كتبت سلمى بتاريخ 2014/01/24 :
مرحباً يا اسماء , كيف حالك؟
كنت افكر .. أنه ربما يجب ان اشارك شخصاً ما يدور في ذهني .. أيّ شخص
فلم اجد انسب منكِ حالياً
اخبريني يا اسماء .. و قد وضعنا الله في مواضع القتل و السفح و الدماء تغطي كل جميل , و ليس ذلكم بلاءاً بقدر ما هو بلاء مخالطة اهل الشر و اهل السوء اولائكم ..
لسنا نخشى الموت .. بل نتمناه ..
لكن أيّ صبر يمكن ان يداوم المرء عليه مع قومٍ هم اسوأ جارٍ و اسوأ صحبة .
إن منهم لمن يرى الدم فيرقص طرباً به . و يرى الاشلاء فيهرع إليها يزيدها تمزيقاً . يرى هتك اعراض البنات فلا يمد يديه لمساعدةٍ إلا أن يكون تصفيقاً لمن هتك .
يصعب عليّ ذكر الكثير . الكثير الموجود لا يزداد إلا كثرة . لا يزداد الظلم إلا تفحشّاَ .
والله إننا لا نخاف الموت شيئاَ .. ولا يخيفنا الرصاص . إنما القومُ الذين نجالس و نجاور .
قومٌ ما ألِفوا سوى الخبث و قبح الضمير و نفاقة العطف في قلوبهم .
الله وحده يعلم أي إيذاء نلقى لا من سفاحنا . لكن من الاهل و الجار و الشعب كلهم .
لبئس الشعب هم و لبئس العيش معهم .
الله يعلم إلى أي مدىً تقطّعت الارحام و هجر الاحباب و الاقارب اقرباءهم .ثم لم يعد شيء كما كان
والله إن الام لتُبَلِّغ عن ابنها . و إن ابن العم ليشمت في قريبه . و إن الجار ليرى دم جاره فيُعلي الاجهزة كلها باصوات الغناء و الرقص و الزغاريد.
حتى بات المرء يستفهم عن إتجاه مُحدِثه . فإن تأكد أنه إنسان فإنه يحادثه. وإلا فلا
اللهم ارحم بنا يا رب .
أيّ فتنةٍ تلك؟
اللهم لك الحمد .
فقط اخبريني يا اسماء . كيف؟
كيف - عندما يلطف بنا الله و نحصل علي الخلاص - سيكون عيشنا معهم؟ كيف تنسى القلوب ؟ كيف يُغتفر الدم؟
هل سيفتح لهم الله ما فتحه لنا من خيرٍ و نعمة؟ ألن يأخذهم كل مأخذ؟ ألن ينتقم لكل من برر و كل من شمت و كل من استخفّ؟
والله إن الكلمة منهم لتقتل .
نريد يا رب خلاصاً عظيماً . نريد انتقاماً غليظاً .
اقسم ان النفوس اللطيفة قد تغيرت.
لم يعد المرء يمكنه ان يجالس احدهم و هو صافِ النفس . كيف و كلّه يقين ان من يجالسه سوف يشمت بدمه إن اوذي او إن قُتل؟
إنني - و اعترف - احرّض رفقتي كلهم على ان يقطعن علاقتهن باصحابهن من الطرف الاخر كلهن .. ولا يستثنين أحداً .
اسماء .
إنني قد اطيل ما اطيل .. لكنك تعين مقصدي .. فابلغي فيّ الاجابة !
فرددت عليها بتاريخ 2014/01/28:
----------------
ماذا عساي أقول يا سلمى ؟
إن أنا نصبت نفسي ناصحة فسأراني المتفلسفة التي تعلم شناعة الأمر وفظاعته، وعِظمه وتعلم أنها لا تعيش ما يعيش السائل لتنتقي الكلمات التي تصيب النفع فيه إصابة ... وإن أنا أعرضت عن الكلام فسأراني التي لا تجد في الدين ما تؤسّي به نفسها والسائل ....
نعم يا سلمى، لن أتفلسف عليك، ولن أطالبك بما أعلم أن نفسك لم تعد تطيقه، ويعلم الله كم أثرت بي كلماتك، وكم أوجعتني، وكم عرفت أن الأمر جلل جلل جلل .... ولكنّ ملجئي وإياك هو الله سبحانه، هو دعوتك لأن تتذكري إخوة يا سلمى ألمهم أشد من ألمك، وجرحهم أكثر غورا، إخوة تأويهم حيطان السجون التي لا ترحم، إخوة يتعذبون، وربما فضلوا الموت على عذاب يلقونه في تلك السجون .... إخوة قُهِروا وظلموا ولكنهم لا ينسون اللجوء إلى الله ....
هكذا يا سلمى يتأسون، هكذا يتقوّون، هكذا تتجدد عزيمتهم، وهم يذكرون الله، ويذكرون نبل غايتهم، وأنها التي ضريبتها أنفسهم وأنفس ما يملكون، إخوة تأسوا بمن تعب قبلهم، وبمن صبر، وبمن جاهد، فرجوا الأجر من المولى عز وجل، وزاد إخلاصهم حتى إذا لقوا الله لقوه مخلصين يريدون الأجر منه، ولا يريدون أن يصنفوا في زمرة "وقد قيل ..."
عرفوا أن صاحب الرسالة والهدف والعمل لله تعالى غايته الله، فأحبوها خالصة لا تشوبها شائبة، فإذا عزمهم يتوقد، وإذا صبرهم يتقوى، وإذا جدران السجون الظالمة تنقلب حياة لقلوبهم وهم في جوف الليل يناجون ربهم العليم الخبير السميع البصير، الذي يعدهم أن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده، ولكنه سبحانه يفتنهم وهم يعلمون أن قول "آمنا" لن يكفي لتعرف حقيقة إيمانهم ....
نعم يا سلمى، لن أدعي وعظا ولا إرشادا، ولكنني لا أستطيع أن أغفل هؤلاء، لا أستطيع أن أنساهم في غمرة ما يحدث، بل إن استدعاء ذكراهم هذا موعده، وهذا أوانه، الأسبقين منهم واللاحقين، من كان منهم على الدرب أولا، ومن اقتفى الأثر لاحقا، في كل زمان ....
أعلم يا سلمى مدى ما يوجع أن تلتفتي حولك فإذا الجيران والأقارب والأحبة أعداء ألداء، يفرحون بأساك كما لا يفرح به البعيد، أعلم كم يوجع هذا وكم يؤلم وكم يوغر الجرح !!! أمر يجعل من الإنسان فاقدا للثقة بالناس، يجعل منه مترقبا لكل خطوة لكل كلمة، لكل نأمة منه، وهي الحياة التي لا تفرق عن الموت إلا بالأنفاس ....ولكن لا بد أن نضع نصب أعيننا سؤالا فاصلا، وبعد؟؟
مدارج الحق سالكوها قلة، قلة، قلة، ودرب الباطل سالكوه كثرة، هذه هي المعادلة، ومن كان معدنه هشا رقيقا في ساعة السلم، لن يصبح بقدرة ساحر ماهر صلبا متينا في ساعة الحرب والشدة ....من كان إيمانه على حرف في ساعة السلم، لن يصبح إيمانه شعلة وقادة في ساعة الشدة والرزء ...هكذا يجب أن تضعي نصب عينيك هذه الحقائق يا سلمى، فلا يوجعنّك بعدها كثرة المتكالبين على أبناء الجلدة الواحدة والدين الواحد والرحم الواحدة والحي الواحد وكأنهم المتكالبون على العدو .... هكذا هي سنة الحق وأهله في دنيا الباطل وانتفاشه، والفرق بيننا يا سلمى وبين من صبر وتحمّل أنهم فقهوا العلة، وأيقنوا أن كثرة الثائرين بوجه الحق لا تعني في قاموس ثورتهم وجهادهم وصبرهم ورسالتهم شيئا .... لم يروهم كثرة، لأنهم فقهوا أن الحكمة ليست بالعدد، فقلّلهم الله في أعينهم .... فهلا اقتبسنا من فهمهم، وما فقهوا؟ أنا وأنت يا سلمى سواء، لست بالتي تعظك لأنها الجَلدة عند المصاب، لا .... فما يدريني لعلي أكون ساعتها الأكثر ضعفا منك ..... ولكن فقط أتذكر وأذكر نفسي وإياك .....
الأمر يحتاج إيمانا قويا يا سلمى بالقضية، ويحتاج صبرا، هكذا شئنا أو أبينا بحثنا عن حلول أخرى أم لم نبحث، هذه هي السبيل منذ الأجيال الأولى وإلى آخر جيل، لأن هذه الطريق خاصة، والله سبحانه يجعل فيها الأشواك ولا يزرع فيها الورود ...."مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً(23) " -الأحزاب-
وكما أنكم القلة يا سلمى، فلستم أيضا وحدكم في كل مصر، بل منكم الكثير الذين اضطهدوا ضمن مخطط كبير كبير كيد به أهل الدعوة في مصر حتى تقطع طريقهم، ولكن المخططين يظنون ظنا، والظن لا يغني من الحق شيئا .... لأن الثابتين الصابرين موجودون في مصر، ولن تقطع الطريق ....
لا تبالي يا سلمى بمن فرح لحزنكم ومصابكم، فأولئك لو تتذكرين ستجدينهم أهل المعادن الهشة القشة من زمان وليس من اليوم ..... وهؤلاء تظهر حقاقئهم المرة عند الشدة والأزمة .... فأن يكشفوا خير من أن تبقى حقائقهم مغمورة .... ولن أدعي أن أقوالهم وأفعالهم لا توجع، ولكن يجب أن تكونوا أقوى .... فمن كان مطلبه الله ودينه، لم يضرّه طالب دنيا ....
صبّركم الله يا سلمى، ونصركم، وأنزل عليكم رحماته، وقواكم وأضعف عدوكم .... وإن ما يحزنكم يحزننا ويفتّ في عضدنا ولكنا لا نقول إلا ما يرضي ربنا إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم اؤجرنا في مصيبتنا واخلفنا خيرا منها .....
وسيخلفكم الله تعالى بأناس معادنها أصيلة تحمل الهمّ معكم ... ثقي بالله تعالى، فهذه الدنيا دوارة، وهذا الزمان صعب، ونسأل الله فيه الثبات على الحق وإن غمر الباطل كل الأرض ... ولا تنسي أن زمانا قد عرّفه نبينا صلى الله عليه وسلم القابض فيه على دينه كالقابض على الجمر ....
ونحن وكل مجتمعاتنا، ولن أقول المجتمع المصري وحده، أصابنا من العلل الكثير الكثير الكثير، ولو أن شيئا أصاب الجزائر اليوم مما أصاب مصر، لعرفنا مما عرفتم أيضا، وكما أرى في تونس اليوم وإن بدت بلاد الدستور المصادق عليه إلا أن الهم فيها كثير كثير كثير ، كل مجتمعاتنا مريضة يا سلمى بفعل من قادها أزمنة طويلة يأخذها إلى طريق الهمل والضياع، وبفعل ضعف أنفسنا جميعا ...... فاصبري أختاه وصابري وفرج الله آت آت ...هذا هو اليقين .
وتذكري دوما أنه مهما كان مصابك عظيما، فهناك من مُصابه أكبر وأعظم، ولكنه الصابر المحتسب، ومن هؤلاء نقتبس علما ونورا، وهم القلة ولكن بهم نصر الله الحق من سالف الأزمنة، وبهم وهم القلة، سينصر الله دينه في قابل الأيام .... تذكري يا سلمى من ثبت ولم يرَ النصر ولم تنعم به عيناه، ولكنه ترك لنا من خلفه قصة ثابت صابر تتأسى به الأجيال من بعده لتقفو أثره، وتفعل فعله حتى ينزل الله نصره على من يحب من عباده فيقرّ به أعينهم.... تذكري من قاسى الأمرّين وهو يسأل الله نصرة الدين، ويتمنى الشهادة، ومن حوله نعّاق الشر وهم بنو الجلدة الواحدة، وسِياطهم تفعل بجسمه وقلبه الأفاعيل .... تذكري من عذبهم أبناء جلدتهم،من وصموهم بالجرم وبالإرهاب وبالعنف وبأنهم أهل العذاب والنكال وبأنهم من ترجو الأرض الخلاص منهم، وهم صابرون ..... بل لقد عرفناه الشهيد في سبيل الحق، ولم تفعل فينا أكاذيب جلاديهم شيئا، ولم نصدقهم، ولم تندثر أخبارهم، بل بقيت شعلاتهم تنير الدروب حتى بعد مماتهم ....... فالحق لا يموت وإن مات أهله، وهم من أجل الحق صبروا وثبتوا لا من أجل ذواتهم، ومن أجل أن يورثوا الصبر والثبات نبضا للأجيال يمدهم بالحياة، لأن الجهاد لا يموت وإن مات من أهله الكثير ....