دخل المكتبة، وألقى السلام ... ويده بيد صغير يطفئ شيئا من نار شَيْب أشعل رأسَه ...
تلمح في تقاسيمه المتبسّمة حُبّا كبيرا لذاك الصغير يفوق حجمه وطوله وصوته، يدلّل على أنّ الصغار أكثر محتلّي القلوب قوة، وأوسع أولي العلم بسطة في العمل بعلمهم عَمَلَ البساطة والصدق والبراءة والطّهر... وأغلب الكبار ذوو عُسرة فيها، وكلّ الصغار فيها ذوو مَيسُرة ... وبين كبار وكبار أصلاب هي الأصل والمنبع وهي السبب في صغير جاء من كبير كان بالأمس بين الصغار صغيرا ....
فأيّ شجرة هي تلك أصل الفروع وأصل الأوراق وأصل الجذوع ... !
أي شجرة تلك التي تعرِّفُك الرياح العاتية مقدار رسوخها في الأرض وضربَ جذورها فيها، وتُعرّفك الشمس المضيئة الحانية على كائنات الحياة مقدار ما تصبر على صُروف الدهر، وكيف تعِد بعودة الخضار وإن سلبها الخريف العنيف أوراقها ونثرها على الثرى، حتى إذا رمقتَها خِلتها المسلوبة التي لن تعود لها الحياة.... وهي التي قد قطعت مع الربيع مواعيد العودة والميلاد الجديد ... ! فما أن يهلّ الربيع الوديع حتى يعود النماء وتعود ابتسامتها للحياة كما تعود فيه للحياة ابتساماتها .... !!
هكذا هم الكبار إذ يرافقون صغارَ صغارِهم، ولكأنّ الجذر الأكبر وهو يحمل الساق والجذوع والأوراق يحنو على الكلّ ويحيا للكل، ولا معنى لحياته إلا بحياة الكلّ...
و ما يضِنّ وجهُ الحياة العبوس برسم التجاعيد خطوطا وخطوطا على الجلد ترهّله وتَذهب بنضارته وطراوته، ولهو أقرب للبَضْع بسكين منه للرسم بريشة، وتُكدَّس السنون بادية لا خفيّة وإن جاهد مَن جاهد على أن يخفي ويداري ويواري...ما ضنّ حتى على اليد الممسكة باليد، فإذا رسم التجاعيد عليها لا يخفى وهي تقبض على يد صغيرة غضة نضِرة يستحي وجه الحياة العبوس أن ينظر إليها أو أن يريها عُبوسه واكفهراره ...
ولكنّ الصغير أفلحُ المفلحين في رؤية جدّه المُحبّ شابا يافعا فارعا لا تُبعِد بينهما السنون بقدر ما تقرّب بينهما لغة القلبين، فإذا قيست القلوب بالأحجام كان قلب الجدّ أكبر كما قلب كل كبير إلى قلب كل صغير، ولكنّهما يستويان بمقدار الحب العظيم الذي يحتويان... فلهو الموحّد بينهما، وهو القاسم، وهو الذي يسوّي الصغير إلى الكبير في غير كذب ولا افتراء .... فيُضْحي قلب الصغير كبيرا مع قلب الكبير الكبير .... ! emo (30):
ها هما عيناه تشرئبّان من أصل الأرض الأقرب إليه، مع عُنُقِه، مع كل ما فيه إلى وجه الجدّ الأبعد عنها، في حديث العين للعين والشفاه للشفاه، بلا تكلّف ولا اصطناع ولا مقدّمات ولا استباقات .... هذه الفصاحة التي لا تكلّف فيها ، وأفصح الفصحاء يخشى شيئا يشوب فصاحته وآذان الجمع متربّصة بكلماته ... ! وأكثر الحكماء حصافة يخشى أن تناله يد الهفو فيقع إلى دون ما عُلم عن حصافته ... !! وأحسن الجياد روضا تكون من نصيبه الكبوة...
ولكنّ هذا الصغير لا يخشى مع طلاقته وتلقائيته وسلامة قلبه التامة كبوة ولا هفوة ولا شوبة ... وهو يحدّث جدّه الذي تهابه الكبار ويحسبون له الحساب والألف بحديث الواثق الذي لا يأبه لضحك ضاحك ولا لشزر ناظر .......فأوّاه ثم أوّاه لريح الحرية فيكم أيها الصغار البواسل ... !!
ها هو ذا يطلب، ويلحّ ، ويصرّ ولا يفتر... يقيم على طلبه منافحا مصابرا مرابطا لا يعود عنه ولا يَعدِل وإن كان من الجد ما كان، وقد يضجر الجد المحب من طلبات كثيرة، وقد يملّ ، وقد يرى فيما يرى أن أوان الردع والصدّ قد آن، وأنه لا مجال لفتح باب تلبية بلا إيصاد ....ولكن غالبا ما يغلب الصغير وإصراره، ويفوز بإلحاحه وقيامه على طلبه ومراده ....وغالبا ما يعود الجد الكبير عن رأيه ....وغالبا ما تذهب حكمته ونظرته البعيدة بعيدا عنه تكِلُه وانصياعَ كل حكمته ورؤيته وتجربته وسنين عمره الطويل لصغير أقرب ما يكون عَقْلُه لعُقلة إصبع من أصابع عقله الكبير ... !!
فأواه فيكم لريح الإصرار والجهاد في سبيل تحقيق المراد أيها الصغار الأبرار ... !! emo (30):
- قصة تليق بسنّه لو سمحتِ...
- هذا رفّ قصص الأطفال أمامك يا "حاج" ...فانظر ماذا ترى، وانظر ما يروق للصغير بينها ...ما رأيك بهذه المجموعة من قصص الأطفال العالمية ؟ "ذات الرداء الأحمر، اليتيمة بائعة الكبريت، القط الذكي....." ؟
- يااااه ... انظر يا بنيّ هذه "ذات الرداء الأحمر" ويثنّي باسمها الفرنسي "Petit chaperon rouge"، أهي هنا؟؟ يا حسرة على الزمان ...يا حسرة ... !! يا حسرة على زمن جميل مضى يا حسرة ..... !! سآخذ لك هذه يا بنيّ لتقرأها وتعرف قصتها، فهي من أول ما قرأنا صغارا ....
وجعل الجدّ يتصفّح القصة بصورها وحياتها القديمة الجديدة، ويرى فيما يرى ماضيا عاشه، وزمانا جميلا كانت فيه "ذات الرداء الأحمر" من أول ما عرف، ومن أول من أحب، كيف لا وهي من بواكير المعرفة في باكورة الحياة ؟! ....
ورأيته وهو يقلّب صفحاتها وكأنّه يقلّب معها صفحات تاريخ مضى من حياته، كان من ذاك الزمن الجميل ....
(http://www.ayamnal7lwa.net/forum/index.php?action=dlattach;topic=4494.0;attach=10037;image)(http://www.ayamnal7lwa.net/forum/index.php?action=dlattach;topic=4494.0;attach=10027;image)(http://www.ayamnal7lwa.net/forum/index.php?action=dlattach;topic=4494.0;attach=10037;image)
أيام عرف الطهر والبراءة والنقاء في ذات الرداء الأحمر، وعرف الطيبة والوداعة والرقة في ذات الرداء الأحمر .... وعرف الحب وفعل الخير في ذات الرداء الأحمر وهي تزور جدتها وتأخذ لها معها حلوى مما تحب وتشتهي.... وعرف من معاني الحرية في ذات الرداء الأحمر وهي بين المروج تسرح ، وفي أحضان الغابة باسقة الشجر دانية الثمر يانعة الزهر تلهو وتمرح، تُسلّم على كل نبْتها ومائها وطيرها كما يسلّم البشر على البشر .....
عرف المكر في ذئب تربّص بها في أدغال الغابة، فذكر مُرَّا تجرّعه وهو يكاد يموت فَرَقا على ذات الرداء الأحمر من مَكْره،و كم ودّ لو أنّه كان ذاك الصيّاد الشهم منقذَها من أنيابه اللمّاعة الطمّاعة ....
وكم حزِن وأفل نجم بسماته المتلألئات قبل حين فور سماعه أنّ الذئب همّ بها سوءا وأذى، بل وفوق الهمّ كان النُّزوع...! وأيّ نزوع قاتل هو ، وذات الرداء الأحمر وجدتها بين أحشاء الذئب حَشى ؟! sad:(....ثمّ ما انفكّ يموت حزنا وكمدا حتى فُكَّ أسر قلبه الخائف الحزين فورما عرف نهاية الذئب اللئيم ونجاة ذات الرداء الأحمر من مكره وكيده وطمعه ....حتى أنّه صدّق كل التصديق بباقر بطن اللئام ومستخرج الطيّبين الحَشى أحياء من بين أحشائه...!! وكم سعِدَتْ وجدتها .....وكم هنئتا.... وكم كان جزاء الإحسان لها إحسانا ....
في لحظات ............لم تكن إلا لحظات ... هي التي قلّب فيها صفحات القصة الصغيرة، رمقتُ الماضي السحيق ممتثلا بين عينيه، كما امتثل بين عينيّ ماضٍ هو لي بعيد أيضا، ولكنّه أيضا كان من الزمن الجميل .... فعرفت كم أنّ حسرته كبيرة، وكم أنّ صفحة الذكريات التي فُتحت أمامه على ورق "ذات الرداء الأحمر" كانت جميلة بهيّة، بألوان زاهية رسمت رَوْقَة الإحساس بوزن الذكريات الجميلة البديعة ....
ما دَرَى أنني كنت أرى ما كان يرى، ما دَرَى أنّني أقلّب معه أيضا صفحاتي الجميلة، أراها في عينيه حسرة، يقيس بزمان يعيشه اليوم زمانا عاشه وكأنه كل أيامه ....
-----------------
ومازال لقصة القصة بقية فهل نكمل ؟ emo (30):