المحرر موضوع: صفحة أسماء  (زيارة 84667 مرات)

0 الأعضاء و 4 ضيوف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6547
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
رد: صفحة أسماء
« رد #360 في: 2017-03-31, 12:05:13 »
2016/05/15

كثيرا ما يُخطئ مَنْ لا دراية له بمدى اتساع وامتداد اللغة العربية ورحابتها، وتنوّع استخدامات أدواتها، ودلالة الكلمة الواحدة فيها على أكثر من معنى، فيحسب أنه القادر على تفسير القرآن حسب ما يفهم...
بعيدا عن حقّه في التدبّر، بل واجبه في التدبّر، والذي لا يكون على أساس متين إلا إذا أحاط بالمعنى السليم للكلمات، فإنّ محاولة التفسير الذاتيّ للقرآن من غير ما إحاطة بمعاني الكلمات ودور الأدوات قد تأتي مشوّهة، مفتَعَلة، متكلّفة لا تحمل روح المعنى الصحيح، ولا تؤدي المُراد من الآيات، بل إنّ هناك من يطوّع القرآن لمقصد يريد هو الوصول إليه بليّه لعنق اللغة قبل عنق الآية...
وسأضرب مثالا واحدا، أراه يدلّل كبير دلالة على وجوب التحرّس قبل الاعتداد بالفهم الذاتيّ دون تأسيس على فهم صحيح لمعاني الكلمات، ولمواقع الأدوات وأدوارها...
"قالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا ۗ سُبْحَانَهُ ۖ هُوَ الْغَنِيُّ ۖ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ۚ إِنْ عِندَكُم مِّن سُلْطَانٍ بِهَٰذَا ۚ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ(68)" -يونس-
قوله سبحانه "إِنْ عِندَكُم مِّن سُلْطَانٍ بِهَٰذَا ۚ " لو أُرخِي العنان للفهم الشائع لدور "إنْ" لقصرها مَن قصرها على أنها أداة شرط، بينما "إِنْ" في اللغة العربية ذات أدوار لا دور واحد ...
وها هنا هي نافية، وليست شرطية ...
"إن عندكم من سلطان بهذا" معناها: ليس عندكم من سلطان بهذا الذي تقولون، ما عندكم من سلطان بهذا الذي تقولون، أي لا دليل عندكم على تقوّلكم وافترائكم ...
🎀إنْ النافية : حرف نفيٍ بمعنى ( ما ) مبنيٌّ على السكون لا محل له من الإعراب ، تدخل على الجملة الفعلية والجملة الإسمية ولا تؤثر فيهما في الإعراب.🎀
دخولها على الجملة الفعلية من مثل قوله تعالى : "إن أردنا إلا الحسنى" أي ما أردنا إلا الحسنى
ودخولها على الجملة الاسمية من مثل آية سورة يونس أعلاه ...
أما أدوار "إِنْ" الأخرى:
🎇 فهي "الشرطية" من مثل قوله تعالى "وإن عدتم عدنا"
🎇 وهي "الزائدة للتوكيد" وتأتي لتأكيد التعبير وتقويته، في مثل قولنا: "ما إنْ أنهيتُ دروسي حتى اطمأننتُ "
🎇 وهي "المخفَّفة من إنّ" وغالبا لا تعمل عملها فيما بعدها، بمعنى أنها لا تنصب الاسم الذي بعدها كفعل "إنّ" في اسمها... واللام التي تأتي بعدها تسمى "لام الفارقة" دورها التفريق بين "إنْ" المخفّفة و"إنْ" النافية، وذلك في مثل قوله تعالى : "إنْ هذانِ لَساحران".
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6547
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
رد: صفحة أسماء
« رد #361 في: 2017-03-31, 12:05:51 »
2016/05/18

ي قوله تعالى :{ثُمَّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِم مُّوسَىٰ وَهَارُونَ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ بِآيَاتِنَا فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُّجْرِمِينَ (75) فَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِندِنَا قَالُوا إِنَّ هَٰذَا لَسِحْرٌ مُّبِينٌ (76)} [يونس : 75-76]
لقد استكبروا أولا...
فرعون وهو ملك مصر، وملؤه وهم حاشيته المقرّبة من ذوي الجاه والمكانة...
فرعون هو الذي استخفّ قومه، واسترهب فكرهم حتى كان يحثهم على الاستدلال على ملكه بالأنهار تجري من تحته، وهو يستنكر عليهم بقوله : "أفلا تبصرون" ...!
استكبر لما جاءه موسى وهارون بآيات الله حتى ادّعى الربوبية بقوله: "أنا ربكم الأعلى"...
واستكبر حتى ادّعى الألوهية فقال : " ما علمت لكم من إله غيري"...
أما عندما جاءهم الحق من عند الله، بالبينات الساطعة المفحمة، وعندما عرفوا أنه الحق، ولم يبقَ لأهل اللجاج وقد أفحمهم الحجاج، وزهق الباطل اللجْلج بالحق الأبلج...
لم يجد أهل الاستكبار إلا أن يقولوا : "إن هذا لسحر مبين"...
والسحر أخيلة تصوّر الباطل حقا...
هكذا ألقوا بصفة السحر على الحق ينفذ للعقول من منافذها، ويملك القلوب من عروشها...
وهكذا حال من استرهب العقول والأفهام، واستبدّ بمفاتيحها وبمغاليقها، يفتح منها لنفسه ويغلق منها لما عداه ... فيقلب في تصوّرهم الحق باطلا، فيرونه كذلك... ويقلب الباطل حقا، فيرونه كذلك... إي وربي، فإن المفاتيح والمغاليق بيد السجّان لا بيد السجين...!!
عندما تُغتصب العقول، فتفقد حريتها، تصبح كالعبد بيد سيّده لا حركة إلا لما يحب، ولا سكنة إلا لما يبغض...
يصبح كاللعبة بيد صاحبها، مِطواعة ليده، إن شاء التهى بها، وإن شاء خبأها، وإن شاء أظهرها، وإن شاء مزّقها إربا إذا تملكته السآمة منها والملالة...
والمستكبر إذا أُفحِم باطله بحق... صار دَيْدَنه -كما وصف ابن عاشور- التدرج من مجرّد الإباء المنبعث عن الاستكبار إلى البهتان المنبعث عن الشعور بالمغلوبيّة...
فهو شنشنة المغلوب عديم الحجة الذي قهرته الحجة وبهره سلطان الحق...
نعم من استكبار ، إلى بهتان مبعثه الشعور بالمغلوبية... هكذا هو ديدن المستكبرين، المستعبدين للعقول...
وإن لزماننا هذا لفراعنَتَه المتعالمين أو الآسرين بالعبارات الرنانة الذين يقلبون الحق باطلا والباطل حقا لكل مَن أسلمهم عقله..
فليت شعري... لا حق ليد أن تمسك بمفاتيح عقلك ومغاليقه إلا يدك... فافتح للحق ينفذ... وأغلق دون الباطل يُمسك... ولا إله عليه إلا الله، ولا رب له إلا ربنا...الله...
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6547
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
رد: صفحة أسماء
« رد #362 في: 2017-03-31, 12:06:28 »
2016/05/19

"قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَاءُ فِي الْأَرْضِ وَمَا نَحْنُ لَكُمَا بِمُؤْمِنِينَ(77)" -يونس-
وأخيرا... هذه هي حقيقتهم، إنه خوفهم وفزعهم وهلعهم من هذا الذي جاء ليبيّن تهافت ما كانوا يتّبعون من خرافات ومن أهواء، ومن سفاهات....
إنه خوف المتسلط، خوف صاحب الجاه، خوف السلطان على سلطانه ....
فيصوّر أن موروث الآباء قداسة لا تُمسّ ولا يُؤتى عليها، وليت ذلك الموروث هو الحق موروثا، بل هو الباطل، والخرافة والكذب والافتراء من وحي الهوى...وإنه التعلّل بقداسة ما لا قداسة له والحقيقة أنّه مُرادهم من الاستئثار بالسلطان ...
ولكأنّي بهم وهم يعلّلون بـ "وتكون لكما الكبرياء في الأرض" يعلمون أنّ لهذا الحق قوة تجعل من أتباعه أصحاب سلطان في الأرض...
إذن فإنهم قد انتقلوا من 1- "استكبروا" إلى 2- بهتان الذي غُلب بالحق "إنّ هذا لسحر مبين" إلى 3- نطقهم بحقيقة حالهم "وتكون لكما الكبرياء في الأرض" ....
"ثُمَّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِم مُّوسَى وَهَارُونَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ بِآيَاتِنَا فَاسْتَكْبَرُواْ وَكَانُواْ قَوْماً مُّجْرِمِينَ(75) فَلَمَّا جَاءهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِندِنَا قَالُواْ إِنَّ هَـذَا لَسِحْرٌ مُّبِينٌ(76) قَالَ مُوسَى أَتقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءكُمْ أَسِحْرٌ هَـذَا وَلاَ يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ(77) قَالُواْ أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَاء فِي الأَرْضِ وَمَا نَحْنُ لَكُمَا بِمُؤْمِنِينَ(78)" -يونس-
وإنّ لهذا الخوف القديم الجديد سببه الواحد... الخوف على سلطان الباطل والجَور في الأرض من سلطان الحق والعدل فيها ...
إنّ في الدين حريّة تُسترجع للعقل الذي سُلِبها...
إنّ فيه تخليصا من العبودية للعباد، وذلك ما يخشاه في الدين المستعبِدون المتجبرون...
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6547
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
رد: صفحة أسماء
« رد #363 في: 2017-03-31, 13:13:33 »
2016/05/22

في قوله تعالى : "وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْياً وَعَدْواً حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لا إِلِـهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَاْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ(90) " -يونس-
قصة عظيمة هي قصة موسى عليه السلام عند خروجه بقومه...!!
وإنك إذا لملمتَ أجزاء القصة المنتشرة في آيِ القرآن الكريم من سور مختلفة، لغدتْ أمام عينيك وكأنها المتمثّلة بشخوصها، وأدواتها، وحركاتها... وبتفاصيلها...
فتجدكَ في قلب المغامرة، في قلب الحدث، وكأنما انتقلتَ إلى زمانهم، وإلى مكانهم، فالبحر من أمامك، والعدوّ من ورائك ....
وإنّ قلبك ليرجف وليهتزّ هلعا، وخوفا على مصير موسى وقومه، في لحظات حاسمة، خطيرة، مصيريّة ....لحظة لا يتبيّن فيها المصير أإلى خير ونجاة، أم إلى هلكة وفوات ...!
تجدُك مع الآيات تُسلط الضوء حينا على موسى، وعلى أتباعه حينا آخر، ولا تنفكّ مراقبا لفرعون وجنده، ويدك على قلبك المنخلع خوفا من مصير خطير مُحدق....!
إن الآية التي بين أيدينا من سورة يونس، تبيّن في إيجاز مُنجز مُعجز، كيف أن الله تعالى جاوز ببني إسرائيل البحر، وكيف أتبعهم فرعون وجنوده، وكيف أدرك الغرقُ فرعونَ ....
إنها لكلمات معدودات تصف الحدث، لتنتهي إلى مصير فرعون، وحاله وهو يغرق...
ولكنّ الجوامع التي بين يديّ تشوّقني للتفاصيل؟ فهل لي أن أعرفها ؟!
لسائل يقع على هذه الآية، ولم يقع على غيرها أن يسأل: تبدو قصة فريدة، فهل من تفاصيل؟
ولمن يبحث، ويجول بين حنايا القرآن أن يأتي بها شافية وافية كافية .... :)
لقد خرج موسى بقومه خفية عن فرعون وشيعته، ليلا على حين غفلة منهم : "فأَسْرِ بِعِبَادِي لَيْلاً إِنَّكُم مُّتَّبَعُونَ(23)" -الدخان-
فلنتأمل...
إنّ موسى عليه السلام لما خرج ليلا بقومه، ممتثلا لأمر ربه، لم ينجُ من اتباع فرعون له، ولكنّه بالمقابل قد نجا نسبيا، نجا بأن قطع بقومه طريقا بلّغهم شاطئ البحر، نجا بالقدر الذي جعل بينهم وبين فرعون وجنوده مسافة لها دورها وإن لحقوا بهم... وإن اتبعوهم...
والقرآن يومِض في عقل السائل والمتتبّع للتفاصيل، بمفتاح جديد ...
وذلك في قوله تعالى : "فَأَتْبَعُوهُم مُّشْرِقِينَ(60)".... لقد أتبعوهم مشرقين... وبين الليل والإشراق مسافة، لا بدّ أن لها دورا ...لا بدّ... وإن اتبعوهم ...
إنه الإشراق... إنها الشمس تُسفر بجدائلها عن انقضاء الليل، وابتداء يوم جديد...
أتراه سيكون جديدا مشرقا في حياة بني إسرائيل، أم تُراه سيزيد إلى ظلمتها ظُلمة ؟؟!!
أين سيذهب موسى بقومه؟ أين يفرّ بهم والبحر من أمامه والعدوّ من ورائه ؟!
أمِن أمل في لجّ الخطر المُحدق؟!
إنني لأراني أعود القهقرى... قليلا إلى الوراء... إنها عودتي وحدي إلى الوراء، ذلك الوراء الذي فيه كل الوبال على بني إسرائيل، وإن هلاكهم لفي خطوة واحدة إليه ....!!
أما أنا فعودتي إليه لنتأمل... :)
لنتأمل دقة الكلمات القرآنية، ودقّة مواضعها ...
لنعرف تصديق القرآن بعضه بعضا..."فأَسْرِ بِعِبَادِي لَيْلاً إِنَّكُم مُّتَّبَعُونَ" ...
"إنكم متبعون" مؤذنة باتباع فرعون لهم، إنه سبحانه قد أعلم موسى مع أمره بالخروج ليلا، أعلمه أنهم متّبعون... ولا بدّ أن من شأن هذا أن يحثّ في نفس موسى عليه السلام الأخذ الأقصى بالأسباب، فلا يُستبعد أنه قد كان القائد المسرِّع لقومه، يوازن بين التخفّي والإغفال من جهة، وبين تسريعه قومه من جهة أخرى...
وإن لنا أن نتخيل خطورة هذه المغامرة على موسى وهو قائد لكل قومه، فإما بهم إلى نجاة ومَنعة، وإما بهم إلى هلاك ولوعة...!! هلاك لو خُيّروا وهم يُحدَّثونه لاختاروا بقاءهم على ذلّهم وعبوديتهم...!
ولكن... ماذا سبق كل هذا ؟؟
🎇 لقد سبقه توكّل بني إسرائيل على الله ... "فَقَالُواْ عَلَى اللّهِ تَوَكَّلْنَا"
🎇 لقد سبقه دعاؤهم الله ألا يجعلهم فتنة للظالمين وأن ينجّيهم "رَبَّنَا لاَ تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ* وَنَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ"
🎇 لقد سبقته قيادة موسى قومه أولا إلى الصلة بالله قبل أن يقودهم إلى النجاة "وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَن تَبَوَّءَا لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتاً وَاجْعَلُواْ بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ "
🎇 لقد سبقه دعاء موسى عليه السلام على فرعون وملئه "رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُواْ حَتَّى يَرَوُاْ الْعَذَابَ الأَلِيمَ"
🎇 ولقد سبقه أيضا إعلام الله نبيَّيْه أنه قد أجاب دعوتهما "قالَ قَدْ أُجِيبَت دَّعْوَتُكُمَا "
🎇 ولقد سبقه امتثال موسى وهاورن عليهما السلام لأمر الله تعالى بالثبات والاستقامة "فَاسْتَقِيمَا وَلاَ تَتَّبِعَآنِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ"
لقد كان كل هذا من قبل، لنكون اليوم قُبالة هذه المشاهد الحيّة، في غِمار هذا الحدث العظيم، هذه القيادة الرائدة لموسى، والبحر من أمامه والعدو من ورائه ...!!
إننا لا ننفكّ نلتفت إلى الوراء، حيث فرعون وجنوده...
لا ننفكّ نرقب تحركات ذلك الظالم المتجبرّ المتكبرّ المتألّه، وهو وجنوده يلحقون بموسى عليه السلام وأتباعه ....
إن الضوء مُسلط الآن عليه ...
تُرى ألَحِقَ بالقوم ليناديهم ويُسمعهم صوتا حمائميا مسالما، وليبثّ عهود الأمن والأمان، وليوادعهم ويحفظ لمملكته قوما لطالما سخّرهم لخدمته، ولخدمة ملكه ... ولطالما كانوا عبيده وطوع إشارة من بَنانه وأمر من لسانه ...؟!!
ها هو القرآن، يفصّل، ويُبين، فلا يترك لقائل أن يتقوّل بغير حقيقة الحال، من الآية ذاتها التي بين أيدينا "فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْياً وَعَدْواً"...
ظلما وجورا، وغاية في الاعتداء، وتماديا في الجبروت، وإسرافا في التألّه ...!!
فأيّ جرم اقترفه من غادر أرضه ووطنه، مفرّطا بحقّ من أعظم حقوقه، منقلعا من جذوره، لائذا بالفِرار...؟!
أي جرم اقترفوه وهم إذ يفرّون، يهيمون في الأرض على وجوههم، لا يدرون أيّها مأواهم، وأيها ملاذهم ...؟!
لقد حكمهم بغيا وعدوا، واتبعهم وهم فارّون بغيا وعدوا ....
ماذا تُراه سيفعل موسى؟؟
إنه الإشراق، إنه الصبح، إنه العدوّ يتبع، وإنه على آثاره وآثار قومه، لا يغادر...لا يرجع.. لا يَني ....
وها هو القرآن مرة أخرى يومِض، ويضيئ حجرات مظلمة في العقل السائل ...
ها هو الضوء من هناك يأتي بمفتاح جديد... بحبكة من حبكات هذه القصة، لتتلاحم كلها، فتنتج مشهدا متكاملا، متناسقا...
لقد أوحى إلى موسى ربُّه، لقد علّمه ما يفعل ..."وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً فِي الْبَحْرِ يَبَساً لَّا تَخَافُ دَرَكاً وَلَا تَخْشَى(77)" -طه-
فموسى عليه السلام يعلم أنّ عليه ضرب طريق يبس في البحر ... ذلك كان عنوانا... ولكن! كيف سيضرب لهم هذا الطريق؟؟!
لقد بلغت قلوب بني إسرائيل الحناجر، حتى قالوا وأعينهم ترقب العدوّ من خلفهم يلاحقهم، "إِنَّا لَمُدْرَكُونَ "....
عندها ردّ عليهم موسى بيقين العبد المتوكّل على ربه، الواثق به عظيم الثقة، وبهدايته إياه ....
"قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ(62)"-الشعراء-
يوقن أن ربه سيهديه، سيعلّمه الطريقة، سيُجليها له .... تيقّن أن معه ربه... "سيهدين"
ليأتي بعد يقينه، وبعد كلماته الموغلة في الإيمان بمعيّة الله، بفاء العطف التي تفيد السرعة في الإجابة والهداية.... "فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ(63)"
فضرب البحر... فانفلق... فكان كل فرق كالطود العظيم...
فاءات ثلاث متعاقبات دلّت كلها على سرعة في التعليم والهداية، وسرعة في العون والكفاية ....
فيجاوز الله ببني إسرائيل البحر، (في آيتنا هذه) .... ويتبعهم فرعون وجنوده، ولكنّ هذا الاتباع، هو اتباع على الطريق اليبس الذي مُدّ في البحر، اتباع على ذات الطريق الذي لم يكن لعقل أن يتخيّله في البحر مُمَهّدا للخطوات ...! اتباع على الطريق الذي ما فتئ بنو إسرائيل يفرحون به خلاصا حتى فوجئوا بالعدوّ عليه يقتفي الخطوات ...!
إن الخطورة ما تزال مُحدقة .... كيف لموسى أن يدفع هذا الخطر المُلازم ؟؟!
إن الأمر سيّان ففرعون وجنوده يستطيعون إدراكهم واللحوق بهم، بل إنهم على خطاهم على يبس البحر ...!! أيضرب موسى في البحر مرة أخرى بعصاه ليعود بحرا بلا يبس؟؟
الحلّ هنا... غير بعيد .... إنه مع أمره موسى أن يسري بالقوم ليلا، قد علّمه ما يصنع بالبحر !!
"فَأَسْرِ بِعِبَادِي لَيْلاً إِنَّكُم مُّتَّبَعُونَ(23) وَاتْرُكْ الْبَحْرَ رَهْواً إِنَّهُمْ جُندٌ مُّغْرَقُونَ(24)" -الدخان-
على نسق أمره سبحانه له باتخاذ السبب، مع بيان اتباعهم له رغم اتخاذه السبب، يُعطَف قوله تعالى : "وَاتْرُكْ الْبَحْرَ رَهْواً إِنَّهُمْ جُندٌ مُّغْرَقُونَ"
إنه الأمر مع النّذارة، يليه الأمر مع البشارة ...
لا تفكر في حلّ جديد لينقطع الطريق على فرعون وجنوده، اترك البحر على حاله، جبالا مائية يتخللها اليبس ... اتركه رهوا، إنهم جند مُغرقون ...
سيتكفل الله بإرجاع البحر لسُيُولته ...أجل لقد تكفّل سبحانه بذلك ....بإرجاع البحر لأصل حاله، مع نجاة كل قومك، وإغراق فرعون وكل جنده ...
لقد أطبق الله جبال الماء عليهم فأغرقتهم .....
وتلكُم كانت نهاية هذه القصة العظيمة .... :) بمشاهد متحركة حيّة ... بأضواء مُسلطة على كل موقع... بحبكات منتظمات انتظام الخرز في سلسلة متّسقة منسجمة لا يفرّقها فلل، ولا يشوبها ثَلم...
وهذا هو القرآن يفرّق الأخبار بين ثنايا السّور لتجتمع في مشهد حيّ متحرّك محتبك متكامل لا تُداني جماله أروع وأحدث ما تصوّره تقنيات وصناعات البشر...
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6547
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
رد: صفحة أسماء
« رد #364 في: 2017-03-31, 13:16:06 »
2016/06/04

اختُبِر المؤمنون بموت رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل موته...
كان ذلك يوم "أُحُد" حينما أشيع قتله...
وقد كانت لله حكمة عظيمة في ذلك، وإنه صلى الله عليه وسلم يوم مات، كان أبو بكر الصديق رضي الله عنه مثبّت الأمة، فكان اول من تذكر تلك الآية بالذات التي نزلت عقب "أُحُد"....فتلاها على المسلمين وأحب الناس إلى قلبه مسجّى...
تذكر ذلك الامتحان من الله للمؤمنين : " {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ ۚ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ ۚ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا ۗ وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ} [آل عمران : 144] -آل عمران-
أفتنقلبون على أعقابكم إذا مات ؟
والصديق رضي الله عنه نفسه هو الذي أقام حروب الردة على من انقلب بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم....
لقد فقه الامتحان بموته، وامتدّ فقهه وفهمه له فعلا على الأرض، فثبّت الأمة ساعة مات حقا، وثبتها وأنقذ الإسلام ساعة انقلبوا على أعقابهم بعد موته...
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6547
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
رد: صفحة أسماء
« رد #365 في: 2017-03-31, 13:28:50 »
2016/06/05

يوم أمس، التقينا، وذكرنا الضيف الحبيب، فقالت صديقتي أن إحداهنّ اقترحت عليها أن تتجهز مع المتجهزين لقضاء ليالي رمضان بين حدائق التسالي وتسالي الحدائق... !

فردت قائلة : إنكم في غفلة عن وصف رمضان...
عن التعريف السليم لرمضان...
إنكم ما أن تذكروا رمضان حتى تذكروا الصيام، وما أن تذكروا الصيام حتى تذكروا رمضان...

لقد غفلتم عن "الذي"، الاسم الموصول الذي يصف الموصوف... فيعرّفه : " شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان"

إنه اللصيق بالقرآن، وإن القرآن للصيق به...

لقد فرض الصيام على المسلمين في العام الثاني للهجرة، بعد خمسة عشر عاما من البعثة...
ماذا كان يمثل رمضان عندهم على مدى هذه الأعوام التي لم يفرض فيها الصيام بعد ؟!!

لقد كانوا يعرفون أنه الشهر "الذي" أنزل فيه القرآن... ولك أن تتوقع مكانة ذلك الشهر في نفوسهم كلما حال الحول وحلّ هو من جديد، كانوا قبل أن يصوموه، يعرفون أن أول خصائصه ومزاياه نزول القرآن فيه...

وإنك لتعرف الرخصة للمريض والمسافر والعاجز والمسن، فلا صيام عليه... ولكن لا يستقيم ألا قرآن عليه ...

إنك لتصوم نهاره، وتفطر ليله، ولكنك لا تصوم عن القرآن ساعة لتفطر عليه أخرى، بل كل الساعات مباحة للقرآن، مفتوحة للقرآن...

إنكم لترونه شهر الصيام الذي يليه الإفطار، فالإفطار الذي يليه الصيام، ولكأني بالصائم نهارا، النائم نهارا، ليتربص بالشهر ليلَه...
لينتقم من ساعات الصيام، فيُحييه بين حدائق التسالي وتسالي الحدائق....

إنما هو ذاك المنتقم... الذي يتجهز لانتقامه الليلي بنوم النهار !!

فيا مَن عرفتَ رمضان بالصيام لم تعرفه بغيره...

إنك ما عرفتَ أول مزايا الشهر، وأولاها... ولو عرفتَها حق معرفتها لعرفتَ أنه شهر للقرآن جُعل قبل أن يجعل للصيام...
بالقرآن عُرف قبل أن يُعرف بالصيام...

إنك ما عرفته حق المعرفة، وما قدرته حق قدره...
ولو عرفته لما غيّبتَ ساعات نهاره في جبّ النوم  ولما غيّبت ساعات ليله في جُبّ التسالي !!

بل إنك لو عرفته، لعشتَه بالقرآن، لعشته عاملا بالقرآن، لا تاليا له بلا عمل، لا معدّدا ختماتك له، مسابقا في العدد، مباعدا عن العمل...
وعساه أن يكون  صيامك حينها صيام رمضان الذي أمِر به في القرآن ...
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6547
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
رد: صفحة أسماء
« رد #366 في: 2017-03-31, 13:30:22 »
2016/06/08

سألتني كحال من يحمل هما يبحث عمّن يزيحه عنه،

قالت : أستاذة، أليس الأنبياء مستجابي الدعوة ؟
قلت : بلى .
قالت : فلمَ لم يسألوا الله أن يؤمن كل كافر !

وسألتني أخرى: أليس الله يعلم مصير كل منا إن إلى جنة أو إلى نار ؟
قلت : بلى .
قالت : فلمَ خلقنا ؟ 

على هذه الشاكلة هي أسئلة الأطفال :)
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6547
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
رد: صفحة أسماء
« رد #367 في: 2017-03-31, 13:33:40 »
2016/06/08
فرق جوهري ودقيق جدا بين العقلية المتشككة والعقلية الناقدة يضعه الكاتب أحمد يوسف السيد في كتابه "سابغات" يقول :

 "فإن تميز العقل الناقد ليس بمقدار ما يرده ويشكك فيه من الأخبار، وإنما بمقدار ما يلاحظه من عوامل وقرائن تستدعي الرد، وأخرى تقوّي القبول" .
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6547
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
رد: صفحة أسماء
« رد #368 في: 2017-03-31, 13:34:31 »
2016/06/13

لمن جعل رمضان مسابقة في عدد الختمات... أقول تمهّل.. !
تمهّل وألهمني سرّك !  ألكَ طاقة لقراءة المصحف كاملا، ثم بدئه من جديد، ثم إنهائه، ثم بدئه من جديد، وهكذا في دائرةٍ السبق فيها هو للراكض بين السور ...؟!
ترى ماذا جنيت ؟ أجنيت فهما، أم جنيتَ عيشا، أم جنيتَ حلاوة، أم تُراك جنيتَ العمل مع الركض بين الآيات والسور؟!

أعشتَ مع سورة الفاتحة ؟ أتساءلتَ عن وجودها بأول المصحف؟ أما خطر ببالك أن تكون الأولى وأنت تتصفح كتابك، وأولى السور نزولا تجدها بين أواخر السور ترتيبا ؟  أما تساءلتَ عن سرّ اسمها؟ أما تساءلتَ عن سرّ الدعاء فيها ؟

أما بحثتَ عن إجابة الدعاء في آخرها ؟ "اهدِنا الصراط المستقيم" ؟
أاكتفيتَ بقولك بعده "آمين" ؟
أحسبتَ قولة "آمين" بمجزئة وكافية ليأتيك الهُدى على طبق من خيال الزمان وأوهام المكان؟
وانطلقتَ بعدها تقلّب الصفحة، تُتبعها الصفحة، تُتبعها الصفحة، وأنت تلهث خلف الصفحات متى تُراها تتراكم ليبقى القليل الذي ستُلحقه قريبا بالمتراكمات...
وإذا سعادتك بالصفحات المتراكمات أكبر من فرحتك بملامسة القرآن لشغاف القلب ليسكن، ولأصول العقل ليتحرك...

أما عرفتَ أنّك على بُعد نظرة منك تقلبها من صفحة "الفاتحة" إلى صفحة "البقرة" المجاورة تقع على إجابة دعائك : "اهدنا الصراط المستقيم" ؟ 
أما علمتَ أن الأمر بك لن يطول لتجد الله هاديك، ومرشدك ودالّك إلى حيث الهدى، هنا من قريب، قريب ... قريب ... "ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين"

إنك أيها "الحامد" "العابد" "المستعين" "المستهدي الصراط المستقيم"  تقف على الطريق...
تستهدي، وإنه "الرحمن الرحيم" سرعان ما يجيبك ....
وإنه لفي هذا الكتاب هُداك .... فهلمَّ واخطُ خطواتك على طريقٍ الكتاب فيه هاديك ....

هلمَّ ... تقدّم... اسأل، تساءل ... تأمّل ... تدبّر... وقف عند الآية تملَّ بجمالها، وبكمالها، وبرباطها  بأخواتها ما سبق منها وما لحق...

كُنْ كسائح في جِنان الأرض، تتملّى بالحسن والجمال، و تُشبع ناظِرَيْك وأنت ما تكاد تشبع...
ارجع البصر، ثم ارجع البصر كرّتين ينقلب إليك البصر، وهو الذي غدا لا يريد انقلابا إليك...

كن كسائح غمر نفسَه شذى الرياحين، وأسر لُبَّهُ بياضُ النَّوَر...
كن كسائح يشتمّ العبير، ويقتبس من نفحات الأزاهير لروحه رَوحا وريحانا... ولعقله زادا وريّانا ...

امضِ قُدُما... سرْ نهارا، أو اسرِ ليلا ففي كلّ سياحة وتجوال، وعَيش في رحاب الكمال، وإنّ ناشئة الليل لأشد وطئا وأقوم قيلا ...

امضِ مع "البقرة"، واسأل، وابحثْ، وتفكّر، فإن فيها لحياةً كاملة بكل ما في الحياة من حركة، ومن دبيب، ومن أصوات، ومن دلالات...
 فيها تعرف نفسك، تعرف أصلك، تعرف دورك، تعرف الغاية من وجودك...
تعرف مقدار ما كُرّمت، وأنّ العقل فيك معجزة وميزة وعنوان، وأنه مناط تكليفك...

لتمضي مع القرآن، وأنت تعقل...
تعقل آياته، تعقل كلماته، تعقل هداياته... تعقل حتى تصل بعقلك لربك، حتى تقدّر بعقلك ربّك حق قدره ...حتى تُدرك أنك المكرّم به...

مع "البقرة" ستطيل المكوث، سيعرّفك ربك بما سيعترضك على دربك أيها الخليفة المستخلَف، سيعرّفك أن الابتلاء سنّة فيك، وأنّ صبرك عليه باب للترقية الربانية، ولإعلاء درجاتك، صبر مع عمل كصبر التي سلّمت بالبقاء مع رضيعها في قلب الصحراء المقفرة، لا ماء ولا غذاء، ولم تقعد، بل سعت بين الصفا والمروة، وليت شيئا لاح في الأفق أن السعي ذو جدوى !!

ولكنها سعت ... حتى بُشِّرت ... "وبشر الصابرين"

يعدّك للابتلاء حتى لا يكون إيمانك على حرف، تسعد بالسراء إذا حلّت بساحتك، وتستنكر الضراء إذا ما بك ألمّت...
ستطيل المكوث مع "البقرة" ستتعرف إلى منزل المنهج : "وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم" ، وأنه الواحد الذي يأمر، والواحد الذي يشرّع...
ثم ستتعرف إلى المنهج ...

منهج للحياة... حيّ، مُحيٍ ... منهج للحياة بإيمان القلوب،  منهج للحياة، فلا ينكر على الإنسان أن يحياها:  "ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار"

منهج يحفظ النفس والعقل، والنفس فيه أكرم على الله من حرمة بيته، ومن حرمة الأشهر الحُرُم...أكرم على الله من حرمة المكان وحرمة الزمان ... وفتنة المؤمن عن دينه أكبر عند الله من حرمة شهره، بل أكبر هي من القتل...
منهج يعتني بالبذرة الأولى في نفسك، ثم بالخطوة الأولى منك ومن شريكك على درب الحياة، ثم بالخطوات الأخريات لأسرتك، لحياتها، لعلاقاتها، لوصالها، ولفراقها، ولحاجة كل طرف، ولحاجة القفز على "الأنا" مع أول إطلالة لثمرة اللقاء بينك وبين شريكك ... مع الولد ...

ستطيل مع "البقرة" المكوث، وأنت تخطو خطواتك الأولى... خطوة خطوة، ومع كل خطوة تتعلم، وتتهيأ لهذا الدرب الذي أنت عليه... "درب الحياة"... والقرآن فيه "مِشكاة"....

فامضِ ... امضِ ولا تستشقل مشيتك البطيئة، ولا تسارع لتقفز على المعاني، وعلى التربية الربانية الجليلة، وعلى التعقّل...
وعلى التعرّف إلى نفسك، ولدورك، ولعلاقتك بالكون وبالوجود، وبالحياة ...
كُن سائحا في ربوع الكمالات، وبين حنايا الهدايات، ولا تكن مُراكما للصفحات، عادّا للختمات، راكضا، لاهثا كأنما الحكمة في السبق وفي العدد ...!!
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6547
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
رد: صفحة أسماء
« رد #369 في: 2017-03-31, 13:36:08 »
2016/06/15

إن قضية الإحياء والحياة لمَدارٌ من أهم مدارات سورة البقرة ..

سورة البقرة هي سورة المنهج... المنهج الذي أنزله الله لعباده ليحيوا به...
منهج حيّ مُحْيٍ، منهج جاء للحياة...

🌺 فهذا فيها أول التشريعات سَوقا، تشريع القصاص "ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب لعلكم تتقون" والحفاظ على النفس أول مقاصد الشريعة.

🌺 وهذا ثاني التشريعات سَوقا تشريع الحفاظ على المال، "يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم إذا حضر أحدَكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف حقا على المتقين"  وهو ثاني مقصد من مقاصد الشريعة.

🌺 وهذا تشريع الحفاظ على العقل بورود أول تحريم للخمر "يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما"

والتشريعات... ثلاثتها تؤكد مقاصد حفظ النفس والمال والعقل، وكلها أدوات للحياة...
للحياة بمنهج الله تعالى...

إنها سورة تبين أن الإنسان خُلق للحياة، لإعمار الدنيا، لتحقيق الاستخلاف فيها، الاستخلاف بتطبيق أمر الله في الأرض، بتطبيق منهجه المُحيي...

حياة القلوب بالإيمان، وحياة العقول بالحركة والعمل...

وإنّ من يزرع مفهوم مجافاة الدنيا بزعم الزهد فيها إلى الحد الذي تنصّل فيه المسلمون من مسؤولية الاستخلاف والإعمار لهو واحد من أهم الجُناة على روح الأمة، وعلى حركتها وعلى عقول أبنائها وهم قد غدوا يرون النظرة إلى الآخرة نظرة تُحيّد الدنيا من قاموس مفاهيمهم...

حتى تركوا الاختراعات لأهل الدنيا !!
وتركوا العلم لأهل الدنيا بزعمهم !!

وتركوا الخوض في مجالات الحياة لأهل الدنيا !!

أما المسلمون فهم أهل الآخرة وما لهم في الدنيا وحركتها من خَلاق !!

مفهومٌ نكص بالإنسان المسلم على عقبيه، فغدا يستروح بابتغاء الآخرة من حَرّ هجره لحركة العقل وعمل العقل عنده...
وأصبح يستأنس بالخرافة والكذبة ويستسهلها زيادة في الاسترواح والراحة... !!!

أجل فنحن أهل الآخرة..... !! فأميتوا العقل يا أهل الآخرة، فإنما هو نافلة الوجود ...!!

أما سورة البقرة فهي سورة المنهج الذي جُعل للحياة... وهي من هذا الرمي الذي رُمي به الإسلام وتشريعه براء براء...
فيها يدعو الله إلى ذكر الدنيا لا إلى نكرانها : " ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار"

سورة تبين أن حرمة النفس عند الله أشد من حرمة بيته، وأشهره الحُرُم ...
سورة تستحث العقل، وتحترم العقل، وتخاطب العقل...
سورة أتت أول ما أتت على قصة الاستخلاف، وأن العقل في الإنسان معجزة جعلت آدم يتعلم الأسماء كلها... بل وينبئ بها من لا يعلمون...

ولنأخذ عيّنة من عينات مخاطبة العقل في هذه السورة، وإن كانت بهذه العيّنات لعامرة ...

تلك القَصَص الثلاث المتواليات فيها ..
قصة إبراهيم عليه السلام مع النمرود، ثم قصة الذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها، ثم قصة سؤال إبراهيم عليه السلام ربّه أن يريه كيف يحيي الموتى..
جاءت ثلاثتها مشتركة في قضية الإحياء والإماتة والتي هي بيد الله تعالى لا بيد غيره، هي خصيصة الله سبحانه...
فهي لا تأتي نشازا عن سياق الآيات السابقات من السورة، بل تأتي تأكيدا لأهمية قضيّتي الإحياء والإماتة...
الإحياء اتساقا مع إحياء القلوب بنهج الله، وإحياء العقول باستحثاثها على العمل ..

فأما إبراهيم عليه السلام مع النمرود...
فإنه لما عرف فيه طغيانا جعله يتأله ويدّعي ما ليس له: "أنا أحيي وأميت"، لم يتمادَ إبراهيم عليه السلام معه في موضوع الإحياء والإماتة، لم يبرّر له، لم يشرح له اختلاف ما يعتقده إحياء من نفسه عن إحياء الله، ولا اختلاف ما يعتقده إماتة من نفسه عن إماتة الله، لم يسترسل معه في هذا الموضوع، بل لقد غيّر وجهته، لقد وجّهه إلى موضوع سواه... إلى قضية أهون من قضية الإحياء والإماتة ...

لقد عرف ما يفعل بمَن كان تفكيره بهذا التحجّر، علم أنّ الأخذ والرد معه حول الموضوع ذاته مضيعة للوقت بلا جدوى... فخاطبه بما ناسب تفكيره، أفحمه، سأله، طلب منه ...
إن كنت ترى أن قضية الإحياء والإماتة بيدك، فهاكَ ما هو دونها، فلتأتِه ... "إن الله يأتي بالشمس من المشرق، فائتِ بها من المغرب"  يا من تدعي أنك تحيي وتميت، إن هذا لأهون عليك ... فائتِه !!

فبُهِت الذي كفر ........... !! لقد أفحِم ... أفحِم بسؤال أن يأتي ما دون ما ادّعى فعله وإتيانه ...

دروس في مخاطبة العُتاة ... دروس في إفحامهم بالحجة العقلية، بالذكاء المُفحِم، بطريق هو الأقصر للغاية المرجوة ...

وأما الذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها، فلنتأمل، فإذا الله تعالى يحترم العقل، يسدّ الثغرة على التساؤلات، وعلى التشكيكات...

يميته مائة عام، ثم يحييه، ثم يسأله عن ملبثه، ليكتشف الذي ظنّ أنما لبث يوما أو بعض يوم، أنه قد لبث مائة عام ...!
ولكن سيقفز سؤال من يسأل ... !  أنّى للرجل أن يستيقن أنه لبث مائة عام ؟؟ أنّى له ذلك وطعامه وشرابه لم يتسنّه ... أليس له أن يستريب في ذلك ؟
إن الله تعالى قد ترك فسحة للعقل السائل، للعقل الذي لا يرى الحقيقة حقيقة إلا بالدليل...
فكان دليله حماره ...!
أراه الله قبالة عينيه كيف ينشر عظام حماره عظما تلو عظم، ثم كيف يكسو العظام المجمّعة لحما، لقد زوّده بالدليل الذي عقِلَه ... الذي طمأنه، الذي أعطاه اليقين ...
إنه سبحانه يعلّمنا احترام العقل، وهوسبحانه يحترمه، ويزوّده بما يُشبعه وبما يجعله يوقن بالحقيقة، ويسلّم بها...

وأما في قصة إبراهيم الأخيرة وهو يسأل ربه أن يريه كيف يحيي الموتى ...
فقد لقي طلبه القبول من عند الله، ولم يلقَ الصدود، ولم نعرف طعنا من الله في إيمان إبراهيم عليه السلام، وهو يسأل ...
وهو سبحانه إذ سأله: "أو لم تؤمن"  نعلم نحن علم اليقين أن الله يعلم ما بقلبه، يعلم إن كان مؤمنا أو غير مؤمن، ولكنه يسأله ليبلغنا نحن جواب إبراهيم عليه السلام :"بلى ولكن ليطمئن قلبي"... ولنتعلم أن السؤال الذي النية من ورائه الاطمئنان مُباح، وغير مُنتَهَر صاحبه .... بل الإجابة هي حلّه ...

وأجابه ربّه ... وأمره أن يأخذ أربعة من الطير، ثم يصرهنّ إليه، ثم أن يجعل على كل جبل منهنّ جزء ....
لقد تساءلتُ ... لماذا لم يجعل الله سبحانه بيده تلك الطيور على الجبال على عين إبراهيم ؟؟ لماذا لم يفرّقها سبحانه عليها بيده، لماذا ترك ذلك لإبراهيم ؟؟

إنه ليترك لعقل إبراهيم أن يعقل، وأن يذكر ما فعل بيده، وليشهد على فعله، وليطمئنّ عقله لفعل نفسه، وإنه سبحانه العظيم  العزيز الذي لا يُغلَب ولا يُقهَر .... فلتفرّق يا إبراهيم أطراف الطيور كما شئت أن تفرّق، كما شئت أن تفعل، كما شئت أن تصعّب لتطمئن، فاجعل رأس هذا شرقا واجعل أطرافه غربا، وباعد بين أطراف الطير الواحد كما حلا لك أن تباعد ... ولتعقل، ولتذكر ما فعلتْ يداك، وليكن عقلك عليك شاهدا،.... فإنّك وإن فرّقتَ أكبر تفريق، فإن الله تارك لك، ليدك أن تفعل ... لأنه العزيز الذي لا يغلبه شيء....

ثم ليكن منك الدعاء، لا شيء غير الدعاء .... فإذا كل طير بين يديك ساعٍ ... كما سيعقل عقلك، وأنت الذي فرّقتَ وأنت الذي تعلم جيدا كيف باعدتَ، وإلى أي مدى قد باعدت بين الأطراف الت غدت ساعية بين يديك....
إنها تلك الفسحة التي يتركها الله للعقل ليعمل، ليتيقن... ليطمئن باليقين ... يقين يأتي من عمل العقل الحر...

نعم إنها عيّنة من عيّنات مخاطبة العقول، واحترام العقول، وتعليم العقول أن تعمل، وأن تسأل، وأن كيف  يقع من عملها اليقين .... 

يعجّ القرآن كلّه بهذه المخاطبات، وبهذا الاحترام الفريد للعقل، وبهذا اليقين الذي هو جَنى عمل العقول....

فأنّى لأهل القرآن أن يزعموا أنهم أهل الآخرة وحدها، وأن الدنيا وإعمارها وعلومها لأهل الدنيا، وإنما نحن أحياء على شفير الموت، بل موتى على شفير الموت....!!!

إن القرآن براء من زعم كل زاعم، ونعق كل ناعق بهذه الدعاوى الكاذبة ...
بل إنّ كل ما فيه صون للعقل، واستحثاث له على العمل، ودفع له ليُحيي الأرض قاطبة بنهج محفوف بتمام حاجة الإنسان الروحية والعقلية على السواء، وفي هذا قد بخس كل من أعطى فلم يحط بالحاجَتَيْن حينما نأى أهل عطاء الحاجتَيْن عن دورهم !
نهج لن يعرف الإنسان حاجته إلا فيه، ولن يستوفيها إلا منه ...
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6547
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
رد: صفحة أسماء
« رد #370 في: 2017-03-31, 13:37:43 »
2016/06/18

"السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي" للكاتب الكبير مصطفى السباعي رحمه الله .. سأحاول أن أكون معه
يقول في أسباب انسياق بعض المسلمين خلف الناعقين بعدم حجية السنة:
))
1- إما جهلهم بحقائق التراث الإسلامي وعدم اطلاعهم عليه من ينابيعه الصافية.

2- وإما انخداعهم بالأسلوب العلمي "المزعوم" الذي يدعيه أولئك الخصوم.

3- وإما رغبتهم في الشهرة ورغبتهم بالتحرر الفكري من ربقة التقليد كما يدعون.

4-وإما وقوعهم تحت تأثير أهواء وانحرافات فكرية لا يجدون مجالا للتعبير عنها إلا بالتستر وراء أولئك المستشرقين والكاتبين. ))
انتهى.

ملاحظة: اليوم لم يعد المستشرقون وحدهم دعاة تشكيك بل من بني جلدتنا الكثيرون...
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6547
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
رد: صفحة أسماء
« رد #371 في: 2017-03-31, 13:38:57 »
2016/06/21

نقطة ذكية يذكرها أحمد سيد في كتابه "أفي السنة شك" عن حجية السنة، الانتباه لها يلغي أشواطا من الشطط :)

يقول : " كثير من المنكرين لحجية السنة يقولون : نحن نؤمن من السنة بما وافق القرآن، فيقال لهم : إن الأحاديث الدالة على حجية السنة توافق القرآن، فيلزمكم الأخذ بها " .
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6547
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
رد: صفحة أسماء
« رد #372 في: 2017-03-31, 13:39:59 »
2016/06/22

بعيدا عن ظهور ووضوح أوامر القرآن الكريم القاضية بحجية سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، بالدعوة إلى اتباعه، وطاعته، والتأسي به..

هذا إجماع "العلماء" و"الفقهاء" على حجية السنة، ويخرج اليوم دعيّ على العلم، ربما قرأ كتابا أو اثنين أو عشرا إن كان من القارئين، وإن كان الغالب أنه تصيّد شبهات المشككين الذين جعلوا لأنفسهم من "الفيسبوك" منابر لدعاواهم الممنهجة للطعن في الدين، فيقرأ مقالا من هنا، وآخر من هناك، ليجمع شتات الشبهات ويركُمها في عقله على أنها بنات أفكاره الموريات قدحا، ليقول باستغنائنا عن السنة بالقرآن وحده...
يقارع الإجماع، والعلماء، والفقهاء بدعوى أنهم الرجال ونحن الرجال...!!! ظانا بنفسه علما...

بينما لا يقر العقل هذه المقارنة المغلوطة،  فهي كمن يقول: تقارع الريشةُ السيف البتار ...
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6547
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
رد: صفحة أسماء
« رد #373 في: 2017-03-31, 13:41:29 »
2016/06/25

ينقضون بنيانا كاملا قائما، تُهدّد كل أساساته في أنفسهم بالسقوط من أجل عارض يظنون ألا جواب عليه.. ثم ينسبون لأنفسهم بالشك والتحيّر والتخبط الذي يعتريهم ويتملكهم حرية التفكير، وحرية الرأي والخروج من بوتقة القُدامى !!

أي عقدة رُمِي بها المسلمون المعاصرون إزاء القُدامى!! ، وهم لا يتوانون عن تشبيههم بالآباء الضالين الكافرين الذين ما ينفك القرآن الكريم يذكرهم ليبين إيثار الأبناء البقاء على ما ألفوه عليهم...
غفلوا أن أولئك كفرة، وأن هؤلاء مؤمنون ...
ولا يتوقفون عن ضرب المثل لهؤلاء بأولئك !! بدعوى الخروج من وصاية "الآباء" ... وشتان بين ضال مضل، وبين مؤمن مهتد خدم الدين بكل ذرة فيه لا ننفي عنه الخطأ، كما لا ننكر عظيم فضله على الدين وعلينا...

اقرؤوا
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6547
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
رد: صفحة أسماء
« رد #374 في: 2017-03-31, 13:42:28 »
2016/06/27

بفضل الله تعالى أنهيت كتاب " أفي السنة شك" لمؤلفه أحمد يوسف السيد.

كتاب قيم جدا، وجدته أكثر تركيزا من "سابغات"
عرض فيه المؤلف لعدد من القضايا الهامة والشبهات المثارة حول السنة، يضع الجواب الشافي الكافي عنها بطريقة علمية منهجية ذكية...

علم الحديث، وعلماؤه وحرصهم الدقيق والعظيم على كل شاردة وواردة بطريقة مذهلة تدعو للإعجاب والإكبار لهذه الأدمغة المفكرة الممحّصة، وتدوين السنة ومراحله، حتى يتبين أن القول بالتدوين المتأخر خطأ، نقلة الحديث وأحوالهم مما يدفع كل تقوّل عنهم وتشكيك فيهم...

ومما أعجبني بيانه أن "صحيح البخاري" عمل لا يمجَّد نسبة لصاحبه، وإنما لعدد من العوامل العلمية المزكّية للعمل... منها اعتماده على منهج علمي في جمع الحديث، وشهادة أرباب الاختصاص بإتقانه، ومراجعة الحفاظ له وتسجيل ملاحظاتهم، وقبول الأمة له..

كل هذا مع استشهادات قوية داعمة ..
إضافة إلى دوام تأكيد المؤلف على عناوين متراكمة عرضت كلها لمختلف الشبهات المثارة وهي الجديدة القديمة، وقد أشبعها العلماء ردا وتفنيدا... وكل من يأتي بشبهة يقول أنها من عصارة تفكّره وبحثه وما هي إلا التي ذكرها من قبله ومن معه وصيّرها بنت فكره...

ولكن المعضلة أن هؤلاء اليوم لا يقرؤون، ولو أنهم قرؤوا لوجدوا الجواب الشافي، ينفرون من القراءة، وينأون عنها، ولكن ما يحسنونه هو دوام تطاولهم وحكمهم المتسرع المتهافت على علم الحديث، أو على نقلة الحديث او على أي قضية من هذه القضايا...

أقول لهم : لو أنكم كنتم تقرؤون، لما بقي في سمائكم من غبش، ولكنكم تستصعبون، ومع استصعابكم تصرون على تقولاتكم المتهافتة... ومن صلحت نيته عكف على القراءة ليتبين

سأنتقل إلى كتاب جديد بإذن الله في هذا المجال وهو "دفاع عن السنة" للدكتور محمد محمد أبو شهبة.
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6547
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
رد: صفحة أسماء
« رد #375 في: 2017-03-31, 13:43:26 »
2016/06/28

كدأب السور في القرآن الكريم، سورة تقدم لسورة، تجد سورة البقرة تبين نموذجَي الاستخلاف، النموذج الفاشل ممثلا في بني إسرائيل والنموذج الناجح ممثلا في أمة محمد صلى الله عليه وسلم ذات الجذور الإبراهيمية الحنيفية الممتدة عبر الزمان...

ثم تأتي سورة آل عمران لتثبت على المنهج الذي بُسط في سورة البقرة، ومع التثبيت تبين أن الرسالة اليوم على عاتق أمة محمد صلى الله عليه وسلم، داعية إلى تكوين هذه الأمة بخصائصها المميزة: "ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون"

ثم تأتي سورة النساء تفصّل طريقة تكوين هذه الأمة التي دُعي لتكوينها في آل عمران، بدءا من النواة الأولى "الأسرة" خروجا إلى المجتمع، بلوغا إلى الحاكم والحكم ومقتضياته وشروطه في إطار من العدل الملازم مقوما أساسيا لصلاح هذه الأمة...

لتأتي سورة المائدة مفصلة وباسطة في شأن "الرسالة" التي أصبحت على عاتق المؤمنين مشارا إليها في آل عمران، وفي شأن استخلاف النموذج الناجح المذكور في البقرة، مفصلة في شأن إصلاح هذه الأمة في الأرض، إصلاحها ودفع الفساد عنها بأمر الله وكتابه المهيمن الذي جاءت أحكامه للإصلاح ودفع الفساد ...

فجاءت بستة عشر نداء للمؤمنين "يا أيها الذين آمنوا" بأكبر عدد من النداءات الإيمانية في القرآن...

جاءت قوية، حاسمة، تدعو للتوفية بالعقود مع الله،  ... لإقامة الحضارة الإسلامية القويمة بالعدل وبالإصلاح في الأرض قاطبة... لتسع النداءات الإيمانية فيها: "يا أيها الذين آمنوا" نداءات مسؤولية على الأرض ملقاة على عاتق المؤمنين ...تقرع الآذان والأنفس بقوة حاسمة ونبرة حازمة، تستنهض الهمم، وتميط عنها أتربة الغفلة، وتبعث الحركة في أوصال الضمائر الهامدة، وتلفت العقول لروح الفكرة التي لأجلها كرّم الإنسان بعقله وهُدي سبيل الرشاد...
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6547
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
رد: صفحة أسماء
« رد #376 في: 2017-03-31, 13:44:41 »

2016/06/28

عُرف عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه، أنه كان يرتحل من بلد إلى بلد مسيرة شهر في حديث يسمع أن أحدهم رواه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيرحل إليه حيث هو ليتثبت منه بلا واسطة، وكان ذلك منه مرات...
كما ارتحل أبو أيوب الأنصاري إلى مصر في حديث سمعه...
كما عرف عن سعيد بن المسيب أنه كان يرتحل الأيام والليالي في طلب الحديث الواحد، وكذلك فعل الشعبي، وبسر بن عبيد الله الذي كان يركب إلى المصر من الأمصار في الحديث الواحد...

هذا عدا عن دأب الأئمة من مثل الشافعي وأبي حنيفة وأحمد على الترحال المستمر في سبيل التثبت من الأحاديث. وكذا كان دأب المحدثين وعلى رأسهم البخاري ومسلم، وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه والحاكم، بل إن منهم من لم يذق طعم الاستقرار والراحة طوال حياته...

وهكذا عرف عن كثير من الرواة كثرة ارتحالهم ليتثبتوا من الحديث من فم قائله مباشرة..

مفهوم من كتاب "دفاع عن السنة" للدكتور محمد أبو شهبة.
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6547
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
رد: صفحة أسماء
« رد #377 في: 2017-03-31, 13:45:30 »
2016/06/29

لكم أوغل علماء الحديث في الاحتياط في حالة الراوي...

فوضعوا له شروطا: الإسلام، والتكليف، والعدالة وهي التي تعني التقوى والمروءة فأما التقوى فبامتثال المأمورات واجتناب المنهيات، بألا تُؤتى كبيرة ولا يُصر على صغيرة، وألا يبتدع، وأما المروءة فأبعد من قبول روايته مثلا من تبول في الطريق وإن كان مباحا، أو من كان مفرطا في المزاح الخارج عن حد الأدب...

واشترطوا الضبط بنوعيه الصدري والكتابي، فأما الصدري فأن يستحضر الراوي ما حفظه عن شيخه من يوم سمعه منه، مع قدرته على التحديث به متى شاء وأما الكتابي، فأن يحافظ على كتابه الذي كتب فيه الحديث من أي تبديل من يوم سمعه فكتبه، وألا يعيره إلا لمن يثق به ويبعد عنده أن يحدث به تغييرا

ومع كل هذه الشروط فقد ردوا رواية من كثر غلطه، وساء حفظه عن السابق، بل ردوا رواية من تساوى غلطه وصوابه واعتبروا حديثه منكرا، ولم يأخذوا إلا عن العدل الفطن اليقظ .

وكم من صاحب دين وورع ردت روايته...

وتأملوا قول مالك بن أنس : " لقد أدركنا في هذا المسجد سبعين ممن يقولون : قال فلان: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأن أحدهم لو اؤتمن على بيت مال لكان أمينا عليه، فما أخذت عنهم شيئا، ولم يكونوا من أهل هذا الشأن"

وكان ذلك لسوء طرأ على حفظهم مثلا، أو لغلط زائد.
بل لقد طعن علماء الحديث في رواية من يذهب إلى الحكام ويقبل عطاياهم !! ونحو ذلك مما راعوا فيه أن الدوافع النفسية قد تحمل صاحبها على الانحراف.

تلخيص لنقاط من كتاب " دفاع عن السنة" لمحمد أبو شهبة.

فليتأمل في هذا الحرص، وهذا الاحتياط وهذه الشروط بالغة الدقة، كل من يتجرأ ويصف علم الحديث بأنه الطريقة غير الموثوق فيها لقبول الحديث !! وليأتِنا وهو "الآحاد" -على رأيهم في رفض حديث الآحاد من الصحابة- !! ويريد أن يلزمنا بتقولاته، فليأتنا بما هو خير منه لنقبله، ونتبرأ من كل هذا العلم وأصحابه الأفذاذ :) !!
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6547
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
رد: صفحة أسماء
« رد #378 في: 2017-03-31, 13:54:20 »
2016/06/29

لم يترك علماء الحديث جانبا من جوانب الحديث إلا وعنوا به أيما عناية، فهم إذ اعتنوا بالسند، ومحصوا فيه ودققوا، واشترطوا في الراوي شروطا، وجرحوا وعدلوا في الرواة بطريقة غير مسبوقة، فكان هذا الاعتناء الظاهري...

فإنهم بالمقابل أشبعوا "المتن" أي نص الحديث دراسة وتمحيصا، وعناية بالتدقيق فيما يحمل من معنى، فكان الحكم على الحديث بالشذوذ والنكارة والاضطراب والتعليل والوضع والاختلاق...

فجعلوا مثلا من أمارات الموضوع ركاكة اللفظ، بحيث يعرف الخبير باللغة أن هذا لا يصدر من فصيح، كما قد يحمل ركاكة في المعنى إذ قد يحوي الحديث مجازفات ومبالغات لا تصدر عن حكيم...

كما صنفوا ما خالف الحس والمشاهدة، أو ما خالف صريح القرآن، أو السنة المتواترة أو المسلمة أو الإجماع، أو إمكانية تضمنه أمرا مستحدثا لم يوجد في العهد النبوي...

فليتروَّ كل مدّع اليوم أنه صاحب الفكر والنقد، وأنه قد وقع على حديث يخالف العقل، وأن هذا من سيئات علماء الحديث الذين حشوا الكتب، وإن نظروا فإنما نظرهم قصر على السند، ولم يُولوا المتن عناية...كأنه الذي جاء بما لم يجئ به أحد قبله، وكأنه الذي جاء لينبه الأمة إلى ما غفل عليها جمع علمائها وأفذاذ عقولها...

وليسمع معي لمقالة كمقالة ابن الجوزي:  " ما أحسن قول القائل : كل حديث رأيته تخالفه العقول وتناقضه الأصول ، وتباينه النقول، فاعلم أنه موضوع "

ولينظر معي إلى مثال واحد : قال الجوزي في حديث : " شكوت إلى جبريل رمد عيني، فقال لي: انظر في المصحف" قال ابن الجوزي : وأين كان في العهد النبوي مصحف حتى ينظر فيه ؟!

هذا مثال من عدد من الأمثلة، إن دل نقد متنها على شيء، فإنما يدل على شدة نباهة وذكاء وفطنة ناقديها ... حتى لا يظن ظان من عصرنا أنه المفكر والناقد المبرز الذي سبق كل العصور ... !

وليعلم أنهم كانوا أصحاب أفهام وألباب وعقول، وذكاء قلّ نظيره، بل ليت شعري، أي ذكاء هو ذكاء من جاء اليوم يزعم أنه سينقض بنيانا شامخا، راسخة أساساته... وكأن بيده عصياّ سحرية تأتي بالبنيان البديل فلتة من فلتات المعنى والمبنى..  !!

الحكم على الشيء جزء عن تصوره، فأي تصور قاصر منقوص هو لكم يا دعاة التشكيك بالسنة وبعلم الحديث، أنصفوا، فابحثوا واعرفوا قبل أن تتشدقوا بالتهم..  !

تلخيص لبعض نقاط من كتاب "دفاع عن السنة" لأبي شهبة، متبوع بتعليق.
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب

غير متصل حازرلي أسماء

  • أحلى.شباب
  • *****
  • مشاركة: 6547
  • الجنس: أنثى
  • غفر الله لنا ما لا تعلمون
رد: صفحة أسماء
« رد #379 في: 2017-03-31, 14:33:23 »
2016/07/01

استسهال الحكم على حديث من الصحاح أنه مخالف للعقل، ومن ثَمّ الدخول في دوامة خطيرة تجعل هذا الذي تسرع وحكم عرضة للتشكيك بالسنة، ومحفزا لغيره على استسهال التشكيك والطعن...

إن علماء الأمة لم يغفلوا ضمن العناية بمتن الحديث(أي بنصه) النظر العقلي في الحديث، ولكنهم كانوا أكثر ذكاء من أن يسارعوا للرد والرفض دون بعد نظر وتمحيص، ومن دواعي هذا التمحيص والتروي في رد حديث يبدو للوهلة الاولى مخالفا للعقل :

🌸  قد يكون من المتشابه الذي لا تستقل العقول بإدراكه، وحقيقة مراده عند الله وحده، فيكون الحال معه إما التسليم به أو تأويله بما يوافق العقل ورده للمُحكم من النقل.

🌸 قد يكون من قبيل المجاز لا من قبيل الحقيقة، فرده باعتبار مخالفته للعقل او الحس مجازفة وتنكر لقواعد البحث العلمي.

🌸 قد يكون المتن من أحوال الغيب كأنباء القيامة، والجنة والنار.

كما أود أن أشير إلى تأويلٍ من البعض يخالف السليم من اللغة، لما نعرفه من ضعف يعتري أهل العربية اليوم... فحريّ بمن يسارع بالرد والرفض أو بتلقف خبر الرادّين للحديث الصحيح بدعوى مخالفته للعقل أن يتواضع، ويقر بضعف أهليته لهذه الخطوة منه والتي يحسبها هيّنة في عالم اعتداده بذاته، وبأدواته، وهي التي من القصور بمكان بحيث قد تُسقطه في هوّة سحيقة وتسقط من معه فيها، والظنّ أنه الحِلّ من التقليد والانطلاق إلى الفكر الحر ... !

كما أحب أن أشير إلى أن من رد أحاديثا من الصحاح بهذه الدعوى في كتاب، قد ردّ عليه من ردّ بالأدلة الدامغة، والكتب في الموضوع موجودة، كما أن كتب الرد العلمي عليها مُشبعة وكافية.

تلخيص مني لشيء مما ذكر في كتاب "دفاع عن السنة" لأبي شهبة، مع إضافة وتعليق.
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبْ لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب