2016/05/15
كثيرا ما يُخطئ مَنْ لا دراية له بمدى اتساع وامتداد اللغة العربية ورحابتها، وتنوّع استخدامات أدواتها، ودلالة الكلمة الواحدة فيها على أكثر من معنى، فيحسب أنه القادر على تفسير القرآن حسب ما يفهم...
بعيدا عن حقّه في التدبّر، بل واجبه في التدبّر، والذي لا يكون على أساس متين إلا إذا أحاط بالمعنى السليم للكلمات، فإنّ محاولة التفسير الذاتيّ للقرآن من غير ما إحاطة بمعاني الكلمات ودور الأدوات قد تأتي مشوّهة، مفتَعَلة، متكلّفة لا تحمل روح المعنى الصحيح، ولا تؤدي المُراد من الآيات، بل إنّ هناك من يطوّع القرآن لمقصد يريد هو الوصول إليه بليّه لعنق اللغة قبل عنق الآية...
وسأضرب مثالا واحدا، أراه يدلّل كبير دلالة على وجوب التحرّس قبل الاعتداد بالفهم الذاتيّ دون تأسيس على فهم صحيح لمعاني الكلمات، ولمواقع الأدوات وأدوارها...
"قالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا ۗ سُبْحَانَهُ ۖ هُوَ الْغَنِيُّ ۖ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ۚ إِنْ عِندَكُم مِّن سُلْطَانٍ بِهَٰذَا ۚ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ(68)" -يونس-
قوله سبحانه "إِنْ عِندَكُم مِّن سُلْطَانٍ بِهَٰذَا ۚ " لو أُرخِي العنان للفهم الشائع لدور "إنْ" لقصرها مَن قصرها على أنها أداة شرط، بينما "إِنْ" في اللغة العربية ذات أدوار لا دور واحد ...
وها هنا هي نافية، وليست شرطية ...
"إن عندكم من سلطان بهذا" معناها: ليس عندكم من سلطان بهذا الذي تقولون، ما عندكم من سلطان بهذا الذي تقولون، أي لا دليل عندكم على تقوّلكم وافترائكم ...
🎀إنْ النافية : حرف نفيٍ بمعنى ( ما ) مبنيٌّ على السكون لا محل له من الإعراب ، تدخل على الجملة الفعلية والجملة الإسمية ولا تؤثر فيهما في الإعراب.🎀
دخولها على الجملة الفعلية من مثل قوله تعالى : "إن أردنا إلا الحسنى" أي ما أردنا إلا الحسنى
ودخولها على الجملة الاسمية من مثل آية سورة يونس أعلاه ...
أما أدوار "إِنْ" الأخرى:
🎇 فهي "الشرطية" من مثل قوله تعالى "وإن عدتم عدنا"
🎇 وهي "الزائدة للتوكيد" وتأتي لتأكيد التعبير وتقويته، في مثل قولنا: "ما إنْ أنهيتُ دروسي حتى اطمأننتُ "
🎇 وهي "المخفَّفة من إنّ" وغالبا لا تعمل عملها فيما بعدها، بمعنى أنها لا تنصب الاسم الذي بعدها كفعل "إنّ" في اسمها... واللام التي تأتي بعدها تسمى "لام الفارقة" دورها التفريق بين "إنْ" المخفّفة و"إنْ" النافية، وذلك في مثل قوله تعالى : "إنْ هذانِ لَساحران".