الله ذرية ناطقة ليملؤوا عليهما حياتهما ........

بأصواتهم وإن كانوا لا يسمعون لهم صوتا، بحركاتهم .... بطفولتهم، بنموّهم كنموّ النبتة التي يتعهدها صاحبها بالرِيّ والسقيا ........ وهما المتعهّدان، يحنوان كما يحنو الآباء، ويحبان كما يحب الآباء، ويلقي المولى عز وجل في روع كل منهما إحساس الأبوة والأمومة ........لتكون علاماته الأغلب فيهما ابتسامات وضمات للصدر قد يفتقر إليها كثير من الناطقين الذين تلهيهم كثرة كلماتهم وتوعّداتهم وتأنيباتهم وتقريعاتهم  عن الإكثار منها  ....... emo (30):


تخيلت ذلك البيت حيث الإشارة فيه هي الصوت وهي الكلمات ..... تخيلته والأطفال فيما بينهم ينطقون ومع والدَيهم يشيرون ....

تخيلته وإيمان صامت بلا كلمات يظلّه ....... وتوجه إلى الله العلي منهم بالدعاء الصامت وهو سبحانه يسمعهما ويلبي دعواتهما، ويرزقهما خيرا في أبنائهما، ويمنّ على الرجل فيكون من أهل المسجد ويصطحب ابنه إليه ............ emo (30):

تخيلته وهو مملكة صغيرة يملؤها الحب والحنان ..... والراعيان فيها أم وأب صامتان مؤمنان سعيدان مُحبّان ............
سبحانك يا ربي .........سبحانك .........

ودّعت أخيّتنا ....وأنا أشير إليها... لا شيء غير الإشارة... أن كم أنت رائعة أخيّتاه .....وقلبي يبوح لي لا لها أنّها كانت لي معلمة في دقائق معدودة ..........

وحَيَّ على طيب الجَنَى منك يا مدارس الرضى في هذه الحياة الدنيا..............وطوبى لمَن عرف ربه وإن لم ينطق .....!!
« آخر تحرير: 2011-11-05, 20:19:22 بواسطة حازرلي أسماء »
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب