2016/09/03
سألتها عن حالها كالعادة، وهي التي تعدّ الشهر الخامس من حملها الأول ..وقد تبين أنه ولد حسب آخر صورة صوتية... :)
أجابتني أنها بخير... لا بل وأخيرا قد اختارت لجنينها اسما ... :D
استغربتُ تسميتها إياه..😊
فقد كنا -قبل سفرها- كلما التقينا نتجاذب أطراف الحديث، فيأخذ من تلك الأطراف جلّها حديثُ تسميته...
نطوّف بين أسماء الذكور في اللغة العربية الفصحى، تريد له اسما مميزا ... رنانا... جديدا ..ذا معنى ... جميلا...جذابا ..😑
فنطُوف ونطُوف، ونقطع فيافي اللغة وحضائرها، وصاحبتي لا تحطّ في حاضرة ولا تُنيخ في فيفاء، ولا ترضى بواحد منها، وفيها الجميل والفصيح والمميز وذو المعنى ...
ولكنها لا ترضى ... !!
يبدو لها ولدها أسمى من كل تلك الأسماء... يبدو لها لا سميّ له ولا نظير ... :)
نتعب ونحن نسمّي، ونبحث، ونتملّى الاسم فإذا هو الفصاحة والمعنى ..
وأشتقّ لها من كلمات القرآن اسما، ومن كل جميل اسما، ومن كل المعاني السامية اسما... وأترنّم بمعاني الأسماء، وأستشعر حلاوتها، فلكأنني في دنيا من السحر والجمال أسعى.. :)
ولكنها لا ترضى ... !!
فإذا ما وجدْتُني أعود من ذلك العالم الفسيح الفسيح بخُفّي حُنَيْن، مُجهَدة...شرعتُ أسمّي لها خبطا وخلطا لعلّها ترضى ... 😊
ولكن هيهات هيهات ... أيرضى بالذميم مستنكفٌ عن جميل ؟
ولكنّها منّي حالُ مَن استوفتْ مع صاحبتها تعرض من باب العقل ما يقضي حاجات وحاجات... فلمّا لم تجد لحاجتها قضاء من ذلك الباب... لم يبقَ إلا باب الخلط تطرقه لها.. لعلّها تجد فيه مطلبها ... !! 😏
أخيرا وجَدَتِ الاسم ؟ أكاد لا أصدق ...
بل كدتُ أركن إلى أنّ ذلك الولد المسكين من فرط حبّ أمه سيولد ولا اسم له ...
أو سيولد وتُضطر لتسميته، فتعطيه ساعة الاضطرار اسما كالأسماء، اسما كأي اسم...
وكم شقّ شاقٌّ على نفسه، وأوصد دونها كل باب حتى إذا اضطُرَّ تمسّح بأي شيء وقد كان مستكبرا عن كل شيء... !
لعلّ مصير المولود الموعود هو هذا، من فرط الحبّ يبقى بغير اسم، وكأنّنا ما طفنا ولا سعينا، وكأنّ زيدا المُثخَنَ بالجراح ما غزا وما غشي الوَغى .. !
وكأن كل تلك الرحلات في دنيا الأسماء الفصيحة الجميلة كانت خيالا وسرابا ونقشا على ماء ...
أخيرا وجَدَتِ الاسم ؟ أخيرا أسمتْه... أكاد لا أصدق..
- وما أسميتِه ؟!!
سألتها وأنا أترقب جوابا يشقّ عُباب أذني شقا، ويخترق عقلي اختراقا كمن يقول لي : ويحكِ حسبتِ رحلتك في دنيا الأسماء العربية الفصيحة رحلة "بَطُوطيّة" لا يُشقّ لها غُبار !
ويْحكِ كيف يغفل عن هذا الاسم من جدّ وبحث وأوغل في كلمات العرب .. ! ويْحكِ كيف تدّعين ؟!
- لقد سميتُه : 🌠 "نجم" ..🌠
نجم ؟! الاسم الجذاب، الرنان، المميز، نادر الذكر والوجود... ! نجم ؟!
تساءلتُ، واستغربتُ، وتحسرتُ على ساعات الجدّ والبحث، والإبداع، والإسماع، والإغراق والاشتقاق، والتذوّق والتفنّن، والتشويق، والصراخ بين حين وحين باسم ذي وقع ورنين ... و "وجدتُها !!" كأنها "يُورِيكا" أرخميدس في عصرها ... 😱
نجم ؟! ... وما "نجم" وكيف "نجم" ؟ ولمَ "نجم" ؟
قالت : أجل نجم...
وبدأتْ تقصّ عليّ قصة نجمها ..
قالت: بينما كنت في سفري القريب، وفي ليلة ظلماء أسري، تطلّعتُ ببصري إلى السماء وهي صفحة سوداء، سوداء ما بها إلا نجم واحد لامع.. لامع ..
كم كان لامعا ذلك النجم، كم كان مميزا، كم بدا جميلا، كم زيّن السماء، كم أضفى على الظلمة من بهاء وضياء ... !
عندها أيقنت أن ولدي الحبيب كمثل ذلك النجم اللامع، الجميل. البهيّ، وحده ...
وحده زيّن السماء كلها.. وحده أضاء في تلك الظلمة...
عندها أيقنتُ أن ولدي الحبيب من سيزيّن حياتي، من سيضيئ ظلمتها... من سيلمع في حياتي لمعان ذلك النجم الواحد في سماء تلك الليلة الظلماء... :)
أما أنا... فلقد خُيّل إليّ أنني أسمع شاعرة ساحرة... أسمع أديبة أريبة ...
لا.. لا .. بل لقد كنتُ أسمع أمّاً متيّمة بولدها...
متيّمة بمن لم يولد بعد، فكيف إذا وُلِد ... !
أسمع أمّاً يُغني حبها عن فيافي الفصاحة وحضائرها...
يسمو على المعاني وسموّها ...
يمتاز عن كل مميّز ...
أسمع أُمّاً، هذا وليدها الأول... هذا إحساس الأمومة فيها أبلغ من البلاغة ... أقوى من القوة.. !
أسمع أُمّاً سحرتني كلماتها، كما لم تسحرني معاني الأسماء، ومغازي الأسماء... :)
أسمع ما جعلني أعِدُها أن أكتب عن حبّها، عن أمومتها.. عن كلماتها العميقة .. العميقة ... وعن شعرها من غير تكلّف الشعراء، وعن نثرها من غير تصنّع الأدباء... :)
ويكأنّ الأمومة وصفٌ فوق الوصف، كلام يغني عن الكلام، صوتٌ يُخرِس كل ذي صوت.. نبض يختلج به صدر الحياة ...
🌠نجم 🌠...
أجل إنك بما قالت أيها الاسم حقا لأروع الأسماء :)